رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

بين حب مصر والوطن ديانة أو علمنة (2)

1. كنتُ في السنة الرابعة في كلية دار العلوم سنة 1401هـ/ 1981م وبينما كنت عند أستاذي د.أحمد هيكل عميد الكلية في مكتبه، إذ دخل صحفي وبدأ حواره، وقال: عندي موضوع جديد ومثير وسوف يغير بنية المجتمع المصري كله وأريدك أن تكون فارسا لاستعراض هذا الموضوع في جريدتنا "الأخبار"، فقال له الدكتور: وما الموضوع؟ فقال: تميز المصري الذي جمع بين خاصيتين لم تؤت لغيره في العالم، وهما: إيمانه بالرب: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (طه: 14)، وإيمانه بأنه فرعون، حيث يؤمن في أعماقه بما قاله فرعون مصر: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (النازعات: من الآية 24)، وتصاعد غضبي فجأة لهذه الجهالة الفكرية، والحماقة السطحية. لكني تأدبت لأني طالب بين يدي عميد الكلية، فقلت في نفسي: إن لم يرد سيادة العميد سأخرج وراءه وأحاوره، ولكني أشهد أن أستاذنا الدكتور أحمد هيكل بادره وقال: يا بني هل قرأت شيئا عن الإسلام؟، فقال: نعم قرأت كتابا عن الإسلام، وسكت ليتذكر وقال: الإسلام شريعة و "حاجة كده" ونسي اسم المؤلف، فصححت له فقلت: لعله كتاب "الإسلام عقيدة وشريعة" للشيخ شلتوت، فقال الدكتور هيكل: أشهد إنك لم تفهم منه شيئا إن قرأته حقا، يا بني إن ما تذكره من تميز المصري في الجمع بين "أنا" الإلهي و "أنا" الفرعوني هو عكس بعضهما تماما، كمن آمن بالله وحده وكفر بغيره، لقوله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: من الآية 256)، ومن آمن بالفرعون إلها أو بنفسه إلها فهو كافر بالله تعالى، يا بني بدلا من هذه الخزعبلات والتهويمات علِّموا الناس كيف يحافظون على أصالة المصري المسلم في الحفاظ على دينه وأخلاقه وشعائره، وأن يبذل قصارى جهده في الحفاظ على خيرات الله في مصر، وانصرف الصحفي وعينه تقول سأبحث عن غيرك يقود الترويج لهذا المشروع!، وفوجئت بعدها أن الكاتب محمود السعدني يكتب صفحة كاملة في "الأهرام" تحت عنوان: "إنهم يعبدون إلها مصريا"، ويفتخر بأنه يعتز بما رآه من سياح صاحبهم من القاهرة إلى أسوان، وقد جاؤوا من بلاد بعيدة ليعبدوا فراعنة مصر، فيقول: شعرت بأعظم الفخار أن أعدادا كبيرة في العالم يعبدون إلها مصريا، ومن هذه المظاهر تسمية الدورة الإفريقية التي جرت في مصر باسم "حورس" وهو إله الشمس عند الفراعنة، وكتب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في جريدة "الشعب" مقالا بعنوان: "الحق المر" يقول فيه أن هذا ردة عن الإسلام وإحياء لجاهلية الشرك والأوثان، لكن القوم تمادوا وانتقلوا من الألعاب الإفريقية تحت ظلال حورس إلى تكوين تنظيم في الجامعات المصرية يقوده وزير التعليم السابق د. حسين بهاء الدين يحمل الاسم نفسه، ووضع أولى أهدافه سحب البساط في الجامعات من تحت الجماعات الإسلامية وتوجيه الولاء إلى مصر الفرعونية.

500

| 30 مايو 2013

بين حب مصر والوطن ديانة أو علمنة

إن لمصر فيضا من الحب يملأ الوجدان؛ فقد أكرمها الله بذكرها نصا وإشارة في القرآن الكريم، وريا ينزل من الجنان ليجري ماء النيل كما أخبرنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وتزوج منها خليل الله إبراهيم عليه السلام، وصارت هاجر أمًّا لأهل الإسلام ومن بركاتها نبع "ماء زمزم لما شرب له" إلى يوم الدين، ولصبرها ويقينها وسعيها شُرع السعي ركنا للحج والعمرة لنتذكر هاجر المصرية، وقد منَّ الله عليَّ بقراءة متأنية لكتاب متميز للعالم الأريب د. محمد بن موسى الشريف بعنوان: "فضائل مصر ومزايا أهلها" وقد جاءت فيه نصوص وفيرة في القرآن والسنة عن مصر وأهلها والأنبياء الذين ولدوا أو ماتوا أو مروا على مصر منهم سيدنا إبراهيم ويعقوب والأسباط ويوسف وموسى وهارون ويوشع بن نون وأيوب وشعيب عليهم السلام، وكبار الصالحين والصالحات منهم السيدة هاجر وأم موسى ومارية وآسية وماشطة فرعون ومؤمن آل فرعون، كما أورد أسماء كثير من الصحابة الذين وفدوا على مصر، والتابعين وكبار علمائها، ولم يفته أن يتحدث عن قادة وأبطال مصر وزهادها وشعرائها وأدبائها وعلماء الطبيعة والحكماء والفلاسفة، وأورد من أقوال العلماء قديما وحديثا عن مصر، كما ذكر غيضا من فيض علماء مصر المعاصرين أمثال الرافعي، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وحسن البنا، وسيد قطب، والشيخ عبدالحميد كشك، وسميرة موسى (أول عالمة ذرة) ومحمود شاكر، ومحمود عبد الوهاب، ومن شعرائها شوقي وحافظ والبارودي وأحمد محرم ومحمود غنيم و.... حقا لقد لامس هذا الكتاب شغاف قلبي، وسويداء صدري، ولبنات عقلي، وذرات جسمي؛ لأنه يحدثني عن بلدي حبيبتي مصر التي أحببت أرضها وسماءها، ونيلها وبحارها، وأهلها وزوارها، وليلها ونهارها، و... وقد نعمت بطفولتي وشبابي بين ربوعها وتحركتُ لدعوة الله عز وجل بين مدنها وقراها، وكفورها وعِزبها، وشمالها وصعيدها، وشرقها وغربها، حتى أُخرجت قسرا من ظلم حكامها، ولما لقيني المذيع جمال الشاعر في شيكاغو في مؤتمر "الإسنا" سنة 2001م، وسألني عن شعوري بالخارج نحو مصر فقلت قول الشاعر: بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة وأهلي وإن ضنوا عليَّ كرام ولطالما تغنيتُ بقول شوقي: أنادي الرسم لو ملك الجوابا وأجزيه بدمعي لو أثابا وأتذكر قوله عندما عاد من المنفى إلى تراب مصر وأراد أن يسجد لله شاكرا عودته إليها، لكن دمعته سبقته إلى هذا التراب فصوَّر هذه الدمعة بقوله: سبقن مقبلات الترب عني وأديْن التحية والجوابا ولطالما أطلقتُ كلمات شوقي عبر دروسي وخطبي وبرامجي التلفزيونية إذ يقول: شَبابَ النيلِ إِنَّ لَكُم لَصَوتًا مُلَبًّى حينَ يُرفَعُ مُستَجابا فَهُزّوا العَرشَ بِالدَعَواتِ حَتّى يُخَفِّفَ عَن كِنانَتِهِ العَذابا أَمِن حَربِ البَسوسِ إِلى غَلاءٍ يَكادُ يُعيدُها سَبعًا صِعابا وَهَل في القَومِ يوسُفُ يَتَّقيها وَيُحسِنُ حِسبَةً وَيَرى صَوابا عِبادَكَ رَبِّ قَد جاعوا بِمِصرٍ أَنيلاً سُقتَ فيهِمُ أم سَرابا حَنانَكَ وَاهدِ لِلحُسنى تِجارًا بِها مَلَكوا المَرافِقَ وَالرِقابا ولما قامت الثورة نزلتُ بزوجتي وأولادي من أمريكا والبحرين، وخاطبت أمي رحمها الله في المطار قائلا: أماه لن آتي - كما تعودت - من المطار إلى حضنك الدافئ حتى نزيح عن أمنا الكبيرة مصر غاصبَها من هؤلاء المفسدين، فأزاحهم الله تعالى وكنا سجودا وقت صلاة المغرب متبتلين، وأسأل الله تعالى أن يحدث ما قاله سبحانه: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:45). وأريد في مقالي أن أستحث نوعين من أبناء مصر وأمتي أن يأخذ كلٌّ خطوة مغايرة لمواقفه السالفة: أولهما: الجماعات والتيارات الإسلامية وهي تحتاج إلى مزيد من تعميق الولاء للأوطان، وأن يكون تدريس الولاء للدين مرتبطا بترسيخ الولاء للوطن، وأن يوضع في المنهج دراسات عن تاريخ وفضائل كل بلد وأهله؛ لترسيخ هذا الولاء الفطري الذي يتأسس في الإنسان لكونه إنسانا خلقه الله يحب مسقط رأسه وأهله وعشيرته. ثانيهما: فريق العلمانيين الذين يجعلون الولاء للوطن بديلا عن الولاء للدين، وأحب أن أقول بحق إن هناك فارقا ضخما في الولاء للأوطان بين المنهج الإسلامي والعلماني، فأساس المواطنة في المنهج العلماني هو نظرية العقد الاجتماعي لـ "جان جاك روسو"، بينما الولاء في المنهج الإسلامي أساسه العقيدة والأخلاق، وواجب خلق الوفاء أن يظل عند الإنسان ولاء للأرض التي تسجد لله، ونبت على أرضها، وتحت سمائها، ونال الرعاية من أهلها، وإذا كان الولاء للوطن في المنهج العلماني بديلا عن الدين فإن الولاء للدين في المنهج الإسلامي يضاعف الولاء للوطن، وإذا كانت حدود المواطنة تنحصر في المنهج العلماني في القطر الذي يعيش فيه الإنسان، فإن المنهج الإسلامي يجمع بين وطنية الحنين للوطن الذي ولد فيه الإنسان مع وطنية العقيدة التي توقظ الانتماء لكل أرض عليها مسلم موَحد لله تعالى، ثم مواطنة عالمية تجعل المسلم يعيش في أية أرض بهذا الولاء المتعدد والمتدرج وفق هذه المنظومة الخماسية التالية: 1) الولاء لله تعالى عبادةً لقوله تعالى: (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: من الآية 92). 2) الولاء للناس رعايةً لقوله تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج: من الآية77)، وقوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة: من الآية 83). 3) الولاء للوطن وللأرض عمارةً لقوله تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: من الآية 61)، وقوله تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) (الأعراف: من الآية 56). 4) الولاء للنظام والقانون طاعةً لقوله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) (هود: من الآية 112)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ) (النساء: من الآية59). 5) الولاء للسلطة تناصحا ومعاونةً لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصيحةُ قلنا: لمن؟ قال: للَّهِ ولكتابِهِ ولرسولِهِ ولأئمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم"1، وقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: من الآية2). ويحكم الولاء في كل ذلك أن المرجعية العليا لله تعالى الذي خلق الإنسان والأوطان، وقد جاء منهاجه سبحانه لنصل إلى الأحسن والأفضل في المعاش والمعاد، لقوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: من الآية9). وأحبُّ أن أذكر نماذج من هذا الغلو في الولاء العلماني المتخبط في بعض البلدان، منها مصر وألمانيا ولبنان: 1. كنتُ في السنة الرابعة في كلية دار العلوم سنة 1401هـ/ 1981م وبينما كنت عند أستاذي د.أحمد هيكل عميد الكلية في مكتبه، إذ دخل صحفي وبدأ حواره، وقال: عندي موضوع جديد ومثير وسوف يغير بنية المجتمع المصري كله وأريدك أن تكون فارسا لاستعراض هذا الموضوع في جريدتنا "الأخبار"، فقال له الدكتور: وما الموضوع؟ فقال: تميز المصري الذي جمع بين خاصيتين لم تؤت لغيره في العالم، وهما: إيمانه بالرب: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (طه: 14)، وإيمانه بأنه فرعون، حيث يؤمن في أعماقه بما قاله فرعون مصر: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (النازعات: من الآية 24)، وتصاعد غضبي فجأة لهذه الجهالة الفكرية، والحماقة السطحية.

584

| 29 مايو 2013

بين ما يصح قانونا ويبطل ديانة في نهب الأموال

قال الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه القيم "إعلام الموقعين عن رب العالمين": "أحكام الدنيا تجري على الإسلام، وأحكام الآخرة تجري على الإيمان"، وهي تعني أن كل ما يترتب من أمور تبدو صحيحة شكلا في قوانين الناس، أو تستوفي الشكل الشرعي دون الجوهر الحقيقي ديانة فتكون باطلة عند الله، وفي الدار الآخرة، مثل من يُظهر الإسلام ويبطن الكفر فسيعامل بين المسلمين كمسلم، لكنه في الآخرة سيُحشر مع الكافرين أو المنافقين، وقد أظهر الإسلامَ عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسس الفتنة بين سيدنا علي رضي الله عنه والصحابة، وادعى بعض صفات الألوهية للإمام العابد علي رضي الله عنه، ولا يزال غلاة الشيعة من الإسماعيلية والعلويين والجعفرية يعتقدونها إلى اليوم، ويقولون بقوله، ولو تركنا جانب العقيدة لأن الميل فيه كفر، إلى الجوانب الفقهية لأن الخطأ فيه أجر كما فعل الإمام أبو حنيفة النعمان لما بدأ حياته العلمية بعلم العقيدة - وكانت تسمى الفقه الأكبر- فقال: "أترُك الفقه الأكبر إلى الفقه الأصغر"، لأن الفقه الأكبر الخطأ فيه كفر، أما الفقه الأصغر الخطأ فيه أجر، وهذا طبعا مشروط بعدم القصد إلى الخطأ. ما يشغلني هنا هو ما يبدو أنه صحيح قانونا في نهب الأموال، وهو باطل ديانة في الواقع المصري بعد الثورة بل دول الربيع العربي، وإن شئت فقل كل دول العالم، فمثلا صيغت القوانين في الضرائب بحيث تكون فيها ثغرات تسمح بالتهرب وسمي بالتهرب القانوني، وصديقتها قوانين مجالس الإدارات للشركات الكبرى على أن للسادة أعضاء مجلس الإدارة مكافآت تزيد في السنة على المليون أو الملايين، بينما لا يزيد مرتب العمال المطحونين على ١٥٠ جنيها، وقد قابلت عاملا لم يثبَّت في الأوقاف منذ عشر سنوات، وراتبه (95) جنيها يعني ١٢ دولارا في الشهر، بينما يرى قوم ممن يمثلون مراكزهم الوظيفية وفقا للقانون الماضي قبل الثورة، حيث يحصل رئيس مجلس الإدارة على فوق المليون مكافأة ٦ أشهر في شركة أحتفظ بذكر اسمها، بينما حصل رئيس مجلس إدارة هيئة عامة لها مساهمة في الشركة إياها بـ٩% في الشركة، وطبعا الهيئة مشتركة في عشرات الشركات، وتتضاعف المكافآت، على كلٍّ حصل رئيس الهيئة من شركة واحدة على مبلغ ٦٨٠ ألف جنيه، وبعد الضرائب وصلت بالضبط ٥٣٩ ألف جنيه على أربع جلسات في ساعتين، يعني الساعة بستين ألفا، وهو أكثر من الحد الأقصى الذي صدر به القانون في مجلس الشورى، ويتحداه كل بقايا النظام السابق، وكأنهم في صراع مع الوقت؛ كي ينبهوا بأقصى جهدهم قبل أن تستقر الدولة فتطبق قوانين العدالة الاجتماعية التي تجرِّم أن يحصل أي شخص في منصب كبير على أكثر من ٢٥ ضعفا أي موظف صغير، ولهذا يلعن بقايا ومنتفعو النظام السابق الثورة والثوار والانتخابات ومرسي والشورى والإخوان والأحرار، لأن الموضوع هو أن مليارات تذهب لجيوب الكبار، ويضيع معهم الصغار، وتتأكد نظرية الحوت الكبير الذي يبلع السمك الصغير في كرشه العريض، لكن هذا الترتيب و"التستيف" القانوني من ترزية القوانين في نهب المال العام لا يصح عند الله ديانة للأدلة التالية: 1. روى مسلم بسنده عن النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"، وأتحدى أن يفصح رؤساء مجالس الإدارات عن مكافآتهم مهما وافقهم القانون الذي وضعه الظالمون ممن جاءوا واستمروا بالتزوير. 2. ما رواه مسلم بسنده عن وابصة بن معبد الأسدي قال: أتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: "جئتَ تسألُ عن البرِّ والإثمِ؟ قال: نعم، فقال: استفتِ قلبكَ، البرُّ ما اطمأنتْ إليهِ النفسُ، واطمأنَ إليهِ القلبُ، والإثمُ ما حاكَ في النفسِ وتردّدَ في الصدرِ، وإن أفتاكَ الناسُ وأفتوكَ".  ولعل الحديث يشير إلى أصحاب الاجتهاد التسويغي من الشيوخ والعلماء ورجال الشؤون القانونية الذين سوَّغوا بالحق والباطل، وأفتوا بصحة معاملات كثيرة، هؤلاء المسوغون معنيون هنا في الحديث: "وإن أفتاك الناس وأفتوك"، يعني أكدوا صحة "التستيف" وأحيانا التلفيق الفقهي أو القانوني. 3. روى البخاري بسنده عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد، يقال له ابن اللتبية، على الصدقة، فلما قدم قال: "هذا لكم وهذا أهدي لي، قال: فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فيَنظُر يُهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحد منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاه يتعر، ثم رفع بيده حتى رأينا عفرة إبطيه: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، ثلاثا"، والحديث عمدة في الموضوع إذ يعالج جوانب عدة أولها: تسويغ الإنسان لنفسه أن يأخذ الهدايا والمكافآت التي تأتيه طوعا من الناس، وهو حرام شرعا، لأن الناس لا يعطونه لشخصه بل لمنصبه، وقد كان الخطاب جادا حادا شديدا قاطعا: فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فيَنظُر يُهدى له أم لا؟ ولم أجد في السنة النبوية عبارة أشد من هذه في التعبير عن غضب النبي من المولعين بأكل المال العام بالشبهات والحرام، ثم زاد الأمر في بيان أن كل ما أخذه صاحب منصب عام حراما فسيأتي حاملا له يوم القيامة على ظهره ورقبته وتتكلم الأموال لافتة النظر إلى فضائح المسؤول العام الذي سرق أو نهب أو استساغ ما حرم الله تعالى، لكن العبارة الأخيرة وهي تكرار"اللهم هل بلغت ثلاثا" ليعلم القاصي والداني مدى غضبة الله تعالى ورسوله على كل من استساغ لنفسه ما لا يحل له من المال العام. 4. أورد ابن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة" بسند صحيح أن زيد بن أسلم عن أبيهِ قال: خرج عبد اللهِ وعبيدُ اللهِ ابنا عمرَ في جيشٍ إلى العراقِ فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعريِّ وهو أميرُ البصرةِ فرحَّبَ بهما وسهَّلَ وقال: "لو أقدرُ لكما على أمرٍ أنفعُكُما به لفعلتُ، ثم قال: بلى هاهنا مالٌ من مالِ اللهِ أريدُ أن أبعثَ به إلى أميرِ المؤمنينَ وأُسْلِفُكُمَا فتبتاعانِ به من متاعِ العراقِ ثم تبيعانِه بالمدينةِ، فتُؤدِّيانِ رأسَ المالِ إلى أميرِ المؤمنين ويكونُ لكما الربحُ ففعلا وكتب إلى عمرَ بنِ الخطابِ أن يأخذ منهما المال، فلما قدم على عمرَ قال: أكُلَّ الجيشِ أسلفهم كما أسلَفَكُما، فقال: لا، فقال عمرُ: أدِّيَا المالَ ورِبْحَه..."..، والأثر فيه من الفقه والتربية الكثير، حيث أراد أبو موسى الأشعري أن يحملا المال مضمونا إلى دار الخلافة، لكن الأمر عند عمر بن الخطاب واضح، فسأل سؤالا يصنف في باب العدالة الاجتماعية التي لا يحبها ولا يريد أن يستوعبها أنصار وبقايا النظام السابق الذين تعودوا على الطبقية، لكن سيدنا عمر يهدم ذلك كله بقوله: "أكلَّ الجيش أسلفهم كما أسلفكما؟" وهنا نقول: هل كل الكادحين في الشركات يحصلون على مكافآت تقترب من مكافآت السادة الكبار أعضاء مجالس الإدارات؟ نحن نريد هذا الفقه العمري، ويجب أن نسعى لتطبيقه على الجميع. ومن ثم أقول لمن بقيت فيه بقية من خشية الله: أدِّ المال وربحه في كل مبلغ أخذته بحكم منصبك من هدايا ومكافآت فوق العادية مما تحيك في صدرك، فإن كان القلب قد عمي وصار ينهب بالجملة دون وخز الضمير فلتكن الثانية وهي الخوف والتردد إن عرف الناس، وعندي يقين أن العمال المطحونين الذين يكافحون سنين طويلة كي يصل راتبهم ومكافآتهم إلى الكفاف أو الكفاية لن يرحموا واحدا من رؤسائهم إذا علموا كم حصلوا على مكافآت من وراء عرقهم وكدهم، ثم من وراء ظهورهم في الحيل القانونية، أو القوانين التي فصَّلها من جاءوا بالتزوير حتى من أصوات الموتى الذين دأب النظام السابق على إحيائهم يوم الانتخابات كي يصوِّتوا لهم، والله تعالى يقول عن الآخرة: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء: 88-89). يا ويله وسواد ليله من لم يردَّ المال الحرام أو تحوم حوله الشبهات من استمراره وتركه المال الحرام؛ ليزداد أبناؤه به فسادًا، فتكون جنايته مضاعفة على نفسه وأهله وأولاده معا، ونصيحة لكل زوجة أو ابن أو بنت توفي عائلُهم وكانت أمواله ودخوله أكثر مما يطلع عليه الناس أن يردوا المال أو يتصدقوا به تخفيفا عن عائلهم الذي يعذب في قبره بسبب سلبه ونهبه، وقبوله ما ساغ قانونا وقضاء، وبطل أخلاقا وديانة.

583

| 24 مايو 2013

مفارقات بين الألم والأمل والعمل في ذكرى النكبة

نمر اليوم بالذكرى الخامسة والستين لتقسيم فلسطين، وهو ما صار يعرف بيوم النكبة منذ 15/5/1947م، وأحب أن نحول الأزمة إلى فرصة، والنكبة إلى نصرة لتحرير الأسرى والأقصى والقدس وفلسطين من الصهاينة المحتلين، يقول الشاعر: وعاجز الرأي مضياع لفرصته حتى إذا فات أمر عاتب القدرا ويجب أن نفكر دائما بعقل الرجل المبادر لا المرأة التي تولول على مصيبتها، وبعض الرجال يولولون وكثير من النساء مبادرات، فالرجولة هنا صفة وليست جنسا، وللأسرى والأقصى والقدس وفلسطين رجال قال الله عنهم "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب:22)، وتأصيلا لمنهج الألم والأمل والعمل قال تعالى واصفا فساد بني إسرائيل: "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا" (الإسراء:4) لكن بعدها مباشرة حوَّل الله تعالى النص الواصف لحجم فساد بني إسرائيل إلى أمل وعمل حيث قال تعالى: "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا" (الإسراء:5)، والحق أن هذا المنهج هو ما يجب أن نتبناه وأن نذكر الألم في النكبة بتقسيم الأرض وخيانة العالم لكل القيم والمبادئ الأخلاقية مما ارتكز عليه الصهاينة في المذابح والقتل والسفك والطرد والسجن والأسر والتهويد والاستيطان والحصار مما اعتبره كله عرضا، أما المرض فهو شيء واحد هو الاحتلال، فليكن المصب الرئيسي ليس على علاج العرض بكل طاقاتنا بل بـ20% فقط من جهدنا لعلاج قضايا العرض، الـ80% في المشروع الأكبر وهو إنهاء الاحتلال لنصل إلى تحرير الأسرى والأقصى والقدس وفلسطين، وقد كان من مشاريع الأمل والعمل قبل ذكرى النكبة زيارتنا لغزة هاشم، في يوم 28 جمادى الآخر1434هـ، الموافق 8/5/2013م، في رحلة تاريخية للعلامة الشيخ القرضاوي إلى غزة على رأس وفد رفيع المستوى لعلماء ودعاة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من ست عشرة دولة لكسر الحصار ومؤازرة أهلنا في غزة وجمع الكلمة في فلسطين، وهناك كان اللقاء بالحكومة المنتخبة برئاسة دولة رئيس الوزراء إسماعيل هنية، وأعضاء المجلس التشريعي، ومجلس القضاء الأعلى، والقوى الشعبية، وفصائل المقاومة، وطلاب وطالبات وأساتذة الجامعات، واللقاء الجماهيري بساحة الكتيبة الخضراء الذي اقترب من مليونية التحرير، واللقاء مع الشعراء حتى الفتيات الصغيرات اللاتي تشبعن بالجهاد، واللقاء بالأسرى المحررين، وزيارة الأراضي المسماة بالمحررات بعد أن كانت كلها مستعمرات من الكيان الصهيوني، وكانت العريش أيضا محطة رئيسية للوفد العالمي للتوقف مع أهلها البواسل وشعب سيناء العظيم، في حفاوة بالغة بالشيخ ومرافقيه، ومهرجان معبر كما وكيفا عن أصالة شعبنا في سيناء، في برنامج متميز ضم نخبًا وممثلين من التيارات الإسلامية في الجماعة السلفية والجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين، وعلماء الأمة، وحضور فخامة الرئيس السابق للسودان المشير عبدالرحمن سوار الذهب، يعبر عن تضافر وتعاون كل الإسلاميين في دعم إعمار مصر وتحرير فلسطين، مما يدل على أن قطار التحرير قد انطلق وصار كالريح اللواقح لنهضة أمة الإسلام والمسلمين، اللوافح لاقتلاع بني صهيون، ومن أراد الله به شرف الدنيا ونعيم الآخرة فلا يجوز له أن يتخلف عن هذا القطار الذي انطلق ويقف في المحطات التاريخية والذكريات المؤلمة ليكون الناس صنفين: الأول: وهو الذي اكتفى بذكريات الألم، ويتضاعف لديه الهم والحزن، وأحسن ما يقدم هو ما ذكره الله تعالى: "وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا" (الأحزاب: 20). الثاني: وهم المبادرون المنتفضون على النفس قتلا لليأس، وحركة دائبة نحو علاج أصل المرض وهو الاحتلال بـ 80% من الجهد والوقت والمال، وعلاج العرض وهو التهويد والأسر والقتل والطرد والحصار و... بـ20% من الجهد ليكون الأمر كما قال تعالى عن هؤلاء: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب: 23)، وقال تعالى: "لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (الحديد: 10). ولمثل هؤلاء أضع عشرين من الجوانب العملية لمشروع إنهاء الاحتلال وهو المرض، ومعه علاج العرض عمليا في التهويد والتهجير، والاستيطان والعدوان، والأسر والقتل والحصار: 1. المتابعة الدقيقة لمعرفة جوانب الألم في قضية الأسرى والأقصى والقدس وفلسطين كأن المصيبة في قعر بيتنا وبين أهلنا. 2. بعث عقيدة الأمل من خلال اليقين بقوة الملك التي لا تقهر، وقوة المنهج الذي لا يتغير، والاعتزاز بتاريخنا الحافل في مواجهة المغول والصليبيين، وواقعنا الماثل من خلال الربيع العربي، وتنامي التيار الإسلامي في العالم كله. 3. إحياء وإعلان عقيدة الجهاد والمقاومة، ورفض المفاوضات والسلام مع الصهاينة، مع ضرورة أن يكون إحياء الجهاد من الطفولة المبكرة. 4. دراسة وحفظ وفهم نصوص القرآن والسنة النبوية، بعمل ختمة تدبر بحثا عن موضوع واحد هو: "خصائص بني إسرائيل في القرآن الكريم"، ثم دراسة السنة والسيرة النبوية وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم عمليا مع تجمعات اليهود في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر وإحياء فقه التأسي في مواجهتهم. 5. دراسة وحفظ وفهم نصوص الجهاد في سبيل الله، في القرآن الكريم والسنة النبوية، ودراسة كتاب "معركة الوجود بين القرآن والتلمود" للدكتور عبدالستار فتح الله سعيد، فقه الجهاد للعلامة القرضاوي. 6. دراسة تاريخ اليهود ومواقفهم مع الأنبياء والرسل والشعوب والأنظمة، مع أهمية دراسة موسوعة د.المسيري عن الصهيونية، وكتاب فلسطين- واجبات الأمة – 1135 دورا إيجابيا لنصرة فلسطين للدكتور راغب السرجاني، ومتابعة إصدارات المراكز العلمية المتخصصة مثل الزيتونة، ومركز الإعلام العربي وغيره مما يجعلنا متابعين لتطورات القضية يوما بيوم. 7. عمل مهرجانات جماهيرية وشعبية لإحياء الجهاد ونصرة الأقصى، تجمع بين الأنشودة والقصة والشعر والمقالات والمشغولات واللوحات والمسرحيات. 8. تبني منهجية الاقتصاد في الكماليات والتوسع في الصدقات، لمساندة المقدسيين والمسجد الأقصى والمحاصرين في غزة. 9. أن يقوم النخبة من خلال المقالات والفضائيات برد الشبهات التي يثيرها الصهاينة وعملاؤهم حول أحقيتهم في أرض فلسطين وخرافاتهم في موضوع الهيكل. 10. العمل على إزالة الشبهات والافتراءات والأكاذيب التي يختلقها العملاء والخونة ضد المقاومة المشروعة في فلسطين، وسرعة الرد عليها قبل أن تتحول إلى رأي عام كاذب. 11. تكوين لجان شعبية ونقابية تتواصل مع النخب الحاكمة، وأصحاب الأقلام المؤثرة والقنوات الفضائية سعيا إلى تبني القضية الفلسطينية وفق منهجية السياسة الشرعية وليس الخساسة الواقعية، وتشكيل جماعات ضغط سلمية ومجموعات شبابية للتصحيح لا التجريح، والنصيحة لا الفضيحة. 12. إحياء وتفعيل ثقافة المقاومة الإلكترونية لبيان الوجه القبيح للكيان الصهيوني، والحق الأصيل لعودة الشعب الفلسطيني، وحق الأمة في تحرير مقدساتها الإسلامية خاصة الأقصى.  

687

| 17 مايو 2013

بين طعنات إيران لسوريا وضربات صهيوأمريكان

لا أظن أن قوما كانوا أقسى على العرب والمسلمين مثل طعنات إيران وضربات صهيوأمريكان، وفي المشهد السوري قدم العرب والمسلمون لإخوانهم في سوريا الحناجر وقدم الإيرانيون والصهيوأمريكان والروس والصين الخناجر، وصارت الأرض مجزرة للرجال والنساء، والشيوخ والأطفال، للطير والشجر، ودنسوا الحجر والوبر، وصار كل يرتع على أرض الشام أرض التاريخ والحضارة، أرض الجهاد والتجارة، أرض العلم والبصيرة، فهاهي إيران تساعد الأمريكان لمصلحة بني صهيون في احتلال العراق وتفكيك وحدته وقد رأيت رأي العين شيعة إيران والعراق يرقصون في الشوارع والطرقات طربا بدخول القوات الأمريكية إلى بغداد وتدمير بنيتها المادية وسرقة مقتنياتها العلمية والأثرية، ولم يدخل الأمريكان إلى العراق إلا راكبين الدب الإيراني فقد مسح لهم الأرض، ومشط لهم الرجال، وقتلوا من أهلنا في العراق مئات الآلاف وسجنوا فوق المليون، فتعاون الصهاينة والأمريكان وإيران في تدمير العراق، وإرباك البحرين وإرعاب دول الخليج، وصار المخدوعون يظنون أن الحرب الكلامية بين إيران والصهيوأمريكان حول المفاعلات النووية أنها تمثل 1% من الحقيقة المرة بل هو الخداع والإرهاب الذي جعل دول الخليج تشتري من أمريكا سلاحا بما يزيد على 150 مليارا من الدولارات لمواجهة الخطر الإيراني النووي خدمة للاقتصاد الأمريكي المتأرجح والمترنح، ولا ضير فكلمة السر للأجهزة العسكرية في دول الخليج هي بيد الصهيوأمريكان وقد برمجت الرادارات على أن الطيران الصهيوني العسكري يخرج على الشاشة بعنوان دولة صديقة مما يستحيل معه أن يوجه شيء من السلاح للكيان الصهيوني حيث لا توجد إرادة عربية اللهم إلا المبادرات العربية السلمية الرخيصة التي تحملها الأيادي المرتعشة، وها هي سوريا يذبح شعبها منذ أكثر من عامين بسلاح ورجال وخطط إيرانية استفادت من خططها الجهنمية في العراق لكي تطبقها في سوريا بشكل أبشع، وجوهر أفظع، حيث يوجد في الميدان قوات من شيعة إيران ولبنان والعراق والحوثيين في اليمن، وها هم بنو صهيون يتقدمون بالطائرات الأمريكية والموافقات الصهيوأمريكية لضرب مواقع للأسلحة كان يأمن الصهيوأمريكان على حيازة قوات حافظ الأسد للإبادة شعبه، لكن الخشية تضاعفت أن ينتصر الثوار الأبرار وجيوش الأحرار، فتصير هذه الأسلحة قوة ضد بني صهيون الذين أمنوا على البوابة الشرقية للكيان الصهيوني حيث سلم الخائن الأكبر حافظ الأسد الجولان لبني صهيون ولم يطلق رصاصة واحدة على المحتلين وإنما قتل 60 ألفا من الدعاة والمصلين في حماة وحلب وجاء ولده بشار الفاجر الجزار لكي يستعين بأنصاره في إيران وحزب اللات في لبنان لينحروا مئات الآلاف ويدمروا الأخضر واليابس بكل غدر وإسراف، واليوم يعيش أهلنا في سوريا من الثوار والجيش الحر بين كماشتين قاسيتين غليظتين هما طعنات إيران وضربات الصهيوأمريكان كما قال سبحانه: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ" (الأنفال:73)، وقال تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (البقرة:105)، ويتناسى هؤلاء أو بعض المسلمين ما جاء في ذيل هذه الآية أن الله تعالى ذو فضل على المؤمنين وفي عدل وانتقام من الظالمين، وسيقسم الله ظهر إيران وقد افتضح أمرها بهذه الصور التي ملأت الإنترنت في لقاءات ضمت رئيس إيران أحمد نجادي مع حاخامات بني صهيون الذين يفتون بوجوب قتل العرب أجعين، ولم يوجهوا ضربة واحدة لبني صهيون وإنما ظل سلاحهم دوما لقتل أهلنا في العراق والبحرين واليمن وهاهم اليوم يتسللون إلى مصر ويستضيفون بعضا من الأئمة والعلماء المخدوعين، ولا حرج أن أقول أن بعضهم من المموَّلين، ولطالما نصحت قادة الخليج واليوم أنصح قادتنا في مصر بأن النظام الإيراني يتبنى أشد الطعنات لأهل السنة في كل مكان، وخطورتهم الآن أن عندهم خمسة جوانب لا توجد عندنا: أولها: لديهم مرجعية معصومة وليس لدنيا مرجعية مقبولة. ثانيا: لديهم الخمس لخدمة المذهب الجعفري والعلوي وليس لدينا الفلس لخدمة مذهب أهل السنة والجماعة. ثالثا: عندهم إعلام يخدم المذهب وعندنا إعلام يهدم الدين والقيم. رابعا: وعندهم دولة تصدر الثورة والمذهب وعندنا أنظمة ودول تصادر على الدين والعلماء. والأخطر هو الخامس حيث لديهم خطة خمسينية ولدينا ردود أفعال عشوائية. ومن ثم لا أرى أن يرحب بهم في مصر في الوقت الذي أضر فيه ضررا بالغا لأهلنا في العراق والبحرين والسعودية واليمن ولبنان أما سوريا فتلك هي المذبحة الكبرى، والجناية العظمى، والخطيئة السفلى والدناءة الدنيا، فكانوا يستحقون منا في مصر أن نواجههم في سوريا لا أن نستضيفهم على أرضنا، وإن كنت ألوم على بعض إخواني الذين لم ينبسوا ببنت شفه للتعاون الإيراني الخليجي المفتوح منذ سنوات، والطيران الإيراني يهبط بمئات الرحلات أسبوعيا على أرض الخليج ولم يتكلم واحد من الشيوخ الذين انتهزوا الفرصة لكي يبرروا خصومتهم السياسية مع الدكتور مرسي وجماعته، ومع هذا فإنني على يقين أن هناك تنسيقا سريا جهنميا بين إيران وبني صهيون والأمريكان لذبح سوريا وإنهاكها تماما فإما استعادة نظام الأسد وهو مستحيل أو إنهاك وإحراق تام للأرض السورية ومذابح بالجملة وجراحات وانكسارات لا تندمل إلا في سنوات يأخذ العدو الصهيوني أنفاسه كي يتفرغ لمواجهة العدو الأكبر لها مصر ونظامها الجديد الذي اسودت وجوه بني صهيون لنجاح الدكتور مرسي، وصوت المصريون جميعا في الكيان الصهيون لأحمد شفيق والصفر الوحيد الذي حصل عليه الدكتور مرسي في حياته الدراسية والسياسية كان في الأصوات المصرية لدى بني صهيون. إن الضربة الصهيوأمريكية للسلاح السوري لا يمكن للبسطاء عقلا وسياسة أن يكون خدمة وحماية للغلابة من الشعب السوري بل لعيون النظام السوري والإيراني؛ خشية أن يؤول السلاح للجيش الحر والثوار فيصير خطرا على التمدد الإيراني، والاحتلال الصهيوني، ولابد من استعدادات مبكرة في مصر لمواجهة الخطر الإيراني والصهيوأمريكي سواء كان بالثقيف التعليمي أو الاستعداد العسكري للتمدد الشيعي والاحتلال الصهيوني. وليتذكر الجميع أن الشيعة عبر التاريخ كانوا القنطرة لكل المحتلين من الصليبيين والمغول والفرنسيين والإنجليز، واليوم الأمريكان الذين يركبون المطية الشيعية الإيرانية إلى شعوبنا في العراق والخليج والآن سوريا، والمواجهة الإعلامية للبرنامج النووي الإيراني ما هي إلا لون من الخداع الصهيوأمريكي لإنهاك مصر والشعب العربي والإسلامي، وليت قومي يعلمون من هم شيعة إيران؟ ومن هم الصهيوأمريكان؟ إنهم لعنات الحاضر على الربيع والخليج العربي، ولابد من خطط متدرجة لمواجهة طعنات إيران وضربات الصهيوأمريكان، وذلك قبل فوات الأوان كما قال تعالى: "لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ* إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ" (التوبة:44-45). يا قوم قولوا من أعماق القلب " قل صدق الله" فلم فاقرأوا التاريخ دون تزييف أو بهتان ستجدون أن الخسية على أمة الإسلام من الصهيوأمريكان ثم إيران مستخدمين المال النجس في توظيف العملاء محرضو الفتن ومثيري العنف والمولوتوف ويرفعون السلاح ليس في وجه الأعداء بل لقتل الصالحين والأولياء.

404

| 08 مايو 2013

بين التعتيم والتعميم في إنجازات الرئيس

التعتيم هو سمة جار السوء أو صاحب السوء إن رأى خيرا كتمه وإن رأى شرا نشره، وقد أورد السيوطي من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من يومِ السوءِ، و من ليلةِ السُّوءِ، ومن ساعةِ السُّوءِ، ومن صاحبِ السُّوءِ، ومن جارِ السُّوءِ في دارِ المُقامةِ"، أما التعميم فهو صفات الجار الصالح إن رأى خيرا نشره، وإن رأى شرا كتمه، وقدم النصيحة لا الفضيحة، والتصحيح لا التجريح، والكلمات لا الطلقات، ولين العبارة لا صلد الحجارة، ومنهج التأليف لا رمية المولوتوف، وأحسن الأقوال لا سوء الأفعال، وتقدم مصالح العباد والبلاد على التزييف والترويج للفساد، وكم يؤلم كل حر أن تكون المزاحمة السياسية، والمشاحنات الفكرية، والمخاصمات التاريخية سببا في إخفاء شمس النهار بإثارة الكثير من الغبار تعتيما على إنجازات الكبار من الأخيار والأحرار ممن لا ندعي لهم عصمة، لكن لهم بصمة تُذكر فتُشكر، وقد رأيت من واجبي عدم تأخير البيان عن وقت الحاجة حيث تأثر الكثير من أبناء مصر في الداخل والخارج وأحبابها في كل مكان، ومنذ تولي فخامة الرئيس تجولت بين دول عربية في الخليج وتونس والمغرب والسودان، وأوربية في فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وفي اليابان وأوزباكستان وكلما تعمقت في الموضوع الذي أدعى له تأتي الأسئلة تترى سائلة عن الإنجازات التي قام بها فخامة الرئيس مرسي، وكنت دائما أقول ما كتبته في مقال سابق هناك فارق ضخم بين شاشات العرض وخيرات الأرض، بين ما يجري في عالم الشهادة وما يدخر في عالم الغيب، وما يقوم به البشر من خير وشر، وما نتيقن من عناية القدر، لأن هناك قانونا ربانيا حاكما على الخلق جميعا أنه سبحانه لا يضيع عمل عامل منا ذكرا كان أم أنثى،   وتعالوا لنرى معا هذا الفارق الضخم بين التعتيم الذي دأب عليه المعارضون من بقايا النظام السابق، وقطاع الطرق على الشعب كله من عملاء أمريكا وإسرائيل، وأذلاء المال الثري الذي يأتي من شرق مصر وغربها ليغدق على قوم يكذبون بالجملة، ويجيدون التعتيم على الإنجازات والتعميم للهفوات، وإن جاءت في مجموعها لا تساوي واحدة من كبوات النظام السابق التي سكت عليها هؤلاء الإعلاميون دهرا، وعندما نطقوا نطقوا فُجرا، وأشاعوا ذُعرا، وملَّحوا نهرا، وطمسوا نورا، وظنوا أنهم يؤخرون فجرا، ونسوا أن بيد رب العزة سبحانه مقاليد الأمور   وفيما يلي سوف أورد قدرا من إنجازات الرئيس يحتاج إلى موجة من التعميم في مقابل هذه الهوجة من التعتيم، وسوف أختصر كثيرا من هذه الإنجازات لقلة المساحات وضعف القراءات، وأذكر منها ما يعد لأول مرة في تاريخ مصر الحديث: 1. لأول مرة يأتي رئيس مدني منتخب من الشعب المصري، ودستور مصري يعبر عن كرامة الإنسان. 2. ولأول مرة منذ قرون تُحكم مصر حكما مدنيا لا عسكريا 3. ولأول مرة يزور الرئيس في 9 أشهر 15 دولة، لم يرجع في واحدة منها بخفي حنين! فألغيت ديون مصر لدى إيطاليا وهي تزيد عن 20 مليار دولار، وتستثمر قطر 18 مليارا في مصر، والسعودية 2 مليار، وتركيا بما يزيد عن 5 مليارات، وبدأت الصين والهند باستثمارات تزيد عن 10 مليارات، وحصلت على 2 مليون فدان من السودان للاكتفاء الغذائي، و2 مليون متر مربع منطقة صناعية مصرية لدى شقيقتها السودان، واستعادت مصر 11 مليارا من الأموال المنهوبة، بما يعني أن فوائد هذه الزيارات قد زادت عن 50 مليارا من الدولارات من المكاسب لمصر في الوقت الذي تراجعت فيه مصاريف وبدلات السفر حتى تكاد تصل إلى الصفر!. 4. ولأول مرة استطاع الرئيس مرسي انتزاع اتفاق مع شركة سامسونج العالمية بإنشاء أول مصنع في الشرق الأوسط لصناعة الإلكترونيات بإجمالي استثمارات 9 مليارات جنيه بمحافظة بني سويف. 5. ولأول مرة تم افتتاح أول مصنع لتدوير القمامة في الدقهلية، وهو الأول على مستوى مصر والتاسع عالميا وهو جزء من مشروع النهضة. 6. ولأول مرة تم افتتاح المنطقة الصناعية التركية في 6 أكتوبر على مساحة 3 ملايين متر مربع. 7. ولأول مرة أصدر مرسي قرارًا بسحب 26 مليون متر مربع من الأراضي شمال غرب خليج السويس من المستثمرين غير الجادين، إضافة إلى سحب ما يزيد عن 41 مليون متر مربع بشرق بورسعيد كان قد منحها النظام السابق للأهل والعشيرة والأصدقاء من رجال الأعمال في الداخل والخارج. ولأول مرة يبدأ مشروع نهضة كبير يسمى محور قناة السويس باستثمارات تزيد على مائة مليار وقد تم الاتفاق على حفر ثلاثة أنفاق تحت قناة السويس لإعمار سيناء وتسهيل التجارة مع القارة الآسيوية العامرة 8. ولأول مرة يبسط الجيش المصري العظيم سيطرته كاملة على تراب سيناء بعملية عسكرية شجاعة سميت " النسر" فدخلت المعدات العسكرية الثقيلة إلى سيناء لأول مرة 9. ولأول مرة تزيد رواتب الشرطة 250%، والجيش وأساتذة الجامعات وكثير من القطاعات بنسبة 100%. 10. ولأول مرة تم إعفاء 44 ألف فلاح فقير من ديون تزيد عن مليار ونصف جنيه. ولأول مرة تزيد مساحة زراعة القمح ب204 ألف فدان 11. ولأول مرة تنتهي أزمات مزمنة مصيرية في الكهرباء والغاز والخبز وأزمة السولار في طريقها للحل، وقد وصلت المخابز التي انتظمت في المنظومة الجديدة إلى 93% للقضاء على تجار الدقيق الذي كانوا يكسبون مثل تجار المخدرات. 12. ولأول مرة تصدر رئاسة الوزراء بطاقة لخدمة المعاقين ومعاشات خاصة بهم. 13. ولأول مرة تعد وزارة الشباب برلمانا حقيقيا لا وهميا للشباب لتعدهم للعمل البرلماني الراشد. 14. ولأول مرة يتم إصلاح مئات المزلقانات الخطرة وإصلاح القطارات العطبة بتكلفة تزيد عن مليار ونصف جنيه. 15. ولأول مرة تضم المرأة المعيلة بنظام التأمين الصحي الشامل مجانا، وللقادرات 20 جنيها فقط. 16. ولأول مرة يتم ضبط 25 قضية تهرب ضريبي بقيمة 15 مليار جنيه. 17. ولأول مرة ستفتح بعد أيام طرق برية بيننا وبين السودان تسهل التجارة مع الجنوب الإفريقي كله، ويوضع حجر أساس لربط مصر بالقارة الإفريقية كلها في طريق بري من القاهرة إلى كيب تاون في جنوب إفريقيا. 18. ولأول مرة ومن باب المثل المصري "الخير على قدوم الواردين" تم اكتشاف أكبر بئر بترول في الشرق الأوسط في منخفض القطارة، ويتم اكتشاف مناجم للذهب كبيرة تطل بوجه مشرق على مستقبل اقتصادي واعد لمصر .  أرجوكم بدلا من التعتيم أحسنوا القياس.. هذه مصر الكبيرة تبنى بعد هدم وتخريب وتشويه فاق الستين عاما. هذه الإنجازات ربما تقترب من المعجزات رغم كل المعوقات

385

| 04 مايو 2013

بين إنجازات الرئيس وتطلعات الناس

تطلعات الناس   تتجاوز حدود الإنسان والمكان والزمان، وتطلق للهوى والشيطان العنان، ويتمنى كل واحد أن يكون معه خاتم سليمان يتمنى شيئا من الرئيس فيقول له: "شُبيك لُبيك الرئيس بين إيديك"، ويسهر الناس في جدال طويل سواء في مجالسهم الخاصة أو في الحوارات أو "الليكات" أو"الكومنتات" أو "النكات" أو"الأفشات" وينام قبل الفجر بلحظات، ويقوم بعد الظهر خبيثا كسلان، معتذرا عن الذهاب إلى المكاتب وبهدلة المواصلات، طالبا أن يكون د. باسم عودة قد أعد له رغيف الخبز ساخنا، ووفر له طبق الفول بالزيت الحار والطعمية المحشوة بالتوابل العديدة؛ ليفطر ثم يسأل عن كوب الشاي لترويق المزاج، ويتمدد مرة أخرى إلى التلفاز ليستمع في الظهر إلى البرامج المعادة في الليل، وبعد العصر إلى الأخبار المقلوبة والحوادث الأليمة؛ فيسب الدهر والحكومة والرئيس، ويمتد إلى الإنترنت أو التليفون ليرسل رسائل عزاء في مصر والمصريين والرئيس والشعب.  ومع هذا فإن إنجازات الرئيس  محمد مرسي عديدة كثيرة رغم هذه العواصف واللوافح والاعتصامات والاضطرابات والمؤامرات والسرقات والتشويهات والإفراجات عن أكابر المجرمين، فيكفيه في شهور عديدة إسقاط هيمنة المجلس العسكري السابق، وإلغاء الإعلان الدستوري المكبل، وبسط السيطرة العسكرية في سيناء، وتطوير البنية القتالية لجيشنا العظيم، وزيادة رواتب الشرطة 250%، ومعاشات الضمان الاجتماعي ليستفيد منه مليون ونصف، وإعفاء 44 ألف فلاح من ديونهم، وصرف علاوة اجتماعية بنسبة 15% لكل الموظفين وأصحاب المعاشات، وتضاعفت رواتب أساتذة الجامعات والمدرسين في المدارس، وتم ترميم شبكة الكهرباء، وحل مشكلة الغاز، ومعضلة الخبز، وتوفير 500 مليون جنيه سنويا بقرار واحد وهو منع طباعة وتوزيع وتعليق صور الرئيس في المؤسسات أو نشر التهاني له، وعقد لقاءات وحوارات مع كل القوى الوطنية تزيد في مجملها كما وكيفا في الأشهر التسعة عن مقابلات الرئيس المخلوع طوال الثلاثين عاما، وتخفيض استيراد القمح بنسبة %10 في تسعة أشهر، وتحقيق زيادة 9 ملايين طن من الإنتاج المحلي من القمح، والحصول على 2 مليون فدان مزودة بالماء والكهرباء للزراعة والصناعة من السودان لتكتفي مصر من استيراد %75 من احتياجاتها الغذائية طوال النظام السابق، والحصول على 2 مليون متر لإقامة مصانع مصرية في السودان، وتجهيز منطقة صناعية تركية على مساحة 3.5 مليون متر في 6 أكتوبر للصناعات التركية لتشغيل مئات الآلاف من الشباب المصري، والانتهاء من الشق القانوني لمحور قناة السويس باستثمارات تزيد على مائة مليار دولار، وزيارة 15 دولة لم تخلُ زيارة من فائدة مادية ومعنوية كبيرة لمصر، بأرقام وإحصاءات تحتاج إلى نظرة إنصاف لا إجحاف، وخروج أول سيارة إسعاف بالفعل تمت تجهيزاتها الداخلية %100 من الصناعات الحربية المصرية، وتطوير كبير للصناعات الحربية يزيد في 9 أشهر على عشر سنوات من عمر الرئيس المخلوع الذي كان حريصا على وأد الكفاءات وكبت المبدعين، وإيقاف المصانع الحربية وتحويلها إلى مصانع لإنتاج الأفران والبوتاجازات والغسالات بدلا من إنتاج الصواريخ والطائرات والدبابات والسيارات الحربية، والآن يقوم الشباب بتحقيق إبداعاتهم في السيارات وغيرها، وإعادة تشغيل مصانع السيارات المصرية، ولعل أكبر إنجاز هو هذا الدستور المصري الذي جعل المصري يعتز حقا بمصريته وعروبته وإسلاميته وإنسانيته، وكرَّم النساء والرجال ووضع حقوقا للأطفال وأنصف الفقراء، وصدر لأجلهم قانون رفع الحد الأدنى للموظف إلى 1200 جنيه، والأعلى إلى 50 ألفا، تحقيقا للعدالة الاجتماعية، وأنصف الناس من نفسه؛ فلا يزال فخامة الرئيس محمد مرسي يبيت في شقته الصغيرة في التجمع الخامس وليس في القصر الرئاسي، ولا يجد بعض أولاده عملا، ويتقدم إلى الوظيفة مثل أي مصري، ولما نجح فيها كان راتبه 900 جنيه "120$"، فحولها الإعلام الكاذب إلى 900 ألف جنيه، واضطر ابن الرئيس إلى الاعتذار عن الوظيفة المحدودة، كما أن ابن وزير الدفاع يجلس في بيته ينتظر عملا مثل بقية المصريين، وتخلصت وزارة الأوقاف من 9 لواءات حكموا الوزارة بالحديد والنار، وكتم أنفاس الدعاة وهبش ريع الأوقاف، وسيصدر اليوم الإعلان عن تعيين 3 آلاف إمام جديد، بعد أن رأيت بعيني خريجا من الأزهر يحفظ القرآن الكريم في محافظة مرسى مطروح يجلس على باب أحد المساجد يلمِّع أحذية المصلين بعد أن فقد الأمل أن يكون إماما لهم في عهد النظام السابق. والآن في النظام الجديد يتم انتخاب المفتي، ويجلس الطالب مصطفى مجدي ابن الـ15 ربيعا بالصف الثالث الإعدادي عضوا رسميا في اللجنة التنفيذية العليا لوزارة التعليم ليجلس بين وزيري التعليم العالي والتربية، لأنه مبدع، حيث قدم إستراتيجية لتطوير التعليم حتى سنة 2024م، فهل كان مصير أمثال هؤلاء إلا السجون والمعتقلات، والحد الأدنى القتل المعنوي والسخرية من إبداعات المصريين لأن المبدع الوحيد كان "رئيس الدولة". ومع هذا كله فلنا تطلعات معقولة ونرجو أن تكون مقبولة لدى فخامة الرئيس الهمام أهمها:  أولا: ألا يغيب عن شعبه في حديث متصل يشاركه الرأي والرؤية، ويقنعه بمشروع النهضة، ويحمِّله المسؤولية معه.  ثانيا: تطهير الإعلام من الأقزام الذين صدق فيهم قول الله تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (الواقعة: 82).  ثالثا: تطهير القضاء من الثلثين من أصحاب النار كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.  رابعا: تقوية الجيش والشرطة واستعادة أمن المواطن وهيبة الدولة وحماية المنشآت.  خامسا: الإسراع بطرح مشاريع التنمية المتكاملة والمستدامة بأبسط الإجراءات. هذه بعض إنجازات الرئيس، وتطلعات محبيك من الناس، فاستعن بالله وتقدم وأنجز، فالله معك فخامة الرئيس ولن ندعك تخوض البحر وحدك.

439

| 26 أبريل 2013

بين الطواف حول أركان الكعبة أو أصنام النفس

الطواف حول البيت العتيق هو تجرد لله تعالى من كل أصنام النفس وإسلام الوجه لله تعالى، قال سبحانه: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) "29 الحج"، وهو في حقيقته جعل الشرع فوق الهوى الداخلي والعرف الخارجي، والطواف حول أصنام النفس داء عضال قلما ينجو منه إنسان، قال تعالى: "أفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ" الجاثية (23). فالهوى لو تضاعف وتورم يتحول إلى صنم حتى لو طاف الإنسان بالبيت العتيق حاملا فيروس الهوى وأصنام النفس؛ وقديما أصيب شاعر فحل من شعراء العرب بحب ليلى حتى نسي الناس اسمه وصار يعرف بـ "مجنون ليلى"، فأشفق عليه أهله وعشيرته وأخذوه إلى البيت الحرام كي يدعو الله أن يكشف عنه داء ليلى فينسى ذكرها ليعود إليه رشده وعقله، ولما وصلوا إلى البيت العتيق وشرعوا في الطواف رفع جعيرته وسمعه كل الطائفين يقول: فيا رب لا تنساني ذكرها أبداً ويرحم الله عبدا قال آمينا فقال كل من سمعه: آمين. وهكذا يتورم الهوى في النفس حتى يتحول إلى سرطان يعشش في كل ذرات النفس، فلا تكاد ترى فكرة سوية ولا فطرة نقية ولا نفسا أبية، أما حقيقة الطواف حول البيت، فهو انخلاع من كل أهواء النفس وعلات الهوى، وانجراف القلب نحو السفاسف، وانهزام النفس أمام الشهوات الطافحة والفتن اللافحة التي تشوه الإنسان فترديه في مستنقع الرذيلة وحول المعاصي، فهذا البيت طهره الله تعالى بيد سيدنا إبراهيم وإسماعيل، كما قال تعالى: " وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ .... العَلِيمُ"، بعد أن ضربا أروع أمثلة العبودية الكاملة لله تعالى، فيدع الخليل إبراهيم فلذة كبده إسماعيل وحبة قلبه هاجر بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، بلا زرع ينبت، ولا ضرع يحلب ولا ماء يشرب، ولما تساءلت هاجر لمن تتركنا، فلم يجد إجابة، فلما قالت: آالله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت واثقة: "إذن لن يضيعنا"، ولم تركن لهذا، فتواكلت، بل توكلت وعملت وسعت بين الصفا والمروة لتضرب أروع مثال في بذل الجهد في العمل لا الكسل أو الجدل، ونبع الماء إلى اليوم يحمل معنى الحياة، فهلا تركنا أصنام النفس في الكسل أو الجدل ممن يجلسون الليالي أمام التلفاز يستمعون إلى قوم ليست لهم بضاعة سوى تشويه الشرفاء وإنكار الفضل، وإهمال الفرض، ويزداد رزقهم في الأرض بزيادة التلبيس والكذب، ولهم سوق لدى من تركوا سنة إبراهيم وزوجه وولده في الجد والعمل فينبع الماء تحت قدمي سيدنا إسماعيل شفاء لكل مريض، وغذاء لكل جوعان، وشفاء لكل عطشان، وماء زمزم لما شرب له، إنه ثمرة الإيمان في القلب والسعي والعمل في الواقع، فهل نترك أصنام الكسل والجدل إلى السعي والعمل، والنصح لإصلاح أي خلل، والصبر الجميل على بعضنا دون ملل، ونفض غبار التبعية للغرب دون كلل.  إنني أكتب وعيني تتردد بين كل فقرة وجملة وكلمة بالنظر إلى هيبة الكعبة، وأقول: رباه متى نطوف طواف العابدين المخبتين، كما قال تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) "الحج: 34، 35"، فالإخبات للقلب هو جوهر الطواف بالبيت، وهو تسكين النفس على ضفاف حب الله قبل كل شيء، بل كل الشعائر التي تمارس لن تؤتي ثمارها إذا كانت النفس محشوة بأصنام الهوى، فلا تثمر شيئا، كما تنبنت النبتة بين الحشائش التي تسحب من غذائها إلى شتات ما حولها، ولذا قال تعالى في مناسك العمرة والحج، وما فيها من طواف حول البيت: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) "الحج: 30"، هذا في جانب ترك المعاصي لكن قد يترك الإنسان المعاصي وتعظم عنده أمور صغيرة ومتاع زائل، ويجري وراء حلة أنيقة، ومركب فاره، ومنزل وثير، وامرأة وضيئة، ومنصب كبير، ويقول: الحمد لله، لا أرتكب منكرا، فتأتي النصوص الشرعية تنبه لا تخلص، حتى تتخلص من تعظيم ما حقره الله، وتحقير ما عظمه الله، كما قال تعالى (ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) "32 الحج"، ولذلك أعود فألتفت إلى كعبة الله تعالى وأسأل نفسي: هل عظمت حرمات الله وشعائره في قلبي وفي نفسي قبل أن أطوف بالبيت العتيق؟ أم أن التعظيم الأكبر مازال لأصنام النفس من الشهوات كالطعام والشراب والجنس والمنصب والأنانية والأثرة والغضب للنفس، لا لله، وحمية الجاهلية لا الحمية دفاعا عن الحق والقدس والعرض والأرض، هل جئنا للكعبة نحمل الأدران، أم تخلصنا من أصنام النفس وجئنا تائبين عابدين قانتين منكسرين خاضعين متذللين متبتلين؟  إن حقيقة الطواف حول البيت تبدو ناصعة من تسليم سيدنا إبراهيم وإسماعيل لما رضيا بحكم الله من خلال رؤيا الذبح، والتسليم لأمر الله لهو قمة العبودية له تعالى والاستسلام لأمره، لما قال له: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) "الصافات 102".   "فانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ" (الصافات)، فاستحقا أن يذكرا في العالمين وأن يكون إبراهيم عليه السلام خليل الله. "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا" 54 مريم.  وذلك لأن كل رغائب النفس قد ذابت تماماً أمام حب الله تعالى، وأمر الله فوق كل شيء باختصار يوم أن يعلو الشرع على الطبع، فسيكون طوافنا حول البيت حقيقيا لا وهميا، ومن تخلص من صنفين كبيرين، هما اتباع الهوى الداخلي أو العرف الخارجي الناقض للشرع الرباني، فقد سلم دينه من أصنام نعبدها حقيقة، وإن سجدنا بأجسادنا وصمنا بجوارحنا دون جوانحنا وطفنا حول الحجر لا البيت العتيق الذي باركه الله تعالى بقوله: " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ". تخيلت لو أن كل طائف تخلص في كل طواف حول البيت العتيق من صفة واحدة من أصنام النفس، وعاد مقابلها عبدا ربانيا، عامرا للمسجد، تاليا للقرآن، مصاحبا للصالحين، لتغيرت الأمة كلها. والأهم هو اكتشاف أصنام النفس، ثم تحويل المعلومات إلى قرارات أن نهدم واحدة وراء الأخرى، بالطواف أو الصلاة أو الصيام أو الذكر أو الخلوة مع الله أو القيام بالقرآن، وآنئذ لن نبدأ من الصفر، بل سيتحول ركام الأصنام والسيئات إلى جبال من الطيبات والحسنات، وليس هذا الكرم إلا من الله الذي وعد بالتطهير والتبديل، فهل نتوب إلى الله توبة نصوحا قبل فوات الأوان؟!!

927

| 18 أبريل 2013

بين مصر والسودان شقَّان أم شقيقان

مصر والسودان شقيقان توأمان ولدا من رحم واحد هو وادي النيل كما أجراه الله تعالى، فشريان الحياة جعله الله تعالى ينبع من السودان ومن يغالب الله يُغلب، ولم يرصد التاريخ كله مرة واحدة اعتدى فيها السودان على مصر، فليسا شقين يشاقق أحدهما الآخر كما فعل نظام مبارك المخلوع قبل الثورة، وليس هناك أمن إستراتيجي لمصر مثل السودان، بنفس درجة أكبر خطر للأمن على مصر من الكيان الصهيوني والأمريكان، فبينما قادت أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما الحرب الضروس على مصر والسودان في الماضي والحاضر، ولن تتوقف في كل حال، فلقد كانت مصر والسودان معا مطمعا للإنجليز لما دخلوا إلى مصر سنة 1882م، واعتبرت مصر والسودان مستعمرة واحدة سميت مستعمرة وادي النيل ولما قامت ثورة 1919م استقلت مصر سنة 1922م عن المملكة المتحدة البريطانية وتغير الدستور سنة 1923م، حيث لقب فؤاد الأول بملك مصر والسودان، وبعد ثورة يوليو أعلنت الجمهورية المصرية يوم 18 يونيو 1953م واستقل السودان يوم 1 يناير 1956م، فمتى كان العدوان على مصر من السودان حتى يتعامل النظام السابق على أنهما شقان وليسا شقيقين؟! حتى جاء النظام الحالي المنتخب لأول مرة من الشعب المصري فأعاد الأمور إلى أصولها وذهب إلى السودان بزيارة ليست ودية فقط بين الرئيسين د. محمد مرسي وعمر البشير، بل كانت الزيارة معها عدد من الوزراء ورجال الأعمال، ولقد شرفت بهذه الزيارة مع هذا الوفد الكبير الذي أراد أن ينقل الأقوال إلى الأعمال، والمشاعر إلى المشاريع، والعناوين إلى التفاصيل، ورأيت الكثير من حميمية الاستقبال، وكرم الضيافة، وسعة الأفق واستشراف المستقبل مع مرارة آلام ما جره النظام الماضي على البلدين حيث ذكر لي معالي وزير الأوقاف الشيخ الفاتح تاج السر أنه "لم يبت ليلة واحدة زعيم مصري في السودان منذ سنة 1970م"، في الوقت الذي باتوا وترددوا وتفاعلوا مع العواصم الأجنبية في الكرملين في موسكو وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وواشنطن وربما بات بعضهم بين أحضان الصهاينة، لقد التقى الزعماء ووزراء من الحكومتين ورجال أعمال من البلدين فليس لقاء الأعناق بين الزعيمين يتلوه الشقاق بين البلدين، ولكنها كانت زيارة لردم هذا الشق الهائل الذي صنعته مصر مع السودان حيث لم يزر وزير خارجية المخلوع مبارك أبو الغيط السودان إلا ثلاث مرات لتنفيذ المخطط الصهيوأمريكي البريطاني بضرورة تسليم جنوب السودان وكتبت يومها في مقالي: "مفارقات بين انفصال السودان واحتلال فلسطين": لو كنت رئيسا لمصر وفكر جنوب السودان في الانفصال لأمرت بضربة جوية قوية قبل أن يرتد إليهم طرفهم، لكن للأسف الشديد سلَّم أهل السودان جزءًا إستراتيجيا لمكائد الشيطان يؤرق مصر والسودان، وأسلمت مصر السودان وتركت ظهرها عاريا لا يستطيع أن يقاوم وحده القوة الدافعة للجنوب من الصهاينة وعبدة الصلبان، والآن يعود الشقيقان ليزرعا الأرض معا، ولقد زرت كثيرا من البلدان، وظللت عاشقا أن أزور السودان، حتى قدر الله أن تكون أول زيارة في صحبة الوفد المصاحب لزيارة رئيس مصر د.مرسي إلى أهلنا في السودان، وكان أقرب الأصدقاء إلى قلبي وعقلي ووجداني في كل بلد أنزل فيه هؤلاء الأخيار من بلدنا السودان، منهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ العالم الداعية الرباني السوداني عبد الله إدريس حيث عشنا معا في كانسس سيتي ميزوري أرقى العلاقات وأقوى الصلات، وفي سلطنة عمان تجاور البيت والمكتب والقلب مع الشيخ العالم المحدث الرباني د.الطاهر الدرديري فنعمت بحبه، وظفرت بعلمه، وأكرمني الله بصحبته، وفي زيارتي للسودان التقيت بعدد من خيرة العلماء يتقدمهم وزير الأوقاف والوزير الثاني الشيخ الياقوتي وعدد من خيار الوكلاء والعلماء، وجلسنا طويلا نخطط لإنشاء وقف كبير مشترك يخدم علماء مصر والسودان، ويعمّر المساجد بالأنشطة التربوية والعلمية ليعود للمساجد دورها وللعلماء حضورهم في قيادة أمتنا. أعتقد أن التحام مصر والسودان في وحدة تقوم على إخوة الإسلام ووحدة الأوطان وبناء الحاضر والمستقبل ضرورة شرعية وفريضة واقعية، فلنضع أمام قرائنا هذه الحقائق عن مصر والسودان: تبلغ مساحة الأراضي في السودان 2.5 مليون كم مربع، وفي مصر 1.2 لتكون مساحتهما معا 3.7 كم مربع.؛ ليكونا معا أكبر من عشرة دول عربية مجتمعة، وسكان مصر90 مليونا والسودان 41 مليونا فيكون مجموعهما 131 مليونا يشكلان نصف العرب تقريبا من ناحية السكان. فإذا جئت إلى الموقع الجغرافي فتعتبر السودان البوابة الشمالية لوسط وجنوب إفريقيا، كما أنها تشترك بحدود مع تسع دول إفريقية هي: مصر، ليبيا، تشاد، جمهورية إفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير)، أوغندا، كينيا، أثيوبيا وإريتريا. كما أنها تطل على البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله حوالي 720 كيلو مترا. أما مصر فموقعها الإستراتيجي في القارتين الآسيوية والإفريقية وحدودها من الغرب مع ليبيا ومن الجنوب مع السودان ومن الشمال الشرقي مع فلسطين والأردن والبحر الأحمر الذي يجمع بيننا وبين الخليج العربي، أما قناة السويس فهي شريان التجارة في العالم كله حيث يمر منها 10% من حركة التجارة العالمية، وتوفر قناة السويس 40% من طول ونفقات الرحلة بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، فإذا ضممنا البلدين مع بعضهما فمصر والسودان يطلان على آسيا وأوروبا وعلى 15 دولة وتملكان من المساحات البحرية ما لا تملكه الدول العربية كلها مجتمعة. ويعتبر السودان من أغنى الدول العربية والإفريقية بثروته الحيوانية والتي تقدر فيها أعداد حيوانات الغذاء (أبقار- أغنام- ماعز- إبل) بحوالي 103 ملايين رأس، إضافة إلى 4 ملايين رأس من الخيول، و45 مليونا من الدواجن، والثروة السمكية تقدر بحوالي 100 ألف طن للمصائد الداخلية، و10 آلاف طن للمصائد البحرية. وتقدر الإحصاءات الاحتياطي النفطي في السودان بحوالي مليار ومائتي مليون برميل معظمها من الجنوب والغرب، خاصة بإقليم دارفور الذي يطفو على بحيرة من البترول. كما أثبتت الدراسات وجود أكبر مخزون يورانيوم في العالم كله بإقليم دارفور بجنوب السودان، ويتميز خام اليورانيوم الموجود في السودان بأنه من النوع العالي النقاوة. أما مصر فهي غنية بثرواتها المعدنية من ذهب وحديد وفوسفات ونحاس ورمال بيضاء، ومنجم السكري للذهب يصنف بأنه الثامن عالميا من حيث حجم احتياطي الذهب. ويؤكد الدكتور حسن بخيت - نائب رئيس اتحاد الجيولوجيين العرب - أن مصر لديها رصيد هائل من المعادن، التي لم يتم استغلالها حتى الآن بالشكل الأمثل، وذكر أن الذهب يعد من المعادن الواعدة في مصر، خاصة بعد إنتاج ما يزيد عن 10 أطنان ذهب في عام واحد (2010م) من منجم السكري، ومصر تحتل المرتبة 11 عالميا من حيث إنتاج الأسمنت، والمرتبة السابعة من حيث إنتاج الحديد، كما صنف التقرير مصر من ضمن الدولة المنتجة لبعض الخامات كالفلسبار والجبس والفوسفات والأمونيا. أما مناجم الكبريت بشمال سيناء، فتقدر استثماراتها بـ100 مليون دولار، ويقدر الاحتياطي القابل للاستخراج بـ22 مليون طن. وبالتالي تستطيع مصر والسودان أن تُغني العالم العربي والإسلامي وأن تصدر للعالم الغربي كله. فإذا أدركنا هذه الثروة الهائلة فيوازيها أن مصر بسبب سياسات المخلوع كانت أكبر مستورد للقمح واللحوم في العالم وتستورد 75% من كل ما تحتاج إليه من غذاء، وفي الوقت نفسه لم تستطع الحكومة السودانية أن تفيد من هذه الثروة الهائلة فتستورد 50% من القمح و60% من احتياجاتها الغذائية كلها بسبب ضعف السياسات التنموية والمؤامرات الخارجية وانفصال مصر عن السودان في البناء والتنمية والعمران. ترى هل يجوز أن نترك هذه الخيرات في مصر والسودان على مستوى الإنسان والأرض والنيل والثروات الهائلة الزراعية والسمكية والمعدنية ثم نجلس على الشاشات نتراشق ونصرخ دفاعا عن قميص عثمان " في حلايب وشلاتين" كي نقع في فخاخ العلمانيين والإعلاميين الذين يقودون دوما تفخيخ الصراع بين أبناء الوطن الواحد أو دول الجوار ليكون البديل هو الاستمرار في الارتماء تحت أرجل الغرب والأمريكان، والقبول الذليل بلاءاتهم وإملاءاتهم الصهاينة وخدامهم الأمريكان. شكر الله للسودان منحت لمصر في هذه الزيارة 2 مليون فدان للزراعة و2 مليون متر مربع للصناعة. حقا لابد أن تعود مصر والسودان شقيقين لا شقين، ونحفر الشق الأكبر لأعداء مصر والسودان من الصهاينة والأمريكان اللذين فصلا الشقيقين إلى شقين، نقول لهما المثل المصري" عمر الدم ما يصير ماية" ونحن تربطنا بالسودان علائق اللحم والدم، والروح والجسد، العقل والوجدان، الأرض والنيل، وباختصار الماضي والحاضر والمستقبل مرهون بعودتنا مصر والسودان شقيقين لا شقين. فلندع المظاهرات والمولوتوف والخرطوش والبلطجة لنصنع كما قال الشيخ الشعراوي: "إن الثائر الحق هو من يثور ليهدم الفساد، ثم يهدأ ليصنع الأمجاد". "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة:105).

1021

| 11 أبريل 2013

بين الاعتزاز والاعتذار عن رئيسنا مرسي

لاشك أن من يحظى بأقل درجات الإنصاف فإنه يجد نفسه يمتلئ بالاعتزاز بأن يكون رئيس مصر  رجلا في مكانة الدكتور محمد مرسي، ومن يفيض قلبه حبا للدكتور مرسي يجد نفسه معتذرا عن  مواقف من الدكتور الرئيس، وهناك قسم ثالث وهم الذين حملوا راية الحقد الأسود أو الخوف الأعمى  من الإسلاميين فراح يحمل الفضيحة لا النصيحة، والتجريح لا التصحيح، وصار منفلتا من كل سياج أخلاقي، أو اعتبار وطني، فصرتَ لا تسمع منه إلا قذفا، ولا ترى إلا قذى، ولا ينطق إلا عن هوى، ولا يكتب إلا كذبا، ولا يرمي إلا بهتانا لدرجة أن لفَّق أحد أصحاب الشاشات قصة رخيصة أن مرسي منعدم الإنسانية لأنه – كطبيب – رفض علاج طفل يحتضر على يدي أبيه المسكين لأن الأب لم يدفع ال 300 جنيه قبل الكشف الطبي، فمات الطفل بسبب قسوة الدكتور الطبيب مرسي، على حد كذبه، لأن د. مرسي لم يكن طبيبا يوما واحدا!! بل هو الدكتور المهندس لا الطبيب، لكنا هنا نقدم  لرئيسنا اعتزازنا بكونه حافظا للقرآن، وحفظه للقرآن يحفظه من الخلل والمؤامرات والكيد والمكر،  لقوله تعالى: "وَِإذَا تَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَْخِرَةِ ْ قَرَأ حِجَابًا مَسْتُورًا"  (الإسراء: 54 )، وآية الكرسي وحدها من جوامع الحفظ الرباني لمن يحفظها ويرددها بقلبه وعقله ووجدانه، بل حفظ القرآن مصدر من أكبر مصادر الهدى والرشاد، ونعتز برئيسنا د محمد مرسي لأنه أستاذ جامعي من نوابغ مصر في الهندسة، والله تعالى يقول: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ وتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (المجادلة: من الآية 11 )، وقد أورد ُ أ السيوطي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم". وقد نَقل إلينا في جامعة القاهرة أحد مستشاري المخلوع حسني مبارك عندما أضربنا عن العمل يوما واحدا احتجاجا على اغتصاب وزير داخليته زكي بدر أرضنا بنادي هيئة التدريس، فجاءنا مستشاره برسالة من الرئيس: (قول لأساتذة الجامعة دول، إذا كانوا عندهم دكتوراه في العلم، أنا عندي دكتوراه في العند!)، فالحمد لله تخلصت مصر من صاحب الدكتوراه في العند، وانتخبوا لأول مرة رئيسا مدنيا عنده دكتوراه في العلم من أعرق جامعات أمريكا وقدم أبحاثا عديدة في تطوير مركبة الفضاء في وكالة ناسا، ونعتز برئيسنا الذي فاز بأفضل برلماني في العالم  بالمعايير العالمية رغم كل الأذى والتضييق الذي كانت تعاني منه الكتلة البرلمانية الإسلامية، ونعتز به أن شكل مع إخوانه حزبا قويا "الحرية والعدالة" في وقت قياسي، وفاز – في أجواء عصيبة – بأغلبية نسبية في انتخابات البرلمان والشورى والنقابات، واستطاع أن يجمع الكثير من الشتات المصري في أكبر تكتل سياسي، ونعتز برئيسنا الشجاع الذي خرج عن البروتوكولات ووقف بصدره العاري أمام جماهير الثوار في ميدان التحرير وأقسم اليمين أمامهم شعبا قبل أن يذهب إلى المحكمة الدستورية المشكَّلة من الرئيس المخلوع ليعلن للشعب أنني منكم ولكم قبل كل شيء، ونعتز بالرئيس أن كان أول استعمال لسلطاته التشريعية أن أصدر قانونا بمنع حبس الصحفيين في قضايا النشر، رغم صدور حكم المحكمة بسجن صحفي بسبب واقعة سب للرئيس، ونعتز به أن اتخذ قراره الشجاع، بتغييرات واسعة النطاق في المجلس العسكري والجيش ولم يفوت فرصة إلا اعتز بأحرار وأبرار الجيش المصري، ونعتز به أن لم يترك الفساد ينهش في لحم وشحم وعظم مصر، بل طارده وقاومه، وقدم من القوانين ما جعل الفارق بين موظفي الدولة محدودا، فبدلا من موظفين يحصلون على أقل من 100 جنيه في الشهر وآخرين يحصلون على الملايين في الشهر لا السنة، صار الحد الأدنى  600 جنيه، والأعلى 50.000 جنيه، ونعتز بك رئيسنا أن أنجزت دستورا لمصر - يستحق الذكر والشكر- يرد لكل مصري حريته وكرامته وحقوقه، ونعتز به  رئيسا يرفع رأس مصر العروبة والإسلام سواء في أوروبا أو أمريكا أو الهند أو الصين أو باكستان أو دول الخليج أو جنوب إفريقيا أو السودان، ويعتز بمذهب أهل السنة والجماعة في إيران، ويترضى على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وخاطب رؤساء 40 دولة لوقف العدوان على غزة حتى أوقف هذا الظلم على أهلنا في غزة بعد أن كان هذا الظلم من رجال أمن الدولة حيث كان الضرب والقتل والتعذيب يصدر من الرئاسة والمخابرات وأمن الدولة لرجال المقاومة على يد النظام السابق، ومواقف أخرى لا ينكرها إلا جاحد ولا ينفيها إلا حاقد. في الوقت نفسه صرنا نعتذر عن رئيسنا مرارا ونتساءل مع أبناء شعبنا عن مواقف يحتاج أن يراجع نفسه فيها تكرارا، لأنك منا ونحن منك، ومما نعتذر عنه البطء في اتخاذ القرارات في الأوقات المناسبة والتحرك في إصلاح مؤسسات الدولة بخطى وئيدة لا تتناسب مع كونك رئيسا ثائرا منتخبا من الثوار، نعتذر عنك فخامة الرئيس لأنك دخلت على مؤسسة الرئاسة وكانت تدير البلد بكل أنواع الظلم والقهر والفساد فأبقيت على 3000 في الرئاسة ودخلت بثلاثين من كرام أنصارك لا يكفون لإدارة محافظة من محافظات مصر الكبرى، وتحديات الثورة ومؤامرات الخارج وخيانة الداخل وصفاقة بعض أجهزة الإعلام وتعشش وتحكم الدولة العميقة، وأنصار المخلوع في مفاصل البلد، في الوقت الذي يدخل فيه الرئيس الأمريكي ب 6500 شخص يختارهم دون أن يراجعه الكونغرس أو تطارده وسائل الإعلام بالانحياز لحزبه وعشيرته، نعتذر عن رئيسنا وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة والشرطة أنه لم يأت بفرقة من الصاعقة من جيشنا المصري العظيم كي تحمي هيبة الدولة وقصر الرئاسة، ومرت 9 أشهر تتراجع فيها هيبة الدولة ويتساقط أمن المواطن، وتهدَّم المنشآت، وتعطَّل الطرقات، وينتشر في أرجاء مصر 300 ألف بلطجي منهم 93 ألف مسجل خطر ولا يزال رئيسنا متحرجا مترددا أن يدخل إلى جهاز الشرطة مغيرا للخونة ومصلحا للمرتعشين ومضيفا لشرفاء الشرطة ما يكفي لتحقيق الأمن سواء بقرار رئاسي أو تشريع قانوني عن طريق مجلس الشورى يضمن أبجديات الأمن والأمان لمصر التي تحبها، وللمصريين الذين انتخبوك أو  عارضوك. نعتذر عن رئيسنا أنه ترك لبعض وكلاء النيابة العنان أن يفسدوا هيبة القضاء وأن ينحازوا إلى المجرمين، فتضبط الشرطة البلطجي قاتلا معه سلاحه مصوَّرا بكاميرات التلفزيون والتليفون واليوتيوب، ثم تفرج النيابة عنهم ليخرج مفسدا مهددا قاتلا في اليوم نفسه، فهل تجوز معاملة اللئام بما يعامل به الكرام؟!، ولا يخفى على فخامتك أن الحرية المطلقة هي المفسدة المطلقة، وأنه لا عصمة لمجرم قاضيا أو متهما، إعلاميا أو صحفيا، أستاذا أو طالبا، مستثمرا أو عاملا، نعتذر عنك فخامة الرئيس أننا مع قطاع عريض من أبناء شعبك ومحبيك ومؤازريك  ومناصريك وجميعهم يكادون يحلفون عليك بالله أن تخرج لشعبك ليس ساعة بعد منتصف الليل كل شهر، بل خمس دقائق كل أسبوع. تصارح شعبك، وتخبرهم بالحقائق، وتخاطبهم بالأرقام، وتستثير حميتهم أن يشاركوك حمل أمانة مصر الكبيرة التي يتآمر عليها الكثير في الداخل والخارج، والشارع كله الآن يتحدث أين الرئيس، لماذا نرسل  النصائح ونقدم الحلول ولا يردُّ علينا ولا يعود علينا أعوان الرئيس بإجابة ولو برسالة على التليفون. فخامة الرئيس لقد صرنا حيارى بين مشاعر متدفقة من الاعتزاز بك رئيسا تستحق الحب والتقدير، والاعتذار عنك رئيسا يحتاج إلى مزيد من التغيير والتأثير! نريد كما تصلي في أول الوقت ولا تؤخر الصلاة عن أول وقتها أداءً، أو بعد فوات  وقتها قضاء أن تتخذ القرارات في أول الأزمات، قالت العرب: "وفاز باللذة الجسور".

406

| 03 أبريل 2013

بين صدق أوباما وكذبه مع العرب والصهاينة

ماذا أقول لقومي وعشيرتي الذين لم يضعوا آيات القرآن موضع التصديق والعمل بدلا من التشكيك والجدل، وراحوا يصدقون أن الأخ أوباما حسين سيكون يوما واحدا مع العرب ضد الصهاينة، والله تعالى يقول: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ" (الأنفال:73)، وقال تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ" (البقرة: من الآية 120)، وقال تعالى: "وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ" (آل عمران: من الآية 118)، وقال تعالى: "وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ" (آل عمران: من الآية 73)، ومع كل هذه النصوص القطعية دلالة وثبوتا فلا يزال من بيننا من يصدق أوباما شرير العصر في ثوب الثعلب الذي يجيد إلقاء الكلمات صادقا مع الكيان الصهيوني في القدس المحتلة، كاذبا بالجملة على العرب والمسلمين في جامعة القاهرة وفي رام الله، وهو الذي كان يدعو إلى الأمل والتغيير في حملته الأولى، وانتخبه المسلمون في أمريكا على أمل أن الرجل الأسود الذي عانى طويلا في أمريكا بنفسه وليس من جيل آبائه من الاضطهاد العنصري حيث لم يكن بوسعه ولا أمثاله السود أن يدخلوا الباص أو المطعم الذي فيه البيض، ولو دخل الباص فجلس وركب أي واحد أبيض فلابد أن يقوم فورا لكي يجلس السيد الأبيض ويقف "العبد الأسود" في عرف الأمريكان حتى الستينيات من القرن الماضي، لولا ثورة "مارتن لوثر كنج" وغيره من السود، ولا تزال هناك كنائس في أمريكا للسود لا يدخلها البيض، ويعتقدون أن عيسى عليه السلام أسود والشيطان أبيض، وهناك كنائس للبيض لا يدخلها السود ويعتقدون أن سيدنا عيسى أبيض والشيطان أسود، ولن ننسى تطبيل العجز العربي لمجيء أوباما رئيسا لأمريكا لأنه عاش القهر والإذلال مثل العرب، فلابد أن يكون المنقذ لهم من الاستبداد السياسي والفساد المالي والتخلف الحضاري لكنه استمر يعبث في بلاد العرب وساند بقوة من خلال الأنظمة الفاشية مثل نظام حسني مبارك وزين العابدين والقذافي وعلي عبد الله صالح وآخرين مثلهم، ولا تزال أمريكا - تحت الأرض - تمد النظام السوري بكل عناصر البقاء والشقاء للشعب السوري، ويقيني أن الساعات الطوال التي انفرد فيها أوباما الظالم مع الملعون نتنياهو هو من أجل مزيد من دعم قوى الخراب والاضطراب في مصر ودول الربيع العربي، وإنشاء حالة صراع جديدة من خلال ضربة لإيران ولو شكلية تحوِّل المنطقة إلى صراع دام لا تنهض منه عشرات الأعوام، كما دفعت أمريكا للحرب بين إيران والعراق؛ لتدمر كل القوى العسكرية والاقتصادية للبلاد العربية والإسلامية، ثم دفعت بالعراق أن يغزو الكويت وجاءت أمريكا لتحتل العراق والكويت معا باستعمار مدني مبتسم الوجه مرة، وعسكري كاشر الوجه مرة أخرى، وقد سلبت أمريكا من العرب في غزو العراق للكويت تريليون دولار على الأقل، حتى لا يفرغ العراق والعرب طاقتهم العسكرية لتكون في الاتجاه الصحيح نحو الكيان الصهيوني المحتل، ولو فعل صدام لكان بطلا تاريخيا في العالم والتاريخ، لكنهم دفعوه لحربين طاحنتين، وفي الأخير دفعوه عن طريق عملائهم لحبل المشنقة، وقُتل يوم عيد الأضحى، وبقيت أمريكا في العراق تقتل وتهتك الأعراض وتشرد العراقيين شيعا وأحزابا، ولا يزال بعض السطحيين يظنون بالقوم خيرا.

298

| 27 مارس 2013

بين الخنساء بنت عمرو والخنساء أم نضال فرحات

خنساء الماضي هي تماضر بنت عمرو السلمية ولدت 575م، وتوفيت سنة 24 هجرية/ 645م، ولقبت بالخنساء بسبب ارتفاع أرنبة أنفها، ولقد اشتهرت في الجاهلية بأعظم مرثية شعرية لأخويها صخر ومعاوية اللذين قتلا في الجاهلية، قال عنها نابغة الذبياني: "الخنساء أشعر الجن والإنس"،  وقد أسلمت الخنساء مع قومها فاشتد بكاؤها على أخويها بعد إسلامها ولما سئلت قالت: كنت أبكي لهم من الثأر واليوم أبكي لهم من النار، وفي موقعة القادسية خرجت مع المسلمين في جيش عمر تقاتل مع أبنائها الأربعة وهم عمرة، وعمرو، ومعاوية ويزيد، وقبل بدء القتال أوصتهم فقالت: يا بَنيَّ لقد أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم.. إلى أن قالت: فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجعلت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة. وعندما دارت المعركة استُشهد أولادها الأربعة واحدا بعد واحد، ولما بلغ الخنساء خبر مقتل أبنائها الأربعة قالت: (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته).    وكأني اليوم مع خنساء العصر مريم فرحات أم نضال فها نحن اليوم أمام حالة فريدة في تاريخنا المعاصر، إنها السيدة مريم محمد يوسف فرحات التي وُلدت سنة  1949 بحي الشجاعية في مخيمات الأبطال الفلسطينيين، ولديها من الإخوة عشرة ومن الأخوات خمس، تفوقت دراسيا، ونجحت عائليا في تربية ستة من الأبناء وأربع من البنات،  وترملت بعد وفاة زوجها وعاشت للجهاد وللقتال، وصناعة النساء والرجال، وخوض المعارك بكل صبر واستبسال، وقدمت بيدها ثلاثة من أولادها إلى الشهادة واحدا بعد الآخر، أولهم نضال الذي كان أول من صنع صاروخا في تاريخ الكفاح الفلسطيني ضد العدو الصهيوني، وقد حدثتني مشافهة في بيتها العامر في غزة، فقالت: صنع ولدي الصاروخ وكنت أتابعه يوما بيوم، وأستحثه أن تنتقل المقاومة من الحجر إلى السكين ومنه إلى البندقية والصاروخ والطائرة الحربية، فلما أتم ولدها نضال صناعة أول صاروخ جاءها قبل غيرها مبشرا إياها باكتمال خطته بتيسير الله له أن يصنع الصاروخ الأول في تاريخ الحرب على الصهاينة صناعة مائة بالمائة في أرض فلسطين المحتلة، فاحتضنته ولم يكن بينهما إلا هذا الصاروخ الوليد (الصاروخ القسامي)، ثم ذهب به بعد أمه أولا إلى أبيه في التربية والتضحية والبطولة والجهاد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، واستأذنه أن يطلقه على الكيان الصهيوني، وكانت المفاجأة من بيت أم نضال تغيرت موازين المعارك والقتال، فمن صاروخ القسام الذي صنع على يد نضال وأم نضال تطور الصاروخ إلى 75 كم ليصل إلى العمق الصهيوني في 2012م في حرب سميت حجارة من سجين ليصل إلى 200م فقط من وزارة الدفاع الصهيونية، و300م من الكنيست الصهيوني، ودخل الصهاينة في تل الربيع (تل أبيب) كالجرذان إلى جحورهم!، ولم يتوقف نضال عند صناعة الصاروخ الأول، بل أصر أن يكمل المشوار ليصنع طائرة بلا طيار لكي تحمل المتفجرات وتهبط منفجرة في المواقع الإستراتيجية في بني صهيون، لكنه قتل بانفجار جزء من طائرة صهيونية كانت قد فخخت له من خلال أحد الخونة، واستقبلت أم نضال خبر استشهاد ولدها بالصبر الجميل، والفرح الجزيل أن أكرم ولدها نضال بالشهادة أملا أن يكون في أعلى عليين في الجنة، ودفعت ببقية أولادها الستة إلى كتائب القسام وألبست بيدها محمد ورواد لبسة الحرب، وحمَّلتهما سلاح الضرب، وشجعتهما بكلمات الإيمان، والصبر والإقدام، والاستعداد للقاء الرحمن، والعرس في أعلى الجنان، وذهبا أمام ناظريها وهي تعلم أنها لن تراهما إلا في دار الخلد. وهاهم بقية أولادها حسام ووسام ومؤمن أسودا في الميدان، ورجالا يحملون أمانة مشروع تحرير الأسرى والأقصى والقدس وفلسطين بكل إخلاص وتجرد ورجولة ومروءة وفتوة وحمية مستمدة من فيض الرحمن، ثم من هذه الأمومة الراقية القوية الفتية على أعداء الله، النقية الندية على المجاهدين والمرابطين أنصار الله، وبناتها الأربع يحملن الرسالة ويؤدين الأمانة بكل قوة وبسالة، فإذا دخلت البيت فهو بيت الجهاد والاستشهاد، بيت تفاجؤك فيه أول ما ترى أم نضال رحمها الله تدهش النور الرباني يكسو وجهها، فلا تستطيع أن تطيل النظر إليها حياء وتقديرا واحتراما، ثم ترى بسمة رائقة فيها لمسة من الحزن على أحوال أمتنا، وفيها نسمة من الأمل على مستقبل جهادنا لنصل إلى تحرير كامل التراب الفلسطيني بإذن الله، وننطلق منه إلى أمة القيادة والريادة والشهادة على العالمين، فإذا تكلَّمت أم نضال فلا تسمع إلا أرفع المقال،     وأشهد الله أنني ما وجدت حنانا وحبا وتقديرا بعد وفاة أمي مثلما وجدته من أمي أم نضال رحمهما الله تعالى، وقد قالت أم دعاء صديقتها الحميمة ما أبكاني وأشجاني نقلا على لسان أم نضال: "والله لقد دخل عليَّ الكثير، فما وجدت أحدا أحدِّثه كما أحدِّث "ولدي نضال" مثل صلاح سلطان"، وقد نقل إلى ولدها حسام مثل هذا مرارا، وقد كانت أول امرأة تتصل بي بعد عدد من البرامج الفضائية، شاكرة في أدب جم، مقدرة في حب متدفق، كنت به مغتبطا سعيدا، لأنه من أمي الربانية أم نضال. ولما كنت في غزة هاشم كان يحلو لي مع دعواتها الكريمة أن أذهب لأتناول السحور عندها في رمضان، لكن لم أكن أذهب جائعا بل متعلما راغبا في أن يمسح الله على قلبي بدعواتها، وأن أشد من عزمي بكلماتها، ولما مرضت في غزة ونقلت إلى المستشفى طلبت أولادها من ساحات الرباط لكي يكونوا بجانبي فجاءوا يخبرونني أن الأم في البيت تبكي، فخرجت من المستشفى إلى المسجد أولا، ثم ذهبت إلى بيتها مباشرة أطمئنها علي فلم أر إلا عينا باكية مشفقة كأنها حقا أمي التي ولدتني! وكم حزنت أن أتأخر عن جنازتها لكني استرجعت روحها، وقلت لو كانت أمي أم نضال حية وسألتها أن أترك لقاء هو لله أولا، ثم لمصر ثانيا، ثم لاستثمار واسترداد الأوقاف المسلوبة ثالثا،     وصبَّرت نفسي تقديما لمصلحة أمتي وبلدي وخرجت من مجلس الوزراء مباشرة إلى غزة هاشم، ووصلت في العاشرة ليلا، وتوجهت إلى أبي العبد إسماعيل هينة دولة رئيس الوزراء لأقدم له العزاء، فوجدته بين آلاف الشباب جاءوا من كل بلاد العالم في مؤتمر حاشد تحت عنوان: "دور الشباب بعد الربيع العربي في خدمة القضية الفلسطينية"، وتوجهت مع أخي أبي العبد وأخي المجاهد صفوت حجازي إلى الأسير المحرر أيمن الشراونة الذي كان قد جاء لتوه منذ خمس دقائق من السجون الصهيونية بعد إضراب عن الطعام 260 يوما لم يأكل طعاما قط، ولم يشرب إلا الماء ونزل وزنه 50 كيلو جراما رحم الله خنساء الماضي تماضر بنت عمرو وخنساء الحاضر أم نضال فرحات، وأملنا أن تكون النساء اليوم مثل خنساء الماضي والحاضر  .

3000

| 22 مارس 2013

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6357

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5103

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

4245

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3825

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2859

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2601

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1788

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1632

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1563

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1086

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

996

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

987

| 21 أكتوبر 2025

أخبار محلية