رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
اليسار التونسي يحتاج إلى العقلانية السياسية من أجل التحرر من الخطاب الشعبوي، وإقامة علاقات صحيحة وسليمة مع الحركات السياسية الأخرى التي تتبنى منظومات أيديولوجية قومية وإسلامية، ذلك أنه من أسوأ التقاليد التي كرستها الحركات السياسية العربية على اختلاف مرجعياتها الفكرية: الماركسية والقومية والإسلامية، هي انتهاج الخطاب الشعبوي الذي يهيمن عليه الطابع الأيديولوجي، والذي تكمن وظيفته في التسويغ والتبرير وطمس واقع الفروقات والاختلافات واللجوء إلى التوفيق والتلفيق، والذي يفتقر إلى العقلانية، ويقلل من أهمية المسألة الفكرية ويحط من شأنها، ولا ينطلق من حقيقة أن الفكر العقلاني هو الذي يصنع التغيير الجذري وبالتالي يصنع التاريخ، ذلك أنه ليس ثمة من تاريخ ممكن من دون حركة الفكر. ويظل التنازع بين المسألة السياسية الضاغطة بحجم وجودها، وثقلها في الخطاب السياسوي الشعبوي وبين الفكر العربي المعاصر قائماً، لأن السياسة في طبيعتها الأصلية، وهي تبحث عن التغيير، تخدم المصلحة طبقية كانت أم حزبية، بصرف النظر عن المشروع السياسي المنضوية في سيرورته، قد لا تستمد معاييرها من الحقيقة الموضوعية، في حين أن الفكر باستخدامه العقل العلمي والفلسفي، هو الذي ينتج التصورات الصحيحة والرؤى العلمية عن حقائق التاريخ الاجتماعية وعلاقاتها. فهيمنة المسألة السياسية على الفكر العربي، بادعائها أنها تحتكر الحقيقة العلمية للتاريخ الاجتماعي، وباستمالتها الفكر واستخدامه وأحياناً في جعله رهن الاعتقال، وتدجينه، وحتى التنكيل به، واختلال العلاقة بين الأيديولوجي والسياسي، يدفع الحوار السياسي بين القوى السياسية ذات التوجه اليساري والحركات الإسلامية على تنوعها إلى سجال أيديولوجي، تسود فيه الرؤية الحصرية. وهي تمثل صياغة جديدة للأحادية والنظرة الإقصائية التي تحل نفسها محل الكل الاجتماعي، وتطرد الآخر من عالمها، ولا تنظر إلى الاختلاف والتعدد إلا على أنه كفر. وهذه الرؤية الأحادية والحصرية السائدة في صفوف الحركة السياسية العربية على اختلاف مشاربها الفكرية: اليسارية والقومية والإسلامية، ومناهجها وبرامجها، تجعل الفكر العربي متناقضاً لا يسوده الانسجام والوحدة في بناه النظرية والمعرفية، لأن موضوعاته وإشكالياته أتت في ظروف تاريخية، أو تحت وطأة الضغوطات السياسية والأيديولوجية، ويظل عاجزاً عن تحقيق توافق أولي مبدئي على القضايا الأساسية للأمة، ولاسيَّما منها العلاقة بين الديمقراطية والإسلام. إن الضمانة الجدية للتوافق وديمومته بين القوى اليسارية والإسلام هي انتهاج خط الواقعية والعقلانية، في الإجابة عن أسئلة ومعضلات الواقع. فالعقلانية تقوم على أساس النقد، نقد الذات ونقد الموضوع الذي هو أيضاً ذات وحياة. وهو ما يسميه المفكر الراحل إلياس مرقص «جهاد النفس وجهاد المعرفة». فالنقد هو أبرز خصائص العقل، والعقل واحد، عند الكل، وهو كوني بطبيعته، وليس بخاصية قوميات ضيقة، أو التقسيمات الجغراسياسية التي تقسم العالم إلى مناطق نفوذ وهيمنة. ليس العقل منهجاً قائماً على الحساب، والمنطق، وأداة تفكير فقط، ينمو إلى تعامل بين مقتضيات الذهن المنطقية والمعطيات الاختبارية الصادرة عن عالم الظواهر. والعقل نظري وعملي، فالعقل النظري أساس العلم والحكمة، يحمل في ذاته الإيمان بالمعرفة والشك فيها في علاقة متبادلة بينهما، لا يني يثبت وينفي إلى ما لانهاية، وهو باحث جيد من أجل الحقيقة، ومنتج لمنظومات متماسكة من الأفكار والنظريات، والأسس المعرفية للعمل البشري والإنتاج الاجتماعي، وساع من أجل وحدة الفكر والواقع وإعادة بناء صورته في الذهن، في ضوء التقدم العلمي الحاصل. والعقل العملي أساس الاجتماع والحياة السياسية، هو عقل مفتوح يجسد نمطاً من التعامل الوحيد بين العقلاني واللاعقلاني، ويكون بذلك ضرورياً ضرورة مطلقة بالنسبة إلينا للتعامل مع الواقع، بما أنه تجسيد للعقلانية الحقيقية باعتبارها مسعى من أجل مطابقة مفهوم الفرد الاجتماعي ومفهوم المواطن بوصفه عضواً في المجتمع المدني وعضواً في الدولة بالتلازم الضروري. ولهذا تصبح العقلانية ركيزة أساسية للديمقراطية، وبالتالي ركيزة أساسية لمجتمع القانون والحقوق، كما تصبح السياسة بكونها الشأن العام المشترك بين جميع الأفراد في مجتمع الأفراد، في مجتمع معين ودولة معينة، علم الممارسة المعقولة، وهي تهم العمل الكوني الذي وإن كان من خلال أصله العيني عماداً فردياً أو جماعياً، لا يهدف إلى الفرد والجماعة بل يهدف إلى الوصول إلى الجنس البشري. لذلك كله، فإن العقلانية باعتبارها أخص منجزات الروح البشرية، لاسيَّما حين تنطلق من مفهوم الإنسان وفكرة التاريخ والتقدم، هي كونية بطبيعتها، لأنها قائمة على كونية العقل وإنسانية الفكر. فليس هناك عقل عربي أو إسلامي أو أوروبي وعقل أمريكي وعقل هندي وآخر روسي، مثلما ليست العقلانية من منجزات الغرب ومكتسباته فقط، حتى إن تجذرت في الغرب المسيحي وذهبت إلى أبعد ما تكون وأعمق ما تكون. العقلانية في الفكر والسياسة، مفهومة فهماً جدلياً سليماً هي تلك التي تنطلق من وحدة المجتمع الديالكتيكية التناقضية ومن وحدة الأمة العربية باعتبارها كينونة اجتماعية في التاريخ وفي العالم ومن الشأن العام والمصلحة القومية المشتركة التي تتقاطع فيها المصالح الخاصة والفردية، وتجد فيها ميدان تحققها الواقعي. فالعام هو الذي يحدد الخاص والفردي، والكل هو الذي يحدد الأجزاء وليس العكس وبالتالي فإن السياسات الفئوية، طبقية كانت أم حزبية، أم عشائرية أم مذهبية التي تحل الخاص محل العام هي سياسات لاعقلانية وإذ تقوم هذه السياسات على المنفعة الخاصة الجزئية، الفئوية، فإنها لا تلغي المصلحة العامة الوطنية القومية فقط، بل تلغي ذاتها أيضاً وهذا أساس لا عقلانيتها، والسياسات اللاعقلانية هذه هي بالضرورة سياسات استبدادية، وأنساق مولدة للعنف. فمن ليس في فكره وفي روحه المطلق يحول نسبيه إلى مطلق وذلك هو الاستبداد. العقلانية في الوضع العربي الراهن، صفة السياسة القومية الراديكالية المؤمنة حقاً بالمشروع القومي الديمقراطي النهضوي، التي تضع حداً للأيديولوجية وتقيم حداً على الشعارات والشعاراتية في الحوار بين الأطياف السياسية من أجل إعادة بناء وعي جديد مطابق لبناء دولة القانون، وتحقيق وفاق تاريخي حقيقي بين الحركة الإسلامية والقوى اليسارية، على أهداف إستراتيجية محددة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، حيث إن بناء هذا الوعي الجديد وهذا الاتفاق التاريخي لا يكونان بالتسويات الأيديولوجية، ولا برفض الأيديولوجيات ذاتها والاستسلام لتأثيراتها موضوعياً، بل ينطلقان من العقلانية والمنطق في سبيل تقديم الحلول والأجوبة لإشكالية ثنائية العلمانية والإسلام وتساؤلها وإخراجها من المحنة التي شكلها استمرار المعارضة بينهما. إن الكثير من الحركات الإسلامية المعاصرة، ولا نبالغ إذا قلنا أكثريتها، إنما تقف من مبدأ العلمانية والتعددية، سواء في الرؤى الفكرية أو السياسية، موقف الرفض العدائي أو الريبة الشديدة أو الشك في شرعيتها أو في ضرورتها وجدواها، في حين أن أمام الإسلاميين واليساريين، واللاهوتيين والعلمانيين مسؤوليتين أولاهما معرفة الواقع بأبعاده العالمية أو الكونية، والتاريخية والعقلانية بشكل مطابق وصحيح، حيث إن معرفة هذا الواقع تقتضي منهجاً عقلانياً لفهم الصراعات والتناقضات التي تولد حركة تطوره، والقوى التي تؤثر فيه، لاسيَّما أن العالم اليوم يتوحد بوتائر سريعة. فلم تعد ثمة مشكلات أو قضايا أساسية محلية خالصة خارج سياق العولمة الرأسمالية الجديدة، أو الهيمنة الإمبريالية الأمريكية. والثانية، نقد العقل السياسي العربي، ليشمل ظاهرة الإسلام السياسي المعاصر، والخطاب الأيديولوجي الإسلامي المتطرف الدوغمائي من جهة، والفكري المرن النقدي المنفتح من جهة أخرى، الذي مازال يرفض تجسيد القطيعة المعرفية والمنهجية مع الأرثوذكسية الإخوانية الإسلامية التي تأتي في سياق العملية التاريخية، وكنتيجة حتمية للتطور التاريخي العام في المجتمع العربي، باعتبارها هي وحدها التي تؤهلها (هذه العملية) لبناء مشروع ثقافي إسلامي تنويري يصير تكويناً وليس تكراراً، علماً بأن هذه القطيعة متى حصلت تمثل تاريخ التحولات الجذرية في نظرة العقل الإسلامي نفسه إلى المعرفة، وطرق إدراكه للواقع العربي والاشتباك مع معضلاته الأساسية، وتعبيره المعرفي والسياسي عن تأويلاته لهذا الواقع. وهكذا يصبح الإسلام والعلمانية فاعلية فكرية اجتماعية كفاحية من أجل التحرر المعرفي الحقيقي للتراث من الميراث الذي أضحى يشكل عقبة معرفية في الخطاب الأيديولوجي للحركات الإسلامية المعاصرة، يرميان من خلال هذا الجهد الإنساني إلى الاندماج بالعالم الواقعي، ونشر ما يعتقد الإسلاميون والعلمانيون أنه التنوير الحقيقي في الفضاء الاجتماعي على قدم المساواة، حيث إن التنوير لم يكن حكراً على التجربة التاريخية الغربية المحددة بعصر صعود البرجوازية والرأسمالية منذ القرن السادس عشر، بل إن الحضارة العربية الإسلامية امتلكت تراثاً تنويرياً مع ابن رشد في القرون الوسطى، سبق التنوير الغربي في العصر الحديث.
988
| 11 أبريل 2014
بعد تشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة بقيادة السيد مهدي جمعة، حصلت تحولات حقيقية في مواقف القوى التي كانت تنادي بتطبيق قانون العزل السياسي من أجل تحصين الثورة. ولعل أبرز هذه القوى، حركة النهضة، حيث أنهى الشيخ راشد الغنوشي في ندوة صحفية عقدها بصفاقس صباح الأحد 30 مارس 2014، الجدل القائم حول قانون العزل السياسي وتحصين الثورة، بقوله: نحن «حريصون على تحصين الثورة وعلى إقصاء رموز الثورة المضادة، لكن هذه المهمة نتركها للشعب ولصناديق الاقتراع حتى لا نكون أوصياء على الشعب الذي يميز بين الخبيث والطيب»، مضيفا: بن علي ومن قبله حرصوا على «مسح أمخاخ الشعب» طيلة 60 عاما، لكنهم لم ينجحوا، ويجب أن نتفق على أن كل الدول التي طبقت تجربة العزل السياسي ندمت عليه، لأنه يقسم الشعب إلى نصفين.. ليبيا اليوم تحاول التراجع عن قانون العزل السياسي بعد أن انقسمت إلى قبائل.. واستطرد راشد الغنوشي قائلا: «لكن هذا لا يعني إعفاء المجرمين من العقاب، لكننا ضد العقوبات الجماعية»، ففي ديننا الإسلامي الحنيف لا توجد عقوبات جماعية مصداقا لقوله تعالى: «وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، ثم إن رسولنا الكريم قال يوم فتح مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، مستثنيا في ذلك البعض من رؤوس الإجرام. وكان بعض القيادات «النهضوية» قد عبّر عن رفضه القانون المقترح. فقد أعلن عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة، عن رفضه القاطع لهذا القانون، ولم يتردّد في القول إنه «سيزج حركة النهضة في متاهات أيديولوجية وفي العنف». ومن أبرز المعارضين لهذا القانون رئيس الوزراء السابق الأمين العام لـ «النهضة» حمادي الجبالي الذي اعتبر أن قانون العزل السياسي سيضر بحركة «النهضة» أكثر مما سينفعها، متوجهاً بالنصح إلى الكتلة البرلمانية بعدم التصويت على القانون. وقد لاقى مشروع قانون تحصين الثورة معارضة شديدة من أغلب الكتل داخل المجلس الوطني التأسيسي لأسباب عديدة. فهناك من يرى أن العدالة الانتقالية وحدها هي المخوّلة للنظر في الأمر وتحديد المسؤوليات حول من ارتكب تجاوزات خلال مرحلة الديكتاتورية السابقة، وهناك طرف آخر يعتقد أن القضاء هو الإطار الأسلم لتدارس هذا الملف المثير للجدل، لكن هناك رأي صائب يمثله الأستاذ الحقوقي قيس سعيد الذي بيّن أنّ الشعب وحده هو المُخوّل للمعاقبة والحكم على من عمل في النظام السابق عن طريق الانتخابات واقترح أن يكون الانتخاب على الأفراد لا على القائمات حتّى لا يحصل ما حصل في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. وكان أبرز المعارضين لهذا القانون هو السيد الباجي قائد السبسي، مؤسس ورئيس حركة نداء تونس، الذي قال في وقت سابق إن قانون تحصين الثورة وضع على مقاسه، فوصفه بالقانون غير الطبيعي، معتبراً أن تحصين الثورة هو مهمة من قام بها وأن من قام بالثورة هم شباب المناطق المحرومة غير المؤطر، وليست له زعامات سياسية احتج من أجل التشغيل والفقر والحرية وليس من أجل نواقض الوضوء. وقال إن استحقاقات الثورة هي صياغة دستور جديد في مدة لا تتجاوز سنة وهي تنظيم انتخابات نهائية تسمح بالاستقرار في البلاد. في مجال قانون العزل السياسي وتحصين الثورة، هناك أكثرية من التونسيين ترى أنه يجب أن تتكفل هيئة «الحقيقة والكرامة» التي سوف تتعهد وحدها بمهمة السهر على مسار العدالة الانتقالية، بمعالجة رموز النظام السابق، بواسطة القضاء الذي يبقى هو الفيصل والجهة المخولة في تحديد مصيرهم ومستقبلهم السياسي. وبصورة إجمالية، هناك إجماع لدى نشطاء حقوق الإنسان، ومكونات المجتمع المدني التونسي، أن العدالة الانتقالية لا يمكن أن تكون عملية تصفية حسابات عمياء أو تجريم جماعي لفئة معينة من المجتمع التونسي لتقديمهم ككبش فداء، ذلك أن حركة النهضة الإسلامية أسهمت في تعطيل مسار العدالة الانتقالية نتيجة نقص الإرادة السياسية عندها، إضافة إلى زيادة التجاذبات السياسية الراجعة بالأساس إلى ظهور حزب نداء تونس الذي استقطب العديد من «التجمعيين» في صلبه خلال الفترة الماضية، وبعد أن أصبح قانون العزل السياسي قانوناً مُسيَّساً بامتياز. يطرح بعض المحللين العرب السؤال التالي، هل ستنجح الثورة التونسية في شقّ طريق جديدة تفضي إلى بناء جمهوريّة ديمقراطيّة؟ السيناريو هذا، الذي يبدو مغايراً للتجارب العربيّة، يحمل بعض التذكير بتجارب أوروبا الجنوبية القريبة أيضاً إلى تونس. فالتحولان الإسباني، بعد رحيل فرانكو، والبرتغالي الذي أنهى حكم كايتانو، وكذلك اليوناني الذي وضع حدّا لحكم العسكر، نجحت كلّها في أن تعيد الاعتبار إلى الديمقراطيّة وأن ترسي الاستقرار وهي كلّها، قياساً بتجارب «العالم الثالث»، قابلة لأن توصف بالتدرّج وبجرعة تجريبيّة نازعت جرعتها الأيديولوجيّة ثمّ تغلّبت عليها. وهذا، بالضبط، ما لم تعرفه الثورتان الروسيّة في 1917 والإيرانيّة في 1979، فالأولى، مستفيدة من ظرف الحرب العالميّة الأولى، قضت على فرصة إنشاء الجمهوريّة الديمقراطيّة التي ارتبطت باسم كيرنسكي، والثانية أنهت الاحتمال المشابه الذي رمز إليه شهبور بختيار، ثمّ، وبالاستفادة من احتلال السفارة الأمريكيّة ومن حرب صدّام على إيران، التهمت أبناءها الأعقل ممّن كانوا يراهنون على «مصالحة الإسلام والديمقراطيّة». وفي الحالتين نشأ في روسيا نظام توتاليتاريّ استدعى التخلّص منه ثلاثة أرباع القرن، كما نشأ في إيران حكم مَلال ثيوقراطيّ وديكتاتوريّ يستمدّ استمراره من توتير محيطه الإقليمي.
417
| 07 أبريل 2014
حقق اليمين المتطرف الفرنسي اختراقاً لافتاً في الدورة الأولى من الانتخابات البلدية التي جرت يوم الأحد 23 مارس الجاري، بينما تلقى اليسار الحاكم صفعة أتاحت لليمين الفرنسي، متمثلاً بحزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، المتحالف مع أحزاب الوسط، أن يحصد النسبة الأكبر من الأصوات في هذه الجولة الأولى (46.54 في المئة)، في مقابل (37.75 لمصلحة الحزب الاشتراكي وحلفائه). وحقق اليمين المتطرف المتمثل بـ"الجبهة الوطنية" بزعامة مارين لوبان، انتصاراً كبيراً قارب الخمسة في المئة (4.65 في المئة)، إذ حقق مرشح "الجبهة الوطنية" ستيف بريوا فوزاً من الجولة الأولى في مدينة هينان بومون في شمال فرنسا، المحسوبة على اليسار، والتي يزيد عدد سكانها على عشرة آلاف نسمة. كذلك، تصدرت "الجبهة الوطنية" نتائج الدورة الأولى في 17 مدينة، وستخوض الدورة الثانية في 229 مدينة وبلدة يزيد تعداد كل منها على أكثر من 10000 نسمة. إضافة إلى ذلك، ستمنح النسب العالية التي حققتها "الجبهة الوطنية" في بعض البلدات فرصاً كبيرة للفوز في الجولة الثانية في بعض المدن المهمة، ما سيشكل حدثاً غير مسبوق منذ العام 1995. واستفادت "الجبهة الوطنية" (يمين متطرف) من مقاطعة قياسية ومن عواقب القضايا والفضائح التي هزت الطبقة السياسية في الأسابيع الأخيرة، مثل تضخيم فواتير في "التجمع من أجل حركة شعبية"، أكبر أحزاب اليمين، وتسجيلات سرية لاتصالات مستشار للرئيس السابق نيكولا ساركوزي وتنصت قضائي على اتصالات ساركوزي. ويجمع المحللون الفرنسيون أن نتائج الدورة الأولى كانت بمنزلة عقوبة لليسار في ظل تراجع التأييد للسلطة التنفيذية إلى أدنى مستوياته في استطلاعات الرأي، فيما يبقى فرنسوا هولاند بعد سنتين من وصوله إلى قصر الاليزيه الرئيس الأقل شعبية في الجمهورية الخامسة. وفضلاً عن ذلك، هناك ثلاثة أسباب رئيسية قادت إلى هذه الهزيمة المدوية للاشتراكيين الفرنسيين في فرنسا. أولاً: لم يستطع الاشتراكيون الفرنسيون الذين وصلوا إلى السلطة في عام 2012 أن يحققوا الانتظارات للشعب الفرنسي، وبقدر ما يبتعد الاشتراكيون، وعلى رأسهم الرئيس فرانسوا هولاند، عن الآمال التي علقت عليهم في الانتخابات الرئاسية لعام 2012، وبقدر ما يزداد الإحباط وخيبات الأمل انغراساً في نفوس الناخبين.إنها الآلية نفسها التي قادت إلى هزيمة اليمين في الانتخابات البلدية التي جرت عام 1977، ثم إلى هزيمة اليسار في الانتخابات البلدية عام 1983، ومن جديد جاءت هزيمة اليمين مدوية في عام 2008، رغم أن الانتخابات البلدية جاءت في أقل من سنة من فوز الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية لعام 2007. ثانيا: عدم شعبية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. وكلما تزداد شعبية السلطة التنفيذية في الهبوط، يتجه المتذمرون والساخطون على سياسة الاشتراكيين إلى الارتماء في أحضان المعارضات اليمينية واليمينية المتطرفة. ففي الانتخابات البلدية التي جرت في مارس عام 1983، كانت شعبية الرئيس الراحل فرانسوا ميتران لا تزال قوية 48 في المئة، وحين جرت الانتخابات البلدية في مارس 2008، كانت شعبية الرئيس نيكولا ساركوزي في هبوط 37 في المئة، بينما نجد شعبية الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا هولاند عشية الانتخابات البلدية في أدنى درجات السلم. فقد تراجعت نسبة الثقة بهولاند 17 في المئة في استطلاعات الرأي، بينما نجد 80 في المئة لديهم رأي مغاير تماماً. ولخصت صحيفة "لوباريزيان" الشعبية دروس الجولة الأولى وعنونت بعبارة "معاقب" أرفقتها بصورة الرئيس، كما أشارت عدة صحف محلية إلى "اقتراع عقابي". وكتبت صحيفة "وست فرانس" أنه إذا كان الناخبون ينتقمون عادة من السلطة الحاكمة في الانتخابات المرحلية "من النادر أن يفعلوا ذلك بمثل هذه النسبة". ثالثاً: إن هذه الانتخابات ليست "بلدية فقط"، بل هي بمنزلة "اقتراع عام" كان للبطالة والشعور بعدم الأمان والفقر ومسألة التنصت وغيرها دور بارز فيها، إنها "اقتراع تأديبي". الحزب الاشتراكي ظهره إلى الحائط الآن، في انتظار نتائج الدورة الثانية يوم الأحد المقبل. ففي سلم ريختر للكوارث الانتخابية يتوقع الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند في أدنى درجات السلم. فأن يخسر اليسار بعض الواقع، وأن يستفيد اليمين من ذلك، وأن يترسخ اليمين المتطرف في بعض المدن، كل هذا كان متوقعاً، لكن ما لم يكن متوقعا، هو أن يتضاعف هذا التسلسل بنسبة قوية تصل إلى ثلاثة أضعاف. بالنسبة للطبقة السياسية الحاكمة، تعتبر هذه الهزيمة إستراتيجية، إذ قال رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) كلود بارتولون: في كل مكان من فرنسا الشباب هجرنا، والطبقات الشعبية تحولت باتجاهات أخرى، والطبقات الوسطى تجنبتنا، والضواحي والأرياف صمتت. يجب أن نتعلم كيف نسمع الصمت. أو حين قال رئيس بلدية باريس المنتهية ولايته برتراندديلانويه: إذا لم نستمع إلى خطاب الأمس، فإننا نكون غير عاقلين. مضيفاً: على الحكومة أن تحقق تقدماً. ويرى العديد من المعلقين أنه بتحقيقها نتائج أهم مما كان متوقعا فإن الجبهة الوطنية فرضت نفسها "كثالث قوة سياسية في البلاد" وبددت نظام القطبين، اليمين واليسار، بينما عنونت صحيفة ليبيراسيون يوم الثلاثاء 25 مارس الجاري "خوف على المدن" معبرة عن المخاوف من تقدم الجبهة الوطنية التي بإمكانها فرض نزالات ثلاثية في الجولة الثانية في نحو مئة مدينة، حيث يستطيع مرشحوها الاستمرار في السباق.وأعلنت مارين لوبن زعيمة "الجبهة الوطنية": "لم نكن نأمل ذلك"، واصفة النتائج بأنها "تتخطى التوقعات"، وتعلن "نهاية الثنائية القطبية في الحياة السياسية الفرنسية". تؤكد نتائج الدورة الأولى من الانتخابات البلدية الفرنسية النهضة الثانية لـ"الجبهة الوطنية" ممثلة اليمين الفرنسي المتطرف، الذي تشكل في بداية عقد التسعينيات على يد الزعيم برونو ميغرات، إذ سعى هذا الأخير إلى إعطاء البعد المحترف للحزب، وغرسه محلياً. ولم يجد المساعدة في ذلك الوقت من الزعيم المؤسس "للجبهة الوطنية" جان ماري لوبان، على عكس ابنته الحالية مارين لوبين، التي أخذت على عاتقها تمثيل نهج برونو ميغرات والسير على خطاه، لجهة تشكيل شبكة من الناخبين المحليين، والذين من دونهم ما كان لها أن تصل إلى السلطة. لقد ركز مرشحو "الجبهة الوطنية" على القضايا المحلية في المدن والبلدات التي يتواجدون فيها، التشغيل ومواجهة البطالة، الاستثمار المحلي وتنمية التجارة، ولم يرتكبوا الأخطاء التي وقعوا فيها في عام 1995، حين ركزوا على قضايا الهجرة والمهاجرين. وتريد "الجبهة الوطنية" أن تتحرر من النزعة الأيديولوجية، وأن تقدم مرشحيها كقادة أكفاء يديرون بشكل جيد أمور البلديات، لكي يراكموا الخبرات، ويعززوا القاعدة الشعبية "للجبهة"، تمهيداً للانتخابات التشريعية المقبلة، التي ستخاض على صعيد وطني. وفي ظل هذا الانتصار الذي حققته "الجبهة الوطنية" في الدورة الأولى من الانتخابات البلدية، والذي احتل صدارة عناوين الصحف الفرنسية، حيث وصفت صحيفة "لوموند" انتصار اليمين المتطرف بـ"الزلزال السياسي"، ناعية "الثنائية السياسية"، تسعى زعيمة الجبهة مارين لوبان إلى تحقيق الانتصارات المتتالية، إذ تتجه عينها إلى الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي معتمدة على الأزمة الاقتصادية والنظرة الفرنسية السلبية للاتحاد. في ضوء الهزيمة المدوية لليسار الفرنسي أصبح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مطالباً بأن يتمعن جيدا في الرسالة التي تلقاها من الناخبين الفرنسيين، إذا أراد أن يتجنب هزيمة ثانية أكثر كارثية يوم الأحد المقبل 30 مارس الجاري، لاسيَّما أن الموعد المقبل سيكون يوم 25 مايو، تاريخ إجراء الانتخابات للبرلمان الأوروبي، فهل سيعيش فرانسوا هولاند ربيعاً ساخناً؟
755
| 29 مارس 2014
الاحتلال الصهيوني الحديث لفلسطين ليس الاحتلال الأول، بل إن فلسطين خضعت لاحتلال الفرنجة خلال الحروب الصليبية، حين سقطت بيت المقدس (493 هجري-1099ميلادي)، واستمر ذلك الاحتلال زهاء قرنين من الزمن. ولم يحرر فلسطين سوى المسلمين حين توافرت لديهم عوامل الإرادة والوحدة والقوة. وعندما تقدمت جحافل الدول الغربية الصناعية الحديثة، التي أنجزت ثورة ديمقراطية، وثورة صناعية عملاقة، استطاعت أن تتقدم باتجاه العالم العربي والإسلامي، لإعادة تقسيمه، واحتلاله بقوة العنف الكولونيالي، الذي كان ضرورياً وأساسياً لتحقيق أهدافه، والتي تمثلت فيما يلي: 1- إسقاط النظام السياسي الإسلامي وإنهاء دولة الخلافة، بوصفها الدولة الإسلامية المركزية، ورمز الوحدة الإسلامية لقرون عديدة. 2- تفتيت وتجزئة العالم العربي والإسلامي إلى دويلات عدة، من خلال تطبيق اتفاقيات سايكس بيكو، التي أصبحت الحدود الشرعية للتقسيم الكولونيالي الحديث. 3- إقامة دولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، التي تعتبر أهم وأخطر أشكال الاحتلال الحديث، لأنه استيطاني. وبقيامها واستمرار وجودها في قلب العالم العربي والإسلامي، تكون الهجمة الغربية الشاملة قد نفذت أهم وأخطر مهماتها. إزاء هذه الغزوة الأوروبية والصهيونية الحديثة، التي استهدفت العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، وفي القلب منه فلسطين، كانت الردود على هذه الغزوة متباينة ومتفاوتة. فالتيار الليبرالي العلماني العربي لم يضع القضية الفلسطينية في سلم أولوياته، بل انصرف عن قضية النهضة والتحرير إلى الانشغال بقضايا وهمية. أما التيار الاشتراكي بجميع تلاوينه، ولاسيَّما الذي كان خاضعا لمرجعية الاتحاد السوفيتي، فقد انتهج نهج التبعية لتلك المدرسة السوفيتية، وتبنى مقولاتها، حتى وإن تناقضت بالكامل مع قضية الشعب الفلسطيني، ومع مصالح الأمة العربية والإسلامية. وحده المشروع القومي العربي بشقيه الناصري والبعثي وضع القضية الفلسطينية كقضية مركزية في نضال الأمة العربية، وقام بمحاولات جادة من أجل تحقيق النهضة الثانية، وتحرير الأرض السليبة- فلسطين – لكنه أخفق لأسباب سياسية وتاريخية ليس مجال بحثها الآن. إذا كان التيار الليبرالي العلماني والتيار الاشتراكي هُزِمَا تاريخياً في العالم العربي منذ نكبة عام 1948، وهزيمة عام 1967، وكلاهما هزيمة لتيار التغريب في الفكر العربي المعاصر، فإن الحركة الجهادية الإسلامية المعاصرة تثمن دور المشروع القومي العربي النهضوي في وضع القضية الفلسطينية ضمن الإطار التاريخي الصحيح، كقضية مركزية للأمة. إن الوجود الصهيوني في فلسطين قلب العالم العربي الذي هو قلب العالم الإسلامي ونواته المغناطيسية، هو وحده الذي يفسر لنا مركزية القضية الفلسطينية، بوصف هذا الوجود للكيان الصهيوني قاعدة إستراتيجية متقدمة تنفذ أهداف البرنامج الإمبريالي الغربي العام، وتنفذ في الوقت عينه أهداف الحركة الصهيونية العالمية الخاصة، يمثل أوج التحدي الغربي والسياسي والثقافي للعالمين العربي والإسلامي. من هنا تنبع مركزية القضية الفلسطينية في النضال من أجل تحريرها، إذ إن مهمات الحركة الإسلامية المعاصرة حددتها تحولات تاريخ مواجهة العرب والمسلمين نتائج التحدي الحديث في التغريب والتجزئة وإقامة الكيان الصهيوني. ويقول مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي، عن مركزية فلسطين في الصراع الدائر بين العالم العربي والإسلامي من جهة، وبين الغرب الاستعماري والحركة الصهيونية العالمية من جهة أخرى: إذا كان الكيان الصهيوني واستمراره قد أصبح يمثل مركز التحدي ومركز الهجمة الغربية وضمانة لاستمرار هيمنتها على واقع التقسيم والتبعية والتخلف، فإن على كل أجنحة الحركة الإسلامية وعلى ملايين جماهير الأمة في كل مكان أن تمد خطاً مستقيماً من قلب جبهتها المتقدمة في معركة النهضة وفي كل إقليم من أقاليم العالم الإسلامي، نحو المركز... نحو القدس... إن جماهير الأمة تحمل في داخلها وجعاً خاصاً من أجل فلسطين، وذلك لأن حسها التاريخي والعقائدي يخبرها بأن هناك... على ذلك الشريط الصغير من شرق المتوسط، تقع نقطة الصدام المركزية... وهناك ستحسم معركة تاريخنا المعاصرة... إن الوحدة بالنسبة لفلسطين هي وحدة الوعي بأن بقاء الكيان الصهيوني يعني إفشال كل مشاريع النهضة، ولهذا فإن الجدل حول مَن أَوَلاً: مواجهة التبعية والتغريب والتجزئة أو مواجهة الكيان الصهيوني هو جدل نظري تحكمه حسابات الربح والخسارة الآنية أكثر من السعي الجاد لبناء إستراتيجية متكاملة ومتماسكة لمشروع النهضة الإسلامية المعاصرة، إن الوحدة حول فلسطين هي وحدة التاريخ مع القرآن وهي إعادة الملايين المتقدمة نحو قدرها... هي مشروع النهضة كله. وفي القدس... جوهر ومركز الصراع الكوني اليوم تتحدد ملامح المعركة الفاصلة بين عباد الله حملة راية الوحي وقيم الوحدة من جهة، وحملة قيم فلسفة الصراع من الجهة الأخرى، بين المتطلعين إلى وجه الله... الساعين إليه، والمتمردين على الله الذين أقاموا في الأرض أبشع نموذج حضاري في تاريخ الإنسانية. تأكيداً على وحدة المصير بين العالمين العربي والإسلامي، حيث تفرض مركزية القضية الفلسطينية وحدة المصير بين المشروع القومي العربي النهضوي والمشروع الجهادي الإسلامي، إذ إن وحدة المصير هذه تقتضي وحدة الأهداف ووحدة البرنامج ووحدة العمل. يقول المفكر الإسلامي توفيق الطيب في كتابه " الحل الإسلامي ما بعد النكبتين": كما كشفت النكبة الأولى للعرب جميعا عن "المضمون العربي" و"الأبعاد العربية" لقضيتنا فلسطين وأبطلت أسطورة الكيانات القائمة على فكرة "الوطنية المحلية" أو "الإقليمية" التي تكرس واقع التجزئة. كذلك فقد كشفت هذه النكبة الثانية للمسلمين جميعاً عن "المضمون الإسلامي" و"الأبعاد الإسلامية" لقضيتنا فلسطين، فأبطلت بذلك أسطورة "الانغلاق القومي" و"العلمانية" معاً وأثبتت بما لا يقبل الشك أن مصير المسلمين السياسي – مصير العالم الإسلامي – مرتبط بمصير العرب السياسي- مصير العالم العربي- وأن مصيرهم الثقافي مرتبط بمصير الثقافة الإسلامية وأن مستقبلهم جميعا كأمة ذات رسالة وكثافة ذات أصالة مرتبط بمستقبل الإسلام. ليس من شك أن النكبتين اللتين حصلتا في المنطقة: نكبة 1948، ونكبة 1967، قد أكدتا أن الكيان الصهيوني القائم على اغتصاب أرض فلسطين والتوسع في احتلال الأراضي العربية، بات يجسد صورة التحدي الإمبريالي الغربي بشقيه الأوروبي والأمريكي للعالم العربي والإسلامي، وزاد من قوة الكيان الصهيوني وتمدده تنامي العلاقات العضوية بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت تمده بكل مقومات القوة والتفوق العسكري والتكنولوجي، وزاد من قوة التغلغل والسيطرة الأمريكية في المنطقة العربية، إضافة إلى التوسع الصهيوني، الإخفاقات العربية المتلاحقة منذ عصر النهضة العربية الأولى، وحتى عصر النهضة الثانية بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. هذه التحولات التاريخية التي عجلت بها حركة الأحداث في العالم العربي، وطبيعة التحدي الغربي والصهيوني وعنفه وشدته، كانتَا في أساس طرح الحركة الإسلامية الجهادية أن فلسطين ليست مجرد قضية إسلامية فقط، بل هي قضية كل المسلمين والإسلام في العصر الحديث. ولما كان مشروع الحركة الإسلامية الجهادية في فلسطين يرتكز إلى اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية للأمة العربية والإسلامية، فإن مشروع تحرير فلسطين هو تتويج لمشروع حضاري كبير لا مجرد بندقية تطلق النار أو عبوة تتفجر، لكن الكفاح المسلح يجب أن يستمر ليؤكد عصيان صاحب الحق على الدفن حيّاً، وليمنع إغلاق باب الصراع كما يراد له في مشروع السلام الصهيوني الراهن. ويقول أمين عام حركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله في هذا الصدد: «فالأمة دوماً وكما حال الأمم الحرة واجهت الغازي الأجنبي بأعز وأقدس ما تملك، بأرواحها ومقدسها الديني. هذا المقدس الديني اسمه عقيدة الأمة وشرعها "الجهاد". وهو في الدين الإسلامي الركن السادس من أركان الإسلام. وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ذروة سنام هذا الدين". إذن الجهاد في الإسلام (الكفاح المسلح في أدبيات الثورة الفلسطينية) هو مقدس ديني كما هي الصلاة مقدس ديني وكما هو الصيام مقدس ديني. فعندما يقول القرآن: "كتب عليكم الصيام"، نراه يستخدم نفس الصيغة في الجهاد، فيقول: "كتب عليكم القتال". والقتال هو الجهاد.
1423
| 21 مارس 2014
أنجزت تونس ثورتها، وأسقطت النظام السياسي القديم، لكنها لا تزال تتخبط في عملية الانتقال الديمقراطي. و أنجزت ليبيا ثورتها، وأسقطت النظام السابق، ولا تزال تعيش في ظل فوضى السلاح التي تمارسها الميلشيات المسيطرة على مصادر الطاقة، وغياب كامل للدولة. ولتونس أزماتها المعروفة، وأخطرها أزمة استيطان الإرهاب في مجتمعها بسبب وجود بيئات حاضنة له، وأزمة اقتصادية خانقة، باتت تتحكم بمصير البلد، ولا توجد لدى الحكومة الحالية عصا سحرية لحلها. و أصبحت ليبيا بلداً مصدراً للإرهاب، بسبب سيطرة التيارات الدينية المتشددة على أقسام كبيرة من البلاد، وعجز السلطات المنتخبة في يونيو 2012عن بناء دولة عصرية حديثة. في تونس كما في ليبيا، الأزمات موجودة وإن اختلفت في طبيعتها وحدتها، وفي الجزائر والمغرب، رغم أن هذين البلدين لم يشهدا ثورة حقيقية، لكنهما يرزخان تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والحدودية.و تكمن المشكلة في البلدان المغاربية شواء في ظل الأنظمة الحاكمة منذ عقود من الزمن، أو في ظل السلطات الحديثة ما بعد الثورة، أن الفكر السياسي لدى النخب الحاكمة، وحتى لدى العديد من الأحزاب المعارضة على اختلاف مشاربها الفكرية والسياسية، لم يع أنه في ظل العولمة الرأسمالية المتوحشة، الدولة القطرية المغاربية التي تشكلت على حساب المشروع القومي الاجتماعي ودولة السوق القومي وصلت إلى مرحلة الانحطاط، سواء كان على رأس هذه الدولة القطرية فئات البرجوازية الكمبرادورية التي ارتبطت مباشرة بالإستراتيجية الشاملة للإمبريالية الغربية والنظام الرأسمالي العالمي، كما هو الحال في تونس والمغرب، أو تلك التي كان على رأسها فئات من الطبقة الوسطى التي انتهجت خياراً اقتصاديا واجتماعياً يقوم على شكل من أشكال رأسمالية الدولة، كما هو الحال في الجزائر وليبيا. فقد تجاوبت كلتاهما مع التقسيم الإمبريالي للعمل، وكانت نتيجتهما واحدة لجهة دخول المجتمعات المغاربية في أزمة بنيوية عميقة، وعجر هذه البنية الكولونيالية عن توفير الحد الأدنى من شروط التنمية المستقلة، والسوق القومية، والديمقراطية، والسياسة القومية.في ظل ما بات يعرف بزمن "الربيع العربي"،من الواضح أن لإحساس بالأزمة البنيوية العمقية وانغلاق سبل الخروج منها، هو الذي سيدفع الأنظمة المغاربية القديمة والجديدة المأزومة إلى محاولة البحث عن مخرج جماعي للخروج من أزماتها، وهذا المخرج الحقيقي يكمن في إعادة إ حياء وحدة المغرب العربي بهدف التخفيف من المخاطر الداهمة. علما أن إتحاد المغرب العربي قام على أساس قطري واندمج في إطار تشكيل وحدة إقليمية على غرار بلدان مجلس التعاون الخليجي، وحدة أنظمة قطرية مسيطر عليها من قبل الإمبريالية الأمريكية، ولها وظيفة في الإستراتيجية الأمريكية في الوطن العربي، والبحر الأبيض المتوسط، لدعم ركائز هذه الأنظمة القطرية، ومنع المعارضة الإسلامية المغاربية من أن تحقق أهدافها، وخلق نوع جديد من التوازنات يساند فيه النظام القوي النظام الضعيف، ويمنع الأقطار الأكبر من احتواء الأقطار الأصغر. رغم حصول الثورة في كل من تونس وليبيا، ووصول سلطات جديدة في البلدين كليهما، واستمرار النظامين في كل من المغرب والجزائر على حالهما، يلمس المراقب الموضوعي، أن لا شيئاً جوهرياًتغير في طبيعة الأنظمة المغاربية، فهي أنظمة استمدت شرعيتها وحراكها الاجتماعي من الضرورات والاستحقاقات الخارجية،أما الثورة في تونس وليبيا، فلم تفرز تمثيلية سياسية تعبر عن إرادة الثورة، وتطرح إعادة بناء الاتحاد المغاربي، باعتباره خشبة الخلاص للخروج من الأزمات التي تعيشها البلدان المغاربية محلياً وإقليميا. كل مشروع سياسي يحتاج بالضرورة إلى مشروع معرفي / ثقافي ملازم له، وأكثر من أي وقت مضى، يبدو المدخل الضروري لإعادة بناء الوعي المغاربي الديمقراطي مدخلاً معرفياً / ثقافياً، مدخلاً فكرياً يضع حداً للاتجاه العلموي – التكنوقراطي المنسجم مع وضعية التجزئة والتأخر الإيديولوجي السياسي والاستبداد وهي سمات الدولة القطرية المغاربية بامتياز. والفكر العربي مطالب اليوم، وفي ظل التغيرات التي تعصف في العالم بمعرفة الواقع بثلاثة أبعاده: الزمانية (التاريخية) والمكانية (العالمية) والمنطقية (العقلانية) من دون رغبات أو مشاعر وهو مطالب قبل كل شيء بناء هذا كله وغيره على مبدأ الإنسان ومفهوم التاريخ وفكرة التقدم. إعادة إنتاج السياسة في صلب المجتمع المدني المغاربي بوصفها فاعليته الخاصة المميزة، وبوصفها حقل العام الذي تتخذ فيه التعارضات الاجتماعية طابعاً عاماً، وتحل بالطرق السلمية التوافقية المحكومة بنسبة القوى الاجتماعية. السياسة هي الحقل الذي يتخذ فيه التنافس بين الأفراد والتعارض بين الاتجاهات الإيديولوجية والأحزاب السياسية طابعاً مدنياً وحضارياً سلمياً، بعد أن تكون هذه التناقضات والتعارضات والصراعات قد اتخذت صفة ثقافية وإيديولوجية، وألا تنحط السياسة إلى حرب ويفقد المجتمع لغة التفاهم والحوار وشروط التوافق والإجماع على الصالح العام، والمصلحة الوطنية/القومية. تحويل الدولة القطرية التابعة المرسملة والكمبرادورية في المغرب العربي إلى دولة وطنية هي تعبير حقوقي وسياسي عن هوية المجتمع القومية. ولا يتحقق ذلك إلا بسيادة القانون، وفصل السلطات، واستقلال مؤسسات المجتمع المدني على قاعدة حرية الفرد وحقوق الإنسان والمواطن. الدولة القطرية المغاربية هي التجسيد الواقعي العياني للتجزئة، والقانون الموضوعي لعمل الإمبريالية وحجر الأساس في إستراتيجيتها، وهي محصلة التأخر التاريخي للشعب العربي والأوضاع الإمبريالية الناجمة عنه. والحال هذه لا يمكن تحويل هذه الدولة القطرية التابعة إلى دولة وطنية مستقلة إلا بعمل سياسي ديمقراطي يمارسه المجتمع في مؤسساته المستقلة عن هيمنة السلطات الحاكمة. والدولة الوطنية من هذه الزاوية هي دولة ديمقراطية بمعنى كونها دولة المجتمع التي يشعر فيها كل مواطن بأنها صورته السياسية وملاذه وضامن حقوقه وحريته. والدولة الوطنية هي جنين دولة قومية، أي إنها تقبل الاندماج في مشروع وحدوي، بغض النظر عن الشكل السياسي لهذه الوحدة، سواء اندماجية في دولة واحدة مركزية أو فيدرالية، أو تكامل اقتصادي الخ. والاندماج في المشروع الوحدوي يعني واقعياً حرية انتقال عوامل الإنتاج من دولة إلى أخرى، أو بين الدول المغاربية الأخرى، ونشوء نوع من تقسيم عمل قومي تحدده الشروط الموضوعية والمصالح الحقيقية لشعوب المنطقة. وهذا يؤدي موضوعياً إلى نشوء سوق قومية قادرة على إقامة علاقات ندية أو متوازنة مع التكتلات الاقتصادية الإقليمية ومع السوق العالمية بوجه عام. إذاً فعملية الوحدة المغاربية، مدخلها الواقعي هو تحويل الدولة القطرية ديمقراطياً وقومياً. استنهاض الحركة الشعبية، ولهذه الحركة نزوع أصيل إلى التحرر والتقدم تجلى دائماً في نزوعها الوحدوي الديمقراطي. الحركة الشعبية هي التي تنتج السياسة وتصنع الأحزاب،أما الأحزاب فلا تستطيع صناعة حركة شعبية، ولا تستطيع الأحزاب كذلك قيادة الحركة الشعبية، إلا إذا كانت من إنتاج هذه الحركة نفسها.ومن دون هذه الشروط مجتمعة، وقبل توافرها ربما لا يكون الوقت قد حان لإطلاق سيرورة توحيد المغرب العربي ضمن سياق الثورة القومية الديمقراطية. هذه الثورة كاحتمال تاريخي قائم، لا تزال بكل منطوياتها الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية على جدول أعمال الأمة.
415
| 14 مارس 2014
يكاد لا يمر يوم واحد من دون أن تفرض الأزمة الأوكرانية نفسها على المسرح الجيوبوليتيكي العالمي، بسبب الأحداث التي تعيشها أوكرانيا، ولاسيما في شبه جزيرة القرم، حيث اتهمت السلطات الانتقالية الأوكرانية موسكو بالقيام بـ"اجتياح مسلح" للمنطقة ودخول قواتها للسيطرة على مطارين، في الوقت الذي ظهر الرئيس الأوكراني المعزول فيكتور يانوكوفيتش للمرة الأولى"عازما على الكفاح من أجل مستقبل أوكرانيا ضد أولئك القوميين والنازيين الذين يمثلون المصالح الغربية". وينظر المحللون في الغرب إلى أن سيطرة القوات الروسية على منطقة شبه جزيرة القرم، التي تنتمي إلى الجمهورية الأوكرانية، انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ولكل المعاهدات التي وقعتها روسيا بالذات في هذا الصدد.. إنه عودة إلى منطق الحرب الباردة، وقعه الرئيس فلاديمير بوتين، الذي لا يزال يدغدغه الحنين إلى الماضي السوفياتي، علماً أن فلاديمير بوتين نسي أنّ الاتحاد السوفياتي انتهى وأن الحرب الباردة صارت جزءا من الماضي في اليوم الذي سقط فيه جدار برلين في نوفمبر 1989. ويبدو أنّ بوتين يرفض أخذ العلم بذلك ويظنّ أنه في الإمكان تكرار اجتياحات بودابست 1956 وبراغ 1968 في كييف السنة 201.. فقد سيطر آلاف الجنود الروس على المناطق الإستراتيجية في شبه جزيرة القرم، وأحكمت موسكو سيطرتها على شبه جزيرة القرم، بعد عملية واسعة لنزع سلاح وحدات الجيش الأوكراني المرابطة فيها، إذ حاصرت مواقع عسكرية أوكرانية محدودة، وتمتلك روسيا قاعدة ضخمة في جزيرة القرم، حيث يتمركز فيها قرابة 20.000 جندي روسي. وليس الكرملين بحاجة إلى مثل هذه القوات لكي يغزو أوكرانيا، وهو لن يتوانى في سوق الذرائع لهذا الغزو من قبيل، حماية "الروس الذين يعيشون في أوكرانيا منذ العقود السوفياتية الغابرة، و حماية المصالح القومية الروسية".. وكان بإمكان الرئيس بوتين أن يدافع عن الأوكرانيين من أصل روسي الذين يقطنون في شرق أوكرانيا، والذين انتابهم الخوف من جراء اتخاذ البرلمان الأوكراني إلغاء اللغة الروسية من بين اللغات المحلية المعترف بها في أوكرانيا، وعن المصالح الروسية، من خلال فتح حوار مباشر مع السلطات الأوكرانية الجديدة في كييف، وحثها على إيجاد تسوية مرضية بين روسيا والاتحاد الأوروبي، لكن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل، لأن الرئيس بوتين غير مستعد للتفاوض بشأن أوكرانيا، لأنها من وجهة نظره هي الحديقة الخلفية لروسيا، والحال هذه بجب أن يطبق عليها سياسة السيادة المحدودة التي كان يطبقها الزعيم الراحل ليونيد بريجنيف على دول أوروبا الشرقية أيام الحقبة السوفياتيةن وعصر الحرب الباردة، ويعتقد الرئيس بوتين أن روسيا ستفقد أوكرانيا، إذا اختارت الحكومة الأوكرانية الجديدة توقيع شراكة مع الاتحاد الأوروبي، بدلا من الاتفاق الجمركي الذي يريد الكرملين فرضه عليها. في ظل هذا التصعيد العسكري، أعلنت أوكرانيا أنها استدعت قوات الاحتياط ووضعت جيشها في حالة تأهب قصوى. واعتبر رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك أن موافقة مجلس الاتحاد الروسي على إرسال قوات إلى أوكرانيا "إعلان حرب" على كييف، مضيفاً: "إذا أراد بوتين أن يكون الرئيس الذي سيبدأ حرباً بين دولتين جارتين وصديقتين، هما أوكرانيا وروسيا، فكاد يبلغ هدفه، إذ نحن على شفير كارثة".ومن وجهة نظر الدول الغربية، تعتبر شبه جزيرة القرم مسألة ثانوية في ظل تمتع روسيا باتفاقية مع أوكرانيا تضمن لها مصالحها، وبذلك أصبحت شبه جزيرة القرم رهينة إستراتيجية، لكن ما تقوم به روسيا بوتين هي حرب من أجل زعزعة استقرار أوكرانيا للحيلولة دون إبرامها اتفاقية مالية مع الدول الغربية. ففي المجال الخارجي القريب لروسيا، السيادة لأوكرانيا يجب أن تكون محدودة، لأن بوتين يعتبر أن الدول الغربية عدوة لروسيا. وفضلاً عن ذلك، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن صمته يوم الثلاثاء الماضي، لينفي التورط الروسي في أوكرانيا ويندد بما اعتبره "انقلاباً" على فيكتور يانوكوفيتش "الرئيس الشرعي الوحيد"، وذلك بعد بضع ساعات فقط من إعلان واشنطن وقف تعاونها العسكري مع موسكو.واقترح الرئيس الروسي على الدول الغربية تقييم شرعية سياساتها، مذكراً بأعمال واشنطن في أفغانستان والعراق وليبيا. وقال إن "القوات الغربية تدخلت في هذه الدول من دون أي تفويض من قبل مجلس الأمن الدولي على الإطلاق أو بتشويهها لقراراته"، مضيفاً أن "قرار مجلس الأمن الدولي حول ليبيا نص فقط على إنشاء منطقة محظورة للطيران، إلا أن الأمر انتهى بالقصف ومشاركة وحدات خاصة في عمليات على الأرض". وبالمقابل، يعرف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن الرئيس بوتين يدرس كافة الخيارات العسكرية وغير العسكرية، في التعاطي مع الأزمة الأوكرانية، وشدد على أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهما، فإن "ما تقوم به روسيا يشكل انتهاكاً للقانون الدولي"، مضيفاً "أعلم بأن الرئيس بوتين لديه على ما يبدو تفسير مختلف.. لكن في رأيي فإنه (هذا التفسير) لا يخدع أحداً".وتابع الرئيس الأمريكي أن "المجتمع الدولي ندد بانتهاك روسيا لسيادة أوكرانيا، لقد نددنا بتدخلها في القرم. وندعو إلى نزع فتيل التصعيد وإلى نشر فوري لمراقبين دوليين". تعتبر شبه جزيرة القرم قنبلة متفجرة في العلاقات بين الشرق والغرب، فمن الناحية التاريخية، قامت باريس ولندن بإعلان الحرب على روسيا، ومساندة الإمبراطورية العثمانية في عام 1854. وفي عام 1954، تم إعطاء شبه جزيرة القرم إلى الجمهورية الأوكرانية التي كانت جزءا لا يتجزأ من الاتحاد السوفياتي. وفي عام 1994، أكد الاتفاق الموقع بين واشنطن، ولندن، وكييف، وموسكو، على نزع السلاح النووي الذي كان بحوزة الجمهورية الأوكرانية، وضمان وحدة أراضيها. ويشرح لنا هذا الإرث الثلاثي المتمثل في -التحالف الغربي والمسألة الشرقية، والحرب الباردة و"الأخوة السوفياتية"، ووحدة الأراضي والقيادة الأمريكية للنظام الدولي الجديد-خطورة الأزمة الحالية، التي تتجاوز أوكرانيا من الآن فصاعدا، في ظل انبثاق المسألة الروسية، أي طبيعة العلاقة بين الغرب وموسكو، فمن الناحية التاريخية تمت بلورة المسألة الروسية في إطار المحفل الأوروبي، ضمن سياق شبكة من الاتفاقيات المتعددة التي كانت تستهدف إقامة توازن القوى باسم الحضارة المشتركة، كما أن المسألة الروسية تمت معالجتها من قبل الدوائر المعنية بالحرب الباردة في الولايات المتحدة الأمريكية، أما من الجانب الروسي، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وكوارث عقد التسعينيات من القرن الماضي التي عرفتها روسيا في عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسين، استخلص الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، الدروس من المراحل الإمبراطورية والسوفياتية التي مرت بها روسيا، لكي يعيد انتهاج سياسة خارجية تقوم على أساس استعادة روسيا كقوة عظمى على المسرح العالمي، وقد نجح بوتين في هذه السياسة. من هنا، نفهم أن الإدانات المتبادلة بين روسيا والغرب، تجد جذورها في هذا الإرث المختلف، فهي لا تمنع الأحكام المسبقة التي عادة ما تكون خاطئة، ولا المواقف الحربية، إنه ديالكتيك الإرادات، في ظل إستراتيجية تنتج يوميا مفارقات عجيبة.. ففي ظرف أسبوع، فقدت روسيا أوكرانيا ولكنها ربحت شبه جزيرة القرم. ولكي نفهم "سيرورة" الأحداث في أوكرانيا، علينا أن نحدد ما هي أهداف الحرب، والأهداف السياسية التي توخاها الكرملين.
2171
| 08 مارس 2014
ولاشك أن المعارضين لترشح الرئيس بوتفليقة كثر أيضا، لكنهم غير موحدين، وبالتالي غير فاعلين على صعيد المشهد السياسي الجزائري، إذ ينطلقالمعارضون ليس من عدم حق الرئيس بوتفليقة في الترشح للانتخابات الرئاسية، فالدستور الجزائري لعام 1996 الذي كان يحدد عدد الولايات الرئاسيةباثنتين، تم تعديله في عام 2008 ، ليصبح الترشح مفتوحاً، وبالتالي أصبحت الرئاسة مدى الحياة، و إنما ينطلقون من الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، الذي تعرض لأول أزمة صحية سببها قرحة في المعدة في عام 2005 ، وذهب للعلاج في فرنسا، ثم بسبب الجلطة الدماغية التي تعرض لها الرئيس في شهر أبريل 2013 ، حيث تسبب غياب الرئيس الذي عاد إلى الجزائر بعد 80 يوماً من العلاج في مستشفى "فال دو غراس" العسكري ثم مؤسسة "انفاليد" المتخصصة في فرنسا، إلى تفجر الصراع داخل المؤسسة العسكرية دفع ثمنه قادة بارزون في جهاز الاستخبارات، على رأسهم قائده الجنرال محمد مدين توفيق. واضطر الرئيس بوتفليقة للتدخل ببيان رئاسي قبل أيام، لوضع حد لهذا الصراع، إذ وقف بوتفليقة علناً ضد الحملة على الاستخبارات العسكريةالتي قادها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم عمار سعداني، في محاولة منه ل"تبرئة ذمة" من تصريحات سعداني، إذ دعاه دون أن يسميه إلى الكف عن انتقاد الاستخبارات (دائرة الاستعلام والأمن. وأكد بوتفليقة أن "أحداً مهما علت مسؤولياته ومنصبه، لا يحق له أن يتعرض للمؤسسة العسكرية ويضرب استقرار البلاد وتوازن هذه المؤسسة أو غيرها من المؤسسات الدستورية". وأضاف: "اعتدنا على الأجواء التي تخرقها بعض الأوساط قبل كل استحقاق، لكن هذه المرة وصل التكالب إلى حد لم يصله بلدنا منذ الاستقلال، فكانت محاولة المساس بوحدة الجيش الوطني الشعبي والتعرض لما من شأنه أن يهز الاستقرار في البلاد مندداً ب "عملية مدروسة" لضرب استقرار الجيش والاستخبارات والرئاسة.وتأتي الأحزاب الإسلامية والعلمانية في صف المعارضين لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، بل إنها ذهبت إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، لعل أبرزها، "حركة مجتمع السلم" التي تمثل تيار "الإخوان المسلمين" في الجزائر، وحزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (العلماني)، و "جبهة العدالة والتنمية" برئاسة عبد الله جاب الله. ويرى جاب الله، في مقابلة مع صحيفة "الجزائر نيوز"، إن "الانتخابات في الجزائر تُستغل لمصلحة مرشحالسلطة، وحان الوقت للطبقة السياسية كي تقول لا لاستمرار هذا المسلسل المسرحي"، داعياً إلى "سحب ملف الانتخابات من الداخلية والعدل وأن يسند إلى هيئة مستقلة". تعيش الجزائر في خضم تموجات ما بات يعرف "بالربيع العربي" وتداعياته الخطيرة على صعيد إسقاط النظم التسلطية العربية فيعدد من البلدان العربية، وعجز الحركات الإسلامية التي استلمت السلطة عن بناء السلطة الديمقراطية البديلة، ما جعل حتى الشعوب العربية تعيش حالةمن الارتباك السياسي والحيرة من الإسقاطات المدمرة لثوراتها. وهذا الوضع هو ما يدفع الآن بالعديد من الأحزاب السياسية في الجزائر، لاسيَّما الأحزابالمشاركة بالسلطة، إضافة إلى المؤسسة العسكرية إلى التمسك بترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، خوفاًمن حدوث فراغ كبير يؤدي إلى تفجير الوضعفي الجزائر، في ظل تنامي الإرهاب في معظم العالم العربي. ومن المعروف في التاريخ السياسي المعاصر في الجزائر أن الجيش هو الذي يصنع الرؤساء في الجزائر لا صناديق الاقتراع، وهو دائما يلعب دورا أساسا في تعيين أو إقالة الرؤساء، إذ تعتبر المؤسسة العسكرية الجزائرية أنها الحامية الوحيدة لقوانين الجمهورية، إذ لم تشهد أي انقسام في صفوفها مطلقا في خلال أخطر الأزمات، على غرار المؤسسة العسكرية التركية التي تعتبر نفسها الحامية الوحيدة للعلمانية. لقد كان الجيش حيادياً إلى حد كبير في الانتخابات الأخيرة. وتعتبر هذه الحيادية انسحاباً جزئياً وغير كاف من الحياة العامة. ويحتاج انتظام الحياة السياسية إلى دعم قوى سياسية تدخل العملية الديمقراطية وتجعل من انسحاب الجيش منها أمراً لا رجعة عنه، ذلك أن فتح الحياة السياسية على آفاق جديدة مسألة لا يستطيع بوتفليقة بمفرده القيام بها رغم شعبيته الكبيرة الآن. ويستحق الشعب الجزائري حياة أخرى منفتحة ومتطورة، بعد خمسة عشر عاماً مليئة بأسباب القلق والاضطراب. وتخللها نزاع أهلي بالاسم فقط، ذلك أنه تفاقم بين القوات العسكرية للجيش الجزائري من جهة، والحركات الإسلامية المسلحة التي وجدت في الإسلام غطاء ملائماً، وصارت الأشياء تجري من جانب سائر الأطراف بسرية كبرى، بحيث ما عادت هناك أطراف علنية مشاركة في أي شأن من شؤون البلاد. بيد أنه منذ إعادة انتخاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في 8 أبريل 2004 بنسبة % 84.9 ، وحصوله على "الشرعية الشعبية"، دقت ساعة أفول المؤسسة العسكرية كصانعة للرؤساء في الجزائر. وتحرر الرئيس بوتفليقة ومعه الفريق الذي يعمل معه، من وصاية الجيش على مؤسسة الرئاسة، وقرر أن يكون الرجل القوي عبر إمساكه بيديه القرار في الجزائر، وإعادة صياغة الحياة السياسية في هذا البلد عبر تغيير المعادلات والموازين في القوى السياسية، بما يدعم مؤسسة الرئاسة على حساب المؤسسة العسكرية. ويكتسب منصب رئيس الجمهورية في الجزائر أهميته من حجم الصلاحيات التي يمنحها الدستور لهذا المنصب، فالرئيس هو رئيس الجهاز التنفيذي المباشر، يساعده وزير أول (رئيس الحكومة)، وهو رئيس السلطة القضائية بصفته القاضي الأول في البلاد، ويُعيّن ثلث أعضاء الغرفة العليا للبرلمان، وله حق التشريع بمراسيم بين دورتين برلمانيتين، كما له حق حل البرلمان.وبهذه الحقوق فإنه الحاكم المطلق عملياً. لاجدال في أن الانتخابات الرئاسية المقبلة، سيفوز فيها الرئيس بوتفليقة بنسبة كبيرة جدا، نظراً لانعدام حظوظ المرشحين الآخرين الذين سيكونون مجرد "أرانب سباق" وليس منافسين من الوزن الثقيل، وبذلك يؤسس بوتفليقة للرئاسة مدى الحياة، وستظل الجزائر تعيش في ظل دكتاتورية متجددة قد تقحم البلد في متاهة أخرى.
488
| 05 مارس 2014
في تحد للمشهد السياسي الجزائري، وللمرض في الوقت عينه، أعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية في التلفزيون الرسمي الجزائري أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أودع لدى وزارة الداخلية والجماعات المحلية "رسالة النية بالترشح" للانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجرى في 17 أبريل 2014، وسحب استمارات اكتتاب التوقيعات الفردية للمترشحين. وبهذا الإعلان يكون الرئيس بوتفليقة وضع حداً للجدل الذي كان قائما طيلة الفترة الماضية بشأن ترشحه أو من عدمه، لاسيَّما بعد إصابته بجلطة دماغية أبعدته عن البلاد فترة طويلة للعلاج في فرنسا. وكان رئيس الحكومة الجزائرية السيد عبد المالك سلال، أنهى من جانبه، الجدل القائم في البلاد حول ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة، حين أعلن في ندوة صحفية أجراها على هامش افتتاح "الندوة الإفريقية حول الاقتصاد الأخضر" في مدينة وهران، ترشح الرئيس الجزائري للانتخابات الرئاسية، إذقال إنّ ترشح الرئيس بوتفليقة جاء بناء على إلحاح "من ممثلي المجتمع المدني" لمسه خلال الزيارات التي قام بها إلى 46 ولاية في البلاد من أصل 48 ولاية "ما ولد قناعة لدى بوتفليقة لقبول الترشح عزما منه على مواصلة المسارات التنموية والإصلاحات الكبرى التي بدأها منذ توليه قيادة البلاد سنة 1999. وسبق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الترشح للانتخابات الرئاسية خصمه اللدود السيد رئيس الحكومة السابق علي بن فليس البالغ من العمر 70 عاماً، الذي بعد أن عاش في صحراء التيه التي دامت عشر سنوات، أعلن يوم الأحد 19 يناير2014، ترشحه رسمياً للانتخابات الرئاسية. وبذلك أصبح بن فليس أبرز مرشح في مواجهة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، علماً أن المرشح علي بن فليس مني بهزيمة ساحقة في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 8 أبريل 2004، إذ حصل على نسبة 6.42% من الأصوات، أمام منافسه الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي حصل على أكثر من ثمانين بالمئة من الأصوات. ويعتقد المحللون الملمون بالشأن الجزائري، أن إصرار علي عي بن فليس للترشح للانتخابات الرئاسية ومواجهة الرئيس بوتفليقة، سيكون بمنزلة تكرار لسيناريو انتخابات عام 2004 حين انقسم "حزب جبهة التحرير الوطني" بين مؤيد لبن فليس، على رأسهم عبد الرحمن بلعياط، وبين مؤيدين للرئيس بوتفليقة، وعلى رأسهم عبد العزيز بلخادم. وفي تلك المواجهة غير المتكافئة، أيد قائد الأركان الجنرال الراحل محمد العماري علي بن فليس. والفريق محمد العماري رئاسة هيئة الأركان في عام 1993، خلفا ً للجنرال اليمين زروال الذي أصبح وزيرا للدفاع آنذاك، أصبح أحد أقطاب الحلقة الضيقة من الجنرالات الذين كانوا يديرون شؤون الجزائر، وينتهجون سياسة الاستئصال ضد الجماعات الإسلامية المسلحة ومن دون تفريق بين الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) والجبهة الإسلامية للإنقاذ وذراعها المسلح الجيش الإسلامي للإنقاذ. وكان الفريق محمد العماري الرجل القوي بلا منازع طوال 11 سنة، أو ما يلقب في الجزائر "بالعشرية السوداء" من زمن الحرب ضد الجماعات الإسلامية المسلحة التي خلفت أكثر من 150000 قتيلا، مع وجود فترات مرعبة من المجازر الوحشية، لاسيَّما في أعوام 1994، 1997، و1998. وأسهم هذا "الاستئصالي الجمهوري" والعلماني الراديكالي والمعادي للإسلاميين، مع كل ذلك في إيصال عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الرئاسة في أبريل عام 1999، على أرضية "المصالحة الوطنية" المحدودة مع الإسلاميين. ويجمع العارفون بالشؤون الجزائرية أن العلاقات بين الفريق محمد العماري والرئيس بوتفليقة خلال ولايته الرئاسية الأولى كانت دوماً معقدة، ويسودها التوتر، الأمر الذي أجبر رئيس هيئة الأركان السابق على الرد. وكما شرح ذلك خالد نزار وزير الدفاع السابق في مذكراته، بقوله: لقد تم انتخاب الرئيس بوتفليقة كأسلافه، لأنه كان مرشح الجيش. واتهم بوتفليقة في حينه بمحاولة تقزيم الجيش وإبعاده عن الساحة،وإعادة بعث "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بعد تصريحات أطلقها رئيس الدولة الجديد بخصوص توقيف المسار الانتخابي من قبل الجيش الجزائري في شهر يناير عام 1992، والتي اعتبرها "عنفا وخطأ". وفي المقابل كان الرئيس بوتفليقة مدعوما من قبل من رئيس جهاز الاستعلامات والأمن الجنرال توفيق مدين، ويعتبر هؤلاء المحللون أن تمسك بن فليس بالتنافس يعني أن سيناريو العام 2004 قد يتكرر، وقد يتكرر معكوساً. وقد شهدت الطبقة السياسية الجزائرية انقساماً واضحاً بشأن ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بين مؤيدين لولاية رابعة للرئيس ومعارضين لها.من المؤيدين لترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يتصدر "حزب جبهة التحرير الوطني"» (الأفالان) طليعة هؤلاء، بوصفه أول حزب بادر إلى هذه الدعوة. وهو الحزب الذي يحتل المركز الأول في المجلس الشعبي الوطني الجزائري. وحتى المعارضين لزعامة سعيداني للحزب، وعلى رأسهم عبد الرحمن بلعياط، يؤيدون ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة، مع العلم أن بلعياط كان من مؤيدي علي بن فليس في انتخابات عام 2004. وإضافة إلى حزب "جبهة التحرير الوطني، هناك حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" (الأرندي)، الذي يحتل المركز الثاني في البرلمان من حيث عدد الأعضاء، ويرأسه رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح. كما يدعم ترشيح بوتفليقة "حزب تجمع أمل الجزائر" (تاج)، ويرأسه وزير النقل عمار غول، الذي دخل الحكومة ممثلاً لحركة "مجتمع السلم" (حماس)، وقد انشق عنها بعد وفاة مؤسسها محفوظ نحناح. ويأتي بعد ذلك "حزب الجبهة الشعبية الجزائرية" بزعامة وزير التنمية الصناعية وترقية الاستثمار عمارة بن يونس، الذي دخل الحكومة ممثلاً عن حزب "تجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»"(الآرسيدي)، الذي انشق عنه بعد انسحاب الحزب من الحكومة، وشكل حزبه الخاص. وتنضم إلى هذه الأحزاب الداعمة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة العديد من النقابات العمالية والفلاحية، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الشعبية مثل "منظمة المجاهدين وأبناء المجاهدين"، و "أبناء الشهداء"، وهي كلها منظمات تدور في فلك السلطة.
