رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هل تشكل أمريكا التحالف الدولي ضد الإرهاب؟

إن ما يثير الانتباه في الخريطة الجيوبوليتيكية العالمية في ظل بروز ظاهرة تنظيم "داعش" الإرهابي هو ما يلي: هل أصبحت الحرب ضد الإرهاب هي المبدأ المنظم للعلاقات الدولية، الذي ينزل إلى المرتبة الثانية حزمة الصراعات والفوضى السابقة؟ عقب هجمات 11 سبتمبر2001، حدث انقلاب عام في العلاقات الدولية، إذ أصبح الصراع ضد الإرهاب الدولي يحتل أولوية الأولويات، وأعاد ثانية توجيه دبلوماسيات عدة دول، وفرض تجاهل النزاعات القديمة، وبالتالي قاد إلى عقد تحالفات جديدة. فعندما اتخذت الحكومة الأمريكية قراراتها وحدها، وبدأت تحشد الجيوش، ودقت طبول الحرب، ثم دعت الدول المشاركة في نادي التحالف الدولي لمكافحة ما تسميه "الإرهاب الإسلامي"، استجابت دول العالم تجاوبا متفاوتا، فتقدمت حكومة بلير الصفوف لارتباطها بالسياسة الأمريكية ودفاعها عن التقاليد الإمبريالية، وتلت فرنسا بريطانيا، ومن ثم إيطاليا وألمانيا واليابان، ولكن أيضا روسيا والصين، وتقريبا معظم الدول العربية، والسلطة الفلسطينية، والسودان، وباكستان. يوم الجمعة 29 أغسطس الماضي، دعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى تشكيل تحالف دولي واسع من أجل مكافحة مقاتلي تنظيم ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية". وأوضح كيري في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أنه سيسعى مع وزير الدفاع تشاك هيغل لتشكيل هذا التحالف خلال المحادثات مع شركائه الغربيين على هامش قمة حلف شمال الأطلسي، التي ستعقد في ويلز يومي 4 و5 سبتمبر 2014. وكشف الوزير الأمريكي أن الرئيس باراك أوباما سيقترح إستراتيجية ضد التنظيم خلال اجتماع مجلس الأمن الذي ستتولى الولايات المتحدة رئاسته الشهر المقبل. من جهته دعا الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز المجتمع الدولي إلى ضرب المتطرفين بالقوة والعقل وبسرعة، لأنهم سيصلون قريبا إلى أوروبا والولايات المتحدة. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أقر بوضوح بأن واشنطن لا تملك إستراتيجية حتى الآن لمهاجمة تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف في سوريا. واستبعد أوباما توجيه ضربات عسكرية في سوريا على المدى القصير بعد أيام من التكهنات طغت عليها تصريحات لمسؤولين في البنتاغون حذروا من مجموعة "تتمتع بحرفية عسكرية عالية". وبعد ثلاثة أسابيع من الغارات الجوية في العراق المجاور ضد مواقع المقاتلين المتطرفين، أكد الرئيس الأمريكي أنه يعمل على خطة عسكرية ودبلوماسية في آن واحد للتغلب على "الدولة الإسلامية"، موضحا أن الأمر لن يكون "سريعاً ولا سهلاً". وقال أوباما في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض: "نحتاج إلى خطة واضحة"، وشدد على ضرورة التعويل على "شركاء إقليميين أقوياء"، إذ أعلن أن وزير الخارجية جون كيري سيتوجه قريبا إلى الشرق الأوسط لبناء تحالف لا بد منه للرد على هذا التهديد الذي سبق أن وصفه بأنه "سرطان". من جهة أخرى، أكد أوباما أنه ليس على الولايات المتحدة أن تختار بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومقاتلي الدولة الإسلامية. وقال الرئيس الأمريكي: "سنواصل دعم المعارضة المعتدلة، لأن علينا أن نقدم للناس في سوريا بديلا يتجاوز الأسد أو الدولة الإسلامية". لم يمر وقت طويل حتى استغلت الحكومة السورية هذا التحول الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية، المرتبطة أساساً بتوسيع إشراك الدول الإقليمية في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" – "داعش"، باعتباره إحدى العلامات المميزة لجنين التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، في ظل تشديد غربي وتعويل على مفصلية ذلك، وأعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم يوم 25 أغسطس الماضي استعداد سوريا للتعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وهي لا تعترض على العمليات الأمريكية في سوريا شريطة أن يتم تنسيقها معها. خلاف ذلك، فإنها تندرج تحت باب "العدوان". المتابعون للمواقف الصادرة عن العواصم الأوروبية والأمريكية، يلمسون بوضوح أن هناك رفضاً واضحاً من جانب الحكومات الغربية لإشراك سوريا في هذا التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، مادامت سوريا ترحب بالتحالف مع إبقاء النظام القائم على حاله. وهذا ما ترفضه الدول الغربية، والتي تصر على أن تقدم الحكومة السورية مبادرة لإعادة الحوار مع المعارضة المعتدلة، والعمل معها.بينما هناك إمكانية للتعاون مع الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيَّما تركيا وإيران. ورغم ذلك، أكد مسؤولون عسكريون أمريكيون أنهم لن يستثنوا توجيه ضربات في سوريا أيضا، إذا اقتضت الحاجة، من دون تنسيق مع دمشق.فالموقف الغربي يصر على أن الإستراتيجية الغربية لمحاربة "داعش" في العراق باتت واضحة، بينما الوضع في سوريا مختلف، فالتحالف الدولي يعمل على إضعاف "داعش"، لكن مع حرص شديد ألا يساعد ذلك الحكومة السورية، لأن الدول الغربية تحرص على دعم المعارضة المعتدلة. لا تزال الضبابية تكتنف الإستراتيجية المتبعة لتشكيل هذا التحالف الدولي بشأن محاربة "داعش"، لأن نادي هذا التحالف الدولي لم يشمل ترويجاً للدور الروسي، رغم المساهمة المبكرة لموسكو في دعم السلطة العراقية. ويعود عدم إشراك روسيا في هذا التحالف الدولي إلى الموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية المتفجرة، حيث باتت المواقف الغربية والروسية من تلك الأزمة متناقضة بصورة كبيرة، لاسيما في ضوء إعلان أوكرانيا بشكل صريح السعي لعضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فيما الحلف يؤكد الاستعداد لإطلاق قاعدة جديدة له في بولندا، برغم كل تحذيرات موسكو. في الحرب الأمريكية على الإرهاب سنة 2001، التي استدعت من الولايات المتحدة تشكيل تحالف دولي، التحقت روسيا في ذلك الوقت بنادي التحالف الدولي، واعتبره المحللون حدثاً مهماً في ظروف الحرب الأمريكية على الإرهاب. وجاءت أحداث 11 سبتمبر2001 بإسقاطاتها المدمرة على الوضع الدولي، لتحدث تغييراً جذرياً في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فقد اتخذ الرئيس فلاديمير بوتين قرارا بوضع روسيا في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد ما تسميه الإرهاب. وبذلك جسّد بوتين – خلال تلك الفترة – قطيعة سياسية وأيديولوجية مع النزعة المناهضة لأمريكا التي اتسمت بها السياسة الخارجية الروسية، المترسخة منذ عقود من الزمن، بعد أن شهدت تراجعاً في بداية عقد التسعينيات مع مجيء الرئيس الأسبق يلستين. لقد اتخذ بوتين قراره بمساندة الحرب الأمريكية في أفغانستان، دون أن يستشير أحداً، في إطار انفراد وظيفته كرئيس لفيدرالية روسيا، وضد قسم من الجيش والطبقة السياسية وبيروقراطية وزارة الخارجية الروسية، وغالبية المجتمع الروسي، وبخطر إهانة الشعور القومي الروسي الذي أسهم في تضخيمه كثيراً. ولأول مرة اتخذ بوتين قراراً دون أن يعرضه لخسارة الدعم الشعبي له. فالرئيس بوتين جاء إلى السلطة في روسيا عقب العمليات الإرهابية التي هزت موسكو، والتي أفسحت له في المجال لكي يقود الحرب في الشيشان، وحين تعرضت نيويورك وواشنطن إلى الهجمات في 11 سبتمبر 2001، كان الرئيس بوتين أول رئيس دولة أجنبي اتصل هاتفيا بالرئيس السابق بوش، وتوقع من الولايات المتحدة الأمريكية أن تعلن حالة الاستنفار القصوى لقواتها في كل العالم. والحال هذه ليس فقط أن الرئيس بوتين لم يقم بالشيء عينه للقوات الروسية كما هي القاعدة المطبقة منذ الخمسينيات، لكنه أيضا أصدر أوامر بإلغاء المناورات العسكرية الجارية من أجل تجنب أي التباس، وكل خسارة للوقت لشبكات المراقبة والتجسس الأمريكية. فأمريكا التي تعرضت لهجوم يجب أن تدافع عن نفسها دون أي مضايقة من جانب روسيا. ويتساءل المحللون الإستراتيجيون في الغرب لماذا حصل هذا الانقلاب في سياسة روسيا؟ هناك سبب رئيسي ملح، يتلخص في كلمة واحدة: الشيشان. وكان الجواب الأمريكي على التضامن الروسي، عبر عنه الناطق الرسمي في عهد إدارة بوش الأولى باسم البيت الأبيض آري فيشر، حين قال: "ليس هناك أدنى شك بأنه يوجد إرهاب مرتبط ببن لادن في الشيشان". وكان الرئيس بوتين ينتظر مثل هذا التصريح العلني، الذي يعطيه الضوء الأخضر لكي يتصرف كما يريد في الشيشان دون أي اعتراض من أحد.هذه الصفقة التي أبرمها الرئيس بوتين مع واشنطن تقوم على المعادلة التالية: تعاونه الكامل مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب مقابل أن تتركه واشنطن يتصرف بحرية في حربه في الشيشان. منذ انطلاق مسار ما بات يعرف في الخطاب السياسي العربي والدولي بـ"الربيع العربي"، تبدلت الظروف والمواقف الدولية، فقد تدخل الحلف الأطلسي عسكريا لمساندة المعارضة الليبية لإسقاط نظام معمر القذافي، وهذا ما أغضب الروس، الأمر الذي جعل الرئيس فلاديمير بوتين يقف بقوة في دعمه العسكري والدبلوماسي للحكومة السورية، ضمن تحالف دولي وإقليمي، يضم الصين وإيران. ومع تفجر الأزمة الأوكرانية، وفرض العقوبات الاقتصادية الأوروبية على موسكو، وازدياد حضور الحلف الأطلسي ومناوراته في دول الجوار الروسي، أصبح الموقف الروسي أكثر صلابة وتعنتا في مواجهة المواقف الغربية من الأزمة السورية. لا يمكن للحلف الأطلسي أن يتدخل عسكريا بصورة مباشرة لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، ما لم تطلب الدولة العضو في الناتو، ألا وهي تركيا، تدخل الحلف.وإذا كانت تركيا لا تريد من الناتو العمل في سوريا أو العراق، فحينها لا يمكن للحلف الأطلسي أن يتدخل عسكرياً لتطويق خطر "داعش"، الذي يتطلب مواجهته في العراق وسوريا معاً، الأمر الذي يقتضي أيضا التعاون مع الحكومة السورية. وفي نظر الغرب، تظل الحكومات العربية العلمانية الديكتاتورية أقل سوءا من التنظيمات الإرهابية، مثل "داعش".وإذا كان السؤال المطروح غربياً، هل الأولوية إضعاف داعش أم نظام الرئيس بشار الأسد؟، فالجواب واضح الآن بالنسبة للحكومات الغربية: إضعاف داعش. الأسد سيستفيد طبعاً، لكنهم سيحاولون تقديم أقل فائدة ممكنة له. في منطقة الشرق الأوسط، ورغم عدم رفض أي دولة الدخول في التحالف الدولي لمكافحة "داعش"، فإنه في الواقع هناك تردد، وهناك رفض للدخول من جانب سوريا وإيران، اللتين تتناقضان مع السياسة الأمريكية بشأن الأزمة السورية، وتتساءلان في الوقت عينه: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تقود حملة عالمية لمكافحة الإرهاب، بينما هي تساند المعارضات الإسلامية المتشددة التي تقاتل النظام في دمشق، والعدوان الصهيوني على غزة. وتذهب دمشق أبعد من ذلك، حين تعتبر الإرهاب الصهيوني أعلى أشكال الإرهاب في العالم.

