رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الحسين الدومي

مساحة إعلانية

مقالات

336

الحسين الدومي

معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

26 ديسمبر 2025 , 12:38ص

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية والإسلامية، ووسيلة الوعي والتفكير والتعبير عن قيم المجتمعات وتاريخها. لكن رغم عمقها وغناها، ظلّ التاريخ اللغوي للعربية بحاجة إلى مرجع ضخم يُوثّق تطوّر الكلمات ومعانيها عبر الزمن. هذا الفراغ المعرفي الكبير هو ما دفع إلى انطلاق - معجم الدوحة التاريخي للغة العربية -، المشروع الوطني الذي ارتقى سريعًا إلى مستوى مشروع حضاري عربي شامل. ليس هذا المعجم قاموسًا تقليديًا يكتفي بتعريف الكلمات، بل هو مشروع تأريخي لغوي يعيد قراءة اللغة في سياقها الثقافي والفكري عبر العصور، ليقدّم مادة علمية متينة تمتد من أقدم النصوص العربية إلى نصوص العصر الحديث، وتُظهر رحلة الكلمات وصيرورتها في سياقات متعددة.

نهج علمي يبني جسورًا بين الماضي والحاضر

 أُطلق -معجم الدوحة التاريخي- في الدوحة عام 2013، تحت إشراف *المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات* وبتمويل ورعاية من دولة قطر، ليكون أول معجم عربي يُعتمد منهجًا تاريخيًا في تتبع تطور الألفاظ. لم يعد الحديث عن المعنى المعاصر للكلمة فحسب، بل عن أول ظهور لها في النصوص، وتحوّلاتها الدلالية، وسياقيات استعمالها، وتداخلاتها الثقافية عبر الأزمنة.

هذا النوع من العمل اللغوي يتطلب موارد معرفية ضخمة وجهودًا منهجية دقيقة، وقد استطاع المشروع من خلال قاعدة بيانات نصية كبيرة تغطي آلاف النصوص، أن يجعل من العربية لغة تُقرأ في عمق تاريخها، وليس فقط في سطح مفرداتها.

معجم الدوحة... تجربة عربية بروح قطرية

ما يميّز هذا المشروع أنه لم يأتِ في سياق عمل أكاديمي منفصل، بل كمبادرة استراتيجية تعكس -رؤية قطر في الاستثمار بالمعرفة والثقافة-. فقد أدركت القيادة الرشيدة أن اللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل عنصر فاعل في تكوين الشخصية الوطنية، وفي تعزيز انتماء الأجيال الراهنة والمقبلة.

وقد كانت قطر من أوائل الدول الداعمة للغة العربية في الفضاء الرقمي والثقافي، باحتضانها لهذا المشروع وتوفيرها إمكانات البحث العلمي، والمساحات الإبداعية، وتشجيعها على نشر الثقافة اللسانية بين أوساط الشباب والمجتمع.

ويعكس هذا العمل أيضًا -التعاون العربي المشترك- الذي شارك فيه باحثون ومحقّقون ومختصون من مختلف البلدان العربية، مما يؤكّد أن المشروع يمتد أثره إلى ما هو أبعد من الدوحة وحدها، ليشمل الأمة العربية جمعاء.

 أداة تعليم وتطوير معرفي للفرد والمجتمع

يتجاوز -معجم الدوحة التاريخي- حدود المرجع الأكاديمي، ليصبح أداة تعليم وتطوير معرفي لكل الفئات. ففهم الكلمة في إطارها التاريخي يمدّ الطلبة والمعلمين والباحثين بأداة تحليلية قوية تُحوّل اللغة من هيكل جامد إلى منظومة معرفية قابلة للفهم العلمي والنقدي. كما يفتح المعجم أفقًا جديدًا في تطوير المناهج التعليمية، عبر ربط الدرس اللغوي بتاريخ الكلمة ومعناها، بدل التركيز على القواعد المجردة وحفظ التعاريف، مما يسهم في تنمية التفكير النقدي لدى المتعلمين، ويعزز لديهم الوعي بتاريخ لغتهم وجذورها.

وفي مجال الإعلام والترجمة والصحافة، يوفر المعجم مادة مهنية موثقة للاستشهادات والمعاني، بما يعزز جودة الأداء المهني، ويقلل من الترجمة المتسرعة أو الاجتهادات غير الدقيقة التي تُبعد العربية عن دقة التعبير.

جهد قطري يُسجّل في سجلّ الإبداع العربي

ولا يمكن الحديث عن هذا المشروع دون الإشادة بالجهود الكبيرة التي بذلها فريق العمل من باحثين ومختصين في اللغة العربية، ومن دعم قطري يعكس استشرافًا حكيمًا لأهمية الثقافة واللغة في بناء الإنسان والمجتمع. وما دعم قطر لهذا المشروع إلا امتدادًا لرؤية واضحة في صيانة الهوية، وتمكين الفكر، وتعزيز اللغة في قلب المشاريع الوطنية.  لقد جسّد المعجم روحًا بحثية رصينة، وأظهر أن العربية قادرة على أن تواكب العصر، وأن تكون مرجعًا معرفيًا قويًا، وليس مجرد تراث يُحفظ. إن هذا المشروع اللغوي يعكس ثقافة وطنية متماسكة تدفع الإنسان نحو العطاء، وتؤكد أن الاستثمار في اللغة هو استثمار في الإنسان والمجتمع على حد سواء.

لغةٌ تبني ذاكرة أمّة وتشرق في حاضرها

ليس - معجم الدوحة التاريخي للغة العربية - مجرد مشروع لغوي يُضاف إلى المكتبة العربية، بل هو -قلب نابض للهوية العربية في زمن التحولات -. إنه استعادة للذاكرة والوعي، وتوثيق لتاريخ الكلمة، وترسيخ لعلمية التعبير عبر سياقاتها المختلفة. من خلال هذا المعجم، تتلاقى الماضي والحاضر، وتفتح أبواب المستقبل أمام العربية لتواصل مسيرتها في خدمة الفكر والثقافة والبحث العلمي. فهو ليس مشروع كلمات فحسب، بل مشروع إنسان، ومشروع حضارة، ومشروع أمة تعتزّ بلغتها وتُسهم في إثراء المعرفة الإنسانية.

ومن الدوحة، تنطلق العربية لتقول للعالم: 

إن اللغة ليست ما يُحفظ فقط، بل ما يُعاش ويُبدع به الإنسان.

 

اقرأ المزيد

alsharq عيد وكأس ومطر

اللحظات الجميلة في حياة الإنسان نادرة ولطيفة وسريعة، ولهذا فهي تُنقش في الذاكرة الإنسانية كونها مُتميّزة، وتُداعب الروح... اقرأ المزيد

258

| 26 ديسمبر 2025

alsharq معجم الدوحة للغة العربية وسام على صدر قطر

جميع العرب يعرفون مدى اهتمام دولة قطر منذ عقود بكل ما يعزز ثقافتها العربية الإسلامية وهي الدولة الفتية... اقرأ المزيد

132

| 26 ديسمبر 2025

alsharq سنة جديدة بقلب قديم!

لسنا بحاجة إلى سنة جديدة بقدر حاجتنا إلى سنة «مستعملة»، سنة من ذاك الزمن الجميل، حين كانت القيم... اقرأ المزيد

147

| 26 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية