رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم تمرّ على الأمّةِ العربية، في عصورِها المختلفة، مَرحلةٌ، مثل هذه المرحلة الاتصالية الإلكترونية، والتي عبَثت بتُراث هذه اللغة، وحوّلتها إلى " مَسخ" في كثير من الظروف!؟ فما نقرأهُ عبر وسائل التواصل، هذه الأيام، ينعكسُ على أجوبة الامتحانات في الكليات والجامعات؛ لذلك نجدُ العديدَ من الطلبة والطالبات ينفرون من الأسئلة المقالية، أو التكليفات الكتابية والتقارير، ويُفضّلون أسئلة ( صح/ خطأ)، ذلك أنهم لم يتأسَّسوا تأسيساً سليماً ما قبل مرحلة الجامعة، وقد يكون هؤلاء الطلبة، والطالبات غيرَ مسؤولين عن هذا الخلل !؟
إن القرآن الكريم، هو الحافظ للغةِ العربية، وهو اللسانُ العربي الفصيح، وهو المرجعيةُ الأولى في ضَبط النحو والصرف، فإذا لم يُتقن المرءُ العربيُ المُسلمُ اللسانَ العربي، فكيف سيقرأ سورَ القرآن الكريم؟! نعم قد يحفظها عن ظَهر قلب، من كثرة الترديد في الصلاة، لكنه سيواجه مشكلةً عندما يكتب تلك السور!؟ فمثلاً، كيف سيقرأ هذا الإنسان، " ولم يكُن جبّاراً عصيًا" (مريم، 14)، أو " والذين يقولون ربّنا اصرِف عنّا عذابَ جَهَنّمَّ إن عذابَها كان غراما"، (الفرقان، 65). فلئن ذهبنا إلى مدرسة " المُحَورين" في اللغة سوف نكتب (جبّارا) هكذا (جبّارن)، وكذلك الحالُ مع كلمة (غراماً)، هكذا(غرامن)!؟
وهنالك العديد من الوقفات مع آيات القرآن الكريم، والتي كثيراً ما تَتشوهُ عند كتابتها من بعض الذين لا يُتقنون اللغة العربية.
ولعلَّ سائلاً يأتي ليقول: وما الحل؟؟
وهذا سؤال مشروع وحيّوي! إن مسؤوليتنا جميعاً أن نحمي لغتنا العربية، ونحن نعلم، أن بعضَ الشعوب التي تلاشت واضمحلَّ تُراثُها وحضارتُها كان بسبب إهمالها للغتِها الأصلية!؟ لأن اللغة هي الحاضنة لجميع أشكال تراثِ أية أمَة، والوعاء الذي تتشكَّلُ فيه ملامحُ الحضارة، والعلوم، والآداب، والفنون الماديّة وغير الماديّة. لذا، فإن الحفاظ على اللغة العربية من الأولويات التي يجب أن تحافظ عليها الأسرةُ في المقام الأول. وخاصة الأم، التي تترك أطفالَها لساعاتٍ طويلة مع الشغالة غير الناطقة باللغة العربية، خصوصاً في مرحلة تشُكل الوعي اللفظي لدى الطفل. فإذا ما أضفنا عددَ ساعات الروضة أو المدرسة، إلى ما يقضيه الطفل مع الشغالة في المنزل لوجدنا الآتي ( 6 +3 مساء+ 2 صباحاً = 11 ساعة يقضيها الطفل مع الشغالة !؟ ماذا بقي من الـ 24 ساعة، إذا افترضنا أن الطفلَ ينام 9 ساعات يومياً؟ 11+9 = 20 ساعة، وإذا ما خصَّصنا ساعاتٍ لمراجعة الطفل لدروسه، ولعبه في حوالي 3 ساعات!؟ لكان الباقي ساعة واحدة، وهذه (حسبة) بسيطة وتلقائية، بالطبع قد تقوم الأمُّ بمراجعة الدروس مع الطفل، ولكن هنالك فرقاً شاسعاً بين مدة بقاء الطفل مع الشغالة، وبين بقائه مع الأم !
إذن، فالمسألة تقعُ على عاتق الأسرة، ولا بد أن تُخصِّص الأمُّ أو الأمُّ والأبُ معاً، وقتاً، يومياً، للبقاء مع أبنائهما، كي يتعلّموا السلوكَ القويم، والعادات والتقاليد، ويقومان بترجمة الكلمات الإنجليزية التي يتحدث بها هؤلاء الأطفال، وأن يتعرَّف الطفلُ، عبر الصور، على الملامح الوطنية المحلية، وتلك المتعلقة بالأمة العربية والإسلامية.
وهذا أفضل من قضاء الأب خارج المنزل في عمله أو في مجالسَ مع أصدقائه، وبقاء الأم خارج المنزل في زيارات عائلية أو المرور على المولات. إن تناول وجبة الإفطار مع الطفل أفضل بكثير من تناولها في مطاعم المولات!؟ ونحن ندرك أن الأم ( مدرسة)!! وهذا يختصر كلاماً كثيراً عن التربية الأسرية!؟ فالطفل الذي يقوم بتصرفات غير لائقة، أو تالفة لمكونات المنزل، أو تُعرّضهُ للخطر، لا بد وأن يُلفت نظره، حتى لا يكبر وهو يُكرر نفسَ الأخطاء.