981

| 04 سبتمبر 2014

هل ستتغير خرائط اتفاقيات سايكس بيكو

لما أصبحت السلطنة العثمانية في القرن التاسع عشر عاجزة عن مواكبة التطورات العالمية، ولاسيَّما ثورة الحداثة الأوروبية، أخذت تتقلص أمام الغزو الأوروبي، وتتداعى نتيجة الظلم والطغيان والنهب الداخلي، وتقدم التنازلات السياسية والاقتصادية للدول الاستعمارية الأوروبية، بسبب الضعف أمام الهجمة الاستعمارية الغازية.ظَلَّ التدهور يتفاقم حتى حدث الانقلاب الذي قام به رجال حزب «تركيا الفتاة» الدستوريين سنة 1908، الذين سعوا للتخلص من التدخلات المتعدد الأشكال للدول الأوروبية مضافة إليها الولايات المتحدة، لكن من طريق مركزية سلطوية أدت إلى بروز حركة استقلالية عربية مستعدة لتقبل الدعم من الأوروبيين.شكلت الحرب العالمية الأولى التي أعدتها الدول الاستعمارية التقليدية لاقتسام العالم العربي وأراضي الدولة العثمانية في نوفمبر 1914 أول تفكك وتجزئة وضعف للأمتين العربية والإسلامية، رغم أن العثمانيين دخلوا الحرب وهم يطمحون إلى التحرر من الهيمنة الأوروبية والقضاء على النزعات الاستقلالية المحلية. وابتداء من سنة 1915 تعرضت النخب السياسية العربية للقمع (شنق ونفي إلى الأناضول).كان متنورو العرب جزءا من هذا الاتجاه الدستوري بكل تناقضاته الذي كان يطالب بإصلاحات حقيقة داخل السلطنة. وكانوا يضمون رجال دين، وخريجي جامعات وتجاراً، ومؤيدين من مختلف فئات الشعب. وكانت الدعوة إصلاحية عموما في البدء، رافقها حديث عن العرب، ودور العرب. ثم أخذت تتطور، فنما اتجاه قومي عربي، يؤكد وجود أمة عربية، ويطالب بوحدتها، واتجاه إصلاحي علماني، يدعو إلى تبني أفكار الثورة الديمقراطية الأوروبية، ويطالب بحركة تغيير واسعة في المجتمع، واتجاه ديني إصلاحي، يدعو إلى التحرر من الخرافات، وإقامة الشورى، وفتح الطريق أمام التطور.. واتحدت هذه الاتجاهات، رغم تناقضاتها، في سبيل فرض اللامركزية، وانتزاع بعض حقوق العرب، ومنها أن تكون اللغة العربية رسمية في الولايات العربية، وأن يكون للعرب ممثلوهم في السلطة التشريعية والتنفيذية، وأن تكون للولايات العربية حصتها من ميزانية الدولة إلخ...وكان ممثلو العرب يريدون استمرار السلطنة العثمانية، لتظل قوة أمام المدّ الإمبريالي الأوروبي، وانتزاع الموافقة على مطالبهم المتواضعة. ولكن طبيعة السلطنة قبل الدستور وبعده لم تسمح بتحولات مهمة، مما قاد إلى اتجاه اللامركزيين سنة 1916 إلى التحالف مع الشريف حسين وبالتالي مع الإنجليز، على أمل أن ينالوا بعض حقوقهم.وقد راهن بعض الرومنطيقيين في القاهرة وأشهرهم ت. اي. لورنس الذي سيعرف لاحقا بلورنس العرب، على نهضة عربية تقوم على الأصالة البدوية وتمثل بديلا من الفساد العثماني والمشرقية الفرنكوفونية. وفي طبيعة الحال يقبل هؤلاء البدو تحت قيادة أبناء الشريف حسين من الهاشميين الوصاية البريطانية «العطوفة» إذ« فرنسا المشرق »إلى المناطق الداخلية وإقامة «سوريا الكبرى» الناطقة بالفرنسية والمؤيدة لفرنسا وتحت وصايتها.انضمت الحركة القومية العربية إلى الحلفاء، خلال الحرب العالمية الأولى. وأملت قياداتها، بعد الحرب، الاستقلال السياسي، ونوعاً من الوحدة للمشرق العربي. ولكن مراهناتها خابت،لأن الانجليز والفرنسيين الذين كانت لهم مصلحة في أن يخوض العرب الحرب ضد الأتراك، كانت لهم مصلحة أكبر في أن يستعمر العالم العربي كله. فعقدت اتفاقية سايكس بيكو السرية سنة 1916، وهي السنة التي أعلن فيها الشريف حسين ثورته.وفي مطلع العام 1917، بدأ البريطانيون السيطرة الصعبة على فلسطين وفي أبريل من العام عينه، استخدم سايكس الحركة الصهيونية في هذا الاتجاه مما أفضى إلى وعد بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917، الذي أعلن قيام وطن قومي يهودي في فلسطين. وارتكزت الخطة البريطانية على احتلال الأرض من خلال تشجيع الثورة العربية على التوسع في اتجاه سوريا (وليس فلسطين) وعلى سلسلة من التصريحات الرسمية المؤيدة لحق تقرير المصير. فحق تقرير المصير يعني بالنسبة إلى لندن اختيار الرعاية البريطانية، وعندما رفض الوطنيون العرب هذه الهيمنة أعطوا صفة "المشرقيين" المهينة والتي يتشاطرونها مع العناصر المؤيدة لفرنسا. وما أن انتهت الحرب، حتى تنكر الإنجليز لعهودهم، وفرضت حدود التجزئة الجديدة، ونفي الشريف حسين، وطُورِدَ رجالات الحركة القومية، وعم الاحتلال أجزاء العالم العربي الذي كان ولايات عثمانية، بدأ عهد جديد.لم يكن تقسيم الشرق الأوسط دولاً عدة أمرا مرفوضا في المطلق، فالهاشميون كانوا ينوون الإقدام على هذا التقسيم منذ البداية لصالح أبناء الشريف حسين. لكنه حصل ضد إرادة الشعوب ومن طريق خطاب ليبرالي أفرغه استخدام القوة من مضمونه.ورغم مرور ما يقارب قرن من اتفاقية سايكس بيكو، فإن العرب لا يزالون حتى الآن يعيشون تحت وطأة كارثة التجزئة التي حرص الغرب الاستعماري على تكريسها، وكان الكيان الصهيوني الذي زرعه(الغرب) في قلب الأمة العربية والإسلامية الضامن الوحيد لتثبيتها، وهذا بالضبط ما أدركه السلطان عبدالحميد الثاني عندما دفع ملكه ثمناً للمؤامرة الغربية الصهيونية، التي حيكت ضده بعد رفضه كل الإغراءات التي قدمت إليه، مقابل موافقته على هجرة اليهود وإقامة كيانهم الغاصب في فلسطين. لقد عاد شبح سايكس بيكو جديد أو إعادة تقسيم الشرق الأوسط من جديد، المفروض من الخارج للظهور بشكل متواتر مع الغزو الأمريكي للعراق في مارس سنة 2003. فالادعاء الأمريكي بالتفوق الأخلاقي القائم على تطبيق الديمقراطية والليبرالية يظهر كمخاتلة مشؤومة. ذلك أن الديمقراطية المصدرة بوساطة الحرب تعكس النتائج الأسوأ لخيارات مرحلة 1916 ــ 1920 المتجددة باستمرار، من خلال إعادة طرح إدارة الرئيس السابق جورج بوش مشروع «الشرق الأوسط الكبير» بوصفه الموجة الثالثة لتيار الشرق أوسطية المعاصرة في الصياغة الأمريكية والتي أعقبت الصياغة البريطانية لـ«الشرق الأدنى» وكلاهما مفهوم استعماري ينطلق من نزعة المركزية الغربية التي تحكمت فيها تصورات الإمبراطوريتين، وهي تصورات ارتبطت بالجغرافيا السياسية للإقليم العربي ودورها في الإستراتيجية العالمية السائدة آنذاك. فالشرق الأدنى كان مجرد طريق بريطانيا إلى الهند درة تاجها، وأهم مستعمراتها قاطبة، بينما كان الشرق الأوسط دوما هو المجال الحيوي للإستراتيجية الأمريكية وأحد محاور حركتها نحو العالمية. ففي الموجة الأولى لتيار الشرق أوسطية كان الطرح بقصد حصار الاتحاد السوفييتي في خمسينيات القرن العشرين بحلف الدفاع عن الشرق الأوسط، ثم حلف بغداد حيث ذاعت إستراتيجية ملء الفراغ التي تبنتها إدارة الرئيس ايزنهاور في مواجهة احتمالات التمدد الشيوعي في المنطقة العربية أساسا ثم الهلال الإسلامي المحيط بها وربما إفريقيا جنوب الصحراء في بطنها. وفي الموجة الثانية له كانت «الشرق أوسطية» طرحا شاملا وتبشيريا للانتقال بالعالم العربي وإسرائيل من عصر الجغرافيا السياسية إلى الجغرافيا الاقتصادية بعد نهاية الحرب الباردة والتحالف العربي - الأمريكي ضد العراق بهدف تحرير الكويت وفي قلبه كان الهدف المركزي هو إدماج إسرائيل في المنطقة باعتبارها الوكيل الاستراتيجي الأساسي لها في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي وإعادة بناء التحالف الغربي. وهاهو الشرق الأوسط يستفيق من جديد بدوله الحديثة ظاهرة "داعش" التي كانوا يصفونها بـ"العصابات المسلحة"، وهي تعلن قيام دولة الخلافة في المناطق التي تسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، وهو ما يعني تدمير اتفاقيات سايكس بيكو التي قامت على أنقاضها الدول الحديثة التي استولدها الاستعمار الغربي، فاستفاقت إيران وتركيا، ومن بعدهما الإدارة الأمريكية والقيادة الروسية، على خطر جديد يهدد خريطة المنطقة بإعادة تقسيمها على أسس دينية ومذهبية وعرقية، بعد أن وصل انحدار ما كان يعرف في الأدب السياسي الحديث النظام الإقليمي العربي إلى مستوى الحضيض.

865

| 29 أغسطس 2014

الإسلام واحترام التعددية الدينية

لقد أظهر الإسلام منذ ظهوره تفرقة واضحة ، شديدة الوضوح بين عبادة الأصنام من الوثنيين، وهذه كانت حالة معظم القبائل العربية في العصر الجاهلي، أي ما قبل الإسلام، و بين «أهل الكتاب»، أي أعضاء الجماعات اليهودية و المسيحية ( من عرب و غير عرب) ، المزودين بوحي كتابي توحيدي. و كان النبي محمد صلى الله عليه و سلم ،يأمل أن يعتنق يهود المدينة الدين الإسلامي الجديد، ولم يدخر جهوده في هذا الاتجاه: كانت الصلاة موجهة نحو القدس، ويعترف بالتوراة كتاباً مقدساً، والأعياد و الطقوس الدينية قائمة على التوافق، ويحمل القرآن طابع الدعوة إلى أبناء إسرائيل إلى الاهتداء إلى الدين الجديد(سورة البقرة: 39). وككل ثورة دينية وسياسية كبرى، كان لابد أن تسبقها الدعوة، ولقد اتخذت الدعوة المحمدية في البداية طابعاً دينياً، الذي يتمثل في نشر العقيدة الإسلامية، ثم ما لبثت أن اكتسبت الطابع السياسي. وبذلك أصبحت الدعوة المحمدية في آن واحد نشر الدين الإسلامي وتأسيس الدولة والمجتمع المديني على أساس عقيدة الإسلام. ومرت الدعوة المحمدية كما هو معروف بمرحلتين رئيسيتين في مسار تطورها، مرحلة بمكة ومرحلة بالمدينة. لقد شكلت مرحلة الهجرة إلى المدينة تطوراً نوعياً في الدعوة المحمدية على أكثر من صعيد، ولكن يظل أهمها مسألة تأسيس الدولة بالمدينة، أو قيام دولة الرسول بالمدينة وظهور المجتمع المديني للوجود مع هذه الدولة في آن معاً، وانتقال الدعوة المحمدية من الدفاع إلى الهجوم، حين عبر الرسول محمد بقوله" الآن نغزوهم ولا يغزوننا".إن المجتمع المديني الجديد هو مجتمع تعددي، حيث تتعدد فيه علاقات الانتماء إلى الدين، وحيث أصبح الناس الذين يعيشون فيه تحكمهم علاقات انتماء جديدة، أنها علاقات انتماء إلى" الوطن" الذي يحتم على كل المندمجين فيه رابطة الولاء الوطنية، وما يترتب عليها من حقوق الموالاة الوطنية، ومن تضامن المسلمين والمؤمنين على قاعدة تحقيق الوحدة الوطنية، في نطاق مواجهة التهديدات والأخطار الخارجية التي تهدد سلامة الدولة المحمدية في المدينة، التي هي في حالة حرب مع قريش. و يروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة وجد فيها من اليهود العدد الكبير، فكان أول أمر قام به أن عقد بينه وبينهم ميثاقا دعا فيه إلى احترام عقائدهم، وتقديس شعائرهم، وتولي الدولة حمايتهم، وأن يكونوا هم مع المسلمين قوة ترد الأذى.والرسول عليه السلام له مواقف خالدة يتمثل فيها المثل الأعلى في المعاملة الرائعة لأهل الكتاب كحضوره جنائزهم، وزيارتهم وإكرامهم.من ذلك ما أكدته الصحيفة:" وإن المؤمنين بعضهم موالي لبعض دون الناس"، وإن بينهم النصر على كل من دهم يثرب".أما الطرف الثاني في المعاهدة، هم اليهود فقد أوضحت الصحيفة موقف المسلمين من يهود المدينة، من خلال تأكيدها على احترام العقيدة الدينية، وعلى اعطاء اليهود حريتهم الدينية في المدينة " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم ". وفي هذا الموقف، لم يشترط دستور المدينة على اليهود الدخول في الاسلام مقابل بقائهم في المدينة، بل ان المعاهدة تنص على التعددية، وبالتالي تؤكد على قبول التعايش السلمي بين المسلمين واليهود. ولما كانت المعاهدة تنص على أن المسلمين في حالة حرب مع قريش، فقد قررت الصحيفة عدم جواز لليهود من أهل يثرب أن يساعدوا قريش" وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها" كما أكدت الصحيفة على إلزام اليهود بموالاة المسلمين وعدم التآمر عليهم، مثلما أفسحت لهم في المجال الدخول في الاسلام للراغبين منهم" وأنه من تبعنا من يهود فلإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم". فالصحيفة أشركت اليهود في الدفاع عن المدينة بدون تفرقة، وبما أن اليهود في حالة تبعية للمسلمين في سياق الحرب ضد قريش، فإنه يباح لهم أن يجلسوا على نفقة اشتراكهم مع المسلمين في الحرب"وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين".و إن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم إن بينهم النصر على من حارب هذه الصحيفة، وإن من بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم".تمثل الصحيفة دستوراً وضعياً للمجتمع المديني الوليد، وللدولة المحمدية، سواء بسواء. وهي بمنزلة نظام داخلي لجماعة المؤمنين والمسلمين في شؤون الجنايات والحرب خاصة، من جهة، ومعاهدة بين الرسول وبين اليهود من جهة ثانية" معاهدة حربية بالأحرى"، وهي تمثل في جانب ثالث " عقدا اجتماعياً تأسست عليه دولة الدعوة المحمدية، باعتبارها عقداً حربياً على حد رأي الدكتور محمد عابد الجابري.أما فيما يتعلق بالمسيحيين في جملتهن ، فقد تمتعوا بوضع أكثر ملاءمة بما لا يقاس من وضع اليهود. ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة، منها اتسام ردة فعلهم على ظهور الإسلام باللين والاستلطاف نسبيا في عهد الامبراطورية العربية الإسلامية الناشئة، فأفادوا من ذلك كثيرا (سورة المائدة: 82-84).و بالفعل لم تظهر أية مقاومة مسيحية مسلحة في شبه الجزيرة العربية، في وجه نشر الدين الإسلامي. فضلا عن أن المسيحية، لم تكن تبرز في ذلك العصر، في شبه الجزيرة صبغة دين سابق للقومية .فقد كان المسيحيون، وقد أنهكتهم السيطرة البيزنطية و أثارت سخطهم تدخلات البابوية- القيصرية في بيزنطة التي كانت تمارس باسم العقيدة «الصحيحة» و النظام بعكس مراتبية القائلين بالطبيعة الواحدة، يتوقون للانتقال إلى حكم غير مسيحي يستطيعون أن يأملوا فيه استقلالاً ذاتياً في شؤون دينهم و إدارة داخلية لطائفتهم. ومن جانب آخر كان الضغط الضريبي الذي أخضعوا له في الإمبراطورية البيزنطية، يساهم هو الآخر، في أن يجنبهم أي خوف من تغيير الحاكم. و هكذا فإن ميشيل السوري، بطريرك أنطاكيا اليعقوبي، سوف يحتفل سنوات عديدة فيما بعد باقتراب الجيش الإسلامي، واجداً فيه الغضب الإلهي على الإمبراطورية البيزنطيةالـ «مهرطقة» و الجائرة.ويمثل اتفاق نجران نموذجاً للعلاقة الحسنة بين المسلمين و المسيحيين . فقد شاركت مدينة نجران، بمحض إرادتها في المجهود الحربي للمسلمين، ولم يتم فتحها حرباً، و لم تكره الطائفة المسيحية فيها على دفع الجزية كسائر الطوائف المسيحية غير المسلمة الأخرى. و على ما يبدو إن هذا الاتفاق المعقود في عام 10 هجرية مع المسلمين قد جرى على قدم المساواة بمراعاة مصالح الطرفين. في مقابل دفع ضريبة معقولة فقط و بعض التسهيلات ( إعادة خيول و أعتدة) للجيش الإسلامي في حالة حرب مع اليمن، كفل عهد نجران حماية الأمة للمسيحيين و لم يفرض أي قيد على حريتهم في العبادة، و أكد بصورة خاصة، على تحديد خطي من الرسول نفسه ألا تحل بهؤلاء المحميين، الذمّيين، أية «مهانة».يحتوي الدين الإسلامي على نوازع إنسانية شفيفة من بينها حرية العقيدة، والإسلام بنى مبدأ التسامح الديني على أساس أن الأديان السماوية بقضها وقضيضها تنهل من منهل واحد كما في قوله تعالى: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا، والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"( الشورى: 13).ويحث الإسلام أيضاً المسلمين على وجوب الإيمان بكل الأنبياء صلوات الله عليهم باعتبارهم أشقاء متحابين، من ذلك قوله: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" ، واحترام شخصيتهم، وأن يتعاملوا مع أتباعهم بالمعاملة الحسنة، كما أوجب على الدولة الحاكمة أن ترعى أماكن عبادتهم وحقوقهم وكرامتهم، وأن تعمل على صيانة مستقبلهم، وتكفل الحياة الهانئة الرغيدة لهم لا يشوبها اضطراب وقلق. وقد ترك الإسلام الاختيار للإنسان أن يصطفي من الأديان السماوية ما يروقه بعد أن وضحت معالمه فقال الله تعالى: " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ " (سورة البقرة، الآية 256). وقال عز وجل: "لكم دينكم ولي دين" (سورة البقرة، الآية 256.) وهذا تأكيد على مدى إيمان الإسلام بالتعددية الدينية، وبحرية المعتقد الديني، حيث ظل رسول الله ومن بعده الخلفاء الراشدون، ومعظم الحكام المسلمين الذين تبوأوا قيادة الدول الإسلامية على هذا الطريق، أي طريق الرحمة الإلهية. .

4850

| 22 أغسطس 2014

أردوغان.. السلطان الجديد في كرسي كمال أتاتورك

لم تكن الانتخابات الرئاسية التركية التي جرت يوم الأحد 10 أغسطس الجاري، مفاجئة في شيء، إذ حقق فيها رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية منذ 2003، فوزا مهما بنسبة الـ52 في المئة ، متقدماً بفارق كبير على منافسيه منذ الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت للمرة الأولى بالاقتراع المباشر، حاصدا 52 في المئة من الأصوات.. وحصل مرشح حزبي المعارضة الاشتراكي الديمقراطي والقومي أكمل الدين إحسان أوغلي أستاذ التاريخ المرموق الذي تولى قيادة منظمة المؤتمر الإسلامي على 39 في المئة من الأصوات، فيما جمع مرشح الأقلية الكردية صلاح الدين دمرتاش قرابة 10 في المئة. وقال رجب أردوغان مخاطبا آلاف المؤيدين المتجمعين تحت شرفة المقر العام لحزبه في أنقرة "سأكون رئيسا لـــ 77 مليون تركي وليس فقط للذين منحوني أصواتهم".. وتابع موجها كلامه إلى معارضيه الذين يتهمونه بالسعي للحد من الحريات وأسلمة النظام "أتمنى من كل الذين وصفوني بالديكتاتور والمتسلط أن يراجعوا موقفهم".فلأول مرة في هذا البلد، كانت تقديرات استطلاعات الرأي التي تنبأت بفوز كاسح لأردوغان، إذ أصبحت الحياة السياسية التركية أكثر شفافية، رغم أجواء الانقسامات العرقية والطائفية و الأيدولوجية التي تعيشها تركيا، والتي تذكرنا بحالة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي بين اليمين واليسار التي طبعت الحياة السياسية التركية في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم.وتقف تركيا أمام منعطف ربما يكون الأهم في تاريخها منذ انهيار إمبراطوريتها العثمانية، وسقوط الخلافة فعلاً من طرف كمال أتاتورك في 3/3/،1924 الذي أسس الجمهورية التركية الحديثة، وغيّر هويتها الإسلامية، وأحل العلمانية الأوروبية منهاجاً للحكم. لا شك أن رجب طيب أردوغان أثار موجة من القلق ليس في أوساط العلمانيين الأتراك فحسب، وإنما في أوساط المؤسسة العسكرية التي نصبت نفسها حامية لإرث أتاتورك، ومعارضة عودة الإسلام مجدداً إلى البلاد، والحفاظ على هويتها العلمانية بكل الطرق والوسائل.. فالعسكر تدخلوا أربع مرات، وبمعدل مرة كل عشر سنوات، لضبط إيقاع الديمقراطية، وبما يؤدي إلى عدم هيمنة الإسلاميين على مقدرات البلاد في نهاية المطاف. الزعيم التركي أردوغان بفوزه هذا في الانتخابات الرئاسية ينضم بذلك إلى مؤسس الجمهورية التركية الحديثة والعلمانية مصطفى كمال في اعتبارهما أكثر القادة تأثيرا في تاريخ تركيا الحديثة.. وكان أردوغان أعلن بوضوح أنه يريد تحويل تركيا إلى جمهورية رئاسية، بدلاً من أن تظل تركيا تتبع النظام البرلماني، حيث صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة جداً..وإذا كانت الخطوة الأولى في هذا التوجه هي انتخاب الرئيس بالاقتراع المباشر من الشعب وليس البرلمان كما كان الحال سابقا، فإن أردوغان أعلنها من قبل، أنه يريد تعزيز سلطة الرئيس في حال فوزه.. وقال "إن دستورا جديدا لتركيا الجديدة سيكون من أولوياتي إذا انتخبت رئيساً.. دستور جديد يعني أيضا مستقبلا جديدا". وينظر المحللون في تركيا، وفي الغرب، أن النظام السياسي التركي مقبل على تغييرات جوهرية، ذلك أن رجب طيب أردوغان الذي ظل لمدة 11 سنة في السلطة في إسطنبول، لم يخف يوما طموحاته وإرادته السياسيتين في تعديل الدستور لتوسيع صلاحيات الرئيس، وبالتالي إضفاء الشخصنة المميزة للنظام السياسي التركي في ظل الطموح العارم لأردوغان.. والحال هذه، فإن نتائج الانتخابات الرئاسية الحالية ستشكل نقطة الانطلاق نحو التغيير في النظام الرئاسي التركي.لقد سار أردوغان في طريق الحداثة، مقدما صورة مشرقة في الوئام بين الديمقراطية والإسلام، رافضاً بذلك اتخاذ أي خطوة من خطوات الأسلمة، قد تُثير ردود فعل غاضبة أيضاً لدى فئات من تلك البلاد التي نشأت أجيالها على العلمانية منذ ثمانين عاماً.. وإذا أراد هذا الرجل البالغ من العمر 60عاماً، تحقيق هذا الهدف فعلاً، فهو لا يستطيع تجاهل آراء وتوجهات نُخب البلاد التي تتبنى العلمانية: من رجال الأعمال ووسائل الإعلام الكبرى، والجامعات والطبقة الوسطى بالمدن، والتي دخلت في المجتمع الاستهلاكي العصري.. هذه الدوائر كلها لن تسير مع أردوغان إذا أعرض عن الطريق التي سارت فيه تركيا منذ عهد مؤسسها الأول كمال أتاتورك.. وكان نجم الدين أربكان، معلم الإسلاميين الأتراك كلهم، ومعلّم أردوغان أيضاً، والذي نشأ في أحياء إسطنبول الفقيرة، قال لأردوغان قبل شهور: لا تسلك سلوك ذوي العقول المقفلة! أدرك أردوغان أن المسلم المتدين، هو الذي يستطيع أن يكسب أكثريات في تركيا، وأن ينتهج سياسة معتدلة تدخل الإسلام إلى عالم الحداثة، وتدخل في الوقت عينه الحداثة إلى عالم الإسلام.. وقد تعلم ذلك لا من أربكان، بل من تورغوت أوزال، الذي حقق ذلك واتجه بقوة نحو أوروبا. يقول روان شاكر، الاختصاصي في القضايا الإسلامية،:"أردوغان ليس إسلامياً بل هو نتيجة لفشل الإسلام السياسي في تركيا".. ويؤكد طه آكيول، الخبير الآخر في الإسلام وكاتب الافتتاحيات في صحيفة "ميلييت" اليومية: "أردوغان وأبناء جيله تمردوا على الإسلاميين الكماليين" من صنف أربكان. ومع مراكمتهم للتجربة، اتجهوا نحو المزيد من الاعتدال وتأثروا بسياسات السوق الحرة التي مارسها الرئيس تورغوت آوزال في مطلع التسعينيات.. وكانت نقطة الانفصال رفض الجيل الجديد لفكرة "السلطة المقدسة" (الخلافة) والخلاص. عندها بات ممكنا مغادرة الدوائر المقدسة لولوج السياسة. تعلم أردوغان الطموح الدرس مبكراً، حين كان لا يزال مدرس الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة إسطنبول صاعداً إلى فوق من أصوله الفقيرة.. عام 1994 فاز برئاسة البلدية بإسطنبول.. وقد شكرت له المدينة المليونية المليئة بالمشاكل جهوده التطويرية الكبيرة.. وفي العام 1998 بدا كأنما حياته السياسية تتجه لنهاية قريبة، فقد أدلى بتصريح مخالف للقانون كلفه فترة في السجن، ومنعه من المشاركة في الحياة العامة مدى الحياة.. لكن هذا الحكم (الجائر) زاد من شعبيته وعزيمته، وشجعه بعد انتهاء الأزمة على إجراء إصلاحات قانونية بسرعة قياسية. من الواضح أن تجربة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان في تركيا تقدم لنا صورة مشرقة عن وجه الإسلام المعاصر القادر وحده على محو التهمة الشائعة في الأوساط العلمانية، والمتمثلة في عداء الإسلاميين للديمقراطية، الأمر الذي يتطلب التحذير من دخولهم طرفاً في المنتظم السياسي القانوني إن في موقع السلطة أو المعارضة، وهو اتهام خطير لما يحمله من رسالة تحريضية استعدائية وترهيبية شديدة لأنظمة هي أصلاً ما اعتادت أسلوباً للحكم غير أسلوب الانفراد.. ورغم المحاولات المتكررة للعلمانيين المتطرفين لأدلجة النظام الديمقراطي بما يقيم رباطاً لا ينفك بينه وبين شتى ضروب العلمنة وإقصاء الدين من المجال العام وحتى الخاص كلما تمكنوا، إلا أن واقع التطبيقات المتنوعة للنظام الديمقراطي يشهد على توفره على أسس متينة لحيادية آلياته وعدم ارتباطها بأي منظور أيديولوجي، علمانياً كان أم دينياً.. إنه نظام يقوم على تسويات يتوصل إليها الفرقاء يستعيضون بها عن الوسائل العنفية بالوسائل السلمية في حل خلافاتهم سواء كانوا من عرق واحد أو دين واحد أو لغة واحدة أو كانوا مختلفين في كل ذلك أو بعضه. كان أردوغان يريد السيطرة على منصب رئاسة الجمهورية في البلاد أياً يكن الثمن، والسبب بسيط جداً، فمن خلال رئاسة الجمهورية، يمكنه إدارة السلطتين العسكرية والقضائية بحيث يعين أشخاصاً قريبين من الوسط الإسلامي لعضوية المجلس الأعلى للتعليم العالي والمحكمة الدستورية العليا والمحاكم الأخرى وهي من أهم ضمانات النظام العلماني القائم في البلاد.. القضاء والجيش هما السلطتان الوحيدتان اللتان يعجز عن السيطرة عليهما مباشرة الآن في تركيا. لقد غيّر انتخاب أردوغان رئيساً للجمهورية موازين القوى بين المعسكر «الكماليّ» العلمانيّ المتشدّد ، ومعسكر «حزب العدالة والتنمية»، الذي أصبح يتحكّم للمرّة الأولى بفرعي السلطة التنفيذية، وبالتالي الرئاسة التي تُعتَبَر مؤسسة تحمي إرث مصطفى كمال أتاتورك.. وبالفعل فللمرة الأولى يتبوأ إسلامي رئاسة الجمهورية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك في العام 1923، وأكد الشعب أنه في النظم الديمقراطية، هو الحاكم الأول والأخير.. وهكذا، فإن القصر الرئاسي في تشانكايا الذي سكنه للمرة الأولى أتاتورك مؤسس الجمهورية بقي باستمرار «قلعة علمانية»،غير أن مجيء مسلم ملتزم، ومعه زوجته التي ترتدي الحجاب، للإقامة في القصر، سيحدث ما يمكن أن يسمى «ثورة» في الحياة العامة التركية.ديمقراطية تركيا الصلبة تعتبر فريدة من نوعها في العالم الإسلامي.. لكن تركيا ليست متفردة في ذلك فحسب ، بل هي متفردة أيضاً في ازدهار اقتصاد السوق فيها، وهذا ما يميزها حتى على تجارب ناجحة إسلامية أخرى مثل ماليزيا.. والعلمانيون المعارضون للرئيس التركي المنتخب ديمقراطيا لا يحبون الحجاب الذي ترتديه زوجته، ولكنهم يواجهون هذا الانتصار للرئيس الإسلامي بقلب غير هياب، وهم لا يعترضون على الكفاءات التي يتميز بها رئيسهم الجديد.. عندما نجح رجب طيب أردوغان، ذو الأصول الإسلامية الراديكالية، في كسب الأكثرية في البرلمان لحزب العدالة والتنمية الإسلامي عام ،2002 طُرح عليه السؤال التالي: هل يعوق الإسلام الاقتصاد؟ أجاب أردوغان أنه ملتزم باقتصاد السوق. في عهد حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء التركي أردوغان حققت تركيا نهوضاً اقتصادياً كبيراً، برغم الإشكاليات التي تعاني منها البلاد: الصراع المسلح مع الأكراد، وصعود الإسلام السياسي، والنزعة المعادية للولايات المتحدة، والتوتر تجاه أوروبا، فالصناعة القديمة والحديثة نمت في العام 2005 بمعدل 7 في المائة.. وخلال السنوات (2002-2007)، نجح حزب العدالة والتنمية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والوصول إلى نسبة تنمية مذهلة في الاقتصاد التركي وصلت إلى حوالي 7% في السنة. كان العامل الاقتصاديّ حاسماً أيضاً في شرق البلاد، وفق ما يعتقده المحللون، إذ شهد ازدهاراً يردّه سكانه إلى جهود الحكومة.. لكنّ حزب العدالة والتنمية قد سجلّ أيضاً تقدّماً مهمّاً في الجزء المتخلّف من الأناضول.. ذلك كلّه جعل من حزب العدالة والتنمية الحزب الأول في المناطق الكرديّة.. وما يبعث على التفاؤل أن الطبقات الوسطى والعليا تتصلب وتتسع، حيث نجح حزب العدالة والتنمية في امتصاص طاقتها المحافظة بشكلٍ كامل، وفي ضبط التضخم بوصفه علة تركيا القديمة. وفي أعقاب التنمية الاقتصادية، وقبل ذلك في أعقاب الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية التي جرت في سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، نشأت نخبة أغنياء جدد، بعضهم مسلمون متزمتون، الأمر الذي أعطى دعماً واسعاً لحزب العدالة والتنمية.. فإسطنبول العاصمة التجارية، وكذلك الأناضول المحافظ والذي كان يعتمد على الزراعة، كلاهما يدخل عصراً من التصنيع العملاق، فيما صار يعرف بالكالفينية الإسلامية، لدى أحد مراكز الأبحاث.. وهذا قاد إلى تغير النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية في تركيا، بحيث صارت نخب الأناضول المهمشة في قلب السلطة التركية، وهو إنجاز أردوغاني خلال السنوات العشر الماضية، وبذلك أصبح مشروع أردوغان يحظى بدعم قوي من النخب الاقتصادية الجديدة في تركيا.

1486

| 15 أغسطس 2014

إسرائيل تريد اقتلاع الفلسطينيين من أجل "دولة يهودية" !

في الوقت الذي يستمر فيه العدو الصهيوني في ممارسة عدوانه على قطاع غزة يومياً، فيقتل أطفاله ونساءه والرجال، دون أن يستطيع أن يرضى على أهله المجوّعين والمحرومين من النور والمياه والغذاء والأدوية الاستسلام، أو سوقهم بناره الحارقة للضغط على حركات المقاومة الفلسطينية، حيث بلغ عدد الشهداء أكثر من 1600، وجرح حوالي ثمانية آلاف، من الفلسطينيين، مقابل 53 إسرائيليا ثلاثة منهم فقط من المدنيين (بحسب حماس ثمة ضعف ذلك).وفي الوقت الذي تريد فيه القيادات العربية، تغليب " القطري" على القومي، والتسوية على التحرير، وأن تجعل من "السلام "الموهوم والاستسلام الفعلي بديلاً لكل معارك الوحدة والتحرير السياسي والاجتماعي، والمقاومة للاحتلال، وحولت التحرير والمقاومة إلى مشروع تسوية استسلامية "قطرية"، فأصبحت التسوية قضية كل العرب، وفوق كل مصالحهم وقضاياهم، بينما يستمر الكيان الصهيوني في استعراض جبروت قوته العسكرية والإفراط في استخدام تفوقه العسكري على مجموع الدول العربية، الضعيفة بالولادة، أو المستسلمة بقرار، اشتعلت جبهة غزة، حيث يعتبر العدوان الصهيوني الجديد عليها أشد فتكا وقتلاً، وتدميراً، ونسفاً لمقومات الحياة، الكهرباء والمياه والمواصلات والاتصالات، أكثر بكثير من عدوان 2008، الذي لقي فيه حوالي 1400 فلسطيني مصرعهم مقابل تسعة إسرائيليين منهم ستة عسكريين، ومن عدوان 2012، الذي نجم عنه مصرع 191 فلسطينيا، مقابل ستة إسرائيليين.. إنها الحرب الصهيونية المدمرة.. وهي حرب على فلسطين كلها، حتى لو تركزت نيران العدو الصهيوني على غزة. وعلى الرغم من التدمير الذي تتعرض له البنية التحتية في غزة، وتقطيع أوصالها بتدميرها، وحصول الانقسام السياسي الفلسطيني حول مغزى المقاومة وضرورتها، فإن ما أكدته صمود هذه المقاومة الفلسطينية في هذا الزمن العربي الذي تبلورت فيه التسوية الاستسلامية، وهيمنتها على السياسة العربية الرسمية، هي أن قضية فلسطين ستظل قضية قومية عربية، لا قضية سورية أو فلسطينية.. وهذا يعني أن احتلال فلسطين، ليس اعتداء على فلسطين - حدود سايكس بيكو، ولا على سكان فلسطين الذين صورتهم خريطة الاحتلال الصهيوني.. إنه اعتداء على الوطن العربي كله، إذا اعتبرنا الوطن العربي واحدا، والأمة العربية واحدة، وحدود سايكس بيكو وكل حدود الاحتلال الاستعماري. وإذا كان الكيان الصهيوني قد تمكن من حرق من الأرض العربية متى شاء ذلك، وأن يحيِّد من الدول العربية أكثرها، فإنه لم يستطع أن يصفي المقاومة الرافعة لواء التحرير ودحر الاحتلال. فلا تزال المقاومة تشكل رافعة حقيقية حين توجه بنادقها ضد العدو القومي للأمة، ضد الاحتلال الأجنبي على اختلاف مسمياته. ويأتي صمود المقاومة في غزة، كجواب مباشر على التطاحن الطائفي الذي يسيطر على الحياة السياسية والأمنية في العراق، حيث عملت الفئات الرجعية على تحويل الطوائف إلى "طوائف عسكرية" لكل منها ميليشياتها التي تقتل على الهوية، الأمر الذي قاد إلى شرذمة القوى واستنزافها في حرب داخلية اسمها الفتنة الطائفية، بوصفها التجسيد الفعلي للمخطط الأمريكي – الصهيوني، الذي أصر على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية في العراق كجزء من الإستراتيجية الأمريكية لتقسيم العراق إلى دويلات طائفية، والقضاء على عروبته، وعلى دوره الإقليمي والقومي الذي كان العنوان البارز في السياسة العراقية تجاهالعدو الصهيوني. وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني ازداد قوة، بفعل ازدياد التغلغل الأمريكي وتوسعه في الوطن العربي، حيث إن سياسة الكيان الصهيوني، كما هي سياسة الإمبريالية الأمريكية، بقاء "إسرائيل" أكبر قوة في المنطقة، وكان هذا يتطلب دائما: دوام التجزئة واستمرار التنافر بين الأقطار العربية، والتفتت داخل كل قطر، وتفجير الصراعات الطائفية بوصفها ضرورية لبقاء الكيان الصهيوني، فإن المقاومة الفلسطينية الباسلة في غزة، تؤكد مرة تلو الأخرى أن تعريب المقاومة ضد الاحتلال هو طريق التحرير، وبناء الأوطان، والدول المستقلة، ووأد الفتنة الطائفية التي تشكل أعظم فتكاً من الترسانة العسكرية الصهيونية ومعها الترسانة الأمريكية مجتمعتين. إسرائيل تخوض الحرب في غزة، بهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، فهي لا تؤمن بإنشاء أي دولة فلسطينية، وكما هو معلن، فقد حدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي رؤيته الخاصة للدولة الفلسطينية، التي تتلخص في اللاءات الأربع: لا لدولة فلسطينية ذات سيادة، ولا عودة للفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم، ولا انسحاب من القدس، ولا لوقف النمو الاستيطاني.. هذا الموقف ليس جديدا على فكر اليمين الإسرائيلي المتطرف، بل هو يعكس بدقة الموقف الحقيقي الذي طالب به القادة الصهاينة منذ نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين،حيث كانوا يريدون إنشاء دولة تضم كل اليهود الراغبين بالهجرة إلى فلسطين، وتكون بالتالي ضماناً لاستمرار الوجود اليهودي في العالم. وكان هرتزل في كتابه: الدولة اليهودية.. الذي نظّر فيه للدولة العصرية بكل مكوناتها الاقتصادية والتربوية، تجاهل تماما الشعب الفلسطيني، وكأنه غير موجود.. ولقد عبّر حاييم وإيزمان عن فكرة سائدة آنذاك، عندما أكد في سنة 1930: «إن وعد بلفور والانتداب البريطاني قد نزعا فلسطين نهائياً من إطارها في الشرق الأوسط لربطها بالجماعة اليهودية في العالم وبالمشكلة اليهودية العالمية.. إن الحقوق التي فاز بها الشعب اليهودي على فلسطين ليست مشروطة البتة برضى أكثرية السكان الحاليين، ولا يمكن ربطها بإرادتهم. وهكذا عملت الحركة الصهيونية العالمية التي كان مركزها بلندن على إلغاء دور مليون فلسطيني لمصلحة اليهود المهاجرين بصورة مباشرة إلى فلسطين المحتلة، ولمصلحة 16 مليون يهودي يمكن أن يهاجروا. ونعود إلى الشرط الأساسي لنتنياهو الذي يطلبه من الرئيس الأمريكي أوباما لدفع السلطة الفلسطينية الاعتراف بإسرائيل كدولة أساسية قبل أي اتفاقية يتناولها الطرفان في المستقبل، فنقول، إن اعتراف الطرف الفلسطيني المفاوض بإسرائيل «دولة يهودية»، يعني الاعتراف بالأطروحات الصهيونية المدافعة عن حقها المزعوم باستعادة أرض فلسطين التاريخية التي أقامت عليها الحركة الصهيونية العالمية بالتعاون مع القوى الاستعمارية الأوروبية والأمريكية مشروعها الاستيطاني، المتمثل في قيام دولة إسرائيل سنة 1948، ولاسيما أن جوهر الأيديولجية الصهيونية الدينية تعتبر أن أرض فلسطين التاريخية هي حق وامتياز يمتلكه اليهود في مسقط رأسهم ليس إلا. إسرائيل لا تريد حلاً لقضية القدس، ولا تريد إلا سلامها الخاص الذي يقوم على اعتراف العرب بها كدولة يهودية خالصة، أي أنها تسعى إلى الحصول على اعتراف بأرض الميعاد، وهي فكرة تستند إلى دعوى توراتية ونهاية رمزية للاضطهاد الذي عانى منه اليهود على مر العصور، والذي بلغ ذروته مع الاضطهاد النازي، وفق وجهة نظرهم.. ومن وجهة النظر العربية عامة، والفلسطينية خاصة، يمثل هذا الاعتراف استسلاماً شاملاً لمطالب الحركة الصهيونية العالمية وتجسيدها المادي، إسرائيل، ونفياً مطلقاً لحق الشعب الفلسطيني أن يكون سيداً على أرضه التاريخية المعترف بها من قبل الشرائع والأديان السماوية، إضافة إلى القانون الدولي الحديث. كما أن الكيان الصهيوني، يريد في أساسه الجوهري اعترافاً صريحاً من الفلسطينيين لم يحصل عليه منذ 66 عاما، أي الاعتراف بإسرائيل«دولة يهودية»، لجهة دفع الشعب الفلسطيني - الذي تعيش في المرحلة الراهنة فصائله المناضلة انقساما حادا بسبب الموقف من مسار التسوية الذي لم يقد إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة - نحو التنكر بشكل غير مسبوق لحقه التاريخي في أرضه السليبة، ولهويته العربية-الإسلامية وانتمائه، وكذلك لضرب مسيرة تاريخه الكفاحي المستمرة منذ ما يزيد عن قرن في سبيل تحرير أرضه عبر المقاومة المسلحة التي تخبو أحيانا لكنها سرعان ما تنطلق من جديد بعد فترة من الزمن.. ولا تزال هذه المقاومة مستمرة رغم مسلسل الانحدار العربي نحو قاع البئر. وعلى الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية وقعت اتفاقيات أوسلو عام 1993، واعترفت بوجود دولة إسرائيل، وخاضت مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أكثر من 20 سنة من الجولات التفاوضية العقيمة، ورغم أن أقوى حركات المقاومة الفلسطينية «حماس» لمّحت إلى استعدادها للقبول بالتعايش السلمي مع إسرائيل، إذا ما اعترفت هذه الأخيرة بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ضمن الحدود العام 1967، فإنه لا يوجد فلسطيني واحد من السلطة أو من فصائل المقاومة الأخرى، علماني أو إسلامي، يقبل الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية». ولأن مثل هذا الاعتراف يعني التسليم بالكامل بانتصار المشروع الصهيوني في أرض فلسطين، وما يترتب على هذا الانتصار الصهيوني من إضفاء الفلسطينيين الشرعية الصهيونية التاريخية والسياسية على أرضهم التاريخية التي استولت عليها إسرائيل بالقوة وعبر التطهير العرقي عام 1948، وبالتالي من عدم المطالبة بحق العودة إلى أراضيهم واسترداد ممتلكاتهم التي فقودها كما ينص ذلك صراحة القرار 194، الذي يعتبر جوهر القضية الفلسطينية. ومن شأن هذا الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، سيقود الحكومة الإسرائيلية عاجلا أو آجلا إلى قيامها بترانسفير كبير لسكان الـــ 48،أي ترحيل نحو 5،1مليون فلسطيني لا يزالون يعيشون داخل الأراضي التي احتلت عام 1948. ولطالما اعتبرت إسرائيل أن هؤلاء يمكن أن يشكلوا خطرا ديموغرافيا على الدولة الصهيونية في يوم من الأيام لذلك وجب ترحيلهم، ولاسيما مع ازدياد سيطرة الأحزاب اليمينية الفاشية على مقاليد السلطة في إسرائيل، وبالتالي سيقود إلى التأسيس للخيار الأردني البديل بشكل واقعي. إن الرؤية الصهيونية للتاريخ تنبع من العودة إلى جذور الديانة اليهودية، والتراث اليهودي، اللذين يفيضان بالتنبؤات والوعود التي تبعث الأمل في صدور اليهود، وتبشرهم بالعودة.. وقد أرست الحركة الصهيونية العالمية الكيان الصهيوني على أرض فلسطين إيماناً منها بتنبؤات الديانة اليهودية والتراث اليهودي القديم. وهكذا، أصبح الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين تجسيداً للرؤى التوراتية والنبوءات الدينية، التي حضنها اليهود طيلة آلاف السنين من التشتت.. وأطلق الفكر الصهيوني على أتباع الديانة اليهودية اسم » الشعب اليهودي « الذي وعده إلهه بأرض فلسطين، واتخذ من فكرة العودة إلى » أرض الميعاد « وسيلة لإثارة حماس اليهود الديني والعاطفي في شتى أنحاء المعمورة بهدف تنظيمهم في صفوف الحركة الصهيونية، بوصفها حركة سياسية عملت بجهد هائل وقوة جبارة على اقتطاع اليهود من الأوطان التي كانوا يعيشون فيها، والسير بهم إلى فلسطين. لقد أعادت هذه الإستراتيجية الإسرائيلية الحاسمة في طرح نتنياهو: أن الدولة الفلسطينية تعني لا للدولة اليهودية، والعكس صحيح، الصراع العربي- الصهيوني إلى مربعه الأول، باعتباره صراع وجود لا صراع حدود....

675

| 08 أغسطس 2014

المصالح الاستراتيجية المشتركة بين أمريكا وإسرائيل (2)

تتفانى دولة إسرائيل ومن ورائها اللوبي اليهودي، في الذود عن موقعها المتميز في الإستراتيجية الأمريكية، وفي درء أي خطر قد يتهدد هذا الموقع من جانب دول أخرى منافسة لها عليه. وفي الواقع، فإن هذا الموقع هو عنصر أساسي جداً فيما يسمى «أمن إسرائيل القومي». ومن هنا، فالخصوصية التي تتمتع بها في العلاقة مع الولايات المتحدة، ومصلحتها الحيوية في صيانتها، تمليان على إسرائيل العمل على التفرد بهذا الموقع المتميز، وحتى الصراع من أجل ذلك.. فإذا ضاعت هذه الخصوصية وتساوت في الموقع مع آخرين، فقدت عنصراً أساسياً من مقومات أمنها الإستراتيجي، وربما تدهور الوضع إلى ما هو أسوأ من ذلك. وقد حاولت الولايات المتحدة مراراً استيعاب الدول العربية، أو بعضها، في سياسة الأحلاف التي بادرت إليها، فاصطدمت بالرفض الإسرائيلي، وصولاً إلى التمرد على هذه السياسة، كما فعل بن غوريون في حرب السويس 1956. فأمريكا احتضنت إسرائيل، وقدمت لها كل أسباب التفوق العسكري والتكنولوجي على الدول العربية مجتمعة وفرادى، من أجل أن تستمر إسرائيل في أداء دورها الوظيفي الحربي على الصعيد الإقليمي بما يخدم أهداف إستراتيجية أمريكا في العالم العربي. ومنذ هزيمة 1967 أصبحت العلاقة بين أمريكا وإسرائيل عضوية، واتخذت أبعاداً إستراتيجية تتصل بمفاعيل الحرب الباردة، والصراع بين الشرق والغرب، وفي القلب منه الصراع العربي الصهيوني ضمن إطار تنامي علاقات التحالف الإستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل، إذ تحولت هذه الأخيرة إلى ركيزة إقليمية في الإستراتيجية الأمريكية الكونية، وتنامت قواها العسكرية في سياق المخطط الأمريكي، ولاسيَّما خلال السنوات التي تلت هزيمة 1967. لم تُقدرْ الولايات المتحدة إسرائيل حقّ قدرها، كحليف إستراتيجي، إلاّ بعد انتصارها الخاطف سنة، 1967 وإنّ تقديرات وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كانت في البداية، أن إقامة تحالف وثيق مع دولة يهودية في الشرق الأوسط سيكون عائقاً إستراتيجياً. يقول الكاتب جوناثان كوك في كتابه «إسرائيل وصدام الحضارات»: إن العلاقات الدافئة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، توطدت بعد حرب 1967. ويمكن إرجاع تزايد التقارب إلى أسباب من أهمها نجاح الجيش الإسرائيلي في قهر مصر وسوريا المتحالفتين مع السوفييت، ما أقنع الرئيس لندون جونسون بأن إسرائيل تشكل ذخراً ثميناً في الحرب الباردة. ففي نهاية الحرب، قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، إنّ إسرائيل، «فعلت للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من حيثُ المال والجهد، أكثر ممّا فعله كل مَن يُسمون حلفاء في أي مكان في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبعد حرب أكتوبر 1973، وظهور الصدمة البترولية الأولى، ازدادت حاجة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بسبب أزمة الطاقة بالذات وارتباط الدول الغربية، بشكل لم يسبق له مثيل بدول النفط العربية. وهكذا باتت أمريكا تحتاج لإسرائيل مثل حاجتها لكلب حراسة ذي أسنان حادة، مربوط بالسلاسل الأمريكية الطويلة جداً بحيث تأذن له بغرس أسنانه إذا تحدوه أكثر من اللازم. ولذلك فهي لن تتوقف عن تسليحه والإنفاق عليه ما دام يقوم بوظيفته الحربية في المنطقة. إسرائيل بقوتها المطلقة لا النسبية هي خط الدفاع الأول عن المصالح الأمريكية في حوض البحر الأبيض المتوسط أكثر من معظم دول حلف الأطلسي. وينسب الكاتب الإسرائيلي اريئيل غيناي إلى كيسنجر أنه قال: «إن ما هو جيد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط جيد لإسرائيل ومصالح إسرائيل والولايات المتحدة تتناسب مع بعضها البعض، لأن وجود إسرائيل قوية هو لصالح المصالح الأمريكية». إن وجود إسرائيل في الشرق الأوسط يعتبر قضية إستراتيجية أمريكية بامتياز، ولهذا كلما كبر التدخل الأمريكي في هذه المنطقة، ازدادت العلاقات بين أمريكا وإسرائيل قوة ورسوخاً، لكي يسير وزن هذه الدولة اليهودية في هذه المنطقة في خط ارتفاع. إن وجود إسرائيل قوية سيبقى مصلحة أمريكية على الصعيد العالمي ما دامت أمريكا بحاجة إليها لأداء الدور الوظيفي المنوط بها، وبالمقابل تتلخص مطالب إسرائيل من الولايات المتحدة بتزويدها بالأسلحة المتطورة، والتكنولوجيا المتقدمة، والأموال والضمانات السياسية، ولاسيَّما فرض تسويات استسلامية على العرب بشأن الصراع العربي ـ الصهيوني. ويكمن التناغم والاتساق في المخطط الأمريكي ـ الصهيوني المشترك، في أن لإسرائيل مصلحة كبرى في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف إعادة رسم الخريطة الجيو-بوليتيكية للمنطقة وفق تصور قائم على تجزئة دولها إلى كيانات عرقية وطائفية ضعيفة وعاجزة عن مواجهة مشروع إسرائيل التوراتي من النيل إلى الفرات، وللولايات المتحدة مصالحها الإستراتيجية في إحكام السيطرة على قلب العالم ـ الشرق الأوسط ـ توطئة للسيطرة على الأطراف، حسب نظريات ماكندر وسبيكمان. في ظل إخفاق إدارة الرئيس باراك أوباما عن ثني حكومة نتنياهو عن وقف الاستيطان أو تجميده ولو مؤقتاً، اتجهت الولايات المتحدة إلى وضع اللوم على الدول العربية، لأنها لم تقبل «التطبيع» مع إسرائيل كمكافأة لهذه الأخيرة حتى تقبل بمطلب أوباما المتواضع ألا وهو تجميد النشاط الاستيطاني بصورة مؤقتة.الرئيس الأمريكي باراك أوباما واقع الآن في ورطة كبيرة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فبعد أن قال كلاماً في بداية ولايته لقي استحساناً من الفلسطينيين والعرب عموما، لإحياء عملية التسوية على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي، وفق مبدأ حل الدولتين، ها هو يتعرض لإخفاق كبير في منطقة الشرق الأوسط. إذ لم يعد الحديث عن تسوية ظلت حبراً على ورق، ولا عن مسار للمفاوضات بين حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية في ظل رفض إسرائيل تجميد الاستيطان. فخسرت إدارة الرئيس أوباما مصداقيتها على صعيد التسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وعلى الصعيد الفلسطيني، وعلى صعيد معسكر الدول العربية.

1051

| 31 يوليو 2014

المصالح الاستراتيجية المشتركة بين أمريكا وإسرائيل (1)

في كل عدوان صهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة، تنكشف مواقف الدول الغربية على حقيقتها أكثر فأكثر، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الحامية القوية للكيان الصهيوني، والتي لا تريد فرض تسوية عادلة للقضية الفلسطينية واستحقاقاتها، وتصطف دائما إلى جانب العدوان الصهيوني متذرعة دائما بأن إسرائيل في حالة من الدفاع عن النفس. والحقيقة أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية لم يتبدل من الصراع العربي- الصهيوني عامة، والسبب في ذلك أن العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية تتسم بنوع من الفرادة، وفرادتها تكمن في أن أمريكا كانت أول دولة بادرت إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني في عام 1948، ومارست ضغوطاً دولية لتقبل تلك الدولة الصهيونية في عضوية الأمم المتحدة. وفي المنظور التاريخي، لم يكن إعلان قيام إسرائيل بوصفها تجسيداً مادياً للمشروع الصهيوني، سوى عملية استبدال العلاقة مع الدولة الاستعمارية الأم في الحالة الأولى، لتدخل في مرحلة جديدة من العلاقة التبعية مع المركز الإمبريالي الحديث ألا وهو، أمريكا، ولاسيَّما وأن هذه الأخيرة ظهرت بمظهر المدافع عن إسرائيل في المحافل الدولية، أكثر من غيرها من الدول الاستعمارية الأخرى، من أجل أن تكون إسرائيل قاعدة إستراتيجية متقدمة تقوم بدور وظيفي يخدم الأهداف والمصالح الإستراتيجية للإمبريالية الأمريكية. وحتى أعوام الخمسينيات كان الإنجليز والفرنسيون يمثلون القوى الاستعمارية التقليدية التي كانت مسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، لكن بعد انهيار العدوان الإنجليزي ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي ضد مصر في عام 1956، جاءت أمريكا لترث مكانهم في هذه المنطقة الحساسة من العالم. وقد حاولت في البداية أن تُخضع الدول العربية عن طريق فرض شروطها، أو عبر استخدام القوى العسكرية، ولكنها سرعان ما اقتنعت بأن هذا التكتيك غير مثمر. ولذلك فقد لجأت ـ بعد فشلها بالهجوم المباشر ـ إلى السير على الطريق الاستعماري الجديد ودعم الأنظمة الرجعية. وعندما تبين لها، أنه حتى هذا الطريق لا يحقق لها الوصول إلى أهدافها، عمدت عندئذ إلى الاعتماد على دولة إسرائيل كقوة ضاربة رئيسية في الصراع مع البلدان العربية. وكان الرئيس الإسرائيلي الراحل دافيد بن غوريون مؤسس الدولة اليهودية، هو الذي بلور مفهوم «تحالف الأقليات»، عندما أخفق في إقناع الرئيس الأمريكي الراحل دوايت أيزنهاور (1953-1961)، بأن إسرائيل تشكل دعامة إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. لكنّ الرئيس الأمريكي قد فضّل أن يتجاهل هذه الادعاءات، مقتنعاً بأن الولايات المتحدة هي أكثر قدرةً على الدفاع عن مصالحها دون مساعدة إسرائيل.وردّاً على هذا الرفض، بلور الرئيس الإسرائيلي إستراتيجية «تحالفات الأطراف»، التي تهدف إلى تكوين حلف موازنٍ يتكون من الدول الإقليمية غير العربية المتحالفة مع الغرب: إسرائيل، وتركيا، وإيران، وإثيوبيا مقابل ثقل الدول العربية. وكان يرغب بذلك تعزيز قدرة الردع عند إسرائيل، والحدّ من عزلتها في منطقة الشرق الأوسط، وجعلها أكثر جاذبيةً لكونها «رصيداً» للولايات المتحدة.وهكذا، تحالفت إسرائيل مع إيران الشاه، حيث كان للدولتين شعور مشترك «بالفوقية الثقافية» تجاه البلاد العربية، وقدمت إسرائيل مساعدات عسكرية للمتمردين الأكراد الذين كانوا يقاتلون السلطة المركزية في بغداد طيلة سنوات (1970 - 1975)، بهدف إضعاف العراق. وبموازاة هذه الإستراتيجية، طوّر بن غوريون فكرةً أخرى: وهي «تحالف الأقليّات». وقد طال تفكيره ليس فقط الأتراك والفرس، ولكن أيضاً اليهود والأكراد والدروز والمسيحيون الموارنة في لبنان، إلخ. وادّعى أن الغالبية العظمى من السكان في منطقة الشرق الأوسط هم ليسوا عرباً، ولذلك كان من الضروري تشجيع الرغبات في الاستقلالات القومية، وخلق جزرٍ من الحلفاء في مواجهة بحر القومية العربية.ولمواجهة خطر «انتشار الشيوعية»، وخوض الصراع أيضاً ضد حركة التحرر الوطني العربية، والأنظمة الوطنية التقدمية في بلدان الشرق الأوسط، التي كانت إسرائيل تصنفهم في تلك الفترة بأنهم عملاء موسكو، أصبحت الإمبريالية الأمريكية تنفذ عندئذ سياسة استعمارية جديدة مكشوفة في الشرق الأوسط، عبر تمويل وتسليح إسرائيل، ودعم حكامها لفرض عدوانها وإرادتها بمساندة أمريكية متعاظمة على المنطقة، ورعت واشنطن كل الفعاليات الإسرائيلية وأنشطتها العدوانية مع ازدياد التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في المنطقة بسبب تعاظم حركة التحرر الوطني العربية، وتلاحم هذه الحركة مع قوى الحركة الثورية العالمية والبلدان الاشتراكية، زمن الحرب الباردة. ومنذ مشروع أيزنهاور، سنة 1957، وحتى غزو العراق في مارس 2003، كانت كل ما تقدمه أمريكا لإسرائيل هو في صلب خدمة المصالح الحيوية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع. لكن نقطة التحول العملي بدأت بعد هزيمة يونيو، حيث توثقت علاقة إسرائيل بأمريكا، وصولاً إلى الإعلان عن «التعاون الاستراتيجي» بينهما. وبذلك رمت أمريكا بكل ثقلها خلف إسرائيل بعد هزيمة 1967، منسجمة ومتواكبة مع تطور الإستراتيجية الكونية للولايات المتحدة، وموقع إسرائيل ودورها الوظيفي في خدمة هذه الإستراتيجية.

782

| 30 يوليو 2014

أي سياسة حازمة لمواجهة الإرهاب في تونس؟ (1)

بعد حوالي سنة من الهجوم الإرهابي الذي استهدف القتل والتنكيل بنحو8 جنود من الجيش الوطني في نفس توقيت الإفطار، يوم 29 يوليو2013، هاهو الجيش التونسي يتعرض لهجمة إرهابية قوية، تعد الأقوى منذ استقلال البلاد في العام 1956، حيث قتل 15 جندياً وجرح 20 جندياً في هجوم نفذه عشرات المسلّحون الإسلاميون المحسوبون على تنظيم "القاعدة" على نقطتَيْ مراقبة تابعتين للجيش التونسي في هنشير التلّة في جبل الشعانبي، على الحدود مع الجزائر، خلال وقت الإفطار، مساء الأربعاء 16 يوليو الجاري..وتبنت جماعة تطلق على نفسها اسم "كتيبة عقبة بن نافع"، وهي تشكيل عسكري تابع لجماعة "أنصار الشريعة" السلفية "الجهادية" الهجوم في جبل الشعانبي. وقد أدَّت العمليات الإرهابية المختلفة التي نفذتها العناصر المرتبطة بتنظيم «أنصار الشريعة»منذ العام 2011 ولغاية الآن،بحسب الأرقام الرسمية التونسية إلى استشهاد 60 عنصراً أمنياً وعسكرياً، وكذلك إصابة 40 جريحاً من أعوان الأمن والعسكريين بسبب انفجارات الألغام وهي إصابات طالت أرجل الأمنيين وطالت المدرعات العسكرية. في المقابل تم إلقاء القبض بحسب المصادر عينها على حوالي 885 إرهابيّا وتصفية أكثر من 20 عنصراً منهم. وشكلت تحركات ونشاطات تنظيم « أنصار الشريعة»خطراً على المجتمع التونسي ومدنية الدولة ونمطها والمسار الديمقراطي في تونس لأنها اعتداء على الحرّيات العامة والخاصة وخروج على القانون ومحاولة لفرض نمط مجتمعي بالقوة، كما أنها خلقت إطاراً من الرعب بسبب الاغتيالات لزعامات المعارضة الذي يعيد على قوى الثورة المضادة تمرير مشروعها الاستبدادي. ومنذ الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي في 11سبتمبر 2012، والهجوم العسكري على السفارة الأمريكية بتونس يوم الجمعة14 سبتمبر 2012، حيث جرت مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين ينتمي معظمهم إلى تنظيم «أنصار الشريعة»، ما أوقع أربعة قتلى و49 جريحا، بحسب مصدر بوزارة الصحة التونسية، وجرت التظاهرات احتجاجاً على فيلم مسيء للإسلام أنتج في الولايات المتحدة،إضافة إلى المذبحة التي وقعت في عين أميناس، حيث قتل 39 رهينة أجنبيا في يناير2013، واغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، التي أثبتت التحقيقات مسؤولية تنظيم « أنصار الشريعة» فيها، بدأت الأضواء تسلط على الصلات بين الجماعات السلفية التكفيرية في تونس وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ». وكانت الحكومة التونسية المؤقتة التي يرأسها السيد علي العريض صنفت تنظيم«أنصار الشريعة» تنظيماً إرهابياً في شهر أغسطس 2013،عقب اغتيال الشهيد النائب القومي محمد البراهمي في 25يوليو 2013.وإذا كان قرار حل تنظيم "أنصار الشريعة" أمراً لم تجد الحكومة النهضوية مهرباً منه في ظل الضغوط الشديدة التي مارستها المعارضة، فإن تنفيذ القرار بقي مقتصراً على ملاحقة رموز في التنظيم وردت أسماؤهم في التحقيقات حول الاغتيالات فيما بقيت أسماء أخرى على رأس قواعد التنظيم التي صارت ممتدة حول المساجد في العاصمة وضواحيها وفي المدن، خصوصا مدن الجنوب التونسي. ومن الملاحظ أن "أنصار الشريعة" والجماعات السلفية الموازية تبسط نفوذها في المناطق الانتخابية لحركة النهضة، من دون أن يُشكل ذلك مصدر احتقان بين الجماعتين. في تونس الآن، يدور جدل قوي حول مسؤولية الحكومات السابقة في عهد حكم الترويكا عن تنامي ظاهرة الإرهاب، فهل هو حزب نداء تونس الحزب المرشح للفوز في الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها يوم 26 أكتوبر المقبل يقول في بيان له: - "إنّ محاربة الإرهاب تتطلّب قيام وحدة سياسيّة وطنيّة قويّة ضدّ الإرهاب ومتابعة مظاهره وشبكاته تتناقض مع السيّاسات الّتي اتّبعت في المرحلة السّابقة والّتي قامت على التّهاون مع نموّ الظاهرة الإرهابية ومهادنتها. ويضيف: إنّ الحرب على الإرهاب قد دخلت منذ مدّة منعرجا جديدا لا يبدو معه أن مؤسسات الحكم الحالية قد طورت الوسائل ولا المقاربات ولا الاستراتيجيات لمواجهتها وهو ما يتطلب استفاقة وطنية حازمة لتعديل الأمور قبل أن تبلغ مستويات أخرى أشدّ خطورة. أما حزب المسار الديمقراطي (الشيوعي سابقا)، فقد أدان هذه الجريمة الإرهابية، وحمل في بيان أصدره، المجلس التأسيسي مسؤولياته بخصوص التباطؤ في إصدار قانون الإرهاب ويطالبه بالتعجيل في المصادقة عليه.كما دعا الحزب كافة القوى الوطنية لتجميع قواها وتوحيد صفوفها من أجل الوقوف في وجه الإرهاب وكافة مكونات جبهة الإنقاذ إلى إعادة تفعيل هذه الجبهة حتى ترتقي إلى مستوى التحديات والمخاطر التي تهدد بلادنا.ودعا الأطراف الراعية للحوار الوطني إلى الإسراع بعقد المؤتمر الوطني لمناهضة الإرهاب ويعتبر أن الأولوية المطلقة يجب أن تعطى لمقاومة الإرهاب وتطبيق خارطة الطريق. وعلى صعيد متصل اعتبر حزب الوطنيّين الديمقراطيّين الموحّد (الحزب اليساري الذي تم اغتيال أمينه العام الشهيد شكري بلعيد في 6 فبراير 2013، من قبل تنظيم "أنصار الشريعة"):أن مواجهة هذه الظاهرة الإرهابية باتت تقتضي وضعا استراتيجيا فعليا لمواجهة الإرهاب تتضافر فيها جهود مؤسسات الدولة ومكوّنات المجتمع المدني والسياسي الديمقراطي التقدمي وسائر المؤسسات الإعلامية والتربوية عبر بلورة خطة وطنيّة تقوم شاملة.ومن أبرز عناصر تلك الاستراتيجية طالب الحزب بالتعجيل بإصدار قانون مكافحة الإرهاب دون أي تلكؤ، وتفكيك الحواضن المنتجة للإرهاب عبر ضرب أساسه المادي المتمثل في شبكات تمويله في جمعيات تبييض الأموال المتسترة تحت غطاء العمل الخيري والدعوي، وفرض سيطرة الدولة على دور العبادة.إلى جانب ذلك طالب الحزب بالتوافق حول سياسة إعلامية تحاصر الخطاب التكفيري وتمنع رواجه، والعمل على تفكيك جماعات الدعم اللوجيستي (أموال،معلومات،عمليات اختراق،استقطاب مقاتلين)التي تعمل تحت عنوان العمل الدعوي السلمي في حين تلعب دورا رئيسيا في ضمان استمرار الأعمال القتالية للإرهابيين، وأخيرا تنقية جميع مؤسسات الدولة من كلّ التعيينات الحزبية صونا لها من كلّ ضروب الاختراق حتى لا تتمكن الجماعات الإرهابية من وضع موطئ قدم في صلبها.

1155

| 25 يوليو 2014

هل لا تزال قضية فلسطين قضية قومية؟

في كل مرّة يحصل عدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، تتعالى الأصوات العربية، لاسيما من أوساط شعبية، ومن أحزاب سياسية وطنية تندد بهذا العدوان الصهيوني أو ذاك، لكنها تظل ردود أفعال يائسة، لا تغير من الأمر شيئا في واقع الصراع العربي-الصهيوني، حتى بعد أن انطلقت ما بات يعرف في الخطاب السياسي العربي "ثورات الربيع العربي"، إذ إن هذه الثورات لم تطرح قضية تحرير فلسطين ومجابهة العدو الصهيوني على برنامج جدول أعمالها.«إسرائيل واقع استعماري؟»، هذا ما تجاسر على طرحه مكسيم رودنسون عام 1967. وقد أجمع المثقفون العرب من اليمين واليسار أن إسرائيل هي جزء من «الظاهرة الاستعمارية» الأوروبية. إسرائيل في نظر العرب قاعدة إمبريالية أقامتها في الشرق الأوسط الإمبريالية البريطانية بالاتفاق مع الإمبرياليات الأخرى، وهي جزء من النظام الإمبريالي العالمي، ونشاطها في العالم هو منذ وجودها مرتبط بالنشاط الإمبريالي، سواء أكان لمصلحتها الخاصة أو لحساب الإمبرياليات الأوروبية والأمريكية، هذا هو على الأقل التصور الأكثر شيوعاً في العالم العربي، ويشعر العرب من محيطهم إلى خليجهم بالمهانة من جراء فرض عنصر غريب في قلب أمتهم تسانده قوى العالم الأوروبي ـ الأمريكي. إسرائيل ـ إحدى أقوى الدول عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط، وصاحبة التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة والحائزة على أفضل تشكيلات الحرب الحديثة ووسائلها ـ قامت في عام 1948، وشنت حرباً على الشعب الفلسطيني، وطبقت خططها البعيدة المدى للتطهير العرقي، الذي طبق بنجاح في ما يقارب 80% من أرض فلسطين دون أن يكون لذلك أي أصداء عالمية أو إقليمية. ولا يزال اليوم أكثر من ثلث الفلسطينيين يعيشون لاجئين تعساء في غالب الأحيان من دون أن تقر لهم دولة الكيان الصهيوني بأي حق في العودة، على الرغم من صدور القرار 194، ومن دون أن تقدم الدول العربية على استيعابهم ومنحهم حقوق المواطنة الفعلية، مخافة التوطين. فالشعب الفلسطيني أكسبته الكارثة التاريخية الجماعية التي حلت به منذ نكبة 1948، وهزيمة 1967، وعياً وطنياً وهو ينتظر أن يفي المجتمع الدولي بوعده لإيصاله إلى الاستقلال ضمن دولة قابلة للحياة. من وجهة نظر الأيديولوجيا القومية العربية المعاصرة لا تزال قضية فلسطين قضية قومية عربية، لا قومية سورية أو فلسطينية. وهذا يعني أن احتلال فلسطين، ليس اعتداء على فلسطين حدود سايكس ـ بيكو، ولا على سكان فلسطين الذين صورتهم خريطة الاحتلال البريطاني، إنه اعتداء على العالم العربي كله، إذا اعتبرنا العالم العربي واحداً، والأمة العربية واحدة، رغم حدود ساكيس ـ بيكو وكل حدود الاحتلال الاستعماري. والمشروع الصهيوني لم يقم من أجل فلسطين، بل قام فيها ليحقق أهدافه العربية، ومنها تثبيت التقسيم الإمبريالي، وحفظ المصالح الإمبريالية، ومنع تحقيق الوحدة القومية والتحرر السياسي والاجتماعي. وبالتالي، فإن تحرير فلسطين ليس شأناً فلسطينياً، إنه شأن عربي. إلا إذا اعتبرنا خريطة سايكس ـ بيكو حدود وطن. فإذا ما وصلنا إلى هذه القناعة، لم تكن هناك حاجة للحديث عن معركة قومية عربية، ولا عن علاقة عضوية بين فلسطين والعالم العربي. لقد كان من صلب المشروع الإمبريالي ـ الصهيوني، أن تتعامل قيادات الأقطار العربية مع كل قُطْر باعتباره وطناً، وأن تتعامل قيادات الطوائف كل باعتبار طائفتها «وحدة تامة»، فإذا ما انسجمنا مع هذا المطلب، انسجمنا مع المخطط الإمبريالي ـ الصهيوني. ولما كانت فلسطين لا تحرر فلسطينياً، فإن تغليب القُطري، يعني فقط البحث عن تسوية مذلة. وهذا ما تفعله القيادة الفلسطينية الرسمية اليوم. وإذا ما طرح الفلسطيني في مواجهة الصهيوني، أثارت القضية الشفقة العالمية، لأن الصهيوني المشرد، يشرد الفلسطيني المسكين. وما دام الفلسطيني لا يستطيع هزيمة الصهيوني هزيمة ساحقة وحده، لأن المشروع الصهيوني جزء من المشروع الإمبريالي، ولأن المعركة هي معركة هزيمة الإمبريالية الأمريكية أساساً، والكيان الصهيوني باعتباره جزءاً من الهيمنة الإمبريالية، ولأن المستوطنين الصهيونيين في أرض فلسطين أكثر عدداً من عرب فلسطين الباقين في أرضهم، وبسبب التفوق الصهيوني العسكري.. إلخ.. فإن الحل، بالنسبة للعالم لا يعدو أن يكون «تسوية» في أحسن الأحوال، إذا أصبح النضال الفلسطيني جدياً إلى درجة، تسمح بفرض تسوية، وإذا ساعد الوضع العربي والدولي في ذلك. أما عندما تطرح القضية على أنها قضية ثلاثمائة وخمسين مليون عربي ، فإن الأمر يختلف، ويصبح التحرير وارداً، والانتصار حتمياً. ولذلك فإن الحل الصحيح هو الحل القومي، والحل القومي يجب أن يغلب، لأنه الحل الوطني الوحيد. أما الحل القطري فهو التصفية، وهو ليس حلاً وطنياً. فما معنى أن يتغلب الحل القومي؟ إن هذا يعني: أولاً: إن تحرير فلسطين مهمة قومية، وإنه من مسؤولية كل مواطن عربي، وكل حزب عربي قومي، وكل قوة قومية. وأن هذا يعني أن يوضع التحرير في موقعه من المهمات القومية، وباعتباره هدفاً رئيسياً، لا يعلو عليه أي هدف آخر، من حيث الأهمية، وأن كل الإمكانات يجب أن تسخر لتحقيقه. ثانياً: إن أي عمل في فلسطين لتحرير فلسطين، يجب أن يكون جزءاً من هذا العمل الكبير، لا خارجه، ولا بموازاته، حتى يأخذ بعده القومي، وقوته القومية، وحتى لا يتحول إلى عمل طفولي أخرق، أو استسلامي ضائع. فما الذي حصل، خلال سنوات الصراع مع العدو الصهيوني؟ لقد حصلت مفارقتان: الأولى: تراجع العمل القومي لتحرير فلسطين كثيرا، لأن الدول العربية جميعها أصبحت مع التسوية ومنخرطة في عملية السلام المتوقفة منذ سنوات عديدة.. ولذلك عملت على التخلي عن الجهد القومي في تحقيق التحرير، كما حدث قبل عام 1948 وخلاله وبعده. وعلى الرغم من دخول الجيوش العربية حرب 1948، فإنها عملياً كرست وجود الكيان الصهيوني وقيام دولته.. وتبنت القوى القومية صيغة العمل الفلسطيني الراهن، عندما رأت هذه القوى، أنها ليست في وضع يسمح لها بخوض معركة التحرير مباشرة، وأن الرّد المباشر الهجومي على العدو الصهيوني، يهدد الأنظمة القائمة. ولذلك اختير أسلوب المجابهة المحدودة، عبر إنشاء م.ت.ف. بقيادة أحمد الشقيري، لتكون هذه المنظمة إطاراً سياسياً، بلا قوة، أو عبر تبني حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) الناشئة. وأثبتت القوى الفلسطينية التي تبنتها القوى القومية وغير القومية، من المنظمة إلى فتح، ومن الشعبية إلى الديمقراطية، على اختلافها، واختلاف برامجها وتناقضها في قضايا كالتسوية.. إلخ، أنها قوى عاجزة عن بناء القوى القادرة على قيادة الشعب نحو التحرير، وهذا العجز واضح بعد أكثر من أربعين عاماً وضوحاً لا لبس فيه، ولا نظن أن هناك من ينكر ذلك، وإن كان كل ذي علاقة يبرره. والثانية: بروز قُطرية فلسطينية، تحاول أن تجعل الفلسطينية «هوية قومية»، وأن تتحدث عن حدود فلسطين باعتبارها حدود وطن، وسمات الفلسطينيين باعتبارهم أمة. وبات شاغل هذه القُطرية إنشاء كيان فلسطيني، مثل أي كيان عربي. ولما كانت الأرض محتلة، والشعب مشرداً، وكانت القوى الفلسطينية العاملة، من أجل فلسطين غير قادرة على التحرير، وغير مستعدة لانتظار الزحف العربي، أو العمل لقيامه، صارت محاولة إقامة الكيان عبر «التسوية السياسة» هي الهدف الوحيد. في ظل هزيمة الحركة القومية العربية وتقهقر الحركة الاشتراكية على اختلاف تياراتها، وتعمق الطلاق التاريخي بين المجتمعات العربية والأنظمة القائمة، برزت إلى الواجهة السياسية والنضالية الحركات الإسلامية، التي قدمت توجها إسلامياً جهادياً «ثورياً». وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، انتشرت في «إسرائيل» انتشاراً كبيراً القناعة الأيديولوجية التالية، أن الدولة الصهيونية أصبحت تمثل «خطّ تماس دامٍ» بين الغرب والشرق، بين الحضارة «اليهوديّة المسيحية» - وهذا اختراع غريب إذا ما اطّلعنا على تاريخ الديانتيْن...- والحضارة الإسلاميّة. ولقد اعتبرت التيارات الأصولية المسيحية والصهيونية أن «إسرائيل» هي «موقع أماميّ للعالـم الحرّ ». وإذا كانت «إسرائيل» قد اكتسبت هذا المكان المميّز في الغرب، فذلك لأنّ الدولة الصهيونية تُعتبَر إرادة إلهية. وقد حوّل ذلك الصراعَ العربي- «الإسرائيلي»، الذي كان في البدء ميدانياً وإذاً سياسياً، إلى مواجهة ثقافية ودينية بين الغرب والإسلام.. إنه خطرٌ داهمٌ على العالم أجمع، انتشار نهج «صدام الحضارات» الذي يمتص طبيعة المشكلات المتعلقة بالأرض والسيادة والمواطنية والاستيطان والتحرر والثروة والفقر والتنافس بين الأديان والفجوة الثقافية، ويحوّر فيها، وكلها مجسَّدة في الصراع العربي – الصهيوني.

2399

| 18 يوليو 2014

إيطاليا في مواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين

تواجه إيطاليا، الدولة الأوروبية الواقعة في الجنوب الأوروبي والمطلة على البحر المتوسط، بمفردها تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين في أغلب الأحيان من بلدن إفريقية وعربية شرق أوسطية ومغاربية، في محاولة منهم للوصول عبر قوارب قديمة وهشة إلى السواحل الإيطالية، ومنها ينطلقون إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. وكانت إيطاليا أطلقت في أكتوبر 2013، بعد أيام على مصرع أكثر من 360 مهاجرا غرقا، عملية "ماري نوستروم" في محاولة لإنقاذ المهاجرين الذين يبحرون من سواحل ليبيا على مراكب بدائية. وخلال ثمانية أشهر ونيف، أنقذت البحرية الإيطالية 73 ألفا و686 شخصاً، أي ما معدله 270 شخصا يومياً. وقد انتشلت البحرية الإيطالية وحدها نحو خمسين ألف مهاجر جاءوا خصوصاً من سوريا وبلدان في جنوب الصحراء الإفريقية. ومعظم هؤلاء المهاجرين من الرجال، لكن عشرة بالمئة منهم نساء وبينهم أكثر من ستة آلاف طفل. وقد أرسلهم ذووهم لعدم امتلاكهم المال أو أنهم فقدوا أفراد الأسرة الآخرين خلال الرحلة. ومنذ بداية العام 2014، تضاعف عدد اللاجئين الذين يصلون إلى السواحل الإيطالية قادمين من الشواطئ الجنوبية للمتوسط، لاسيَّما من الساحل الليبي، إذ بلغ 66 ألف لاجئ حتى الآن مقابل 43 ألفا للعام 2013 بأكمله. في مركز قيادة عمليات "ماري نوستروم" (الاسم الذي أطلقه الرومان على البحر المتوسط) في شمال روما، قال رئيس أركان هذه العمليات ميشال سابونارو: مواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، تكلف البحرية وحدها "بين ستة وثمانية أو تسعة ملايين يورو شهرياً".ومنذ إطلاق هذه العمليات تمت مصادرة أربعة مراكب واعتقال أكثر من 300 مهرب للاجئين،. وقد تراجع عدد الواصلين من مصر خصوصا، لأن السفن الكبيرة التي تستخدم للاقتراب من السواحل الإيطالية يتم رصدها واعتراضها بسرعة، لكن نشاط المهربين تزايد انطلاقا من ليبيا. وعبر القادة السياسيون الإيطاليون عن استيائهم من نقص التعاون من جانب بلدان الاتحاد الأوروبي لمواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، فقد عبر رئيس الحكومة الإيطالية ماتيو رينزي في بداية مهامه في الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، الجمعة الماضي، عن أمله في أن تتمكن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من القدوم إلى إيطاليا بسرعة لمساعدة الحكومة الجديدة على إدارة تدفق اللاجئين. وقال إن "توسط ليس بحر إيطاليا بل حدود في قلب أوروبا. نحتاج إلى سياسة أوروبية". وأكد الأميرال سابونارو أن "ماري نوستروم عملية إنسانية، لكنها لا تقتصر على هذا الجانب فقط، إذ إنها تسمح بتعزيز أمن البحر المتوسط بأكمله". وأضاف: "نتحمل عبء ذلك من أجل خير أوروبا بأكملها". وكان رئيس أركان القوات الإيطالية صرح الخميس الماضي أن تزايد تدفق المهاجرين واللاجئين إلى ساحل إيطاليا ليس ناجماً عن إخفاق عملية "ماري نوستروم"، بل عن تفاقم الأزمات في الشرق الأوسط، ففي سوريا تفاقم الوضع وفي العراق هناك تقدم للقوى الأصولية. وأكد من جديد نجاح أحزاب اليمين المتطرف والحركات الشعبيوية في الانتخابات الأوروبية التي جرت في يونيو 2014، لاسيَّما في فرنسا، على ضرورة الإسراع بتطبيق وسائل للحدّ من سياسة الهجرة واللجوء على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث كانت أهميتها معترفاً بها منذ سنوات، فالمهاجرون من خارج أوروبا لا يتجاوزون 13 مليون نسمة، أي 3.5% من سكان الاتحاد الأوروبي. وقد ازداد عدد المهاجرين إلى النصف خلال خمس عشرة سنة، لاسيَّما بسبب التدفق الهائل للمهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية ودول البلقان بعد سقوط جدار برلين عام 1989، والحرب في يوغوسلافيا، لكن وزن هؤلاء المهاجرين يظل أقل من 6.6% من الأجانب الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن المشكل الذي يواجه الاتحاد الأوروبي الآن هو تزايد الهجرة السرية أو غير الشرعية، التي أصبحت تحتل حيزاً كبيراً في مناقشات رؤساء الدول والحكومات الأوروبية، الذين ركزوا في تصريحاتهم المختلفة على ضرورة مكافحة الشبكات السرية، وتعزيز مراقبة الحدود، فقد شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وصعود اليمين المتطرف والعنصري في أوروبا، وإرادة القيادات الأوروبية لتقديم أجوبة عن هذا "الانزعاج" الذي أظهرته صناديق الاقتراع، مجموعة من العوامل التي تفسر لنا هذا النقاش الأوروبي المحتدم حول الهجرة، ففي بريطانيا يدخل كل يوم بطريقة غير شرعية 137 مهاجراً جديداً، ويختفي في الطبيعة، ومنذ ثلاث سنوات يوجد في بريطانيا 150000 مهاجر سري يعملون في السوق السوداء، بمساعدة أهاليهم، وتستقبل بريطانيا على أراضيها ما يقارب مليون مهاجر غير شرعي، واستقبلت السلطات البريطانية خلال عام 2001، 71700 طالب للجوء، وتعتبر بريطانيا البلد الأوروبي المفضل للمهاجرين، ذلك أن طالبي اللجوء يسمح لهم بالعمل خلال الستة أشهر، في انتظار البت في ملفاتهم، ويأتي هؤلاء في معظمهم من أفغانستان، والعراق، والصومال، وسيرلانكا. وكانت إيطاليا قد كلفت عقب قمة لايتكين في ديسمبر 2001، بدراسة حول إنشاء بوليس أوروبي لمراقبة حدود الاتحاد، وهي فكرة قديمة أطلقتها كل من روما وبرلين، ولكنها تبنتها اليوم معظم عواصم الاتحاد الأوروبي وهكذا اتفقت بلدان الاتحاد الأوروبي على الوسائل البوليسية والقمعية لوضع حد لوصول المهاجرين غير الشرعيين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لأوروبا التي يكمن آفاقها في التوسع شرقا، وحيث سكانها تعاني من الشيخوخة، أن تبلور سياستها المشتركة للاستقبال والاندماج لأولئك المهاجرين الذين تجلبهم، والذين تحتاجهما أسواقها للعمل؟ لأن الضرورة هي التي تسنُ القوانين، فقد كان أرباب العمل الإيطاليون المبادرين الأوائل صيف 2004 في طرح النقاش الذي قاد إيطاليا إلى مراجعة قوانينها بشأن الهجرة. وفي الوقت الذي تتوافد فيه المراكب التي تحمل أعدادا غفيرة يوميا من الرجال والنساء والشباب إلى سواحل جزيرة لامبيدوزا في جنوب جزيرة صقلية، الهاربين من النزاعات المسلحة، والفقر والمجاعات في إفريقيا، تدخل رئيس أرباب العمل الإيطاليين لوكا دي مونتيزيمولو، ليذكر، "أن الهجرة هي أيضا ضرورة لإيطاليا". وتذكر رئيسة المؤتمر الدولي والأوروبي للبحث في الهجرة، فانا زينكوني بقولها: "من دون عمال أجانب، سيشل الاقتصاد الإيطالي". وقد مر على لامبيدوزا 6000 مهاجر سري في عام 2002، و6000 في 2003، وأكثر من 8000 خلال سنة 2004 وحتى منتصف سبتمبر 2004. ويوجد في إيطاليا 2.6 مليون من المهاجرين الشرعيين، ويمثلون 6% تقريبا من السكان العاملين، ويسهمون ما بين 3.8% و6% في الناتج المحلي الإجمالي، حسب المصادر الإيطالية.ولا يتعدى معدل البطالة في صفوفهم 4%، بينما المعدل الوطني يتجاوز 8%، وهناك تقاعد من أصل 80 مدفوعا من قبل عامل مهاجر، حسب تقرير أهم نقابة في إيطاليا (CGIL). وفضلا عن تسوية الوضع القانوني لـ690000 مهاجر سري في عام 2003، يقومون بالأعمال التي لا تتطلب كفاءة والصعبة التي يرفض العمال الإيطاليون القيام بها، فإن هذه اليد العاملة لا تغطي الحاجات الضرورية. إيطاليا، بلد هجرة بامتياز تاريخيا، وهي تريد الاستفادة من تجارب البلدان الأوروبية الأخرى، كي لا تقع في الأخطاء عينها التي وقع فيها الأوروبيون. وبسبب معدل الولادات الذي يعتبر الأضعف في أوروبا، وشيخوخة سكانها العاملين، ازدادت حاجة إيطاليا إلى اليد العاملة الأجنبية بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. وحسب دراسة أعدتها غرفة التجارة الإيطالية، فقد بلغت حاجتها إلى عمال إضافيين 224000 للعام 2003 وحده. وحسب هذه الوتيرة بلغت حاجة إيطاليا إلى اليد العاملة المهاجرة 5 ملايين مهاجرا في حدود سنة 2010، حسب تقديرات أهم نقابة مركزية إيطالية (CGIL). وحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء، فإن عدد سكان إيطاليا لم يزدد في عام 2003، إلا بفضل ولادات أبناء المهاجرين. ولا شك أن تحويلات العمال المهاجرين تسهم في إثراء بلدانهم الأصلية، إذ بلغت قيمة الأموال المحولة إلى عائلاتهم 12.2 مليار يورو في عام 2003، حسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة.

1425

| 11 يوليو 2014

العرب وضرورة تمثل نموذج الانتقال الديمقراطي

يعيش العالم منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط المنظومة السوفياتية السابقة، إقبالاً متزايداً على الديمقراطية التعددية، التي شملت مناطق متعددة من العالم في أمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية والوسطى، وآسيا وإفريقيا، ووصلت أيضًا إلى تركيا، وباكستان، وألبانيا، وإندونيسيا في العالم الإسلامي. ويمكن اعتبارهذه الظاهرة واحدة من الأحداث الكبرى في التاريخ المعاصر حتى أن الدارسين الأكاديميين يلقبونها بالموجة الديمقراطية الثالثة التي بدأت في عام 1989. فكيف يمكن تفسير هذا التحول الديمقراطي، ولاسيما على ضوء المتغيرات الدولية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي وكساد الفكر الشيوعي، ومحاولة النظام الدولي الجديد بزعامة الولايات المتحدة نشر قيم الليبرالية والديمقراطية في بقية أنحاء العالم؟ وماهي النماذج العامة لعملية التحول الديمقراطي في العالم العربي؟ إن تاريخ الديمقراطية كما تبرزه خبرة أعرق الدول الغربية الديمقراطية الغربية، ألا وهي بريطانيا، مليء بالصراعات.فتحقيق المكاسب الديمقراطية للجماهير لا يمكن أن يتم بقرار فوقي بين عشية وضحاها. فقد مرّت عدة قرون بين بدء المسيرة الديمقراطية في بريطانيا منذ أعلن « الماجنا كارتا» عام 1215، واكتمال عملية المشاركة السياسية بحصول المرأة على حقوق المواطنة و التصويت الحر عام 1920. وكانت الديمقراطية الغربية المؤسسة على مبدأ الغالبية قد وجدت طريقها إلى التطبيق تماماً في أوروبا، في مجتمعات كانت مسيرة التصنيع والتمدين فيها تنعى أشكال التضامن الجماعاتي القديمة لِتُخْلِيَ الساحة مكانها لعملية فرز مهنية اجتماعية قوية قائمة على وعي المصالح المتناقضة، أي نشوء الطبقات الاجتماعية. فالتناقض بين مصالح البعض، وحرية حركة السوق، ومصالح البعض الآخر، والمبادرات الجماعية الساعية إلى الحدّ من المظالم التي ولدّتها هذه الآليات، شكل على مدى قرن محرك الحياة الديمقراطية مشرّعاً بذلك المؤسسات العامة كما القوانين التي أصدرتها. لقد شكلت قضية الانتقال الديمقراطي مبحثاً رئيسياً في علم السياسة منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين، لا سيما بعد سقوط الديكتاتورية العسكرية في اليونان (1967-1974)، و بعد سقوط الديكتاتورية العسكرية التي كان يقودها الجنرال سالازار في البرتغال بفضل ثورة القرنفل في 25 أبريل عام 1974، ورحيل الديكتاتور فرانكو في إسبانيا عام 1975، ثم امتدت خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، لتشمل العديد من بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وشرق ووسط أوربا، فيما بقي العالم العربي يُنظر إليه على أنه يمثل "استثناءً"ضمن هذه "الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي". وقد ظهر عدد كبير من الكتب والدراسات الأكاديمية التي تناولت هذه القضية (الانتقال الديمقراطي )على مستويات مختلفة: نظرية وتطبيقية، كمية وكيفية، دراسات حالة ودراسات مقارنة.. وطرحت أدبيات "الانتقال الديمقراطي" العديد من المفاهيم والمقولات النظرية والمداخل المنهاجية والتحليلية لمقاربة هذه الظاهرة. ويشترك معظم المحللين الذين تنطحوا لتقديم مقاربات نظرية حول تعريف مفهوم "الانتقال الديمقراطي " في أن عملية "الانتقال الديمقراطي" تعني مجموع العمليات والتفاعلات المرتبطة بالانتقال أو التحول من صيغة نظام حكم شمولي أو تسلطي أو أو لغارشي إلى صيغة نظام حكم ديمقراطي. وبناءً عليه، فإن مفهوم "الانتقال الديمقراطي"، يشير من الناحية النظرية إلى مرحلة وسيطة يتم خلالها تفكيك النظام الشمولي أوالتسلطي السابق، أو انهياره، وبناء على أنقاضه نظام ديمقراطي جديد. وعادة ما تشمل عملية الانتقال مختلف عناصر النظام السياسي مثل البنية الدستورية والقانونية، والمؤسسات والعمليات السياسية وأنماط مشاركة المواطنين في العملية السياسية، لكن إعادة بناء أو تشكيل نظام ديمقراطي لا يمكن أن تتم بشكل بيروقراطي أي من دون مشاركة المجتمع المدني في صياغة معالمه الأساسية. وقد تشهد مرحلة الانتقال إلى صراعات ومساومات وعمليات تفاوض بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين. فقد ينتقل نظام تسلطي مغلق إلى نظام شبه ديمقراطي يأخذ شكل ديمقراطية انتخابية، ويمكن أن يتحول نظام شبه ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي ليبرالي أو يكون قريبا منه. كما أن الانتقال إلى النظام الديمقراطي يمكن أن يتم من أعلى، أي بمبادرة من النخبة الحاكمة في النظام غير الديمقراطي أو الجناح الإصلاحي فيها، أو من أسفل بواسطة قوى المعارضة المدعومة بتأييد شعبي واسع، أو من خلال المساومة والتفاوض بين النخبة الحاكمة وقوى المعارضة لها، أو من خلال تدخل عسكري خارجي. إن عملية "الانتقال الديمقراطي" لا يمكن أن نقول عنها إنها مكتملة إلا إذا توافرت فيها شرط عديدة، أبرزها: أن يعمل الفاعلون السياسيون الرئيسيون على صياغة الدستور الجديد، وإصداره بصورة توافقية، وإقامة المؤسسات الدستورية والسياسية التي تشكل الأرضية الحقيقية لبناء النظام الديمقراطي الجديد، لا سيما تشكيل حكومة جديدة منبثقة من خلال انتخابات عامة تكون حرة ونزيهة، على أن تمتلك هذه الحكومة القدرة والصلاحية على ممارسة السلطة وإقرار سياسات جديدة تعكس حالة الانتقال إلى الديمقراطية التعددية ، فضلا عن عدم وجود قوى أخرى تنازع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية صلاحياتها واختصاصاتها. إن "الانتقال الديمقراطي" بمعناه التعددي محكوم بعدة عوامل أساسية، منها:- مصالح الطبقة البيروقراطية البرجوازية المهيمنة، ومدى استعدادها للتفاوض السلمي من أجل الإصلاحات الديمقراطية.- مدى انتشار الثقافة الديمقراطية والوعي الديمقراطي بين المواطنين في البلدان التي تخوض تجربة الانتقال إلى الديمقراطية التعددية، حيث إن القيم والمبادئ العليا للديمقراطية واحدة ومطلقة، وتشمل الحرية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة بين الجنسين، وسيادة القانون، والتسامح السياسي والفكري واحترام الكرامة الإنسانية.- القدرة على إيجاد تسوية للصراعات الاجتماعية والسياسية، والتي قد تتطور وتأخذ شكل الحروب الأهلية والدولية كما حصل في عدد من البلدان الإفريقية والعربية.وبناءً عليه، يمكن القول: إن النظم التي تمر بمرحلة انتقال إلى الديمقراطية تنتشر على خط متصل، يقع على طرفه الأول النظام غير الديمقراطي في صورته النموذجية سواء أكان شموليا أو سلطويا مغلقا، مدنيا أو عسكريا، حكم فرد أو حكم أقلية...إلخ، ويقع على طرفه الآخر النظام الديمقراطي في نمطه المثالي، والذى تُعد النظم الديمقراطية الليبرالية الراسخة في الدول الغربية أقرب النماذج إليه.

1192

| 04 يوليو 2014

إطلاق سراح الدبلوماسيين التونسيين في ليبيا

أعلن رئيس الحكومة التونسية المؤقتة السيد مهدي جمعة مساء يوم الأحد 29 يونيو الماضي عن إطلاق سراح الدبلوماسيين التونسيين اللذين اختطفا في وقت سابق، وهما: المستشار القانوني بالسفارة التونسية في طرابلس العروسي القنطاسي، والموظف في السفارة محمد بن الشيخ. ويعود الفضل لإطلاق سراح الدبلوماسيين التونسيين إلى الجهود التي بذلتها السلطات التونسية بالتنسيق مع السلطات الليبية، حسب تصريح رئيس الدبلوماسية التونسية السيد منجي حامدي، الذي رفض إعطاء أي معلومات حول ظروف إطلاق المخطوفين، مؤكداً أن أي فدية لم تعط، وبأن المفاوضات جرت على قاعدة المبادئ الثلاثة التالية: "حفظ أمن المخطوفين، والمحافظة على هيبة الدولة، ورفض التفاوض تحت الضغط". وأضاف الوزير التونسي، بأن المفاوضين الذين تعاملنا معهم، هم السلطات الليبية، ولم نعرف من هم الخاطفون، ولا ماذا يريدون؟ وكانت مجموعة ليبية تطلق على نفسها "كتيبة الشباب التوحيدي" وراء اختطاف الدبلوماسيين التونسيين، في شهر أبريل الماضي، وهي كتيبة خطيرة حسب رأي المحللين الملمين بالشأن الليبي، تضم العديد من الجنسيات ولها فروع في كل من ليبيا وتونس ومصر ولبنان، والعديد من البلدان العربية، وهي متفرعة من تنظيم "أنصار الشريعة" المتشدد المرتبط بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، فقامت بخطف السفير الأردني في ليبيا فواز العيطان، في 15 أبريل الماضي في العاصمة الليبية طرابلس. وقبل الأردن كانت مصر هدفاً للسيناريو نفسه، إذ جرى اقتحام السفارة المصرية في يناير 2014 واقتياد السفير المصري مع أربعة دبلوماسيين آخرين مختطفين إلى جهة مجهولة، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد رضوخ مصر لمطالب الميليشيات بإطلاق القيادي الإخواني الليبي شعبان هدية الملقب بـ"أبو عبيدة الزاوي" وهو قائد ميليشيا تدعى كتائب ثوار طرابلس، واعتقل في مصر بجريمة تفجير مبنى مديرية أمن القاهرة في يناير الماضي. لمصر طبعاً الحصة الأكبر من إرهاب الميليشيات الليبية المنخرطة في زعزعة استقرارها، لكن الموضوع لم يعد مقتصرا على مصر لوحدها، بل إن فائض الإرهاب في ليبيا خرج عن السيطرة وبدأت سيوله تتسع وتصبح أكثر قوة في ضرب دول الجوار، لاسيَّما تونس والجزائر.. ولكن هل يكفي- للنجاة- حصر الإرهاب داخل الحدود الليبية، ولماذا إبعاد ليبيا عن جهود مكافحة الإرهاب وهي التي باتت المقر والمصدر له، هل يعني ذلك ترك ليبيا لمصيرها.. رغم أن السلطات التونسية، نفت دفع فدية للمختطفين، فإن الاعتقاد السائد في تونس، أن كتيبة "درعة" هي من تقف وراء عملية الاختطاف للدبلوماسيين التونسيين، لاسيَّما أنها كانت سبباً في غلق المعبر الحدودي لرأس جدير بين تونس وليبيا، وهي تنفذ عملية الاختطاف بهدف الحصول على مبالغ مالية ضخمة، وعمليات ابتزاز، إذ غنمت من عمليات اختطاف سابقة حوالي 2 مليون دينار ليبي.وحول طلبات الكتيبة التي شاركت في عملية الاختطاف، فإنها كانت تطالب السلطات التونسية، بإطلاق سراح السجينين الليبيين المتورطين في عملية الروحية الإرهابية بتونس، وهما: حافظ الضبع المكنى بأبو أيوب، وعماد اللواش المكنى بأبو جعفر الليبي، إلى جانب المطالبة ببعض الليبيين من الإرهابيين الذين نشطوا بجبل الشعانبي، وأسهموا في بعض العمليات الإرهابية، وهو حاليا قيد السجون التونسية.ولم تستبعد السلطات التونسية أن يكون وراء عملية اختطاف الدبلوماسيين التونسيين الإرهابي التونسي رقم واحد أبو عياض زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" التونسي المصنف منذ شهر أغسطس 2013، تنظيما إرهابياً.لا شك أن ليبيا تمر بمرحلة انتقالية صعبة، بعد أن ورثت مؤسسات دولة ضعيفة وفي ظل غياب الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وفشل المجلس الوطني الانتقالي، والحكومة الليبية الحالية في كبح جماح الميليشيات المنتشرة في كامل التراب الليبي، والتي تمارس عمليات النهب المنظمة لثروة الشعب الليبي من نفط وغيره، واختطاف الدبلوماسيين العرب، وهذا ما جعل الشعب الليبي يعيش مع تركة قاسية جداً. وتُعدّ الميليشيات الخارجة عن القانون التحدي الأكبر في ليبيا ما بعد القذافي، لاسيَّما بعد أن عجز المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الليبية عن إعادة دمج المقاتلين المسلّحين في صفوف الجيش الليبي، إذ كانت نتائج هذا التوجه محدودة للغاية، وواجه صعوبات كثيرة. ففي ظل فشل الحكومة في احتواء الميليشيات، تتجه ليبيا نحو الحرب الأهلية، لاسيَّما أن زعماء الميليشيات رفضوا تسليم أسلحتهم من منطلق أنهم لا يثقون في القادة الجدد، وفيما يمكنهم تحقيقه من مكتسبات في حال تجردوا من أسلحتهم. وحسب رواية البنتاجون، فإن ليبيا تحولت إلى "مغناطيس" للإرهابيين، هذا ما قاله ديريك شالوت مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي في شهادة أمام الكونجرس الأمريكي، بأنه من الواضح أن ليبيا تحولت إلى نقطة جذب للمتطرفين، وأن الجماعات الإرهابية تذهب حاليا إلى هناك. وقال مسؤولون في الإدارة الأمريكية أدلوا بشهادتهم أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب إن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 100 مليون دولار على مساعدات ليبيا ولكنها تواجه صعوبة في إعادة بناء البلاد بسبب عدم وجود الأمن للشخصيات الأمريكية العاملة هناك.واتهم مشرعون أمريكيون على الفور الإدارة الأمريكية بالإهمال وقال النائب اد رويس رئيس اللجنة بأن الجماعات الإرهابية كما هو واضح من إفادات البنتاجون تتخذ ليبيا كساحة تدريب، في حين تنزلق البلاد إلى حالة من الفوضى، مؤكداً بأن نقص الاهتمام من قبل القيادة الأمريكية للسماح لليبيا بالمرور في المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية قد أدى إلى عدم إنجاز المهمة كما ينبغي. وقال النائب ستيف شابوت إن الوضع الليبي يحتل مرتبة عالية جدا في لائحة الخيبة الأميركية. وقد حققت الجماعات المتطرفة أكبر نجاح لها في ليبيا عندما اقتحمت القنصلية الأمريكية في بنغازي ووحدة المخابرات الأمريكية المركزية وقتلت أربعة من بينهم السفير الأمريكي كريس ستيفنز في الحادي عشر من سبتمبر عام 2012. وتسعى وزارة الدفاع الأمريكية إلى تعزيز الأمن في ليبيا عبر تدريب 8 آلاف من قوات الأمن العامة ولكن القيادة المركزية الأمريكية لإفريقيا لم تبدأ بعد في إنجاز هذه المهمة. وقال ديريك شالوت بأن العمل تباطأ نظرا لعدم القدرة على تحديد الليبيين الذين سيتم تدريبهم، فضلاً عن عدم وجود مكان آمن للتدريبات.وأوضح شالوت أن الخطة الأمريكية لتدريب قوات ليبية ستمتد إلى 8 سنوات وبكلفة تزيد على 600 مليون دولار ولكن الحكومة الليبية لم تبدأ بعد في دفع تكاليف التدريب في حين أعربت عدة دول أوروبية، خاصة إيطاليا، عن استعدادها لدفع التكاليف من جيوبها الخاصة وذلك لخوفها من تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين على أراضيها. وأضاف المسؤول الأمني الأمريكي أن إيطاليا بالذات تراقب حركة تدفق هجرة هائلة تخرج من ليبيا وهي قلقة من وجود خلايا متطرفة بين المهاجرين. وقال آن باترسون مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بأن هنالك مخاوف من أن بعض مخزونات أسلحة القذافي والتي تشمل صواريخ أرض ـ جو قد رحلت بطريقة ما إلى سوريا وغيرها من البلدان، مضيفا بأن انتقال ليبيا لتشكيل حكومة ديمقراطية يتطلب مشاركة مكثفة من قبل الولايات المتحدة لسنوات عديدة. ويتخوف المجتمع التونسي، ومعه المجتمعات المغاربية، وكذلك المجتمع الدولي من الوضع الأمني الداخلي في ليبيا الذي تهيمن فيه الميليشيات القبلية والإسلامية، بل يذهب خوفه الأكبر إلى الأسلحة والمتفجرات المنتشرة على الأراضي الليبية والتي يتم تهريبها إلى تونس، والجزائر، عبر دول الجوار من تشاد إلى مالي والنيجر ونيجيريا وغيرها.والمشكلة الحالية التي باتت تقلق الشعب التونسي، تكمن في إمكانية وصول الأسلحة المهرّبة من ليبيا إلى مجموعات إرهابية، مثل تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يقوده أبو عياض التونسي، المرتبط عضويا بتنظيم "القاعدة والمغرب الإسلامي" و"بوكو حرام" النيجيرية، وغيرها من التنظيمات الإجرامية.

613

| 02 يوليو 2014

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4602

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3402

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

1440

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1119

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

768

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

750

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

633

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

633

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

624

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية