رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

111

إبراهيم عبد المجيد

بين الفكر والروح

23 أكتوبر 2025 , 05:40ص

من الأوقات الصعبة على أيِّ مبدع أن ينتهي من كتابة رواية أو ديوان، وتتوقف الروح لبعض الوقت عن الإبداع، فيجد نفسه مضطرا أن ينظر حوله. الإبداع لا يأتي بالطلب، هو الذي يقفز إلى الوجود حين يشاء، بل ربما يناوئ صاحبه إذا فكر أن يأتي به فلا يأتي. 

لقد شاءت ظروفي أن تنقسم حياتي بين الإبداع، قصة أو رواية، والكتابة الفكرية، مقالات أو كتب.

 شيزوفرينيا قسمتها بين الليل والنهار، فأعطيت الليل للإبداع أو الروح، والنهار للفكر. 

هي رغبتي ألا أخلط بينهما، جعلتني أنجح في ذلك. 

الرواية أو القصة بالنسبة لي تعني الوحدة مع الليل والموسيقى الكلاسيكية توسع الفضاء حولي. 

كيف استطعت مع الليل أن أنسى ما شغلني بالنهار في مقال أو دراسة أو تعليقا على حدث سياسي في صفحات السوشيال ميديا. 

هل هي الإرادة، أم العادة، أم هو اللاشعور يحقق لي ما أريد؟ ليس مُهماً أن أعرف السبب. 

شاءت الظروف في الأشهر الأخيرة أن أنتهي من رواية قيد النشر. 

جعل الفراغ الروحي الليل كما النهار انشغالا بما حولي. 

قرأت هنا مقالا للعزيزة الشاعرة والكاتبة سعدية مفرح عن عصر التفاهة بعنوان «جمهور التفاهة». 

ليست مشكلة التفاهة فيما تقدم لكن في تغطيتها على ما هو جاد وما أكثره. 

على يقين أن ما هو جاد على طول التاريخ لا يشغل الجميع، فالبشر ليسوا طبقة واحدة تحكمها ثقافة واحدة. لكن الجاد دائما هو ما يعبر الزمن.

 لا أحب أن أنشغل بالتفاهة فأعطيها قيمة، لكن مقال سعدية مفرح جعلني أنظر حولي لأرى التفاهة مجسدة في أمر كان يستحق كل احتفاء حقيقي في مصر. أعني به مهرجان الجونة السينمائي. والجونة هي منطقة على البحر الأحمر أقام فيها رجل الأعمال المثقف سميح ساويرس، مؤسس جائزة ساويرس في الآداب والفنون والدراسات والسيرة والسيناريو، مدينة صغيرة يعيش فيها سكانها وبها كل ما تحتاجه المدينة من مدارس أو جامعة أو مستشفى، يقيم بها هذا المهرجان السنوي العالمي للسينما. جاءت الأخبار، وهذه هي الدورة الثامنة للمهرجان، في أغلب المواقع الصحفية عن أزياء الفنانات. وجاءت الصور عنها لتنتشر انتشار النار في الهشيم. صور عن كيف أنقذت فنانة زميلتها حين كاد الفستان يسقط عنها فيظهر جسدها، أو أخرى طَيَّر الهواء الفستان المفتوح من الأمام فأظهر ما تحته، أو إطلالة الفنانات بين الفساتين. شغلت هذه الأحداث التافهة مواقع التواصل الاجتماعي ولا تزال. رغم أن في المهرجان أفلاما عالمية ومصرية تصل إلى حوالي سبعين فيلما، موزعة بين أفلام روائية طويلة وأفلام قصيرة وأفلام تسجيلية، ونشاط ثقافي وندوات، واحتفاء رائع بأعمال يوسف شاهين. من ينقل هذه المشاهد صحفيون يحضرون ويرسلون إلى مواقعهم تغطية للأحداث، لكن المواقع لا تنشر إلا هذه الأخبار التافهة التي يتسع لها فضاء السوشيال ميديا. لا أعرف كيف ينتقون هذه الأخبار إلا استجابة لعصر التفاهة. ولا أعرف ما هي صعوبة أن تدخل المواقع الصحفية على صفحة المهرجان المتوفرة على السوشيال ميديا لتستقي منها أخبارا حقيقية. 

هكذا جعلتني فترة التوقف عن الإبداع أرى ما حولي من تفاهة. لن يلهيني ذلك عما هو جدير بالقراءة والكتابة مثل غزة، وما يحدث فيها، وربما يعطيني الصبر على ما يحدث في غزة، أنه من الصعب أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه، مهما نكست إسرائيل في عهودها. إسرائيل تريد الهروب من المؤتمر الأخير في شرم الشيخ، بتفجير غزة بالخلافات الداخلية. لم تنجح في ذلك من قبل ولن تنجح.

مساحة إعلانية