رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
احتضنت الدوحة، الأسبوع الماضي، النسخةَ الثانية لمُلتقى كُتّاب الدراما، وهو حدثٌ ثقافي مهم، في ظل تراجع المستوى والأداء الدرامي في المنطقة العربية! وهو أيضاً فرصة لتبادل الآراء بين الفنانين العرب، حول المشكلات والإشكاليات المتعلقة بموضوع الإبداع الدرامي، في ظل بروز عدة أسئلة حول نوعية الإبداع أو تحديد دور الإبداع، في ظل التجاذبات بين قضية حرية التعبير الفني، وبين قيم المجتمع، ودور الرقابة في الحدّ من الإبداع.
وعلى مدى يومين، تداول كُتّاب الدراما قضايا الدراما العربية، على محك التصورات الكبرى، وجماليات السرد، والحاضر والغائب من التصورات الكبرى في الدراما العربية، وأيضاً دراما الواقع ودراما الشاشة، وتنميط التصورات في الدراما العربية، وخصوصية التراث في الدراما العربية، والصورة التراثية وعصرنة الثقافة الجمالية.
وكلها محاورُ مهمة جداً، على طريق الوصول إلى إنتاج درامي راقٍ يُرضي الذائقة الجماهيرية العربية.
ولأنَّ الدراما بأشكالها المختلفة: من المسلسل، حتى الفيلم، حتى المسرح، تساهم في الحراك الفني لأي بلد، وتساهم في عملية التنوير من خلال الترفيه والتعليم، وتبصير الجمهور بالجوانب الفنية والاجتماعية، والفانتازيا أيضاً، ولأنَّ الجمهور "ملول" ولا يقبل التكرارات أو "النسخ"؛ فإن عامِل التشويق والإبهار من العوامل الأساسية التي تضمن نجاح العمل الدرامي.
ولقد حصل حوارٌ ساخنٌ، في الفترات الماضية، حول مضامين الدراما الخليجية، هل هي تمثّل البلد الذي أنتجَ العمل، خصوصاً إن كان قد مثّل فيه ممثلون من نفس البلد! ووصل الأمر إلى حدّ التطرّف في رفض بعض الأعمال، كونها، حسب تعبير البعض، أنها لا تمثّلُ المجتمع المحلي، ومن غير المُفترض أن يتم إنتاجُ أعمال تدور أحداثها حول ظاهرة محدودة، لا يُمكن تعميمُها على كل الجمهور، أو لا تشكّل ظاهرة عامة! ورَدّ بعضُ الفنانين على هذا الاتجاه، بأن العمل الإبداعي هو عمل فنيّ، يحمل عدةَ أوجه! كما أن القصة الإنسانية، لا تعني بالضرورة، مجتمعاً معيناً، حتى لو أنتجت في بلد ذاك المجتمع!. هذه الإشكالية طرَحت نفسها ردحاً من الزمن في منطقة الخليج، وما زالت تشكّلُ عائقاً أمام حرية التأليف الدرامي. ونحن نميلُ إلى (إنسانية) النص، أو الدراما، وبالتالي لا يجوز النظر إليه على أنه ينقل، نقلاً فوتوغرافياً، لما يدور في المجتمع، حتى لو أُنتج في المجتمع ذاته. وإذا ما استطعنا الخروج من التصنيف أو التنميط الاجتماعي، فإننا نقترب من الدراما الإنسانية، التي تصلح لأي مكان وأي زمان.
موضوع التراث حظيّ باهتمام كبير في الملتقى المذكور! وقفزت بعض الأسئلة: هل أوصل السينمائيون التراثَ بأمانة إلى الجمهور؟! وهل السينما عينُ الجمهور الفوتوغرافية، بحيث لا يتمُّ "المَساس" بالتراث "المُقدّس"، ويُنقل كما هو؟! وهل توجد قوانينُ أو مواعطُ تُحرّمُ تحديث التراث، وهل أسلوب (ألف ليلة وليلة) يصلح لأن يكون إنتاجاً سينمائياً أو تلفزيونياً، كما هو، دون إدخال حتميات المرحلة أو الزمان؟ ذلك أن للسينما خصوصياتها، التي تُفرض في العمل السينمائي. وهنا لا بد من التفريق بين أشكال التعبير بالجسد، في الثقافات المختلفة، والتي لا تكون مُستوعَبةً أو تتم ترجمتها من قبل ثقافات أخرى، فالرقص في التراث الهندي، مثلاً، كما قال الأستاذ عدنان مدانات، "ليس حركة جسَد بل تعبيرا دلاليا، وحتى حركة اليد لدى الراقصة، تتحول إلى رمز، لا يفهمه إلا الهندي"؟!.
أخذَ موضوع التراث وقتاً طويلاً من أوقات الملتقى، ذلك أن تجسيد بعض الأحداث، مثل وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، في بعض الأفلام، أو ظهور الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في مسلسل (عمر)، أو ظهور أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم في مسلسل (الحسين)، وكان الفكر السابق يُحرّم ذاك الظهور، ويعتبره تجسيداً غير جائز للخلفاء أو آل البيت.
إن الفكر الجامد الذي لا يقبل الحوار، هو أيضاً لا يقبل حتميات الدراما، في العالم العربي، ولقد أشار الأستاذ عبدالحليم بوشراكي، إلى هذه القضية عندما ذكرَ أن الفكر "التراثي" لدينا اعتمد نظريةَ (خطأ) آدم عليه السلام، عندما أكلَ التفاحة!.
فهذا التصرُّف ليس منطقياً، بل إن آدم عليه السلام أُنزلَ إلى الأرض بعد أن وصَل سنَّ الرُشد، ومارسَ حريتَه في أكل التفاحة! كما دعا المُحاضر إلى ضرورة استيعاب أدوات العصر ودلالاتها، ويرى أن المجتمع العربي يعود إلى الماضي متجاهلاً الواقع، ويقول: "لماذا نرمي أزماننا في الماضي؟"، ويدعو إلى تجديد الرؤية بذهنية مُعاصرة، لا بذهنية الماضي.
الحديث عن التراث يطول وإن اتخاذه مادة متحولة وليست جامدة هو الأصل، في التجسيد الدرامي. ذلك أن تقنيات العصر، لا بد وأن تُوظّف في الأعمال الدرامية، واللجوء إلى العناصر الرمزية، التي تعكس الانتماء العربي، وخصائص الإنسان العربي. وقد لا نختلف مع مَن ذكرَ بأن التراث ليس شكلاً أو مضموناً، بل هو آليات فكرية!. وكثيرون لم يقتربوا من هذا المُصطلح، أو حاولوا تفكيكه.
ولقد استطاع المسلسل الكويتي (الأقدار) التعبير بوضوح عن واقع المجتمع الخليجي، في عصر ما قبل النفط، وأدخلَ أُطراً فكرية بين ثناياه، خصوصاً ما تعلق بعُنصري الخير والشر، مع الاحتفاظ بروح الفكاهة في الوقت ذاته. تماماً كما جسّد مسلسل (ليالي الحلمية) الحياة في المجتمع المصري.
الموضوع يتشعب حول الإنتاج الدرامي في الوطن العربي، ودور الكُتّاب في استنباط أفكارٍ ووسائلَ جديدة للنهوص بالأعمال الدرامية، وأهمية توسيع دائرة الفكر، حيث لا يجوز تطبيق المفاهيم الرقابية البالية، التي ما عادت تناسب العصر.
وفي نهاية الملتقى، صدر بيان لبعض الآفاق التي طرحت في الملتقى، التي هدفت نحو النهوض بالدراما العربية، ومنها:
إن حرية الكتابة شرط جوهري في أي عملية إبداعية، فما بالك بالكتابة الدرامية، التي لها سطوة خاصة على الناس.
تأكيد مبدأ الكرامة الإنسانية والعلم والعمل والوقت والآخر، فالدراما ليست معنية بعرض ظواهر المجتمع فقط، وتناول السلوكيات السطحية، إنها معنية بتفكيك البنى العميقة للجمتمع العربي.
فتح الأبواب أمام الكتابات الواعدة، لدعم الخطاب الدرامي السائد.
ومن التوصيات الهامة:
استحداث ورَش عمل متخصصة لكّتاب الدراما الشباب، للارتقاء بكتاباتهم، وتعزيز حضورهم.
استحداث صيغ جديدة للملتقى تُخفِّف من البعد النظري.
تقديم تجاربَ إبداعيةٍ شابة لتشخيص وضعية الكتابة الدرامية لدى الأجيال الجديدة.
التنسيق مع المنابر المتخصصة لنشر أعمال الملتقى، وتخصيص محور دائم حول قضايا الدراما.
الدراسة المبدئية للتحولات الحاصلة في المجتمعات على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي بالتنسيق مع الجهات المتخصصة، وتوظيف الناتج في بناء النصوص الدرامية.
إيلاء الاهتمام بدراما الطفل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5295
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
3789
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
3225
| 05 أكتوبر 2025