رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

705

إبراهيم عبد المجيد

صيف سويسري ضائع

06 نوفمبر 2025 , 03:45ص

«سأعود مُعافَى من الشعارات المخزونة في طيات لساني، أترك التعصب الذي يستولي عليَّ ويحيلني ببغاء تكرر المحفوظات. تطرفت في الولاء للمبدأ حتى اقتراف الشرور. ارتكاب الجرائم».

هذا المونولوج يأتي في الصفحات الأخيرة لرواية «صيف سويسري» للكاتبة العراقية أنعام كجه جي، لكني فضلت أن أبدأ به المقال.

 إنعام كجه جي تعيش في باريس، لها روايات رائعة منها «الحفيدة الأمريكية» ومجموعة قصصية وكتب في السيرة، واختيرت أكثر من رواية لها في القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية «البوكر» وعرفتها الترجمة للغات عالمية. وروايتها الأخيرة «صيف سويسري» منشورة في أكثر من دار نشر آخرها الدار المصرية اللبنانية.

 ما افتتحت به المقال، كان الأمل لأربعة من العراقيين، حصلوا على اللجوء إلى سويسرا، التي وضعتهم في مدينة بازل، في مصحة للعلاج من إدمان التعصب، للأفكار الشمولية التي عاشوها في العراق. الأول هو حاتم الحاتمي ضابط الأمن القومي، الذي كان يلقب بـ «الرفيق سور الصين»، وكان ضمن مؤسسة السلطة. مدمن القومية العربية الذي ارتكب في العراق كثيرا من الجرائم في حق من يسمونهم أعداء الوطن ومنهم أصدقاء له، وفقا لشعار «نفِّذ ثم ناغش» أي ثم ناقش وحاور. اسمه يوحي بالكرم الحاتمي، لكن الكرم الأكبر كان جرائمه! الثانية هي بشيرة حسون اليسارية التي تعرضت للتعذيب والحبس واغتصبت، وحملت ابنتها سندس التي استطاعت أن تهرب بها. الثالث هو غزوان البابلي، المتدين المتطرف والمعتقل السابق في سجون دولة البعث. 

الرابعة هي «دلالة شمعون» الآشورية المبشِّرة الدينية بشهود يهوه، الإله المختلف عن دين طائفتها. معهم الطبيب النفسي المعالج لهم وهو الشاب العراقي «بلاسم» الذي يعيش في مانشستر وتم استدعاؤه لعلاجهم.

أسماؤهم جميعا ذات دلالة حتى لو كانت معاكسة، تدهشك فكرة العلاج النفسي من الأفكار المتطرفة، لكن بالنقاش بينهم والاعترافات تعود كقارئ إلى العراق يوما. ويدهشك أكثر أن العلاج يكون بتناول كبسولات «بونبوني» ملونة، ضمن البرنامج الذي يشمل جلسات البوح والاعتراف.

 تظهر مدينة بازل في رحلات خروجهم، وتظهر سويسرا وأسواقها في صور مجسدة. يطل بعضهم على مجمع البنوك فيتذكرون من يقومون بتهريب الأموال من بلادهم إليها. يرون المبنى الذي عقد فيه تيودور هرتزل أول لقاء للبحث عن وطن لليهود، فتتذكر ما جرى في فلسطين بعد ذلك، ويبدو كأنه علامة مبكرة على فشل التجربة في هذا البلد. بالفعل تكتشف في النهاية أنهم رغم اعترافاتهم، بدأوا يخفون «البونبوني» عن الطبيب بلاسم، ثم في جلسة على شاطئ نهر الراين يلقون به. خلال ذلك يبدو اللقاء بين بلاسم وسندس ابنة بشيرة حسون، مبشرا بقصة حب من ناحيته على الأقل، فهو يخرج بها إلى معارض فنية وغيره، لكن في النهاية تزوجت نرويجيا. لا تريد عراقيا فهي لم تعرف غير الضحايا أو الجلادين. من أبرز الشواهد الفنية في بناء الرواية أن حاتم الحاتمي يشغل المساحة الأكبر منها، هو الذي وراءه كثير من الجرائم، إلا حبه المكتوم لبشيرة حسون، الذي جعله يبعدها عن الحبس والتعذيب، ويعيدها إلى بيتها. يشغل سرده أكثر من خمسة عشر فصلا من الرواية بينما لا يشغل سرد الآخرين غير فصلين أو ثلاثة. هل لهذا معنى؟ ربما فأنا لا أحب التفسير النهائي للأدب، لكن المعنى الذي قفز إليَّ هو تسلط الأقوياء بالحكم حتى في رواية يكتبها آخرون. تفاصيل كثيرة في الرواية، تجعلها صورا سينمائية مرئية، وتتعدد فيها لغة الشخصيات في الحوار أو الاعترافات بشكل فاتن، وحين تنتهي تدرك معنى العنوان، فصيف سويسرا هو أقل المواسم ولن يغير الأحوال.

مساحة إعلانية