رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فتنة الغرب والشرق

في حياتنا لا تزال أفكار وشعارات تشيطن الغرب وتضعه كعدو أبدي لنا. عالمنا العربي يتوسط العالم جغرافيا. شمال أفريقيا من الدول العربية يطل على البحر المتوسط الذي تطل عليه أوروبا، وتستطيع أن تضيف إليه ساحل فلسطين ولبنان وسوريا. بقية العالم العربي في الطريق إلى الهند وآسيا. في مصر كان العصر الحديث بداية للتفاعل مع أوروبا وبصفة خاصة بعد احتلال نابليون بونابرت لمصر عم 1798. جاءت الحملة الفرنسية معها بعدد كبير من العلماء، تركوا خلفهم المجمع العلمي، وكتاب وصف مصر وغيره. بدأت مصر نهضتها الكبيرة في العلم والتعليم والبناء مع محمد علي بعد خروج الحملة الفرنسية. حين سافر رفاعة الطهطاوي مع بعثة من الطلاب للدراسة في فرنسا، كان هو إمام البعثة الذي سيصلي بهم ويحميهم من الاندفاع إلى العلاقات المحرمة التي لا تتناسب مع الإسلام. عاد مفكرًا ليقود النهضة في التعليم وغيره. بعدها وأثناء نفس الزمن امتد النفوذ الأوروبي إلى عالمنا العربي في شكل ما أطلقوا عليه "الاستعمار" وهي كلمة خادعة، فالشعوب والحكومات عرفت طريق التقدم والعمران من قبل، وكانت كلمة الاستعمار لتخفي النهب المنظم لمقدرات الشعوب الاقتصادية. صار الاستقلال هو الهدف السياسي والشكل الوحيد للرفض، لكن غير ذلك كان محل جدل بين المفكرين. بعضهم أراد الابتعاد عن أي تأثر فكري، وبعضهم اعتبر التأثر الفكري ضرورة بما يساهم في النهضة وتطوير الشعوب. رغم وضوح القضية، ظل هناك من يعتبر الغرب هو الشيطان الأكبر. ويرفع شعارات مثل القيم الدينية دون إدراك أنه حين فصل الغرب الدين عن الدولة، لم تنته الديانة المسيحية بكل مذاهبها. بل وصلت إلى وجود أحزاب سياسية لها، لكن في إطار الديمقراطية فلا تعود بالناس إلى العصور الوسطي وصراعات الكنيسة مع العلماء والفلاسفة. الغرب نفسه في نهضته استفاد من الإنجاز العربي والإسلامي في الفكر والثقافة، وكتابات لمفكرين مثل ابن رشد أو ابن خلدون. بل في الأدب حين تمت ترجمة ألف ليلة وليلة إلى الإنجليزية غيرت من شكل الرواية والإبداع في الغرب. حدث أن زرت كثيرا من الدول العربية في الخليج ورأيت المباني العصرية والحدائق مما أتى إلينا من الغرب. حين سافرت إلى المغرب العربي احتوتني الأشجار في الشوارع التي مضى عليها مئات السنين لا يقطعها أحد بحجة أنها ميراث فرانكوفوني. كما صارت اللغات الأوروبية في المدارس والبعثات لا تنقطع من دول الخليج إلى أوروبا وأمريكا للتعليم، ولعلها أكثر من أي بعثات أخرى من العالم العربي. رغم ذلك ما زلت أسمع أو أقرأ أن تاريخنا وقيمنا تمنعنا عن قيم الغرب. الخلاف السياسي الذي لا يزال قائما بين الحكومات وليس الشعوب، يظل ذريعة لرفض مظاهر التقدم في العلم والحياة. كيف؟ أين العقل من هذا. العقل لا يرفض الحرية والإخاء والمساواة ومظاهرها السياسية من ديمقراطية أو تعليم للجميع دون تفرقة، مما كان ولا يزال في الغرب، لكن يمنع ما لا يتماهى مع العقل، مثل التطرف والإرهاب الذي ساهمت وما زالت، حكومة أمريكا في صنعه أو بريطانيا أو حتى إسرائيل. العقل يغرينا أن ننظر إلى المظاهرات التي تملأ الغرب من أجل فلسطين وغزة، وكيف يأتي أسطول الصمود العالمي يحمل فنانين وكتّابا من الغرب عبر البحار من أجل غزة. العقل يجب أن يكون دليلنا لنفرق بين إنجازات الشعوب وإنجازات الحكومات في الغرب. متى نستخدم العقل في هذه المسألة ولا تغرينا الشعارات المستهلكة مثل شيطنة الغرب، أو أن قيمه تتعارض مع أدياننا، ومن ثم نرفض كل تجليات الحضارة.

243

| 18 سبتمبر 2025

إسرائيل تكشف عن وجهها الحقيقي

المتابع لدور قطر القومي يجده متقدما على دور كثير من الدول العربية والأجنبية، سواء في إدخال مساعدات إلى غزة، أو محاولة إيقاف الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس. أو بمعنى أدق، إيقاف الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل لأهل غزة. لقد قدمت قطر وشعبها الكثير للقضية الفلسطينية، وكانت مرفأ لقيادات المقاومة في العلن، وتحمَّلت على مدى كثير من الوقت استفزازات وسوء فهم متواصل، لكنها ظلت على أرضها وقناعاتها، ولقد حدث أن توصلت قطر إلى الهدنة مرتين من قبل، كانت الفرصة فيهما لإدخال المساعدات إلى غزة كبيرة، كما تم فيها الإفراج عن أسرى إسرائيليين لدى حماس. يحدث هذا الاعتداء في وقت ينتظر فيه أهل غزة إيقاف العدوان الذي لا ينتهي عليهم، وينتظر إسرائيليون الإفراج عن الأسري منهم لدى حماس، لكن نتنياهو العنصري الذي يقف على فرضية أسطورية هي إسرائيل من النيل إلى الفرات، يضرب بكل الأحلام الممكنة عرض الحائط. ما الذي حدث بعد هذا الإرهاب من دولة إسرائيل كما وصفه معالي رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري؟ انتفض العالم كله من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، لمساندة قطر والتنديد بالعدوان. بل سارعت دول مناصرة لإسرائيل مثل أمريكا وإنجلترا وفرنسا لإعلان رفض العدوان على قطر. من الصعب أن تجد دولة واحدة صمتت أو أعلنت حيادها. كذلك منظمات أهلية كثيرة عبر العالم. ورغم أن إعلان ترامب رفضه للعدوان يمكن اعتباره نوعا من غسيل الوجه، لكنه حدث. أعلنت إسرائيل أنها استهدفت قيادات حماس. وذكرت أسماء مثل خليل الحيّة أو خالد مشعل أو غيرهم. لكل منهم حقا تاريخ في النضال ضد الصهيونية، لكنهم صاروا يعملون من أجل الهدنة والسلام في الدوحة، إلا أن نتنياهو الذي جعل الكذب رايته لم يتحمل ذلك. إن أسماء الضحايا لهذا العدوان الغادر الذين تعلن قطر عنها يوما بعد يوم، هم الآن في قافلة الشهداء التي لا يدركها نتنياهو، ولا يفهم معنى الاستشهاد لدينا. الشهداء الذين فاقت أعدادهم في غزة السبعين ألفا من الكبار، والعشرين ألفا من الأطفال والنساء، وغيرهم من الصحفيين والطواقم الطبية، غير الجرحى الذين فاقوا المائة ألف. الشهداء هم طريقنا إلى المستقبل، بينما تكشف إسرائيل عن وجهها الحقيقي الذي قد تغيبه السياسة الانتهازية الكاذبة. سنرى خلال الأيام القادمة تطور الموقف القطري الرافض لهذا العمل الإرهابي في أروقة الأمم المتحدة والعالم، وسنرى في إسرائيل انتفاضات ضد نتنياهو الذي ضيَّع فرصة الإفراج عن الأسرى الصهاينة، وستظل قطر وشعبها في موقعهما العالمي والإنساني مع الشعب الفلسطيني، وسنظل نحن والعالم معها..

372

| 11 سبتمبر 2025

الأمل.. الدافع الخفي

كتب الصحفي والشاعر والروائي وائل السمري على صفحته في الفيسبوك، عبارة أخذتني بقوة على لسان بطل روايته «لعبة الخواجة» أدريان دانينوس، ينحاز فيها إلى الأمل. هذه الرواية كانت من أعظم الروايات التي قرأتها هذا العام، وكتبت عنها رغم أنها روايته الأولى بعد دواوين رائعة، وتحقيقات صحفية مغامرة. هي رواية عن يوناني مصري هو أدريان دانينوس كان هو صاحب فكرة بناء السد العالي منذ بدايات القرن العشرين، ولم يتوقف عن ذلك حتى تم بناء السد في عهد عبد الناصر، لكن لم يُذكر اسمه كصاحب للفكرة قط. عثر وائل السمري على وثائق كثيرة عن ذلك تخص أدريان وزمنه، استطاع أن يحولها إلى عمل أدبي رفيع عن الرجل وعصره. أعود إلى العبارة التي أقامت حولي التاريخ الإنساني، وكيف كان ولا يزال الأمل هو الدافع الأكبر للحياة، سواء أقرَّ الإنسان بذلك أم لا. أشعار ملء الفضاء عن الأمل قرأناها، وأغانٍ استمعنا إليها عن أمل الأحباء والعشاق. لكن أيضا أمما وحضارات قامت وتقدمت والأمل يحدوها، رغم كل التفسيرات السياسية لقيام الحضارات واندثارها. اشترك ويشترك في الأمل كل البشر على اختلاف دياناتهم رغم أنه ليس له أنبياء ولا أولياء. القول المعروف بأن الإنسان يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصِّرانه أو يجعلانه مسلما» وتستطيع أن تضيف أو بوذيا أو هندوسيا، قول صحيح، لكن الأمل راية يرفعها الجميع أمامه. حتى النزاعات الدينية بين الأمم وبين أصحاب الدين الواحد، التي جعلت المسيحية تنقسم بين أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت وإنجيليين، وجعلت المسلمين بين سنة وشيعة، ومذاهب مثل الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، كان الأمل يراود أصحابها في رغبتهم في سيادة مذاهبهم أو حروبهم. الأمل خارج التصنيف ولابد أن الخواجة اليوناني أدريان دانينوس كان يعرف ذلك، خاصة إنه أمضى سنوات طويلة حتى تحقق أمله في بناء السد العالي. لكن الذين يرفعون راية الأمل الكاذبة في سرقة أو احتلال بلاد غيرهم، يأتي يوم تنكشف فيه كل أفعالهم ويعودون بخيبتهم، ولا يختلفون عن اللص الذي يأمل في السرقة ويعيش عليها، غير مدرك أنه سيأتي اليوم الذي تقيده فيه جدران السجون. كانت الحروب الصليبية ترفع راية الأمل في احتلال فلسطين، وهي مدركة أن من حاول صلب المسيح أو من شبّهه الله لهم، هم اليهود وليس أهل فلسطين من العرب، فباءت الحملات بالفشل. نجح أمل الأوروبيين في احتلال الأمريكتين ليس لصحة أملهم، لكن لأن السكان الأصليين من الهنود الحمر، كانوا في حالة من الضعف أمام التطور في السلاح الذي وصلت إليه أوروبا. قاوم الهنود الحمر مقاومة كبيرة عظيمة، لكن السينما الأمريكية نجحت في تقديمهم كشعب من البرابرة يستحق الفناء، وإن استيقظ ضميرها ولو متأخرا، فصنعت أفلاما توضح كم كان الهنود الحمر غير ذلك، لكنها كانت أفلاما قليلة مثل فيلم «الأباش» لبيرت لانكستر الذي ظهر عام 1954 وغيره. الآن ترفع إسرائيل راية الأمل الكاذب في أرض الميعاد غير مدركة أن أمل أصحاب الأرض الفلسطينيين والعرب هو الصادق وسيتحقق. تساندها أمريكا وإنجلترا وفرنسا على سبيل المثال، ولا تدرك أمريكا أن الفلسطينيين والعرب ليسوا في حالة الضعف التي كان عليها الهنود الحمر. وكذلك لا تدرك فرنسا ولا إنجلترا أن زمن الاستعمار، وهو المصطلح الذي أخفوا وراءه النهب المنظم للشعوب، قد ولَّى. الأمل ينشده الجميع دون أن يدركوا، لكنه يتحقق للصادقين، ومهما تحقق للكاذبين سيأتي يوم ضياعهم.

345

| 04 سبتمبر 2025

غرفة شهلا العجيلي..

رحلة رائعة أمضيتها مع رواية الكاتبة السورية شهلا العجيلي «غرفة حنا دياب» الصادرة منذ أسابيع عن داريْ ضفاف والثقافة. كنت أعرف أني سأدخل عالما سحريا كما تعودت مع أعمال شهلا السابقة مثل «صيف مع العدو» أو «سماء قريبة من بيتنا» أو غيرها. لن أحدثكم عن الجوائز التي حصلت عليها أو رشحت لها رغم أهميتها، فالجائزة الأكبر هي لنا بهذه الرواية الجديدة. غرفة حنا دياب وعائلته في حلب اختفت مع الزمن وصارت ذكرى فلقد مضت عشرات السنين، وإن ظلت في ذاكرة الباحثين عن تاريخ المدينة وأحوالها عبر الزمان. حنا نفسه الذي أراد بحكاياته أن يمسك بالزمن، ورحلته مع كتاب ألف ليلة وليلة، تأخذنا إلى ألف ليلة أخرى عن حلب بعين شهلا العجيلي، وكأنما أوكل إلى شهلا العجيلي أن تقيم الغرفة الأوسع. تبدو الرواية بداية قد تجعلك تتساءل ما هذا الذي تفعله الكاتبة. لقد اكتشفت الراوية «كندة الأشقر» حين نظرت صدفة إلى هاتف زوجها محمود النقال بعد وفاة أمه وعودتهما إلى البيت، رسائل من الغرام إلى جوار رسائل المواساة. تعتقد أنت كقارئ أنه لصدمتها التي فاقت وفاة حماتها التي هي خالتها، أنك ستدخل في صراع بين الزوجين، لكن تأخذك «كندة» في رحلة طويلة مع حياتها في التعليم لتنتهي من أطروحتها الجامعية ومع حلب، وأن عنوان أول أقسام الفصل الأول «حادثة لا تقبل الصفح» خادع، ففي حياتها السابقة قصة حب كبيرة مع غسان قزاز مهندس الديكور ومرمم الآثار. انتهت حين اكتشفت أنه متزوج من فرنسية تعيش في باريس وأنجب منها، وليسا على اتصال حقا، لكنه ليس لها هي كندة، وهنا يظهر ابن خالتها محمود الذي يتزوجها. حتى تصل إلى ذلك تعيش مع حلب وأسواقها والتعليم في المدارس والجامعة. قصة حبها لغسان بالإضافة إلى دراستها للمكان، كانت سببا في زيارة أسواق عديدة تذكرها بالاسم، ومحلات ومطاعم وغيرها من مصادر البهجة. لماذا حقا تفعل ذلك مع المكان والبيوت والأسواق بتفاصيل مذهلة تجعلها تتجسد بين عينيك. تدرك مع استمرار القراءة أنها لا تجسد الحب فقط، ولا رحلتها السابقة معه، لكن كل شيء سيتغير مع الزمن والحروب والجماعات المسلحة والنظام الحاكم. لا يتوقف الوصف للمكان فقط لكن للشخصيات أيضا بدقة، ومقتل أبيها بين ذلك هو المدرس الجامعي. صديقاتها مثل فرح التي تأنس بها وتشجعها على المضي في قصة حب غسان، أو فاطمة التي تخاوي الجن وترى ما لا يراه غيرها. تأتي بين ذلك سيرة حنا دياب وعائلته التي ضاعت مع السنين، لتصبح حلب كلها هي غرفته التي تعيدها إلينا شهلا العجيلي كما قلت. الأزقة والباعة والصناعات الشعبية ومعارض الفنون والجامعة والمدارس والوقوف عند كثير من المهن بتفاصيل مذهلة. يأخذ الفصل الأول مائة وثلاثين صفحة، وبين قصة الحب مع غسان التي لم تكتمل كأنها تغفر لزوجها، يتجسد العالم حولها في حلب. الفصل الأول كله بضمير المتكلم تحكيه كندة شقرون، وتأتي بينه حكايات لغيرها ممن تعرفهم وتحبهم، ليأتي الفصل الثاني الأكبر بضمير الغائب تحكيه الكاتبة، ويظهر جانب آخر من تاريخ حلب، وصراع الدول القديم مثل إنجلترا وفرنسا متجسدا في صراع القناصل، والارتحال بين حلب وإسطنبول، والأصول غير العربية لبعض الشخصيات، وتظهر فتيات مثل فتوح العارفين وميسر وهيلين والدكتور باتريك الذي يعالج ميسر في المصحة النفسية وغيرهم، لكن الفتيات يسطعن في فضاء الرواية، كأنهن يشاركن كندة في قصص الحب الضائعة. رواية عن روح المكان عبر الزمان تستحق كل احتفاء.

420

| 28 أغسطس 2025

فضاء من الألم والأمل

ذهبت الى عزاء الكاتب الراحل صنع الله إبراهيم في مسجد عمر مكرم يوم السبت الماضي. لن أتحدث عنه ككاتب عظيم له إنجازاته في الرواية والترجمة والنشر وغيرها فما أكثر ما كتب عنه في حياته، ومع المرض والوفاة انهالت المقالات والشهادات الرائعة عنه. لقد لخصته أنا في مقال صغير بأنه كاتب عاش على الاستغناء وهذا يفسر رفضه عام 2003 لجائزة مؤتمر الرواية الدولي الذي كان يقيمه المجلس الأعلى للثقافة في مصر. اتذكر في نهاية التسعينيات وكان مشروع مكتبة الأسرة العظيم يملأ فضاء مصر بما يطبعه من آلاف النسخ من الكتاب بأسعار زهيدة جدا، وكيف أخبرني الدكتور سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب منفذة المشروع، أنه يريد أن يطبع إحدى روايات صنع الله فقلت له سيرفض. صنع الله بعيد عن الدولة. سألني عن رقم تليفونه فأعطيته له. اتصل به أمامي يعرض عليه أن ينشر له رواية يختارها ثم أبعد التليفون عن أذنه. قال لي «دا بيشتمني» ابتسمت وقلت له لقد حذرتك. بعدها بسنوات قليلة يوم توزيع جائزة مؤتمر الرواية كنت أقف أمام قاعة دار الأوبرا مع أحد الصحفيين، فرأيت صنع الله قادما داخلا القاعة فاندهشت جدا. توقعت فوزه بالجائزة وتوقعت أن يرفضها. كيف لا يعرفون صنع الله إبراهيم؟! ظللت خارج القاعة. لم يطل الوقت وسمعت تصفيقا مدويا، ورأيت صنع الله خارجا مسرعا والصحفيون خلفه وهو يشير لهم إنه لن يتحدث الآن. لقد حدث ما توقعته ورفض الجائزة. ليس مهما تفاصيل الأمر لكن هكذا عاش. طبعا أعطاه هذا الموقف شهرة كبيرة لا تزال سارية، لكن إنجازه الأدبي لا يقل أبدا عن ذلك، فلقد اختار طريقة الكتابة التسجيلية التي لم تعرفها الرواية العربية من قبل، وحفر فيها طريقا يتجدد مع كل رواية، والحديث عن ذلك أهم من الحديث عن رفض الجائزة. ذهبت إلى العزاء مدركا أني سأقابل أعدادا كبيرة من الأحباء من كل الأجيال وحدث. لست من هواة التصوير فلم أصور نفسي لأنشر الصورة كما يفعل الكثيرون. أعداد كبيرة جدا ممن قابلت من أعظم محبي الوطن في كتاباتهم وعملهم في المسرح أو السينما أو الإبداع الروائي والشعري أو الكتابة الفكرية أو الصحافة. لبعضهم تاريخ أيضا مع المعارضة السياسية والمعتقلات، وهذا طبيعي في عزاء كاتب له تاريخ في المعارضة والسجون. اتسع جامع عمر مكرم بي إلى فضاء الوطن حتى أني كثيرا ما كنت أصافح من يصافحني وأنا شارد عنه. لم أعد أعرف على من حزني. صنع الله إبراهيم أم البلاد. لكنه القرآن الكريم الذي كنت أسمعه أخذني إلى فضاء من الرضا والأمل، وبقيت ساعتين كاملتين لتمتلئ روحي بآيات الذكر الحكيم وسط زحام الناس والأفكار، أملا أن تمضي الحياة رغم آلامها.

426

| 21 أغسطس 2025

«ورد السياج» العابر لكل حصار..

أحب أعمال ليانة بدر منذ أول رواية قرأتها لها، هي كاتبة فلسطينية لها أعمال روائية مهمة مثل «الخيمة البيضاء»، ومن مجموعاتها القصصية «أنا أريد النهار»، وكذلك شاعرة ولها كتب بحثية مثل» تغريدة الشاعر- أثر المكان على الهوية في أعمال محمود درويش» وغيرها، والتي تعيش الآن في رام الله بعد رحلة من الشتات من فلسطين إلى بيروت إلى تونس. منذ أسابيع صدرت لها في مصر رواية بعنوان «ورد السِّياج» عن دار الثقافة الجديدة. أخذني الشغف أن أعرف عن أيْ ورد، وإن كنت أدرك أن السِّياج سيكون الحصار للشعب الفلسطيني. أخذتني الرواية إلى فصولها المتفرقة عبر الزمن، والتي تبدأ بأكتوبر عام 2021 أيام حصار كورونا، الذي فتح الباب للحديث عن الحصار عبر التاريخ في فلسطين والأردن وبيروت حيث مخيمات اللاجئين. تدفق الحديث عن الورد الذي ستدرك أنه النساء. شخصيات مثل هند وعائشة وآمنة وسعدي وسمية وغيرهن، وبينها شخصيات من الرجال مقاتلين وشهداء أو يعملون في الصحافة مثل المصور ماجد. الصحافة في بيروت في السبعينيات التي رغم اتساعها فوراء أكثرها جماعات وأحزاب بين اليمين واليسار، وحال الدول العربية مثل مصر واتفاقية كامب ديفيد وأثر ذلك. قصص الحب الضائع والحب القائم، مما يعطي الرواية طابعها الإنساني. هكذا صار التنقل بين الورد بلغة تجسد ما تحكيه الكاتبة أو ما تحكيه الفتيات، يجعلك لا تترك الرواية من يدك. كيف كان الرجال المؤمنون بالقضية الفلسطينية، يحملون بين الانقسامات الحزبية والدينية، ألقابا صورية في عملهم التنظيمي من ديانات أخرى مقاومة لأيْ تفريق، ومنهم أحمد العشي الذي صار اسمه جورج حداد. تتغير لغة الحكي أحيانا بين ضمير الغائب وضمير المتكلم فيزداد التشويق، لكن نظل مع الورد بين غارات إسرائيل على بيروت، ودمار الشوارع التي جاء ذكر بعضها من قبل مثل شارع الفاكهاني، وتجارب الغائبين في المعارك مثل فادي. يتسع الحوار والذكريات مع ماجد ليحكي لجورج عن زيارته يوما للاتحاد السوفييتي وكيف رأى الحياة على غير ما نعرف عن العدل والمساواة، وزيارته لبيت ماياكوفسكي الذي صار متحفا، وكيف انتهى ماياكوفسكي إلى الموت وقيل إنه انتحر من أجل امرأة، والحقيقة أنه لم يكن متماهيا مع النظام السياسي الجديد رغم احتفاء النظام به، وإقامة تمثال له في موسكو شاهدته أنا يوما في بداية التسعينيات ووقفت أمامه أتطلع إليه. بين ذلك تستمر الإطلالات النسائية مثل أم جلال التي استطاعت إخفاء غيظها من زواج ابنها جلال بآمنة، وكيف تطوعت في العمل بالمستشفى الميداني وتستعيد ذكرياتها منذ أن غُصبوا علي ترك وإخلاء حيفا عام 1948. الملاجئ والمخيمات، وكيف تم في إحداها عرض مسرحي للمخرج روجيه عساف لمسرحية بعنوان « 1936» التي تحكي عن اجبار الفلسطينيين على الخروج عام 1948. ولا مانع من الفرح بشجرة الميلاد حتى يأتي عام 1982 الذي بعده حدث الخروج الكبير من لبنان للفلسطينيين بعد أن دخلت إسرائيل بيروت وحدثت الهدنة لرحيل المقاتلين. أن تخصص ليانة بدر رواية كاملة للورد ليس مجرد تاريخ، لكن إمساك بروح هي باعثة الأمل دائما فينا، ودون عبارة أو جملة مباشرة في الحكايات. بل هي الحياة تتدفق في صور مرئية كأنها لوحات فنية تملأ الفضاء. لا يمكن أن تنتهي من الرواية دون أن تتذكر ما يحدث في غزة الآن، وتتساءل كم هي الورود التي ستطل حكاياتها علينا قريبا، رغم أنف إسرائيل وكل الأنظمة الموالية لها. رواية ليانة بدر شكلا ولغة وموضوعا تستحق كل احتفاء كبقية أعمالها.

480

| 14 أغسطس 2025

كيف اختلف نجيب محفوظ؟

يظل نجيب محفوظ في حياته درسا لا يتكرر، منذ صباه حتى ظهر كاتبا للرواية عام 1939 بروايته «عبث الأقدار» كانت مصر حوله تغلي بالحركة السياسية بعد ثورة 1919. كانت الحياة الليبرالية حوله متسعة، فلم يدفع كاتب ثمن رأيه إلا قليلا، مثل عباس محمود العقاد الذي سُجن عاما، حين قال رأيه في الملك فؤاد الذي أراد تعطيل الدستور عام 1930. وبيرم التونسي الذي تم نفيه إلى باريس بسبب مقال ينتقد فيه العائلة المالكة في عهد فؤاد أيضا، وقبلهما عام 1914 تم نفي أحمد شوقي حين عزل الإنجليز الخديوي عباس حلمي الذي كان شوقي مقربا منه. ظهر في مصر كاتب ومفكر هو إسماعيل أدهم كتب مقالا بعنوان» لماذا أنا ملحد؟» عام 1937 فجاء الرد عليه بكتاب «لماذا أنا مؤمن» من عدد مهم من الكتاب ولم يتم سجنه. طبعا اختلف الأمر مع السياسيين لكن الشوارع كانت تنتفض من أجلهم وتتغير الأحوال. كان يمكن لهذا الجو السياسي المتسع أن يجذب نجيب محفوظ، لكنه لم يساهم في العمل السياسي ولم ينتم إلى أيْ حزب. تأثير الحياة الليبرالية عليه جعله يؤمن بحق الآخرين في الاختلاف، لذلك مضت سنوات طويلة حتى نهاية الخمسينيات، ولا مقالات عنه إلا مقالان أو ثلاثة مبكرون. اختار نجيب محفوظ في هذا الجو من الحرية أن يقيم للرواية العربية بيتا في لغتنا يساوي ما فعلته الرواية عبر خمسمائة سنة في العالم. فكما بدأت الرواية في العالم تاريخية ثم واقعية ثم حداثية وعجائبية بدأ هو بالرواية التاريخية مثل رادوبيس وكفاح طيبة ثم روايات واقعية مثل خان الخليلي وزقاق المدق والثلاثية الشهيرة، ثم انتقل في نهاية الخمسينيات الى الحداثة مع أولاد حارتنا. استمرت الرحلة في أن يكتب وينشر دون أي تفكير في مكسب آخر. تولى في عمله مناصب ثقافية لكنها لم تكن وسيلة للاستفادة بأي شكل من الأشكال. جاءته السينما مع بداية الستينيات تجري وراء أعماله، هو الذي لم يشغله من قبل أن تتحول أعماله لأفلام، رغم مساهمته في كتابة سيناريو لأكثر من فيلم بعضها رومانسي. كان ميله لكتابة السيناريو نوعا من التجريب وطريقة أسرع في الكسب، وكذلك ابتعادا عن كتابة الرواية لسنوات بعد حركة يوليو 1952 التي لم يكن يعرف إلى أين ستسير الأمور بعدها. ظل كذلك حتى عام 1959 حين بدأ ينشر روايته «أولاد حارتنا» في جريدة الأهرام مبتعدا عن الواقعية إلى الأفكار الفلسفية الكبرى، ورغم ما جري معها انفتحت له أبواب الرواية من جديد بغزارة. كيف استطاع محفوظ أن ينجو بنفسه من جحيم السياسة والسياسيين وجحيم الاختلاف مع الآخر؟ هذا درس لا يتوفر لكل الكتاب. يظل هو حالة خاصة لا تتكرر. كان نضجه وسط الحياة الليبرالية سببا في تقبله لأي اختلاف، وأن يحتفظ بالمرارة داخله حين يكون الرأي مجحفا له. هذا هو السبب الأول. السبب الثاني هي الثقة والإيمان بالنفس وبأن الكتابة تكفي متعتها لأي كاتب، ومكاسبها المادية ستأتي أو لا تأتي فالمهم متعتها. ساعده على ذلك بساطة الحياة حوله في أسعارها وكل شيء فالعشرة جنيهات كانت تكفي الأسرة شهرا دون احتياج. هذا الاختلاف بين الجميع ومحفوظ كان من فعله هو، وإيمانه بما قدر الله له من كتابة، الحياة الليبرالية جعلت الجميع يعملون في كل شيء. سياسة وصحافة وإبداع، لكنه اختار الإبداع من بينها فقط، وهذه إرادته القوية، التي ساعده عليها الزمن وسهولة الحياة التي صارت حلما ضائعا.

477

| 07 أغسطس 2025

فيروز والليل

هل كانت وفاة زياد الرحباني نهاية العالم؟ بالطبع لا. العالم سيستمر ولن تخلو أرضه ولا فضاؤه من أعماله وأعمال الأخوين رحباني وصوت فيروز. آلاف المراثي ومئات المقالات ملأت الفضاء. وقفت أنا لحظات أمام هذا الموت الفاجع، وتذكرت أن فيروز فقدت من قبل زوجها عاصي وأخاه منصور الرحباني وابنتها ليال، وها هي تفقد ابنها زياد. بدت لي كأنها منذورة للعذاب في الدنيا. لفت انتباهي مقولة لزياد عن والده عاصي الرحباني وهو يعلق على تمجيده من الناس «إنه كان زلمة». أيْ شخص عادي له ماله وعليه ما عليه. فالقداسة ليست للبشر مهما انجزوا. هي فقط للأنبياء. لن أقف عند ما قيل عنه باعتباره عبقريا أو حتى زلمة فما كتب عنه يفوق الخيال، لكن لفت انتباهي اجابته على سؤال: ليه الناس تعودت تسمع فيروز الصبح؟ وإجابته «لأن المصاروة أخذوا الليل». هي مقولة صحيحة إذا تذكرنا حفلات أم كلثوم، حين كانت في الخميس الأول من كل شهر، تخلو فيه الشوارع بالمساء من البشر، والكل في بيته ينتظر الحفلة. وحتى المقاهي التي تظل مفتوحة تجد قليلا من الجالسين شاردين مع صوت أم كلثوم كأنهم خارج العالم. ناهيك عن محطة الأغاني بالراديو، التي كانت تبدأ في الرابعة عصر كل يوم بأم كلثوم، وتنتهي في العاشرة بها أيضا. لكن هل أخذت فيروز النهار فقط حقا. مثلي عاش منذ شبابه ينفرد معها كل مساء بأشرطة الكاسيت ثم اليوتيوب. لم أستطع أن أسمع أم كلثوم وحدي منفردا إلا نادرا. أم كلثوم هي اللقاء الجماعي حتى لو في البيت، بينما مع فيروز هي الوحدة والتأمل. ففي كثير من أغاني فيروز وعي فلسفي بهذا العالم. قليل من التأمل في أغانيها نرى أننا في حالة وجودية عابرة للزمن رغم الأمل في النهاية. أستطيع أن أقف عند أغان كثيرة مثل حبيبي بده القمر والقمر بعيد - طيري يا طيارة – يا دارة دوري فينا - فيه قهوة ع المفرق- وغيرها كثير جدا تحمل هذه المعاني، لكني سأقف عند أغنية» قديش كان في ناس» التي لحنها زياد مثلا على ما أقول: « قدّيش كان في ناس ع المفرق تنطر ناس وتشتّي الدني ويحملوا شمسية وأنا بإيّام الصحو ما حدا نطرني ------ صار لي شي ميّة سنة مشلوحة بها الدكان ضجرت منّي الحيطان ومستحيه تقول وأنا عيني ع الحلى والحلى ع الطرقات غنّيلو غنّيات وهوّه بحاله مشغول نطرت مواعيد الأرض وما حدا نطرني» رغم أسباب الوحدة الواضحة، إلا اننا في حالة أبدية من الاغتراب في هذا العالم.: « صار لي شي ميّة سنة عم ألّف عناوين مش معروفة لمين وودّيلن أخبار». ولقد قابلت في حياتي من تجعله الوحدة وخاصة من النساء يكتب رسائل إلى لا أحد، وظهرت أحداهن في روايتي «الإسكندرية في غيمة». المشي مع المعاني الوجودية في أغاني فيروز التي كتبها الأخوان رحباني أو زياد ولحنوها أو غيرهم لا ينتهي. ومن ثم فالليل والوحدة والتأمل لا الاجتماع البشري حول صوتها والتصفيق، ولا النهار بمشاغله، هو سر الفناء معها. الكم الهائل من المراثي والمقالات بعد وفاة زياد يجعلني أؤكد ذلك، فليس معقولا أن كل من كتبوا ذلك حضروا حفلاتها أو استمعوا إليها مع غيرهم، ولابد أن أكثر استماعهم كان في الليل مع الوحدة ومع شرائط الكاسيت أو اليوتيوب. هذا ما عشته وأحببته وأقوله وأشعر حزينا أن فيروز تعيشه الآن بعد هذا الفراق شديد الإيلام.

531

| 31 يوليو 2025

الهوية وغزة

قد لا يبدو أن هناك علاقة ما بين سؤال الهوية وما يحدث في غزة. إن ما جرى من نقاش حول الهوية عبر التاريخ يحتاج مقالا وحده، فما علاقته بغزة وما يحدث فيها من حصار لشعبها وصل إلى حد التجويع كطريق للخلاص، بعد هدم المنازل والمخيمات والمستشفيات والقتل الجماعي لسكانها؟ بإيجاز لقد شهد سؤال الهوية مراحل مختلفة، أصابه فيها كثير من الصواب وكثير من الخطأ. حين تم رفع شعار القومية العربية كان في مواجهة الاستعمار وكان ذلك صوابا، لكن بعد التحرر من الاستعمار ظهرت في الدول رافعة الشعار نزعات لتحقيق الوحدة العربية بالقوة، فحدثت معارك لم تأتِ بنتيجة غير الخسارة، وتدخل دول خارجية في مسارها كما حدث في مصر من عدوان إسرائيلي عام 1967 وكثير من جنود جيشنا في اليمن، أو كما حدث في العراق بعد غزوها للكويت والتدخل الأمريكي الأوروبي الذي بعده لم تعد العراق كما كانت. كذلك منذ السبعينيات ارتفعت شعارات الصحوة الإسلامية، وكان من نتيجتها حروب طائفية بين الشعب الواحد نفسه، التي كلما ظننا انها في طريق الغياب تظهر من جديد، وآخر تجلياتها ما حدث للدروز في سوريا الذي بعده تقوم إسرائيل بالغارات على سوريا لحماية الدروز من المسلمين!! ما بين القومية العربية والصحوة الإسلامية تبدو غزة كأنها تنتمي الى مجرة بعيدة عن عالمنا العربي، وما يحدث فيها يحدث لشعب غير عربي الهوية ولا مسلم الديانة. لا الأمم المتحدة ولا الجامعة العربية تقوم بدورها، وأبرز ما يحدث هو تلاسن بين الكثيرين على صفحات السوشيال ميديا من مصر أو الدول العربية، وكل يحمل دولة الثاني المسؤولية عن عدم مناصرة غزة. يغيب السؤال عن العروبة ولا أريد أن أقول عن الإسلام لأن بين الشعوب العربية جماعات مسيحية وغيرها، لكن يقفز الإسلام والمسلمون لأننا الغالبية بين الشعوب العربية. مثلي يشعر بالأسى والحزن الشديد لأسباب كثيرة، فالعروبة لم تغب عن أفكاري طوال حياتي ولا الدين، لكن أن أعيش لأرى شعبا يُباد، ويصل الأمر إلى الموت جوعا، أمر كنت لا أتمنى أن أعيش لأراه. لا أعرف إلى من أتوجه بحديثي. هل للحكام أم الشعوب، لكن لا يغيب السؤال واتوجه به إليهما معا. أمم ودول كثيرة ضاعت عبر التاريخ بسبب نومها على ذنوب، فهل هناك ذنب أكثر من إبادة أهل غزة نعيش فوقه اليوم، وإذا كنا لا نرى تبعات سريعة له علينا، فستأتي التبعات مع مرور الزمن. بعيدا عن السياسة فأيْ عاقل يعرف أن حلم إسرائيل الكاذب هو دولة من النيل إلى الفرات، ومحاولة إبادة أهل غزة خطوة في الطريق. أعود لأتحدث عن الذنب العظيم الذي صرنا نعيش فوقه. من سيتحمل هذا الذنب. وهل سيفرق الله بين الشعوب والحكام حين يأتي عقابه. هل صار الأمل فقط هو صمود أهل غزة وتعاطف دول قليلة معها، ومظاهرات في دول مؤيدة لإسرائيل مثل فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا. وهل لن يظهر بينها من يقول ماذا تفعلون وأكثر من مليار مسلم يتفرجون، أو يكتفون بالكتابة على صفحات السوشيال ميديا. هل سكوتنا عن أمر غزة إلى هذا الحد لن يجعل إسرائيل تتمسك أكثر بأسطورتها من النيل الي الفرات؟ نبتعد عن السياسة وندخل في معنى الإنسانية. أليست الإنسانية هي جوهر ديننا. كيف يكون ديننا الآن. أعرف أن الدين سيستمر رغم أي شيء، لكن كيف تستمر حياتنا فوق الذنوب. انتظار الفرج من الله أمر صحيح، لكن كيف يأتي الفرج ونحن نكتفي بالفرجة؟

387

| 24 يوليو 2025

هل هناك نفي في الإبداع؟

هذا العنوان هو سؤال قفز إليْ وأنا أرى كثيرا من التعليقات من كتاب أو مريدين لهم على أعمال من سبقوهم بأنه انتهى زمنها، لقد شمل الأمر أحيانا نجيب محفوظ. أحيلكم إلى واقعة قديمة تُنسب إلى لينين مفجر الثورة البلشفية في روسيا، التي بعدها بدأ ما سُميَ بالواقعية الاشتراكية في الكتابة، حدث أن سمع لينين بأن هناك من يرى أعمال دوستويفسكي غير مناسبة للعصر الجديد. أعمال دوستويفسكي طبعا كانت معنية بتجليات النفس البشرية في شرورها وخيالاتها، بينما الواقعية الاشتراكية تحدد الإبداع بقيمته الأخلاقية والسياسية المباشرة. بإيجاز تدين الأغنياء لصالح الفقراء. قال لينين كلمة شهيرة إنه في الإبداع لا يوجد «نفي» لكن يوجد «نسخ»، والنسخ هنا ليس إعادة الكتابة لما سبق، لكن استلهامه والبناء عليه بشكل جديد. مات لينين وجاء ستالين ومعه الواقعية الاشتراكية بشكل حاسم مما كان سببا في هروب بعض الكتاب إلى أوروبا أو انتحار بعضهم. تاريخ الإبداع هو تاريخ تطور الأشكال الأدبية قبل مضمونها. المضمون في الطرقات لكن كيف تكتب أو ترسم هو السؤال. أقرب الأمثلة تجدها في الفنون التشكيلية، فالتأثيرية أو السيريالية أو التكعيبية أو ما تشاء، هي تجليات لرؤية الفنانين للعالم. لكنها أبدا لم تكن نهائية وإلا كنا وقفنا عند مدرسة واحدة. الأمر نفسه في الأدب. المدرسة العجائبية أو الواقعية السحرية الأقرب إلى القارئ الآن، والتي انتشرت في العالم مع جابرييل جارثيا ماركيز وخورخي لويس بورخيس وغيرهم، تجد لها أصولا في ألف ليلة وليلة ولقد اعترفوا هم بتأثرهم بها. الخيال لم يفارق الإنسان في كل ابداعه، لكن هنا صار أساسيا كما كان في ألف ليلة وليلة، وإن اختلف المكان والزمان. نجيب محفوظ الذي يرى البعض أنهم تجاوزوه، أقام في مصر خيمة للرواية وكيف تجلت عبر التاريخ. لقد مرت الرواية في العالم بمرحلة تاريخية ثم كلاسيكية ثم رومانتيكية ثم واقعية حتى وصلت إلى العجائبية والحداثة ففعل نجيب محفوظ هذا كله وحده منذ رواياته التاريخية الأولى، ثم الواقعية كالثلاثية، ثم العجائبية والحداثة التي تجلت ببراعة في «أولاد حارتنا» أو «الحرافيش». أنت تقرأ مستمتعا الآن روايات لتشالز ديكنز ودوستويوفسكي وغيرهما رغم اختلاف مدارسهم الأدبية، لأن الخلود يأتي من شكل الكتابة الجديد، وموضوعاتها المتمردة على ما استقرت عليه الأفكار العادية من علاقات بين البشر وبعضهم، والبشر والسُلطة،. في الخمسينيات في مصر ظهر نقاد يروجون للواقعية الاشتراكية مثل محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس وكانا من أقطاب الحركة الماركسية. دخلا في جدل عنيف مع طه حسين والعقاد باعتبارهما يشجعان الأدب البورجوازي. تابعهما عدد كبير من المبدعين كتبوا قصصا وروايات تتسم بالروح الاشتراكية. ظهر بينهم يوسف إدريس يكتب عن هموم الانسان التي تبدو صغيرة لكنها تصنع روحه. نشر أولى مجموعاته القصصية بعنوان» أرخص ليالي» مع مقدمة لطه حسين الذي لم يغير العنوان ليجعله صحيحا لغويا» أرخص ليالٍ». ملأ يوسف ادريس فضاء البلاد، وتقريبا اختفى من ساروا على درب الكتابة الهادفة المباشرة التي تقسم الناس بين يمين ويسار. محمود العالم نفسه فيما بعد كتب كتابا رائعا عن نجيب محفوظ أخذ فيه الشكل الفني المساحة الأكبر، هو «كتاب تأملات في عالم نجيب محفوظ». أدرك محمود العالم أنه في الأدب لا يوجد نفي. ولعل من يقللون من شأن محفوظ أو غيره الآن يدركون، العالم حقا يمضي إلى الأمام ويتسع لكن لا ينفي أعمال أصحاب المواهب العظيمة.

246

| 17 يوليو 2025

الخلود بين المكان والزمان

الزمان والمكان مشكلتان قابلهما الإنسان في حياته منذ بداية نشوء الجماعات البشرية. المكان كان أمره سهلا، فالإنسان عمل على إعداده لحياته، وشغله بالبنايات منذ الأكواخ حتى العمارات العالية. امتدت عيونه إلى أماكن أخرى حين قامت الإمبراطوريات ووجدت أن مجالها الحيوي يجب أن يتسع فيشمل بلادا حولها، فحدثت الغزوات أو الفتوحات. اختر المصطلح الذي تميل إليه. الزمن هو المشكلة التي لا يزال الإنسان يفكر فيها، ويبحث هل من الممكن السيطرة عليه. أخذ هذا شكلين. الأكبر هو شكل خيالي اهتدى إليه الإنسان فيه يكون الخلود يوم الحساب. حفلت الحضارات القديمة بهذا بدءا من الحكايات حتى الرسوم والتماثيل التي تشير إليه. من علامات ذلك الأهرامات والمسلات المصرية التي ترتفع مثلثة إلى السماء تشير إلى الصعود إلى زمن الخلود الحقيقي. كما حفل الأدب وهو صورة أخرى من الخيال، بالروايات التي اشتهرت عن الزمن مثل "آلة الزمن" لهبرت جورج ويلز التي صدرت عام 1895 وروايته "النائم يستيقظ" وطبعا رواية "1984 " التي كتبها جورج أورويل، وروايات هاري بوتر للكاتبة الإنجليزية جوان رولينج. ما زلنا في منطقة الخيال التي احتفت بها السينما العالمية، والتي كان أيضا من تجلياتها القديمة في الأديان قصة أهل الكهف الذين هربوا من الطاغية الروماني لأنهم يؤمنون بالله ولا يعبدون الأوثان، ودخلوا كهفا ناموا فيه عشرات السنين ليستيقظوا فيجدون عالما قد تغير. بالصدفة شاهدت منذ أيام فيلما أمريكيا على إحدى القنوات عنوانه " في الموعد" أو بالإنجليزية: In time فيه كل إنسان على ذراعه نقش بتاريخ موته باليوم والشهر والسنة. في مدينة بها حارس للوقت من رجال البوليس، لكن طبعا تستدعي الدراما من يعطي غيره شيئا من عمره، أو يجبره على التنازل عن شيء منه. جعلني الفيلم أفكر هل لو عرف الإنسان يوم نهاية عمره ستتغير حياته؟. هل ستنتهي الشرور خاصة أن نهاية العمر تعني الصعود للعالم الآخر ويوم الحساب فتكون الحياة الدنيا أفضل؟ لو ابتعدنا عن الخيال سنجد أن من أبرز ما أتى به العلم الحديث في مسألة الزمن، هو اكتشاف العالم المصري الأمريكي أحمد زويل للفيمتو ثانية. عشنا نعرف أن الزمن باليوم والساعة والثانية، وجاء اكتشاف زويل للفيمتو ثانية، وهو جزء من مليون مليار جزء من الثانية. الاكتشاف الذي أعطي الأمل في فتح أبواب الخلود للبشر، فبه يمكن معرفة ما سيحل بالإنسان من أمراض في وقت مبكر جدا، لكن للأسف مات أحمد زويل بالسرطان قبل أن تقوم شركات الأدوية والمعامل بتحديد طرق اكتشاف المرض قبل موعده بسنين طويلة. هذا الاكتشاف العلمي مع قيمته العلمية هو أيضا طريقة لدرء الأمراض ومن ثم الخلود أو الأمل فيه. لكن هل يمكن أن يتحقق ذلك؟. ربما أتحدث مرة فيما بعد عن شركات الأدوية العالمية ودورها السيئ في إخفاء الأدوية الجديدة وغير ذلك كثير. المهم نعود إلى فكرة الخلود التي لا تتحقق إلا في الخيال. في علاقة الإنسان بالمكان نراها تتغير، فكل الامبراطوريات تراجعت وظهرت غيرها، ولن تستطيع أمة أن تحكم العالم كله إلى الأبد. لكن ستظل فكرة التحكم في الزمان تراود الإنسان، والمهم أن تكون لنتائجها وجوه لتحسين حياته. نراها الآن في العالم الرقمي، لكن أيضا يتم استغلاله ابشع استغلال. تحاول دول كثيرة وضع قوانين أخلاقية له، لكن لا يزال غيرها في الطريق الخاطئ. وهكذا فالحكمة ما زالت مع الإنسان القديم الذي أدرك مبكرا جدا أنه بدون عالم آخر لن ينتهي الظلم من الدنيا.

420

| 03 يوليو 2025

إسرائيل في انتظار جودو..

مثلي نشأ منذ الطفولة على كراهية إسرائيل. كل ما فعلته من مذابح لأصحاب الأرض في فلسطين كنت أسمع عنه في طفولتي في الخمسينيات، وكل حروبها مع مصر عاصرتها. لم أقابل حولي شخصا متعاطفا مع إسرائيل لا من أهلي ولا من الجيران ولا في المدرسة ولا بين المثقفين الذين عشت بينهم الآن أكثر من خمسين عاما. مهما اختلفنا مع النظام الحاكم في مصر أو النظم الحاكمة في بعض الدول العربية، كان الأمر حين يصل إلى إسرائيل يتوقف، فهنا عدو لا يمكن التعاطف معه. كيف نشأت إسرائيل وكيف بالفعل صارت إسفينا أو كما نقول بالعامية المصرية «خازوق» بين الدول العربية يمنع أي أفكار عن وحدة هذه الدول أو تقدمها، صار أمرا معروفا تدل عليه كل حروبها. كل اتفاقيات التطبيع معها، تفسدها إسرائيل بأفعالها وتضع دولها في موقف حرج، فضلا عن أنه لا دولة قامت بالتطبيع استفادت منه، لا على مستوى الصناعة ولا العلم ولا الثقافة ولا غيرها. كل تطور في هذه الدول خارج عن يد إسرائيل. أحلام إسرائيل التي قامت على أسطورة شعب الله المختار تتسع أمامنا كل يوم. آخر مظاهر هذا الاتساع، غاراتها على إيران التي لا تشترك معها في أي حدود، لكن برنامج إيران النووي يزعجها. لم تكتفِ إسرائيل بالإبادة الجماعية لأهل غزة ولا بعمليات الاغتيال في لبنان أو إيران لقادة وعلماء. لا تعرف إسرائيل أن في عقيدتنا يعيد الاستشهاد الحياة إلى الأرض الخراب. تعرف إسرائيل جيدا أن العالم لن يسمح لها بالاتساع أكثر، ولا باستخدام السلاح النووي مثلا، لأن هذا القرار لم يعد كما حدث من قبل أثناء الحرب العالمية الثانية حين استخدمته أمريكا في اليابان، أمرا سهلا. لكن إسرائيل تستمر في الحرب التي تبدو أمام كل عاقل لا فائدة منها. أهل غزة لم يتركوها، وعلى العكس الهجرة تزداد من إسرائيل. موقف الشعوب العربية من إسرائيل أمر لا يخفى على قادة إسرائيل لكنهم يتجاهلونه. والسؤال هل ما يحدث الآن من إسرائيل استمرار في عقيدتها أن تتسيد الشرق الأوسط فقط تحقيقا لحلم الصهيونية الكاذب في دولة من النيل إلى الفرات؟ أم هو تأجيل لما يمكن أن يحدث لنتنياهو من محاكمة في قضايا يعرفونها مثل الرشوة، أو إدخالهم في حرب لا طائل منها؟ نتنياهو القاتل الذي يرى في الراية الدينية ويدعي أنه يحاربها، ويرفع في الوقت نفسه الراية الدينية عن وعد الله للشعب المختار، هل يغيب عنه أنه خارج الزمن؟ بالطبع لا يغيب عنه ذلك فهو يعرف أهمية الكذب في السياسة. لماذا يستمر وهو يرى الصواريخ تخترق القبة الحديدية، والصهاينة ينزلون إلى الملاجئ أكثر الوقت، ويظهرون في الشوارع فارين، وبيوتهم تتهدم ومطاراتهم تتوقف وميناء حيفا يتعطل، ويخفون أعداد قتلاهم وجرحاهم الحقيقية. لماذا يستمر وهو لا يرى حوله في العالم العربي نظاما سياسيا يدين إيران؟ وكل الإدانات هي تعليقات ساذجة على السوشيال ميديا من بعض الناس غير المؤثرين في أي قرار، أو بعض الجهلاء الذين ينسون أو يتناسون إجرام الصهاينة. كل ما يفعله نتنياهو أو إسرائيل تراجيديا حقا، لكن يذكرني بفلسفة العبث ومسرحية «في انتظار جودو» لصامويل بيكيت. جودو الذي لم يأتِ ولن يأتي. وإذا أتى سيكون في أوامر خارجية تحت أي غطاء سياسي بإيقاف الحرب.

681

| 19 يونيو 2025

alsharq
غياب المعرفة المالية عن الطلاب جريمة اقتصادية بحق الأجيال

في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...

2106

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

759

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
المسرح السياسي وديكور التعليم

من يراقب المشهد السياسي اليوم يظن أنه أمام...

696

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
1960.. أمّ الانقلابات في تركيا وإرث الوصاية العسكرية

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...

690

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
آن للمنظومة الدراسية أن تتغير

منظومة دراسية منذ القرن الثامن عشر وما زالت...

666

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
أهمية وعي المُستثمر بالتشريعات الناظمة للتداول

يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...

636

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
منصات وزارة العمل.. من الفكرة إلى الأثر

منذ تولي سعادة الدكتور علي بن سعيد بن...

603

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
عيسى الفخرو.. خطاط الإجازة

يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...

489

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
رواتب العاملات

يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...

471

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
العربي يذبح بلا شفقة

لم يَـبْـقَ موضعٌ في القلب العرباوي لم تنل...

450

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
بطة الذهب وثقافة يوم الجمعة.. هل خسارتنا أكبر من أرباحنا؟

بين الحين والآخر، يتجدد في مجتمعاتنا الخليجية نقاش...

447

| 17 سبتمبر 2025

alsharq
بدأ التناقض

ها هي أنديتنا الممثلة لنا في مسابقاتها الخارجية،...

447

| 19 سبتمبر 2025

أخبار محلية