رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس أسوأ في دول الربيع العربي من ابتزاز الأقلية، ويجب أن يقابله بكل قوة اعتزاز الأكثرية، لقد تعودت هذه القلة على أن تحكم البلاد بالحديد والنار والسيف البتار، فجاءت الثورة واقتلعت منهم الجذور، فتعلق هؤلاء بالقشور، وصاروا في كل بلد ينعقون بما لا يعقلون، ويرفعون أصواتهم التي لم تعرف إلا صوت النفاق لنظام كان لا يرحم من أبدى خلافه معه في الفروع لا الأصول، جاءت الثورة وكان أكثرهم لها بالمرصاد، ويلعنون شباب وفتيات الثورة، وكثير منهم لهم أقوال وأفعال مسجلة في كل مكان، "وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" (فاطر: من الآية14)، هؤلاء قد استقووا بالمجلس العسكري الذي أراد أن يستعيد سطوة النظام، بل أشخاص النظام السابق، وكثر ترددهم على مكاتب المشير، ودبروا بليل وتحركوا بالنهار لإدخال عمر سليمان ثم أحمد شفيق في حلبة المزاحمة السياسية من بوابة الديمقراطية التي تنكروا لها خلال ثلاثين عاما، فلم يطالب أحدهم يوما أن يعيَّن أو ينتخب نائب رئيس، ولم يقفوا أمام سطوة النظام وأولاده وزوجته على رقاب العباد، وانتشار الفساد، وزيادة الاستبداد، وإشاعة العداوات بين المسلمين والمسيحيين، وبيع الأغذية الفاسدة، وإصابة ثلاثة أرباع الشعب المصري بأمراض مزمنة وفتاكة، وفساد منظومة التعليم، وسطحية وتحلل الإعلام الذي لا يسبح إلا بحمد الطغاة أو الشهوات، وسرقوا الأراضي، ودعموا الكيان الصهيوني بما يقارب عشرة ملايين جنيه مصري يوميا، تخفيضا للبترول والغاز المصري لقتل إخواننا في فلسطين، والمشاركة في تمزيق وحدة العرب، ومطاردة الإسلاميين من أي بلد، والمحاكمات العسكرية الظالمة، والاعتقالات التي طالت فوق الخمسين ألفا، ولا يعلم إلا الله كم قتل من أبناء مصر على يد شياطين أمن الدولة وجهاز المخابرات، وهذا غيض من فيض من ألوان الفساد والاستبداد والظلم والقهر والطغيان، ولم نسمع من هذه الأقلية اليوم صوتا لمواجهة هذا الكم الهائل من الطغيان والفساد، وجاءت الثورة لترفع عن الجميع إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، وبدأ الشعب مشوارا جديدا من الإصلاح والتغيير، والبناء والتعمير فوقف هؤلاء بالمرصاد أمام كل ما يؤدي بالبلاد إلى الهدوء والاستقرار. لقد وصل هؤلاء في فجورهم أن كان بعض الوزراء يجاهرون بالإلحاد ويسخرون من القرآن والسنة، وكان مساعدوهم يعلنون السخرية من الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وامتلأت الأفلام بالسخرية من شعائر الإسلام وكانت هذه القلة المبتزة اليوم كأصحاب الموت الزؤام أو أصحاب القبور فإن خرجوا فلا صوت إلا النفاق. هؤلاء لا يعدون النجاح إلا في مقاومة أهداف الثورة باسم الثورة، فنجحوا في إبطال قانون العزل السياسي وحل مجلس الشعب الذي انتخبه ثلاثون مليونا لأول مرة في تاريخ مصر، واعتز به الأغلبية لكنه إذ لم يأت بهؤلاء الأقلية ووجدوا أنفسهم يخسرون كل موقع في النقابات ومجلسي الشعب والشورى وانتخابات الرئاسة فلم يجدوا إلا التشويه والتقاط العثرات، وإخفاء الحسنات، وجعلوا من الحبة قبة، ولم يعوا الدرس إلى الآن، ولا تعنيهم مصر بأي حال، ففي يوم واحد في جريدة الأهرام يوم السبت 25 ذو الحجة 1433هـ الموافق 10 نوفمبر 2012م نشر في صفحات الحوادث عن سقوط "توربيني" جديد حيث هتك عرض 18 طفلا، وفي بعض المرات كان يهتك عرض عدد منهم في وقت واحد، وصورة أخرى لشاب 15عاما قتله شباب من أجل سرقة المحمول، وضُبطت عصابة مافيا من طبيبين وممرضة، امتهنوا تجارة الأطفال من الأمهات اللاتي حملن سفاحا، وباعوا في عين شمس وحدها 300 طفل، وحادثة أخرى قتل فيها شاب في جامعة المنصورة لأنه حاول أن يمنع مجرما من التحرش بفتاة، وهناك عصابة أولاد الذوات لسرقة شقق الأغنياء، والفتاة الجميلة التي كانت تمارس الرذيلة بعلم زوجها ومباركته، وذهب لينكر أولاده إنهم ليسوا من صلبه، وأغرب من الخيال أن يقتل شاب في ريعان الشباب من أجل كلب جاء أحد البلطجية يريد أن يأخذه ليبيعه، والشاب الذي ذُبح وفصلت رأسه عن جسده لأنه اعتدى على ابنة عمه خيانة للعشرة، والأم التي حملت سفاحا ثم نزعت طفلتها من الرضاعة لتضع يدها على رقبة طفلتها حتى قتلتها خنقا لتتخلص من آثار جريمتها! هذه والله الجرائم المنشورة في يوم واحد في جريدة واحدة ناهيك عن الجرائم المستورة التي يمضغ أصحابها أقسى الآلام حتى لا تتضاعف عليهم ضغوط الأعراف الاجتماعية، كل هذا لا يشغل هذه الأقلية التي تناطح الدستور، وتسخر من إنجازات الرئيس، وتثبط أداء الحكومة، وتلطخ إنجازات الجمعيات الخيرية الكثيرة في مصر، فمصر الكبيرة الأكثرية فيها من أهلنا الطيبين، وعلمائها المتميزين، وخطبائها المستنيرين، وتجارها الصدوقين، ونسائها العفيفات، ورجالها من ذوي المروءات، وشبابها من ذوي الكفاءات، فهؤلاء يريدون الإسلام حلاَّ، ويعتزون بهذا الدين الذي حرموا من تطبيقه عشرات السنين وتنفسوا الصعداء لإزاحة عصابات من أكابر المجرمين، وهؤلاء من الأكثرية لابد أن يحموا ثورتهم، وأن يلتفوا حول شرعيتهم، وأن يضاعفوا إنتاجهم وأن يتمسكوا بقول الشيخ الشعراوي: "إن الثائر بالحق الذي يثور ليهدم الفساد، ثم يهدأ ليصنع الأمجاد"، هؤلاء لابد أن يكونوا دائما على أهبة الاستعداد للحفاظ على مكتسبات ثورتهم، والوفاء لدماء شهدائهم، وتخفيف معاناة جرحاهم فيعلنونها قوية مدوية معبرة عن اعتزاز الأكثرية بدينهم وقيمهم وأخلاقهم وولائهم لبلدهم، وحرصهم على مستقبل أمتهم، في مواجهة ابتزاز الأقلية الذين لم يلجأوا يوما إلى الشعب، بل إلى النصب، ولم ينزلوا إلى الميدان وإنما استقووا بالخارج، والمفسدين من بقايا النظام السابق من رجال الأعمال، وجهاز القضاء، وفلول الإعلام، وعصابات البلطجية، واستغلوا عدم وجود قانون "من أين لك هذا؟"، وقد أقسم لي في الطائرة موظف كان يعمل مع هؤلاء الكتاب الكبار الذين يبتزون بالليل والنهار أنه كان يكتب المقال وعلى حجره تجلس فتاة وراء أخرى، ويطبعون القبلات على وجه الكاتب المبدع، أما كؤوس الخمر فحدث ولا حرج، واستحلفته في الطائرة نحن معلقون بين السماء والأرض، فإياك والبهتان، فأقسم بالله ثلاثا قائلا: لقد تبت إلى الله من العمل مع هؤلاء، ولقد رأيت رأي العين ما أستحي من ذكره، وأنه ترك العمل رغم سيل الأموال التي تنفق على الكتاب المبتزين المضللين ومن عاونهم. يا قوم مصر ليست ألعوبة لابتزاز الأقلية من القضاة والإعلاميين والكتاب والصحفيين والبلطجية ولابد من اعتزاز الأكثرية بربهم ودينهم وعروبتهم ووطنهم، وليمضي الدستور إلى استفتاء الشعب ليظهر اعتزاز الأكثرية بمصر الجديدة ودستورهم الذي يحفظ الحرمات، ويفجر الطاقات، ويطارد الاستبداد ويحاصر الفساد، ويساعد البلاد والعباد للوصول إلى نهضة وحضارة إسلامية تقود المنطقة كلها والعالم إلى رشده. فيا معشر الأكثرية احتشدوا يرحمكم الله اعتزازا بدينكم ووطنكم ولا تستسلموا لابتزاز الأقلية الذين يصدق فيهم قول الله تعالى: "وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ" (الواقعة:82).
553
| 14 نوفمبر 2012
إن ما صرحت به ليفني رئيسة وزراء الكيان الصهيوني سابقا لصحيفة التايم الأمريكية هو التنازل عن العرض خدمة لإسرائيل، حيث مارست الجنس مع شخصيات عربية مهمة للحصول على تنازلات لصالح كيانها الصهيوني، وما صرح به أبو مازن عباس هو تنازل عن الأرض الفلسطينية الوقفية لصالح إسرائيل حيث قال لمذيع القناة الصهيونية (!) إنه لا يعترف لفلسطين إلا بحدود 1967، ولن تقوم انتفاضة ثالثة في عهده، وأضاف: "حقي أن أرى بلدتي الفلسطينية التي ولدت بها، لكن ليس من حقي أن أعيش فيها"، يعني أن قريته المحتلة لا حق له في العودة إليها بل حقه فقط أن يذهب سائحاً، ليرى الآثار العربية القديمة – إن كان قد بقي فيها شيء بعد الاحتلال – كما يرى العمران الصهيوني الجديد، وربما يفرح لبلدته أن اقتلعت منها أشجار الزيتون، وتم تشجيرها بأشجار الزينة، وردمت فيها الآبار العذبة لحساب المواسير الصهيونية التي تشق الأصالة العربية، وتنخر في الرجولة الفلسطينية، هل من المصادفة أن يأتي التصريحان من ليفني وعباس في أسبوع واحد، قيادة صهيونية من الحسناوات تغري قيادات عربية وتمارس معهم الجنس الفاضح مقابل تنازلات، وهل هذه الشخصيات إلا قوم لهم سلطة القرار؟ ويملكون أجهزة وصلاحيات وهيئات ومنظمات ووزارات ودولا وأموالا و.... فهي قطعا سوف تختار الضحية التي تزني معه كي يكون الثمن هو هذه التنازلات الضخمة، وفي الوقت نفسه تصرح أنها على استعداد أن تعيد الكرّة من أجل إسرائيل، وأنها لما عملت في الموساد الصهيوني قد قامت بعمليات قتل لشخصيات فلسطينية عديدة، ومع هذا تعلن أنها ستعيد ترشيح نفسها رئيسة لوزراء الكيان الصهيوني في الانتخابات القادمة عن حزب "كاديما" بعد تورط أولمرت في فضائح مالية، لكن الفضائح الإنسانية في القتل والأخلاقية في الزنا لا تحول دون الترشح لأرفع منصب تنفيذي في حكومة الكيان الصهيوني تماما كما لم يكن ثمة مانع لدى الشعب الأمريكي أن يزني رئيس أمريكا الأسبق بل كلينتون في البيت الأبيض مع مونيكا، وكذب أولا أنه لم يفعل، ولما خرج الموضوع إلى العلن، تراجع واعتذر عن واقعة الكذب لا الزنا وتفهم وتقبل المجتمع الأمريكي الأمرين لأن السيد كلينتون له دور في تحسين الاقتصاد، وهو أمر مخجل أن يكون العرض بعد المال في المفهوم الغربي، أما عندنا فالعرض يسبق المال والحياة نفسها، وقد جاء في الحديث الذي رواه سعيد بن زيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" (صحيح الجامع)، وقال ابن قيم الجوزية: لو راود أحد امرأة عن نفسها تقاتله فإن قتل فإلى لعنة الله ولا دية له، وإن قتلها الباغي فهي شهيدة، ولم يعدَّ من الإكراه أن تستسلم المرأة لمن يغتصبها قهرا إلا أن تفقد الوعي أو الحركة تماما، وقال الشاعر العربي الأصيل: تهون علينا في النائبات جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول ويقول الشاعر الأبي الحر: أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال المال إن أَودى أحتال فأجمعه ولست للعرض إن أودى بمحتال، فالآنسة ليفني تقدم في عالم الخساسة والسياسة والدياثة نموذجا جديدا هو التضحية بالعرض لإيقاع الضحايا الكبار في شباك الموساد الصهيوني، ثم تصوّر هذه الوقائع بعناية، ويتم تهديد الضحية كلما فكر أن يرفع رأسه بتصريح أجوف لا قيمة له، لكن لمزيد من الإذلال لابد أن يعتذر، وأن يقدم تنازلات أكثر تأديبا له، ومنعا من أن يخسر منصبه، وإن خسر كل شيء شرفه وعروبته وولاءه لأنه كالثور الأعمى كما قال تعالى: "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" (الحج: 46)، والنهاية كما قال تعالى: "خسر الدنيا والآخرة" (الحج:11)، ولذلك كنت في تحليل أسباب انحدار مستوى الخنوع والخضوع والذلة والمهانة من بعض القيادات العربية للإملاءات واللاءات الصهيونية أقول: لا أجد مبررا لكل هذا التنازل عن الأرض والقدس والأقصى، وحق العودة للاجئين، وملف الأسرى، وضرب غزة وإعلان ذلك من القاهرة، وقبول قتل الصهاينة أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة ودبي وأوروبا وتونس و...، بل قتل جنودنا المصريين على التراب المصري إلا أن هناك مذلّات وجنايات ممسوكة ومصورة لهؤلاء الكبار، لكن حجم فهمي أن ذلك قد يحدث في وقت مبكر في ريعان الشباب من باب صناعة العملاء في المستقبل، وتقوم به بنت صغيرة مراهقة بالأجرة، وربما لا تعرف من الضحية ولماذا يُعدّونه مستقبلا، لكن أن تكون الدعارة بين الكبار سنا ومركزا وسياسة، فهذا أمر فوق الخيال، وتحت أدنى التوقعات، لكنه يفسر حجم التنازلات، وأذكر أنني في لبنان لقيت شخصية من هؤلاء الكبار في السلطة الفلسطينية في رام الله، وفوجئت به يفطر في القاعة نفسها التي أفطر فيها – رغم تواضع مستوى الفندق – فسارعت للانتقال إليه، وطلبت منه الحوار معه، فكان مما قلته: قل لي أيها السياسي الكبير ماذا بقي في أيديكم من شيء تقدمونه للكيان الصهيوني حتى تحافظوا على مواقعكم مهما خسرتم من مواقفكم ومبادئكم، ولقد لفظكم الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي بل الإنساني؟، ويومها ضاعف جرعة الكذب حتى يبرر تنازلاته، فقلت له إن طفلا في عالم السياسة لن يصدق هذا الدجل السياسي، ولم أكن أتصور أن يصل الأمر إلى المستوى الذي تحدثت عنه ليفني من ممارسات جنسية كاملة مع شخصيات عربية مهمة للحصول على تنازلات بالجملة، ولذا أقترح لو فازت ليفني في رئاسة وزراء الكيان الصهيوني ألا يلقاها أحد إلا مع حرس حدود يحمونه من إغراءات الحسناء حتى لا يقع في مستنقع التوظيف لصالح الكيان الصهيوني، وآنئذ لن يُرحم، بل سيلقونه في أول سلة مهملات ويلطخونه في الوقت الذي لا يعود ذا فائدة بالنسبة لهم. إنني لم أفاجأ مما قاله عباس من إهدار حق العودة للأراضي الفلسطينية، وإهدار حق المقاومة، وقيامه بقتل المقاومين، وأمره لأحد زبانيته -بصوته على اليو تيوب- أن يذبح أبطال حماس، لكن المفاجأة الأكبر هي رد فعل القادة الصهاينة حيث قال ليبرمان وزير خارجية الكيان الصهيوني: "عباس لا يصنع لنا معروفا بتنازلاته، بل يتوجب عليه أن يقدم الشكر لنا؛ لأنه من دوننا لم يكن لسلطته أن تتواصل ولو دقيقة واحدة في الضفة"، وقال آخر منهم: إن عباس يكذب علينا لأنه يقول في قنواتنا شيئا، ويقول في القنوات العربية شيئا آخر. صدق الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح ميت إيلام يارب اعصمنا من فريسة الهوى، ومضلات الفتن حتى نبقى برضاك وحدك متعلقين، ولأعراضنا حافظين، ولأرضنا وقدسنا أسودا حماة فاتحين.
432
| 09 نوفمبر 2012
الدعاة قوم يبحثون عن أرض صحراء يزرعونها، والرعاة قوم يبحثون عن أرض خضراء يأكلونها، الدعاة من الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس لأن الله يفتح بهم قلوب العباد وأطراف البلاد، والرعاة يعيشون في حالة من البؤس من سوء ما وضعوا فيه من ضنك العيش، وقلة الحيلة، وضياع الهيبة، وفراغ اليد، الدعاة قوم نذروا حياتهم لله تعالى ولو ضاقت واستحكمت حلقاتها، فالله تعالى يقول: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا" (الطلاق: من الآية7)، والرعاة تضيق بهم الحياة فلا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، ويظل في رأسه دوار طوال الشهر كيف يصل إلى نهايته دون دَيْن هو همٌّ بالليل وذل بالنهار، الدعاة ذوو البأس الشديد يمضغون الآلام ويمضون إلى الرحمن، لا يوقفهم عن دعوتهم إلا الموت، ويبتسمون له كما كان الداعية العالم المجاهد معاذ بن جبل يقول عند احتضاره مخاطبا ربه: "اللهم إني كنت أخافك، وإني اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني ما طلبت الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولا لبناء الدور، ولا لعمارة القصور، ولكن لظمأ الهواجر- أي الصوم في الحر- ومكابدة الساعات – أي التهجد- وطلب العلم، وتعليمه الناس، والجهاد في سبيلك، مرحبا بالموت حبيب جاء على فاقة"، وبؤس الرعاة يجعلهم يتمحورون حول لقمة سائغة، وحلة سابغة، ومركب سريع، ومسكن وسيع، وامرأة وضيئة، ومنزلة رفيعة فإن تحققت هذه المطالب تقدم إلى الناس بدعوته، وإلا فلا حرج أن يفقد هيبته، ليُحسِّن لقمته، وإن أضر أمّتَه، وكم سال مدمعي، وتأرق مضجعي على حملة العلم الشرعي وهم يقلدون الناس في أفعالهم، ولا يقودون الناس نحو منهج ربهم، والحق أنني لست أرى هذا الفريق الذي تحول من فريق الدعاة ذوي البأس الشديد، إلى فريق الرعاة ذوي البؤس الرهيب أنه المذنب وحده، بل أولئك الأوغاد الذين نهبوا الأوقاف الإسلامية والمسيحية في الستينات، فلما هاجت الكنيسة وماجت، وأظهرت العين الحمراء وساندها هذا الارتباط والتنظيم الدولي، ردوا أوقاف الكنائس دون المساجد، وسلبت أوقاف الدعاة، وصاروا كالأيتام على مأدبة اللئام، وصار النهب من رموز الدولة للأوقاف الإسلامية كالنار تأكل الهشيم، ففي الإسكندرية وحدها هناك فوق الأربعمائة فدان في أرقى الأحياء نهبها بلطجية النظام السابق، تفوق قوتها الشرائية الأربعين مليارا، وأكد لي أحد المستشارين في وزارة الأوقاف سابقا أن حجم النهب لأوقاف المساجد يفوق التريليون جنيه مصري، وظننت أن الرجل يبالغ، لكني بعد أن صرت في فريق الإدارة بالوزارة أرى أن المستشار لم يصف كل الحقيقة، فعندنا أوقاف في اليونان وإيطاليا ودول عدة في العالم فضلا عن أوقاف الداخل الواسعة المتنوعة بين عقارات وعمارات ومصانع ومستشفيات، وقد ملئت كروش حتى انتفخت من أشد أنواع المال حرمة وهو الوقف، فصار الإمام لا يتجاوز راتبه أول التعيين 300 جنيه "50 دولارا" وبعد سنوات طويلة من الخدمة قد يرتفع – إذا نفَّذ كل المطلوب - ما يعادل 900 جنيه "150" دولارا، في الوقت الذي يدفع هذا المبلغ حرامية الأوقاف لمن يسقيه القهوة أو يقدم له الطعام في فندق فخم يليق بديناصورات نهب الأوقاف، وقد جاهد وأجهد الدعاة ذوو البأس الشديد فتحول بعضهم بعد أن عضه الجوع إلى فريق الرعاة ذوي البؤس الشديد، هذا ما لمسته في الداخل والخارج، ولطالما ناديت في رابطة علماء الشريعة بأميركا، ورابطة الدعاة بأن يبدأوا المشوار من تحرير أنفسهم من الأسر الذي يعيشونه حيث يقدر راتب الإمام رجال الأعمال حسب درجات الرضا، وفي صبيحة يوم مشئوم قد يجد الإمام نفسه وأولاده في الشارع الأمريكي أو الأوروبي الذي لا يرحم المساكين من الدعاة، والحل كان عندي دائما أن ينشأ الوقف الإسلامي في أوروبا وأمريكا واليابان وأستراليا و.... ولا يعطى الإمام راتبه ويزداد حسب درجات الرضا من المجالس الإدارية التي تتغير بالمناكفات والمغالبات أو اللوائح، ويكون أول الضحية هو الإمام، بل يعطى الإمام راتبه معززا من إدارة الأوقاف الشرعية حسب نضجه العلمي وتوسعه الدعوي، والارتقاء في الدورات التدريبية لمزيد من ترسيخ فهم الإسلام أو المجتمع، أو طرق توصيل الدعوة للناس خاصة الشباب المسلمين وجماهير غير المسلمين، ولذا وجدت الكثير من الأئمة يمضون سنوات في بلد أجنبي ولا يجيدون لغة البلد!! وتسأل فيأتيك الجواب مؤلما مؤسفا ليس عندي فائض من المال أدفعة لمدرسة تعليم لغة البلد، وأذكر أنني سعيت لأحد النبغاء من الأئمة كي يدرس الماجستير بعد أن رأيته قد نحت في الصخر ليتقن اللغة الإنجليزية دون تكلفة على المركز الإسلامي، وكان المطلوب فقط إعفاء الإمام من الحضور 3 مرات في صلاة الظهر- حيث لا يأتي للجماعة سوى القليل- لأنه سيكون في الجامعة يدرس الماجستير في الدراسات الإسلامية ليعود بالنفع عليهم وأولادهم ولكنهم قرروا فصل الإمام بدلا من دعمه، ونقل الإمام لدى قوم آخرين قدروا همته ففرَّغوه لدراسة الدكتوراه الآن في جامعة أكسفورد بلندن. في عالمنا كله تيار هادر يدفع بالدعاة ذوي البأس الشديد أن يكونوا من الرعاة ذوي البؤس الرهيب، ولا شك أن مشاريع النهضة في مصر التي بدأت بسلب أوقاف المساجد، واقتدت بها نظم إسلامية منوط بها الآن تكريم الدعاة لا بالمن عليهم من خزانة الدولة حسب درجات الرضا، بل من أوقاف الطيبين من المحسنين حتى يعيشوا ليس حد الكفاف بل الكفاية، ولا حرج من الرغد للدعاة لأن قلوبهم وبيوتهم مفتوحة 24 ساعة لهموم الناس التي لا تعرف وقتا ولا تراعي ظرفا. أشكر فخامة الرئيس محمد مرسي على تأسيس لجنة برئاسة رئيس الوزراء لحصر أوقاف المساجد، تمهيدا لردها، بعد لقائه مع الدعاة، لكن يا سيادة الرئيس وحوش النظام السابق يحتاجون ليس إلى لجنة بل للجيش والشرطة معا لاسترداد الأوقاف، وأتمنى على الدعاة أن يرفضوا أية زيادات من خزانة الدولة المنهكة بالطلبات الفئوية، بل من أوقافهم المنهوبة اقتداء بإخواننا الدعاة ذوي البأس الشديد في جنوب إفريقيا حيث رفضوا دعم الحكومة لهم، وآثروا أن يكون الوقف مصدر عزتهم. فلنصنع معا بأس الدعاة، ونطارد بؤس الرعاة، واسألوا عن تجربة الوقف في تركيا تعرفون سر نجاحهم.
458
| 02 نوفمبر 2012
أمانة الدعوة تقتضي البلاغ بالقلب واللسان، لقوله تعالى: "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ" (الغاشية: 21-22)، وأمانة الدولة تقتضي التغيير بالقلب واللسان واليد، كما قال تعالى: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور"، (الحج:41)، أمانة الدعوة توجب تقريب كل الناس إلى رب الناس، لقوله تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا" (الأعراف: من الآية 158)، وقال صلى الله عليه وسلم: "خلوا بيني وبين الناس"، وأمانة الدولة تقتضي أن تقول للتقي الورع الذي لا يقدر على الإدارة: كن رجل دعوة لا دولة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه في الحديث الذي رواه مسلم: "يا أبا ذر! إنك ضعيف، وإنها - أي الإمارة - أمانة، وإنها يوم القيامة، خزي وندامة"، وأبو ذر كان أنجح الناس دعويا فبعد إسلامه بقليل هدى الله على يديه قبيلتين كبيرتين هما: بنو غفار وبنو أسلم حتى قال صلى الله عليه وسلم له: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر" (سنن الترمذي، حديث حسن)، ومع التحول من مرحلة الدعوة بمكة إلى الدولة بالمدينة لم يولَّ أبو ذر على اثنين، أما عمرو بن العاص الذي حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم زمنا قبل إسلامه، بل أوفدته قريش إلى الحبشة ليفسد النجاشي على المهاجرين المضطهدين من المسلمين، لكنه لما أسلم بعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقال له: "ألا أبعثك وأحذيك؟" -أي أمنحك راتبا كبيرا ليغطي مصاريف وجاهتك- فقال عمرو: "ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: "يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح" (الصحيح المسند، حديث صحيح)، وقد قاد الأمور بكثير من الحكمة وندرة من الأخطاء، حتى أنه كان أول من اقترح مبادرا على الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن نفتح مصر لنقضي على آخر قلاع الرومان ونحصن الفتح الإسلامي للقدس وفلسطين والشام، فأجازه سيدنا عمر وفتحها، وأكرم عمرو المقوقس الأكبر عظيم القبط، وأحسن إلى النصارى المقهورين من نصارى الرومان، فجاء الإسلام بردًا وسلامًا على كل أهل مصر قاطبة على يد رجل الدولة عمرو بن العاص، وهو الذي وجه عقبة بن نافع لفتح ليبيا تأمينا للجبهة الغربية لمصر ففتحها. رجل الدعوة " يطبطب " على كل المدعوين أملا أن يردهم إلى طريق الصالحين، ويأخذ بأيديهم إلى النور المبين، والصراط المستقيم، لكن رجل الدولة يفعل غير هذا فيستبعد غير الأمين على المال، والجبان عن مسؤولية حماية الثغور، وجهاد الأعداء، ويستبعد في وظائف الأمن من يفشي أسراره، ويكثر كلامه، والضعيف الذي يرتعش من كل صيحة، ويستبعد من الإدارة من يجيد وصف المشكلة دون التفكير في حلّها حتى قيل: القائد إذا عرضتَ عليه مشكلة بادر إلى اقتراح حلولها، والفاشل إذا وُضع له ألف حلٍ وحل يُخرج لك ألف مشكلة ومعوق في كل حل، ومنهج رجل الدولة إذا اتفق على إنجاز شيء أن يتابع ويدقق، فإذا وجد غير ما اتفق عليه قام بالتذكير أولا، والعتاب ثانيا، والحسم أخيرا كما قص علينا القرآن من قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر لما سأله في المرة الأولى ذكّره بأرق لغة: "قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا" (الكهف:72)، فلما سأل في الثانية علت النبرة من التذكير إلى العتاب، باستعمال كلمة "لك" في قوله تعالى: "قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا" (الكهف: 75)، فلما سأل الثالثة حسم وفصل في الأمر فقال: "قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا" (الكهف:78)، وها هو ذو القرنين يدخل على أهل مغرب الشمس بقوله: "قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا " (الكهف: 87-88)، فجمع بين لين رجل الدعوة في قول الحسنى للمؤمنين الصالحين، ورجل الدولة أنه سيعذب باستعمال القضاء كل من يظلم غيره، ولما اشتكى القوم من يأجوج ومأجوج، لم يقل لهم بلغة رجل الدعوة: "صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة" (فقه السيرة، حسن صحيح)، بل تحدث بلغة رجل الدولة بقوله: "فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا" (الكهف: من الآية 95)، فلما فرغ من دوره كرجل دولة عاد رجلَ دعوة بقوله عن السد: "قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا" (الكهف:98)، فعرف متى يكون رجل دعوة، ومتى يكون رجل دولة، وإذا كانت أمانة الدعوة تلزم أن نستوعب كل الناس مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وطالحهم، وعندما يخطئون نغفر ونتسامح ونتغافر، لكن رجل الدولة الفذ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جاءه قبطي من مصر يشكو اعتداء ابن رئيس مصر آنئذ وهو عمرو بن العاص، أرسل عمر للرئيس وابنه وبدأ في محاكمتهما محاكمة عادلة ثم قال: "قم واضرب ابن الأكرمين"، فقام القبطي فضرب ابن الأكرمين، وهمَّ عمر بضرب عمرو لأن ابنه ضرب القبطي معتمدا على سلطان أبيه. أمانة الدعوة تقتضي اختيار أعمق الناس فكرا في فهم الرسالة، وأكثرهم معرفة بأحوال وتحديات مجتمعه، ثم أرقهم في طرائق الدعوة إلى الله، لكن أمانة اختيار رجل الدولة تقتضي استبعاد الضعاف ممن لا يجيدون استكشاف عناصر القوة والضعف والفرص والتهديدات، ثم اكتشاف رجال الدولة معه، من الأمناء الأقوياء في حمل الرسالة، ثم يحدد أولويات الزمان والمكان، ثم يضع خطة طموحة بشرط ألا تكون خيالا، ثم يراعي المتابعة الميدانية والمكتبية معا ليسلم من "تزويق" التقارير، ثم يستمر في مشوار التحسين والتطوير سعيا للأحسن دائما. هناك رجال دعوة لا يصلحون رجال دولة، ورجال دولة لا يعرفون شيئا عن الدعوة، وقد قال أخي وصديقي د. أيمن الغايش: "هناك من لا يصلح لهذا ولا ذاك لكنه يبقى من أصحاب الرغبة أن يكون رجل دعوة أو دولة". يجب أن نصدق الله في اكتشاف أنفسنا: هل نحن رجال دعوة أم دولة أو هما معا؟، وابدأ في حزم وعزم أن تختار الموقع الذي تجيده دعوة أو دولة، أو هما معا لتكون أهلا لقيادة الدولة برشد وقوة وأمانة، وإلا فيكفي أن تكون من أصحاب الرغبة، فنية المرء خير من عمله.