الأمر الثاني في شيوع هذه الأخطاء العديدة في اللغة العربية، هو عدم إكمال الشاب / الرجل، لدراسته، أو أنه أكملَ الثانوية (بالدّز)، أي كان نجاحهُ مُتعثِّراً. وقد يكون ذاكَرَ المادة كي يحصل على الدرجة، دون أن يحفلَ بأن تترسَّخَ المادةُ أو المعلومةُ في عقله، ويزيد في هذا، عدمُ قراءة هذا الشاب / الرجل للكتب أو المقالات أو القصص، التي يُمكن أن تدعَم جودةَ الإملاء لديه. فما بالكم إن جاء شخصٌ (من هذه النوعية) وطبع كتاباً، وهو لا يعرف النحو والصرف، بل ولا يفرِّق بين المثنى والجمع، أو جمع المؤنث أو المثنى المؤنث، أو الممنوع من الصرف !؟
الأمر الثالث هو هيئات التعليم، ولقد مرَّ التعليمُ – لدينا – بمُنعرجاتٍ عدّة، لا نودّ الخوض فيها في هذا المقام. ولكن ما تتطلبه المرحلة الحالية، في ظلِّ ضعفِ اللغة لدى كثيرين، خصوصاً طلّابنا وطالباتنا، أن تعود حصَصُ الإملاء والإنشاء والخطِّ في مناهجنا!؟ صَدّقوني، هذه ليست دعوة " نكوصية" إلى الوراء، بقدر ما هي وسيلة لإنقاذ الجيل من هذا الوهن الظاهر في اللغة العربية. نعم، إن جيل السبعينيات، لم يتعلّم اللغة إلا عَبر مواد الإملاء والإنشاء والخط، لأن تكرارَ الكلمة، وتصحيحَ الأستاذ للخطأ، أمام الطالب، سوف يُرسّخ الكلمة في ذهن الطالب، ولا بأس من أن يطلب المدرسُ من الطالب، كتابة الكلمة الخطأ (مائة مرة) في المنزل. قد تكون المراحل السابقة أهملت توظيفَ المُدرسين الأكفاء لتعليم اللغة العربية، إذ أن عملية توصيل المادة، عبر الاتصال الجيد، ولغة الجَسد الناجحة، من الأمور المُهمَّة في تعليم اللغة، حتى وإن كان المُدرس يحمل مؤهلاً في التربية. كما أن الوعيد والتهديد من قِبل المُدرس للطالب، يجعل هذا الأخير ينفرُ من المادة ؛ بعضُنا لم يتعلم اللغةَ كلَّها في الفصل، بل خارج الفصل، في نقاشاتِ الأصدقاء، وأحياناً عبر مُدرسٍ مُتخصِّص، ليست عليه أعباءٌ وواجباتٌ مُنهِكةٌ في اليوم.
وفي المرحلة الجامعية، بكلية الآداب/ جامعة بيروت العربية، أذكرُ كُنا نتناقش – ونحن ثلاثة من قسم اللغة العربية – حتى ساعات الصباح الأولى، نُحلِّلُ، ونُفسّرُ، ونُثبت الحجةَ في مسألة النحو والصرف. وكان ذاك النقاشُ يُرسّخ المادةَ في عقولنا، ويجعلنا نستحضرُها في الامتحان. وهنا يُمكن أن نقترحَ أن يكون هنالك نادٍ للغة العربية في كلِّ مدرسةٍ وكلِّ كليةٍ وكل جامعة، وأن تُقام في النادي دوراتٌ وورشُ عملٍ، بهدف ترسيخ اللغة العربية، وتجنُب الأخطاء في كتابتها. ويُمكنُ أن يتمَّ تحويلُ كتاب اللغة (النحو والصرف والإملاء) إلى شكلٍ بصري ( فيديو وشرائح)، لأن العين، في هذه الأيام، التي يعتمدُ أهلُها على الشكل البصري، تكون أقوى في ترسيخ الكلمة الصحيحة في ذهن الطالب.
الأمر الرابع في هذه القضية هو القراءة !؟ إن القراءة عاملٌ مهمٌّ في إتقان اللغة. ونحن نعلم، من التجارب القريبة، أن هنالك نسبة لا تجاوز 5% من طلابنا يقرَؤون كتباً خارج المنهج، وتلك إشكالية كبرى، تتشارك الأسرة ُفي حلّها مع هيئاتِ التعليم، والمراكز الشبابية والنوادي.
و" شكرن "، أقصد شكراً!؟
أصدر حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، القانون رقم (22) لسنة 2025... اقرأ المزيد
18
| 08 أكتوبر 2025
لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة التنمية، بل كان دائماً هو الأصل والجوهر، فهو الخليفة في... اقرأ المزيد
21
| 08 أكتوبر 2025
بعد عامين تنفست غزة فيها الصعداء مع الاعلان الأمريكي عن اتفاق بين حماس واسرائيل، ليكسر دوامة الحرب التي... اقرأ المزيد
24
| 08 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5295
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
3789
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
3225
| 05 أكتوبر 2025