رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الخلود بين المكان والزمان

الزمان والمكان مشكلتان قابلهما الإنسان في حياته منذ بداية نشوء الجماعات البشرية. المكان كان أمره سهلا، فالإنسان عمل على إعداده لحياته، وشغله بالبنايات منذ الأكواخ حتى العمارات العالية. امتدت عيونه إلى أماكن أخرى حين قامت الإمبراطوريات ووجدت أن مجالها الحيوي يجب أن يتسع فيشمل بلادا حولها، فحدثت الغزوات أو الفتوحات. اختر المصطلح الذي تميل إليه. الزمن هو المشكلة التي لا يزال الإنسان يفكر فيها، ويبحث هل من الممكن السيطرة عليه. أخذ هذا شكلين. الأكبر هو شكل خيالي اهتدى إليه الإنسان فيه يكون الخلود يوم الحساب. حفلت الحضارات القديمة بهذا بدءا من الحكايات حتى الرسوم والتماثيل التي تشير إليه. من علامات ذلك الأهرامات والمسلات المصرية التي ترتفع مثلثة إلى السماء تشير إلى الصعود إلى زمن الخلود الحقيقي. كما حفل الأدب وهو صورة أخرى من الخيال، بالروايات التي اشتهرت عن الزمن مثل "آلة الزمن" لهبرت جورج ويلز التي صدرت عام 1895 وروايته "النائم يستيقظ" وطبعا رواية "1984 " التي كتبها جورج أورويل، وروايات هاري بوتر للكاتبة الإنجليزية جوان رولينج. ما زلنا في منطقة الخيال التي احتفت بها السينما العالمية، والتي كان أيضا من تجلياتها القديمة في الأديان قصة أهل الكهف الذين هربوا من الطاغية الروماني لأنهم يؤمنون بالله ولا يعبدون الأوثان، ودخلوا كهفا ناموا فيه عشرات السنين ليستيقظوا فيجدون عالما قد تغير. بالصدفة شاهدت منذ أيام فيلما أمريكيا على إحدى القنوات عنوانه " في الموعد" أو بالإنجليزية: In time فيه كل إنسان على ذراعه نقش بتاريخ موته باليوم والشهر والسنة. في مدينة بها حارس للوقت من رجال البوليس، لكن طبعا تستدعي الدراما من يعطي غيره شيئا من عمره، أو يجبره على التنازل عن شيء منه. جعلني الفيلم أفكر هل لو عرف الإنسان يوم نهاية عمره ستتغير حياته؟. هل ستنتهي الشرور خاصة أن نهاية العمر تعني الصعود للعالم الآخر ويوم الحساب فتكون الحياة الدنيا أفضل؟ لو ابتعدنا عن الخيال سنجد أن من أبرز ما أتى به العلم الحديث في مسألة الزمن، هو اكتشاف العالم المصري الأمريكي أحمد زويل للفيمتو ثانية. عشنا نعرف أن الزمن باليوم والساعة والثانية، وجاء اكتشاف زويل للفيمتو ثانية، وهو جزء من مليون مليار جزء من الثانية. الاكتشاف الذي أعطي الأمل في فتح أبواب الخلود للبشر، فبه يمكن معرفة ما سيحل بالإنسان من أمراض في وقت مبكر جدا، لكن للأسف مات أحمد زويل بالسرطان قبل أن تقوم شركات الأدوية والمعامل بتحديد طرق اكتشاف المرض قبل موعده بسنين طويلة. هذا الاكتشاف العلمي مع قيمته العلمية هو أيضا طريقة لدرء الأمراض ومن ثم الخلود أو الأمل فيه. لكن هل يمكن أن يتحقق ذلك؟. ربما أتحدث مرة فيما بعد عن شركات الأدوية العالمية ودورها السيئ في إخفاء الأدوية الجديدة وغير ذلك كثير. المهم نعود إلى فكرة الخلود التي لا تتحقق إلا في الخيال. في علاقة الإنسان بالمكان نراها تتغير، فكل الامبراطوريات تراجعت وظهرت غيرها، ولن تستطيع أمة أن تحكم العالم كله إلى الأبد. لكن ستظل فكرة التحكم في الزمان تراود الإنسان، والمهم أن تكون لنتائجها وجوه لتحسين حياته. نراها الآن في العالم الرقمي، لكن أيضا يتم استغلاله ابشع استغلال. تحاول دول كثيرة وضع قوانين أخلاقية له، لكن لا يزال غيرها في الطريق الخاطئ. وهكذا فالحكمة ما زالت مع الإنسان القديم الذي أدرك مبكرا جدا أنه بدون عالم آخر لن ينتهي الظلم من الدنيا.

453

| 03 يوليو 2025

إسرائيل في انتظار جودو..

مثلي نشأ منذ الطفولة على كراهية إسرائيل. كل ما فعلته من مذابح لأصحاب الأرض في فلسطين كنت أسمع عنه في طفولتي في الخمسينيات، وكل حروبها مع مصر عاصرتها. لم أقابل حولي شخصا متعاطفا مع إسرائيل لا من أهلي ولا من الجيران ولا في المدرسة ولا بين المثقفين الذين عشت بينهم الآن أكثر من خمسين عاما. مهما اختلفنا مع النظام الحاكم في مصر أو النظم الحاكمة في بعض الدول العربية، كان الأمر حين يصل إلى إسرائيل يتوقف، فهنا عدو لا يمكن التعاطف معه. كيف نشأت إسرائيل وكيف بالفعل صارت إسفينا أو كما نقول بالعامية المصرية «خازوق» بين الدول العربية يمنع أي أفكار عن وحدة هذه الدول أو تقدمها، صار أمرا معروفا تدل عليه كل حروبها. كل اتفاقيات التطبيع معها، تفسدها إسرائيل بأفعالها وتضع دولها في موقف حرج، فضلا عن أنه لا دولة قامت بالتطبيع استفادت منه، لا على مستوى الصناعة ولا العلم ولا الثقافة ولا غيرها. كل تطور في هذه الدول خارج عن يد إسرائيل. أحلام إسرائيل التي قامت على أسطورة شعب الله المختار تتسع أمامنا كل يوم. آخر مظاهر هذا الاتساع، غاراتها على إيران التي لا تشترك معها في أي حدود، لكن برنامج إيران النووي يزعجها. لم تكتفِ إسرائيل بالإبادة الجماعية لأهل غزة ولا بعمليات الاغتيال في لبنان أو إيران لقادة وعلماء. لا تعرف إسرائيل أن في عقيدتنا يعيد الاستشهاد الحياة إلى الأرض الخراب. تعرف إسرائيل جيدا أن العالم لن يسمح لها بالاتساع أكثر، ولا باستخدام السلاح النووي مثلا، لأن هذا القرار لم يعد كما حدث من قبل أثناء الحرب العالمية الثانية حين استخدمته أمريكا في اليابان، أمرا سهلا. لكن إسرائيل تستمر في الحرب التي تبدو أمام كل عاقل لا فائدة منها. أهل غزة لم يتركوها، وعلى العكس الهجرة تزداد من إسرائيل. موقف الشعوب العربية من إسرائيل أمر لا يخفى على قادة إسرائيل لكنهم يتجاهلونه. والسؤال هل ما يحدث الآن من إسرائيل استمرار في عقيدتها أن تتسيد الشرق الأوسط فقط تحقيقا لحلم الصهيونية الكاذب في دولة من النيل إلى الفرات؟ أم هو تأجيل لما يمكن أن يحدث لنتنياهو من محاكمة في قضايا يعرفونها مثل الرشوة، أو إدخالهم في حرب لا طائل منها؟ نتنياهو القاتل الذي يرى في الراية الدينية ويدعي أنه يحاربها، ويرفع في الوقت نفسه الراية الدينية عن وعد الله للشعب المختار، هل يغيب عنه أنه خارج الزمن؟ بالطبع لا يغيب عنه ذلك فهو يعرف أهمية الكذب في السياسة. لماذا يستمر وهو يرى الصواريخ تخترق القبة الحديدية، والصهاينة ينزلون إلى الملاجئ أكثر الوقت، ويظهرون في الشوارع فارين، وبيوتهم تتهدم ومطاراتهم تتوقف وميناء حيفا يتعطل، ويخفون أعداد قتلاهم وجرحاهم الحقيقية. لماذا يستمر وهو لا يرى حوله في العالم العربي نظاما سياسيا يدين إيران؟ وكل الإدانات هي تعليقات ساذجة على السوشيال ميديا من بعض الناس غير المؤثرين في أي قرار، أو بعض الجهلاء الذين ينسون أو يتناسون إجرام الصهاينة. كل ما يفعله نتنياهو أو إسرائيل تراجيديا حقا، لكن يذكرني بفلسفة العبث ومسرحية «في انتظار جودو» لصامويل بيكيت. جودو الذي لم يأتِ ولن يأتي. وإذا أتى سيكون في أوامر خارجية تحت أي غطاء سياسي بإيقاف الحرب.

801

| 19 يونيو 2025

جامعة الدول العربية والجدل الدائر

فجأة صارت مسألة اختيار الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية لاقتراب نهاية ولاية الأمين العام الحالي محل جدل كبير على صفحات التواصل الاجتماعي. حديث من نوع هل يكون مصريا أم عربيا رغم أن ميثاق الجامعة لا يلزم أعضاءها أن يكون الأمين من بلد المقر. ثم زاد الجدل واحتدم حين انتشر خبر يقول إن هناك من يطلب نقلها من القاهرة إلى المملكة العربية السعودية. لا يشغلني هذا الجدل لأن السؤال الأكبر هو أين هي جامعة الدول العربية مما يحدث حولنا من أحداث كارثية؟ العودة لتاريخ إنشاء جامعة الدول العربية قد يكون مفيدا هنا وهي أنها كانت نتيجة النضال ضد الاستعمار الغربي لبلادنا العربية. كانت إنجلترا تحتل أكثر من دولة عربية وكذلك فرنسا بينما كانت إيطاليا تحتل ليبيا. كانت النزعة القومية التي انفجرت في أوروبا في القرن التاسع عشر ضد الاحتلال العثماني لدول أوروبية أو ضد حروب بعض الدول وبعضها مثل الغزو الفرنسي لألمانيا أيام نابليون بونابرت وراء ظهور النزعة القومية، بمعنى استقلال كل بلد والحفاظ على هويتها الوطنية. انتقلت الفكرة إلى عالمنا العربي مع بداية القرن العشرين وتبناها مفكرون مثل ساطع الحصري وعبد الرحمن الكواكبي ثم قسطنطين زريق ومحمد عزة دروزة وغيرهم، ثم صارت هدفا بإنشاء جامعة الدول العربية عام 1945 وكان من أهم مواد ميثاقها أن تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى وتتعهد بألا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير النظام فيها. لن أقف عند محاولة بعض الجمهوريات التي جاءت بانقلابات على النظم الملكية فرض فكرة القومية العربية بالقوة وكيف فشلت. نترك الماضي السيئ ونقف مع الماضي الطيب في موقف الجامعة العربية في أزمات كبيرة مثل حرب 1948 ضد إسرائيل ثم موقفها مع مصر في أحداث مثل العدوان الثلاثي عام 1956 أو هزيمة يونيو عام 1967 أو حرب أكتوبر عام 1973. لم تكن الدول العربية بعيدة عن دعم الدولة المصرية. تم نقل مقر الجامعة العربية من مصر إلى تونس بعد توقيع أنور السادات على اتفاقية كامب ديفيد والتطبيع مع إسرائيل عام 1979 ثم عاد المقر إلى مصر مع بداية عام 1990. تمر السنون فنجد من الدول العربية من يفعل ما فعله السادات ويقوم بالتطبيع مع إسرائيل سواء بشكل واضح أو غير واضح. الجامعة العربية بعيدا حتى عن فكرة نشأتها الرئيسية في مواجهة الاستعمار لا يمكن أن تنكر أن هناك ما يوحد بين العالم العربي بشكل كبير وأولها اللغة العربية وعدم وجود حواجز طبيعية بين البلاد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب. السؤال الآن هذه الجامعة التي شاركت دولها في حرب 1948 وفي مناصرة مصر في حروبها مع إسرائيل، ماذا تفعل الآن وإسرائيل تبيد غزة وأهلها منذ أكثر من عامين؟ . هل الاستعمار هو الماضي فقط ملخصا في فرنسا أو إنجلترا أو إيطاليا؟ وإذا كان هناك ضعف أن تدخل حربا جديدة ضد إسرائيل فهل أهل غزة من بلاد أخرى غير عربية؟ . لماذا يُترك أمر مناصرة الفلسطينيين لكل دولة على حدة تختار فيه موقفها؟ . لماذا يغيب الموقف العربي الموحد أمام جريمة من أبشع الجرائم الإنسانية؟ . لو تستطيع الجامعة أن تجيب عمليا فليس مهماً من هو الأمين ولا موقعها في أي بلد، لكن المهم أن لا تنسى جامعة الدول العربية أسباب نشأتها. ولن أقول كما قال غيري إن إكرام الميت دفنه!!

801

| 12 يونيو 2025

الرحلة الغائبة إلى النبي الغالي

تأخذني الآلام كثيرا بعيدا عن البهجة، فلا شيء يغيب عنا في هذا العالم الذي أصبح هاتفا نقالا فتنسى ما حولك من جمال بسبب القبح الشائع، لكن هناك مناسبات تستعصي على كل الآلام ومنها الأعياد الدينية. الأعياد الدينية كما عرفتها صغيرا في مصر كانت سرادق ملء الفضاء للبهجة والمتعة. اليوم على سبيل المثال وقفة عرفات وغدا عيد الأضحى. يوما ما كانت جدران المنازل الخارجية في كثير من القرى والبلاد تتزين بلوحات تلقائية يقوم بها شباب أو رجال الحي لرحلة الحجيج. بالطبع كانت الإذاعة وما زالت تملأ الفضاء بأغنية ليلى مراد: «يا رايحين للنبي الغالي.. هنيا لكم وعقبى لي يا ريتنى كنت وياكم وأروح للهدى وأزوره وابوس من شوقى شباكه» فالذهاب إلى النبي الكريم صار عبر التاريخ أملا عظيما. أو أغاني الأعياد بشكل عام دون تفرقة بين عيد الأضحى وعيد الفطر مثل أغنية أم كلثوم عابرة الأجيال «الليلة عيد» أو أغنيتها «القلب يعشق كل جميل» التي تقول فيها: «دعاني لبيته لحد باب بيته واما تجلى لي بالدمع ناجيته كنت ابتعد عنه وكان يناديني ويقول مسيرك يوم تخضع لي وتجي لي طاوعني يا عبدي طاوعني انا وحدي ما لك حبيب غيري قبلي ولا بعدي أنا اللى اعطيتك من غير ما تتكلم وانا اللى علمتك من غير ما تتعلم». أو أغنية صفاء أبو السعود التي يشدو بها كل الأطفال «العيد فرحة». هذه الأغاني وغيرها كثير ما زالت موجودة وتذيعها بعض القنوات أو الإذاعات لكن فضاء الألم يحاصرها بالأحداث القبيحة. لكن السؤال هل الرحلة للنبي الغالي عليه الصلاة والسلام هي رحلة سفر فقط أم رحلة للروح في أي زمان ومكان. هل هي لغفران الذنوب فقط وهو أمر ليس متاحا إلا للقادرين، أم هي عابرة للزمان يمكن أن تحدث وأنت جالس في بيتك. أجل، لو حدث يوما وتمنيت بصدق أن ترى وجه النبي الكريم سيأتيك في المنام. هل جربنا الرحلة الروحية التي تجعلنا محبين للحق والعدل والمساواة. كيف حقا هذا الزحام على الحج وفي بعض دول عالمنا العربي خطايا رهيبة في حق البشر من قتل أو اعتقالات أو تقليل من شأن النساء وغيرها وللأسف تجد لها مبرراتها الدينية عند بعض الفقهاء. الحج حقا لمن استطاع إليه سبيلا لكن هل نعجز عن الحج الروحي وزيارة النبي الغالي ونحن في ديارنا فتكون رحلة الروح إلى الأخلاق التي لا تشوبها شائبة حول الحق والعدل والخير والجمال.

312

| 05 يونيو 2025

سؤال قد يقفز في الفلسفة

من القضايا الهامة التي تشغل البشرية الآن الذكاء الاصطناعي، الذي تشكل خوارزمياته ملامح عصرنا والعصر القادم بشكل أكبر. سيأتي زمن لن يخرج فيه الإنسان من بيته وقد يختفي من الوجود، ويقوم الذكاء الاصطناعي والروبوتات بكل الأعمال. يحدث هذا الآن في أعمال كثيرة بدءا من الصناعات إلى الطب إلى المحاماة إلى الاقتصاد إلى الحروب وغيرها. هناك طبعا محاولات كثيرة من الدول لضبط المسألة بإصدار قوانين تلتزم بها الشركات التي ترعى الذكاء الاصطناعي بدءا من أوروبا حتى العالم العربي. هناك كتب كثيرة في العالم عن هذا وأهميته، أذكر لك منها كتابين باللغة العربية ظهرا في مصر خلال العامين السابقين، أولهما كتاب «الساعة الأخيرة للقانون البشري» للمستشار إيهاب أبو زيد، وأحدثهما «أنسنة الذكاء الاصطناعي» للدكتور محمد شومان. هذا يتفق مع مسيرة الإنسان عبر التاريخ، فكل ما اكتشفه وضع له القوانين التي تحدد مساره واستهلاكه. الأمثلة كثيرة مع أسلحة الحرب الأولى حتى الطائرات المسيرة. ومع الآلات منذ السيارات إلى الأقمار الصناعية وهكذا. تبدو مشكلة الذكاء الاصطناعي أكثر تعقيدا لأنه أيضا يتمرد على ما يقدمه له الإنسان من معلومات يبني عليها خوارزمياته لأنه كثيرا ما يمارس هو حريته، لكن سيظل الإنسان في جهوده لامتلاك الذكاء الاصطناعي وما يفعله أو يقدمه، وبدون شك ستكون النتائج السلبية مهما كانت قوتها وتأثيرها أقل من النتائج الإيجابية إلا إذا أراد الإنسان العكس كما يحدث في الأسلحة، فلا صواريخ أو طائرات تنطلق لتهاجم بلدا أو شخصا تراه عدوا وحدها. لكن هناك جانب فكري في المسألة بعيدا عن أي جانب إنساني أو اجتماعي أفكر فيه أحيانا، وهو ماذا سيحدث في الفلسفة، وماذا سيقدم الفلاسفة في المستقبل. انشغل الفلاسفة على مر التاريخ بتطور المجتمعات وقواعد رأوها للتطور مثل البحث عن المُثل عند أفلاطون أو صراع الأفكار عند هيجل أو صراع الطبقات عند ماركس أو غيرها. كذلك نُظم الحكم كيف تكون من العبودية إلى الإقطاع إلى الرأسمالية إلى الاشتراكية إلى الليبرالية ومعنى الحريات. إلى جانب ذلك هناك ما عُرف في الفلسفة بالميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة، التي كانت أهم قضاياها هي وجود الله. اختلف فيها الفلاسفة بين قائل بوجوده أو نفيه فلا وجود لغير ما هو مرئي، رغم أن الإنسان العادي منذ العصور البدائية لم تغب عنه فكرة الإله ووجوده. كان العالم حوله مليئا بالكوارث أو الحيوانات شرسة وغير شرسة خاف من بعضها وأحب بعضها فجسدها في شكل رسم أو تماثيل صغيرة وعبدها. نقشها على جدران الكهوف ثم المعابد فيما بعد حتى ترقَّى فكره من التشخيص إلى التجريد فقال بإله واحد غير مرئي، وجاءت بعد ذلك الديانات التوحيدية تؤكد الفكرة من يهودية أو مسيحية أو الإسلام. لكن الفلاسفة وحدهم باعتبار تفكيرهم المتجاوز للفضاء انشغلوا بفكرة وجود الله. هنا يقفز إليَّ سؤال عجيب وهو الآن ونحن نقترب من عالم سيختفي فيه الإنسان من الأعمال وتحل محله الروبوتات، فمن الذي سيخضع للحساب يوم الحساب. الإنسان أم الروبوتات التي يمكن أن تتمرد عليه وتتسبب في اختفائه وتبدأ هي عالما جديدا خالصا لها. هل سيظهر هذا السؤال في الفلسفة يوم أن تمتلك الروبوتات العالم؟ قناعتي أن كل ما يفعله الإنسان من خير هو تجلٍّ لإرادة الله، ومن ثم يتحمل الإنسان وحده عواقب شروره، ومن ثم أبعد السؤال عن روحي ولن يستطيع الفلاسفة لو انشغلوا بذلك، أن ينفوا الحساب عن البشر حتى لو أنهت الروبوتات وجودهم.

561

| 29 مايو 2025

سرير بروكرست

كتبت هنا من قبل عن الأساطير اليونانية وكيف تحمل معاني عابرة للزمان. أذكر أني تحدثت عن أخيل الذي وضعته أمه في النهر المقدس ليكون عصيا على الموت، ونسيت أنها وهي تضعه تمسك بقدميه ومن ثم لم يصل الماء إلى كعبيه، فصار كعب أخيل نقطة ضعف لكل انسان مهما طغى وتجبّر. كذلك عن أنتايوس ابن «جايا» ربة الأرض الذي كان يأخذ قوته منها وحين حمله هرقل عنها تناثر ترابا. كان الحديث في كل مرة بمناسبة ما يحدث في غزة. فلإسرئيل نقطة ضعف ستظهر مهما طال الزمن، وأهل غزة لن يتركوا أرضهم فيتناثروا في الأرض فهم أبناؤها الحقيقيون. الذين يتركون الأرض الآن هم الصهاينة فهم ليسوا أبناءها. هذه المرة اتحدث عن أسطورة سرير بروكرست. بروكرست قاطع الطريق الذي كان يضع من يمر عليه فوق سريره فإذا وجده أطول من السرير قطع جزءا من ساقيه، وإذا وجده أقل طولا جذب ساقيه فخلعهما من مفصليهما ليكون مناسبا للسرير. صارت أسطورته دليلا على من يستخدم قوته أو سلطته في قهر أصحاب الرأي الآخر الذي قد لا يتفق مع رأيه. ظهرت تجلياتها في كل النظم الديكتاتورية عبر التاريخ. النظم التي حرقت الكتب أو صادرتها أو سجنت أصحابها، وهو ما رأيناه وعرفناه في نظم كالنازية في ألمانيا أو الفاشية في إيطاليا أو الشيوعية في الاتحاد السوفييتي أو في مصر بعد يوليو 1952 أو سوريا أو ليبيا أو غيرها من النظم التي انقلبت على الملكيات ذات الأصول التاريخية والعائلية في الحكم بإعلان الجمهوريات. سرير بروكرست الذي يريد الناس جميعا في قالب واحد تحت شعارات مثل الاصطفاف وهو شعار رائج الآن بينما هو جدير بالمسألة الوطنية لا المسائل الاجتماعية والاقتصادية وبالطبع الثقافية. إسرائيل الخادعة تمثل بروكرست الآن فتبدي أحيانا شيئا من التفاوض وتظل خلال ذلك تقوم بالغارات والإبادة للفلسطينيين. الأمر نفسه لحاكم مثل ترامب الذي يطلب مقدما سعر سرير الولايات المتحدة الخادع، ولا يوقف الأسلحة التي يقدمها إلى إسرائيل أو الابادة المستمرة. بروكرست يلخص حالة القتل الإجرامي المتسلسل الذي قام ويقوم به بعض القتلة مثل ريا وسكينة في مصر أو غيرهما، لكن حين تقوم به نظم حاكمة فتكون أسوأ النهايات لهم أو لبلادهم. أتذكر كيف اكتشفنا نحن الجيل الذي تفتح وعيه على هزيمة 1967 أمر المعتقلات التي امتلأت بالآلاف في سنوات الخمسينيات والستينيات من المفكرين والفنانين والصحفيين من أصحاب الآراء الأخرى. أتذكر السادات الذي أعلن بعد حرب أكتوبر عن فتح نوافذ الديمقراطية وتكوين الأحزاب، لكنه لم يصمد طويلا أمام المعارضة لاتفاقيات كامب ديفيد أو فتحه الأبواب لبيع أصول البلاد في الصناعة بحجة تشجيع القطاع الخاص، وهو الأمر المستمر حتى الآن، فيتم هدمها لإقامة عمارات ومولات حتى أصبحنا، بعد أن كنا ننتج كل شيء، نستورد أكثره فعم الغلاء. أتذكر كيف أعلن السادات أن الديمقراطية لها أنياب وملأ المعتقلات في سبتمبر عام 1981. الحديث طويل والاستمرار فيه مؤلم يكفي ما كان يحدث في سوريا من قتل وإبادة أثناء نظام الأسد وآلاف الصور للقتلى والمشوهين الذي رفضوا أو حتى صمتوا عن النوم في سرير النظام. لا يدرك أحد أن بروكرست انتهى نفس نهاية ضحاياه على يد الشاب ثيسيوس قاتل الوحوش ابن حاكم أثينا، الذي قابله وهو شاب خلال مروره في الطريق فرفض الإذعان له وفعل به ما يفعله في غيره. هكذا أصحاب كل هذه النظم وقد أغلقوا الطريق الديمقراطي فتحوا أبواب عدم الاستقرار وانظروا حولكم.

474

| 22 مايو 2025

الصمت والكلام..

بين الجدل الكثير الذي أجده على صفحات التواصل الاجتماعي، وجدت تعليقا للفنانة رانيا فريد شوقي على صفحتها في الفيسبوك تقول فيه: «سيكون العالم مكانا أسعد لو امتلك الناس القدرة على الصمت بنفس قدرتهم على الكلام». الفنانة رانيا فريد شوقي لا تحتاج مني إلى ثناء. كان من حسن حظي أن شاهدت لها في الشتاء الماضي مسرحية «مش روميو وجولييت» مع الفنان علي الحجار وكوكبة رائعة من الممثلين. المسرحية التي أخرجها عصام السيد وكانت من أجمل ما شاهدت مؤخرا وكتبت عنها وقتها مقالا كبيرا. هذا طبعا غير المسلسلات الجميلة التي شاهدتها فيها. أخذني كلامها إلى حقيقة غائبة بينما هي من أهم الحقائق، وأعني به تحويل ما هو شخصي إلى قضايا اجتماعية وأحيانا سياسية. طبعا هذا لا يشمل كل الناس لكن هكذا هو الحال مع وسائل التواصل الاجتماعي فصار ما هو شخصي من أهم قضايا الوطن! الحديث طويل عن الأمثلة التي ليس أقلها مشكلة أبناء الفنان الراحل محمود عبد العزيز من زوجته الأولى، مع زوجته الثانية الإعلامية بوسي شلبي، المشكلة التي أفتى فيها العشرات بين مؤيد ومعارض، بينما هي قضية شخصية كان لا يجب أن تخرج إلى الفضاء العام، وأيضا ساهمت فيها بعض البرامج التليفزيونية الشهيرة فزادت النار كل يوم. ماذا يفيد الذم أو المدح في أطراف القضية وهي لا تهم أحدا غير أصحابها. ألم يكن الصمت أجدى!؟ حديث الفنانة رانيا فريد شوقي ذكرني أيضا بالقضية الضائعة بين كثير من المثقفين الذين صاروا يتهمون غيرهم هذه الأيام باتهامات وصفات شخصية تجعل للمثقف المصري صورة شديدة السوء لا أحب ذكرها. عشت أفهم ومقتنعا أن الخلاف بين المثقفين تأتي أهميته من كونه خلافا حول الأفكار لا الأفعال، فالكتاب مثل غيرهم ليسوا أنبياء في سلوكهم، كم شاهدت في حياتي من معارك وصلت إلى حد الاعتداء بالأيدي بين بعض المثقفين لم أقف عندها، فلن يبقى من أحد إلا ما كتبه وأبدعه، وحتي هذا أمر مشكوك فيه لتغير المزاج في العالم، فليس للكاتب إلا متعة الكتابة التي تضيع مع رحيله. على طول التاريخ ينقسم المثقفون بين مؤيد لما تفعله السلطات وبين معارض، وبين من يعيش في حالة من الاستغناء ويكتفي بما يبدع، لكن من زمن بعيد شاعت فكرة جمع المثقفين في سلة واحدة، ترى مثلا إعلاميا يهاجم المثقفين وينسى أنه من بينهم على الأقل بحكم عمله، كيف تهاجم المثقفين جميعا بسباب شخصي، وتضعهم في سلة واحدة بسبب موقف خاص لا يعجبك وفي الأغلب تتخيله، وأنت تطلب من الدولة الحرية أكثر للجميع؟. لماذا لا يكون الصمت حلا حتى يمر ما لا يعجبك من مواقف خاصة أنك تتخيلها ولا تؤذي أحدا؟.

930

| 15 مايو 2025

أيها الداخل إلى هذا المكان..

كثير مما حولنا من صمت قد يشي بأن غزة صارت طي النسيان، لكنه في الحقيقة ينذر بأن غزة حاضرة وفلسطين. القصور في موقف الأمم المتحدة وبعض الدول العربية يجد نقدا وانتقادا على صفحات التواصل الاجتماعي. والسؤال مثلا هل تحققت رغبة نتنياهو في تهجير أهل غزة إلى سيناء أو غيرها. لا تهجير ولا هجرة ستحدث. الهجرة التي لا تزال تحدث هي من يهود الأرض المحتلة إلى أوروبا وغيرها. يأتي وسط هذا الصمت صاروخ من اليمن يصل الى مطار بن جوريون فتتوقف الرحلات. صاروخ يكشف عورات نظم الدفاع الإسرائيلية ويوقظ الرعب في إسرائيل، وبالطبع ليس الأول.. الدولة التي أقامتها إسرائيل ومن عاونها على فكرة الأصولية الدينية، وان الأرض لليهود وليست لغيرهم، وتأكدت أصوليتها منذ نشأتها، لم تتحمل كيانا مجاورا هو غزة، وأغفلت أنه رد فعل لأصوليتها، فالدين وهو يؤدي أحيانا بركوب فرس السياسة الخطأ إلى الانغلاق والجرائم كما حدث في الحروب الصليبية، يؤدي حين يركب الفرس الصحيح إلى الكفاح بكل أشكاله من أجل الوطن، وحين يأتي الوطن تتسع الأمور للمراجعة. صمتنا عن غزة ربما فيه يأس عند البعض أو قلة حيلة أو حتى تعاون مع إسرائيل خفيا أو ظاهرا، لكنه بالنسبة لي بعد أن غبت أسابيع عن الكتابة عن غزة، فيه اطمئنان من درس التاريخ. فالطفل الصغير الذي كنته يوما ما في بداية الخمسينيات وأراه أبوه ماكينة حلاقة معه منذ الأربعينيات مكتوبا عليها «صنعت في فلسطين» لم تغب فلسطين عنه في رواياته أو مقالاته. كانت ماكينة الحلاقة نتيجة باقية من رحلة الأب البسيط الذي كان يعمل في السكة الحديد، وكانت تمر من مصر عبر سيناء إلى فلسطين ثم سوريا حتى الشاطئ لتبدأ رحلة السفن الى تركيا. رحلة قطار الشرق الشهيرة. كل ما جرى بعد ذلك من مواقف ضد إسرائيل في حروبها الطاغية على الأراضي الفلسطينية أو العربية، كان نتيجة هذا اليقين الذي استقر في روح الطفل. هذا اليقين عابر الزمان أغفر به لنفسي انشغالي في الكتابة أحيانا بموضوعات أخرى، لكني أعود الآن لأؤكد يقيني بأن إسرائيل حفرت لنفسها الحفرة التي ستتسع مهما طال الزمن، وأدرك إن إطالة الحرب على أهل غزة ليست إلا طريقة بشعة يتصور بها نتنياهو أنه سيظل في الحكم. أخيرا جرت في مصر انتخابات نقابة الصحفيين وفاز فيها خالد البلشي نقيبا للمرة الثانية. كثير من الكلام يمكن أن يقال عن الأسباب النقابية للفوز، لكن السبب الذي لم يتمتع به منافسه، هو أن خالد البلشي جعل رصيف النقابة مكانا للتظاهر والتأييد لغزة، وإدانة إسرائيل ومن معها منذ أن صار نقيبا. كانت غزة أهم وأكبر أسباب فوزه. هكذا لا تضيع الحقائق. وهكذا مهما كانت التفسيرات للصبر أو النسيان فغزة حاضرة، وإسرائيل ستعلِّق يوما مهما ابتعد، على مطاراتها وموانيها، اللافتة التي رآها دانتي إليجيري في ملحمته «الكوميديا الإلهية» وهو يدخل الجحيم.. « أيها الداخل إلى هذا المكان تخلَّى عن كل أمل».

600

| 08 مايو 2025

الدور الدور الدور..!!

فاز الكاتب المصري محمد سمير ندا بالجائزة «العالمية» للرواية العربية في دورتها الأخيرة 2025. كعادتي في مثل هذه الحالات اكتفي بالمباركة لمن فاز فقناعتي دائما هي أن الجوائز مثل الجواز «قسمة ونصيب» لكن الضجة فاقت الفضاء ومن ثم أكتب. هذه الجائزة بالذات التي حملت اسم البوكر في سنواتها الأولى، بينما البوكر الإنجليزية لم تكن أكثر من راعية لها، تحظى بالكثير من الاهتمام، وبصفة العالمية رغم أن هناك جوائز عربية أخرى تقدم للفائز ما تقدمه هذه الجائزة من ترجمة وغيره، مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب أو كتارا للرواية العربية ولا توصف بالعالمية، وكلاهما مثلها لكتاب اللغة العربية الذين هم عادة من دول عربية لا دول أجنبية تتحدث بالعربية، كما يحدث في البوكر الإنجليزية التي تمنح أيضا لكتاب من إيرلندا أو دول الكومنولث الذين يكتبون ويتحدثون الإنجليزية. ربما جاءت الصفة من الرعاية القديمة للبوكر. لاقت هذه الجائزة كثيرا من النقد عبر السنوات السبع عشرة السابقة أقله أنه لا أحد يعرف هل الجائزة عن العمل وقيمته، أم هي تقسم بين الشباب أكثر أو توزع بين البلاد. هذا المعنى الثاني تأكد خلال الخمسة عشر عاما السابقة التي غابت فيها الجائزة عن مصر. عادت إلى مصر هذا العام فأشعل حديث غير حقيقي عن تقريرها عن الرواية الفائزة بأنها رواية تتحدث عن وهم الانتصار بعد هزيمة 1967. هكذا تجاهل من قالوا هذا الحديث ما أعلنه تقرير الفوز عن فنية الرواية والجديد في بنائها ولغتها. وهكذا راح المنتقدون للجائزة يتحدثون عن أن السبب في الفوز سياسي ومن ثم موجه ضد مصر. على الناحية الأخرى تحدث الفائز محمد سمير ندا بعفوية عن كيف تم رفض الرواية من أربع دور نشر مصرية لكن دار مسكيلياني التونسية وافقت على نشرها. هنا أيضا اشتعل الحديث. هل الجائزة لتونس أم لمصر؟ ثم ازداد أكثر هل هي لمصر أم للكاتب نفسه كأنه غير مصري. غاب عن الجميع أن رفض أو اعتذار أي دار نشر لعمل ما وراءه أسباب تخص فهم الدار والوضع حولها. أنا مثلا منذ سنوات أنشر بالخارج لاعتذار دور نشر مصرية عن الرواية، ولا أتحدث في ذلك قط فأنا أعرف ما حولي ولا ألوم أي ناشر. لكن ما قاله الفائز عفويا أشعل الدنيا كأن أحدا لا يعرف أنه في كل بلد عربي محاذير للنشر، ومن بينها تونس نفسها لكن يشمل الأمر كتابها أكثر من غيرهم. هكذا ابتعد المنتقدون وما أكثرهم الحديث عن بناء الرواية الفني الذي كنت أنا أول من كتب عنه في سبتمبر من العام الماضي موضحا قيمته وأهميته، وكيف يضع صاحبها في أجمل مكان بين الروائيين. هكذا كانت عبارة لشخص عن بيان لجنة الجائزة سببا في الشيطنة وكذلك الجملة العفوية للكاتب عن فرحه بفوز الرواية التى رفضتها أكثر من دار نشر مصرية. أزاد البعض وقالوا أخيرا جاء الدور على مصر لسبب سياسي، رغم قناعتي بأن فنية الرواية هي ما ساهم في عودة هذا الدور. لم يبقَ غير أن يُغنّي أصحاب كل هذا الضجيج أغنية شادية وسهير البابلي في مسرحية ريا وسكينة «الدور الدور الدور.. موعودة يا للي عليكي الدور» لكني على ثقة من أن محمد سمير ندا سيكتب أعمالا أجمل ولن يتوقف، ولن يحدث له ما حدث للبعض من توقف عن الكتابة بعد الفوز بجائزة، وأرجو من المثقفين أن لا يجروا وراء ما ينشره البعض في السوشيال ميديا دون أن يتحروا الحقيقة كاملة.

1083

| 01 مايو 2025

حبل المبدعين موصول مع الله

يتحدث الأدباء عن مصدر أعمالهم فيختصرونها بالواقع يغلفه الخيال. الواقع تراه أو تقرؤه والخيال يأتي به الوحي. كلمة الوحي قد تثير قلق البعض باعتبار أن الوحي أمر خاص بالأنبياء فقط، لكنها تستخدم على سبيل المجاز فمصدر الخيال غير معروف. ثم إن للوحي درجاته أولاها للأنبياء وثانيها مرتبة لأولياء الله وثالثها للفنانين والأدباء. أعني الموهوبين منهم فالموهبة لا تُكتسَب بل هي من أمر الله. لا تنشغل بسلوك المبدعين ففي كل المهن صراعات، لكن حديثي عن الإبداع وساعات الانشغال به. الإبداع الذي يأخذ صاحبه إلى برزخ بين السماء والأرض فلا يدرك أن حوله بشرا في الطرقات. لا أحد مهما فكر يعرف متى سيجلس أمام قصيدة جديدة ومتى سينتهي منها. بل قد تهاجم القصيدة روحه وفي اللحظة التي يبدأ فيها تبتعد وتأتي أخرى. الأمر نفسه في القصة والرواية وطبعا في سائر الفنون. وجدت تفسيرا ابتعد بي عن كلمة الوحي وهو التخاطر، فكثيرا ما يفكر أحد منا في شيء جميل أو شخص غائب فيتحقق أمامه في نفس اللحظة. لم استحضر الكلمة مما سمعته بدءا بهتاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لسارية بن زنيم في معركته بفارس حين سمع صوت عمر يقول «يا سارية.. الجبل الجبل» فتحصن سارية بالجبل القريب ونجا بجيشه من حصار الفرس وهزمهم. رغم أن هناك من يقول أن ابن الخطاب لم يهتف في صلاته بالمؤمنين بذلك، لكن الحكاية تؤكد لي منذ زمن بعيد وجود التخاطر بين الأرواح الصادقة، وكذلك ما عشته أثناء الكتابة. أتذكر أحداثا كثيرة منها مثلا في أيام كتابتي لرواية «في كل أسبوع يوم جمعة» ومن شخصياتها الرئيسية فتى من المصابين بمتلازمة داون، وكيف صرت أراهم في الطرقات كل يوم أخرج فيه، وحين انتهيت من الكتابة لم أعد أراهم إلا نادرا جدا وربما لا أراهم. أتذكر أيام كتابتي لرواية «عتبات البهجة» كيف كنت حائرا في نهايتها، ولأن بها فصلا عن الكلاب أخذني صديقي الراحل الشاعر محمد كشيك إلى سوق الكلاب في منطقة السيدة عائشة في مصر، لأشاهد أنواعها المختلفة التي لن تكفي قراءتي عنها، فالأفضل دائما أن تصحب الرؤية المعرفة. بعد أن انتهينا من الجولة وجلسنا على إحدى المقاهي تقدم إلينا رجل في زي شعبي يسألنا هل نحتاج خادما يعمل لدينا. حين سألته عن اسمه قاله وفي نهايته لقب «أبو صفيحة». اتسعت الدنيا حولي بسبب اسمه ونفحته شيئا من المال وقلت لصديقي وجدت النهاية. كنت أفكر أن تنتهي الرواية ببطليها يشتريان كلبين ويمشيان بهما في الشوارع معتزلين الناس، فوجدت الأفضل أن يشترياهما ويهدياهما إلى أبي صفيحة باعتبار أن البهجة لا تكتمل لبطلي الرواية اللذين تجاوزا الخمسين. أحداث كثيرة كانت تقفز أمامي اثناء انشغالي بالكتابة، فتغير مما أكتب أو تأخذه إلى خيال غير متوقع لم أجد لها تفسيرا غير الوحي الذي أخففه بالتخاطر. وهكذا فالفهم البسيط لهذه المسألة يبعد بالمبدعين عن أي اتهام بالإلحاد لأن تناول العمل الفني بالعقل فقط يجعله عملا فكريا، بينما هو من تجليات الروح أكثر. الإلحاد قال به بعض الفلاسفة باعتبار أن الله بعيد عما هو مرئي أو طبيعي ومن ثم شككوا في وجوده. فكرة واحدة أخذت أشكالا متعددة من التعبيرعند ماركس أو نيتشة أو غيرهما بينما لا يحتاج الإيمان بالله إلى أكثر من سؤال هل استجابة الكون للرغبات الصادقة لأن الكون المادي حولنا يعرف بأحلامنا، أم هي ملمح واحد من التجلي العظيم لوجود الله؟.

522

| 24 أبريل 2025

الفن يجمعنا... ولكن..

ما يحدث في عالمنا العربي من أثر السياسة يطول الكلام فيه ولا يتفق عليه الجميع، النتائج حولنا مرعبة في بلاد عربية متعددة مثل العراق أو سوريا أو السودان أو ليبيا أو حتى مصر. لكن في سماء وفضاء العالم العربي شيء يتفق عليه الجميع، ولا يختلف عليه إلا القليلون جدا، وهو الفن والأدب. إذا أخذنا ظاهرة واحدة هي معارض الكتب العربية، سنرى الإقبال عليها من كل من تتم دعوتهم من الكتاب والمبدعين من البلاد الأخرى لا ينتهي. سنرى الندوات واللقاءات تتعدد والنقاش يدور بتفاعل كبير، وباعتبار عالم السوشيال ميديا تظهر صور المشاركين مع بعضهم أو وحدهم تملأ الفضاء وهم في حالة من البهجة. ورغم أن الندوات قد تظهر فيها بعض الأسئلة السياسية فهي تمر ولا تشغل حيزا كبيرا، ولا يحرص المتابعون من الصحفيين على إظهارها فيما يكتبون إلا نادرا. باعتباري أحد الذين شاركوا في كثير من هذه المعارض من المغرب إلى دول الخليج رأيت ذلك وأكتبه من خلال الخبرة بها. هنا يرتفع السؤال: كيف لا يرى السياسيون هذه الظاهرة ودلالاتها على وحدة روح هذه الأمة ؟ تلك الوحدة التي حين رفعت السياسة شعارها يوما فرقت بينها، لأن من رفعوا شعاراتها من الساسة لم ينتبهوا إلى التنوع في الشعوب والأجناس والتراث والتقاليد التي تجعل لكل بلد خصائص من الصعب جدا إنكارها. هذه الخصائص ظهرت وما زالت في فن مثل الرواية، وعادة تكون محل إعجاب كبير من كل نقاد العالم العربي، ولا يقفون عند صحتها أو خطئها أو قربها أو بعدها من غيرها فيقعون في فخ السياسة، بل يقفون عند الصدق الفني في تصويرها، وتكون عادة مادة للبحث النقدي تحت عناوين مثل صورة المرأة في المجتمع المغربي أو المصري أو السوري أو اليمني أوغيرها من الدول. وعناوين أخرى مثل صورة المدينة أو القرية أو الصحراء أو غيرها. كذلك تجد الأنشطة الثقافية مثل هيئات الترجمة من الأدب العربي في بعض البلاد حفاوة وتقديرا من كتاب البلاد الأخرى. حتى الأعمال القليلة جدا التي لا تفوز برضا الجهات الحاكمة في بلد ما، تفوز بالرضا بين قطاعات المبدعين في البلاد الأخرى، وتتغير الأحوال فيعود العمل إلى مكانه وينتهي المنع بتغير الزمن. يوما في بداية التسعينات نشرت أنا رواية بعنوان «البلدة الأخرى» عن مهاجر مصري سافر إلى الخليج في نهاية السبعينيات تم منعها من الدخول تقريبا كل دول الخليج ولم اهتم أو أتحدث في ذلك. كنت أعرف أن كل شيء سيتغير مع الزمن، وحدث وصارت الرواية مسموحا بها. بل خلال تلك السنين تلقيت دعوات كثيرة للسفر الى الخليج واعتذرت عنها حتى جاء اليوم في يناير هذا العام ووافقت على حضور معرض جدة للكتاب، ولم تشغل الرواية غير سؤال واحد في الندوة التي حفلت بالأسئلة والنقاش. حين فزت يوما بجائزة كتارا في دورتها الأولى هاجمني البعض على قبولي الجائزة للخلاف السياسي وقتها ولم أهتم، وبعدها صار المصريون يفوز بعضهم بالجائزة كل عام ولا يهاجمهم أحد ولم تخل لقاءات الجائزة السنوية من المصريين حتى الآن. هذا التجاوز من الأدباء والفنانين للخلافات السياسية له معنى لا يغيب هو أن روح هذه الأمة واحدة مهما فعلت السياسة فلن تفرق بينها، وهنا يقفز السؤال هل يمكن للساسة أن يأخذوا العظة من المبدعين فيبحثون عما يوحد بينهم أكثر مما يفرق؟ كل السياسات تتغير مع الزمن ولا يبقى إلا الفن والأدب عابراً للسنين.

957

| 17 أبريل 2025

كذبة أبريل.. في أي شهر ؟

من السهل العودة إلى كذبة أبريل. في أي وقت ظهر المصطلح، وفي أي البلاد من العالم، لكن المهم أنه استقر الأمر، وارتبطت الكلمة بشهر أبريل» نَيْسان»، وأصبحنا نتذكرها في اليوم الأول منه. صارت الكذبة مصدرا لأفلام، مثل فيلم «كذبة أبريل» لشكري سرحان وإسماعيل ياسين، وأفلام عالمية كثيرة، ومهرجانات في العالم، وكتابات وخِدَع تتم في هذا الشهر للضحك لا أكثر، وظلت مرتبطة به عبر السنين. لكنها تحولت، فقل الضحك وكثر القلق إن لم يكن الألم. أكبر كذبة عشتها وجيلي كانت في الستينيات، حين كانت إذاعة صوت العرب المصرية تذيع برنامج « أكاذب تكشفها حقائق»، جعلت من القومية العربية شعارا لها، فهاجمت كل من يختلف مع جمال عبد الناصر من الحكام العرب، وبلغ الكذب غايته مع حرب يونيو 1967 حين أعلنوا أننا أسقطنا في اليوم الخامس من يونيو، مائة طائرة حربية إسرائيلية، وأننا على أبواب تل أبيب، حتى استطعت الوصول ليلا إلى محطة إذاعة أجنبية، لأن كل المحطات الخارجية عليها تشويش، فعرفت أننا انسحبنا إلى خط الدفاع الثاني، وهو ما لم تذعه إذاعتنا إلا في اليوم الثامن، وكانت من أطول الليالي في حياتي. اتسع بنا العالم، وجعله التطور التقني في يدنا هاتفا نقالا، فصرنا نرى حول الصدق أكاذيب حين تنشر تتسع، ولا يتوقف الحديث عنها باعتبارها حقيقة، إلا بعد أن يصدر بيان ممن أصابته الكذبة، وحتى رغم ذلك يظل البعض غافلا أو متغافلا عن البيان. * الأمثلة كثيرة جدا تحتاج كتابا، منها أننا نطلق منذ سنين طويلة، على مخيمات الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، «مخيمات لاجئين» كأنهم أتوا من دول أخرى وليس من مدن فلسطينية، بينما الحقيقة الواضحة عبر التاريخ، أن اللاجئين هم اليهود الذين تم طردهم من بلاد مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. صار اللاجئون اليهود هم اصحب الأرض، وصارت الكذبة تعلَق بأصحاب الأرض الحقيقيين، ليس في ابريل طبعا، لكن على طول السنين. من الأكاذيب الشائعة في السياسة أن العالم تخلى عن غزة، بينما المظاهرات تشتعل في أوروبا وأمريكا كل يوم. فقط نحن في معظم العالم العربي لا نتحرك إلا بموافقات أمنية للأسف. والحقيقة أن الذي تخلي عن غزة هي الحكومات المستمرة في كذبتها القديمة، وما فعلته من وعد بلفور وغيره، بينما الأجيال الجديدة في العالم تتحرك لتؤكد عالما جديدا، قد يكون من تبعاته عودة صورة اليهودي القديمة في الأدب العالمي. المرابي الخائن الذي يقتطع من لحم المدين مثل شايلوك عند شكسبير. * الحديث طويل عن الأكاذيب التي صارت طول العام، لكني انتقل إلى غيرها بسرعة مما تحفل به السوشيال ميديا. في الأدب انتشرت صفحات مدفوعة الأجر، للإشادة بأي عمل أدبي، وحيث تقرأه لا تستطيع أن تتقدم فيه عشر صفحات. انتشرت أيضا صفحات طبية تصف علاجا بالأعشاب وغيره، حين تدخلها تجد حديثا طويلا لا تفهم منها شيئا إلا دعاية لصاحبها. انتشرت صفحات الاستثمار المالي يتم فيها النصب على المشتركين، بتقديم فائدة مالية أضعاف فوائد البنوك. أطلق المصريون كلمة «مستريح» على من يدير مثل هذه الاستثمارات، فيجني الملايين ثم تختفي صفحته. يهرب ولكن يظهر غيره ويستمر الضحايا في الوقوع في الفخ. اتسع « المستريح» في السياسة، وأتاحت له السوشيال ميديا التحقق، عبر صفحات للجان مدفوعة الأجر تدافع عن الخطأ، ولا أرى أصحابها إلا وهم يضحكون، حين يتقاضون رواتبهم والتعليمات بالكذب الجديد، وهم ينامون سعداء في عالم، جعلوا فيه شهر أبريل لا ينتهي.

573

| 10 أبريل 2025

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

2025

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

1635

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

1152

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1089

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

1011

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
حين يتقدم الطب.. من يحمي المريض؟

أدت الثورات الصناعيَّة المُتلاحقة - بعد الحرب العالميَّة...

792

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

672

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

537

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
أول محامية في العالم بمتلازمة داون: إنجاز يدعونا لتغيير نظرتنا للتعليم

صنعت التاريخ واعتلت قمة المجد كأول محامية معتمدة...

492

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
عولمة قطر اللغوية

حين تتكلم اللغة، فإنها لا تفعل ذلك طلبًا...

459

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
أين المسؤول؟

أين المسؤول؟ سؤال يتصدر المشهد الإداري ويحرج الإدارة...

459

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
لُغَتي

‏لُغَتي وما لُغَتي يُسائلُني الذي لاكَ اللسانَ الأعجميَّ...

450

| 24 ديسمبر 2025

أخبار محلية