1721
| 12 أكتوبر 2012
يكفي في سجود القلب خشوعا وسجود العقل انصياعا وسجود الجسم اتباعا أن يقترب العبد من ربه سبحانه تعالى، وأن ينال صحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة، أما الأولى فلقوله تعالى: "وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ" (العلق: من الآية19)، وأما الثانية لما رواه مسلم بسنده عن ربيعة الأسلمي أنه قال: "كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: "سل " فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أو غير ذلك؟ " قلت: هو ذاك، قال " فأعني على نفسك بكثرة السجود"، وهي منزلة لا تعلوها منزلة أن تكون قريبا من الله في الدنيا والآخرة في رحلة معراج إلى الله تعالى مرات كل يوم، وفي صحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة، وقد ذكر الشاطبي في كتابه "الاعتصام بالكتاب والسنة" أن الله تعالى لما علم حب نبيه صلى الله عليه وسلم لأمته منح أمته مما أعطى نبيه، فلما "دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ" (النجم: من الآية8و9)، جعل الله تعالى هدية سيدنا محمد لأمته هي الصلاة، ويُعَنون لها بالركوع والسجود كما قال تعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ" (الفتح: من الآية29)، وعليه فليس الركوع والسجود فريضة ثقيلة إلا على قلب أصحاب الشمال أو المنافقين، أما السجود لدى أصحاب اليمين فهو عبادة حسنة، أما المقربون فالصلاة هي قرة العين، وهي الحديقة الغناء، والواحة الفيحاء، والأمان الجليل، والنور الكبير، وهي الملاذ في الشدة، والهدوء في الحدة، فلو حدث خطب جلل فليل العابدين محراب القانتين، والسجود في السحر قمة الاقتراب من رب العالمين؛ حيث ينزل ربنا سبحانه وتعالى ويدنو من عباده – من غير تجسيد ولا تشبيه – وينادي هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟ فإذا اجتبى الله عبدا هداه وقواه وأعانه وذكَّره، وهذَّبه وقوَّمه ليكون أهلا لقيام الليل فيفيض عليه من رحماته وبركاته وأرزاقه ونفحاته، كما قال تعالى: "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" (الزمر:9)، وقد قال الشاعر العابد محمد إقبال: يا رجال الليل جِدُّوا رب صوتٍ لا يرد لا يقوم الليل إلا من له عزم وجد لكن هذا السجود لابد فيه من الانتقال ثلاث نقلات: من غفلة القلب إلى استحضاره، ومنه إلى حضوره، وهذا لا يحدث فجأة بل رزق يحتاج إلى طول دربة، وصدق نية، وقوة مجاهدة، ودقة رقابة للقلب في خشوعه وخضوعه، وذلته ومسكنته بين يدي ربه، ومدى فرحه بالبر والطاعات، والصالحين والصالحات، وهنا تحدث هذه النقلات من الاجتباء والاصطفاء لينال ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس" (الجامع الصحيح للسيوطي، حديث صحيح)، وهما أمران مرتبطان ببعضهما؛ فمن سجد فاقترب ورأى من آيات ربه الكبرى، وأيقن بغنى الملك وعزته وقوته لم يحتج إلى غير الله تعالى، خاصة إذا كان ربنا سبحانه قد جعل السجود هو المعيار الأول لعبادة الرحمن وطاعته سبحانه والاقتراب منه جل وعلا، فكان أول تكليف للملائكة بعد أن خلق الله تعالى آدم أن يسجدوا لآدم عليه السلام كما قال سبحانه: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:34)، وتميز ذلك بهذه السجدة بين عابد وفاسق حيث قال تعالى عن إبليس لما رفض السجود: (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (الكهف: من الآية 50)، وجعل الله معيار العبادة والإيمان حتى يشتري الله هذه النفس ويورثها أعلى الجنان أن نكون من الساجدين كما قال تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة:112)، وقد أخبرنا الله تعالى أن الكون كله ساجد لله تعالى ما عدا فريق من الناس قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18)، وفي سورة الرحمن يذكر ربنا: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) (الرحمن:6)، فالسجود عبادة الإنسان صاحب الإيمان وعبادة الملائكة والكون كله ليس منه شيء إلا وهو ساجد للرحمن، فإذا سجد الإنسان فقد عبد الرحمن، وتوافق مع الأكوان، وانخنس الشيطان، ويولي حاقدا على الإنسان، قائلا: "تبًا لي أُمرت بالسجود فلم أسجد، وأمر ابن آدم بالسجود فسجد"، أما سجدة الاغتراب في جسد يهوي إلى الأرض، والقلب مشغول عن ذكر الله وعن الصلاة، بل له قلب لاهٍ عن مقام الله، وعقل يستكبر عن حكم الله، خاصة إذا خالف هواه، وله أخلاق السفهاء بعد الصلاة، وأخلاق الأنعام عند الطعام، والثيران عند الخصام، فجسده في الأرض رأسًا وكفين وركبتين وقدمين، فاستوفى الشكل الفقهي واستبعد الاستحضار أو الحضور القلبي فصار سجوده اغترابا عن الله لا اقترابا، وكم من ساجد تُلفُّ صلواته وسجداته في خرقة وتضرب في وجهه وتقول له: ضيعك الله كما ضيعتني، ولذا أنصح نفسي أن نستعد لسجود الاقتراب بكثرة الذكر والشكر والبذل والعطاء والصدق والأمانة قبل الصلاة، فإذا صليت ووصلت إلى السجود فابك أو تباكى حتى تبكي، وتذكر وأنت تقول سبحان ربي الأعلى أنك الصغير والله هو العلي الكبير، وأن الله أسبغ نعمه علينا ظاهرة وباطنة، وقابلها العبد كما قال تعالى: "إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ" (العاديات:6)، وقد سترنا ربنا وجاهرناه بالمعاصي، وغفر لنا وزلت بنا قدم بعد ثبوتها، وبهذه الدُّربة يصل الإنسان إلى قلب يخشع وعين تدمع وعمل يرفع ودعوة يستجاب لها؛ للحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء). أدعو نفسي وإخواني وأخواتي أن نتدرب على لذة سجدة الاقتراب، وأن نجافي سجدات الاغتراب؛ فنحن أحوج ما نكون إلى رب الأرباب، وحبله المتين الذي نقترب به إليه سبحانه وهو سجود القلب خشوعا، والعقل اتباعا، "وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ" (النساء: من الآية 32).
1049
| 05 أكتوبر 2012
الحلم هو أمل يتبعه عمل مهما كان الألم، الحلم يبدأ خيالا ويراه الناس هزالا ويراه صاحب الإيمان واقعا يُنتظر وأملا يُرتقب، الحلم هدف يسعى الإنسان لتحقيقه بكل ما أوتي من قوة حتى يستنفد كل طاقاته سعيا لهذا الحلم، الحلم هو دعاء بالليل من الرهبان الربانيين، وحركة دائبة بالنهار من الدعاة المصلحين، خاصة إذا كان هذا الحلم كبيرا، وللناس أحلام تضعف أو تتضاعف، تكبر أو تتصاغر، تنمو أو تتراجع، ولا أنسى عندما كنت أدرس اللغة الإنجليزية في جامعة أوهايو الأمريكية أن درسُّوا لنا قصة بعنوان: "My Big Dream" "حلمي الكبير" تحكي قصة شاب أمريكي يذهب كل يوم إلى المحلات الكبرى ينقض ما تم تصفيفه من البطيخ باحثا عن حلمه الكبير أن يأكل بطيخا إيطاليا، وقد احتال أحد مديري هذه المحلات على الشاب فقال له: تعال بعد 15 يوما وأنا أوفِّر لك البطيخ الإيطالي بعد عودتي من رحلتي إلى إيطاليا، ثم لم يذهب المدير إلى إيطاليا، بل احتال ووضع بطيخا من بين البطيخ في كرتون وكتب عليه "Made in Italy""صنع في إيطاليا"، وجاء الرجل بعد أسبوعين راغبا في تحقيق حلمه في أكل البطيخ الإيطالي فقدم له الكرتون المزيف؛ وقال له هذا هو حلمك يتحقق الآن، فطلب سكينا على الفور، وفتح الكرتون، وقطع البطيخة وأخذ قطعة منها في مشهد رومانسي، وقرب قطعة البطيخ من فمه "يخضم" البطيخ – والخضم هو أكل الأشياء اللينة وهو عكس القضم - وهو يقول: الآن تحقق حلمي الكبير، الآن أنا في الجنة! "Now my big dream is achieved. I'm in paradise، ولم أجد تعليقا مناسبا غير قوله تعالى: "ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" (الحج: من الآية 73)، وطلبت من الأستاذة الأمريكية أن يكتب كل طالب منا عن حلمه الكبير، بدلا من هذه التفاهات التي تحولت إلى قصص تدرس بالمدارس والكليات والجامعات الأمريكية، وكتبتُ أحلاما عديدة منها أن أرى الإنسان - من أي دين - يعيش حرا أبيا لا يقهره أخوه الإنسان ولا يعضه الجوع، ولا يظلمه حاكم، ولا يقهره ظالم، ولا يطارده دائن، ولا يخدعه خادع، وجعلت حلمي الكبير تحرير الأقصى الأسير، ويا له من حلم سال له مدمعي، وتجافى له مضجعي، وتشوَّف له مسمعي، وأبذل له كل ما عندي أو معي؛ كي نطوي صفحة البغي والعدوان، والظلم والطغيان، الذي يقوم به بنو صهيون على أقصانا الأسير وإخواننا وأخواتنا وأطفالنا من أبناء فلسطين، وصدق المتنبي إذ يقول: عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ لم يكن يوما ما من أحلامي أن أُطعم لقمة سائغة، أو أرزق بيتا فسيحا، أو فراشا وثيرا، أو رصيدا كبيرا، أو مركبا سريعا، أو منصبا رفيعا، بل يسيطر عليَّ هذا الحلم الكبير أن أكون قائد جيش التحرير للأقصى الأسير؛ لنُري الله تعالى منا صدق المخلصين، وعزم المجاهدين، وثبات المرابطين، وقنوت الربانيين، وحركة المصلحين، وإبداع السابقين، مع اتباع القرآن العظيم، والنبي الصادق الوعد الأمين. إنني أستحث ذوي الأحلام الحقيرة أو الصغيرة أن يعدلوا إلى الأحلام العظيمة أو الكبيرة، وهي أحلام تذكر في السماء، وتسجل في التاريخ، وليس مثل الأحلام الحقيرة التي تُطوى مع الهوى وتدفن مع اللحظة الأولى. إنني أستحث كل مخلص ومخلصة، صادق وصادقة، داع وداعية، أن يوسِّع حلمه، وأن يعظِّم أمله، وقد ضمن الله لنا أمرين لم يعطهما لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لحاكم طاغ، أو شيطان مارد، وهما: الرزق والأجل، فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر كبير، وقد قال الشاعر: وإذا لم يكن من الموت بدٌّ فمن العار أن تموت جبانا فلتعش الحلم الكبير، ولتبذل له النقير والقطمير، والقليل والكثير، غير عابئ بعدد أو عدة لعدو لدود من الصهاينة اليهود، وأنصارهم من بني صليب أو الملاحدة والزنادقة، وذلك لقوله تعالى: "ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ" (محمد:11)، فهل يخشى أولياء الله من أولياء الشيطان؟! أختم بهذه القصة: كنت في غزة هاشم في رمضان الماضي ألقي كلمة بين المصابين من القصف الصهيوني، وهم يزيدون على 12 ألفا منهم 700 فقدوا الرجلين معا بالصواريخ الغادرة، وأحيانا الأطراف كلها، فكانت كلمتي حول حثهم على الصبر الجميل، والجلد الأصيل، والرباط الطويل، وألا يستسلموا للإعاقة، وأن ينطلقوا نحو الحلم الكبير وهو تحرير الأقصى، وبعد الإفطار جاء شاب مقطوع الرجلين لا يزيد عمره على 25 عاما يستحث بيديه عجلات دراجته؛ كي يصل إليَّ، وطلب أن يحدثني حديثا خاصا، وقال لي: يا دكتور نشكرك على كلمتك من أعماق قلبك، وقد تأثرنا كثيرا لكني أرجوك: لا تعد على مسامعنا أننا أصحاب إعاقة لأننا أصحاب كرامة لا إعاقة، لأن الإعاقة في القلب والعقل والإرادة، وقد سبقتني رجلاي إلى الجنة إكراما من الله لأجل الأقصى وفلسطين المباركة، وإنني أعمل بأقصى جهدي بالنهار كي أتكسب ولا أكون عالة على أحد وأرابط في سبيل الله كل ليلة دفاعا عن عرضي وأرضي، آملا أن أشارك في تحرير الأقصى وأن يكرمني الله بشهادة تلحق - بإذن الله - بقية بدني بعضه الذي سبقني إلى الجنة، آنئذ تذكرت أن هناك آلافا من الشيخ المجاهد أحمد ياسين وتذكرت قول الشاعر: إذا سيد منا خلا قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول واستبد بي شعور أنني يجب أن أجلس من هذا الشاب صاحب الكرامة مجلس التلميذ من الأستاذ؛ لأنه سبقني بتضحيته وهمته معا؛ حيث أكد أنهم أصحاب كرامة لا أصحاب إعاقة. وأقول لكل إخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي: لا تكونوا أصحاب إعاقة في القلب والعقل والإرادة، والهرولة نحو الأحلام الصغيرة، بل كونوا - بالله عليكم - أصحاب كرامة في العقل والقلب والإرادة والحلم الكبير، فحقائق اليوم هي أحلام الأمس، وحلمنا الكبير اليوم هو عين الواقع غدا، وبإذن الله تشرق الشمس على الأقصى محرَّرا.
890
| 28 سبتمبر 2012
كثيرا ما ارتكب الغرب فضائح وفظائع تغضب الإسلاميين من أصحاب الإيمان الحي والحركة الدءوب لنصرة الحق في العالم، ومن ذلك قضية استلحاق الأمة الإسلامية بالمشروع الغربي في الإدارة والتجارة، والصناعة والزراعة، والفن والإعلام، والقوانين والتشريعات حتى تم الاعتداء السافر على ثوابت الأمة عربيا وإسلاميا، وتم توظيف عملاء في شكل أنظمة منذ أيام نابليون بونابرت عندما اقترح استقدام خمسمائة من أذكياء مصر والعرب يدرسون في فرنسا وينبهرون بالفوارق الحضارية؛ فيعودون يدافعون عن ثقافة وقوانين ونظام فرنسا بدلا من قتل كليبر ومقاومة الحملة الفرنسية ودحرها في رشيد وغيرها مما يكلف الغرب الكثير، وبهذا يكون أبناء البلد حملة مشروع فرنسة مصر، وبعدها الجزائر وسوريا ولبنان، وصارت سياسة غربية عامة فقامت بريطانيا وأمريكا بالأمر نفسه حتى صار لهما أنصار يدافعون عنهما في بلادنا أكثر من البريطانيين والأمريكيين أنفسهم وصاروا بالمصري "ملكيين أكثر من الملك"، ومما يغضب الإسلاميين قضية اغتصاب الصهاينة فلسطين، وما جرى لها من تبن كامل من بريطانيا لتأسيس المشروع الصهيوني بفلسطين، وتبنت أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية ترسيخ المشروع الصهيوني فاعتبرت إسرائيل جزءًا من أمن أمريكا، وصار كل مرشح للرئاسة الأمريكية يغازل اليهود والصهاينة بالتصريح المباشر بهذا الجنوح والتبني اللاأخلاقي، ويؤكد كل رئيس أمريكي بعد استلام السلطة ذلك بالقول والعمل، وهذا مما يغضب الإسلاميين أيضا غاية الغضب من الدعم المفتوح المفضوح للكيان الصهيوني، ولكن الغرب لم يفقه الفرق بين ما يغضب الإسلاميين فيتحركون بوعي وخطة مدروسة وردود أعمال ممنهجة وفقا للشريعة الإسلامية والمصالح والمفاسد، والتدرج في التغيير والإصلاح، لكن غباء بعض الغربيين لم يدرك بعد ما يلهب حماس المسلمين أجمعين، فيقدُم بين الحين والآخر على حماقات من الطراز الرديء، وأفعال من العيار الثقيل التي تثير كل مسلم ثورة عارمة، وذلك مثل ما حدث قبل في بريطانيا من آيات شيطانية، والرسوم المسيئة للرسول في الدنمارك، وتبول الجنود الأمريكان على المصحف في سجن جوانتنامو وأفغانستان وقيام القس الأمريكي الأحمق "جونز" بحرق المصحف، وأخيرا هذا الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة فجة رديئة سخيفة هابطة مضللة مجافية لكل الحقيقة، واختاروا البدء في ذكرى عام "الفيل" الأمريكي في أحداث سبتمبر، وبدأت الشرارة من بعض مجرمي الصهاينة وأخساء أقباط المهجر، وتغيرت الدوافع بين الإسلاميين العقلاء الذين دعوا للاحتجاج الراشد بأعلى صوت، وحث فخامة الرئيس مرسي سفير مصر بأمريكا على رفع قضية على منتجي الفيلم، والمفروض على جميع السفراء للدول الإسلامية أن يتكاتفوا في رفع القضية، والاحتجاج الحاد على الحكومة الأمريكية التي تزعم أن هذا من حرية الرأي الذي لا يسمح بأي عمل ضد هؤلاء المجرمين، لأنه رسول الله ورسول للأمة، وليس لأهل مصر وحدهم، وقال الرئيس محمد مرسي في قلب أوروبا لأمريكا وأوروبا والعالم إن رسول الله خط أحمر، وطلب النائب العام بمصر الجديدة إدراج أسماء المجرمين مسعري الفتنة من بعض أقباط المهجر ضمن المطلوبين جنائيا، وطالب العلماء بحملة توعية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغات عدة تتبناها السفارات والجامعات والمدارس والأعمال الفنية المحترمة من الفنيين الغيورين على رسول الله، لكن غضبة كثير من المسلمين لا يمكن ضبطها لأن الغرب الذي يسيء اليوم إلى رسول الله هو الذي حرص على توسيع دائرة المسلمين البسطاء المنفرطين لا الإسلاميين الأتقياء المنظمين الوسطيين، وهؤلاء لا يستطيعون في يوم وليلة أن يقوموا بحجب وترشيد هذا التيار الهادر من المسلمين الغيورين على رسولنا الكريم، فالجناية على رسول الله من الغرب خاصة أمريكا وإسرائيل، والجناية منهم وإليهم من المسلمين الذين حرقوا السفارات وقتلوا السفير الأمريكي بليبيا، عكس مناشدة الإسلاميين الراشدين هؤلاء الثوار، فهم أيضا من جناية أمريكا وأوروبا عليهم في تبني ودعم الأنظمة التي صنعت هذا التيار صاحب الإسلام المخدر، ولا يفيق إلا على المصائب الكبرى التي جعلتني أقول يوما وأنا طالب سنة 1981م لشاب مسيحي جاءنا في المدينة الجامعية يدعي أنه أسلم، ويقارن بين سيدنا رسول الله وسيدنا عيسى عليهما الصلاة والسلام، وينال من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولما هم الطلاب بقتله أنقذته من بين أيديهم، وطلبت له الشرطة في قسم الجيزة، ولما وصلوا ركبت معه السيارة وقلت له اسمعني جيدا: قل لمن أرسلك لا تغتر بغفلة كثير من المسلمين فهؤلاء طاقة غير عادية؛ فلو سمع مسلم سكِّير يشرب الخمر أحدا ينال من الرسول صلى الله عليه وسلم فلن يكمل الشرب بل سيكسر الزجاجة على رأس من يتعرض لنبيه الكريم، اليوم الأمة كلها تصطف خلف رسول الله ويتذكرون خبيبًا الذي أمسكه المشركون ليقتلوه ثم قالوا له: هل تحب أن محمدا مكانك "أي يقتل" وأنت في عافية في أهلك ومالك؟ فقال: والله ما أحب أن يشاك محمد شوكة واحدة، بل أقتل دونه، فهددوه بالقتل والتمثيل بجثته فأنشأ يقول: ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي الغرب لا يعرف أن الإسلاميين والمسلمين يأتون صفا واحدا خلف مقام الله تعالى، وخلف مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقداسة القرآن الكريم، وحرمة المسجد الحرام والنبوي والأقصى، وهذه نقاط اشتعال ولهيب تحرق بنارها من أشعل شرارة الإيذاء أو الاعتداء، ولتتحمل كل دولة ما تشاء من مخاطر ما يلهب المسلمين ويغضب الإسلاميين فنحن في النهاية نحب ديننا ونبينا، ولن ندع أحدا يعبث بمقدساتنا ورموزنا، بل أرواحنا فداء لرسولنا صلى الله عليه وسلم. نصيحتي: قراءة ومدارسة سورة الأحزاب مع الأهل والأحباب والأصحاب وما فيها من قول الله تعالى لرسولنا صلى الله عليه وسلم: "وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا" (الأحزاب:48) وفي السورة أيضا قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا" (الأحزاب:57)، فاستمروا أيها المسلمون والإسلاميون في الغضبة الراشدة والاقتداء بأخلاق نبينا، وتذكروا واعملوا بهذه الآية من السورة نفسها التي تبين المقام الرفيع للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وواجبنا نحوه حيث قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (الأحزاب:56) فصلوا على الرسول، ودافعوا عن مقامه الرفيع تؤجروا في الدارين.
421
| 21 سبتمبر 2012
مر على أحداث 11 سبتمبر بأمريكا 11 عاما، ولا تزال النتائج عكس ما خُطط لها ليرتدَّ السحر على الساحر، والمكر على الماكر وذلك وفق منهج الله تعالى الذي قال: "وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ" (فاطر: من الآية43)، وقد عشت أحداث سبتمبر في مدينة ديترويت- ولاية ميتشجان، ورأيت في اللحظات الأولى الهلع والفزع والخوف والجزع على الجميع، وقلت: إن هذا عام الفيل بالنسبة لأمريكا، حيث صار التأريخ لها قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر، ورأيت أن هذا بداية السقوط لأمريكا، لأن الظلم عاقبته دوما هي الخراب في القوانين الربانية، كما قال تعالى: "وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا" (الكهف:59)، وذلك لأن الحدث حصل في وقت الذروة من دخول الموظفين، وتغيَّب الكثير من اليهود، والراجح أن سقوط المبنى الحديدي كله لم يتم بضربة طائرتين في الأدوار العليا، وإنما صاحَبَه ضرب سفلي بقنابل جعلت المبنيين حطاما، ثم سرعة الإزالة لكل الأنقاض على الفور لإخفاء الأدلة الجنائية، وتولَّى الإعلام قرار الاتهام، وحُجب القضاء الأمريكي أن يدخل للتحقيق النزيه في حدث هو الأخطر في تاريخ أمريكا المعاصر بعد الحرب العالمية الأولى والثانية وحرب فيتنام، مع توافق ضرب البنتاجون وما صدر من رؤى أمريكية من خبراء من الداخل، ومنها فيلم " 9/11 فهرينهايت" الذي أثار غبارا كثيفا على البيت الأبيض كله برئاسة جورج بوش الابن، هذا فضلا عن الخبراء من العالم في الطيران والجرائم الذين أكدُّوا أنها صنعة داخلية من أجل السيطرة على العالم من خلال شماعة الإرهاب، وقد يكون هناك توظيف محدود لبعض الأغرار من المتسرعين المسلمين، وذلك في الخطوات الأخيرة من الجريمة مما لا يقدر عليها إلا من عنده عقيدة حب الشهادة، ويستفاد منها في السيطرة على العالم الإسلامي كله، وتم استبعاد القضاء لأن التجربة السابقة في أحداث "أوكلاهوما" التي اتهم فيها بوش الأب الجماعة الإسلامية البلالية، ولما أحيلت للقضاء قرر أن الفاعل الحقيقي أمريكي مسيحي أبيض، ولم نخالف قيَمَنا وأخلاقنا باتهام كل المسيحيين أو كل البيض بأنهم إرهابيون، والحق الذي يجب أن نعيَه من خلال معايشتي وتعاملي مع الشعب الأمريكي أنه طيب فعلا، وأشفق عليه من شياطين الحكومة التي تديرها عصابات الصهاينة والمتصهينين والنفعيين الذين يمصون دماء الشعب الذي يكدح كي يجني كبار التجار الأشرار المكاسب بالمليارات، ويدعمون الحملات الانتخابية بسخاء كي ينهشوا من ورائها البلايين، ويفتحون أبواق الإعلام ليجعلوا "من الفسيخ شرباط"، و"من القط أسدا"، و"من الحبة قبة"، و"من النور ظلاما"، ومن هنا أرى أن بأمريكا ضلعين هما: الاقتصاد والإعلام، وهذان يصنعان الضلع الثالث من المثلث وهو السياسة، فالسياسة منتَج وليست منتِجا، وهكذا لعبت السياسة الأمريكية مع العصابات القذرة لعبة 11 سبتمبر كي تُدخل على الشعب الأمريكي الرعب من الإسلام وأهله، ثم تجيِّش الشعب والعالم ضده عن طريق غثاء الإعلام، وليس عدل الأحكام من القضاء، وبالتالي عززت أمريكا نفوذها وقواعدها العسكرية في أوروبا وجنوب وشمال شرق آسيا، ومنافذ البحار والمحيطات، واحتلت أفغانستان، وظلت عشر سنوات تطارد أسامة بن لادن حتى قتلته دون الإمساك به ومحاكمته، بل تسفَّلت وتنزَّلت وتدنَّست بإلقاء جثته في البحر، ولا تزال تحتل أفغانستان، وفعلت بهم ما لم يفعله الروس، حيث نشروا الفساد وساندوا حكومة الاستبداد بقيادة رجل الأمريكان "كرزاي" ودخلوا في تدليس جديد على الشعب والعالم في غزو العراق، وكنا نعقد اللقاءات مع القيادات الأمريكية ونسيِّر المسيرات ونحرك المسلمين والعرب والأمريكان ضد ضرب العراق، لكن شيعة أمريكا ورجال الدولة كانوا يخططون لما آل إليه العراق الآن، حيث قُتل بالسلاح ما يزيد على المليون، وسجن المالكي رجل إيران والأمريكان ما يزيد على المليون عراقي، وما حدث في سجن أبي غريب وغيرهما تشيب له الرؤوس، حتى وصل الأمر إلى هتك أعراض بالجملة، وقام الجنود الأمريكان باغتصاب بناتنا العراقيات العفيفات حتى الموت ثم أكملوا فجورهم بعد الموت، وخلفوا 8 ملايين أرملة وأطفال أيتام، وفُتح سجن "جوانتينامو" في دليل صارخ على أن الحكومة الأمريكية هي أكبر بلطجي في الأرض، وأكابر مجرميها، وأغلظ ظالميها، وأسوأ قاطنيها، ولم يستفد من 11 سبتمبر إلا الحكومتان الصهيونية والأمريكية، هذه بعض الأحداث، ولكن انظروا إلى الجزء الآخر من المفارقة وهي بعض النتائج، فقد فشلت أمريكا في العراق أمام جهاد المقاومة وخرج بوش بحذاء في وجهه قبل ترك الرئاسة، وجاءت أزمة كاترينا وتسرب الزيت وانقطاع الكهرباء لتكون الخسارة المادية والمعنوية أضعاف ما سلبوه من العراق، وما نهبوه من بلاد العالم بالبلطجة و"النبُّوت" الأمريكي، وجاءت قاصمة الظهر لأمريكا في الأزمة الاقتصادية التي عصفت -على سبيل المثال لا الحصر- ببنك "ليمان برازر " الذي استطاع مقاومة الأزمة المالية العالمية الكبرى أيام الرئيس الأمريكي روزفلت سنة 1929م، وهنا تنازل الشعب الأمريكي عن كبريائه، واختار لأول مرة زعيما أسود بعد أن عيَّرته هيلاري كلينتون، وقد وعد بأمرين هما: الأمل والتغيير، لأن الشعب الأمريكي كان في قمة الإحباط والحاجة إلى المنقذ خاصة بعد الفشل في العراق وأفغانستان، وهزيمة الحليف الصهيوني الاستراتيجي في حربين في لبنان وغزة رغم الدعم المفتوح والمفضوح من الحكومة الأمريكية للكيان الصهيوني مما يعد سياسيا وعسكريا هزيمة نكراء لأمريكا، وأخيرا جاء الربيع العربي ليكون صنع السماء للعرب والمسلمين، وأصبح من كانوا يعدونهم إرهابيين رؤساء دول، وكانوا يدفعون المليارات لحكام العرب من عملائهم لمنع المد الإسلامي الراشد، يقينا منهم أن هذا الحكم الراشد في مصر بشكل خاص ودول العروبة والإسلام سيفضح الحكم الفاسد، الذي اتخذ مقره الرئيسي في البيت الأبيض، ولذا فإن الحكومة الأمريكية الآن ترى نفسها يجب أن تهرول لتداري سوءتها في دعم الأنظمة الظالمة بورق التوت الذي أسقطه الربيع العربي، وأصبح لدينا رئيس لا يتطلع إلى زيارة أمريكا مثل لغة الخطاب الذليلة الكسيرة من قادة العرب سابقا، بل يقول المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية: نحن ندرس دعوة أمريكا للزيارة، وسوف ترون هناك فخامة الرئيس محمد مرسي يعامل أوباما معاملة الند لا التابع، والقائد الذي يقود الفرسان، وليس الخانع الذي يقود القطعان. والله لقد قلت من أول يوم من أحداث سبتمبر: لقد أضرت بالمسلمين وستكون فتحا للإسلام، وأرى صدق ما توقعته يتحقق اليوم بفضل الله تعالى، فلنثق في الله لا في غيره، ولنعمل لإحياء مشروع الحضارة الإسلامية العربية الإنسانية كي تتراجع حضارة الحقارة في القتل والعنف، والجنس والمخدرات، التي خلَّفت أوسع مساحة من الفقر والجهل والمرض، وتلك مسؤوليتنا أن نصنع حضارة تكون رحمة للعالمين، وليس فقط للمسلمين.
443
| 13 سبتمبر 2012
الإنسان خليفة الله في الأرض لقوله تعالى: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة: من الآية30)، والشيطان عدو الله في الأرض حيث قال تعالى: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" (البقرة:34)، الإنسان مكرَّم من الله لقوله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" (الإسراء: 70)، والشيطان مجرَّم ملعون من الله لقوله تعالى للشيطان: "وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ" (ص:78)، الإنسان هو صانع العمران مجدد الحضارات لقوله تعالى: "هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود: من الآية 61)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" (مجمع الزوائد للهيثمي: رجاله أثبات ثقات)، والشيطان مدمر العمران صانع الفساد لقوله تعالى على لسان الشيطان: "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" (ص:82)، وقوله تعالى: "وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ" (النساء: من الآية 119)، الإنسان صاحب فطرة تدلُّه على الخير وتحثه عليه؛ قال تعالى: "فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (الروم: من الآية30)، لكن الشيطان منتكس الفطرة، مظلم الطبع كما قال تعالى: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" (الكهف: من الآية50)، الإنسان يتحرك في الأرض فهي ميدانه كما قال تعالى: "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ" (طه:55)، لكن الشيطان يتحرك بين أجرام عدة ويحاول أن يسترق السمع من السماء فيتبعه شهاب ثاقب، ويحمل خصائص الجن في الخفة والتلون والتغير والتشكل، والعجيب المثير للذهن أن يكون هذا مقام الإنسان، وهو مدعو إلى الاقتراب من الله لقوله تعالى: "وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ" (العلق: من الآية 19) فإذا بالإنسان ينحو نحو الشيطان، إذ رفض أمر الله بالسجود، فيغترب الإنسان عن الله، ويبتعد عن إنسانيته، وينخر في كرامته، وينتقص من عزته؛ فيسلب الكثير من إنسانيته ويتشيطن حتى يصير أستاذا للشيطان كما قال تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شئنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا " (الأعراف:175 ومن الآية 176)، فهل يليق بالإنسان المكرَّم الذي سخر الله له الكون كله كما قال تعالى: "وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ" (الجاثية من الآية 13)، وقال تعالى: "وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً" (لقمان: من الآية20)، وقال تعالى: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (إبراهيم: من الآية 34)، عجيب حقا أمر هذا الإنسان الذي أسجد الله له ملائكته، وأرسل له رسله، وأرسل له كتبه، وهداه النجدين، ووعده الحسنيين، ونادى من زلت به القدم بعد ثبوتها فقال سبحانه: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر:53)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "قال الله تبارك وتعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" (صحيح الترمذي)، وحذرنا ربنا سبحانه من الشيطان فقال: "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ" (يس: 60-61)، لكن الإنسان يأبي إلا أن يعرض وينأى عن الله بجانبه، ويتبع الهوى والشيطان، ويتحالف معه كما قال تعالى: "شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا" (الأنعام: من الآية112)، والنتيجة لهذا الإعراض والتشيطن أنه يلقى مصيره: "هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (يس:63-65)، وبهذا يكون الإنسان كما قال تعالى: "خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" (الحج: من الآية11)، والأكثر ألما لأتباع الشيطان أو المتشيطنين هو يوم القيامة عندما يتبرأ الشيطان من أتباعه، ويتجرد عن مسؤوليته عن غواية الإنسان، فيخطب في جهنم مواجها جمهور اللائمين له من بني الإنسان فيقول كما قال تعالى: "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمر إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ" (إبراهيم: من الآية22) أي ما أنا بمنقذكم وما أنتم بمنقذي، فهل من حسرة أشد من هذا؟! ولم هذا الجفاء من الإنسان لربه وهو سبحانه القائل: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (فاطر: 15)، فهل من توبة وأوبة إلى رب كريم يعفو عن الكثير من السيئات، ويضاعف القليل والكثير من الحسنات، حتى تصير كأوزان الجبال؟ هل يليق بالإنسان أن يدع الرحمن ويتبع الشيطان، ويرد الإنسان إلى أسفل سافلين؟! ليس أمامنا إلا مخرج واحد وهو توبة نصوح تمسح السيئات، وتحولها إلى رصيد ضخم من الحسنات، ونلتمس الهدى والبينات من رب الأرض والسماوات، ونجمع بين النور والفرقان، الرؤية والقرار، العلم والعمل ونهتف من الأعماق هتاف الإنسان المحب للرحمن: "وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ" (طه: من الآية84)، فاقبل توبتي وأحسن عاقبتي لألقاك إنسانا مكرَّمًا لا شيطانا مجرَّمًا، فليس أمامنا إلا أمران: أن يظل كل منا الإنسان التابع لآيات الرحمن، أو نعرض متبعين نزغات الشيطان، وكل ميسر لما خلق له، وإذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك، والله وحده المستعان على إغواء الشيطان.
1177
| 08 سبتمبر 2012
العربة هي الآلة الصماء التي لو وضعتها في مكان ألف عام حتى تغير مكانها فلن تفعل، والحصان هو الكائن الحي الذي يجر الآلة الصماء حيث يريد الحصان لا العربة، العربة هي المسجد والمدرسة والجريدة والقناة الفضائية والجمعية الخيرية والوزارة والشركات والمصانع والمزارع والدولة، والحصان هو الإمام والمدرس والصحفي والمذيع والإداري والوزير والمدير والفلاح والرئيس، العربة لا تستغني عن الحصان، كما أن الحصان بلا عربة مثل الكاتب بلا قلم، والطبيب بلا سماعة، أو كما قال الشاعر: كساع إلى الهيجا بغير سلاح، أو كما يقول المثل الأمريكي: "فوق ماء النهر بغير مجداف"، وكثيرا ما ندخل في لعبة البيضة والدجاجة أيهما أولا، لكن المحصلة أن البيضة مهمة لإيجاد الدجاجة، ولولاها- بعد فضل الله وكرمه – لن توجد البيضة لاستمرار وجود الدجاج، وبالتالي لا بد من العربة والحصان معا، لكن الإنسان أو الحصان هو الجوهر الأول الذي أسجد الله له ملائكته جميعا، وقال سبحانه لملائكته: "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة: الآية30)؛ لأنه سبحانه يعلم كم في الإنسان من طاقات وقدرات ومهارات أودعها الله تعالى فيه، وعندما رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت، ودعا لمكة بالأمن والبركة ومضاعفة الأرزاق، وسمانا المسلمين، وأذن في الناس بالحج، وهذه كلها عربات لا تغني عن هذه الدعوة الكريمة: "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (البقرة:129)، فالإنسان العظيم والنبي الكريم والرسول الخاتم هو الذي على يديه يغير الله الدنيا كلها، وأزمة مصر بكل قدراتها هيأ الله لها الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولولا ذلك لمات الملايين جوعا في السبع الشداد، وقصة الحضارات كلها تبدأ بالإنسان لا العربة، حتى قال الإمام الشهيد حسن البنا: إن الإخوان المسلمين في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق، فإن بوسع رجل واحد أن يصلح أمة لو صحت رجولته، كما أن بوسع رجل واحد أن يفسد أمة لو فسدت رجولته..... وإن تاريخ الأمم والشعوب هو تاريخ من نبغ فيها من الرجال، وإن خصوبة الأمم تقاس بمدى قدرتها على صناعة الرجال ذوي النفوس والإرادات... وقال البنا: إذا وُجد المؤمن الصحيح وجدت معه أسباب النجاح جميعا، لذا لابد من أن يكون الاهتمام الأول في مشاريع النهضة والإصلاح في أي مكان بالإنسان قبل البنيان والحصان قبل العربة، وفي كل دولة لو درست تاريخها عندما تنتقل من التخلف إلى النهضة، ومن الاستبداد إلى الحرية، ومن التحلل إلى الالتزام، ومن الاستهلاك إلى الإنتاج، ومن الاستئثار إلى الإيثار، ومن الضعف إلى القوة، ومن التفكك إلى الترابط، ومن الكسل إلى العمل، ومن اليأس إلى الأمل، ومن الفشل إلى النجاح أو العكس، كل هذا مرهون بالإنسان أو الحصان قبل كل شيء، فهذه ماليزيا تنهض من كبوة التخلف الحضاري بفضل الله تعالى ثم بالرؤية الثاقبة والإرادة النافذة والتخطيط الجيد من محمد مهاتير، وهذه التحولات الكبرى في تركيا بفضل الله ثم أربيكان وأردوغان، وهذه الصين تتحرك نحو العالمية على يد ماو تسي تونج، وهذا تاريخ أمريكا المعاصر يرتبط بأسماء رؤساء محدودين من الزعماء الكبار مثل جون كنيدي، وجورج واشنطن وإبراهام لنكولن، ويذكر أن رئيس أمريكا طلب من المحامي المشهور هيوستن أن يضم ولاية تاكسس الكبيرة إلى الولايات المتحدة الجديدة في وقت كانت الحروب هي الوسيلة لضم ولايات جديدة تابعة للمكسيك أو غيرها، وطلب هيوستن مالا ورجالا وعتادا، فقال الرئيس الأمريكي: تاكسس يكفيها هيوستن، وعاد الرجل للولاية باحثا عن الرجال من المحامين النوابغ ذوي القدرات القيادية، وعمل على تنمية قدراتهم وهؤلاء ترشحوا في مواقعهم وانتخبهم الناس طواعية، وعندما صارت كل المدن الرئيسة تحت زعامة رجاله، جلسوا على الكراسي المريحة واتخذوا قرارا بتبعية الولاية الغنية الكبيرة لأمريكا، وتركوا المكسيك دون طلقة واحدة ولا معركة واحدة، بل بالعقل الإنساني والتدريب الميداني على قيادة الشعوب، وسميت أكبر مدن ولاية تاكسس باسم هيوستن تقديرا له، وفي المقابل جاء قزم أمريكي يسمى بوش من الولاية نفسها ليبدأ مشوار السقوط لأمريكا من غزوه الأحمق للعراق وأفغانستان وقواعده العسكرية في كل مكان في العالم، ووجد نفسه ينفق على العراق وحدها 12 مليار دولار شهريا، وانتشرت البطالة في أمريكا، وجاءت الأزمة المالية في العالم لتكسر دولا وشعوبا كثيرة، وهُزمت قوات بوش الرهيبة على أيدي الرجال المقاومين بصدورهم وإيمانهم، وقام رجال المقاومة في حماس والجهاد والأقصى والأحرار والجبهة الشعبية بإلحاق الهزيمة بالكيان الصهيوني في الحرب الشرسة على غزة بالحصار وضرب النار والرصاص المصبوب لكن صبر رجال غزة وقادتها هنية ومشعل حيث كانت وجوههم تمتلئ بالأمل والقوة والصمود بينما كانت وجوه أولمرت وليفني وباراك ومبارك وسليمان يحكيان هزيمة معسكر الشر الرديء، والربيع العربي قاده شباب في قوة أعظم الرجال، وجاء الرجال ليحكموا ويزيحوا نظاما فاسدا، وعليه فنجاح مشاريع نهضة في كل دولة مرهون بإعادة بناء الإنسان، بدءا بالنوابغ ذوي القدرات الخاصة، وفي الوقت نفسه ذوي الاحتياجات الخاصة لأنهم ينتمون إلى عالم الإنسان، ثم الاهتمام بعموم الشعب والناس بكل توجهاتهم مسلمين وغير مسلمين، بيضا أم سودا، صعيديا أو بحيريا، نجديا أو حجازيا، وأحسب أن فخامة رئيسنا د.محمد مرسي الذي خرج من رحم الإخوان المسلمين سيكون بإذن الله رائدا عالميا في الاهتمام بالإنسان قبل البنيان، والحصان قبل العربة ليبدأ مشروع النهضة من الإنسان الحصان، ثم إصلاح العربة والبنيان. فلنتجه إلى رعاية وبناء الإنسان يلين لنا الحديد، ونأتي بالجديد الفريد، الذي يسعد كل قريب، ويغيظ كل عدو لدود، والأيام حبالى بالكثير فتفاءلوا بالخير تجدوه، ووجهوا البوصلة نحو بناء الإنسان الحصان تجري وراءه العربات بكل سلاسة.
634
| 28 أغسطس 2012
أعياد مرسي فرحة وبهجة وحرية وعدالة وسرور، وأعياد مبارك هم وغم وكبت ومظالم وشرور، أعياد مرسي تبدو على وجوه المصريين في نبرات الأمل، وأحزان مبارك تُرى على الوجوه في عبرات اليأس والخلل، أعياد مرسي فيها صلاة العيد كأنك تعيش في أفراح الروح، وأحزان مبارك صلاة العيد كأنها طلوع الروح، فقد كنا نصلي العيد يحوطنا الأمن المركزي بالبنادق والرشاشات التي ترعب المصلين، وتعطي رسالة عن عدم الرضا عن الصلاة ولا المصلين، وقد كان لأمن الدولة كل عام معارك مع الإسلاميين مع كل صلاة عيد حيث يقومون بإغراق الساحات الكبيرة بالمياه، لمنع تحقيق سنة بهجة العيد كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فتصدر التعليمات أن من اقترب من الساحة سوف يعتقل، وكنا نفوض أمرنا إلى الله تعالى، وكانت وزارة الأوقاف خاضعة جملة وتفصيلا لتعليمات أمن الدولة في النقير والقطمير لدرجة أنني بعد حصولي على الدكتوراه في الشريعة الإسلامية لم توافق وزارة الأوقاف على منحي ترخيصا بخطبة الجمعة، وأصدروا قرارات باعتقال وسجن وتغريم من يخطب الجمعة بغير رخصة، وقبل الثورة بأسبوعين كنت في قريتي وطلب مني الشباب أن أعطي خاطرة في المسجد فقلت لهم: لا داعي حتى لا نسبب ضررا من أمن الدولة للإمام حيث يٌفصل الإمام من عمله لو سمح لي بالخطبة، وينقل من المسجد لو سمح لي بخاطرة، ولو صارت قاطرة ينقل ويخصم راتبه، فقال الشباب: "عندنا إمام زهقان من المسجد وعاوز ينتقل تعال اخبطه كلمتين خليه ينتقل"، فقلت لهم: إنني أحب فقه التخطيط لا التخبيط، أما اليوم فالرئيس مرسي يصلي التراويح في مساجد مصر ويؤم الناس حافظا، ويلقي الكلمات الإيمانية الفكرية، فيشعر الناس جميعا أنهم أمام عهد سعيد جديد فريد، أما في أيام مبارك فقد منع من الخطب والدروس الشيخ المحلاوي في الإسكندرية، والشيخ عبدالحميد كشك في القاهرة، والشيخان صلاح أبو إسماعيل وعمر عبدالكافي من الجيزة، وعمرو خالد من مصر، وغيرهم الكثير، وسادت أجواء الترصد والترقب والاعتقال دون سبب إلا أن يقولوا ربنا الله، ولاغرو فقد كان الرئيس منتميا إلى جماعات العند لا العلم، وهو الذي أرسل لنا رسالة واضحة مع د.مصطفى الفقي لأساتذة جامعة القاهرة لما اعتصمنا يوما بالجامعة عن التدريس نتيجة قيام وزير الداخلية زكي بدر بسلب ونهب أرضنا المرخصة لنا في نادي هيئة التدريس بحجة أنها أمام السفارة الصهيونية من الناحية الأخرى، وقد يطلق الأساتذة صواريخ أو مدافع على الصهاينة، وتم والله عقاب 12 ألف أستاذ لأن الإخوان انتخبوا أعضاء مجلس إدارة النادي وجاءت الرسالة: قل للدكاترة دول إن كان عندهم دكتوراه في العلم أنا عندي دكتوراه في العند، كانت الأعياد أيام مبارك لآلاف الأسر أسوأ أيام العام نتيجة الاعتقالات بالجملة، وكأن النظام كله كان حريصا أن يدخل على الأسر والبيوت من الحزن والأسى الكثير، لكن الدكتور مرسي أصر على إدخال السرور عليهم قبل العيد بالإفراج عن الكثير من المعتقلين، وقبل العيد بيومين يذهب رئيس وزرائه الهمام بعد الفجر فجأة إلى قسم شرطة بولاق تفتيشا فيجد ثلاثة في الحجز والسجن دون قيد أسمائهم أنهم بداخل السجن، فاستدعى مدير الأمن بالجيزة الساعة الخامسة صباحا، وتم الإفراج عن المظلومين، وقد كانوا والله عشرات الآلاف في السجون دون جريرة، واليوم هناك متنفس لكل مظلوم حيث ديوان المظالم التابع للرئاسة يتلقى عشرات الآلاف من الشكاوى فيرد عليها خلال أيام، حتى أن ابن الرئيس السابق محمد نجيب عندما يكتب شكواه يُحقق فيها فورا ويُعيَّن في الديوان الجمهوري ردا لمظلمته كواحد من ملايين ظلمهم حسني مبارك وزبانيته، ويكفي أن رجلا قال لحسني مبارك وهو يطوف مرة حول الكعبة: اتق الله فينا يا ريس، فاعتقلوه من الحرم المكي، وأخذوه لمصر ووضعوه تحت الأرض سجنا خمسة عشر عاما لكن أفراح العيد بالرئيس الورع مرسي جعلته من الأسبوع الأول لرئاسته يطلب من الداخلية والجيش حصر جميع من بالسجون وبدأ بالإفراج عن المعتقلين والمظلومين وأصدر قرارا ينهي مظلمة الشيخ وجدي غنيم وآخرين، مما جعل فرحة العيد بمرسي حقيقة لا وهما كما كانت أيام مبارك، أفراح العيد مع د مرسي جعلت جماهير المصريين يخصُّونه بخالص الدعاء وطيب الحياة مع مشروع النهضة، عكس ما كان يجري أيام مبارك حيث كان الشعب يجأر في صلاة العيد على المستبدين والمفسدين والظالمين والمخربين والسارقين، وكانوا يعنون بشكل واضح مبارك ونظامه وحاشيته وزبانيته، أعياد مرسي فيها أمان على البلد ففيها وزارء أكفاء – بسكون الكاف وهي جمع كفء – لا حكومة أكفَّاء – بكسر الكاف وتشديد الفاء وهي جمع كفيف - والفرق كبير بين الكفء والكفيف، وقد عاش الرئيس ثلاثين عاما لا يثق في مصري واحد أنه يصلح نائبا، واليوم نائب الرئيس الرجل المهاب القاضي الخبير المستشار الدكتور محمود مكي وذلك في أقل من خمسين يوما من رئاسة د مرسي، وهو تاج على رؤوس القضاة الحقيقيين لا المسيسين الذين أدخلوا البلد في لعبة الكلاكيع القانونية وحلوا ظلما وعدوانا مجلس الشعب الذي انتخبه ثلاثون مليونا ليعطوا سلطة التشريع لتسعة عشر من المجلس العسكري في سابقة من الفساد القضائي من رواسب تعيينات مبارك، لكن أفراح العيد جعلت من شجاعة وبراعة الرئيس مرسي أن يقيل المشير وعنان وأتباعهم وينهي الإعلان التكبيلي، حتى قال الطيب أردوغان لقد قام مرسي في شهر ونصف بأكثر مما أمضينا فيه 12 عاما، وقال عماد الدين أديب لقد اتخذ د مرسي قرارات في أربعين يوما أقوى وأخطر مما اتُخذ في مصر من قرارات في أربعين عاما، فهل بعد هذا يظل هناك من يلبس نظارة مبارك السوداء إلى اليوم أم نلبس نظارة مرسي البيضاء لنرى النور الجديد من رب رحيم بمصر وفلسطين والأمة كلها. لكن في نفسي شيء من رئيسنا د مرسي حيث أسفت لاستمرار غلق معبر رفح أسبوعا من أجل العيد وهم إخواننا في الإسلام والعروبة والإنسانية والجوار والعداء للصهاينة، وكنت أود أن يشعروا بأول عيد أن حصار مبارك وسليمان وبني صهيون قد ذهب إلى الجحيم ليعيشوا معنا عيدًا في فجر الحرية والحب والإخاء والبذل والعطاء والرضا والهناء والسرور ووداعا لأيام القهر والشرور. على كلٍ أقول للجميع: تفاءلوا بالخير تجدوه، وأعينوا الرئيس الدكتور مرسي لتحقيق النهضة الحقيقية.
479
| 22 أغسطس 2012
المفارقات في هذا الأسبوع جد كبيرة بين أحزان القلوب التي اعتصرت على شهدائنا في ليلة ذكرى غزوة بدر الكبرى ووقت الإفطار لشباب جيشنا المصري العظيم، فاختار المجرمون آمن الأوقات، ووقت فرحة الصائمين بفطرهم كي يدخلوا غمّاً وهمّاً وكرباً في كل بيت مصري أو عربي وإسلامي أو إنساني، وانطلقت الأبواق العميلة والدخيلة والبغيضة والكريهة تضاعف الهموم والغموم، باتهام غزة العزة، غزة الكرامة، غزة التي لم أر شعباً حزن على هؤلاء مثلهم ولقد رأيت بعيني بكاءهم مخلصين وهم يقدمون لي العزاء في المساجد والشوارع والإدارات والوزارات التي زرتها، لكن الحملة تضاعفت على فخامة الرئيس محمد مرسي، وتحمل الرجل بفراسته هذا الأذى واشتغل بإدارة الأزمة مع فريقه الألمعي الذكي النقي، فجاء مرتين إلى موقع الحدث وفكر واستشار واستخار ولحسن حظه أن شهره الأول المكتمل هو شهر رمضان فقد فاز قبل منتصف شعبان وقلت في نفسي يومها: "ياسلام يادكتور مرسي: أمك داعيالك، وأمّتك بتدعي لك وجايلك رمضان هاتكون محفوف بعناية الله أيها الحافظ للقرآن وبركاته ونفحاته ورحماته لا حد لها" فاستبشرت كثيرا أن أول شهر كامل الأيام في الرئاسة هو رمضان، ولم يغير الرئيس عادته مع الله فيقطع الله عادته معه بل ذهب يصلي التراويح في مساجد مصر ويؤم ويعطي الخواطر لأنه الرئيس صاحب الرسالة، وجعل أول جمعة في مسقط رأسه وفاء، وهنا جاءه البلاء شديدا فهو صاحب قلب يأسى لأول مجزرة في رئاسته فاستعان بالله ولعله استحضر "وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ" (البقرة:72)، وبالغ في التضرع لله تعالى وأحست الأمة بهمه وكربه فضاعفت له الدعاء وكثفت له الرجاء برب الأرض والسماء وكنت أسمع عبارات الناس: "الله يقويك يامحمد مرسي" وهنا التقت الأرض بالسماء ونزلت عناية الله القائل في كتابه: "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ" (المدثر:31)، والقائل سبحانه: "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (فاطر:2)، وهنا يقول الشهيد سيد قطب كلاما نفيسا غير مسبوق إليه: "إن العبد ليعالج أعسر الأمور برحمة الله فإذا بها أيسرها، وإن العبد ليعالج أيسر الأمور بغير رحمة الله فإذا بها أعسرها"، وهذا بالضبط ما حدث مع فخامة الرئيس مرسي عالج أعسر الأمور وهي مذبحة رفح فأصابته رحمة الله فإذا بها أيسرها وكنت أستحضر هذا في مقالى الأسبوع الماضي، حول مفارقات بين غزوة بدر ومذبحة رفح، وقد ختمت المقال بقولي: " على كل نحن موعودون من الله أن يخرج أضغانهم، ويبطل مكرهم، ويزهق نفوسهم ويقطع دابرهم، والحمد لله أنها وقعت ليلة غزوة بدر لتجري على المشركين والمنافقين سنة الله فيهم، فتفاءلوا بالخير تجدوه، ويقيني أن الغد أفضل لمرسي ومصر وفلسطين والأمة كلها ولكن المنافقين لا يفقهون"، لكني ما كنت أظن أن الرحمات تكون بهذا القدر الكبير الذي قال به السيد أردوغان رئيس وزراء تركيا: لقد اختصر الرئيس محمد مرسي ما قمنا به في سنوات في شهر ونصف الشهر، وهذه حالة فريدة، نعم فريدة لأني لم أر رئيسا مثله حافظا للقرآن هو وزوجته وأولاده الخمسة وهو مع هذا السياسي البارع الذي حمل الملف السياسي في جماعة الإخوان المسلمين وأسس حزب الحرية والعدالة في أجواء صعبة وتعامل مع ملفات متشابكة، كان فيها جامعا بين رجل العبادة والقيادة، رجل الدعوة والدولة، رجل الفكر والعمل، وخاض معركتين شرستين في مجلسي الشعب والشورى وتفوق حزبه على الجميع، وجاءت كلاكيع الانتخابات الرئاسية التي بدأت بإرسال المجلس العسكري مندوبه المدني الذي كان يقوم بالدور نفسه أيام مبارك يعلن في العلن ويحقق مراد الرئاسة في الخفاء وطلب من المرشد أن يكون رئيس مصر رجل من المجلس العسكري فرفض الإخوان، وأرسل المجلس العسكري لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير يطلب الأمر نفسه مع مطالب أخرى لكل من المرشد وخيرت ومرسي فأجابهم الجميع أن هذا انقلاب على الثورة، وبدأت الأزمات تتوالى مجلس شعب منتخب من ثلاثين مليونا يحله المجلس العسكرى، وقامت المحكمة الدستورية بتوجيه من المشير بإرباك المشهد السياسي كله في ارتماء فاضح للعسكر الذي لم يعودوا يصلحون حاكمين أو حامين للثغور كما قلت دوما في ميدان التحرير: إن المجلس العسكري فقد صوابه حاميا وحاكما" ودارت رحى المعركة الرئاسية وكانت عناية الله وحفظه لتنقذ مصر الثورة، مصر الخير، مصر برجالها ونسائها الطيبين الذين لاقوا المسخ والخسف لكن الله أدركهم بعنايته بنجاح د محمد مرسي ليدخل إلى قصر الرئاسة رغم أنف المجلس العسكري تماما كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم ليؤسس دولة المدينة المنورة وكبير المنافين عبد الله بن سلول يهيء نفسه ليكون ملكهم فظل يعمل في الخفاء والعلانية في مؤامرات ضد دولة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعطى المرسي الفرصة لكل من يريد أن يراجع نفسه لكنهم تمادوا وزادوا وزايدوا، وظلت قيادة جهاز المخابرات والمشير وعنان على غيهم، وانشغلوا بالمؤامرات ضد الرئيس عن حماية جنودنا الغلابة على الحدود مع الكيان الصهيوني، ومع علمهم المسبق بالمجزرة فهذه الحالقة التي لا تحتمل التأخير، وهنا كانت القرارات الجريئة القوية العادلة المرضية للثوار في مصر بكل فصائلهم الإسلامي والعلماني والشعبي بل الأحرار في العالم كله ولم يمتعض إلا الكيان الصهيوني ومن يخدمهم بدءا من الأمريكان والعملاء لهم، حتى قيل إن هذا أول يوم يجلس مرسي على الكرسي، وأول قرارات أزاحت عبئا ثقيلا عن مصر بدءا بموافي ورئيس الحرس الجمهوري ورئيس الديوان الجمهوري وقائد الشرطة العسكرية وأخيرا كان التطهير الكبير في تاريخ مصر وهو ذهاب المشير وعنان عن قيادة جيشنا العظيم جيش العاشر من رمضان، والسادس من أكتوبر، واليوم أدعو للتأريخ للثورة بيومين 11/2/2011م يوم ذهاب مبارك، ويوم 12/ 8/2012م يوم ذهاب المشير وعنان، ولاتنسوا أن الدولة العميقة لا يزالون يتربصون ومشوار التطهير للاستبداد السياسي والفساد المالي والتخلف الحضاري والتحلل الأخلاقي، خاصة في قطاع الإعلام والاقتصاد لمقاومة الحيتان الذين رباهم مبارك وجمال وصفوت الشريف و.... لكن تذكروا قوله تعالى: " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف:21). غدا مصر وفلسطين والأمة أحسن من اليوم مادمنا نتقي الله ونبذل قصارى جهدنا ولن يضيع الله مصرنا ولا قدسنا ولا أمتنا، وتفاءلوا بالخير تجدوه، وثقوا في وعد الله لكم.
532
| 16 أغسطس 2012
مساحة إعلانية
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
2559
| 30 أكتوبر 2025
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...
2226
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...
2067
| 03 نوفمبر 2025
نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...
1506
| 30 أكتوبر 2025
8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...
1209
| 04 نوفمبر 2025
في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...
1113
| 29 أكتوبر 2025
من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...
1071
| 04 نوفمبر 2025
تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...
858
| 04 نوفمبر 2025
تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...
828
| 03 نوفمبر 2025
ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...
759
| 02 نوفمبر 2025
أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...
747
| 30 أكتوبر 2025
ليست كل النهايات نهاية، فبعضها بداية في ثوب...
702
| 29 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية