رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تواجه إيطاليا، الدولة الأوروبية الواقعة في الجنوب الأوروبي والمطلة على البحر المتوسط، بمفردها تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين في أغلب الأحيان من بلدن إفريقية وعربية شرق أوسطية ومغاربية، في محاولة منهم للوصول عبر قوارب قديمة وهشة إلى السواحل الإيطالية، ومنها ينطلقون إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. وكانت إيطاليا أطلقت في أكتوبر 2013، بعد أيام على مصرع أكثر من 360 مهاجرا غرقا، عملية "ماري نوستروم" في محاولة لإنقاذ المهاجرين الذين يبحرون من سواحل ليبيا على مراكب بدائية.
وخلال ثمانية أشهر ونيف، أنقذت البحرية الإيطالية 73 ألفا و686 شخصاً، أي ما معدله 270 شخصا يومياً. وقد انتشلت البحرية الإيطالية وحدها نحو خمسين ألف مهاجر جاءوا خصوصاً من سوريا وبلدان في جنوب الصحراء الإفريقية. ومعظم هؤلاء المهاجرين من الرجال، لكن عشرة بالمئة منهم نساء وبينهم أكثر من ستة آلاف طفل. وقد أرسلهم ذووهم لعدم امتلاكهم المال أو أنهم فقدوا أفراد الأسرة الآخرين خلال الرحلة. ومنذ بداية العام 2014، تضاعف عدد اللاجئين الذين يصلون إلى السواحل الإيطالية قادمين من الشواطئ الجنوبية للمتوسط، لاسيَّما من الساحل الليبي، إذ بلغ 66 ألف لاجئ حتى الآن مقابل 43 ألفا للعام 2013 بأكمله.
في مركز قيادة عمليات "ماري نوستروم" (الاسم الذي أطلقه الرومان على البحر المتوسط) في شمال روما، قال رئيس أركان هذه العمليات ميشال سابونارو: مواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، تكلف البحرية وحدها "بين ستة وثمانية أو تسعة ملايين يورو شهرياً".
ومنذ إطلاق هذه العمليات تمت مصادرة أربعة مراكب واعتقال أكثر من 300 مهرب للاجئين،. وقد تراجع عدد الواصلين من مصر خصوصا، لأن السفن الكبيرة التي تستخدم للاقتراب من السواحل الإيطالية يتم رصدها واعتراضها بسرعة، لكن نشاط المهربين تزايد انطلاقا من ليبيا.
وعبر القادة السياسيون الإيطاليون عن استيائهم من نقص التعاون من جانب بلدان الاتحاد الأوروبي لمواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، فقد عبر رئيس الحكومة الإيطالية ماتيو رينزي في بداية مهامه في الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، الجمعة الماضي، عن أمله في أن تتمكن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من القدوم إلى إيطاليا بسرعة لمساعدة الحكومة الجديدة على إدارة تدفق اللاجئين. وقال إن "توسط ليس بحر إيطاليا بل حدود في قلب أوروبا. نحتاج إلى سياسة أوروبية". وأكد الأميرال سابونارو أن "ماري نوستروم عملية إنسانية، لكنها لا تقتصر على هذا الجانب فقط، إذ إنها تسمح بتعزيز أمن البحر المتوسط بأكمله". وأضاف: "نتحمل عبء ذلك من أجل خير أوروبا بأكملها". وكان رئيس أركان القوات الإيطالية صرح الخميس الماضي أن تزايد تدفق المهاجرين واللاجئين إلى ساحل إيطاليا ليس ناجماً عن إخفاق عملية "ماري نوستروم"، بل عن تفاقم الأزمات في الشرق الأوسط، ففي سوريا تفاقم الوضع وفي العراق هناك تقدم للقوى الأصولية.
وأكد من جديد نجاح أحزاب اليمين المتطرف والحركات الشعبيوية في الانتخابات الأوروبية التي جرت في يونيو 2014، لاسيَّما في فرنسا، على ضرورة الإسراع بتطبيق وسائل للحدّ من سياسة الهجرة واللجوء على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث كانت أهميتها معترفاً بها منذ سنوات، فالمهاجرون من خارج أوروبا لا يتجاوزون 13 مليون نسمة، أي 3.5% من سكان الاتحاد الأوروبي. وقد ازداد عدد المهاجرين إلى النصف خلال خمس عشرة سنة، لاسيَّما بسبب التدفق الهائل للمهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية ودول البلقان بعد سقوط جدار برلين عام 1989، والحرب في يوغوسلافيا، لكن وزن هؤلاء المهاجرين يظل أقل من 6.6% من الأجانب الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية.
غير أن المشكل الذي يواجه الاتحاد الأوروبي الآن هو تزايد الهجرة السرية أو غير الشرعية، التي أصبحت تحتل حيزاً كبيراً في مناقشات رؤساء الدول والحكومات الأوروبية، الذين ركزوا في تصريحاتهم المختلفة على ضرورة مكافحة الشبكات السرية، وتعزيز مراقبة الحدود، فقد شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وصعود اليمين المتطرف والعنصري في أوروبا، وإرادة القيادات الأوروبية لتقديم أجوبة عن هذا "الانزعاج" الذي أظهرته صناديق الاقتراع، مجموعة من العوامل التي تفسر لنا هذا النقاش الأوروبي المحتدم حول الهجرة، ففي بريطانيا يدخل كل يوم بطريقة غير شرعية 137 مهاجراً جديداً، ويختفي في الطبيعة، ومنذ ثلاث سنوات يوجد في بريطانيا 150000 مهاجر سري يعملون في السوق السوداء، بمساعدة أهاليهم، وتستقبل بريطانيا على أراضيها ما يقارب مليون مهاجر غير شرعي، واستقبلت السلطات البريطانية خلال عام 2001، 71700 طالب للجوء، وتعتبر بريطانيا البلد الأوروبي المفضل للمهاجرين، ذلك أن طالبي اللجوء يسمح لهم بالعمل خلال الستة أشهر، في انتظار البت في ملفاتهم، ويأتي هؤلاء في معظمهم من أفغانستان، والعراق، والصومال، وسيرلانكا.
وكانت إيطاليا قد كلفت عقب قمة لايتكين في ديسمبر 2001، بدراسة حول إنشاء بوليس أوروبي لمراقبة حدود الاتحاد، وهي فكرة قديمة أطلقتها كل من روما وبرلين، ولكنها تبنتها اليوم معظم عواصم الاتحاد الأوروبي وهكذا اتفقت بلدان الاتحاد الأوروبي على الوسائل البوليسية والقمعية لوضع حد لوصول المهاجرين غير الشرعيين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لأوروبا التي يكمن آفاقها في التوسع شرقا، وحيث سكانها تعاني من الشيخوخة، أن تبلور سياستها المشتركة للاستقبال والاندماج لأولئك المهاجرين الذين تجلبهم، والذين تحتاجهما أسواقها للعمل؟
لأن الضرورة هي التي تسنُ القوانين، فقد كان أرباب العمل الإيطاليون المبادرين الأوائل صيف 2004 في طرح النقاش الذي قاد إيطاليا إلى مراجعة قوانينها بشأن الهجرة. وفي الوقت الذي تتوافد فيه المراكب التي تحمل أعدادا غفيرة يوميا من الرجال والنساء والشباب إلى سواحل جزيرة لامبيدوزا في جنوب جزيرة صقلية، الهاربين من النزاعات المسلحة، والفقر والمجاعات في إفريقيا، تدخل رئيس أرباب العمل الإيطاليين لوكا دي مونتيزيمولو، ليذكر، "أن الهجرة هي أيضا ضرورة لإيطاليا". وتذكر رئيسة المؤتمر الدولي والأوروبي للبحث في الهجرة، فانا زينكوني بقولها: "من دون عمال أجانب، سيشل الاقتصاد الإيطالي". وقد مر على لامبيدوزا 6000 مهاجر سري في عام 2002، و6000 في 2003، وأكثر من 8000 خلال سنة 2004 وحتى منتصف سبتمبر 2004.
ويوجد في إيطاليا 2.6 مليون من المهاجرين الشرعيين، ويمثلون 6% تقريبا من السكان العاملين، ويسهمون ما بين 3.8% و6% في الناتج المحلي الإجمالي، حسب المصادر الإيطالية.
ولا يتعدى معدل البطالة في صفوفهم 4%، بينما المعدل الوطني يتجاوز 8%، وهناك تقاعد من أصل 80 مدفوعا من قبل عامل مهاجر، حسب تقرير أهم نقابة في إيطاليا (CGIL). وفضلا عن تسوية الوضع القانوني لـ690000 مهاجر سري في عام 2003، يقومون بالأعمال التي لا تتطلب كفاءة والصعبة التي يرفض العمال الإيطاليون القيام بها، فإن هذه اليد العاملة لا تغطي الحاجات الضرورية.
إيطاليا، بلد هجرة بامتياز تاريخيا، وهي تريد الاستفادة من تجارب البلدان الأوروبية الأخرى، كي لا تقع في الأخطاء عينها التي وقع فيها الأوروبيون. وبسبب معدل الولادات الذي يعتبر الأضعف في أوروبا، وشيخوخة سكانها العاملين، ازدادت حاجة إيطاليا إلى اليد العاملة الأجنبية بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. وحسب دراسة أعدتها غرفة التجارة الإيطالية، فقد بلغت حاجتها إلى عمال إضافيين 224000 للعام 2003 وحده. وحسب هذه الوتيرة بلغت حاجة إيطاليا إلى اليد العاملة المهاجرة 5 ملايين مهاجرا في حدود سنة 2010، حسب تقديرات أهم نقابة مركزية إيطالية (CGIL). وحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء، فإن عدد سكان إيطاليا لم يزدد في عام 2003، إلا بفضل ولادات أبناء المهاجرين. ولا شك أن تحويلات العمال المهاجرين تسهم في إثراء بلدانهم الأصلية، إذ بلغت قيمة الأموال المحولة إلى عائلاتهم 12.2 مليار يورو في عام 2003، حسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة.
في غزة، ليس ثمة خيارات متاحة بالمعنى المألوف للكلمة، ولا مسارات آمنة يمكن أن يسلكها المرء ليتفادى كلفة... اقرأ المزيد
135
| 06 أكتوبر 2025
يأتي الاحتفال بانتصارات حرب أكتوبر 1973 والعالم العربي يعيش حالة من الإحباطات منذ طوفان الأقصى في السابع من... اقرأ المزيد
141
| 06 أكتوبر 2025
لم تعد ثورة البيانات الضخمة Big Data مجرد انعكاس للتحول الرقمي الذي شهده العالم في العقود الأخيرة، بل... اقرأ المزيد
81
| 06 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4611
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3504
| 29 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
1641
| 05 أكتوبر 2025