630
| 26 فبراير 2014
في الوقت الذي حققت فيه قوات الحرس الوطني والأجهزة الأمنية التونسية نجاحاً ملموساً في محاربة الإرهاب في الفترة الأخيرة، حيث تمكنت قوات مكافحة الإرهاب، من القضاء على سبعة إرهابيين في منطقة رواد في ضاحية تونس، بينهم القيادي في تنظيم "أنصار الشريعة" المحظور كمال القضقاضي المتهم باغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في 6 فبراير 2013، ومن اعتقال أربعة مسلحين من أعضاء "خلية إرهابية" بينهم أحمد المالكي الملقب بـ "الصومالي" وهو أحد أبرز المتهمين في قضية اغتيال البراهمي، إثر اشتباكات معهم في محافظة أريانة قرب العاصمة التونسية، وجرح خلال الاشتباكات اثنان من المسلحين، جاءت العملية الإرهابية الجديدة التي حصلت في محافظة جندوبة المحاذية للحدود الجزائرية، وتحديداً في منطقة أولاد مناع، والتي ذهب ضحيتها استشهاد عنصرين من الحرس الوطني (الدرك) التونسي ومدنيين، بينما لاذ الإرهابيون الخمسة بالفرار، لتؤكد من جديد أن الإرهاب أصبح مستوطناً في تونس. ما يؤكد هذا الاستنتاج، هو إعلان وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو أن الأجهزة الأمنية التابعة لوزارته "أحبطت مشروعاً إرهابياً كبيراً ضد تونس يتمثل في إقامة ثلاث إمارات إسلامية فيها".قال وزير الداخلية: "تمكنا من تفكيك الجناح العسكري لتنظيم أنصار الشريعة، إضافة إلى جناحها الدعوي والإعلامي"، مشيراً إلى أن كتيبة "عقبة بن نافع" المسلحة المتحصنة في جبل الشعانبي في محافظة القصرين (غربي البلاد على الحدود مع الجزائر) تضم أفراداً تنتمي إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قبل أن يلتحق بها أعضاء تنظيم "أنصار الشريعة" المحظور.وأضاف أن هذه الكتيبة "تتمتع بدعم لوجستي من القاعدة التي تدرب العناصر الإرهابية التي تحمل الفكر التكفيري في الجبال".وكشفت التحقيقات والأبحاث والتحريات مع المجموعات الإرهابية المقاتلة سواء التي تم القضاء عليها، أو الموقوفة على ذمة قضايا تحقيقية، أن تونس نجت من كارثة حقيقية أو حمام دم كان سيقلب المشهد السياسي في تونس، لاسيما أن بعض العناصر الإرهابية ترتبط بعلاقات وثيقة مع تنظيم "القاعدة" المركزي بأفغانستان، الذي كان يتجه إلى تغيير مقر قيادته إلى المغرب العربي، وربما قد تصل بالفعل في المدة القادمة عناصر قيادية خطيرة إلى تونس بهدف فك الحصار على الجماعات المقاتلة التي يعتقدون أنه أصابها بعض الوهن وذلك بعد نجاح القوات الأمنية والعسكرية التونسية في القضاء على بعضها وقد يكون من ضمن هذه العناصر الإرهابي الخطير المتورط في قضية أحداث الروحية المدعو نبيل السعداوي.هناك شبه إجماع لدى الطبقة السياسية التونسية أن الإرهاب استوطن في البلاد، وهناك من يعزو ذلك إلى الميوعة التي تعاملت بها الترويكا الحاكمة سابقا بقيادة حركة النهضة الإسلامية مع الإرهاب، حيث تركته حتى يتمركز في تونس طوال سنتين، بينما عندما ندرس البيئة الحاضنة لهذا الإرهاب، نجد أن الإرهاب منغرس في التربة التونسية من قبل، أي منذ عهد النظام السابق.. فقد برز تيار السلفية الجهادية للوجود في تونس ، على مسرح "الحرب الدولية على الإرهاب" التي انطلقت مع تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر2001، فالتونسيون مشاركون في الصراعات الدائرة في كل من العراق وأفغانستان والبلقان على رغم أن بلدهم ظل بعيداً من مثل هذه الحروب.ويمكن القول إن الجهاديين التونسيين لعبوا دوراً غير مباشر في اندلاع الحرب في أفغانستان في 7 أكتوبر 2001، إذ إن اغتيال القائد الأفغاني المعادي لحركة "طالبان" الجنرال أحمد شاه مسعود على أيدي انتحاريين تونسيين في 9 سبتمبر 2001، هو الذي شكل الشرارة التي فجرت الحرب الأمريكية على أفغانستان. تعكس الأهمية التي اكتسبها التوجه الإرهابي لدى الجهاديين التونسيين وحضورهم الدموي في أفغانستان والعراق ولبنان وإيطاليا وإسبانيا وتونس، قطيعة بين هذا الجناح المتطرف من الإسلام السياسي الذي أصبح مرتبطاً بتنظيم "القاعدة"، والإسلام التقليدي الراسخ في تونس منذ ما يربو على 14 قرناً. لقد لعب الفراغ الأمني عقب سقوط النظامين في كل من تونس وليبيا خلال عام 2011، إضافة إلى الفوضى التي أنتجتها الحرب في ليبيا في توسيع الفجوة بين تونس على الحدود ـ سهلة الاختراق، والتي تحتشد فيها الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم «أنصار الشريعة»، والتي باتت بؤرة للجهاد والتهريب ـ وتونس العاصمة والساحل التي تنتابها المخاوف من هشاشة المناطق الداخلية التي تخشاها أكثر مما تفهمها، وفي إعادة تنظيم كارتيلات التهريب (التجار على الحدود مع الجزائر، والقبائل على الحدود مع ليبيا)، مما أضعف سيطرة الدولة التونسية ومهد الطريق لأنماط أكثر خطورة بكثير من التهريب، الذي يغذي الجماعات الإرهابية. فارتفعت وتيرة التهريب إلى حد كبير ومثير للقلق عبر الحدود التونسية – الليبية. رغم أن التهريب كان منذ وقت طويل المصدر الوحيد للدخل لأعداد كبيرة من سكان المناطق الحدودية، فإن الاتجار بسلع خطيرة ومربحة أصبح يشكّل مصدراً لمخاوف عميقة. باتت المخدرات الخطيرة إضافة إلى كميات صغيرة نسبياً (حتى الآن) من الأسلحة والمتفجرات تدخل البلاد وبشكل منتظم من ليبيا. على نحو مماثل، فإن النصف الشمالي من الحدود التونسية ـ الجزائرية بات منطقة تشهد عمليات تهريب متزايدة للحشيش والأسلحة الخفيفة. هذه الأنشطة تزيد من قدرة الجهاديين على التعطيل وإثارة القلاقل وترفع من حدة الفساد في أوساط السلطات الحدودية. والحقيقة التي باتت ماثلة للعيان في تونس هي اختلاط الأنشطة الإجرامية والتطرف الإسلامي في ضواحي المدن الكبرى وفي القرى النائية الفقيرة، بما أن التهريب والإرهاب يخدمان بعضهما البعض. وبمرور الوقت، أسهم تنظيم "أنصار الشريعة" في ظهور مجموعات تجمع بين الجهاد والجريمة المنظمة داخل شبكات التهريب العاملة على الحدود ـ أو الأسوأ من ذلك، إلى التعاون بين الكارتيلات والإرهابيين.وبعد تسلم حكومة الترويكا مقاليد السلطة في شهر ديسمبر 2011، تزايدت موجات العنف السياسي من قبل بعض الجماعات السلفية المتحالفة مع الجناح المتشدد لحركة النهضة الإسلامية، وانتابت المخاوف مكونات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة اليسارية والقومية والليبرالية من تنامي ظاهرة التشدد الديني، ومن التحالف بين الحزب الحاكم ذي المرجعية الإسلامية (النهضة) والتيارات السلفية التكفيرية، لاسيما في ظل رئاسة الحكومة التي آلت آنذاك للقيادي النهضوي المعروف حمادي الجبالي الذي لطالما اتُهِم سابقا (في عهدي بورقيبة وبن علي) بممارسة العنف شأنه شأن وزير داخليته علي العريض. وتدعمت هذه القناعات لدى أطراف المعارضة، عندما سمحت حكومة حمادي الجبالي لـ"أنصار الشريعة" مؤتمرهم الأول في مايو 2012 وبعد تكرر الأحداث ذات العلاقة بالعنف المحسوب على هذا التيار على غرار حادثة كلية منوبة (مطلع 2012) وحادثة قصر العبدلية (جوان 2012) وحادثة السفارة الأمريكية (14 سبتمبر 2012) وما تلاها من أحداث بجامع الفتح خاصة يوم قيل إن أبا عياض زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" تمكن من الإفلات من قوات الأمن بعد أن غادر الجامع متنكرا.. ومنذ مطلع 2013 ازدادت الحوادث ذات العلاقة بالتشدد الديني حدة حتى أصبحت مصنفة من الخبراء ومن السلطة نفسها أحداثا إرهابية على علاقة بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، أهمها حادثة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وأيضا أحداث مقتل شهداء من قوات الأمن الحرس الوطني، والجيش بجبل الشعانبي وقبلاط وبن عون.
860
| 21 فبراير 2014
الرئيس بوتفليقة الذي اعتقد الجميع أنه يحمل رؤية سياسية لحل أزمات الجزائر، تبين بالمكشوف أنه لا يمتلك أي مشروع سياسي، وأغرق نفسه في بالوعة الخطاب الشعبوي الذي صاغه في سياق حملته التي أطلقها بهدف استعادة هيبة الدولة من خلال المنطوق المفحم و»البروباجندا السلسة» في قطيعة مع الجزائر الحقيقية، أي جزائر المجتمع. فقد بالغ في قوته، وأفرط في الإعجاب بنفسه، وظل سجيناً لنظام من التفكير السياسي المتخلف المتغاضي عن الإصلاح الجوهري الحقيقي، الذي يعني للجزائريين لقمة العيش والشغل. ورغم كل المبادرات الكبيرة وما لفها من جدل، ورغم الكثير من المحاولات التي اشترحها بوتفليقة طوال حكمه، ورغم سفره الطويل بحثا في كل مكان عن دواء لمرض بلاده المستفحل، فإن الرئيس بوتفليقة أصبح عاجزاً عن تفكيك مؤسسات اقتصاد المافيا، وإخضاع المؤسسة العسكرية للسياسة الحكومية، وعزل وتعيين كبار رجال الدولة. فقد صرح بوتفليقة في عام 2000 أن سبعة عشر جنرالاً يحتكرون التجارة الخارجية للبلاد وأن مدير الجمارك وموظفيه غارقون بالرشاوى إلى ذقونهم. ويعرف أن الرشوة كلفت الجزائر أكثر من 36 مليار دولار حسب صحيفة الوطن القريبة من المؤسسة العسكرية، وأن هذه الأموال المسروقة ذهبت إلى الحسابات الخاصة بالجنرالات السبعة عشر في الخارج وبالتالي فإن أي حديث عن الإصلاحات سيكون غير ذي قيمة في ظل موازين القوى التي لم تمكن بوتفليقة من تغيير مدير الجمارك العامة الذي اتهمه علنا بالرشوة، فالرئيس بوتفليقة مقيد بأغلال من السلطة العسكرية الخفية، بحيث يبدو وكأنه زعيم معارضة لا زعيم دولة. ولم تشهد الجزائر منذ استقلالها دخولا مرتفعة في عائداتها النفطية كالتي دخلتها في العقد الماضي، فنتيجة ارتفاع أسعار النفط دخل إلى خزينة الدولة أكثر من 150 مليار دولار، ورغم ذلك فإن هذه الأموال لم تفلح في إنقاذ الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي انتشر فيه الفقر بشكل مخيف، إذ تفيد تقارير رسمية أن عدد الفقراء في الجزائر يقدر بنحو 12 مليون فقير وهو ما يعادل 40 بالمئة من إجمالي السكان. فالدولة لديها الأموال، لكنها لا تستثمر أبداً، ومشاريع الخصخصة تراوح مكانها ورؤوس الأموال الأجنبية غير موجودة، باستثناء تلك المستثمرة في استغلال حقول النفط والغاز. ولقد تزايدت البطالة، خاصة عند الشباب وانخفضت القدرة الشرائية عند الجزائريين، وعرفت الجزائر مظاهر غريبة لم تعرفها طيلة تاريخها القديم والحديث، تمثلت في انتشار المخدرات والدعارة وظواهر الانتحار، والارتداد عن الإسلام لصالح المسيحية التي يدخلها 6 جزائريين كل يوم بحسب ما ذكرته مؤخراً صحف جزائرية. وأصبحت المحسوبية والرشوة والفساد الاقتصادي ومركزة الثروة في يد أقلية ما فتئت تصغر وتضيق في مواجهة جبهة الفقر والحاجة التي ما فتئت تتوسع. بيد أنه منذ إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 8 أبريل 2004 بنسبة 84.9%، وحصوله على «الشرعية الشعبية»، تحرر الرئيس بوتفليقة ومعه الفريق الذي يعمل معه، من وصاية الجيش على مؤسسة الرئاسة، وقرر أن يكون الرجل القوي في الولاية الرئاسية الثانية عبر إمساكه بيديه القرار في الجزائر، وإعادة صياغة الحياة السياسية في هذا البلد عبر تغيير المعادلات والموازين في القوى السياسية، بما يدعم مؤسسة الرئاسة على حساب المؤسسة العسكرية. في ظل استفحال المرض بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حان الوقت للرئيس الجزائري أن يفسح المجال للجيل الجديد كي يستلم رئاسة الدولة الجزائرية، لاسيَّما أن الجزائر تشبه وضع الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، رغم أن بوتفليقة حاول معالجة مشكلات عدة في بلاده حتى قبل انطلاق «الربيع العربي».ووسّع حرية الإعلام وزاد الرواتب مرّات عدة في سنوات قليلة، وحاول القيام بمشروعات للناس، لكن طبعاً هناك فساد كبير في الجزائر وبطالة كبيرة وفوضى. حاول بوتفليقة الانفتاح على إصلاح سياسي لكن بخجل، إلا أن ذلك كله قد لا يكون كافياً، وهو يستعمل ثروة بلاده لمنع الثورة والفوضى وتالياً الانهيار، علماً بأن في الجزائر مراكز قوة عدة مدنية واقتصادية وعسكرية، وقد يكون بوتفليقة رئيس الدولة أضعف واحد بينها.
420
| 19 فبراير 2014
تم الاحتفال في مدينة طرابلس الغرب بالذكرى الـ (25) لإعلان تأسيس اتحاد المغرب العربي، وحضر الاحتفال الحبيب بن يحي الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، ورمضان العمامرة وزير خارجية الجزائر، وأحمد ولد تكري وزير الشؤون الخارجية بموريتانيا، ومنجي حمدي وزير خارجية تونس. وأكد وزير الخارجية و التعاون الدولي الليبي محمد عبدالعزيز في هذه المناسبة على تفعيل رؤية أجهزة الاتحاد المغاربي بحيث يكون هناك تكامل اقتصادي واستراتيجي حقيقي مستقبلاً. وأكد وزيرالشؤون الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة يوم الأربعاء الماضي بالجزائر العاصمة أن الذكرى الـ 25 لتأسيس الاتحاد المغاربي (17 فبراير 1989) قد تكون مناسبة "لانطلاقة نوعية" تسمح للشعوب المغاربية من الاستفادة من مزايا هذا الفضاء. أما الحبيب بن يحي الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، فقد أكد من جهته،أنه حان الوقت الآن للدول الأعضاء لإعطاء أهمية أكثر وزنا بالنسبة لمستقبل التعاون دول الاتحاد المغربي على مستوى الحكومات و المنظمات المهنية والمجتمع المدني. بعيداً عن هذه الجمل الدبلوماسية التي تقال في مثل هذه المناسبات، فإن حصاد ربع قرن من تأسيس الاتحاد المغاربي كافي لإصدار موقف قطعي بأن هذه الاتحاد ولد مشلولاً، وغير قادر أن يواجه التحديات السياسية والاقتصادية التي تعيشها منطقة المغرب العربي. فقد تم بعث المشروع القديم لوحدة المغرب العربي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، حيث اجتمع الزعماء الراحلون والسابقون الخمسة للبلدان المغاربية: الرئيس الشاذلي بن جديد من الجزائر، والعقيد معمر القذافي من ليبيا، والملك الحسن الثاني من المغرب، والرئيس زين العابدين بن علي من تونس، والرئيس ولد طايع من موريتانيا، في مدينة مراكش بالجنوب المغربي في 17 فبراير1989، وأعلنوا عن تأسيس إتحاد المغرب العربي. ويضم هذا الاتحاد المغاربي حوالي/90.178.000/ مليون نسمة من العرب، ويشمل المنطقة من حدود ليبيا مع مصر إلى نهر السنغال التي تصل مساحتها إلى نحو 5.380591 كيلو مترا مربعا، وفي هذا الإتحاد دولتان مهمتان من حيث الموقع وعدد السكان هما المغرب (32.639.000 مليون نسمة، أكتوبر 2012)، والجزائر (36.3 مليون حسب نتائج إحصاءات يناير 2011 )، أما عدد سكان تونس (يناهز 10 ملايين و651 ألف نسمة، نوفمبر2011)، وعدد سكان ليبيا (6.597 مليون نسمة - فبراير- 2012)، وعدد سكان موريتانيا (3.291.000 مليون نسمة، سبتمبر 2012). لا شك أن وحدة المغرب العربي كمشروع بناء إقليمي قديم متجذر في ضمير شعوب المنطقة. وكانت أول فكرة تبلورت حول وحدة المغرب العربي تلك التي أرستها حركة نجم شمال أفريقيا التي أسسها القائد الوطني الجزائري مصالي الحاج في عام 1927، حيث دعت إلى إقامة جبهة مناهضة للاستعمار الفرنسي، والدفاع عن مسلمي شمال إفريقيا من النواحي المادية والمعنوية. وظلت فكرة توحيد المغرب العربي أملاً يُرَاوِدُ الحركات الوطنية التحررية المناهضة للاستعمار الفرنسي في كل من تونس والجزائر والمغرب، التي عقدت أول مؤتمر لها بالقاهرة في مارس 15و22 فبراير من عام 1947. واستمرت هذه اللجنة تلعب دور الإطار للمناقشة والتنسيق بين الحركات الوطنية الثلاث. وكان الاعتقاد السائد أن خروج الاستعمار الفرنسي من الساحة سيتيح المجال أمام تحقيق فكرة توحيد المغرب العربي والإسهام من خلاله في تعزيز العمل العربي المشترك. وبعد عامين من استقلال تونس والمغرب عام 1956، وتجذر الثورة الجزائرية في مقاومة الإستعمار الفرنسي عقدت في مدينة طنجة عام 1958 أول قمة مغاربية ضمت قادة أحزاب الاستقلال المغربي، والدستور التونسي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، لا الحكومات بحكم أن الجزائر لم تنل استقلالها بعد.وبعد استقلال الجزائر عام 1962 كان بناء المشروع المغاربي في قلب المفاوضات بين البلدان الثلاثة، حيث تم توقيع اتفاقيات الرباط في عام 1963، التي نصت على تحقيق التطابق في سياسة البلدان الثلاثة تجاه السوق الأوروبية المشتركة، وتنسيق مخططات التنمية، وسياسة التبادل التجاري. غير أن كل هذه الاتفاقات لم تتجسد مادياً على الأرض، ولم يتجاوز بناء المغرب العربي إطار المشروع النظري بسبب الصراع التنافسي الذي دب بين حكوماته المختلفة على زعامته، وإستمرار النزاعات الحدودية الموروثة من الحقبة الكولونيالبة بين مختلف البلدان المغاربية (نذكر في هذا الصدد النزاع المسلح بين المغرب والجزائر في أكتوبر 1963)، وهو ما عكس لنا بروز المظاهر والنعرات الإقليمية التي أصبحت سائدة في عقول وممارسات النخب الحاكمة، والتي قضت على أي تفكير جدي في بناء المغرب العربي الكبير، على نقيض الاعتقاد الذي كان سائداً، والذي كان يعتبر أن استقلال الجزائر سوف يساعد على تحقيقه. ومغزى آخر هو أن الدول المغاربية أغلقت أبوابها على نفسها، ووضعت حدودا لها بحواجز إدارات الهجرة والجمارك، وبثقافة جديدة تخلع كل قطر من هويته المغاربية والإسلامية، وسلمت بالكيانات القطرية، وصارت تنظر إلى مشروع المغرب الكبير على أنه مجرد تعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية دون التفكير في تنازل الدول عن أي شيء من سيادتها لحساب هيئة اتحادية مهما كانت هذه الهيئة مجردة من السلطات. وهي روح تختلف عن تلك التي سادت مؤتمر طنجة سنة 1958. وهكذا، شهد المغرب العربي انقساما واضحاً بين بلدانه، بسبب الاختلافات في الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي اختارها كل بلد على حده منذ بداية السبعينيات. واستمرت العلاقات الاقتصادية بعد الاستقلال قائمة على التنافس، وذلك لتشابه المنتوجات الزراعية والمواد الخام. ولم تتطور العلاقات الاقتصادية البينية، بل أصبحت السوق الأوروبية المشتركة هي أهم أسواق بلدان المغرب العربي التصديرية. وبالتوازي مع هذه الإختلافات العميقة على صعيد استراتيجيات التنمية الإقتصادية للبلدان الثلاثة، تهمشت أيضاً فكرة المشروع المغاربي، بسبب الاختلاف الجذري على صعيد الشرعية السياسة، وعملية بناء الدولة الوطنية بمفهومها القطري، والتناقضات الإيديولوجية والسياسية العميقة التي كانت تفصل أنظمة المغرب العربي بعضها عن بعض، جراء انحياز كل نظام لاختيارات اقتصادية واجتماعية، وارتباطات دولية محددتين. وشهدت بلدان المغرب العربي الثلاثة خلال هذا العقد سلسلة كاملة من الانفجارات الكبيرة، (انتفاضة الدار البيضاء في يونيو 1981 بالمغرب، وثورة الخبز في تونس في نهاية 1983 وبداية 1984، والانتفاضة الشعبية في الجزائر أكتوبر عام 1988، وانتفاضة المغرب في عام 1991). وتعبر هذه الانتفاضات عن أزمة مجتمع، وأزمة ذهنية، وأزمة نظم سياسية. وشكلت في حينها حركة تصاعدية من الصراع الاجتماعي ضد النخب الحاكمة على طريق الظفر بالديمقراطية، والعيش في ظل الكرامة الوطنية. وقد أحدثت هذه الانتفاضات اختلالا جذرياً في بنية الأنظمة السياسية الحاكمة في تونس، والجزائر، والمغرب. في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، والعزلة السياسية للأنظمة، بدأت السلطات الحاكمة في بلدان المغرب العربي البحث في بعث وتفعيل المشروع المغاربي من جديد في أواسط الثمانينات، عبر تطويق مجالات الصراعات والتوترات التي تفرقها، والإتجاه نحو تطبيع العلاقات المغاربية – المغاربية. وقد توجت هذه المحاولات بعقد زعماء الدول المغاربية الخمس في مراكش في 17 فبراير1989، والتوقيع على معاهدة مراكش المؤسسة لإتحاد المغرب العربي، وتحديد البنيات السياسية لهذا الإتحاد. ومن الواضح أن البناء الإقليمي لإتحاد المغرب العربي يخضع لحسابات ومصالح "تكتيكية" أكثر من إعادة مراجعة جذرية للنخب الحاكمة في مقاربتها لموضوع الوحدة المغاربية، وهو ينطلق من الأرضية التي تقوم عليها الأنظمة المعنية، أي أرضية التبعية والتجزئة والتخلف. وهو كمشروع وحدة إقليمية، قام، والحركة الشعبية مقموعة، والأحزاب والقوى السياسية مسلمة لقياداتها، لا تستطيع أن تدعي أنها أسهمت في فرض قيام مثل هذا التجمع الإقليمي، أو أنها لها برامج لتطويره. وهكذا تعثر القطار المغاربي مع انفجار الأزمة الجزائرية في عقد التسعينيات من القرن الماضي،، وتفجر أزمة لوكربي بين ليبيا وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا والتي تطورت إلى فرض عقوبات دولية على ليبيا في عام 1992، بسبب انكفاء الأنظمة على أنفسها لحل مشاكلها الداخلية، بدءاً من موريتانيا الغارقة في همومها السياسية والاقتصادية، مروراً بالجزائر التي كانت تواجه حرباً أهلية طاحنة، وانتهاء بليبيا التي طاردتها أزمة لوكربي، والمغرب الذي انشغل بأمور منها قضية الصحراء وأثرها المباشر في احتدام صراع المحاور الإقليمية بين المغرب والجزائر والموقع الذي احتلته في إستراتيجية التطويق والمحاصرة لدى كل من النظامين. لقد مرّ على إنشاء اتحاد المغرب العربي 25عاما، دون تحقيق أي مكسب حقيقي إلى حدّ الآن، من شأنه أن يغير حياة سكانه، البالغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة. إذ شكلت قضية لوكربي، وقضية الصحراء الغربية، والأزمة الجزائرية، وغياب الديمقراطية في المغرب العربي، وإفتراس المجتمع المدني من قبل الدولة التسلطية المغاربية، أهم المعوقات التي طالت دينامية الاندماج المغاربي، وجعلت إنجازات الإتحاد دون حجم التطلعات التي صاحبت ظروف تأسيسه. والأسوأ من ذلك كله، كما يرى المراقبون، أن تظل الحدود مغلقة بين البلدين الأكثر أهمية اقتصاديا وديمغرافيا في الإتحاد وهما الجزائر والمغرب، بل إن رؤساء المؤسسات الاقتصادية والتجارية يجدون سهولة أكبر في تحقيق معاملاتهم مع دول الإتحاد الأوروبي، أكثر مما يجدونها في بلدانهم المتجاورة. وظلت المبادلات التجارية بين دول المغرب العربي لا تتجاوز في أحسن الحالات 5 في المائة، من مجمل تجارتها الخارجية. في الوقت الذي تستأثر فيه أوروبا بما نسبته 70% من هذه المبادلات. ويقف الدخل الفردي الحالي لدول المغرب العربي عند حدود 1800 دولار، وهو معدل ضعيف، ومهدد بالانخفاض في قيمته الشرائية، وفي قيمته العددية، بسبب الزيادة في الولادات، وتقلص الإنتاج، وانخفاض الأراضي الصالحة للزراعة. يضاف إلى ذلك تصاعد الفروق بين دول الشمال ودول الجنوب، التي تهدد التوازن العالمي، ففي كل مرّة يغتني فيها العالم الثالث بدولار واحد تغتني دول الشمال بـ250 دولارا. كما أن نسبة البطالة في بلدان المغرب العربي تزيد على 35% من اليد العاملة، وهي مرشحة للزيادة، بسبب تقلص الاستثمارات، وإفلاس بعض القطاعات الإنتاجية، وتصاعد الوتيرة لديمغرافية. كما يبقى السلم الاجتماعي مهدد، بسبب السير نحو الخصخصة واستحواذ 15% فقط من السكان على ثلثي المداخيل الوطنية في دول الإتحاد. وقد تفطنت القيادات السياسية في دول الإتحاد إلى أنها لم تعد قادرة على إعطاء الوعود التي لا يعقبها عمل، وأن إتحاد المغرب العربي مطلب شعبي، وضرورة دولية واقتصادية هامة، ولكن الهيكل ظل خاويا إلا من اللجان والمجالس الاستشارية والقمم الرئاسية، التي لا يعقبها شيء ذو بال.
888
| 17 فبراير 2014
في البداية كانت هناك خلافات تشق الجبهة الشعبية حول الخطة السياسية في موضوع التحالفات، لاسيَّما مع حزب "نداء تونس"، ومع ذلك أظهر الحراك الكبير بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد صلابة وتماسكاً كبيرين بين مكونات الجبهة الشعبية التي تضم رسميا ثلاثة عشر حزبا يسارياً وقومياً، وكانت الجبهة الشعبية تتجه نحو تشكيل قطب يساري بارز ذي وزن انتخابي قد يجد سنداً إضافياً مع التشكيل اليساري الموجود داخل حزب "نداء تونس"، والذي يتزعمه كل من الدكتور الطيب البكوش ومحس مرزوق، وأيضا التماهي الذي أبدته أحزاب أخرى على غرار حزب المسار الديمقراطي (الحزب الشيوعي سابقا)، وحزب القطب الديمقراطي الذي يقوده رياض بن فضل. تمثل الموقف العام للجبهة الشعبية الذي سارت عليه طيلة المرحلة السابقة في إيجاد تقاطعات مع أي طرف سياسي يطرح إسقاط حكم النهضة. وكان هذا محور الندوة الوطنية التي عقدت بمدينة سوسة يومي 1 و2 يونيو 2013، حيث تبلور اتجاه أغلبي يرفض أي تحالف مع حزب "نداء تونس"، مقابل أقلية متمثلة في "حزب العمال" بزعامة السيد حمّه الهمامي، وحزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد"، تدافع عن هذا التحالف. ورغم أن الجبهة الشعبية حظيت بدعم شعبي كبير، كان بإمكانها أن تستثمره لتشكيل قطب يساري بارز ذي وزن انتخابي، فإن قيادة الجبهة الشعبية، وأبرزها الناطق الرسمي باسمها السيد حمه الهمامي، لم يستثمر هذا الزخم الشعبي الكبير لبناء قوة يسارية شعبية تشق لنفسها طريقا ثالثة بين اليمين الديني، واليمين الليبرالي. وعندما حاولت الجبهة الشعبية عقب اغتيال الشهيد محمد البراهمي في 25 يوليو2013، تدارك الموقف، أعلنت "العصيان المدني" في بيان نعي الشهيد البراهمي، مبينة أنها مصممة على إرجاع "الثورة إلى مسارها الحقيقي"، وإنها ستدخل في مفاوضات لتشكيل حكومة "إنقاذ وطني"، بل إنها حددت حتى الوقت الذي سيتم فيه الإعلان عن تلك الحكومة. غير أن ذلك ظل مجرد كلمات لم تنفذ واقعياً، وتتالت المواعيد "الحاسمة" بعد ذلك دون أي حسم يذكر. وظلت الجبهة الشعبية على مدى أشهر تنكر كل إمكانية التحالف مع الجبهة السياسية، التي أعلنها الباجي قائد السبسي مؤسس حزب "نداء تونس" في 29 يناير 2013، بوصفها محاولة لتجميع القوى اليسارية والديمقراطية المشتتة، وسميت تلك الجبهة بـ "الاتحاد من أجل تونس"، الذي ضم الأحزاب التالية: حزب "نداء تونس" بزعامة الباجي القائد السبسي، "الحزب الجمهوري" بزعامة نجيب الشابي، وحزب "العمل الوطني الديمقراطي" بزعامة عبدالرزاق الكيلاني، و"الحزب الاشتراكي الديمقراطي" بزعامة محمد الكيلاني، وحزب "المسار الديمقراطي" بزعامة الدكتور محمد إبراهيم. ورغم أن "الاتحاد من أجل تونس" يضم أحزاباً ليبرالية، وأخرى اشتراكية ديمقراطية، فإن حادث اغتيال الشهيد محمد البراهمي، دفع بالجبهة الشعبية إلى التحالف مع "الاتحاد من أجل تونس" في إطار ما يسمى "جبهة الإنقاذ"، التي تأسست من أجل مواجهة "الفاشية الدينية". وتمثلت أهداف "جبهة الإنقاذ "حسب بيانها التأسيسي في تشكيل "الهيئة الوطنية العليا للإنقاذ الوطني" الممثلة للأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني التي ستتولى، بالاستعانة بخبراء القانون الدستوري، استكمال صياغة الدستور في غضون شهرين يعرض على الاستفتاء الشعبي تشكيل حكومة إنقاذ وطني محدودة العدد لا تترشح للانتخابات القادمة متطوعة برئاسة شخصية وطنية مستقلة متوافق عليها تتخذ ضمن برنامجها جملة الإجراءات الاستعجالية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وتعد لانتخابات ديمقراطية، نزيهة وشفافة. وهكذا تحول المشهد السياسي التونسي في صيف 2013، إلى نوع من تحالف الجبهة الشعبية بزعامة السيد حمه الهمامي، مع "الدساترة الجدد" الذين يقودهم السيد الباجي القائد السبسي زعيم حزب "نداء تونس"، بهدف إسقاط حكم النهضة. وتمثل الموقف العام للجبهة الشعبية الذي سارت عليه طيلة المرحلة السابقة في إيجاد تقاطعات مع أي طرف سياسي يطرح إسقاط حكم النهضة. وكان هذا محور الندوة الوطنية التي عقدت بمدينة سوسة يومي 1 و2 يونيو2013، حيث تبلور اتجاه أغلبي يرفض أي تحالف مع حزب نداء تونس، مقابل أقلية متمثلة في حزب العمال بزعامة السيد حمه الهمامي، وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، تدافع عن هذا التحالف. وتذرعت الجبهة الشعبية بأنها غير متحالفة مع حزب "داء تونس"، وأن كل ما في الأمر هو حصول تقاطعات ميدانية بين الطرفين لمواجهة الإسلاميين، لكن الخطوات المؤدية إلى التحالف كانت تتم على قدم وساق. وكانت الجبهة الشعبية تُبرر تحالفها بأن حزب "نداء تونس" لا يمثل الدساترة. غير أن الباجي قائد السبسي، كان واضحاً في إعلان هويته الدستورية و"فكره" البورقيبي قائلاً: إنه كان دستورياً وسيظل كذلك، بل إنه اقترح على السيد حامد القروي رئاسة نداء تونس، وعلى السيد كمال مرجان زعيم حزب "المبادرة" أن يكون فصيلاً من فصائل حزب "نداء تونس". وفي الوقت الذي كان فيه السيد حمه الهمامي، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، والرجل المتنفذ فيها، يدافع عن ولادة جبهة الإنقاذ، ويحشد الحجج التي تبرر ذلك التحالف مع "الاتحاد من أجل تونس"، لاسيَّما ضرورة بناء جبهة ديمقراطية واسعة لمواجهة "الفاشية" الدينية، كان اللقاء الذي جمع كلا من السيد الباجي قائد السبسي، والشيخ راشد الغنوشي، إيذاناً بإمكانية التحالف بين أهم حزبين سياسيين في تونس خلال المرحلة المقبلة، ما بعد الانتخابات. ويتفق حزب النهضة الإسلامي وحلفاؤه من جهة، وحزب "نداء تونس" (المنافس القوي لحزب النهضة، والذي يتزعمه السيد الباجي قائد السبسي، رئيس الحكومة السابق) وأغلب مكونات "الاتحاد من أجل تونس" (الذي يضم الأحزاب الليبرالية في تونس) من جهة ثانية، على نموذج الاقتصاد الليبرالي، والانخراط في نظام العولمة الليبرالية من موقع الطرف التابع لمراكز النفوذ السياسية والاقتصادية الرأسمالية المؤثرة في العالم.غير أن هذا الاتفاق لا يمنع وجود صراعات بينهما الآن – ولفترة أخرى من الوقت – مدارها احتكار الحكم السياسي والنفوذ الاقتصادي والاجتماعي من جهة ونوعية النموذج القيمي الاجتماعي للحياة العامة الحضارية والثقافية للشعب التونسي. أثبتت التجربة الماضية أن "الجبهة الشعبية" كانت تعاني منذ تأسيسها ولا تزال من غياب الوضوح الفكري والسياسي الذي يساعدها على بلورة خط وطني ديمقراطي ذي بعد وحدوي ينهل من تجربة النضال اليساري التقدمي في تونس بشكل يجعل برنامجها وتوجهاتها تنحاز لمصلحة القوى والفئات الشعبية من طبقة وسطى وعمال وفلاحين ورأسمال وطني.إذ تصبح هذه الرؤية الفكرية والسياسية ضرورية اليوم في وقت تنحاز فيه أغلب برامج الأحزاب والقوى الحاكمة أو المعارضة الليبرالية إلى خيارات لا تخدم مصالح الطبقة المتوسطة والطبقات الشعبية التي زادتها مرحلة حكم النهضة والأطراف المتحالفة معها فقراً، وسدّت أمامها كل إمكانات التنمية والتطوّر. فعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، والأيديولوجي، يمثل حزب "نداء تونس" مصالح البرجوازية الكمبرادورية وشريحة من شرائح البيروقراطية، وهي القوى التي فقدت امتيازاتها، وتضررت مصالحها غداة نجاح الثورة، ووجدت في الباجي القائد السبسي ممثل البرجوازية الليبرالية التونسية، المهندس والمنقذ لإعادة الاعتبار للسلطة الدستورية، إذ التفت حوله بقايا من النظام القديم، وقوى إقليمية ودولية، نخص بالذكر منها، الاتحاد الأوروبي. بعد استكمال المسارين الحكومي والتأسيسي، أي تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة السيد مهدي جمعة، وإقرار الدستور الديمقراطي التوافقي للجمهورية الثانية في تونس، يشهد المشهد السياسي التونسي تحولات حقيقية في خريطة الأحزاب السياسية، والتحالفات التي كانت قائمة، إبان الأزمة السياسية الكبيرة التي شهدتها البلاد.. فعلى سبيل المثال؛ أصبح حزب "نداء تونس" أحد المكونات الأساسية لتحالف "الاتحاد من أجل تونس"، وأحد الأحزاب المنضوية أيضا تحت يافطة "جبهة الإنقاذ الوطني"، يرى في نفسه أنه كوّن "اسماً تجارياً كبيراً" في الساحة السياسية، بفضل الشخصية الكاريزماتية لرئيسه الباجي القائد السبسي، إذ يحتل المرتبة الأولى في نتائج سبر الآراء بالنسبة الانتخابات التشريعية المقبلة، ورئيسه في المرتبة الأولى في الانتخابات الرئاسية. في الفترة الماضية شهد حزب "نداء تونس" اكتساحاً غير مسبوق من عناصر قيادية كانت تنتمي في السابق لـ "حزب التجمع الدستوري" المنحل، إذ أصبح الوزير السابق محمد الناصر نائباً لرئيس حزب "نداء تونس"، وعين السيد خميس قسيلة الناطق الرسمي باسم الحزب، بدلا من السيد الأزهر العكرمي المحسوب على التيار اليساري الليبرالي الأمريكي داخل الحزب. ويقول في هذا الصدد السيد عدنان منصر مدير الديوان الرئاسي والناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية إن الإقصاء التدريجي لليساريين من حزب نداء تونس توجه سيتدعم أكثر فأكثر في المدة القادمة. وأفاد منصر بأنه حان الآن دور "الخيارات الصحيحة" وهي إعادة حزب "نداء تونس" إلى فضائه الأصلي، العائلة التجمعية الواسعة، وتمثيل النظام القديم في المشهد السياسي المقبل وفق تعبيره. وفي المقابل تشهد الجبهة الشعبية تراجعاً حقيقياً في شعبيتها، بسبب تحالفها مع حزب "داء تونس" الذي انكشف الآن على حقيقته، إذ ظهرت قيادة الجبهة محرجة أمام قواعدها لتبرير التحالف السابق مع حزب يسعى الآن لإعادة إنتاج مكانة النظام السابق، التي أسقطته الثورة قبل ثلاث سنوات.. إضافة إلى ذلك، أن قيادة الجبهة ممثلة بالناطق الرسمي لها، السيد حمّه الهمامي، لا تقبل أي نقد بخصوص التحالفات السابقة، بل إن أطرافاً سياسية مكونة للجبهة الشعبية انتقدت حمّه الهمامي، كان مصيرها الإقصاء من الجبهة، وهذا إن دلّ، فهو يدلّ على غياب العلاقات الديمقراطية داخل مكونات الجبهة، واستفراد حمّه الهمامي بزمام الأمور داخل الجبهة، لجهة أن تكون الأطراف القومية (البعثية)، وحتى حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي كان يتزعمه الشهيد شكري بلعيد، مجرد أطراف تابعة لحزب العمال الذي يرأسه الهمامي، لاسيَّما أن الشغل الشاغل للهمامي في الوقت الحاضر، هو الترشح للانتخابات الرئاسية، وليس إعادة بناء جبهة ديمقراطية تضم القوى اليسارية والقومية وفق برنامج سياسي انتخابي واضح المعالم. بعد انتهاء دور جبهة الإنقاذ الوطني، التي تعد الجبهة الشعبية أحد مكوناتها، هل تعود الجبهة الشعبية للعب دور القوة الجامعة لتوحيد اليسار التونسي الذي لعب دورا كبيرا في إنجاح الثورة التونسية، إذ جاءت عمليتا اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، لإضعاف المعارضة اليسارية، ودفع قسم من اليسار إلى أحضان اليمين الدستوري والقوى الدولية للاحتماء بها، حتى يفقد استقلاليته، ويتنكر لشعاراته.
1115
| 13 فبراير 2014
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
3108
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
2727
| 25 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...
2385
| 22 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1095
| 28 سبتمبر 2025
يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...
1044
| 24 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
912
| 23 سبتمبر 2025
صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....
873
| 24 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
822
| 25 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...
756
| 22 سبتمبر 2025
يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...
729
| 21 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
702
| 25 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
639
| 26 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية