رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

حاويات الموت

المواطن هو ثروة البلد، عمادُ تنميتها، والمواطن الشاب هو عدّة الوطن، وباني مستقبلها، وهو النبتة التي تزهرُ مواطنين صالحين، نافعين لأهلهم وبلدهم. والحفاظ على سلامة هذا المواطن من الأولويات التي تحرص عليها الدولة، وتقوم الهيئات المختصة بدعم هذا الحرص، لحماية المواطن من المرض، الجوع، الجهل، الفقر. كما يقوم الإعلام بدوره، في رعاية هذا المواطن وتوجيهه الوجهة السليمة للحفاظ على حياته، وحياة الآخرين من أفراد المجتمع. ولقد شاهدنا استعراضات في منطقة (سيلين)، لم تكن رياضية، بقدر ما هي انتحارية! وقيل إن صاحب إحدى السيارات المنقلبة قد فارق الحياة!. كما انتشر فيديو لسيارة أخرى في دولة خليجية، كان صاحبها ممسكاً بالهاتف النقال، ويصوّر الطريق، فدخلت أمامهُ سيارة مُسرعة من اليمين، اصطدمت بجدار الطريق الأسمنتي وانقلبت أمامه، فصدمها، لأنه كان مشغولاً بالتصوير. اختلفت آراء المجتمع حول الجهة المسؤولة عن ضحايا السرعة، وضحايا الاستعراضات، وضحايا استخدام الهاتف أثناء القيادة. وضمن أحاديث (تويتر) وجدنا أن البعض يُقلل من أهمية تسبّب الهاتف النقال أثناء القيادة في الحوادث! يقول أحدهم: كانت الحوادث تقع أثناء تناول السائق لبعض المحظورات؟ وجاوبناه: هل نزيد في أسباب الحوادث بالسماح للسائقين باستخدام الهاتف النقال أثناء القيادة؟! بالطبع لم تكن وجهة المُغرد صائبة. تساءلنا: هل نضع المسؤولية على إدارة المرور؟ ومَن سوف تُلاحق هذه الإدارة، والطرق في اتساع، والشوارع في تمدّد، من خير الله، من شمال البلاد حتى جنوبها، وحتى لو تم وضع كاميرات على الطرق، كم كاميرا نحتاج كي نُغطّي كافة الشوارع والإشارات الضوئية؟ أرى أن القضية ثقافية في المقام الأول، فالسائق الذي لا يُدرك أصولَ قيادة السيارة، ولا يعرف معاني إشارات الخطوط الأرضية، أو حُسن استخدام الأنوار عند المنعطفات، أو عند التحوّل من مسار لآخر.. وذاك الذي يوقف سيارته على الطريق، بانتظار خروج إحداهن من صالون التجميل، ولا يهتم كون الشارع مسدود المسير.. وتلك التي تتمايل بسيارتها من خط لآخر، وهي مُمسكة بالهاتف، ولكأنها تمتلك الطريق لوحدها، حيث تتجاوز مسارَها وتدخلُ في مسار الآخرين.. وذاك الشاب المتهور الذي يدخل في شارع ذي اتجاه واحد، من الاتجاه المعاكس، ويُعرّض حياته وحياة الآخرين للخطر.. وسائق الشاحنة الذي لا يُحكم تغطية الرمل، بحيث يتطاير على السيارات الأخرى.. وذاك سائق سيارة التاكسي الذي يتوقف فجأة أمامك كي يلتقط أحد الرُكاب.. وذاك الذي يرى الإشارة خضراء، فيتحول من اليمين إلى اليسار أمامك، متجاوزاً الخط الأرضي، ليدخل في مسار آخر والسيارات منطلقة بسرعة، ما يُربك الآخرين ويتسبب في حوادث سير.. وذاك الذي يوقف سيارته خلف سيارتك عند المسجد، كونه جاء متأخراً، ولا يَعبأ بأنك قد تُنهي الصلاة قبله، وتريد الخروج، فيضايقك دونما مبرر، سوى أنه لا يهتم بالآخرين، ويرى نفسه فقط في الصورة.. وذاك الذي يدخن بشراهة، ويرمي رماد السيجارة على السيارات الأخرى، دونما خجل أو مسؤولية، كل هذه المَشاهد تشوّه الصورة الحضارية لبلدنا، وتجعلنا نحذر من استمرار تلك الصورة. أمثلة كثيرة نشاهدها يومياً على الطرقات، لكن الأهم من ذلك هو (حاويات الموت)! التي أصبحت ظاهرة واضحة، فعلاوة على ما يجري في (سيلين) من استعراضات انتحارية، نلاحظ أيضاً سباقات مجنونة على الطرق السريعة، ولكأن هنالك (Code) بين بعض الشباب من أجل السرعة، بل إن السباق المحموم نشاهدهُ على الطرقات الداخلية، مثلاً الشارع المؤدي إلى كلية المجتمع، طريق الخيسة، وهو مرتع للمتسابقين، ناهيك عن هؤلاء الذي يشوهون الشارع الحديث، الذي صرفت عليه الدولة من أجل راحة المواطنين، باستعراضاتهم وتفحيطاتهم، ولكأنهم يرسمون لوحات (سيريالية) على الطريق. نقول إن القضية ثقافية في المقام الأول، فلئن لم يشعر الشابُ بانتمائه لبني جنسه، وأن لجسده وروحه عليه حقا، ولئن لم تلاحظ الأسرة، وتوّجه الشاب اليافع إلى ضرورة مراعاة حق سير الآخرين، والإشارات الضوئية والإرشادات المرورية، فإن هذا الشاب، سوف يواصل سيرته، ولكأنها هي الصواب، والآخرون على خطأ. وإذا لم يبادر الأصدقاء، وينصحون بعضَهم بعضاً حول ثقافة الطريق، وحُسن استخدامه، وأن للآخرين حقاً في هذا الاستخدام، وأن الاستعراضات تُتلف المَركبة، وتشوّه الشارع، وقد تأتي بحوادثَ مُميتة، فإن المشكلة سوف تتفاقم. ولئن تجاهل الإعلامُ قضية (حاويات الموت)، ولم يركِّز تركيزاً واضحاً على القضية، ولا نعني هنا التلفزيون، بل جميع وسائل الإعلام، بما في ذلك التحذيرات والإشارات على الطرق، فإن المشكلة لن تسير باتجاه الحل. ولئن لم يَنشأ حوارٌ مجتمعي، على كافة الصُعد، من أجل مُحاصرة المشكلة، وإيجاد حول ناجعةٍ لها، فإننا سنشهدُ سقوط العديد من شبابنا نتيجة عدم إتقان سياقة السيارات، أو التباهي بالاستعراضات، وإن كان البعض يعتبرها "تنفيساً" عن الأعصاب المضغوطة، جرّاء ظروف أسرية أو وظيفية أو نفسية. ولنا أن نتصور أن شاباً وحيداً لأسرته، وقد بلغ الثالثة والعشرين من العُمر، ويدرس في الخارج، ويأتي في عطلة رأس السنة، كي يرى أهله، يقوم بالتسابق مع شاب آخر، فينقلب ويُفارق الحياة فوراً! ماذا سوف يُسببهُ هذا الشاب من أذى لأسرته، وهو وحيدُهم، وهم يعوِّلون على نجاحه في جامعته وخدمته لوطنه؟ لقد شاهدتُ والدَين فقدا وحيدَهما في هذه الحياة، نتيجة حادث مروري، رأيتُ الأب بعد الحادثة ولكأنه عجوز بملامح التسعين، وقد أصابته جلطةٌ غيّرت ملامحَ وجههِ الوسيم. كما رأيتُ الأمَّ المكلومة وقد غشيها ألمٌ طالَ وجهَها ومشيتها ونظرتها للحياة!. هل يُدركُ ذاك الشاب، مدى الألم والفجيعة التي ورّثها لأسرته؟ وهو وحيدُهم، ولا يمكن أن يأتيه أخٌ بعد أن بلغ والدهُ الخامسة والستين! لماذا يكون البعضُ قاسياً مع أهله، ومع ذاته، ومع مجتمعه؟! ولماذا تزول الرحمةُ من قلوب بعض الشباب، فيجرحونَ أنفسَهم ويجرحونَ غيرَهم؟. أعتقد أن الحملات التي تقوم بها إدارة المرور في المدارس، بأنواعها، مهمّة في بث الوعي المروري، وشرح القوانين، ولفت النظر إلى الجزاءات التي تقابل مخالفة تلك القوانين. وأعتقد أن جلوسَ الأسرة مع الشاب والشابة، وحديثهم عن (ثقافة الطريق) أمرٌ مُهم في تعديل بعض المسارات الخاطئة. وأعتقد أن للإعلام دوراً مهماً في قضية التوعية والإرشاد، خصوصاً في موسم التخييم، والاستعراضات في (سيلين). وأعتقد أن نشر جزاءات المخالفات بصورة دورية، يُمكن أن يكون رادعاً للمخالفين والمتجاوزين لقوانين المرور. إن الأسرة تُنجب الشاب والشابة من أجل إعمار الكون بالإيجابية، وليس من أجل أن يكونوا هم ضحايا (حاويات الموت)!.

2063

| 01 يناير 2020

لُغتنا العربية والتشْويه !!

  لم تمرّ على الأمّةِ العربية، في عصورِها المختلفة، مَرحلةٌ، مثل هذه المرحلة الاتصالية الإلكترونية، والتي عبَثت بتُراث هذه اللغة، وحوّلتها إلى " مَسخ" في كثير من الظروف!؟ فما نقرأهُ عبر وسائل التواصل، هذه الأيام، ينعكسُ على أجوبة الامتحانات في الكليات والجامعات؛ لذلك نجدُ العديدَ من الطلبة والطالبات ينفرون من الأسئلة المقالية، أو التكليفات الكتابية والتقارير، ويُفضّلون أسئلة ( صح/ خطأ)، ذلك أنهم لم يتأسَّسوا تأسيساً سليماً ما قبل مرحلة الجامعة، وقد يكون هؤلاء الطلبة، والطالبات غيرَ مسؤولين عن هذا الخلل !؟ إن القرآن الكريم، هو الحافظ للغةِ العربية، وهو اللسانُ العربي الفصيح، وهو المرجعيةُ الأولى في ضَبط النحو والصرف، فإذا لم يُتقن المرءُ العربيُ المُسلمُ اللسانَ العربي، فكيف سيقرأ سورَ القرآن الكريم؟! نعم قد يحفظها عن ظَهر قلب، من كثرة الترديد في الصلاة، لكنه سيواجه مشكلةً عندما يكتب تلك السور!؟ فمثلاً، كيف سيقرأ هذا الإنسان، " ولم يكُن جبّاراً عصيًا" (مريم، 14)، أو " والذين يقولون ربّنا اصرِف عنّا عذابَ جَهَنّمَّ إن عذابَها كان غراما"، (الفرقان، 65). فلئن ذهبنا إلى مدرسة " المُحَورين" في اللغة سوف نكتب (جبّارا) هكذا (جبّارن)، وكذلك الحالُ مع كلمة (غراماً)، هكذا(غرامن)!؟ وهنالك العديد من الوقفات مع آيات القرآن الكريم، والتي كثيراً ما تَتشوهُ عند كتابتها من بعض الذين لا يُتقنون اللغة العربية. ولعلَّ سائلاً يأتي ليقول: وما الحل؟؟ وهذا سؤال مشروع وحيّوي! إن مسؤوليتنا جميعاً أن نحمي لغتنا العربية، ونحن نعلم، أن بعضَ الشعوب التي تلاشت واضمحلَّ تُراثُها وحضارتُها كان بسبب إهمالها للغتِها الأصلية!؟ لأن اللغة هي الحاضنة لجميع أشكال تراثِ أية أمَة، والوعاء الذي تتشكَّلُ فيه ملامحُ الحضارة، والعلوم، والآداب، والفنون الماديّة وغير الماديّة. لذا، فإن الحفاظ على اللغة العربية من الأولويات التي يجب أن تحافظ عليها الأسرةُ في المقام الأول. وخاصة الأم، التي تترك أطفالَها لساعاتٍ طويلة مع الشغالة غير الناطقة باللغة العربية، خصوصاً في مرحلة تشُكل الوعي اللفظي لدى الطفل. فإذا ما أضفنا عددَ ساعات الروضة أو المدرسة، إلى ما يقضيه الطفل مع الشغالة في المنزل لوجدنا الآتي ( 6 +3 مساء+ 2 صباحاً = 11 ساعة يقضيها الطفل مع الشغالة !؟ ماذا بقي من الـ 24 ساعة، إذا افترضنا أن الطفلَ ينام 9 ساعات يومياً؟ 11+9 = 20 ساعة، وإذا ما خصَّصنا ساعاتٍ لمراجعة الطفل لدروسه، ولعبه في حوالي 3 ساعات!؟ لكان الباقي ساعة واحدة، وهذه (حسبة) بسيطة وتلقائية، بالطبع قد تقوم الأمُّ بمراجعة الدروس مع الطفل، ولكن هنالك فرقاً شاسعاً بين مدة بقاء الطفل مع الشغالة، وبين بقائه مع الأم ! إذن، فالمسألة تقعُ على عاتق الأسرة، ولا بد أن تُخصِّص الأمُّ أو الأمُّ والأبُ معاً، وقتاً، يومياً، للبقاء مع أبنائهما، كي يتعلّموا السلوكَ القويم، والعادات والتقاليد، ويقومان بترجمة الكلمات الإنجليزية التي يتحدث بها هؤلاء الأطفال، وأن يتعرَّف الطفلُ، عبر الصور، على الملامح الوطنية المحلية، وتلك المتعلقة بالأمة العربية والإسلامية. وهذا أفضل من قضاء الأب خارج المنزل في عمله أو في مجالسَ مع أصدقائه، وبقاء الأم خارج المنزل في زيارات عائلية أو المرور على المولات. إن تناول وجبة الإفطار مع الطفل أفضل بكثير من تناولها في مطاعم المولات!؟ ونحن ندرك أن الأم ( مدرسة)!! وهذا يختصر كلاماً كثيراً عن التربية الأسرية!؟ فالطفل الذي يقوم بتصرفات غير لائقة، أو تالفة لمكونات المنزل، أو تُعرّضهُ للخطر، لا بد وأن يُلفت نظره، حتى لا يكبر وهو يُكرر نفسَ الأخطاء. الأمر الثاني في شيوع هذه الأخطاء العديدة في اللغة العربية، هو عدم إكمال الشاب / الرجل، لدراسته، أو أنه أكملَ الثانوية (بالدّز)، أي كان نجاحهُ مُتعثِّراً. وقد يكون ذاكَرَ المادة كي يحصل على الدرجة، دون أن يحفلَ بأن تترسَّخَ المادةُ أو المعلومةُ في عقله، ويزيد في هذا، عدمُ قراءة هذا الشاب / الرجل للكتب أو المقالات أو القصص، التي يُمكن أن تدعَم جودةَ الإملاء لديه. فما بالكم إن جاء شخصٌ (من هذه النوعية) وطبع كتاباً، وهو لا يعرف النحو والصرف، بل ولا يفرِّق بين المثنى والجمع، أو جمع المؤنث أو المثنى المؤنث، أو الممنوع من الصرف !؟ الأمر الثالث هو هيئات التعليم، ولقد مرَّ التعليمُ – لدينا – بمُنعرجاتٍ عدّة، لا نودّ الخوض فيها في هذا المقام. ولكن ما تتطلبه المرحلة الحالية، في ظلِّ ضعفِ اللغة لدى كثيرين، خصوصاً طلّابنا وطالباتنا، أن تعود حصَصُ الإملاء والإنشاء والخطِّ في مناهجنا!؟ صَدّقوني، هذه ليست دعوة " نكوصية" إلى الوراء، بقدر ما هي وسيلة لإنقاذ الجيل من هذا الوهن الظاهر في اللغة العربية. نعم، إن جيل السبعينيات، لم يتعلّم اللغة إلا عَبر مواد الإملاء والإنشاء والخط، لأن تكرارَ الكلمة، وتصحيحَ الأستاذ للخطأ، أمام الطالب، سوف يُرسّخ الكلمة في ذهن الطالب، ولا بأس من أن يطلب المدرسُ من الطالب، كتابة الكلمة الخطأ (مائة مرة) في المنزل. قد تكون المراحل السابقة أهملت توظيفَ المُدرسين الأكفاء لتعليم اللغة العربية، إذ أن عملية توصيل المادة، عبر الاتصال الجيد، ولغة الجَسد الناجحة، من الأمور المُهمَّة في تعليم اللغة، حتى وإن كان المُدرس يحمل مؤهلاً في التربية. كما أن الوعيد والتهديد من قِبل المُدرس للطالب، يجعل هذا الأخير ينفرُ من المادة ؛ بعضُنا لم يتعلم اللغةَ كلَّها في الفصل، بل خارج الفصل، في نقاشاتِ الأصدقاء، وأحياناً عبر مُدرسٍ مُتخصِّص، ليست عليه أعباءٌ وواجباتٌ مُنهِكةٌ في اليوم. وفي المرحلة الجامعية، بكلية الآداب/ جامعة بيروت العربية، أذكرُ كُنا نتناقش – ونحن ثلاثة من قسم اللغة العربية – حتى ساعات الصباح الأولى، نُحلِّلُ، ونُفسّرُ، ونُثبت الحجةَ في مسألة النحو والصرف. وكان ذاك النقاشُ يُرسّخ المادةَ في عقولنا، ويجعلنا نستحضرُها في الامتحان. وهنا يُمكن أن نقترحَ أن يكون هنالك نادٍ للغة العربية في كلِّ مدرسةٍ وكلِّ كليةٍ وكل جامعة، وأن تُقام في النادي دوراتٌ وورشُ عملٍ، بهدف ترسيخ اللغة العربية، وتجنُب الأخطاء في كتابتها. ويُمكنُ أن يتمَّ تحويلُ كتاب اللغة (النحو والصرف والإملاء) إلى شكلٍ بصري ( فيديو وشرائح)، لأن العين، في هذه الأيام، التي يعتمدُ أهلُها على الشكل البصري، تكون أقوى في ترسيخ الكلمة الصحيحة في ذهن الطالب. الأمر الرابع في هذه القضية هو القراءة !؟ إن القراءة عاملٌ مهمٌّ في إتقان اللغة. ونحن نعلم، من التجارب القريبة، أن هنالك نسبة لا تجاوز 5% من طلابنا يقرَؤون كتباً خارج المنهج، وتلك إشكالية كبرى، تتشارك الأسرة ُفي حلّها مع هيئاتِ التعليم، والمراكز الشبابية والنوادي. و" شكرن "، أقصد شكراً!؟

1321

| 04 ديسمبر 2019

مُلتقى كُتّاب الدراما

احتضنت الدوحة، الأسبوع الماضي، النسخةَ الثانية لمُلتقى كُتّاب الدراما، وهو حدثٌ ثقافي مهم، في ظل تراجع المستوى والأداء الدرامي في المنطقة العربية! وهو أيضاً فرصة لتبادل الآراء بين الفنانين العرب، حول المشكلات والإشكاليات المتعلقة بموضوع الإبداع الدرامي، في ظل بروز عدة أسئلة حول نوعية الإبداع أو تحديد دور الإبداع، في ظل التجاذبات بين قضية حرية التعبير الفني، وبين قيم المجتمع، ودور الرقابة في الحدّ من الإبداع. وعلى مدى يومين، تداول كُتّاب الدراما قضايا الدراما العربية، على محك التصورات الكبرى، وجماليات السرد، والحاضر والغائب من التصورات الكبرى في الدراما العربية، وأيضاً دراما الواقع ودراما الشاشة، وتنميط التصورات في الدراما العربية، وخصوصية التراث في الدراما العربية، والصورة التراثية وعصرنة الثقافة الجمالية. وكلها محاورُ مهمة جداً، على طريق الوصول إلى إنتاج درامي راقٍ يُرضي الذائقة الجماهيرية العربية. ولأنَّ الدراما بأشكالها المختلفة: من المسلسل، حتى الفيلم، حتى المسرح، تساهم في الحراك الفني لأي بلد، وتساهم في عملية التنوير من خلال الترفيه والتعليم، وتبصير الجمهور بالجوانب الفنية والاجتماعية، والفانتازيا أيضاً، ولأنَّ الجمهور "ملول" ولا يقبل التكرارات أو "النسخ"؛ فإن عامِل التشويق والإبهار من العوامل الأساسية التي تضمن نجاح العمل الدرامي. ولقد حصل حوارٌ ساخنٌ، في الفترات الماضية، حول مضامين الدراما الخليجية، هل هي تمثّل البلد الذي أنتجَ العمل، خصوصاً إن كان قد مثّل فيه ممثلون من نفس البلد! ووصل الأمر إلى حدّ التطرّف في رفض بعض الأعمال، كونها، حسب تعبير البعض، أنها لا تمثّلُ المجتمع المحلي، ومن غير المُفترض أن يتم إنتاجُ أعمال تدور أحداثها حول ظاهرة محدودة، لا يُمكن تعميمُها على كل الجمهور، أو لا تشكّل ظاهرة عامة! ورَدّ بعضُ الفنانين على هذا الاتجاه، بأن العمل الإبداعي هو عمل فنيّ، يحمل عدةَ أوجه! كما أن القصة الإنسانية، لا تعني بالضرورة، مجتمعاً معيناً، حتى لو أنتجت في بلد ذاك المجتمع!. هذه الإشكالية طرَحت نفسها ردحاً من الزمن في منطقة الخليج، وما زالت تشكّلُ عائقاً أمام حرية التأليف الدرامي. ونحن نميلُ إلى (إنسانية) النص، أو الدراما، وبالتالي لا يجوز النظر إليه على أنه ينقل، نقلاً فوتوغرافياً، لما يدور في المجتمع، حتى لو أُنتج في المجتمع ذاته. وإذا ما استطعنا الخروج من التصنيف أو التنميط الاجتماعي، فإننا نقترب من الدراما الإنسانية، التي تصلح لأي مكان وأي زمان. موضوع التراث حظيّ باهتمام كبير في الملتقى المذكور! وقفزت بعض الأسئلة: هل أوصل السينمائيون التراثَ بأمانة إلى الجمهور؟! وهل السينما عينُ الجمهور الفوتوغرافية، بحيث لا يتمُّ "المَساس" بالتراث "المُقدّس"، ويُنقل كما هو؟! وهل توجد قوانينُ أو مواعطُ تُحرّمُ تحديث التراث، وهل أسلوب (ألف ليلة وليلة) يصلح لأن يكون إنتاجاً سينمائياً أو تلفزيونياً، كما هو، دون إدخال حتميات المرحلة أو الزمان؟ ذلك أن للسينما خصوصياتها، التي تُفرض في العمل السينمائي. وهنا لا بد من التفريق بين أشكال التعبير بالجسد، في الثقافات المختلفة، والتي لا تكون مُستوعَبةً أو تتم ترجمتها من قبل ثقافات أخرى، فالرقص في التراث الهندي، مثلاً، كما قال الأستاذ عدنان مدانات، "ليس حركة جسَد بل تعبيرا دلاليا، وحتى حركة اليد لدى الراقصة، تتحول إلى رمز، لا يفهمه إلا الهندي"؟!. أخذَ موضوع التراث وقتاً طويلاً من أوقات الملتقى، ذلك أن تجسيد بعض الأحداث، مثل وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، في بعض الأفلام، أو ظهور الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في مسلسل (عمر)، أو ظهور أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم في مسلسل (الحسين)، وكان الفكر السابق يُحرّم ذاك الظهور، ويعتبره تجسيداً غير جائز للخلفاء أو آل البيت. إن الفكر الجامد الذي لا يقبل الحوار، هو أيضاً لا يقبل حتميات الدراما، في العالم العربي، ولقد أشار الأستاذ عبدالحليم بوشراكي، إلى هذه القضية عندما ذكرَ أن الفكر "التراثي" لدينا اعتمد نظريةَ (خطأ) آدم عليه السلام، عندما أكلَ التفاحة!. فهذا التصرُّف ليس منطقياً، بل إن آدم عليه السلام أُنزلَ إلى الأرض بعد أن وصَل سنَّ الرُشد، ومارسَ حريتَه في أكل التفاحة! كما دعا المُحاضر إلى ضرورة استيعاب أدوات العصر ودلالاتها، ويرى أن المجتمع العربي يعود إلى الماضي متجاهلاً الواقع، ويقول: "لماذا نرمي أزماننا في الماضي؟"، ويدعو إلى تجديد الرؤية بذهنية مُعاصرة، لا بذهنية الماضي. الحديث عن التراث يطول وإن اتخاذه مادة متحولة وليست جامدة هو الأصل، في التجسيد الدرامي. ذلك أن تقنيات العصر، لا بد وأن تُوظّف في الأعمال الدرامية، واللجوء إلى العناصر الرمزية، التي تعكس الانتماء العربي، وخصائص الإنسان العربي. وقد لا نختلف مع مَن ذكرَ بأن التراث ليس شكلاً أو مضموناً، بل هو آليات فكرية!. وكثيرون لم يقتربوا من هذا المُصطلح، أو حاولوا تفكيكه. ولقد استطاع المسلسل الكويتي (الأقدار) التعبير بوضوح عن واقع المجتمع الخليجي، في عصر ما قبل النفط، وأدخلَ أُطراً فكرية بين ثناياه، خصوصاً ما تعلق بعُنصري الخير والشر، مع الاحتفاظ بروح الفكاهة في الوقت ذاته. تماماً كما جسّد مسلسل (ليالي الحلمية) الحياة في المجتمع المصري. الموضوع يتشعب حول الإنتاج الدرامي في الوطن العربي، ودور الكُتّاب في استنباط أفكارٍ ووسائلَ جديدة للنهوص بالأعمال الدرامية، وأهمية توسيع دائرة الفكر، حيث لا يجوز تطبيق المفاهيم الرقابية البالية، التي ما عادت تناسب العصر. وفي نهاية الملتقى، صدر بيان لبعض الآفاق التي طرحت في الملتقى، التي هدفت نحو النهوض بالدراما العربية، ومنها: إن حرية الكتابة شرط جوهري في أي عملية إبداعية، فما بالك بالكتابة الدرامية، التي لها سطوة خاصة على الناس. تأكيد مبدأ الكرامة الإنسانية والعلم والعمل والوقت والآخر، فالدراما ليست معنية بعرض ظواهر المجتمع فقط، وتناول السلوكيات السطحية، إنها معنية بتفكيك البنى العميقة للجمتمع العربي. فتح الأبواب أمام الكتابات الواعدة، لدعم الخطاب الدرامي السائد. ومن التوصيات الهامة: استحداث ورَش عمل متخصصة لكّتاب الدراما الشباب، للارتقاء بكتاباتهم، وتعزيز حضورهم. استحداث صيغ جديدة للملتقى تُخفِّف من البعد النظري. تقديم تجاربَ إبداعيةٍ شابة لتشخيص وضعية الكتابة الدرامية لدى الأجيال الجديدة. التنسيق مع المنابر المتخصصة لنشر أعمال الملتقى، وتخصيص محور دائم حول قضايا الدراما. الدراسة المبدئية للتحولات الحاصلة في المجتمعات على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي بالتنسيق مع الجهات المتخصصة، وتوظيف الناتج في بناء النصوص الدرامية. إيلاء الاهتمام بدراما الطفل. [email protected]

1673

| 20 نوفمبر 2019

التَنَمُّر المرفوض

تداولَ متعاملون مع أدوات التواصل، خلال الأسبوعين الماضيين، شريطَ فيديو مُصوّراً من هاتفٍ نقَّال، لطالبٍ يعتدي بالضرب على طالبٍ آخر أمام مدرسة من مدارسنا، وبدا الشابُّ المُعتدي شَرساً، وهو يُكيلُ اللكماتِ إلى وجهِ ورأسِ الشابِ الآخر، الذي يبدو أنه أصغر منه سنّاً حسب شكله، وأرجعَ البعضُ الحادثةَ إلى تلاسُنٍ بين الطالبين حصل قبل الحادثة! وبغضّ النظر عن تخطئةِ أو تبرئةِ أيٍّ من الطرفين، فإن الحادثة، بحدِّ ذاتها، مرفوضة. ذلك أن الاعتداء الفيزيائي من شخص على آخر، لا يُمكن قبوله في هذا العصر، مهما كانت المُبررات، لأنه توجد جهاتٌ تحكمُ في أيِّ تلاسُنٍ أو شِجارٍ لفظي يحدث. بعضُ المغردين والكُتّاب نادوا بأن تتم مُعالجةُ المُعتدي، قبل إيقاع العقاب عليه، وكان هنالك رأيٌ بأن يتمَّ عقابه، لأنه تصرّفَ تصرّفاً غير لائق مع إنسان آخر، خصوصاً وأن كليهما على مقاعد الدراسة، وضمن نطاق حَرَم المدرسة، كما أن دستور دولة قطر، في المادة رقم 18 من الباب الثاني، ينصُّ على الآتي: «يقوم المجتمع القطري على دعامات العدل، والإحسان، والحرية، والمساواة، ومكارم الأخلاق». وهذا نصّ صريح بأن الحادثة قد خالفت نصَّ الدستور، كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد كفلَ كرامة الإنسان، في مادته الأولى، التي تنصّ على: «يولد جميعُ الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يُعامل بعضُهم بعضاً بروحِ الإخاء». وأيّدَت المادةُ رقم 3 من الإعلان تلك المادةَ، ونصَّت على: «لكل فردٍ الحقُّ في الحياة والحرية وسلامة شخصه». وأيضاً الحادثة ناقضت هاتين المادتين، ومن الناحية الدينية نجد أن القرآن الكريم وهو دستور الأمة، قد طالبَ بالمعاملة الطيبة بين البشر، مهما كانت اختلافاتهم، وبحُسن السلوك، وعدم الغيبة أو التنابز بالألقاب.. وغيرها من السلوكيات المرفوضة. ولقد وُضعت قضية الاعتداء تلك، في مكانها الملائم، وقامت الأجهزة المختصة بإجراءاتها الكاملة التي تطلَّبها الموقف. ولاحظتُ، ضمن المقابلات التي أُجريت مع بعض المسؤولين في هيئات التعليم، أن البعضَ قد ألقى باللائمة، في القضية، على وسائل الإعلام، ومشاهدةِ أفلام العنف! وحسب معلوماتي، فإن مشاهدة الإنسان الطبيعي لمشاهدَ عُنف، لا يُمكن أن تتولد لدية قابليةٌ للعنف، ذلك أن وسائل الإعلام لا تُغيّر السلوك، قدْر قيامها بدعمِ الاستعدادات الداخلية لدى الإنسان، وهو ما عُرف بـ (Reinforcement ) أي تعزيز الدوافع الداخلية، دون أن تغيّر السلوك (Change Behavior)، وأتمنى عدم الربط بين الموضوعين، ذلك أن الإنسان الذي لديه دوافعُ داخلية للعنف، فإن الإعلامَ العنيف «يدعم» هذا التوجه، وهذا لا يحدث مع الشخص الذي ليست لديه تلك الدوافع. والتَنَمّرُ (Bullying )، وسمّاهُ قاموسُ أكسفورد بـ (بلطجي، شقيّ، متحكّم فيمن هم أضعف منه، يُجبر بالقوة) ص 85. والتَنَمُّر سلوكٌ عدوانيٌّ غير مقبول، دائماً يقع بين الأطفال في سن المدرسة، وهو يعني: استخدام القوة اللفظية أو الجسدية، تضع الطرفَ الآخر في موقف الضعف، بقصد إلحاق الأذى به، ووضعهِ في موقف مُحرِج أمام الآخرين. وقد يكون التَنَمُّرُ (لفظياً)، باستخدام كلماتٍ نابية أو إشاراتٍ ضد الآخر، أو (جسدياً)، بالاعتداء بالضرب أو الركل أو الدفع، وهدفه إهانة الطرف الآخر أمام الناس، يقول الباحث النرويجي (P.N. Ross ) – في Arresting Violence: «إن التَنَمُّر يتضمن قدراً كبيراً من العدوان الجسدي مثل: الدفع، والنغز، ورمي الأشياء، والصفع، والخنق، واللكم، والركل، والضرب، والطعن، وشدّ الشَعر، والخدش والعَضّ».. ( ويكيبيديا). وتتضح ظاهرة التَنَمُّر عندما يُقرر المُتَنَمِّر مَن هو ضحيته، ويبدأ في نبذها، في البداية، وحرمانِها من الاندماج مع بقية الأقران، ثم يبدأ في توجيه إهاناتٍ لفظيةٍ ضد الطرف الآخر، ثم يتطور الأمرُ إلى الاعتداء فيزيائياً، وأحياناً يسعى المُتَنَمِّرُ إلى إثبات قوةِ شخصيته بين المجموعة، ويحدثُ أن يقوم أكثرُ من شخص بعملية التَنَمُّر ضد شخص أو مجموعة أخرى. ويرى بعضُ المُحللين أن التَنَمِّر يحدثُ نتيجة خللٍ في عقل الطفل أو الشاب المُتَنَمِّر، يجعله يعتقد أنه أقوى من غيره، وهذا لا يعني أن التَنَمُّر يحدثُ في رياض الأطفال أو المدارس فقط، بل يحدث أيضاً في الهيئات والمؤسسات، بين الكبار، كأن يَتَنَمّر (المدير) على أحد الموظفين أو مجموعةٍ منهم، بقصد إثباتِ وجوده، أو تخويفِ الآخرين من عقابه الشديد، حفاظاً على هيبته في العمل. وهنالك عدة أنواع من التَنَمُّر: التَنَمُّر اللفظي: ويشمل الإغاظة والسخرية والاستفزاز والتعليقات غير اللائقة. التَنَمُّر الجسدي: ويشمل الضرب، العنف، الصفع، الخنق، وغيرها من طرق الإيذاء الجسدي. التَنَمُّر العاطفي: من خلال الإحراج الدائم للشخص، ونشر الشائعاتِ حوله. كما أن للتَنَمُّر تصنيفات أخرى، مثل: التَنَمُّر المُباشر: الذي يتمثلُ في الضرب والدفع وشدِّ الشَعر والطعن والصفع والعضّ والخدش، وغيرها من الأفعال المؤذية. التَنَمُّر غير المباشر: وهو الذي يتضمن تهديدَ الشخص بالعَزل الاجتماعي، عن طريق نشر الشائعات، ورفضِ الاختلاط معه، ونقدهِ من حيث الملبس والعِرق واللون والدين.. وغيرها من الأمور، بالإضافة إلى تهديد كُلّ مَن يختلط معه أو يدعَمه. وهنالك أيضاً: التَنَمُّر الإلكتروني، الذي يحدثُ عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، أو من خلال الرسائل النصّية، عبر الهواتف النقّالة، وأيضاً التَنَمُّر الأُسَري، وهو الذي يكون من قِبل الوالدين أو بين الإخوان، أو الزوجين أو الأقارب، ويوجد التَنَمُّر السياسي، ويحصل عندما تسيطر دولةٌ ما على دولة أضعف، وعادة ما يتم ذلك عبر القوة والتهديد العسكري. (التَنَمُّر، أسبابه، أنواعه، وطُرق علاجه، Heloona.com) نعود إلى القضية التي بنينا عليها هذا المقال، لنؤكد أن المجتمع القطري يقوم على مكارم الأخلاق، والتعامل بالحُسنى. كما أن هذا المجتمع تحكمهُ قوانينُ ونواميسُ محدَّدة في الدستور، وفي مفاهيم وتقاليد المجتمع، وقد تكون تلك الحادثة فرديةً، لا ننكر وجودَ مثيلاتها سابقاً، إلا أنه لا يجوز تعميمُها، واتخاذها «شمّاعة» لوسم شبابنا بالتَنَمُّر، إذ يوجد لدينا شبابٌ محترمٌ في حديثه وفي تصرّفاته، ولقد واجهنا حالات تَنَمُّر في المرحلة الجامعية، فحدثَ أن تَنَمّر طالبٌ على أستاذه، بصورة غير طبيعية، لكن هذا الأمر، لا يحدثُ كُلَّ يوم، بل قد تكون للتَنَمُّر دوافعُ سيكولوجيةٌ، لم تتم معالجتها من قِبل الأُسرة، أو تمَّ السكوتُ عليها، حيث إن بعضَ أفراد المجتمع لا يؤمنون بمقولة (الوقايةٌ خيرٌ من العلاج)، بل ينتظرون وقوعَ المشكلة، ثم يبادرون بعلاجها، وهذا خطأ كبير. نتمنّى لطلابنا وطالباتنا النجاحَ والأمان، ونتمنّى من الأُسَر تهيئة الأجواءِ المناسبة لذلك، وأن تُلاحظ الأُسرةُ تصرّفاتِ أبنائها وبناتها، ليتم علاجُ أيةِ ظاهرةٍ سلبية، قد تظهر على الأبناء أو البنات. [email protected]

3612

| 23 أكتوبر 2019

الكتابة الإبداعية!!

في كتابه الموسوم ( مبادئ الكتابة الإبداعية للقصة القصيرة والرواية) يوضّح الصديق الروائي الكويتي ( طالب الرفاعي) أن تدريس مادة ( الكتابة الإبداعية) في الجامعات والمعاهد الأمريكية والأوروبية، انتشر منذ منتصف القرن الماضي وكان بمنزلة تدريس أي مادة علمية، إذ لم يعُد مقبولاً القول المطلق: « الكتابة تعتمد على الموهبة «!؟ ويختتم مقدمة الكتاب بالقول: «لذا نقدّم هذا الكتاب ليكون عوناً لمن أراد أن يسير على درب كتابة القصة القصيرة والرواية، متسلّحاً بمعرفة أدبية علمية لا بُد منها». وفي حقيقة الأمر، أن الكتابة الإبداعية هي خلقٌ من عدم، لذا يتوجب على الكاتب أن يأتي بجديد في المادة التي يُقدّمها إلى الجمهور، في الوقت الذي يلتزم فيه بالمعرفة الأدبية، أي صنعة الرواية، حتى لا يكون كلامه مُعلّقاً في الهواء كالسراب، بل أن يكون لكلامه قيمة ورؤية ينطلق منها إلى مساحات قد تشغل بالَ القارئ، أو تُضمّد له بعضاً من جروحه، وتلامس أحاسيسه. ولأنَّ هذا الكتاب فعلاً يُؤسسُ لكاتب مُبدع، بودّي لو اطلع عليه من يريدون تسجيل أسمائهم في قوائم القصة القصيرة والرواية، كون هذا الكتاب، يضع الأسس السليمة للكتابة الإبداعية. ويُعرّف الأستاذ طالب الرفاعي الكتابة الإبداعية كالتالي: « الكتابة الإبداعية تعبيرٌ كتابي شخصي، يعتمد على الابتكار وليس التقليد، والكاتب إذ يحاولُ محاكاة الواقع، فإنه يستخدم فكرهُ ولغتهُ وخيالهُ، لخلق قطعة حياة فنية تضجُّ بحيوية العيش، وتكون عامرة بشخوصها وأحداثها وأمكنتها، وخصوصية بيئتها». (37) وفي رأيي، أن هذا التعريف يُلخّص لنا فلسفة الكتابة الإبداعية. فنحن هنا لا نتحدث عن الكتابة التقليدية ( التقريرية)، أو النقل المباشر من التراث الشفاهي، أو تخيّل واقع غير مُعاش، ونقله إلى الصفحات، تماماً – كما اشترط المؤلف – ألا تكون هذه الكتابة تقليدية - وهو شرط أساسي من شروط الكتابة الإبداعية. ولقد لخّص هذا التعريف الكتابة الإبداعية، بأنه استخدام ( الفكر، اللغة، الخيال)، وهنا الشرط الثاني من شروط الكتابة الإبداعية. ذلك أن وجود فكرٍ معين، يقوم على الإبداع، عبر لغةٍ سليمة نقية من الأخطاء النحوية والإملائية والموضوعية، إضافة إلى خيال واسع، يُبهر القارئ ويُحلّق به إلى سماوات بعيدة، حتى وإن تعلّق الأمر بواقع مُعاش؛ ذلك أن سعة خيال الكاتب، تؤدّي إلى إدهاش القارئ ورسم صورٍ جديدة لم يألفها. أما الكتابة التي تعتمد على الحوادث والعلاقات الاجتماعية، بين شخوص القصة أو الرواية، فإنها بعيدة عن أساسيات الخلق والإبداع. ويضع المؤلف حجرَ الأساس في هيكل القصة أو الرواية. حيث يدعو إلى التخطيط المُسبّق للعمل، قبل البدء فيه، ويتمثل هذا الحجر في الآتي: 1- الإمساك بلمعة الفكرة العابرة، وتدوين كلمة أو عبارة منها. 2- تدوير الفكرة في الذهن، وتخيّل مشاهدها لفترة قصيرة أو طويلة. 3- تخيّل ملامح الشخصية الأساسية للعمل القصصي أو الروائي. 4- تصوّر بيئة العمل المكانية والزمانية. 5- اختيار أسلوب الكتابة: ضمير المتكلم، أو ضمير المُخاطّب، أو ضمير الغائب. 6- وضع خطة أولية بسيطة للبدء بالكتابة، انطلاقاً من نقطة البداية وصولاً إلى الخاتمة. 7- تخيّر البيئة الملائمة للكتابة. 8- يُفضّل وضعُ جدول زمني لإنجاز العمل المطلوب، دون أن يُشكّل ذلك ضغطاً لكتابة العمل، كيفما أُتُفق. أعتقد، أن هذه خريطة طريق، أو أساس للكتابة الإبداعية، ولابد للكاتب أن يُسجّل ما حوله، إذ قد توحي له صورة طفل على رصيف، برواية أو قصة. أو أن يقرأ بيتَ شعر، ويكون مدخلاً إلى رواية أو قصة. وأنا أُطلق على ( لمعة الفكرة) كلمة (القادح)، الذي يستوقف الكاتب، ويُثير فيه فضول الكتابة. ولقد وضعتُ هذا الأساس فعلاً في رواية ( غصن أعوج)، حيث قرأتُ سطراً، على الإنترنت، يقول: إن القائد قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي فتح بلاد ما وراء النهر، أمر المسلمين أن يُساكنوا أهل البلاد، حتى لا يرتدوا عن الإسلام». وكانت هذه العبارة هي ( لمعة الفكرة) أو ( القادح) الذي أدّى إلى تخيُّل الرواية. إن تقليب الفكرة في الذهن، ووزنها من حيث القيمة الإنسانية والإبداعية، أمر مهم!؟ ولا بد للكاتب أن يسأل نفسه: هل هذه فكرة تستحق كل هذا الجهد؟! وهل ستقبلها دارُ النشر؟! وهل يمكنها أن تُدهشَ القارئ؟!. كما أن تخيّل المشاهِد، يأتي سابقاً على الكتابة، وهنا تتداخل أحاسيس الكاتب، ورؤيته إلى الحياة، وفلسفته في الانحياز أو الحياد، من الفكرة والشخوص. ومن ضمن ذلك، أن يُحدد الكاتب طبيعة وسلوكيات وشكل وأفكار الشخصية الأساسية في العمل. وذلك قبل البدء في السرد. وأعني بذلك ( توصيف الشخصيات)، لأن ذلك يوفر عليه الوقت، ويُجنّبه الوقوع في أخطاء ( تناقض الشخصيات). كثير من الكُتَّاب لا يُعيرون بيئة العمل وعلاقتها بالزمان، الذي تقع فيه أحداث القصة أو الرواية !. ولقد قرأنا العديد من الروايات التي تدور أحداثها في الفضاء المُطلق، لا توجد فيه دلالات المكان والزمان!! وإذا ما اتفقنا على أن العمل القصصي أو الروائي خلقٌ وإبداع، فإن الشخوص لا بد وأن تتحرك وتتطور في مكان وزمان مُحدّدين! وبالتالي، من المهم جداً أن يتعرف القارئ على خصوصية هذين العنصرين ( المكان والزمان)؛ إذ أنهما من عناصر الخصائص السردية لأي عمل. كما أن أسلوب الكتابة أمر مهم أيضاً، حتى يسهل على القارئ استيعاب الأحداث، ولا يجوز الخلط في الأسلوب بين ضمير المتكلم وضمير الغائب ( الراوي المشارك والراوي العليم وضمير المُخاطب). ويأتي المؤلف بنماذج لهذه الأساليب من الأعمال الروائية العالمية. ولعلنا نضيفُ هنا خاصية سلامة اللغة وتشويقها ورصانتها، إضافة إلى حُسن استخدام أدوات الترقيم، التي للأسف، تغيب عن بال بعض الكُتَّاب. ( بالمناسبة قرأت رواية فازت بجائزة عربية عالية، وقد تعثّر فيها استخدام أدوات الترقيم، وتداخلت فيها الضمائر، لأن الكاتب لم يضع علامات التشكيل ذات الدلالة. فمثلاً يقول: « وعندما أثرت انتباهها إلى تعقد قضايا الاختفاء....». هنا يتطلب الأمر وضع (ضمة) على كلمة ( أثرتُ)، حتى لا تُقرأ ( أثَّرت)، وكذلك وضع التشديد على كلمة ( تعقُّد) حتى لا تُقرأ (تَعْقد).. وهكذا. ولنا وقفة مع هذا الكتاب. ولا بد لكاتب القصة أو الرواية من اللجوء إلى (هندسة العمل)، ماهي الخطة ؟ ماهي العلاقات بين الشخوص؟ أين الأمكنة؟ أين الأزمنة؟. كما أن إعطاء العمل الوقتَ الكافي، وعدم التسرع في إنجازه، من المسائل المهمة في الكتابة الإبداعية، لتحقيق عمل إبداعي. كما أن التسرع وسباق الزمن وإصرار البعض على كتابة رواية كل عام أو روايتين كل عام، يُضعف المضمون، ولا يترك للكاتب فرصة إثراء معلوماته، أو التخلّص من آثار العمل السابق. أتمنى على الزملاء المبدعين قراءة هذا الكتاب القيّم، ولسوف يلاحظون كيف أنه سوف يساهم في تطوير قدراتهم ومداركهم. [email protected]

4927

| 22 أكتوبر 2019

رُبَّ ضارةٍ نافعة

من المؤسف أن يحدث هذا الاختراق الواضح في قناة (بي إن سبورت)، ويقوم موظفون لهم مواقعُ مهمّة بالتآمر على مصدر رِزقهم، ورغيدِ عيشِهم، في هذا البلد الآمن، الذي أكرمهُم، وأعزّهُم من بعد ذُل، ومنحهُم أكثر مِما يُمنح للمواطنين. فحلقة (ما خفيَ أعظم) من قناة الجزيرة – الأسبوع الماضي – كشفت حقيقة، قد يكون كثيرون غافلين عنها، أو غيرَ مُلتفتين لها! إلا أن السلطات الأمنية الواعية استطاعت كشفَ الحقيقة، والقبضَ على المسؤولين عن ذاك الانتهاك الخطير لأمانِة المهنة ومسؤولياتها. تلك إشارةٌ ضارة، ويستوجِب علاجُها حسب النُظم والقوانين المَعمول بها في البلاد، ولا يجوز لنا أن نبدي أي رأي في هذه المرحلة أو الدخول في تفاصيلها. لكن الإشارةَ النافعة، في مواجهة الإشارةِ الضارة، هي ردةُ الفعل الغاضبة، في وسائل التواصل من قِبل المواطنين، على الثقة «العمياء» التي يُقابل بها بعضُ العرب الذين حصلوا على الجنسيات الأوروبية والأمريكية، واعتبارهم من «الخوارق» الذين لا يُشقّ لهم غبار، وهم أدنى من ذلك، حيث يحميهم – فقط – جوازُ السفر!. وكان من المُفترض أن يتأسَّسَ هؤلاء على قيم الأمانة والاخلاص والوفاء للوظيفة ورُقيّ التعامل مع الوظيفة، كما هو الحال في البلدان التي يحملون جنسيتها. يُقابل ذلك وضعٌ استثناني للموظف القطري الذي يُزجّ به في هيئة التقاعد، وهو لم يبلغ الستين، وبعضُهم يحمل مؤهلاتٍ عاليةً، وخبرة تزيد على الثلاثين عاماً، وما زال صحيحَ العقل والجسد، وقادراً على العطاء، ولديه قدرةٌ على التعامل الإعلامي أكثر من غيره. كما أن هذا البعض يُجيد اللغة العربية والإنجليزية بطلاقة، قراءةً وكتابةً وحديثاً! ماذا ينقصُ هذه الكفاءات – التي لربما – لم (يركب) نجمُها على نجم المسؤول؟! أو أن المسؤول الذي وَقّعَ كتابَ إحالتِها إلى التقاعد، أقلّ مستوى منها، وأقلّ كفاءة، وأقلّ خبرة في المجال؟!. نحن هنا لا نريد التباكي على اللبن المسكوب! ولكنَّ ما سَطّرهُ المُغردون على وسائل التواصل، يُثبت أن هنالك مشكلة مَسكوتٌ عنها! فالقطري المؤَهل، الذي أُحيلَ إلى التقاعد وهو لم يتجاوز الخامسة والخمسين، وهو بكامل عقله وصحته، وأمانته، وحرصه على أمن بلاده، وبراتب 30 ألف ريال، لا يجوز أن يُحرم من وظيفة أخرى، من نفس تخصُّصه، في هيئة أخرى!. لا أن يتم توظيف إحداهن براتب كبير جداً، لقاء قراءة نشرةٍ إخبارية أو موجزٍ للأنباء! ناهيك عن المزايا الأخرى، من تعليم الأبناء، وتطبيبهم، وتذاكر السفر على الدرجة الأولى، وبدلات المُهمات، وغيرها. طبعاً لا نُنكر أن للمؤسسات الإعلامية ظروفها في اختيار موظفيها، ولكن إن كان كبار المسؤولين فيها من غير القطريين، فلا شك أنهم سوف يؤثِّرون على قرار التوظيف! ولكن في المقابل، أليس من حق القطري القادر على تحمّل المسؤولية، العارف بخفايا الإعلام، أن يكون بنفس مستوى تلك الموظفة؟! ماذا ينقص القطري، وهنا أتحدث عن الإنسان المؤهل، المُبدع، القادر على التعامل مع معطيات العصر الإعلامية، والذي يتقن لغة الإعلام، وما أكثر مَن لا يُتقنها هذه الأيام!. لقد نَفعت تلك الحلقة من (ما خفيَ أعظم) في لفت النظر إلى قضية مُهمّة، ظلت طويلاً ضمن (التابوهات) في عالم الإهمال والنسيان! فكمّ من موظفٍ ظُلمَ تعسفياً في حرمانه من حقه في الوظيفة التي كفلها له الدستور، والإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان، ودون أية مبررات! نعم، الموظفُ المُهمِل، غيرُ الملتزم بمواعيد العمل، غيرُ القادر على تطوير ذاته، أو تقديم إبداعات، ولربما المُعتل الصحة، يُمكن أن يُحال إلى التقاعد، وهذا أمرٌ مُبرَّر، ولكن الغريب أن تتم إحالةُ موظفٍ أو موظَفين، أكفاء، متوقدي الفكر، يُتقنون فنون المهنة، وأثبتوا كفاءةً واضحةً في مجالهم، وقدّموا إبداعاتٍ ملموسةً، إلى التقاعد عبر خطاب يأتي به صبيُّ الشاي، ودون كلمةِ شُكر من المسؤول، الذي جاءت به الصُدف إلى ذاك المنصب. في الوقت الذي يتجاوز عُمر «الخبراء» و»المدراء» من غير القطريين، السبعين في تلك المؤسسات، وهم ما زالوا يتمتعون بالمزايا، ولا يُحالون على التقاعد؟!. نعم لقد نفعت تلك الحلقة التلفزيونية بطريق غير مباشر، في إلقاء الضوء على القطري المؤَهَّل، وحقه في التمتع بالمزايا الوظيفية التي تُمنح للآخرين، الذين، بعضهم لا يستحقها، بل ولا يملك هذا البعض، الحسّ الوطني أو الأخلاقي في الوفاء لمنصبه ووظيفته، وقيل في الأمثال: (ما حكَّ جلدَك غير ظفرك)؛ وأتذكَّر هذا المثل الذي قاله مسؤول إعلامي كبير في السبعينيات، من المؤمنين بحقّ المواطن في الوظيفة المناسبة!. لقد نشرت وسائلُ التواصل الامتيازاتِ التي حصل عليها الرأسُ المُدبِّر لجريمة التشويش على بطولة كأس العالم في قطر، ومساعديه من الجنسيات الأخرى، حيث تراوحت رواتبهم ما بين 142 ألف ريال وبين 80 ألف ريال، ولهم امتيازاتٌ أخرى من السكن، الذي يحلم به القطري، وتدريس الأبناء، والتأمين الصحي، وتذاكر الدرجة الأولى للبلدان التي ينتمون إليها، وتوفير عمل «ممتاز» لزوجاتهم، وأبنائهم، ولربما أحفادهم، وراتب ( Bonus ) 3 شهور كلّ عام، وتسهيل معاملاتهم خارج المؤسسة بطريقة ( V.I.P.)، كلُّ ذلك يحلم به هؤلاء في بلدانهم التعيسة، التي تنوءُ تحت أنقاض الفساد السياسي والإداري، والتخلف الاقتصادي، ونقص الخدمات، لذلك هجروها نحو مُدن النور، التي لم يتعلموا منها النور، بل الظلام والخسّة!. وقاموا بـ (رفس) النعمة، وخانوا الأمانة، وخسروا مستقبلهم ومستقبلَ أولادِهم، ولا شكَّ أنهم سينالون العقابَ الملائم، كي يكونوا عبرةً لغيرهم، مِمن هُم على شاكلتهم. لقد نادت العديدُ من الأصوات بضرورة (تقطير) الوظائف القيادية والإدارية في المؤسسات الإعلامية، وبأن تكون هنالك قوائمُ بالقطريين المؤهلين القادرين والراغبين في العمل، مِمن تمت إحالتهم إلى التقاعد دون سبب، وأن تُعرض هذه القوائم على مسؤولي تلك المؤسسات الإعلامية، التي ينقصها الكادر القطري، وبذلك نضمن استمرارية العمل، وكفاءته، وأمانة القائمين عليه. والقطري الذي خدم 25 عاماً، بكفاءة وأمانة، لا يجوز أن نحرمه من راتب جيد ووضع وظيفي مريح، لخمسةِ أو عشرة أعوام قادمة، وهو (منّا وفينا)، ويحكّ جلدَنا بأمانة!.

5769

| 02 أكتوبر 2019

ترجمة الرواية.. فن وثقافة

انتهيت من قراءة رواية (الرجل الذي كان ينظرُ إلى الليل) للروائي المصري/ الفرنسي (جِلبر سِينُوِيه) الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بدولة الكويت عام 2016. وقام بترجمة الرواية إلى العربية الدكتور محمود المقداد. لن تكون هذه الوقفة للحديث عن أحداث الرواية واتجاهاتها، فهي معروفة في عالم النقد والآداب، ولكن ما جذبني لمتابعة الرواية هي الترجمة؛ التي أضافت روحاً جمالية وثقافية على سطور الرواية، وقدّمت شروحاتٍ للعديد من الكلمات التي قد تستَعصي على القارئ. في 365 صفحة يشهدُ القارئ قاموساً دقيقاً لأية كلمة قد تبدو غريبة، أو أن يكون أصلُها عاميّا أو فرنسياً، كون الروائي مُشبّعا بالثقافة المصرية والفرنسية في آن واحد. وأستطيع القول إن المترجم كان راوياً آخر للأحداث، مُتابعاً لما كُتب عن الروائي (سِنيوِيه) في الصحافة، وكيف أنه تحوّلَ من نهج الرواية التاريخية إلى السيرة الروائية، حيث يقول: «هذا الكتاب يعني لي الكثير، وقد وضعتُ في الكثير منّي، من ذاتي، وهذا لم أضعه في أي عمل آخر». ليأتي المُترجم في الهامش، ليقول: «ونجد إحدى المُعجَبات بالرواية تكتبُ تعليقاً عن معالجته للطبيعة البشرية فيها، تقول: «اكتشافك للطبيعة البشرية قويّ جداً، كما في أعمال شكسبير». ( أمل دوزي). وتُذكّرُنا الرواية بروايات عربية عديدة حاولت الارتحال من الوطن، وتحدثت عن الصدمة الثقافية، والتَنازع بين قيم الشرق وقيم الغرب، كما في رواية عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم (1938)، ورواية (قنديل أم هاشم) ليحيى حقي (1940)، ورواية الحيّ اللاتيني لسهيل إدريس (1954)، وغيرها. حيث ينتقل البطلُ من مصر كي يدرس الطب في باريس. ويحمل الطبيب (تيوفان) عقدة فشله في إنقاذ مريض بالقلب، حتى نهاية الرواية، حيث ينجح في إنقاد مريض (إليكسيس) الصغير، ويجعل قلبه ينبض مرة ثانية. ويذكُر الروائي العديدَ من أسماء العلماء والفنانين والمستشرقين، ما يدل على ثقافته الواسعة، ولكن ثقافة المترجم قد فسّرت المواقفَ التي كانت تحتاج إلى تفسير، نلاحظ في الصفحة (71)، تعريفاً موجزاً لأسماء وردت في الرواية، مثل: الروائي أندريه جيّد الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1949، نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1988، الفونسو دو لا مارتين، الشاعر والسياسي الفرنسي ( 1790-1869)، وكان قائداً للاتجاه الرومانسي عبر ديوانه المشهور (تأمّلات)، وأيضاً (أبونواس)، الحسن بن هانئ ( 145-198) من شعراء العصر العباسي الأول، وقد وُلد في البصرة، وتخرّج في الشعر على يد الشاعر (والبة بن الحبّاب) بالكوفة، والرواية خلف الأحمر، وكان مُقرّباً من الخليفة الأمين، وصاغ أغلب شعره في الخمريات. كما يورد الروائي بعضَ الحِكَم والمقالات، يقول في صفحة (82) على لسان (ديمتري): «ضع في رأسك جيداً أن عشرةَ بالمئة من البشرية يموتون ميتةً طبيعية، والبقية يموتون من الحَسد والغيرة، لا تضحك! إنني جادٌ، وتنبعثُ من بعض الناس، طاقاتٌ سوداء، وأفكارٌ أكثر سُميّة من السمِّ الذي قتلَ (سقراط)». وبطبيعة الحال، فإن ما ذهب إليه الروائي واقعٌ مُعاش، حتى هذه الأيام، حيث موت الأغلبية من الحسد والغيرة، وتتَبعِ حياةِ الآخرين، ولا يفوت المترجم تعريفُ (سقراط)، حيث يذكر في الهامش: سقراط، فيلسوف يوناني ( 470 -399 ق.م ) عُرف من قِبل مُريده (أفلاطون)، وهو أبو الجدلية (الديالكتيك)، وبالنتيجة أبو الفلسفة كلها، وقد حُكِم عليه بالموت عن طريق تجرّع السُمّ. في صفحة 83 تمر علينا كلمة (باغلما)! وهي « Baglama»، وأعتقد أن كثيرين من العرب لا يعرفون الكلمة، بمن فيهم الأدباء، إلّا أنه المترجم يُزيل الالتباس، ويشرح الكلمة، كالتالي: «الباغلما، آلة موسيقية متطورة عن (البوزوكي) أو (البُزق)، وهي من الآلات الوترية الأكثر شعبية وانتشاراً في البلقان وتركيا، وبعض المناطق في سوريا والعراق». كما يقوم المترجم بشرح بعض التعابير الفرنسية، والتي تشُكّل الذائقة والأعراف، حيث نقرأ في صفحة (169): «ويذهب إلى صيد السمك، عندما يرغب في ذلك، ويَقيلُ من غير أن يكسر إحدى أذنيه»، والعبارة الأخيرة معروفة في الثقافة الفرنسية، لكنها تُشكل على غيرهم، وفسّرها المترجم على أنها كناية عن الهدوء، وعدم إزعاج الشخص أثناء قيلولته بأي صوت. ومن ذلك أيضاً ما ورد في صفحة (170)، في الحوار الذي يقول: - حدث فيها الانفجار الكبير ( Big Bang)، وفسّرها المترجم كالتالي: «الانفجار الكبير هو في الأصل، مصطلح علمي فضائي إنجليزي، أُطلق، لدى الطبيعيين، على النظرية التي تُفسِّر نشوء الكون وتشكيله، واستعمله (تيمور) هنا كناية عن تفجّر العلاقة بين الأبوين وتخريبِهما لأبنائهما». بالطبع هذه النظرية تُخالف نظريةَ خَلقِ الكون التي نؤمن بها، ووردت في القرآن الكريم. ونلاحظ أن المترجم مُلمٌّ بالتطورات التاريخية والأدبية، وأنه قرأ العديد من الروايات العالمية، والتي مرّ ذكْرُها في النص، فمثلاً نقرأ في صفحة (181): «لماذا كانت تعاودني بلا انقطاع صافعةً صدْغي، ولحوحة، تلك الجملة الشهيرة في رواية الغريب (L`Etranger)، اليوم ماتت أمي، أو ربما أمس، لستُ أدري! ويأخذنا المترجم إلى الهامش الذي يذكر فيه: «رواية (الغريب) هذه للكاتب الفرنسي (ألبير كامو) 1913-1960، كان وُلد في قرية تابعة لمدينة (قسنطينة) بالجزائر، من أبٍ فرنسي، وأمّ إسبانية، وتعلّم في جامعة الجزائر. كان فيلسوفاً وجودياً، وقد بذر بذور فلسفة اللامعقول والعبثية، في كتابه (اسطورة سيزيف) Le mythe de Sysiphe، سنة 1951، وله ثلاث روايات مشهورة هي ( الغريب)، (الطاعون)، (السقوط)، وله مسرحية كاليغولا (Caligula)، نال جائزة نوبل للآداب سنة 1951، توفي في فرنسا، ونُقل رفاتهُ بأمر من الرئيس الفرنسي (ساركوزي)، لم يكن وُلد عام 1951، العام الذي توفي فيه (كامو)، ليُدفن في مقبرة العظماء (الأنفالية) في باريس، في احتفال مُهيب». هذه الشروحات التي ملأت هوامش الرواية، أضافت معلوماتٍ جديدةً وثريةً لقارئ الرواية، وأغنتهُ عن الرجوع إلى مراجع متعددة لمعرفة تلك المعلومات والكلمات التي تصدر عن الشخصيات. كما أن للمترجم خلفية دينية، سواء كانت يهودية أم مسيحية أم إسلامية، نلاحظ في صفحة (217)، عندما ورد ذِكرُ رقصة ِالمناديل السبعة، يشرح المترجم: «رقصة المناديل السبعة، ورد في إنجيل (متّى)، الإصحاح 41 ( الفقرات 3-11)، أن القديس (يُوحنّا المعمدان) Jean-Bapiste، (وهو النبي يحيى بن زكريا)، عند المسلمين، كان يقول لملك اليهود، (هيرودوس انتياس) 7 ق.م- 39 ق.م، إن (هيروديا)، زوجة أخيه لا تحّل له زوجة، فسَجنهُ، ولما أراد أن يقتله، خاف من الشعب، لأنه كان عندهم مثل نبيّ. ثم لما صار مولد (هيرودوس)، رقصت ابنته (هيروديا)، وهي الأميرة اليهودية سالومي (Salome)، في الوسط، فَسَرَّت (هيرودوس)، ومن ثم وعَد - بقسَم - أنه مهما طلبت يُعطيها، فهي إن كانت قد تلقّنت من أمها، قالت أعطني على طبق رأسَ (يوحنا المعمدان)، فاغتنم الملك، ولكن من أجل الأقسام والمُتكئين معه، أمر أن يُعطى. فأرسل، وقطعَ رأس (يوحنا) في السجن سنة 28م، فأُحْضرَ رأسه في طبق، ودُفع إلى الصبية، فجاءت به إلى أمّها. ويُروى أن الرقصة (المناديل السبعة) التي رقصتها (سالومي)، هي رقصة المناديل السبعة، وسُميّت بذلك، لأن الراقصة كانت تلفّ جسدها بسبعة مناديل رقيقة، كل منها بلون مختلف، فتحِّل الأول، وترقص به، ثم ترميه، وتحل الآخر، حتى السابع، وتنتهي الرقصة بذلك. ويبدو أن أصل هذه الرقصة القديم كان، فيما يُروى، في الأساطير البابلية والآشورية، أن إِلهةَ الخصب (عشتار) كانت أول مَن رقصَها، ولكن فيما يُشبه تعرّي الراقصات قطعةً قطعة، في أيامنا، أو رقص ستربتيز (Strip- tease)، حتى تنتهي من آخر منديل، عاريةً تماماً أمام الحضور. هذه الترجمة الرصينة والشاملة والمثيرة، أضافت إلى الرواية عمقاً وجمالاً، ما أبعدها عن الترجمة النصية الحرفية الجافة، مما نلاحظه على ترجمات العديد من الأعمال عن اللغات الأخرى.   [email protected]

3016

| 21 سبتمبر 2019

لغة الإعلام

المذيع ما لم يكن مُلماً بأصول اللغة العربية فإنه سوف يسقط جماهيرياً سلامة اللغة في الإعلام  الضمانة الأولى لسلامةِ وصول الرسالة إلى المتلقين تُشكّلُ سلامةُ اللغة العربية – في أجهزة الإعلام العربية – الضمانةَ الأولى نحو سلامةِ وصول الرسالة إلى المتلقين. وأيُّ اختلال في سلامة اللغة، سوف يُعوق وصول الرسالة، ويؤدي إلى ضعف ثقة المتلقي في المحطة. وكّنا، في السبعينيات، نُحاسَبُ على سلامة الكلمة، نحواً ونُطقاً، وكان مدير التلفزيون السيد/ جواد مرقة، يتابعُ المذيعين، أولاً بأول، لأنه يعرف خبايا اللغة ويُجيدها، ويصل إلى مرحلة ( تهديد) المذيع بالتوقيف عن الظهور على الشاشة، إن كرّرَ الأخطاء ذاتها في نشرة أخرى. لذلك، نشأ جيلُ التلفزيون الأول على إجادة اللغة، وبعضهم تحوّل إلى دراسة الأدب العربي، أو وضع له أستاذاً للنحو والصرف. قبل أيام سمعتُ نشرةَ أخبارِ تلفزيونية من إحدى المحطات الخليجية، تقرأها مذيعة، ولكنها لم تكُن تنتبه إلى سلامة الألفاظ، وتُجاهرُ في الأخطاء الفادحة، وبكل ثقة، فكانت تقول: استقبلَ ( سُموَّهُ)، والصواب (سُموُّه) لأنها فاعل مرفوع نقلَ (تحياتَ)، والصواب ( تحيّاتِ) لأنها مفعول به في جمع مؤنت، يُنصب ويُجر بالكسرة. عُقدِت (جلسةَ) مباحثات، والصواب (جلسةُ) لأنها مبنى على المجهول (مرفوعة) حضَر اللقاء (نائبَ) رئيس مجلس الوزراء، والصواب ( نائبُ) لأنها فاعل. على (صاحبَ) السعادة، والصواب ( صاحبِ) السعادة، لأنها مجرورة بالكسرة. ذكرت المذيعةُ كلمةَ ( سموَّه) أكثر من خمسين مرة في حالة نصب، والصواب، أن تكون في حالة رفع ( سموُّهُ). أعرب (رئيسَ) وزراء باكستان، والصواب ( رئيسُ) لأنه في موقع فاعل مرفوع. باعتبارَها، والصواب ( باعتِبارها) لأنها مجرورة بالباء لتعزيز علاقات (الثقافةَ) المشتركة، والصواب ( الثقافةِ) لأنها مضاف إلى مجرور. ولقد استمر الخبرُ الأول في النشرة لأكثر من خمسة وعشرين دقيقة، وهو خبرُ وكالة أنباء، يُرسل إلى جميع الهيئات الإعلامية، بما فيها الصحف. ولأنَّ للتلفزيون خصوصية معينة، مُمَثلة في كفايةِ الصورة في الشرح، باختلافها عن الجريدة، كان يجبُ اختصار هذا الخبر الطويل جداً، والتخفيف على المذيعة (المسكينة) بأن تُحرَج أمام الجمهور، بتلك الأخطاء القاتلة. إن سلامة اللغة واللفظ، من البديهيات في العمل التلفزيوني والإذاعي، ففي الصحافة، يوجد قسمُ خاصٌ للتدقيق اللغوي، ويقوم " بتقويم" الأخطاء التي تردُ في المقالات، عن ضعف أو عن غير قصد، ويسلم بذلك المقالُ من تلك الأخطاء، ولكن في التلفزيون أو الإذاعة، ما لم يكن المذيع مُلماً بأصول اللغة العربية، فإنه سوف يسقط جماهيرياً، وسيتم انتقادهُ، مهما طال أمدُ بقائهِ على الشاشة أو أمام الميكروفون. وحتّى في وجود (تشكيل) من المُحرر على جهاز (الأوتوكيو) !!؟ كما أن سلامة لغة المذيع، تساهمُ في نجوميته، وتجعله محبوباً، قريباً، من الناس، ولقد كانت كُبرياتُ شركاتِ الإعلان، تَحجزُ أوقاتاً لإعلاناتها، على محطات أمريكية، حًبَّاً في مذيع ناجح، يشاهدهُ الملايين، وهو (والتر كرونكايت)، وبقيّ على الشاشة حتى تجاوز الخامسة والسبعين أو الثمانين. ولأنه كان ناجحاً، جذبته المحطات كي يقوم بالتعليق، دون أن تظهر صورته، على البرامج التسجيلية، ذلك أن صوته ما زال عالقاً في أذهان الناس. والمذيع الذي يحتفظ بلغة سليمة، يُمكنه التعليق – في حال النقل المباشر- لفتراتٍ طويلة، لأنه مُتمكنٌ من اللغة، بعكس المذيع الذي لا يُجيد اللغة، فقد يُحرَج، ولا يستطيع المغامرة، بذكر جُمَلٍ طويلة خالية من الأخطاء النحوية. خصوصاً، إن حصل وتمَّ وضعُ مقابلةٍ مباشرةٍ في نشرة الأخبار، حيث سيكون الحوار مباشرةً مع الضيف، وهذا يتطلب مهارةً في إلقاء الأسئلة، ناهيك عن ثقافة المذيع، في القضية المُثارة. كما أن سلامة لغة المذيع تُجَنّبهُ (التأتأة) أو (التلعثم) عند قيامه بالقراءة أو الحوار، وتضمن له انسيابيةَ الحوار، وحُسنَ إيصاله إلى الجمهور. ومن الوسائل المُهمّة التي تعلّمناها في الولايات المتحدة وبريطانيا، في السبعينيات والثمانينيات، أن نشاهدَ تسجيلاتٍ لأدائِنا في الدورات التدريبية، ويقوم الطلبة ُبنقدِ تلك التسجيلات، وإبلاغِنا بالنماذج الصحيحة، حتى نتجنّبَ الأخطاء. لا عيب ولا خجل من التعلُّم، والذي لا يُخطئ، لا يتعلَّم، وكما قلنا – في مقال سابق – نحن نحتاج لأن نُجيدَ مِهنتنا، ونساهمَ في تطوّرنا، عبر عِشق المهنة، والقراءة عن النماذج الجديرة بالاحتذاء في هذه المهنة! وأن نُركِّز انتباهَنا على مواقعِ الخطأ أو الهنّات التي تواجهنا، ونحاول علاجَها بالطريقة السليمة. قد يحتاج الأمرُ إلى صبرٍ ومثابرة، كما أن الجمهور انطباعيٌّ بدرجة كبيرة، فإذا قَبلَ المذيع على أنه ناجح وصاحبُ ثقة، فإنه سيقبلهُ إلى الأبد، والعكسُ بالعكس، فإن المذيع الذي يُكثر من الأخطاء النحوية، ويتلعثم في الحوار، ولا يستخدم التواصل عبر العين (Eye Contact)، فإنه سوف يُنفّر المشاهدين منه، بل وقد يتحولون إلى محطة أخرى، تماماً كما هو الحال مع مذيع المحطة الإذاعية، فكم منّا، تحوّل إلى محطة أخرى، كون المذيعة غيرَ مَتقنة لمُهمّتها، وتُكْثر من الأخطاء، أو تلوين الصوت، أو – في حالات معينة – تستخدم (الدَلع) الأنثوي في القراءة، وهذا لا يجوز البتّة، ويُخرج المحطة عن وقارها. من واقع التجربة، لا بدَّ لنا، بعد أن تقاعدنا، أن ننقل تجاربَنا إلى الجيل الحالي من المذيعين، فإن قَبلوها خيراً، وإن لم يقبلوها، فعلى الأقل قُمنا بواجبنا تجاهَهم، وتجاه المهنة التي نُكنُ لها كُلَّ احترام وتقدير، وبوّدنا أن تُؤَدّى على خير وجه، ذلك أن الإعلامَ يُشكّلُ الوجهَ الحضاري للوطن، وكُلُّ مواطن يريدُ أن يكون ذلك الوجهُ متكاملاً صالحاً ووسيماً ومُقنعاً للآخر.

3807

| 11 سبتمبر 2019

التَعليم في المَفهُومِ المُجتَمعي

لا شكَّ أن التعليم يلعبُ دوراً مُهماً في نهضة الأُمم ورُقيِّها، وهو عمادُ التنمية والسلوك الحضاري للشعوب، وما تَخلُّفُ الشعوب، وتسلّط الديكتاتوريين عليها، إلا نتيجة الأميّة، ليست الأميّة الأبجدية فحسب، بل الأميّة الثقافية، وضيقِ أفقِ الشعوب عن فهم واستيعاب مُخرجات العصر والتواؤم معها، مع عدم إغفال الحقوق الأساسية لتلك الشعوب، وهي الديموقراطية وإفرازاتها، ولقد نهضت الدولُ الأوروبية، على أيدي المُفكرين والعلماء والأدباء والفنانين، بعد أن تدمّرت المدنُ بفعل الحرب العالمية الأولى والثانية، وسقط مئات الآلاف، نتيجةَ سيادةِ السلاح، لا العقل، على مقاليد الأمور. والمفهوم المجتمعي للتعليم في منطقتنا يقوم - في الأغلب - على قاعدةٍ بائنة، وهي الحصول على الشهادة، حتى وإن كان الطالب غيرَ قادر على فكِّ أسئلة العصر. لذا، نجدُ خريجينَ من الجامعة، لا يستطيعون مواجهة أسئلة الحياة الصعبة، أو حتى كتابة مُذكِّرة من عشرين سطراً، ناهيك عن تواضع معلوماتهم العامة. ورغم وجود استثناءات محدودة، فإن غالبية الطلبة يدخلون الجامعة أو الكلية، من أجل الشهادة، التي تؤهلهم للوظيفة، أو الترقية، وليس للتعلُّم. وهذا مفهوم خاطئ، لابُدِّ وأن يُصحّح فوراً. فخلال سنيّ التدريس في الجامعة منذ عام 1983، وحتى اليوم في كلية المجتمع، لاحظتُ إصراراً من العديد من الطلبة، على أن أقوم بتلخيص الكتاب المُقرر، بل وهنالك مطالبات من بعض الطلبة والطالبات، بإلغاء بعض الدروس، مع غياب النقاش داخل الفصل. لذا، نجد الخريّج – في الأغلب – محدودَ الثقافة، غيرَ مُدركٍ لأبعاد ومفاهيم المجتمع والتحدّيات التي يواجهها، فيعيش مُنعزلاً عن هموم مجتمعه، وتتضخّم لديه (الأنا) غير المُنتِجة، ويدخل في مسؤوليات ما بعد الزواج، من سنٍّ مُبكرة، ولا يستطيع الفكاكَ من الاعتماد على والديه، بدءاً من السكن، والطعام، والمساعِدات في المنزل، إلى توصيل أبنائه إلى المدرسة.. إلى تحمّل ديونه! ونظراً لمحدودية استخدام بعض الطلاب لعقولهم بطريقة صحيحة، يحدثُ الطلاق، حيث تقول الأرقام إن حالات الطلاق وصلت إلى ما نسبته 38% من مُجمل الزيجات، ويحدث هذا خلال السنوات الأربع من الزواج. كانت الوالدة، رحمها الله، تقول لي: " ادرس حتى تصير كَيْتَب"! أي تعلَّم حتى تُصبح كاتباً، أي موظفاً في الدولة. وهذا المفهوم ينطبقُ اليوم على معظم طلابنا، أي أن هدف التعليم الأسمى، لدى هؤلاء الطلبة، هو الحصول على وظيفة، وإن كان الطالب غيرَ مؤهلٍ لتلك الوظيفة، التي قد يصلها عبر واسطة معينة! أخبرني أحد السفراء الناجحين ذات يوم، قبل أكثر من 15 عاماً، أنه يُضطَر إلى كتابة المُذكرات لأنَّ الدبلوماسي الذي معه لا يُجيد كتابة المُذكرات!. فما بالكم لو عمل هذا الطالب في مؤسسة خدمية، تتعلق مباشرة بالجمهور، ناهيك عن قضية الإحساس بقيمة الوقت، والتمسك بقيم الوظيفة ومهامِها، وحُسن التعامل مع المُراجعين، مع عدم استخدام اللغة السليمة للاتصال مع الآخر. لذا، نؤكد مراراً على طلبتنا وطالباتنا، أهمية استخدام (لغة الجسد) في التعامل مع الآخرين، فالابتسامة لا تُكلّف شيئاً، بل إنها أقلُّ استخداماً لعضلاتِ الوجه، من العبوس والتجهُّم. نقطة أخرى واجهناها في التدريس، وتتلخص في حالة الغموض والصمت، وعدم التعبير عما يدور في خلد الطالب أو الطالبة، لذا، نجد العديدَ منهم ومنهُنَّ، لا يُشارك في الحوار داخل الفصل، ويكون، إما سارحاً خارج الفصل، أو مُلتصقاً بالهاتف، الذي يُحظرُ استخدامهُ في الفصل، كما تقول اللوائح الأكاديمية. نقطة أخرى تتعلق بالإهمال الواضح في الاستعداد للامتحانات، والتكليفات خارج الفصل. فنجد الطالب يتأخر في تقديم المطلوب منه، في وقته، ويتعذّر بأعذارٍ واهية، وهذا يُربك عملَ المُدرس، ويجعله يتأخر في رَفع الدرجات، في موعدها على (البلاك بورد)، وبالتالي يتم لفت نظره من قِبل رئيس القسم. وإذا حدث ونبّهَ المُدرسُ الطالبَ أو الطالبة، يجدُ، في بعض الأحيان، ردوداً شائنة، لا تليق بمقام المُدرس، ما يُخالف الأعراف الأكاديمية. وللأسف، هناك مَن يتعامل مع المُدرس تعامله مع السائق، أو المُساعِدة في المنزل أو العزبة! على الرغم من أن التكليفات، والنزاهة، والتعامل مع المُدرس، والحضور، والامتحانات، تُوضَّحُ للطالب منذ اليوم الأول للفصل الدراسي، ويطلب المُدرس من الطلبة قراءة (توصيف المقرر)، كي يعرف الطالب ما له وما عليه. إن عدم الاستقرار العاطفي والعقلي لدى الطالب أو الطالبة، يجعلهما، في حالات كثيرة، يرفعان صوتَهما على المُدرس، ما يُمكن أن يُضيّع وقتَ الفصل، وتقديم الطالب أو الطالبة للمساءلة الأكاديمية، ذلك أن البعض (دَمُهُم حارّ)، ولا يتقبلون أي توجيه أو مُلاحظة من المُدرس، بل يتصور هذا البعض أن المُدرس عدّو لهم، وهذا فهمٌ خاطئ لمهنة التدريس السامية، ودور المُدرس في جعل الطالب يستوعب المادة، ما يُساهم في تنميةِ شخصيته، وارتفاعِ مستواه التحصيلي والثقافي، عن ذاك المُرتبط بالمرحلة الثانوية. وبعض الطلبة لا يقرأ (توصيفَ المقرر)، ولا يستوعبُ متطلبات المقرر، وليست لديه قُدراتُ واستعداداتُ لعمل التكليفات، كونه لا يدرس، ويُفضّل التسَكُّع في المقاهي أو التجوال في المولات، وعندما يأتي وقت تقديم الأوراق أو العروض التقديمية لا يفي بها، وقد يلجأ إلى بعض الأساليب " المُحّرمة" أكاديمياً. إن سعةَ الاطلاع، وتنميةَ قُدرات القراءة من الأمور المُهمّة في جعل الطالب مُنتجاً وإيجابياً في الفصل، كما أن الحفظ، دون الفهم، لا يخلق إنساناً مُتعلماً، لأنه سوف ينسى ما حفظهُ بعد أسبوعين من تقديم الامتحان!! لذا، فنحن نُنظمُ زياراتٍ ميدانية لبعض المؤسسات الإعلامية، في مقرر المدخل للاتصال الجماهيري، كي يطّلع الطالبُ، على الطبيعة، على التطبيق العملي، لما درَسَهُ في الفصل نظرياً. ونلاحظ أن بعض الطلبة لا يقدّمون تقاريرَهم، عن تلك الزيارات، بأسلوب رصين وصحيح، ويعتمدُ، بعضهم، على آخرين، في كتابة تلك التقارير، وهذا لا يرفعُ درجات الطالب، ولا يساهمُ في تنمية قدراته في الكتابة، ونلاحظ أن بعض الطلبة، لا يقبل الأسئلةَ التي تتطلب أجوبةً مقالية في الامتحانات، ويطلب أن تكون الأسئلة، (صح أو خطأ)، وهذا لا يُطوّر القُدرات الكتابية لدى الطالب، ويجعله أكثر اعتماداً على الآخرين، بل ولا يجعل الطالب يستخدم عقلهُ، في الكتابة الصحيحة، ولا يوسّع مُدركات الخيال والاستحضار لديه. وبعض الطلبة لا يحضر النشاطات التي تُقيمها الكليةُ أو الجامعة، وينشغلُ بأمورٍ خارج حرمِ الدراسة، وهذا يُضيّع عليه فُرصَ الاستفادةِ من تلك النشاطات، والحوارات التي تجري فيها، مع أساتذة زائرين، غير هؤلاء الذين يُدّرسونه، والاطلاع على الأفكار الجديدة. هنالك مفاهيمُ مجتمعية، حول الدراسة الجامعية وظروفها، ولابد أن تتعدَّل تلك المفاهيم لدى الطلبة وأولياء الأمور! يتساءل البعض: لماذا لا يخرج لدينا علماءُ ومخترعون ؟ أو أدباء لامعون؟ أو مهنيون يساهمون في التخصصات الدقيقة؟ ذلك أن بعض الطلبة يأتون إلى الجامعة أو الكلية، طمعاً في الشهادة – كما تقدَّم – وليس بهدف التعلُّم، ولابدَّ من تصحيح هذا المسار، وإقناعِ الطالب أن الهدفَ الرئيسي للدراسة هو: تأهيل الطالب لمواجهة الحياة، وفكِّ أسئلتها الصعبة.

2968

| 04 سبتمبر 2019

الأَعمالُ الشِرِّيرة ضدّ البَشريَّة

نعلمُ أن الحروب تَجُرّ الويلات على الشعوب، وتُدمّر النفوسَ والزرعَ والضَرع، وتُخلِّفُ كراهيةً وضَغائنَ لأمادٍ طويلة. وقد لا يكون للشعوب دور في الحروب، بل قد تُفرض نتيجةً للخلافات السياسية، والأطماع الشريرة لدى بعض النُظم التي تبلغُ فيها " شهوة" ابتلاع الآخر، أو ضم بلاد أخرى، ذروتها، دونما حق أو مبرر. ولكن ما يؤلم، في وقتنا الحاضر، أن يقوم أفرادٌ يمتَهنون إيذاءَ الآخر، وتنغيصَ حياته، وذلك عبر اختراق الحسابات الإلكترونية، وتعكيرِ حياة الناس وإحراجِهم مع أصدقائهم، بإرسال رسائلِ طلبِ المال. وفي الأسبوع الماضي، نُكبتُ باختراق حسابي ( الواتس آب) من قبل أحد اليائسين البائسين، والمُقتاتين على موائد الآخرين، وقام بإرسال رسائلِ طلب المال من بعض المتواجدين في الحساب من الأصدقاء الأعزاء، كما نُكبَ أكثرُ من صديق نتيجة ذلك الاختراق، فعكّر حياتَهم، وأحرجَهم مع أصدقائهم. وقام المذكور بإرسال رسالة، على أنها من أحد أصدقائي قائلاً، بانه استلم رسالة فيها أرقام، ويُريدني أن أرسل الرسالة التي وصلتني، إليه، كي يتأكد من الرسالة التي وصلته. وتلبية لذلك الطلب، الذي لم يرق إليه الشكُّ، قمتُ بفتح الرسالة، ومنها بدأت رحلة اختراق الحساب. ولقد مرّ حوالي أسبوع، على ذلك الاختراق، دون جدوى، رغم أنني استعنتُ بإدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، التي وجَّهتني لاتّباعِ خطواتِ إعادة الحساب، حتى نشر هذا المقال، لم يرجع الحساب. تصوَّروا كم هي معاناة، أن يفقِد الإنسانُ التواصلَ مع أصدقائه، عبر (الواتس آب)، لمدَّة أسبوع، وتتعطّل حياتهُ الاجتماعية، والتواصل مع الآخرين؛ فلا يستطيع أن يحضر عزاءً أو فرحاً، نتيجةَ عدم استلامه الموقع عبر الخريطة الإلكترونية، ولا يُمكنه إرسال المواضيع والصور إلى الأصدقاء، ولا تبادل المعلومات الخاصة بالبيع والشراء، ولا يمكنهُ التعليق أو تبادل المعلومات السياسية والعلمية والاجتماعية، مع غيره، الأمر الذي يُشكّل شللاً تاماً، نتيجة الاعتماد الكبير على هذا التطبيق. لا يتصوَّر الإنسان، كيف لهذه النوازع الشريرة التي تسكن بعض النفوس المريضة، والتي تُريد أن تَثرى دون عمل، ودون جهد، وتُريد أن تقتات على موائد الآخرين، عبر قرصنةٍ غير مشروعة وغير إنسانية!. هذه النفوس التي يسكُنها الحقدُ على الآخر، وعدم تركه يُمارس حريته في حياته، في أمنٍ وسلام. لقد كبّلتنا التكنولوجيا تكبيلاً حاداً: من تناولنا الطعام، وحتى دراسة الدروس، وكتابة أوراق العمل، وحتى وصلنا إلى شلل أعصابنا وتبلّد عواطفنا، فنَكتفي بإرسال دعوات الزواج، أو كلمات التعازي، عبر هذه الوسائل، فأضحينا ضحايا هذا الأسر، الذي لا فكاكَ منه! ليـأتي أحد الفاشلين، ليتدخّلَ، دونَ حقٍّ، في حياتنا ويُعرّضنا للألم والحَرج، دون أن يعرفنا أو نعرفه. ويُحرجُ أصدقاءَنا معنا، وبعضهم أصحابُ نخوة، ولقد قام أحدُهم بتحويل مبالغَ كبيرةٍ إلى حساب مُخترق لصديق لي. لذا، فإن أية رسالة تأتي، من أي صديق، لا بد وأن يقوم الإنسان بالاتصال الهاتفي، مع صاحب الرسالة، كي يتأكد من صحة الرسالة! وكادَ صديقٌ عزيز أن يرسل ثلاثة آلاف دولار، إلى مُخترِق حسابي، على أنني طلبتها منه، وهو خارج البلد، إلا أنه في الطريق نحو مقر التحويل، اتصل بي، وأعلمتهُ باختراق الحساب، وإنني بخير ولله الحمد. ماذا نفعل إزاء هذه المعضلة، التي تُعكّر حياتنا، وتُحرجنا مع أصدقائنا؟ هل يتوجب على شركة ( الواتس آب) أن تعمل على تفعيل آليةٍ لحماية الحسابات؟ ولو بفرض رسوم قليلة، وهل هذا الإجراء لا يتحققُ إلكترونياً، في ظل هذا الانفجار الإلكتروني والعلمي ؟ هل يمكن أن تقوم شركة الاتصالات المحلية، بالتعاون مع كافة التطبيقات، لوضع حماية لهذه التطبيقات؟ هل نستطيعُ الاستغناءَ عن تطبيق مثل (الواتس آب)، ونقطع تواصلنا مع الآخرين؟ هل يُمكننا تعليم كُلِّ البشر، أساليبَ الحياة العصرية، ونُبعدهم عن شرور أنفسهم، وهم يعيشون حياةً بائسة في بلدانهم المُتخلفة؟ على فكرة، يتردد أنَّ من يقوم بتلك الاختراقات الحالية، هم من بلد عربي جميل، نُكّنُ لأهله كُلَّ الودّ والاحترام!! ولقد تعلّموا " فنَّ" الاختراق، ويعرفون أماكنَ الصرافة في قطر. حيث يذكرون للأصدقاء، مقارَ التحويل المعروفة، ومحلات الصرافة التي تتبع تجاراً قطريين، ويذكرون أسماءَها!؟ هل نتفق على أن نُهمل أية رسالةِ طلب أموالٍ من أي صديق، مهما كانت ظروفه؟ أعتقد أن هذا الحلّ الأخير من أسهل الحلول، فإذا لم يتجاوب عشرة أو عشرون شخصاً مع رسائل (المُخترق) فإنه سوف يَملّ، ويقوم باختراق حساب آخر، وإذا لم يلقَ تجاوباً من أي شخص، فإنه سوف يترك هذه " المهنة الشريرة"، وسيبحث له عن مهنة أخرى، يُلاقي فيها الجزاء المُناسب. لقد مرّ عليّ أسبوع كامل، وأنا في ظلِّ ظروف إنسانية مؤلمة، زادني فيها ذاك (المُخترق) الشرير ألماً وشقاءً، دون حق. وأعتذر لكُلِّ الأصدقاء الذين أزعجَهم ذاك "المخلوق"، الذي لا يحمل أيّاً من صفات الإنسان السَويّ، ولا يستحقُ أن يعيش ضمن المنظومة البشرية! فإلى أين تسير البشرية، وهي تتسربلُ بهذه النوازع الشريرة، ويعيشُ بعضُ " الذئاب" وسطها، تعوي، وتنشبُ مخالبَها في لحْم الآمنين، الكافينَ عن الشر، السائرين نحو مستقبل أبنائِهم وأحفادِهم؟ ولا حول ولا قوة إلاَ بالله العظيم. ◄ هامش: اتصل أحدُهم بصديق لي في واشنطن، كي يحتال عليه، مُنتحلاً شخصية جابي ضرائب. وطلب من الصديق أن يُسدِّد ما عليه، وليست عليه ضرائب، فما كان من صديقي إلا أن قال له: أنا في طريقي إلى مقر عملي في (FBI)، مكتب التحقيق الفيدرالي. فقطع المتصل الخط.

1210

| 28 أغسطس 2019

الكبيرُ يظلُّ كبيراً

الوطن بحاجة إلى جهود أبنائه المبدعين لتعزيز الإبداع والمساهمة في بناء الأمة تكريم الفنان عبد العزيز جاسم لفتة إنسانية بارعة تستحق الإشادة والتقدير شاهدتُ مقطعاً مُتلفزاً للفنان الكبير الشاعر بدر بورسلي، وهو يُدخل الشاعر عبداللطيف البنايّ إلى المسرح وهو على الكرسي المُدولب، في يوم تكريمه، في لقطة إنسانية رائعة، تدُّلُّ، بلا شك، على مدى العطاء عند الفنان الشاعر بدر بورسلي، وإنسانيته، بعد أن أمتَعنا بالكلمات الجميلة، مع الثنائي الدكتور عبدالرب إدريس والفنان القدير عبدالكريم عبدالقادر. لقطة تُذكّرنا بمدى التلاحم والتكاتف بين الفنانين، خصوصاً وأنهما قُطبا الشِعر الغنائي في دولة الكويت، وكلاهما أخذ على عاتقه رفعَ اسم الكويت وفنونها إلى فضاءات العالم. أكتب المقال هذا صدفة، وأنا أسمع الفنان عبدالكريم عبدالقادر يشدو بإحدى أغنيات الشاعر بدر بورسلي. بوناصر، قامة جميلة، تابعتها منذ عام 1977 عندما تمَّ تلحين أغنية (غريب) في منزل الدكتور عبدالرب إدريس بالكويت. إن الأغنية الكويتية، كانت وما زالت، نبراساً لحكايا الليالى، والدروب، والشجن الجميل، وبلا شك، إن تكريم الفنان عبداللطيف البناي من قِبل دولة الكويت، بادرة جميلة، وهذا هو شأن الكويت، التي انبثقت منها الفنونُ الجميلة، جنباً إلى جنب، من حركات التحرُّر، ومساندة الشعوب المقهورة، حتى تبوأت الكويت منصباً دولياً رائعاً، في قضايا مساندة الإنسانية، حيث أطلقت عليها الأمم المتحدة مركزَ الإنسانية، وتم تكريم سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد وأُطلق عليه اسمُ أمير الإنسانية، ولقد حدث هذا لأول مرة في منطقة الخليج. المُناسبة تفرضُ علينا أن نتكاتف، كأكاديميين، وفنانين، مع بعضنا البعض، حتى لو كنّا في منافسة، لأن الشاعر حولهُ عشرات، ولربما مئات الشعراء، والمطرب أيضاً، والفنان التشكيلي، بحيث يكون التنافس شريفاً وكريماً وسامياً، لأننا كلنا (نُكمّل) بعضنا، وحتماً نحتاج لبعضنا. فالإنسان سوف يرحل، مهما طال عمرُه، ولكن يبقى عطاؤه إلى الأبد، ولا بد لنا – كمؤلفين، وروائيين وفنانين – أن نتكاتف، ونسمو فوق كلّ الاعتبارات الدنيوية، من أجل تقديم الأفضل والجديد والشائق للجمهور، ومهما حاول البعض « إجهاض» إبداعاتِنا، ستبقى تلك الإبداعات، لأن الوطن يحتاج لأي جهد أو أي اتجاه في عالم الأدب والفن، وأيٌّ عملٍ إبداعي يرفد المسيرة التي ينشدها الوطن، ولنترُك أهواءَنا الشخصية، كي نتحدّ مع الآخر الجميل والمُبدع. إن صورة الشاعر بدر بورسلي وهو يدفع بالكرسي الذي يجلس عليه الفنان الشاعر عبداللطيف البناي، أوحت لي بالكثير من المشاعر والأطياف التي لا تستحملها هذه المساحة الصغيرة، وهي صورة تكاتفِ أبناء الوطن، في وقت استشرت فينا (الأنا) المُتضخمة التي تسودُ مساحاتٍ كبيرة من العالم العربي. فشكراً للشاعر بدر بورسلي على تلك الالتفاتة الجميلة، ولقد ذكّرني ذلك بموقف سمو أمير دولة الكويت عندما تفقّد العلَم القطري خلال القمة ! فلقد كان موقفاً أصيلاً من رجلٍ خبرَ السياسة، رُغم سِنّه، ولقد قدّر الشعبُ القطري تلك الالتفاتة الإنسانية من سموه. والشيء بالشيء يُذكر، فلقد أحسنَ الزملاء المشرفون على مسرح الجامعات بوضع اسم الفنان القدير رحمه الله (عبدالعزيز جاسم) على دورة المسابقة، كما وضعوا صورة مُكبرَّة له، تقديراً لفنّه، ولدوره الواضح في المسيرة المسرحية في قطر. ولقد أبدع الفنان نبيل شعيل، وهو يزور الفنان عبدالله رويشد الذي سقط على المسرح، وتسبَّب ذلك في جُرحٍ في كتفه، في تطمينه لجمهور الفنان رويشد، وهو أيضاً مثال على التكاتُف، والمحبَّة حتى بين المتنافسين. نقول أخيراً، إن الحبَّ والوفاء من الشيم العربية الأصيلة، وتكاتُف الفنانين مع بعضهم البعض، يدعم المسيرة الفنية، ويجعل للفنان دوراً مهمَّاً في حياة المجتمع. والفنان – دوماً - يكون أمثولة لبقية أفراد المجتمع، وعليه أن يُحسن أدواره، ويختار الكلمة الطيبة والتصرُّف السليم نحن بحاجة إلى طرح مثل تلك المبادرات التي تُصفّي القلوب، وتدعم التلاحم بين أبناء الموهبة الواحدة، خصوصاً في ظل الصراعات، والتحزبات، وأحاديث (شاي الضحى) التي لا تُسمن ولا تغني من جوع. وإذا كان المبدعون الكبار يتحلَّون بهذه الصفات، فالأجدى أن يحذو حذوهم المبدعون الصغار، والذين يتلمّسون الطريق نحو أهدافهم، كلُّ في تخصصه، لأنّ تبادل الإحساس بالإنسانية، يُغذّي شعورَ المحبّة، ويفتح القلوب، ويمسح من الأذهان ما قد يعْلق بها من أدران الحياة. والأمر يتطلب أن نبدأ بالأطفال، من المنزل، نعلِّمهم كيفية تقدير الآخر، صحيح الأطفال قد يتشاجرون على لعبة، ولكن علينا أن نزرع فيهم الإيثار، وحُبَّ الآخر، والمساواة. كثيرون منّا تأخذهم الدنيا، ولا يلتفتون إلى مثل تلك الالتفاتات الإنسانية، فينعزلون عن محيطهم، حتى وإن كانوا فنانين أو أدباء، ويندمون عندما يرحل زميلُ لهم، ويلومون أنفسَهم بالتقصير في حق ذاك الزميل. ودوماً كنا نقول: الكبير يظلُّ كبيراً، حتى لو طواه النسيان، أو غدرت به الدروب، أو تراكمت في حياته العثرات.

1762

| 21 أغسطس 2019

فضائيات شاردة عن المدار

قُدّر لي أن أشاهد مجموعة من الفضائيات "الغريبة" الناطقة بالعربية، أثناء تواجدي في بلد عربي، وكانت برامج السحر والشعوذة، وبيع الأوهام حاضرةً في بعض برامج تلك الفضائيات. شاهدتُ مَن تقول عن نفسها إنها " مُعالجة روحانية"، وتحمل درجة الدكتوراه، وتختص بفكِّ (الربط)، حيث تقول للمتصل: "زوجتك عندها ربط بسبب امرأة"!. فضائية أخرى عجيبة، يستخدم المذيعان فيها (الجوال) للرد على المتصلين! ولكأن المحطة ليست فيها سماعات للإذن مرتبطة بالاستوديو! وأخرى لتفسير الأحلام، وما أكثر بيعها للوهم. تقرأ على الشاشة: لدينا خواتم سليمان لحلّ جميع مشاكلكم، للحجز اتصل (.....). تقرأ: الشيخ (إدريس) لفك المستور وطلب الحبيب، رقم الهاتف (....). تقرأ: عسل الثور الهائج ( Crazy Bull) وبه وعود وهمية للفحولة.. اتصل(...). تقرأ: لبعض الشباب المراهق: " عليجن العباس، كل بنية تشوف رقمي تتصل!. تقرأ: عاشق ودي بوحدة تستحق (كلبي)، يعني قلبي. تقرأ: الشيخ (أبورضوان) لقهر الجنّ وفتح الرزق وجلب ما وراء الحجاب. تقرأ: الشيخة الروحانية الصادقة، إبطال السحر، إكرام الجن، شغلة مهمة سواء في العالم العلويّ أم السفلي. تقرأ: الكفن لابدّ أن يكون من القطن، سعره من 3-5 دنانير للمتر، ولابدّ أن تظل تنظر للكفن يومياً، وتضعه في مكان بائن، كي تتذكر الموت! طبعاً، هذا غير الفضائيات الدينية المتعصبة التي تنشر "خوارق" لبعض الصحابة لا يصدّقها العقل ولا المنطق، ومنها ما يقول "الشيخ" لامرأة لم تحبل، اكتبي اسم الصحابي (....) على بطنك وسوف تحبلين!. أتساءل في نفسي: لو كان مخترع التلفزيون الذي بدأ أول تجاربه عبر أسطوانة حلزونية واسمه (فلاديمير زوركين) وهو مهاجر روسي عام 1923، وقبله قام الألماني (بول نيبكو) عام 1884، إلى أن دخل التلفزيون مرحلة الاستخدام الجماهيري عام 1948 في الولايات المتحدة. نعم، لو كان هؤلاء يعلمون أن اختراعهم سوف يتحول إلى هذا النمط من الفضائيات، لما أقدَموا على ذاك الاختراع الرهيب. وأن الروس، عندما بدأوا تجارب الأقمار الصناعية عام 1957، عبر القمر (سبوتنك 1) وما بعده، لو علموا أن الأقمار الصناعية، سوف تُستخدم بهذه الطريقة المُهينة، لما أضاعوا جهودَهم وتفكيرهم سنين طويلة!. مثل تلك المحطات "الخديجة" لا يمكن أن تساهم في توسعةِ مَدارك المواطن العربي، ولا تقدم له حلولاً ناجعة لمشاكل حياته اليومية، قدرَ ما تعطيه الوهم، وتجعله يتعلق بتلك الفضائيات، ولا يقوم بالبحث عن عمل أو تفعيل عقله لفائدته وفائدة مجتمعه. إن التلفزيون وسيلة ترفيهية وتثقيفية في المقام الأول، ولا يجوز أن تُستخدم لإغواء بعض المساكين، الذين يعانون أمراضاً نفسية، فيزيدهم ذلك مرضاً على أمراضهم، لأن القائم على الاتصال، في مثل تلك البرامج، يُدرك ضعفَ حيلة المُتصل، وحاجته للتعلق بأية وسيلة، من أجل تغيّير حياته، أو إخراجه من مشكلته، بدلاً من تحويل عقله نحو حل مشكلته عبر التفكير السليم والمبادرات الإيجابية، خصوصاً ما تعلَّق بأمور الزواج، الخيانة، ضعف العلاقة الزوجية، الانحراف الاجتماعي، ولربما عدم القدرة على التفكير السليم، فالمُصاب بمثل تلك الحالات، قد يُضحّي بثمن الرغيف، من أجل الاتصال، وسماع كلام قد يُخفف، لحظيًّا، من معاناته، ولكن في الأغلب يزيد من مأساته. أنا لم أسمع أن لدى اليابانيين أو الغرب مثل هذه البرامج، التي تُضيِّع الوقت والمال، وتقدّم أقوالاً، عبر مشاهدَ ثابتة، ونحن نعلم أن التلفزيون صورٌ متحركة، مَشاهِدُ لا نرى فيها إلا المُقدِّم أو "المشعوذ" وفوق رأسه، وتحت الشاشة رسائلُ تؤيد ما يقوله، وتنشر مآسي بعض المرضى، فلا إبداع في الصورة، وتلك مخالفة أولى في البث الفضائي. هنالك مَن دخل مجال التلفزيون من أجل اصطياد نقود بعض المرضى النفسيين، حيث لا توجد لدى هؤلاء محطات متكاملة، هندسياً وبرامجياً، ولا كوادر متخصصة، ولا اشتراكات في وكالات الأنباء، مجرد تأجير قناة على الأقمار الصناعية، وكاميرا داخل شقة ضيقة، والأنكى أن بعض المُقدمين يطلبون من المتصل أو المتصلة، أن يتصلوا بهم على هواتفهم الخاصة بعد البرنامج، ولكُم أن تتصوروا حجم فواتير الاتصالات على هؤلاء المرضى، وقد يكونون فقراء أو مُعدَمين! أعتقد، أن القضية متعلقة بالجهل في المقام الأول، من جانب المتصلين، وبالجشع من أصحاب هذه "الدكاكين" الفضائية، التي لا تبيع سلعاً جديرة بالاستهلاك الآدمي، في المقام الثاني. لذلك، لجأت بعضُ الدول إلى تقنين البث الفضائي، ووضع قوانينَ لممارسة مهنة البث، فيما عُرف بقانون (المرئي والمسموع). ولله الحمد، ما زالت منطقتنا الخليجية لم تصلها هذه الموضة المنتشرة في البلاد العربية، وذلك لوجود قوانين تحمي المجتمع من جشع بعض التجار. لأن حماية العقل، أهم من حماية المعدة، والتي أيضاً توجد لها قوانينُ صارمة من أجل صحة المواطن. الجهل، آفة كبرى، ولابد، من أجل حماية المجتمع، أن تَسنَّ البلدان التي تنطلق منها هذه الفضائيات قوانينَ واضحة لمبادئ البث التلفزيوني، كما أن للتعليم دوراً مهماً في حماية المجتمع من الانزلاق إلى مهاوي هذه الفضائيات. وإذا كان الشيءُ بالشيء يُذكر، فإن هجوم وسائل التواصل علينا، خلال العشر سنوات الماضية، أيضاً خلقَ حالة من الهيجان والتسرع والانشداه، بحيث أصبح الإنسان، لا شعورياً، يضع هاتفه على الطاولة، ويعود لتناوله بعد ثوان قليلة، وفي هذا كلام كثير، عن سلبيات الهاتف المحمول، إلا أنني أتحدث هنا عن المضمون، وآثار الدعَة والاتكالية على وسائل التواصل، التي سهّلت الوصول إلى المعلومة، في الوقت الذي نشرت الأميةَ الأبجديةَ والمعرفيةَ على نطاق واسع، وعدم قدرة (المتواصل) على التعبير السليم في الإملاء أو توليف الجُمل الصحيحة، وهذا أيضًا سوء استخدام للتكنولوجيا، التي لم يعرف مخترعوها، أنها سوف تُستخدم في تبادل (النكات) أو السباب، أو تحقير الآخر، أو التعصُّب الديني والقبلي. جميلٌ أن نستخدم التكنولوجيا لنشر المعرفة، وقيَمِ التسامح والاعتراف بالآخر، ونشرِ قيَم الحقِّ والخير والجمال، ونترفع عن تلك "الشتائم" التي نراها عبر هذه الأدوات، والانزلاقات، كما حدث بين إعلاميتين في المنطقة، بصورة لا تُناسب المرأة، لأن الكلمات الجارحة تتجاوز قيَمَ الدين والأخلاق والإنسانية. جميلٌ أن نتقارب عن طريق أدوات التواصل، بدلاً من أن نتباعد، كما هو حاصل اليوم، أربعة أشخاص في صالة واحدة، وكُلُّ واحد منهم لا يشعر بالّذي أمامه، ولا يريد أحداً أن يقاطعه، ويُخرجه من عالمهِ المُثير. جميلٌ أن نستخدم هذه الأدوات في التعليم، وهي وسيلة ناجعة للتواصل، بدلاً من عبارات وصور (هلا بالخميس)!! هامش: بمناسبة الحديث عن الفضائيات، نلاحظ ظاهرة التمَحْور حول الذات، (Egosim) لدى بعض مذيعات الفضائيات العربية، طمعاً في ترقية أو "التقرّب"، وتجد المذيعة تُهين ضيوفَها، وتُقاطعهم قبل أن يُكملوا الفكرة التي يتطلبها المقام، ولكأنها في مجلسها الخاص !؟ وهذا تصرّفٌ شائن يُنفِّر المشاهدين عن المحطة!.

1504

| 14 أغسطس 2019

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4596

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3399

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1365

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

1200

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1197

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1119

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

768

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

747

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

633

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية