رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في كتابه الموسوم ( مبادئ الكتابة الإبداعية للقصة القصيرة والرواية) يوضّح الصديق الروائي الكويتي ( طالب الرفاعي) أن تدريس مادة ( الكتابة الإبداعية) في الجامعات والمعاهد الأمريكية والأوروبية، انتشر منذ منتصف القرن الماضي وكان بمنزلة تدريس أي مادة علمية، إذ لم يعُد مقبولاً القول المطلق: « الكتابة تعتمد على الموهبة «!؟ ويختتم مقدمة الكتاب بالقول: «لذا نقدّم هذا الكتاب ليكون عوناً لمن أراد أن يسير على درب كتابة القصة القصيرة والرواية، متسلّحاً بمعرفة أدبية علمية لا بُد منها».
وفي حقيقة الأمر، أن الكتابة الإبداعية هي خلقٌ من عدم، لذا يتوجب على الكاتب أن يأتي بجديد في المادة التي يُقدّمها إلى الجمهور، في الوقت الذي يلتزم فيه بالمعرفة الأدبية، أي صنعة الرواية، حتى لا يكون كلامه مُعلّقاً في الهواء كالسراب، بل أن يكون لكلامه قيمة ورؤية ينطلق منها إلى مساحات قد تشغل بالَ القارئ، أو تُضمّد له بعضاً من جروحه، وتلامس أحاسيسه.
ولأنَّ هذا الكتاب فعلاً يُؤسسُ لكاتب مُبدع، بودّي لو اطلع عليه من يريدون تسجيل أسمائهم في قوائم القصة القصيرة والرواية، كون هذا الكتاب، يضع الأسس السليمة للكتابة الإبداعية. ويُعرّف الأستاذ طالب الرفاعي الكتابة الإبداعية كالتالي:
« الكتابة الإبداعية تعبيرٌ كتابي شخصي، يعتمد على الابتكار وليس التقليد، والكاتب إذ يحاولُ محاكاة الواقع، فإنه يستخدم فكرهُ ولغتهُ وخيالهُ، لخلق قطعة حياة فنية تضجُّ بحيوية العيش، وتكون عامرة بشخوصها وأحداثها وأمكنتها، وخصوصية بيئتها». (37)
وفي رأيي، أن هذا التعريف يُلخّص لنا فلسفة الكتابة الإبداعية. فنحن هنا لا نتحدث عن الكتابة التقليدية ( التقريرية)، أو النقل المباشر من التراث الشفاهي، أو تخيّل واقع غير مُعاش، ونقله إلى الصفحات، تماماً – كما اشترط المؤلف – ألا تكون هذه الكتابة تقليدية - وهو شرط أساسي من شروط الكتابة الإبداعية. ولقد لخّص هذا التعريف الكتابة الإبداعية، بأنه استخدام ( الفكر، اللغة، الخيال)، وهنا الشرط الثاني من شروط الكتابة الإبداعية. ذلك أن وجود فكرٍ معين، يقوم على الإبداع، عبر لغةٍ سليمة نقية من الأخطاء النحوية والإملائية والموضوعية، إضافة إلى خيال واسع، يُبهر القارئ ويُحلّق به إلى سماوات بعيدة، حتى وإن تعلّق الأمر بواقع مُعاش؛ ذلك أن سعة خيال الكاتب، تؤدّي إلى إدهاش القارئ ورسم صورٍ جديدة لم يألفها.
أما الكتابة التي تعتمد على الحوادث والعلاقات الاجتماعية، بين شخوص القصة أو الرواية، فإنها بعيدة عن أساسيات الخلق والإبداع.
ويضع المؤلف حجرَ الأساس في هيكل القصة أو الرواية. حيث يدعو إلى التخطيط المُسبّق للعمل، قبل البدء فيه، ويتمثل هذا الحجر في الآتي:
1- الإمساك بلمعة الفكرة العابرة، وتدوين كلمة أو عبارة منها.
2- تدوير الفكرة في الذهن، وتخيّل مشاهدها لفترة قصيرة أو طويلة.
3- تخيّل ملامح الشخصية الأساسية للعمل القصصي أو الروائي.
4- تصوّر بيئة العمل المكانية والزمانية.
5- اختيار أسلوب الكتابة: ضمير المتكلم، أو ضمير المُخاطّب، أو ضمير الغائب.
6- وضع خطة أولية بسيطة للبدء بالكتابة، انطلاقاً من نقطة البداية وصولاً إلى الخاتمة.
7- تخيّر البيئة الملائمة للكتابة.
8- يُفضّل وضعُ جدول زمني لإنجاز العمل المطلوب، دون أن يُشكّل ذلك ضغطاً لكتابة العمل، كيفما أُتُفق.
أعتقد، أن هذه خريطة طريق، أو أساس للكتابة الإبداعية، ولابد للكاتب أن يُسجّل ما حوله، إذ قد توحي له صورة طفل على رصيف، برواية أو قصة. أو أن يقرأ بيتَ شعر، ويكون مدخلاً إلى رواية أو قصة. وأنا أُطلق على ( لمعة الفكرة) كلمة (القادح)، الذي يستوقف الكاتب، ويُثير فيه فضول الكتابة. ولقد وضعتُ هذا الأساس فعلاً في رواية ( غصن أعوج)، حيث قرأتُ سطراً، على الإنترنت، يقول: إن القائد قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي فتح بلاد ما وراء النهر، أمر المسلمين أن يُساكنوا أهل البلاد، حتى لا يرتدوا عن الإسلام». وكانت هذه العبارة هي ( لمعة الفكرة) أو ( القادح) الذي أدّى إلى تخيُّل الرواية.
إن تقليب الفكرة في الذهن، ووزنها من حيث القيمة الإنسانية والإبداعية، أمر مهم!؟ ولا بد للكاتب أن يسأل نفسه: هل هذه فكرة تستحق كل هذا الجهد؟! وهل ستقبلها دارُ النشر؟! وهل يمكنها أن تُدهشَ القارئ؟!. كما أن تخيّل المشاهِد، يأتي سابقاً على الكتابة، وهنا تتداخل أحاسيس الكاتب، ورؤيته إلى الحياة، وفلسفته في الانحياز أو الحياد، من الفكرة والشخوص. ومن ضمن ذلك، أن يُحدد الكاتب طبيعة وسلوكيات وشكل وأفكار الشخصية الأساسية في العمل. وذلك قبل البدء في السرد. وأعني بذلك ( توصيف الشخصيات)، لأن ذلك يوفر عليه الوقت، ويُجنّبه الوقوع في أخطاء ( تناقض الشخصيات).
كثير من الكُتَّاب لا يُعيرون بيئة العمل وعلاقتها بالزمان، الذي تقع فيه أحداث القصة أو الرواية !. ولقد قرأنا العديد من الروايات التي تدور أحداثها في الفضاء المُطلق، لا توجد فيه دلالات المكان والزمان!! وإذا ما اتفقنا على أن العمل القصصي أو الروائي خلقٌ وإبداع، فإن الشخوص لا بد وأن تتحرك وتتطور في مكان وزمان مُحدّدين! وبالتالي، من المهم جداً أن يتعرف القارئ على خصوصية هذين العنصرين ( المكان والزمان)؛ إذ أنهما من عناصر الخصائص السردية لأي عمل.
كما أن أسلوب الكتابة أمر مهم أيضاً، حتى يسهل على القارئ استيعاب الأحداث، ولا يجوز الخلط في الأسلوب بين ضمير المتكلم وضمير الغائب ( الراوي المشارك والراوي العليم وضمير المُخاطب).
ويأتي المؤلف بنماذج لهذه الأساليب من الأعمال الروائية العالمية.
ولعلنا نضيفُ هنا خاصية سلامة اللغة وتشويقها ورصانتها، إضافة إلى حُسن استخدام أدوات الترقيم، التي للأسف، تغيب عن بال بعض الكُتَّاب. ( بالمناسبة قرأت رواية فازت بجائزة عربية عالية، وقد تعثّر فيها استخدام أدوات الترقيم، وتداخلت فيها الضمائر، لأن الكاتب لم يضع علامات التشكيل ذات الدلالة. فمثلاً يقول: « وعندما أثرت انتباهها إلى تعقد قضايا الاختفاء....». هنا يتطلب الأمر وضع (ضمة) على كلمة ( أثرتُ)، حتى لا تُقرأ ( أثَّرت)، وكذلك وضع التشديد على كلمة ( تعقُّد) حتى لا تُقرأ (تَعْقد).. وهكذا. ولنا وقفة مع هذا الكتاب. ولا بد لكاتب القصة أو الرواية من اللجوء إلى (هندسة العمل)، ماهي الخطة ؟ ماهي العلاقات بين الشخوص؟ أين الأمكنة؟ أين الأزمنة؟. كما أن إعطاء العمل الوقتَ الكافي، وعدم التسرع في إنجازه، من المسائل المهمة في الكتابة الإبداعية، لتحقيق عمل إبداعي. كما أن التسرع وسباق الزمن وإصرار البعض على كتابة رواية كل عام أو روايتين كل عام، يُضعف المضمون، ولا يترك للكاتب فرصة إثراء معلوماته، أو التخلّص من آثار العمل السابق.
أتمنى على الزملاء المبدعين قراءة هذا الكتاب القيّم، ولسوف يلاحظون كيف أنه سوف يساهم في تطوير قدراتهم ومداركهم.
الفدائي يشعل البطولة
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى... اقرأ المزيد
1242
| 06 ديسمبر 2025
كيف ساهم علم النفس في تطبيع السلوكيات المؤذية؟
في خضم التطور الكبير الذي شهده علم النفس في العصر الحديث، ظهرت مصطلحات جديدة أخذت مكانها في الأذهان،... اقرأ المزيد
63
| 05 ديسمبر 2025
الحقيقة والسراب ونمو المجتمعات
الثراء الحقيقي هو ثراء النفس والذهن والروح والثراء لا ينبع بدون حقيقة مادية ملموسة وهذه الحقيقة تتكون من... اقرأ المزيد
99
| 05 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
2793
| 05 ديسمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله في ميادين العمل القانوني، حيث بدأت العديد من مكاتب المحاماة في مختلف الدول تستعين بتطبيقاته. غير أن هذه الاستعانة قد تثير، في بعض الأحيان، إشكالات قانونية حول مدى الاستخدام المنضبط لهذه التقنيات، ولا سيما عند الاعتماد على مخرجاتها دون التحقق من صحتها ودقتها، وهو ما تجلى بوضوح في حكم حديث صادر عن محكمة قطر الدولية، حيث تصدت فيه المحكمة لهذه المسألة للمرة الأولى في نطاق قضائها. فقد صدر مؤخراً حكم عن الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، (المعروفة رسمياً باسم محكمة قطر الدولية)، في القضية رقم: [2025] QIC (F) 57 بتاريخ 9 نوفمبر 2025، بشأن الاستخدام غير المنضبط وسوء توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني. وقد ورد في حيثيات الحكم أن أحد المترافعين أمام المحكمة، وهو محامٍ يعمل لدى أحد مكاتب المحاماة المقيدة خارج دولة قطر، كما هو واضح في الحكم، قد استند في دفاعه إلى أحكام وسوابق قضائية نسبها إلى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. غير أن المحكمة، وبعد أن باشرت فحص المستندات والتحقق من الوقائع، تبين لها أن تلك السوابق لا وجود لها في سجلاتها الرسمية، ولم تصدر عن أي من دوائرها، وأن ما استند إليه المترافع إنما كان من مخرجات غير دقيقة صادرة عن أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة في أحد محركات البحث الإلكترونية المعروفة، والتي عرضت أحكاما وسوابق قضائية وهمية لا أصل لها في الواقع أو في القضاء.وقد بينت المحكمة في حيثيات حكمها أن السلوك الذي صدر عن المحامي، وإن بدا في ظاهره خطأ غير مقصود، إلا أنه في جوهره يرقى إلى السلوك العمدي لما انطوى عليه من تقديم معلومات غير صحيحة تمثل ازدراء للمحكمة. وقد أشارت المحكمة إلى أنه كان بوسع المحامي أن يتحقق من صحة السوابق والأحكام القضائية التي استند إليها لو أنه بذل العناية الواجبة والتزم بأدنى متطلبات التحقق المهني، لا سيما وأن جميع أحكام المحكمة متاحة ومتوفرة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي. وانتهت المحكمة إلى أن ما صدر عن المحامي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (35.2.5) من القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال لسنة 2025، والتي نصت على أن إعطاء معلومات خاطئة أو مضللة يُعد مخالفة تستوجب المساءلة والجزاء. كما أوضحت المحكمة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بوجه عام، في ميدان التقاضي هو أمر مرحب به لما يوفره من نفقات على أطراف الدعوى، ويُسهم في رفع كفاءة الأداء متى تم في إطاره المنضبط وتحت رقابة بشرية واعية. إذ إن الاعتماد عليه دون تحقق أو مراجعة دقيقة قد يفضي إلى نتائج غير محمودة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها المرة الأولى التي يُستأنس فيها أمامها بأحكام منسوبة إليها لم تصدر عنها في الأصل، غير أنها أوضحت في الوقت ذاته أنّ مثل هذه الظاهرة قد ظهرت في عدد من الدول على خلفية التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، أشارت المحكمة إلى ما قضت به محكمة بولاية نيويورك في قضية Mata v. Avianca Inc (2023)، إذ تبين أن أحد المحامين قدم مذكرات قانونية اشتملت على أحكام وسوابق مختلقة تولدت عن استخدام غير دقيق لتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أشارت المحكمة إلى حكم آخر صادر عن محكمة بالمملكة المتحدة في قضية Ayinde v. Haringey (2025)، والذي أكد على وجوب المراجعة البشرية الدقيقة لأي نص قانوني أو سابقة قضائية يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل الاستناد إليها أمام القضاء، باعتبار ذلك التزاماً مهنياً وأخلاقياً لا يجوز التهاون فيه.كما لفتت المحكمة إلى أن ظواهر مماثلة قد لوحظت في بعض القضايا المنظورة أمام المحاكم في كندا وأستراليا، ويُظهر ذلك اتساع نطاق هذه الظاهرة وضرورة إحاطتها بضوابط مهنية دقيقة تكفل صون نزاهة الممارسة القانونية واستقلالها. وقد بينت المحكمة أنها بصدد إصدار توجيه إجرائي يقضي بأن الاستناد والإشارة إلى أي قضية أو مرجع أمام المحكمة في المستقبل دون التحقق من صحته أو من مصدره يُعد مخالفة تستوجب الجزاء، وقد يمتد أثرها إلى إعلان اسم المحامي ومكتبه في قرار المحكمة. وفي تقديرنا، يُعد هذا التوجه خطوة تُعزز مبادئ الشفافية، وتُكرس الانضباط المهني، وتُسهم في ردع أي ممارسات قد تمس بنزاهة الإجراءات القضائية وسلامة العمل القانوني. وفي الختام، نرى أن حكم محكمة قطر الدولية يُشكل رسالة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن أُحسن توظيفه كان عوناً في البحث والتحليل والاستدلال، أما إذا أُطلق دون رقابة أو وعي مهني، فقد يُقوض نزاهة التقاضي بين الخصوم ويُعد مساساً بمكانة المحكمة ووقارها.
2613
| 30 نوفمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1614
| 04 ديسمبر 2025