رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال، خطَّ العنابي سطرًا خالدًا في سجل المجد القطري، مؤكدًا أن الإصرار إذا اقترن بالإيمان يصنع المعجزات، وأن الحلم لا يتحقق إلا بالعرق والولاء والتحدي. لم يكن التأهل إلى المونديال حدثًا عابرًا في مسيرة الرياضة القطرية، بل كان شاهدًا على روح وطنٍ آمن بقدراته، وسعى بخطى واثقة نحو تحقيق المستحيل. تجاوز العنابي مرحلة التأهل ليعلن بداية رحلةٍ جديدة نحو الانتصار، حيث سيُطلُّ في مونديال 2026 كرمزٍ للقوة والإرادة. يحمل في أبعاده رسالة وطنٍ يؤمن بأبنائه، ويؤكد أن قطر ليست ضيفًا عابرًا، بل هي قوة تنافس بحماس لا يلين وطموحٍ لا يعرف الحدود. كانت الأمسية أكثر من مباراة؛ كانت ملحمةً وطنيةً تجسدت فيها معاني الفداء والعزة والاعتزاز. وقف اللاعبون في الميدان كأنهم حراسُ المجد، تتناغم أنفاسهم مع نبض الجماهير، وتلتقي خطواتهم على العشب الأخضر بموعدٍ مع التاريخ. كل تمريرةٍ كانت وعدًا صادقًا، وكل تسديدةٍ كانت صرخةَ حبٍّ للوطن، حتى بدا الملعب بأسره قطعةً من قلب قطر تنبض بالحياة والعطاء والانتصار. أما المدرب، فكان المايسترو الذي عزف لحن النصر بحكمةٍ واتزان. قرأ الخصم كما تُقرأ القصيدة، وصاغ خطته كما تُنحت الملاحم. قاد لاعبيه بثقة القائد الذي يعلم أن المجد لا يُمنح هدية، بل يُنتزع بالعقل والإصرار والتضحية. كانت لمساته واضحةً في كل تفاصيل المباراة، من اختيار التشكيلة إلى لحظات التبديل التي قلبت موازين اللقاء لصالح العنابي. وفي المدرجات، كان الجمهور القطري العظيم المعجزةَ التي لا تُرى ولكن يُسمع صداها في كل أرجاء الملعب. لم تكن هتافاتهم مجرد تشجيع، بل كانت دعاءً يعلو من القلوب، وحبًا يفيض بالولاء، وإيمانًا بأن الحلم القطري يستحق التضحية. كانوا الوقود الذي أشعل الحماس في الميدان، والدرع الذي حمى الحلم من الانكسار. وحين أطلق الحكم صافرة النهاية، لم يكن ذلك مجرد إعلان تأهلٍ، بل كان إعلانًا لانتصار وطنٍ آمن بطاقاته، ووثق بأن أبناءه قادرون على اعتلاء قمم المجد. لقد حمل هذا التأهل رسالةً إلى العالم مفادها أن قطر لا تكتفي بالمشاركة، بل تصنع التاريخ بيديها، وتزرع في كل إنجازٍ معنى الكبرياء الوطني. كلمة أخيرة: هذا التأهل العظيم لوحة بديعة رسمها العنابي بعزيمة وإصرار، حملت فخر قطر وسموها، فرفرفت راية الوطن شامخة في سماء المجد، تروي قصة إنجاز خالد تُسطّر بحروف من ذهب.

1899

| 16 أكتوبر 2025

مواجهة العزيمة واستعادة الكبرياء

الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل فقط. اليوم، سيكون ملعب جاسم بن حمد مسرحًا لـمواجهة حقيقية بين قطر والإمارات، مواجهة تُقاس فيها الإرادة قبل المهارة، والرغبة قبل الاستحواذ. على لاعبي العنّابي أن يدخلوا اللقاء بعقلية المنتصر، بعزيمة من يريد كتابة صفحة جديدة في تاريخ المنتخب، لا بعقلية من يخشى التعثر أو يفكر في الماضي. المباراة أمام الإمارات ليست مجرد لقاء في التصفيات، بل اختبار حقيقي لشخصية الفريق وصلابة عزيمته، فالجماهير القطرية تترقب ردًا عمليًا بعد التعادل الأخير، وتؤمن بأن لاعبيها قادرون على النهوض واستعادة بريق العنّابي الذي أمتع القارة في أبهى لحظاته، وهذا هو الوقت الذي ينبغي أن تُستعاد فيه الروح، ليكون الأداء هو اللغة التي تتحدث بها الإرادة داخل المستطيل الأخضر. الطريق إلى الفوز يبدأ من الإيمان بالقدرة على صنع الفارق. عندما يؤمن اللاعب أنه قادر على قلب أي نتيجة، يصبح المستحيل مجرد رأي. لذلك، يجب أن يدخل العنّابي المباراة بثقة عالية، ضاغطًا منذ الدقائق الأولى، فارضًا إيقاعه ومبرهنًا أنه صاحب الأرض والقرار. الإمارات ستسعى لامتصاص الحماس في البداية، لكن مفتاح الفوز هو الحفاظ على الإصرار والسرعة في التنفيذ وعدم منح المنافس فرصة لالتقاط أنفاسه. من الناحية الفنية، يحتاج المنتخب إلى اللعب بذكاء هجومي وتنظيم دفاعي متوازن، وعلى الأظهرة أن تتقدم بثقة لتشكيل ضغط متواصل، وعلى لاعبي الوسط أن يربطوا الخطوط بسرعة وفاعلية، بينما يتحتم على المهاجمين استغلال كل فرصة مهما كانت صغيرة، كرة القدم لا تعترف بالفرص الضائعة، والفريق الذي يريد المونديال يجب أن يحسم المباراة عندما تسنح له اللحظة المناسبة. كما أن التركيز الدفاعي يجب أن يكون في أعلى مستوياته، فالإمارات تملك لاعبين مهاريين يجيدون التحرك في المساحات الضيقة. أي تهاون أو خطأ في التمركز قد يُكلف الفريق كثيرًا. التناغم بين خط الدفاع وحارس المرمى سيكون حاسمًا، والتواصل المستمر ضرورة لا خيار. لكن قبل كل تكتيك وخطة، هناك ما هو أهم: الروح القتالية. لا يمكن لأي خطة أن تنجح إن لم تُنفَّذ بإصرار، ولا يمكن لأي فوز أن يتحقق دون إيمان جماعي بأن المنتخب قادر على الانتصار. يجب أن يشعر كل لاعب أن كل تمريرة وكل التحام وكل لحظة في المباراة تمثل وطنًا بأكمله خلفه. الكرة القطرية عوّدت جماهيرها على العودة في اللحظات الصعبة، وهذه المواجهة فرصة جديدة لتأكيد أن العنّابي لا يعرف الانكسار. المطلوب فقط أن يلعب الفريق بروح البطل، وأن يُترجم هذه الروح إلى أداء واقعي، متوازن، وشجاع. كلمة أخيرة: قاتلوا على كل كرة كأنها الأخيرة، دافعوا عن شعاركم كأنه أمانة، وهاجموا بشجاعة لا تعرف المستحيل. فالمجد لا يُمنح، بل يُنتزع بعرق الرجال، وبإصرارٍ يولد من رحم التحدي.

1197

| 14 أكتوبر 2025

جماهيرنا وقود الانتصار في الملاعب

بقلوب مملوءة أملاً وتفاؤلاً يتابع القطريون اليوم المباراة المصيرية التي تجمع منتخبنا الوطني بشقيقه العماني على أرض قطر الحبيبة، في مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين فلا بديل للفوز فيها إن شاء الله، ونحن على ثقة بأن منتخبنا سيكون قادراً على تحقيق النصر. نطالب اللاعبين بالتركيز الكامل والحضور الذهني طوال مجريات المباراة، وتجنُّب التسرّع في اتخاذ القرارات داخل الملعب. كما نأمل أن يُدير المدرب المواجهة بأعلى درجات الانضباط التكتيكي، مع ضرورة إغلاق المساحات أمام المنتخب العُماني لمنعه من فرض سيطرته على مجريات اللعب، إذ نعوّل على أبطالنا داخل المستطيل الأخضر أن يُشرّفوا الوطن بأدائهم، وأن يظهروا بالصورة المشرّفة التي تليق بمنتخبنا الوطني، بروح قتالية وعزيمة لا تلين. ثقتنا لا حدود لها في سحر أكرم عفيف، بلمساته الحاسمة وقدرته على صناعة الفارق في أي لحظة من عمر المباراة، وفي المعز علي، الهداف الذي لا يرحم، والذي ننتظر منه أن يهز الشباك ويقود الهجوم بكل شراسة. ولا يغيب عنّا درع الفريق الحارس الباسل مشعل برشم، أحد أفضل الحراس في آسيا، وخط الدفاع الصلب بقيادة خوخي بوعلام ورفاقه، الذين يشكّلون جداراً منيعاً أمام كل هجمة. الجمهور القطري مدعو اليوم لأن يكون الرقم الصعب في المدرجات فحضوره ليس مجرد دعم بل هو الوقود الحقيقي لانتصار منتخبنا الوطني والنبض الذي سيجعل الملاعب القطرية تردد أصداء الفرح والفخر وهنا يأتي دور الرموز المؤثرة في المجتمع من الفنانين والرياضيين ومشاهير السوشيال ميديا في تحفيز الجماهير على الزحف نحو المدرجات فصوتهم يحمل قوة النداء وكلمتهم قادرة على إشعال الحماس وبث الروح الوطنية لنصنع معًا يوماً لا يُنسى في ذاكرة الكرة القطرية .نرفع أكفّنا بالدعاء الصادق لمنتخبنا الوطني، راجين من الله عز وجل التوفيق والسداد في هذه المباراة الحاسمة. وبإذن الله، سنكون حاضرين في الملعب، نرفع أصواتنا بالهتاف والتشجيع، حاملين بين قلوبنا يقين الفوز وثقة لا تتزعزع بقدرات منتخبنا الوطني العظيم، وقلوبًا مفعمة بالفخر والاعتزاز، متألقة بحب هذا الوطن، وطموحٍ لا يعرف حدودًا نحو مجدٍ جديد. فهذه المواجهة ليست مجرد مباراة، بل محطة فاصلة في طريق المجد، وخطوة حاسمة نحو التميز وتحقيق الحلم الكبير الذي يجمعنا جميعًا: الوصول إلى كأس العالم، حيث يسطع علمنا بين أعظم الأمم. كلمة أخيرة : يا جماهير الوطن، شدّوا الرحال إلى المدرجات التي عرفت هدير أصواتكم، وارتعدت لهيبة حضوركم، فإنّ اليوم يومكم، وأنتم الفارق في هذه المواجهة المصيرية.

1086

| 08 أكتوبر 2025

العربي يذبح بلا شفقة

لم يَـبْـقَ موضعٌ في القلب العرباوي لم تنل منه جراح مسيرة التراجع والإخفاقات على أرض الملاعب، فكأن الحب العظيم فيه للقلعة الحمراء سبب ليتحمل خيبة الأمل ويغص بالأسى وهو يرى جدرانها الشامخة تهتز وتكاد تتهاوى، وأحدثت فيه نتيجة مباراة العربي والدحيل، أول أمس، جرحاً غائراً يضاف إلى جراح أخرى تتزين بها مأساته المزمنة. عمَّ نتحدث؟ عن المدرب الذي لم يزل عاجزاً عن قراءة فريقه وإمكاناته، وتوظيف ذلك في وضع اللاعبين في المواقع التي تتناسب مع قدراتهم؟ أم عن غيابه الكامل عن تجاوز نقاط الضعف في خطط اللعب، بحيث يستطيع اللاعبون كتابتها إنجازاً وفوزاً بأقدامهم على أرضية الملعب؟ عمَّ نتحدث؟ عن اللاعبين الذين كانوا يتراكضون هنا وهناك في الملعب بلا روح قتالية، وكأنهم لا يلعبون باسم نادٍ عريق، وإنما يحاولون إيجاد العذر للنتيجة المخزية التي استقر في وجدانهم أنها مصير محتوم للمباراة؟، أم عن إعدادهم النفسي الذي لا نشك أن المدرب والإدارة لم يولياه أيَّ اهتمام؟ عمّ نتحدث؟ عن إدارة النادي التي ستخرج علينا، كالعادة، بتبريرات فنية وإدارية لا تقنع الجمهور الذي يطالبها منذ سنوات بأن تفعل شيئاً يعيد القلعة الحمراء إلى الصدارة؟، أم عن العجز الواضح في استقطاب الممولين الكبار، مما أثَّرَ سلباً في قدرة النادي على التجديد والتطوير في ظل نقص الإمكانات المادية؟ إننا نتحدث عن اسم نادٍ كبير، وباسم جمهوره الكبير الذي صارت لغة اليأس تشوب نبضات الحب في قلبه فأخذ ينأى بنفسه عن الملاعب، لأنه قد يحتمل خسارة يشاهدها عبر التلفاز ويكون بإمكانه تغيير القناة فراراً من مرارتها، لكنه لا يستطيع أن يشاهد عياناً وهو جالس في صفوف المشجعين تلك المجزرة التي يتعرض لها ناديه على أرض الملعب. إننا لا نتحدث عن نتائج مباراة أو اثنتين أو ثلاث، وليت الأمر يقف عند حدود مخاوف العرباويين على بقاء ناديهم في ذيل ترتيب فرق دوري الدرجة الأولى، ولكنه يتعداها إلى هبوطه إلى دوري الدرجة الثانية، وأنه لن يستطيع المنافسة حتى لو هبط إليها، في ظل هذه اللامبالاة من إدارته، وتلك الظلال من فقدان الروح في نفوس لاعبيه. كلمة أخيرة: العربي بحاجة لربيع عرباوي، إدارياً وفنياً، يبعث الروح فيه ويصحح مساره، فإذا ظلَّ حاله على ما نراه فإن العرباويين سيجلسون على قارعة طريق البطولات يشاهدون الآخرين يتقدمون فيه بإنجازاتهم، بينما ينشغلون بلوم بعضهم وفي قلوبهم حسرات لا تنقضي.

1044

| 22 سبتمبر 2025

دوري نجوم بنك الدوحة.. آمال وطموحات

ها هو الدوري قد انطلق تُرافقُ انطلاقتَـهُ آمال الجماهير في تحقيق نتائج إيجابية، وتقديم مستويات متميزة تثبت جدارة أنديتها التي حلت في قمة ترتيب الموسم الماضي، أو ترمم قلاع أندية أخرى ملأتها صدوع هبوط المستويات الفنية، وشروخ الأداء الإداري المهلهل، أو تؤكد قدرات أندية على المنافسة واكتساب المهارات التي تتيح لها إثبات وجودها في الدرجة الأولى، من السابق لأوانه توجيه رسائل لإدارات الأندية بشأن الإعداد الفني والنفسي لفرقها، ولكن من الواجب علينا المطالبة بأمور كثيرة لابد من الالتزام بتحقيقها خلال الموسم الحالي لترسيخ نهج رياضي مسلكي يبين الوجه الحضاري لبلادنا وإنسانها. وسأناقشها في النقاط التالية: (1) نطالب إدارات الأندية بالتواصل مع الجماهير طوال الموسم، عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وأن تلتزم بلغة موضوعية في أطروحاتها تستجيب لآمال الجماهير وتحترم مطالبها، فالأندية ليست إدارات وفرقا ومباني فقط، وإنما لها وجود حي في المجتمع يجب تقديره والعمل على تنميته. (2) نطالب لجنة الانضباط باتحاد كرة القدم أن تمارس دورها بحزم وجدية وحرص على روح اللوائح والقوانين المنظمة لها، منذ اليوم الأول في الدوري، وألا تتأثر بالحملات الإعلامية التي قد يشنها ضدها بعض الإداريين واللاعبين الذين تطولهم محاسباتها، فاللجنة تمثل الاتحاد وهي جزء من آلية عامة تهدف للارتقاء بكرة القدم سلوكيا وحضاريا. (3) نطالب الصحافة الرياضية بالاستمرار في ممارسة الديمقراطية من خلال الانتقاد البناء، وتسليط الضوء على مواضع الخلل دون تمييز، وأن تتيح الفرصة لجميع الآراء في الطرح. (4) نتمنى من جماهيرنا الرياضية مؤازرة أنديتهم بالحضور إلى الملاعب، واستخدام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لدعم الإدارات التي تسعى لتحسين الأداء وتجنب تكرار الإخفاقات التي تؤدي إلى تآكل شعبية الأندية. كلمة أخيرة: الدوري، ليس مجرد منافسات تهدف للفوز، وإنما هو اللوحة الحقيقية التي ترسم عليها صورة مجتمعنا الحي وإنساننا المتحضر.

1068

| 19 أغسطس 2025

لمن يهمه الأمر

اللاعبُ، كجميعِ البشرِ، إنسانٌ في تفكيرِهِ ومشاعرِهِ. وبعيداً عن قدراتِـهِ ومَهاراتِهِ البَـدَنيَّـةِ والحَرَكيَّـةِ، فإنَّـهُ يَتَـمَـيَّـزُ بأمورٍ نجدُها في الشخصيةِ القياديةِ، وأهمُّها: التفكيرُ الَّلحْظيِّ، وسرعةُ اتِّخاذِ القرار، والانسجامُ معَ الـمُحيطِ بفاعليةٍ. ولذلك، ينبغي دراسةُ شخصيتِـهِ بدقَّةٍ قبلَ الحُكمِ عليه بالنجاحِ أو الفشلِ. فليس منَ الـمنطقِ أنْ ننظرَ إليه ككتلةٍ من العضلاتِ والعظامِ والأعصابِ فقط، وإنما كشخصٍ له انفعالاتُـهُ وتكوينُـهُ النفسيُّ والعقليُّ. عندما نتحدثُ عن الإعدادِ النفسيِّ للاعبينَ، في معسكراتِ التدريبِ، وقبلَ أو بعدَ الـمبارياتِ، فإنَّنا لا نعني بذلك أنَّه يقومُ على تطييبِ خواطرِهِم، والـمُبالغةِ في تشجيعِهِم، وإنما هو شيءٌ آخرُ يتعلقُ بأمورٍ، هي: (1) قراءةُ الشخصيةِ الجَمعيَّةِ التي تربطُ بينهم، وتجعلُهُم يؤمنونَ بأهدافٍ ينبغي السعيُ لتحقيقِـهِا هي الفوزُ، أو إنهاءُ الـمباراةِ، في بعضِ الحالاتِ، بأفضلِ نتيجةٍ ممكنةٍ، وقد رسموا صورةً مُشَرِّفَـةً لهم أداءً وسلوكاً. (2) قراءةُ الشخصيةِ الفرديةِ لكلِّ واحدٍ منهم على حِـدَةٍ، بحيثُ يتمكنُ الجهازانِ الفنيُّ والإداريُّ، من تنميةِ جوانبِها الإيجابيةِ، والحَدِّ من تأثيراتِ الجوانبِ السلبيةِ على أداءِ اللاعبِ والفريقِ خلالَ الـمباراةِ. وهذا الأمرُ يكونُ سرياً، بمعنى أنَّ اللاعبَ يُواجَـهُ بإيجابياتِهِ وسلبياتِـهِ على انفرادٍ، وبروحٍ من التسامحِ الـمَشوبِ بإنذارٍ غيرِ مُعْلَنٍ بأنَّ الإصرارَ على السلبياتِ ليس أمراً يمرُّ دون عقوباتٍ رادعةٍ قد تصلُ إلى إبقائِـهِ طويلاً في صفوفِ الاحتياطِ، أو إلى الاستغناءِ عنه. (3) قراءةُ الإيجابياتِ والسلبياتِ في الفِـرَقِ الـمنافسةِ، أداءً جماعياً وفردياً، وجوانبَ نفسيةٍ فيها كمجموعٍ أو كأفرادٍ. ثم تحليلُ الـمعلوماتِ وإنارةُ اللاعبينَ بها ليكونوا عارفينَ بمنافسيهم، وأكثرَ استعداداً للتعاملِ معهم في الـملعبِ بالحَدِّ من خطورةِ أدائهم الفنيِّ، واستثمارِ سلبياتِهم لصالحهم. بالطبعِ، فإنَّ الإعدادَ النفسيَّ ليس مهمةً بسيطةً يستطيعُ أيُّ مدربٍ أو إداريٍّ القيامَ بها، ويلزمُ لها استشارةُ الـمُختصِّينَ في علمِ النفسِ أحياناً. كما أنَّها ترتبطُ بجانبَينِ مُهمَّينِ هما شعورُ اللاعبينَ بالرِّضا عن الـمَردودِ الـماديِّ لهم، لأنَّ كثيرينَ منهم يحترفونَ اللعبَ ويتعاملونَ معه كمِـهْنَـةٍ تُوفِّرُ لهم ولأسرِهِم حياةً طيبةً كريمةً. وكذلك، رضاهم عن التقديرِ الـمعنويِّ لهم منْ قِـبَلِ الجهازينِ الفنيِّ والإداريِّ. كلمةٌ أخيرةٌ: في الرياضةِ، ككُلِّ مجالاتِ النهضةِ الشاملةِ، يكونُ التخطيطُ السليمُ والحديثُ العلميُّ سببينِ رئيسينِ في الوصولِ إلى الأهدافِ الـمنشودةِ.

432

| 22 مايو 2025

خليجي 26‬⁩ وإعلامُنا الرياضي

نعلمُ جميعاً أن كأس الخليجِ هي الـمَظهَرُ الأبرزُ لوحدةِ شعوبِ دولِ مجلسِ التعاونِ، ولصِـلاتِ الأُخُـوةِ التي تربطُنا باليمنِ والعراقِ. وأنها قِـمـةٌ شعبيةٌ نتحاورُ فيها، خليجياً، بلغةِ كرةِ القدمِ. ولعل دورَ الإعلامِ هو الدورُ الأهم في ترسيخِ مفاهيمِ وحدةِ الـمصيرِ والعَيْـشِ الـمُشْـتَرَكِ، وسأناقشُهُ في نقاطٍ كالتالي: 1 - على الخطابِ الإعلامي أنْ يكونَ رياضياً مطلقاً، فاللعبُ أداءٌ يُـظْهِـرُ مدى تَـقَـدمِ كرةِ القدمِ في الدولِ الـمُشاركةِ وفي دولِ مجلسِ التعاونِ بخاصة. ولذلك، ينبغي أنْ يرتكزَ التحليلُ الرياضي على تبيينِ الجوانبِ الفنيةِ، وعواملِ القوةِ والضعْفِ، والحالات التي أخطأ فيها الـمدربون واللاعبون والحُكام، بحيث يُستفادُ من ذلك في زيادةِ الوعي الرياضيِّ وتثقيفِ العقلِ الجمعيِّ للناشئةِ والشبابِ. 2 - لا أحدَ يستطيعُ مَنْـعَ التَعَصب الـمُعتدلِ في تشجيعِ الجماهيرِ لفِـرَقِها الوطنيةِ، إلا أنَّ دورَ الصحافةِ ووسائلِ الإعلامِ لا ينبغي أنْ يُمارَسَ بهذه الصورةِ، وإنما يكونُ الرافعةُ التي يُسْـتَـنَـدُ إليها في تهذيبِ النفوسِ، وتقويةِ الروحِ الرياضيةِ، والتقريبِ بين الشعوبِ. والـمُلاحَظُ في بعضِ صحافتنا الخليجيةِ أنها تُقَـوي النـزَعاتِ التعصبيةِ بعناوينِـها ومقالاتِها الرنانةِ التي لا تخدمُ إلا زيادةَ توزيعِها، لكنها تُسهمُ في إضعافِ الروحِ الرياضيةِ وتؤثـر سلباً في نفوسِ بعضِ قُرائِـها. 3 - ما أرْوَعَ لو تَـبَـنى الإعلاميونَ الخليجيونَ خطاباً مرافقاً للخطابِ الرياضي، فيه دعوةٌ للمُشاركةِ في البُنى الرياضيةِ الأكاديميةِ في دولِنا، وتشجيعُ الهيئاتِ الرياضيةِ الرسميةِ على إيفادِ الشبابِ للدراسةِ فيها، كأسباير على سبيل الـمثال، لأن الدارسين هم القادة الرياضيونَ والـمُجتمعيون في بلادِهم، وستكون دراستُهم مجالاً لتمتينِ الروابطِ بين شعوبِنا مستقبلاً. كلمةٌ أخيرةٌ: نتمنى لـمنتخبِنا الوطني والـمنتخباتِ الـمُشارِكةِ التوفيقَ، وتقديمَ صورةٍ مُشرقةٍ عن كرةِ القدمِ في بلدانِـنا، تُسهِـمُ في استكمالِ الصورةِ الحضاريةِ التي ترسمُها الجماهيرُ.

555

| 26 ديسمبر 2024

طائفةٌ من أمتي

قبل السابع من أكتوبر 2023، ظنَّ كثيرون أن فلسطين دخلت حالة الاحتضار الجغرافي والتاريخي، وشعروا أن السلام مع الكيان الصهيوني سيكون تحت شعار: السلام مقابل السلام فقط، كما قال نتنياهو، أي أن استعادة الفلسطينيين للأراضي التي احتُلتْ سنة 1967، وإقامة دولتهم عليها، أصبحت من المستحيلات. اللافت للنظر، أن القضية الفلسطينية أصبحت رمزاً لشعوب العالم في التضحية والثبات، فحطم طوفان الأقصى كل خرافات السردية الصهيونية التي سادت طوال ستة وثمانين عاماً، وبات يهود العالم، أنفسهم، يشعرون بخطر الكيان الصهيوني عليهم، فشارك كثيرٌ منهم في المظاهرات الضخمة في نيويورك ولندن ضد جرائمه في غزة. ورغم ذلك، يخرج أناسٌ محسوبون علينا ليقولوا إن الرسول، ﷺ، لو كان حياً لَما نَصَرَ غزة لأن كرامها لم يحسبوا حساباً لقوة العدو وحلفائه. وأقول لهؤلاء الخاذلين المتخاذلين إن هَدْيَ الرسول، ﷺ، وعزة نفسه بالإسلام يسريان في نفوس أهل غزة المؤمنين بالله، الظاهرين على الحق، الذين لا يضرهم مَنْ خذلهم. وتنبغي الإشارة إلى أن كرام غزة يقاتلون وحدهم، ويرفعون راية النصر أو الشهادة رغم ما يتعرض له أبناؤهم وبناتهم وآباؤهم وأمهاتهم. هذا الصبر العظيم على مُصابهم في ذويهم لم يزدهم إلا إصراراً وحماسةً تجعلنا نقف بخجلٍ أمام قامة الإنسان الفلسطيني الشامخة في بحر دمائه، واقفاً على تربةٍ صلبةٍ من الكرامة والعزة. كما حطم الغزاويون، أيضاً، المفاهيم العسكرية المعتادة لثورات الشعوب؛ والتي كان من ركائزها وجود جارٍ ذي قوةٍ ومهابةٍ يدعمها. فهم وحدهم بلا دعمٍ عسكريٍّ أو سياسيٍّ، بل إن المدنيين منهم يموتون جوعاً ولا ناصرَ لهم إلا الله تعالى. الأمر الأهم، في معركة طوفان الأقصى، هو صمود مواطني غزة رغم المآسي العظيمة التي يعيشونها؛ فقد حطموا الدعاية الإعلامية الصهيونية، والتي ترددها بعض وسائل الإعلام العربية، حول عداء الغزيين للمقاومة. وقد فشلت، أيضاً، محاولات إقامةِ إدارةٍ من وجهاء قطاع غزة تتبع الكيان الصهيوني، فلم يعد أمامه سوى الاستمرار في جرائمه ظناً منه أنها ستقتل روح المقاومة، وهو ما يثبت أنه لم يتعلم شيئاً منذ 1948، فكل قطرة دمٍ زكيةٍ أنبتت عشرات المقاومين، وكل شهيدٍ أصبح قدوةً للأجيال كلها. في غزة، كان كرام أمتنا، طوال العقود الثلاثة الماضية، يتابعون إعدادهم لإحياء القضية الفلسطينية، ويضعون الخطط لمواجهة المخطط الصهيوني. وكانت أولى العقبات أمامهم أن قطاع غزة مسطحٌ بلا جبال ولا غاباتٍ ولا وديان تسمح لهم بمواجهة العدو على الأرض، فتفتقت العبقرية العسكرية الفلسطينية عن حل غير مسبوقٍ تمثل في بناء تضاريس تحت سطح الأرض؛ هي الأنفاق الضخمة التي تغطي القطاع كله. ومن متابعة المعارك، نستنتج أمرين: الأول، أن شبكة الأنفاق ليست متصلةً، فكلما قام المجاهدون باستدراج الصهاينة إلى أحدها ثم تفجيره بهم، يظهر سواه غير بعيدٍ عنه في نفس المنطقة. والثاني، أن القيادة العليا للمجاهدين قامت بإعداد قياداتٍ عسكريةٍ ذات مؤهلاتٍ عظيمةٍ في التخطيط الفردي واتخاذ القرار دون الرجوع إليها. أي أن المجموعات المقاتلة تعمل بأسلوب عنقود العنب، فكلها تتبع قيادةً واحدةً، لكن لها الحرية في العمل حسب لظروف العسكرية المحيطة بها. وقد أربك هذا الأمرُ العدوَّ، فأصبحت قواته فريسةً سهلةً، ولولا التعتيم الإعلامي لَعَرَفَ العالم أن أعداد قتلى العدو تفوق بعشرين ضعفاً ما يعلنه.. والسؤال المطروح، ما هي النتيجة المتوقَّعة للعدوان الهمجي على غزة؟، والجواب هو النصر. وهذا النصر ليس عسكرياً بالمعنى المعروف، لأن الصمود الأسطوري لكرامنا في غزة، ومحافظتهم على وحدة الصف، وعدم قدرة العدو على اختراقهم مخابراتياً، يجعلهم الركيزة الصلبة لأية مفاوضاتٍ مستقبليةٍ بشأن السلام، ويفرض شروطاً أفضل للقضية الفلسطينية. مما يُذيب القلبَ كمداً أن أعراض المسلمين في غزة تُنتهك، وتنادي الحرائر، فلا يُجيبهنَّ المعتصمُ ولو بكلمةٍ، لكن شعوب أمتينا الإسلامية والعربية تُلبي نداءاتهنَّ بما تستطيع، وتغرس ثمرة فلسطيننا في نفوس وعقول وأرواح الأطفال والشباب، وترويها بالحب والإيثار، وستنبت فيها عشرات ملايين أشجار الكرامة والفداء. كلمة أخيرة: من الجُرحِ ينبتُ الأمل، ومن الصمود والشهادة تولد فلسطيننا وتكبر بعزةٍ وإباءٍ.

729

| 01 أبريل 2024

من الشهادة يبعث النصر

سمعت جَنى، ابنة الأربعة عشر عاماً، صوت أمها المملوء وجعاً وعذاباً، وهي تهمس في أذنها بأعذب العبارات، فحاولت أن تفتح عينيها لتراها، لكنها عجزت، وأرادت أن ترفع يديها لتتلمس الوجهَ الحنونَ، فلم تستجيبا لها، وجاهدت آلام الجوع الذي افترس جسدها وحوَّلها إلى هيكل عظمي، لتقول لأمها إنها تحبها، إلا أن الجوع لم يترك فيها طاقةً لذلك. وشعرت ببرودةٍ تسري في أوصالها، فانتفض جسدها المُنهَكُ، وفتحت شفتيها بصعوبةٍ، ونادت بصوتٍ فيه حشرجة الموتِ: يا الله.. يا الله، ثم فتحت عينيها وابتسمت لأمها وكأنها تودعها وتطلب منها ألا تحزن، قبل أن تغادرها الروح لتنضم لقوافل شهداء غزة هاشمٍ الأحياء عند ربهم. وكأن لا شهداء في غزة يرتقون إلى الله ذبحاً بالسلاح والجوع، ولا ثكالى ولا أيامى، ولا رجالاً يدافعون عن كرامة وعقيدة ووجود الأمة كلها، فيخرج علينا رجالٌ يتهمون المذبوحين بأنهم السبب في وَضعِ السكين على أعناقهم، ويُفسِّقون الأبطالَ الذين يواجهون الصهاينة بأبسط أنواع الأسلحة مدعومين بسلاح الإيمان بالله وحده، بعدما تجبَّرَ الغريبُ عليهم، وأنكرهم الأخ الشقيق. ثم تتعاظم المأساة، فينشغل الناس بمسلسلٍ تافهٍ، متهافتٍ، لا صلة له بالوقائع التاريخية، ينطق الممثلون فيه باللهجة العامية الركيكة، وحتى اسمه غير صحيح نحوياً: الحشاشين. وكان ينبغي في هذا المسلسل أن يطرح صورة المسلمين في عصر طائفة الحشاشين في أروع تجلياتها، بدلاً من التركيز على تشويه صورتهم وعقيدتهم. واستكمالاً لهذا الانحدار، ينشغل كثيرون ويتفاعلون مع قولٍ لعلي جمعة بجواز ومشروعية العلاقة بين الشاب والفتاة إن كان أهل الفتاة يعلمون بها، وكأن لا أخلاق ولا قيم في مجتمعاتنا، وكأنَّ جنى وأترابها ليسوا بشراً مسلمين قد ذُبحوا أمام عيني الشيخ المشغول بالجدال حول تحليل المحرمات بدلاً من الدعوة لنصرتهم والذود عنهم. هذا الجانب المظلم، ليس هو الصورة الكلية لمعركة طوفان الأقصى، فهناك جوانب فيها أنوارٌ ما كان لها أن تتلألأ لولا مواكب الشهداء المزدانة بها غزة. وتخبرنا هذه الأنوار أن الأمة في وادٍ وهؤلاء النفرُ صانعو التفاهة في وادٍ آخر. أولى تلك الأنوار، هي أن فلسطين أصبحت قضية الأمة العربية الإسلامية، بعدما كاد ذكرُها يندثر، ولم يعد الناشئة والشباب يعرفون شيئاً عنها. فقد كان طوفان الأقصى الشرارة التي أحيت فلسطين في قلوبهم وعقولهم، وهذا أمرٌ ذو أهميةٍ عظيمةٍ، لأنهم الجيل الذي سيدير شؤون الأمة مستقبلاً، وستعيش أرواح صلاح الدين وبيبرس وعز الدين القسام في قلوبهم، ويحيا طيف أبي عبيدة ورفاقه في نفوسهم. ثاني تلك الأنوار، أن في الأمة علماءَ رجالاً لا يخشون في الله لومة لائم، كفضيلة الشيخ أحمد الخليلي في عُماننا الحبيبة، الذي بات الجميع ينتظرون تصريحاته حول ما يجري، ويرون فيه طيف ابن تيمية والعز بن عبد السلام، رحمهما الله. ثالث تلك الأنوار، هو أن الأمة، تنتج فناً حقيقياً لا صلة له بالقنوات التلفزيونية الرسمية التي تقول عن الشهداء إنهم قتلى. فمن كويتنا الحبيبة، أطلق شابٌّ مبدعٌ أغنية: فلسطين بلادي التي يغنيها الجميع بحماسةٍ منقطعة النظير. وكذلك، نتذكر أهازيج أهلنا في مغربنا الحبيب وكل ديارنا وهم يغنون لفلسطين وغزة في الملاعب والساحات. وفي قطرنا الحبيبة، تهمس فلسطين في أسماع أرواحنا بأنشودةٍ جميلةٍ قصيرةٍ قبيل الإفطار من خلال التلفاز، وكأنها نسمةٌ عليلةٌ تدفعنا للدعاء لغزة وكرام أمتنا فيها. أما أروع تلك الأنوار، فهو التغير الهائل لصالح الإسلام والمسلمين وفلسطين في المجتمعات الغربية التي كانت دولة الاحتلال صنماً مقدساً فيها. ونحن لا نقول إن ذلك سيؤثر سريعاً في سياسات الدول الغربية، لكنه سيُسهم على المدى البعيد في تحطيم الصنم، والدفع نحو اتخاذ سياسات متوازنة نسبياً تجاه القضية الفلسطينية وكل قضايا أمتنا. كلمة أخيرة: الثبات الأسطوري لكرامنا في غزة هو نصرٌ عظيمٌ في ذاته؛ لأنه أكَّدَ عَظَمةَ الإنسان العربي الفلسطيني، فكأنما هو قادمٌ إلينا بعزيمة وإيمان الصحابة، وتحت رايات المجد والخلود.

801

| 24 مارس 2024

أين عيناك يا صلاح الدين؟

على جواده الأشهب، بدا صلاح الدين شامخاً بإيمانه، مستبشراً بنصر من الله تعالى، ناظراً بفخرٍ إلى جيشه المحيط بمدينة القدس، يرنو إلى قبة الصخرة والمآذن الحزينة داخل أسوار المدينة التي دنَّسها الصليبيون طوال ثمانية وثمانين عاماً. كان يرى بعيني قلبه أطيافَ الرسل والأنبياء، عليهم السلام، ويلمح بداية عروج الحبيب المصطفى، ﷺ، إلى السموات العُلا، ويسمع أصوات مئات آلاف الشهداء، الذين ذُبحوا داخل القدس وحولها، تناديه لتحريرها، وتنبض في قلبه قلوبُ عشرات ملايين المسلمين الذين يدعون الله له ولجيشه بالنصر المؤزر. قبل ثلاثة أشهر، في 25 ربيع الآخر 583 هـ / 4 يوليو 1187 م، قاد صلاح الدين المسلمين في معركة حطين التي شهدت انتصارهم العظيم على الصليبيين، ثم انطلقت جيوشه تُحرر المدن الساحلية من بيروت حتى عسقلان وغزة، فتم له قطع الإمدادات عن مملكة الصليبيين في القدس. وحين بلغه تحرير عسقلان، استبشر خيراً لما جاء عن النبي، ﷺ، أنه قال: (إنَّ أفضلَ جهادكم الرِّباطُ، وإنَّ أفضلَ رباطكم عسقلان)، فأعطى الأمر بالتوجُّه لتحرير القدس، واندفعت جيوشه كطوفانٍ من الإيمان والعزيمة والنخوة والكرامة، تهزُّ تكبيراتها الكونَ، وتُزعزع أفئدة الصليبيين، حتى حاصرت المدينة المقدسة في 15 رجب 583 هـ / 20 سبتمبر 1187م. طوال اثني عشر يوماً، لم ينم صلاح الدين، إذ كان يُشرف على تنفيذ الخطط العسكرية، ويحرص على تأجيج جذوة الحماسة في قلوب جنوده، ويشارك الجرحى منهم مواجعهم ويُخفف عنهم بالحديث عن قُرب موعد النصر، وعن الحياة عند الله تعالى لمن تُكتب له الشهادة. وكان قلبه يذوب فخراً وسعادةً بهم؛ فقد جمع الإسلام بينهم، فهم عربٌ وكُردٌ وأمازيغُ ونوبة وسواهم من قوميات ما كان لها أن تجتمع إلا في ظلال الحق، وفي أنوار الدين الحنيف. وفي 27 رجب 583 هـ / 2 أكتوبر 1187 م، لم يجد الصليبيون بُداً من الاستسلام، فدخلها المسلمون مكبرين مهللين، وتدافعوا نحو المسجد الأقصى يطهرونه من الدنس، ثم يسجدون داخله وعلى التراب الطاهر حوله، وحين رأوا صلاح الدين يدخله، صمتوا كأن على رؤوسهم الطير، وتعلقت عيونهم بوجهه المشرق بنور الإيمان والتواضع لله، واهتزت قلوبهم حين سجدَ شكراً لله، ثم عانقت تكبيراتهم تكبيراته، وأحاطت بهم ملائكة الرحمة المبسوطة أجنحتها على الشام، كما أخبرنا الحبيب المصطفى، ﷺ. في ذاك الزمان، لم يواجه صلاح الدين الصليبيين وحدهم، وإنما واجه الغرب، كله، الذي كان يدعمهم بالرجال والسلاح والمال وبآخرين كانوا يعملون لصالحهم في بعض ديارنا العربية. لذلك، أدرك أن الحرب معهم ليست معركةً واحدةً، ولا مقارعة بالسلاح فحسب، وإنما هي حروب متتالية في ساحات الوغى يتزامن معها حروب طاحنة تستهدف النهوض بالأمة وتوحيد صفوفها؛ وبدأ بنفسه، فكان القدوة لها في سيرته العطرة، وحرصه على العدالة والحق، ورَفْعِ راية الجهاد. اليوم، يزورنا صلاح الدين وجنوده، فها هم أحفاده وأحفادهم يبنون صروح المجد والعزة ببطولاتهم وثباتهم في غزة هاشم، ويكتبون بتضحياتهم صفحاتٍ جديدةً في تاريخنا العربي المعاصر. وهم مثله في إعدادهم للمعارك، فقد كانت غزة الأقل عالمياً في مستوى الأمية، والأعلى في الدرجات الدراسية العليا كالماجستير والدكتوراة في مختلف التخصصات العلمية والأدبية. وكان الموقع الإلكتروني للجامعة الإسلامية فيها مرتكزاً للطلاب العرب في الحصول على مراجع حديثة من خلال الدراسات والأبحاث التي تنشرها. هذا الأَلَقُ الذي تميز به أهلنا الفلسطينيون في غزة الحبيبة، يسعى الصهاينة لوأده بالمذابح والتدمير، لكنهم سيُهزمون، بإذن الله، وسينتصر أحفاد صلاح الدين. من الأمور الملفتة للنظر، أن الرحمة التي وضعها الله في قلوب المسلمين تنتقل عبر الأجيال، فقد كان صلاح الدين والذين معه رحماء بالصليبيين، فلم يعاملوهم كما فعل الصليبيون مع أهالي البلاد التي احتلوها بالمذابح الهائلة وسفك الدماء. والأمر نفسه، نجده اليوم في كرام أمتنا في غزة الحبيبة، الذين تحدث الأسرى والأسيرات عن رحمتهم بهم، مما رفع من درجات الوعي العالمي بسماحة الإسلام، وسمو أخلاق المسلمين. كلمة أخيرة: لن تموت أمتنا الإسلامية العظيمة، ولن تنكسر رايات حضارتها وإنسانيتها، ففيها ملايين صلاح الدين وعز الدين القسام وأحمد ياسين، وفيها مئات الملايين ممن ترحل قلوبهم إلى القدس كل يوم لتعانق المدينة المقدسة

966

| 17 مارس 2024

دماءٌ يُكتَبُ النصرُ بها

طعامهم الكرامة، وشرابهم الفداء، وأبواب الجنة مشرعةٌ لهم حين يرتقون شهداء إلى الله. إنهم كرام الأمة في غزة هاشم الذين تحالفت الإبادة الصهيونية الممنهجة لهم مع الجوع الذي فَغَرَ فاهُ ليبتلع الحياة من أجساد الأطفال والنساء والرجال في عالمٍ انهارت منظومته الأخلاقية والقانونية والإنسانية منذ بدأ الصهاينة حربهم الوحشية على قطاع غزة. في شِعْبِ غزة هاشم، مليون ونصف مليون من أهلنا تُظللهم أطياف الإجرام الصهيوني والصمت عن مأساتهم العظمى، وكأننا أمام لوحةٍ مرسومةٍ بدمائهم وأشلائهم، ينادون المعتصم فلا يجيبهم، ويستنجدون بصلاح الدين فلا يُلبيهم، وتبحث أنظارهم عن الكرامة العربية فتتوارى عنهم خجلاً، لكنهم يستمسكون بالعروة الوثقى بين الله تعالى وبينهم، لأنهم يعلمون يقيناً أنهم الطائفة المنصورة ببيت المقدس وأكنافه. ونحن نشهد حالات احتضارهم جوعاً ونظن أننا قد نشاركهم مأساتهم بالصوم في الشهر المبارك، لكننا نتناسى أنهم مُصَوَّمونَ قسراً لدرجة الموت جوعاً، حيث يفتك الجوع بأجسادهم، ويمتص الحياة منها رويداً رويداً.هؤلاء الكرام، كتبوا الحياة للقضية الفلسطينية من جديد، ونقشوها في وجدان الشعوب، كلها، ومزجوها بوعي العرب والمسلمين، فمهما كانت النتائج مروِّعةً، فهم المنتصرون، وحتى يأسهم، إن يئسوا، لن يعني إلا قُرب نصر الله لهم مصداقاً لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا إِنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاء َهُمْ نَصْرُنا}.هؤلاء الأحرار الذين أزالوا القُدسية عن الخرافات الصهيونية في الغرب لأول مرة منذ خمسةٍ وسبعين عاماً، فبتنا نسمع الهتاف لفلسطين في شوارع واشنطن ولندن وباريس وسواها من كبريات مدن الغرب، وأصبحت ممارسات الصهاينة رمزاً للظلم والعدوان واللاإنسانية. لقد استطاعوا كَشْفَ السِّتْرِ عن العَدَميةِ واللا معنى للصمت عن أعظم جريمةٍ في عصرنا؛ الجريمة الصهيونية في فلسطين الحبيبة.هؤلاء الأشقاء الأحبة، هم الروح في أمتنا، وهم النور في جبينها، وكلما ارتقى شهيدٌ منهم، أُضيئتْ شمسٌ في سجلات تاريخنا، ونبتت زهرة كرامةٍ وعزِّةٍ في دروب شعوبنا، وتحطمت في بيوتنا مرايا نخجل من النظر إلى أنفسنا فيها. أهلنا في غزة هاشم، يكفيهم شرفاً أن أمواتهم أحياءٌ عند الله تعالى، وأن رمضان المبارك يتنفس صبرهم وصمودهم، وأن الأمة تنظر إليهم لترى فيهم ما ينقصها، وكم كثيرٌ ما ينقصها، وكم كثيرٌ ما يمنحونه لها بتضحياتهم وفدائهم، وكم قليلٌ ما تقدمه لهم وهم يدافعون عنها وعن عقيدتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها. أما نحن، فكأننا، بصمتنا المُخزي، ننتظر رحيلهم، ذبحاً أو جوعاً، بينما الراحلون نحن وهُمُ الباقون أبداً. ويوم القيامة، سنقف أمام الله في خصومتهم معنا، فلا نستطيع النظر في وجوههم، ولا ندري ما نقول لهم والحَكَمُ بيننا هو جبار السموات والأرض. كلمة أخيرة: قوة عدوهم وعدونا مرهونةٌ بصِلَتِهِ بداعميه من الناس، في الغرب والشرق، وقوتهم نابعةٌ من صِلَتِهِم بالله تعالى، وشتَّان بينهما، وإنهم لَمنصورون إن شاء الله.

1146

| 11 مارس 2024

اليومُ الرياضي: منظورٌ مستقبلي

المُستوى الحضاريُّ الرفيعُ الذي وصلتْ إليه بلادُنا، يدفعنا إلى الـمطالبة بإيجادِ فلسفةٍ للرياضة تستندُ إلى الواقعِ، وترتكزُ على تحقيقِ أهدافِ رؤيةِ سموِّ الأمير الـمُفدى لِـما يجب أن تكون عليه قطرُ 2030 م. وهنا، نلتفتُ إلى وزارة الرياضة والشباب واللجنة الأولمبية القطرية، مُـتَـمَـنِّـينَ عليهما إيجاد إداراتٍ للدراساتِ والبحوثِ فيهما بحيثِ يتمُّ الاستفادةُ من ذوي الكفاءاتِ العلميةِ وخبراتِـهِـم العَـمَـليةِ في نشاطٍ مُنَـظَّـمٍ رسميِّ الطَّابَـعِ. ينبغي الخروجُ منَ التَّصَـوُّراتِ النَّـمَـطيَّـةِ لليوم الرياضيِّ كمناسبةٍ للدعوةِ إلى ممارسةِ الأنشطةِ البدنيةِ، إلى نطاقٍ أكثرَ رَحابَـةً يمتدُّ ليشملَ وَضْـعَ الأسس العَـمليةِ، والخططَ الـمُحكمةَ لتغيير أنماطِ التفكيرِ والـمَعيشةِ، وممارسةِ الـمُواطنين لدورِهِـم في بناء وطنِـهِـم. فهو مناسبةٌ بالغةُ الأهميةِ لزيادةِ التواصلِ البَـنَّاءِ بينهم وبينَ أجهزةِ الدولةِ الـمُختلفةِ، وبعضهم بعضاً، وشقيقِـهِـم الإنسان الـمقيم. كما أنه سبيلٌ للتوعيةِ الحضاريةِ والإنسانيةِ بالـمفاهيمِ الديمقراطية في السلوكِ والتفكيرِ، وللتأثيرِ الإيجابيِّ في نفوسِ الناشئةِ والشباب بحيث يُستطاعُ إعدادُهُـم للانتقالِ، خلال سنواتٍ، إلى سوقِ العملِ والانخراط في العمليةِ التنمويةِ الشاملةِ. نُثَـمِّـنُ عالياً جهود القائمين على اليومِ الرياضيِّ، ونتمنى عليهم دراسةُ إقامةِ ندواتٍ في مدارسنا، على امتدادِ العامِ الدراسيِّ، يتم فيها الاستفادةُ من نجومِنا الرياضيين، ذكوراً وإناثاً، في توعية الجيل بأهمية الروحِ الرياضيةِ، وروعةِ الالتزام بأخلاقها في السلوك والتفكير. لأنَّ ذلك هو اتجاهٌ نحو تفعيلِ الرؤى في نفوسِ وعقولِ الشريحةِ العُـمْـرِيَّـةِ الأوسعَ في مجتمعنا.الأمرُ الآخرُ الذي نتطلعُ إليه هو استثمارُ هذا اليومِ في خطابِـنا الرياضي الحضاري الهادف إلى تأكيد مركزية بلادنا كعاصمة للرياضة العالمية، عبرَ التركيز الإعلاميِّ على الروحِ الـمَـدَنِـيَّـةِ والحضاريَّـة السائدةِ في مجتمعِـنا. فليس كالصورِ ومقاطعِ الڤيديو في التأكيدِ على إنسانيةِ العلاقةِ بين الـمواطنِ وشقيقِـهِ الإنسان المقيم، وترسيخِ صورةِ قطرَ كدولةٍ ومجتمعٍ يحتكمانِ إلى العدالةِ واحترام حقوقِ الإنسانِ. ● كلمة أخيرة: كم يثلجُ صدورَنا الاهتمامُ الإعلاميُّ الكبيرُ بالحَـدَثِ، والجهودُ الـمَشكورةُ لتركيزِ الأضواءِ عليه كمناسبةٍ وطنيةٍ، فهذا هو السبيلُ لتعميمِ أهدافِ التجربةِ وربطِـها بالمجتمع والإنسانِ.

789

| 14 فبراير 2024

alsharq
مؤتمر صحفي.. بلا صحافة ومسرح بلا جمهور!

المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...

7890

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
من فاز؟ ومن انتصر؟

انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...

6636

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
مكافأة السنوات الزائدة.. مطلب للإنصاف

منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...

3447

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2835

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
تعديلات قانون الموارد البشرية.. الأسرة المحور الرئيسي

في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...

2796

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

1899

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»

قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....

1545

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1239

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
مواجهة العزيمة واستعادة الكبرياء

الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...

1197

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
العطر الإلكتروني في المساجد.. بين حسن النية وخطر الصحة

لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...

1065

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
قطر تودّع أبناءها الشجعان

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبمشاعر يعتصرها الحزن...

759

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
هل نحن مستعدون للتقدّم في العمر؟

مع أننا نتقدّم في العمر كل يوم قليلاً،...

756

| 13 أكتوبر 2025

أخبار محلية