رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ أن استلمت حركة النهضة السلطة في تونس، رفعت في وجه المعارضة الليبرالية واليسارية وتكوينات المجتمع المدني الحديث شرعية الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وأنها هي الحركة التي حازت على الشرعية الانتخابية بواسطة الديمقراطية التي عبدت لها الطريق للوصول إلى السلطة. وإذا كانت صناديق الاقتراع منحت حركة النهضة فوزاً كبيراً في الانتخابات، فإنه لا يجوز للإسلاميين أن يعتبروا الديمقراطية بأنها مجرّد صناديق الاقتراع فقط، وبالتالي يسمحون لأنفسهم التبجح بأنهم أصبحوا حائزين على الشرعية المطلقة أو الشرعية المقدسة، وينسون، بالطبع، شرعية الثورة على حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، التي أتاحت لهم السيطرة على مفاتيح السلطة، رغم أن دورهم في الثورة كان هامشياً، بل إنهم ركبوا موجات هذه الثورة. وكان واضحاً منذ بداية الثورة على نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أن هناك قوى ثلاثاً نجح تناغمها في إنهاء عهده: الحركة الشبابية، ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب اليسارية والقومية، والاتحاد العام التونسي للشغل، والجيش. وكان دور الجيش إيجابياً، في انحيازه للشعب رغم دعوات ابن علي إلى التدخل ضد ثورة الشعب، أما دور الإسلاميين، فاتسم بالانتهازية. والحال هذه، كانت الشرعية الثورية في معظمها من نصيب الحركة الشبابية التي لم تكن مؤطرة لا أيديولوجيا ولا سياسياً ولا تنظيمياً، لكن المشكلة كانت عدم التناسب بين قوة الحركة الشبابية الثورية وقوتها الانتخابية، لاسيَّما في ظل ضعف وتشتت أحزاب المعارضة الليبرالية واليسارية. ولكل هذا، فإن آخر من يحق له الحديث عن الشرعية والديمقراطية والانتخابات والصناديق هم إسلاميو حركة النهضة في تونس. ولكن حتى بمقاييس موازين القوى بين مكونات الثورة، فإن الانتخابات التي جرت في 23 أكتوبر2011 التي شكلت أساس الشرعية لحركة النهضة الإسلامية، لاحقا، لم تفز فيها النهضة في وجه معارضيها سوى بنحو 20في المائة، حيث إن 80 في المائة من الشعب التونسي ليسوا مع النهضة، من هنا فإن الحديث عن الشرعية الانتخابية لحركة النهضة في وجه المعارضة الليبرالية واليسارية، وحركة الشبيبة الثورية، والاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمات المجتمع المدني، يفقد الكثير من شرعيته. بالتالي، فإن ما يحدّد الديمقراطية لا يقتصر على صناديق الاقتراع، أو الشرعية الانتخابية فقط، كما تروج لذلك حركة النهضة الإسلامية، بل إنه يقوم بالدرجة الرئيسية على احترام المشاريع والتطلعات الفردية والجماعية التي تقرن بين التأكيد على الحرية الشخصية وبين الحق بالتماهي مع الشعب التونسي، من أجل تحقيق أهداف ثورته: بناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ونصرة القضايا العربية، وفي مقدمتها تحرير الأرض العربية السليبة في فلسطين. لقد كان من الواضح في ذهن الإسلاميين الذين ينتمون لحركة النهضة، أنهم يستغلون لحظة تاريخية لن تتكرر، ليس لإرساء نظام ديمقراطي جديد في تونس باعتباره مطلباً ثورياً، وإنما لبناء دولة إسلامية بالتدرج، بعد أن تكون حركة النهضة قد «تمكنت » من السيطرة على مفاصل الدولة، وضرب القضاء، والإعلام، والصحافة، والاتحاد العام التونسي للشغل، والمنظمات النسائية الديمقراطية، لتعود بعدها إلى تصفية الحساب مع الجيش. بيد أن قبول حركة النهضة الإسلامية لنتائج الانتخابات التي فازت فيها، قد لا يتعدى فهمها الشكلي للديمقراطية بوصفها صناديق الاقتراع، ولم تع جيدّاً أن النظام الديمقراطي الجديد الذي تسعى الثورة التونسية إلى إرسائه هو كل متكامل، وصناديق الاقتراع واحدة من هذا الكل، لكن النظام الديمقراطي الذي يصبو إليه الشعب التونسي هو صيغة الحياة السياسية القائمة على الثقافة الديمقراطية، التي تزود العدد الأكبر من المواطنين بأكبر قسط من الحرّية، وهو الصيغة التي تحمي أوسع تنوع ممكن وتعترف به. لقد واجهت الديمقراطية الناشئة في تونس، تهديداً أولا من قبل سلطة حركة النهضة التي استخدمت نتائج صناديق الاقتراع لفرض إطاحتها بكل الانتماءات المجتمعية والثقافية، قاضية بذلك على الثقافة الديمقراطية التي تحترم الحريات العامة، والشخصية، والتنوع المجتمعي، قاضية بذلك على كل رديف أو عديل لسلطة الإسلاميين. وأصيبت الديمقراطية الناشئة بالانحطاط من خلال ممارسة الإسلاميين الانحراف الديمقراطي الذي يُعرِّفُ بالاستبداد المنتخب أو الانتخابي، عبر اعتقادهم بأنهم يمتلكون الشرعية الانتخابية، وأنهم يشكلون الغالبية المطلقة، وعلى أنهم يمثلون كل «الشعب»، وهم يحكمون باسمه، ويعتبرون المعارضة الليبرالية واليسارية، وتكوينات المجتمع المدني الحديث، والنقابات العمالية، أعداء وهامشيين من غير المواطنين، وأنهم منساقون وراء أفكار أجنبية أو رعاة للغرب. ثم هاجم الإسلاميون الديمقراطية الناشئة على جبهة ثالثة، من قبل نزعة ثقافية أصولية إقصائية تدفع إلى عدم احترام الأقليات السياسية إلى حدّ إلغاء فكرة الأكثرية ذاتها، وإلى حدّ الاختزال لفكرة الديمقراطية إلى شكلية صناديق الاقتراع، والعمل على تعزيز نشأة السلطة الإسلامية البديلة، وصوغ دستور يناسب أو بالأحرى على مقاس حركة النهضة الإسلامية. ولو كانت حركة النهضة الإسلامية راغبة فعلاً في إقامة نظام ديمقراطي ينقلها من مرحلة حركة نزلاء السجون إلى الحركة الشريك في السلطة، أو في المعارضة، كان عليها أن تتبنى برنامج الحد الأدنى للقاء القوى الليبرالية، والثورية، والنقابات العمالية، لتجسيد القطيعة المنهجية مع العنف السياسي، وحل ميلشيات «رابطات الثورة »، والكشف عن الجهة التي اتخذت قرار اغتيال الشهيد شكري بلعيد، والتوجه الصادق نحو صوغ دستور ديمقراطي توافقي، والعمل على إرساء نظام ديمقراطي جديد، ولا يشمل ذلك إطلاقاً أن تكون الجمعية التأسيسية وكراً للإسلاميين، لإعادة إنتاج نظام ديكتاتوري جديد في ثوب إسلامي، وبالتالي تنفيذ مخططاتهم المعادية لتطلعات الشعب التونسي في الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية. هذه التوجهات غير الصادقة من جانب الإسلاميين، وغير المؤمنة بالثقافة الديمقراطية في أبعادها المختلفة، التي تؤكد على الإيمان بالتعددية، والتداول السلمي للسلطة، واحترام الرأي والرأي الآخر المعارض، وتبني وجهات نظر الآخرين، والاستعداد لتقبل الحلول الوسط والتوفيقية، هي التي أوجدت جوّاً من عدم الثقة والشك المتبادل بين حركة النهضة الإسلامية الحاكمة، وأحزاب المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية، الأمر الذي يجعل نتائج عملية التحول الديمقراطي في تونس، محلّ صراع، وعدم قبول من جانب المعارضة ومكونات المجتمع المدني. يستعير إسلاميو حركة النهضة من الديمقراطيات الغربية الراسخة تقديسها للانتخابات، مثلما يستعيرون حزمها مع أي قوة تريد قلب الأوضاع من خارج «اللعبة الديمقراطية». لكنهم يتجاهلون أمرين: المسار التاريخي الذي أدّى إلى هذا «التقديس» للعملية الانتخابية، والقواسم المشتركة للقوى السياسية التي تتداول السلطة فيما بينها، منذ أن استقرت هذه الديمقراطيات. لكن الإسلاميين لم يعوا جيداّ، أنه كل ما لجأوا إلى بناء الدولة الإسلامية وتنكروا لبناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، كلما أدّى هذا اللجوء باسم أيديولوجيا إسلامية ما إلى تعزيز سلطة حركة النهضة، وبالتالي كل ما أدّى إلى القضاء على استقلالية النظام الديمقراطي الوليد وإلى فرض علاقة مباشرة بين سلطة حركة النهضة وأيديولوجيتها الإسلامية الإخوانية، وعلى الأخص على فرض العلاقة بين الدولة التونسية والدين، كل هذا يقضي على الديمقراطية الناشئة. والأمر الذي لا يقبل الجدل هو أنه لا يجوز إطلاق صفة الديمقراطية على حركة النهضة الإسلامية لمجرّد أنها وصلت إلى السلطة بوساطة صناديق الاقتراع، لأنها حوّلت الشرعية الانتخابية إلى قناع لفرض ديكتاتورية دينية جديدة في تونس، مثلما لا يجوز إطلاق صفة الديمقراطية على ستالين "باني النظام التوتاليتاري" لمجرّد أنه كان « ثورياً»، أو على هتلر"باني النظام النازي" لمجرّد أنه فاز في الانتخابات عام 1933. لذلك قبل أن تستقر في تونس الديمقراطية الراسخة، التي تشتمل على قواعد التداول السلمي للسلطة، والفصل الحقيقي بين السلطات، ينبغي أن تظهر المساحة المشتركة بين الإسلاميين من حركة النهضة وباقي أطراف المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية، لجهة الإيمان الحقيقي بصوغ دستور ديمقراطي جديد يليق بالثورة التونسية، والتوجه الحقيقي نحو باء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تلك هي المساحة المشتركة التي يمكن اعتبارها الشرعية الحقيقية للنظام الديمقراطي الجديد الناشئ. وعلى هذا الصعيد، لا يَنْفَع «لإخوان » تونس من حركة النهضة، نَعْتَ المعارضة التونسية بأنها مجرّد قوى متشرذمة وضعيفة تنظيمياً. فهي تمتلك قوة جماهيرية، ونخبوية، غير منظمة، بل إنها تمتلك الشرعية الشعبية، هذا ما أكدته جنازة الشهيد شكري بلعيد. وهذا ما يفسر الاضطراب الذي تلاقيه محاولات النهضة لفرض حكم إسلامي على تونس. أمام حركة النهضة الإسلامية في تونس، اليوم، خياران مكلفان: إما التوجه نحو فرض شرعية إسلامية جديدة على الطريقة الإيرانية، وهذا من باب المحال في واقع تونس، وإما القبول بإقامة دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تجعل خصومهم يقبلون بالاحتكام لصناديق الاقتراع.
1294
| 19 يوليو 2013
ولما أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تمثل وتجسد الاستعمار الجديد، الذي يعمل على فرض أمركة العالم، وتكييف النظام الدولي لمتطلبات العولمة المالية، التي راحت تفرخ استخدام القوة العسكرية المباشرة، كإحدى أدوات السياسة الخارجية الأمريكية من دون تفويض من مجلس الأمن، صممت الولايات المتحدة على تعزيز سيطرتها في القارة الإفريقية. وإزالة أسطورة القوة الاستعمارية الفرنسية. والفرنكوفونية. أثناء هذا الصراع العالمي بين الإنجلوفونية والفرنكوفونية. استهل الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون جولة تاريخية في إفريقيا، التي كانت تمزقها الحروب الأهلية، والعرقية، والفقر والمجاعة، والفوضى والكوارث الطبيعية وبخاصة التصحر والجفاف والتي أصبحت في نظر واشنطن الآن تعتبر أخر الفضاءات العذراء التي يتوجب على المستثمرين الأمريكيين غزوها تحت مظلة الاندماج في الاقتصاد العالمي. شملت زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى القارة الإفريقية ثلاثة بلدان، استهلها يوم 27 يونيو الماضي، بزيارة السنغال التي تنتمي إلى إفريقيا الفرانكوفونية من بين البلدان الثلاثة التي زارها، والسنغال وحدها دون غيرها تعتبر محطة الثقل الفرنسية ولذلك اعتبرت الزيارة رسالة موجهة لفرنسا. في السنغال أشاد الرئيس أوباما بهذا البلد الذي يتمسك بالديمقراطية على رغم انعدام الاستقرار في المنطقة.. أما زيارة جنوب إفريقيا فقد اكتسبت أهمية خاصة بسبب الثقل العالمي للرئيس نيلسون مانديلا كآخر عمالقة هذا القرن، الذي يجسد الشجاعة، وثورة الرجل الأسود المهان ضد العنصرية في نظر الزنوج الأمريكيين، وبسبب أيضاً انتقاداته للسياسة الأمريكية التي تحاول أن تفرض آراءها على الآخرين، ولأن جنوب إفريقيا الدولة المستقرة والمنتصرة على سياسة التفرقة العنصرية والمنتهجة للديمقراطية والتعددية السياسية هي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. ففي مؤتمر صحفي مع نظيره الإفريقي الجنوبي جاكوب زوما، قال أوباما إن "شجاعة نلسون مانديلا كانت مصدر إلهام لي شخصياً وللعالم بأسره". وكانت صحة مانديلا فرضت نفسها على جدول أعمال زيارة أوباما لجنوب إفريقيا، وبينها ملفات اقتصادية، ذلك أن 600 شركة أمريكية تتمركز في جنوب إفريقيا وتوظف نحو 150 ألف شخص. واختتم كلينتون جولته الإفريقية بزيارة تنزانيا، حيث التقى الرئيس جاكايا كيكواتي، وزار محطة أوبونغو الكهربائية، التي تديرها شركة "سيمبيون" التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها. و في تنزانيا دشن الرئيس الأمريكي مشروعاً يسمى "التجارة مع إفريقيا" الذي يركز بداية على تكتل تجاري في شرق القارة الذي يقطنه 130 مليون نسمة، على أن يصار إلى توسيع المشروع لاحقاً. و كان أوباما أعلن في الكاب في جنوب إفريقيا، عن مشروع بقيمة 7 مليارات دولار لتوفير الكهرباء لدول إفريقية جنوب الصحراء، حيث يعيش أكثر من ثلثي سكان جنوب الصحراء من دون كهرباء مثل أكثر من 85 في المئة من سكان المناطق الريفية، استنادا إلى لبيت الأبيض الذي أوضح أن المشروع الذي أطلق عليه اسم "باور أفريكا" سيعتمد على إمكانات الطاقة الهائلة في إفريقيا بما فيها الاحتياط الكبير من النفط والغاز وعلى إمكانات تطوير الطاقة النظيفة: الطاقة الحرارية الأرضية الكهربائية والشمسية وطاقة الرياح. وجاءت زيارة أوباما لدار السلام بعد ثلاثة أشهر من زيارة قام بها الرئيس الصيني تشي جينبينغ للبلاد بعد توليه السلطة.و يرى كثير من الأفارقة في جولة الرئيس الأمريكي في إفريقيا التي شملت ثلاث دول محاولة لمواكبة تحركات الصين.و أنشأت الصين طرقاً ومطارات وغيرها من مشاريع البنية التحتية في إفريقيا، ولكن عليها أن تتجنب بعض الانتقادات في شأن تجفيف القارة من ثرواتها المعدنية لتشغيل قاعدتها الصناعية الضخمة.و تجري تنزانيا محادثات مع الصين في شأن خطط لإنشاء ميناء جديد. في ظل انتشار العولمة الليبرالية، ومع ازدياد سرعة النقل والمواصلات واتساع الأسواق، وإزالة الحواجز أمام انتقال السلع والخدمات والأشخاص والمعلومات والأفكار، أصبحت عدة قوى إفريقية صاعدة ذات علاقات وثيقة بواشنطن، تعتبر النموذج الأميركي مثالاً يحتذى به، خصوصاً مع التقلص المستمر والمتسارع للفضاء الاقتصادي والثقافي ومن ثم السياسي للفرانكوفونية في القارة الإفريقية لمصلحة المجال الأنجلوفوني الذي ترعاه الولايات المتحدة.ان الدخول الأميركي في بقية إفريقيا"المفيدة " يثير العجب عندما ننظر من خلال الخارطة إلى حجمه، ففي الواقع كل هذه الدول من زائير سابقا إلى جمهورية الكونغو وغينيا والغابون والكاميرو والسنغال وإفريقيا الوسطى وأوغندا، وجنوب إفريقيا وتنزانيا...الخ تمثل مصالح اقتصادية وإستراتيجية عظمى..و بمعنى آخر تحولت المنطقة السابقة لنفوذ الفرنك كي تصبح منطقة للدولار. ودخلت السياسة الخارجية الأمريكية في مرحلة جديدة من العلاقات مع القارة الإفريقية، بعد أن ابتعدت أكثرية الدول الإفريقية عن الاقتصاد الموجه شيئا فشيئا، حين كانت الدولة المركزية تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، في الاقتصاد والمجتمع، وتعلن عن الخطط الخمسية الطموحة للتنمية، وهي في كثير من الأحيان تتبنى الاشتراكية ذات الخصوصية الوطنية. ويركز الخطاب الأمريكي الحالي على فشل العقود الأربعة الماضية التي تلت سنوات الاستقلال للبلدان الإفريقية، وعلى فشل مختلف " نماذج" التنمية فيها من الاشتراكية الشخصانية التي طبقها كل من جوليوس نيريري في تنزانيا وكينيث كواندا في زامبيا، التي اتسمت بهيمنة الحزب الواحد، إلى الماركسية اللينينية التي طبقت بشكل مأساوي في إثيوبيا وأنغولا وبينين، وأخيراُ ديمقراطية الحزب الواحد الشمولي في (زائير وكينيا) والرئاسة مدى الحياة في كل من (إفريقيا الوسطى وملاوي). ومن وجهة نظر واشنطن أعطى انهيار النموذج الاشتراكي في أوروبا الشرقية دفعة قوية للإصلاحات السياسية في إفريقيا منذ بداية عقد التسعينات، حيث تبنت عدة أنظمة إفريقية نموذج التعددية السياسية، الذي يندرج ضمن سياق إعادة تأهيل النظم القائمة، لا ضمن آفاق التحرر من نظام الحزب الواحد وبناء ديمقراطية فعلية. ففي عدة بلدان إفريقية جنوبي الصحراء تم تنصيب فئة: "الذئاب الشابة " ممثلة الطبقة السياسية الجديدة الحريصة جداً على الاغتناء بسرعة قبل إقالتها أو الإطاحة بها، والمتلهفة أيضاً " للسلطة من أجل السلطة " أكثر من أسلافها. وبشكل عام، فإن اللعبة السياسية في تلك البلدان ظلت محكومة بأساليب الأنظمة القديمة التي عرفت كيف تجتاز الأزمات السياسية منذ الاستقلال، ولم تعد ترى ضيراً من أن تعلن نفسها ديمقراطية لكي يتطابق خطابها مع الخطاب السياسي الجديد السائد عالمياً ومفرداته حول حقوق الإنسان والديمقراطية. وإذا كان الخطاب الأمريكي يطنب في الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن الولايات المتحدة دعمت طول سنوات الأنظمة الديكتاتورية التي كانت سائدة في القارة الإفريقية، والتي اتسم عهدها بانتشار الفساد في معظم الحكومات، وبغياب القانون، وبتغلب مصالح النخب على مصالح الشعوب. والإدارة الأميركية تغمض عينيها عن أماكن كثيرة تمارس القمع والإكراه، ولكنها معمدة بالمياه الأمريكية، ومحمية بروح البيت الأبيض المقدس، مثل نظام موسوفيني الذي له مفهومه الخاص للديمقراطية، يقوم على تفضيل الحزب الواحد، ويعتبر حزبه هو الحزب الشرعي الوحيد، لأن ما يهمها بالدرجة الأولى هو التجارة، واندماج إفريقيا في دواليب الاقتصاد العالمي. والرئيس أوباما زار إفريقيا متسلحاً بمضاعفة النمو والفرص فيها، بالقانون التجاري الأمريكي الذي أقر في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، والذي يندرج ضمن سياسة الولايات المتحدة الجديدة في إفريقيا والتي تعتمد على المشاركة لا على المساعدة (Trade- -Notaid) وعلى إزالة الحواجز. الجمركية الأمريكية عن صادرات 48 دولة إفريقية تقع في المنطقة ما دون الصحراوية التي زارها أكثر من رئيس أميركي، كما يفتح القارة الإفريقية للاستثمارات الأميركية في الدول التي تتبع الليبرالية الاقتصادية وتخضع لقوانين صندوق النقد الدولي، وذلك بدلاً من سياسة المعونات. لالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، تشكل إفريقيا سوقا غير مستغلة، قوامها 600 إلى 700 مليون مستهلك، لا يصلهم سوى (7%) من صادرات الولايات المتحدة التي لا تتعدى حصة إفريقيا من استيرادها سوى (1%) رغم أن حصة إفريقيا من فرص العمل التي أوجدتها التجارة الخارجية 2 مليون وظيفة لا تتعدى 100 ألف.. كما يؤكد كبار الساسة الأمريكيين أن الموجة الجديدة من الديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان، واقتصاد السوق يجب أن توضع موضع التنفيذ، وعلى الولايات المتحدة أن تلعب دوراً رئيساً في تغيير إفريقيا على الصعد السياسية والاقتصادية والتجارية، باعتبار أن هذا الدور ضروري لتسريع عملية اندماج إفريقيا في الاقتصاد العالمي، ولخدمة مصالح الولايات المتحدة. وهذه السياسة تقوم على تفكيك الدول الإفريقية نفسها، وتسليم مهامها ووظائفها لتتولاها الشركات العملاقة متعدية الجنسيات، أو المؤسسات المالية الدولية التي تتكلم باسم هذه الشركات العملاقة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفي عصر العولمة الرأسمالية الجديدة، يتحدد نجاح أو تهميش الاقتصادات الإفريقية، بالعلاقة التي توجد ما بين التجارة الخارجية والناتج الوطني الخام، وبحجم المنتجات الصناعية من مجموع الصادرات، وبحجم الاستثمارات الأجنبية، والقدرة على وفاء الديون.والحال هذه، فإن » المساعدات « تشكل المقوم الثاني في تشكيل الناتج الوطني الخام في إفريقيا، باستثناء جنوب إفريقيا. وهذه المساعدات تشكل 11%، مقارنة مع 1.2% في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، و0.7% في أسيا، و0.4% في أميركا اللاتينية. وهذه المساعدات التي تمنحها الولايات المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي تمثل في حد ذاتها صناعة استثمارية. لأن المستدينين مطالبون بفتح اعتمادات، يستخدمونها لاستيراد الخيرات الاستهلاكية والخدمات من الدول الرأسمالية الغربية، ومن أجل تنفيذ مشاريع لا تلبي حاجيات التطور المحلية للدول الإفريقية. العديد من القادة الأفارقة تحفظ على سياسة واشنطن التجارية تجاه إفريقيا لأنها لن تحقق ما يقوله الأميركيون من أنها تقوم على أساس المشاركة الفعّالة (Partner not Patron)، في محاولة لإقناع الرئيس الأميركي بأن مبدأ الشراكة التجارية لا ينبغي أن يلغي المعونات أو يكون بديلا لها، إنما مبدأ الشراكة المعزز بالمعونات هو الأساس القديم لتحقيق مبدأ الشراكة.
815
| 12 يوليو 2013
في البلدان التي مرت بمرحلة الانتقال الديمقراطي، وتحقيق العدالة الانتقالية، عادة ما تتوج هذه المرحلة بمصالحة وطنية، تشكل التجاوز التاريخي لحجم الجرائم المرتكبة في هذا البلد العربي أو ذلك. أما في واقع تونس، فإن المصالحة الوطنية لا تزال مطروحة بقوة في ظروف الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد، والتي تستوجب الانتهاء من هذه المرحلة الانتقالية من البناء الديمقراطي المؤسساتي. بيد أن حجم الجرائم المرتكبة في ظل النظام السابق، وعدم إنجاز أهداف الثورة التونسية، لاسيَّما إنجاز دستور ديمقراطي توافقي، وتحقيق العدالة الانتقالية، باتا يشكلان تحديا كبيرا أمام المصالحة الكاملة مع الذات في تونس. من هنا نرى أن تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية في تونس تحتاج إلى توافر عدد من الشروط، أهمها: 1- إن المصالحة الوطنية الحقيقية لا يمكن أن تكون إلا بين طرفين أساسيين هما السلطة القائمة حالياً من جهة والمعارضة ومختلف مكونات المجتمع المدني، وبقايا النظام السابق، من جهة أخرى. وتقتضي تحقيق هذه المصالحة تشكيل لجنة البحث عن الحقيقة متكونة من رجال قانونيين مسؤولين يرشحهم مكونات المجتمع المدني في تونس، إضافة إلى شخصيات من الترويكا الحاكمة التي تتمتع بالنزاهة والاستقامة ومن أنصار بناء دولة الحق والقانون.وعندما يلجأ المجتمع التونسي إلى المصالحة الوطنية، فإنه يريد طي صفحة الماضي الذي أنتج مآسي للجميع من قبل النظام السابق، والتي تمثلت في الاغتيالات السياسية، وعمليات التعذيب للمناضلين السياسيين في مراكز الأجهزة الأمنية والسجون، وعمليات الخطف والتعدي على الكرامة الإنسانية، والانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان. فالبدء بصفحة جديدة في المجتمع التونسي يجب أن يشارك فيها الجميع في عمليّة البناء. فقد عرفت تونس خمسة عقود من الصراعات السياسية والاجتماعية العنيفة، ووقعت عدة انتفاضات شعبية، وشهد البلد أول ثورة سياسية واجتماعية في عصر العولمة الليبرالية، وآن الأوان طيّ صفحة الحروب الداخليّة، والبدء ببناء دولة الحق والقانون على أساس العيش المشترك، بعد أن أذعن الجميع إلى أن حركة الصراع، مهما تطوّرت، فإنّها لا تقبل إلغاء أيّ طرف لآخر، أو حذفه من الدائرة المشتركة. ثم إن مشكلة المصالحة الوطنية في تونس، لا تزال تصطدم بالخطاب السياسي، وغير السياسي، الذي لا يزال سلطويا قمعيا يغلّب مصلحة السلطة والطبقة الحاكمة على مصلحة البلد، وغرائزياً يسحق العقل لمصلحة الغريزة، ومصلحيّاً يغلّف النفعيّة الذاتيّة الحزبية الضيقة بغلاف القيم، ومتكاذباً بصيغ أكثر حضاريّة من الماضي.. 2-إن طي صفحة الماضي لا يعني إلغاءها من ذاكرة الشعب التونسي نهائيّاً وكأنّ شيئاً لم يكن، فيُصبح فيها أبطال القمع وانتهاك حقوق الإنسان وكأنّهم كانوا أبطال البناء، ومرتكبو الجرائم قضاةَ العدل، وناشرو الفساد مصلحي البلاد والعباد.. كلاَّ. إنّ طي صفحة الماضي لا بدّ أن يقوم على الاعتراف بكل حرفٍ ورد فيها، وتقويم كلّ ذلك على أساس القيم التي يُراد البناء عليها للمستقبل. وذلك يعني أن نعترف بالجرائم كما هي التي ارتكبها النظام السابق في حق الشعب التونسي، وكذلك الجرائم التي ارتكبت في ظل حكم النهضة، وبالأوصاف كما كانت، وبالأحداث كما حصلت، من أجل مواجهة الحقيقة، علما أن البحث عن الحقيقة هو السبيل المؤدي إلى العفو الشامل، الذي من المفترض أن ينص عليه دستور ديمقراطي جديد.ولعلّه عند هذه النقطة بالذات، تبرز مشكلة كتابة تاريخٍ موحّد لتونس؛إذ إنّ كتابة التاريخ تقتضي وصفاً لمجرياته، كوقائع حصلت،مما لا أظنّ أحداً يختلف عليها، وإنّما يقع الاختلاف عندما يدخل التقييم،أو التحليل وتحديد المسؤوليات، مما يجعل النظام التونسي يشعر بشيء أنه مستهدف في هذه المحطّة التاريخية أو تلك، الأمر الذي يستدعي من الحكومة التونسية أن تعترف بما كانت قد عملت به من جرائم القمع،وتقدم اعتذارا رسميا لشعبها، وتصرف تعويضات لضحايا ذلك القمع والإرهاب. 3- إن المصالحة الوطنية الحقيقية هي التي تفسح في المجال للعيش المشترك بين السلطة الحاكمة والمعارضات السياسية،الذي يفترض التباين البنيويّ في الخيارات السياسية والأيديولوجية والاقتصادية والمجتمعية،بين النخب الحاكمة والقوى السياسية الطامحة إلى التغيير على قاعدة التداول السلمي للسلطة. وأنّ المطلوب هو المشاركة في الحياة السياسية في البلد، وهذه المشاركة تتطلب من السلطة السياسية القائمة إعادة هيكلة الحقل السياسي، الذي يعكس شعار المصالحة الوطنية. 4- إن إعادة هيكلة المجال السياسي يقود إلى نشوء فاعلين سياسيين جدد يضعون حدا لممارسات الاحتكار السياسي، أي مهام التصور والتقدير والتقرير والتنفيذ التي تشكل جوهر السلطة في مسألتين مترابطتين. مسألة الاعتراف بالتعددية وما تتضمنه من صراع حول البرامج والتوجهات المجتمعية والثقافية، ومسألة التغيير أو مسألة التداول السلمي على السلطة، التي ترتبط بإخراج السياسة من مجال اللامفكر فيه إلى مجال التأمل والشفافية والمسؤولية. وهكذا يعكس مشروع المصالحة الوطنية ولادة حراك سياسي جديد يقود حتماً من خلال ديناميكية الصراع الثنائي بين الحاكم والمحكوم الذي أدرك معنى الحكم ومضمونه، إلى كسر السكون والأحادية القديمة والطويلة اللذين سمحا بإعادة إنتاج السلطة الاحتكارية والانفرادية دون تغيير لعقود طويلة بقدر ما مكنا الطبقة الحاكمة من الجمع في قبضة واحدة بين السلطة السياسية والاقتصادية والرمزية.فهذا الجمع هو الذي مكن النخب الحاكمة من احتكار التعامل بالشأن العمومي وتحويل المجتمع بأكمله إلى مجموعات مصالح اقتصادية ومهنية مستقلة يقف دورها عند الشأن الخاص. وبقدر ما حرمت المجتمع من تكوين رؤية شمولية أو وطنية تعنى بالمصير العام في ما وراء الانقسامات المهنية حكمت عليه بانعدام التأهيل السياسي وجعلت مصير الوحدة المجتمعية معلقاً بين يدي الطبقة- الدولة وحدها. 5- إن المصالحة الوطنية تعني وضع حدٍ ّللاحتكار السياسي من جانب الطبقات الحاكمة، وتجسيد القطيعة مع الأنساق السياسية المغلقة التي أنتجتها الدولة البوليسية السابقة، وهي أنساق مولدة للعنف السياسي الرسمي بحكم طبيعتها ذاتها، إذ تمارس العنف على هذا المجتمع بعد أن أصبح جزءا أساسيا من بقاء النخب الحاكمة في تونس. والأنساق المغلقة لهذه الدولة البوليسية، مغلقة على ذات شمولية وحصرية انتهجت سياسة الحرب على المجتمع، وانتهكت مجاله السياسي، ونظرت إلى السياسة ذاتها على أنها حرب تحكمها قاعدة الولاء لهذا النظام أو ذاك، أو العداوة له، ونفت وطردت المعارضة الإسلامية والقومية والماركسية والليبرالية من دائرة رؤيتها، واعتبرت هذه المعارضة عدوا يجب الإجهاز عليه، وأخذه على حين غرة. والحال هذه لا تعتبر الطبقة التونسية الحاكمة نفسها فئة من بين فئات عديدة أخرى ذات مصالح معينة وإنما تتماهى كلياً مع المجتمع بقدر ما تطابق بين وجودها ووجود الدولة التي تمثل الكل الاجتماعي.فهي تعتبر نفسها ليست حتى الممثلة الشرعية الوحيدة للشعب ولكنها الشعب ذاته ممثلاً بما تجسده هي من القيم الوطنية والاجتماعية والدينية والثقافية. فهي الضامن لوجوده والمؤتمن على مستقبله. ولا يمكن أن تعترف بوجود فريق آخر يعبر عن الشعب أو عن جزء من مصالحه دون أن تضع هذا التماهي المطلق بين الطبقة الحاكمة والشعب والدولة موضع الشك. فوجودها كله نابع من تغييب مفهوم الشعب والطبقات والفئات والمصالح والتيارات المتباينة لصالح فرض هذا المفهوم التطابقي الوهمي للحكم والدولة والشعب وتعميمه. 6- تفترض المصالحة الوطنية أن تفكر حركة النهضة الإسلامية بتسويات تفاوضية بينها وبين المعارضة لمواجهة التحديات والمشكلات الوطنية التي لا يمكن حلها دون اعتراف الأطراف المختلفة بوجود بعضها وبشرعية المطالب التي يرفعها.ويقتضي هذا الأمر من الترويكا الحاكمة أن تعرف السياسة بوصفها نفيا للحرب، والمعنى الذي تنعقد عليه وحدة المجتمع والدولة، ووحدة الحكم والشعب، وحدة السلطة والمعارضة، والتعبير عما هو عام ومشترك بين جميع المواطنين. إن تعريف السياسة بهذا المعنى يحتم على حركة النهضة الإسلامية الاعتراف بإفرادية الواقع ومعقوليته، وانطواء كليته ووحدته الجدلية على التعدد والاختلاف التعارض. والسياسة بما هي مشاركة إيجابية في الشأن العام هي حق من حقوق الإنسان والمواطن. فلامشروعية لأي حزب معارض ولا مشروعية للسلطة القائمة، أو لأي سلطة محتملة إلا بتوافر هذه المواصفات في السياسة وتأسيسها. إن العلاقة بين السلطة والمعارضة في تونس مفهومة فهما جدليا سليما تقر أن قوة المعارضة هي قوة السلطة الفعلية، وأن حق المعارضة نابع من حق السلطة، كما أنها تتطلب وجود مجال سياسي مفتوح تتطابق حدوده مع حدود المجتمع المنفتح.وفي مثل هذا المجال السياسي المشترك الذي ينتجه المجتمع، والذي تتجابه وتتقاطع فيه تيارات واتجــاهات وأحزاب سياسية مختلفة ومتخالفة، تتحقق الوحدة الجدلية للسلطة والمـعارضة على قاعدة التعدد والاختلاف والتعارض، ويتحقق في الوقت عينه الاستقرار السياسي، والتداول السلمي للسلطة، باعتبارهما من أهم المداخل السياسية إلى بناء دولة ديمقراطية فعلية في تونس. 7- إن المصالحة الوطنية تقتضي من حركة النهضة الإسلامية أن تكون لديها رؤية أشمل للديمقراطية تقوم على دمج المعارضة، وتقتضي أيضا تأمين حقوق الإنسان للجميع، أي بناء ديمقراطية شاملة تشترك فيها أحزاب متعددة لا تستبعد المعارضة في جوانب كثيرة من المشاركة السياسية في البرلمان، ومجلس الوزراء، والجيش، وعلى إقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة، الذي يقتضي وجود تعددية سياسية مؤسسة على قيم الحوار، والتنافس، والاعتراف المتبادل.
1030
| 07 يوليو 2013
أقر المجلس الوطني التأسيسي يوم الجمعة 28 يونيو 2013 مبدأ تمرير قانون تحصين الثورة إلى جلسة عامة لمناقشته تمهيدا للتصديق عليه، حيث صوت لصالح هذا القانون 96 نائباً وعارضه 36 نائباً، فيما امتنع 3 نواب عن التصويت. وأثار مشروع القانون الذي كانت حركة النهضة قد تقدّمت به مع شريكها في الحكم «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية»، و«حركة وفاء»، إضافة إلى كتلتي «الكرامة» و«الحرية» و«المستقلين الأحرار»، جدلاً واسعاً منذ الإعلان عنه، كما تسبب في بروز خلافات جدية داخل حركة النهضة. وينص القانون على منع كافة الفاعلين في النظام السابق من الفترة الممتدة من 7 نوفمبر 1987 وإلى غاية 14 يناير 2011 لمدة 7 سنوات، من الترشح لرئاسة الجمهورية أو عضوية المجلس المكلف بالتشريع أو رئاسة مجالس البلدية أو كل مجلس لديه صفة الجماعات العمومية. كما ينص أيضاً على منع كافة الفاعلين في النظام السابق من تولي مناصب في كافة مؤسسات الدولة بدءاً من منصب محافظ البنك المركزي أو مساعد محافظ البنك المركزي أو قنصل أو سفير أو محافظ أو عضو في الهياكل المركزية في الهيئات الدستورية المعتمدة في الدستور الجديد أو رئيس أو عضو في الهياكل المركزية أو الجهوية في الأحزاب السياسية، بدعوى «حماية الثورة التونسية من الالتفاف عليها من الحزب الحاكم السابق». وكان بعض القيادات «النهضوية» قد عبّر عن رفضه القانون المقترح. فقد أعلن عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة، عن رفضه القاطع لهذا القانون، ولم يتردّد في القول إنه «سيزج حركة النهضة في متاهات أيديولوجية وفي العنف». ومن أبرز المعارضين لهذا القانون رئيس الوزراء السابق الأمين العام لـ «النهضة» حمادي الجبالي الذي اعتبر أن قانون العزل السياسي سيضر بحركة «النهضة» أكثر مما سينفعها، متوجهاً بالنصح إلى الكتلة البرلمانية بعدم التصويت على القانون. بصورة إجمالية، هناك إجماع لدى نشطاء حقوق الإنسان، ومكونات المجتمع المدني التونسي، أن العدالة الانتقالية لا يمكن أن تكون عملية تصفية حسابات عمياء أو تجريم جماعي لفئة معينة من المجتمع التونسي لتقديمهم ككبش فداء، ذلك أن حركة النهضة الإسلامية أسهمت في تعطيل مسار العدالة الانتقالية نتيجة نقص الإرادة السياسية عندها، إضافة إلى زيادة التجاذبات السياسية الراجعة بالأساس إلى ظهور مشروع قانون تحصين الثورة، الذي تدافع عنه حركة النهضة بقوة، والذي أصبح قانوناً مُسَّيَساً بامتياز. وكان الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية وجد حلاً أعتقد أنه يمكن أن يمثل حبل النجاة من هذا المأزق الحاد باعتماد فكرة الاعتذار، أي أن يتقدم من يشمله قانون الإقصاء باعتذار رسمي عن المرحلة السابقة وبذلك يمكن شطب اسمه من القائمة ومسامحته سياسياً. ورغم أن هذا الحل محل اختلاف في وجهات النظر بعد أن اعتبره البعض مراوغة وإفراغاً للقانون من محتواه، فإن هناك من يدافع عنه ويعتبره حبلا للخلاص من كل المطبات المتوقعة. ولكن المشكل الذي اعترض فكرة الاعتذار ما تقدمت به العديد من المنظمات الحقوقية الدولية التي اعتبرت أن الاعتذار أخطر من قانون الإقصاء نفسه اعتماداً على عدد من التجارب التي تمت في العديد من البلدان. وخير مثال على ذلك ما تم من ملاحقة للنازيين فرغم اعتماد آلية الاعتذار فإن ذلك لم يمنع من التنكيل بكثير من المستهدفين انطلاقاً من أن الاعتذار يمكن أن يعتبر اعترافاً بالمسؤولية على القيام أو المشاركة في الجرائم القديمة، ويتخذ بذلك وسيلة إثبات ضد كل من يعتذر. وحتى إن التزمت الدولة وصدقت في التزامها، فإن لا شيء يمنع الأفراد أو المنظمات من تتبع من يعتقدون في أنهم ألحقوا بهم ضررا مباشرا أو غير مباشر. وكان الشيخ راشد الغنوشي زعيم «حركة النهضة الإسلامية» التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس أعلن تراجعه عن مبدأ «الاعتذار»، الذي اقترحه في وقت سابق، وعن تمسك حركته بمشروع قانون العزل السياسي الذي يُعرف في تونس باسم قانون «التحصين السياسي للثورة». وقال الغنوشي للصحفيين عقب اجتماعه مع رئيس الحكومة المؤقتة علي لعريض، إن حركة النهضة الإسلامية «سحبت الاقتراح المُتعلق بـ«الاعتذار للشعب» الذي كان تقدم به في وقت سابق مقابل عدم الاستبعاد من الحياة السياسية، وذلك للتقليل من وطأة قانون العزل السياسي المثير للجدل. وقد لاقى مشروع قانون تحصين الثورة معارضة شديدة من أغلب الكتل داخل المجلس الوطني التأسيسي لأسباب عديدة. فهناك من يرى أن العدالة الانتقالية وحدها هي المخوّلة للنظر في الأمر وتحديد المسؤوليات حول من ارتكب تجاوزات خلال مرحلة الديكتاتورية السابقة، وهناك طرف آخر يعتقد أن القضاء هو الإطار الأسلم لتدارس هذا الملف المثير للجدل، لكن هناك رأي صائب يمثله الأستاذ الحقوقي قيس سعيد الذي بيّن أنّ الشعب وحده هو المُخوّل للمعاقبة والحكم على من عمل في النظام السابق عن طريق الانتخابات واقترح أن يكون الانتخاب على الأفراد لا على القائمات حتّى لا يحصل ما حصل في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. وكان أبرز المعارضين لهذا القانون هو السيد الباجي قائد السبسي، مؤسس ورئيس حركة نداء تونس، الذي قال في وقت سابق إن قانون تحصين الثورة وضع على مقاسه، فوصفه بالقانون غير الطبيعي، معتبراً أن تحصين الثورة هو مهمة من قام بها وأن من قام بالثورة هم شباب المناطق المحرومة غير المؤطر، وليس له زعامات سياسية احتج من أجل التشغيل والفقر والحرية وليس من أجل نواقض الوضوء. وقال إن استحقاقات الثورة هي صياغة دستور جديد في مدة لا تتجاوز سنة وهي تنظيم انتخابات نهائية تسمح بالاستقرار في البلاد. مضيفا بسخرية: «لكننا حين نسألهم عن الانتخابات يقولون لنا نهاية هذا العام ثم بداية العام القادم وبعد الظهر وبعد العصر». ووصف الباجي الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمتردي، والأمني بعدم المستقر، مؤكداً أن «مواجهة هذه الحالة التعيسة تتطلب وضع اليد في اليد». وقال رئيس نداء تونس إن عدد التونسيين المعنيين بقانون تحصين الثورة يناهز ستين ألفاً وبالتالي سيسهم القانون في تفكيك المجتمع، مؤكدا أنه كان يأمل في عدم تمرير هذا القانون أملا في العودة إلى الرشد. الذي دفع إلى تسريع مشروع قانون حماية الثورة داخل المجلس الوطني التأسيسي، هو حصول الاستقطاب السياسي الحاد في تونس، بين حركة النهضة وحلفائها من الجماعات السلفية التكفيرية، والمليشيات، وشريكيها في الترويكا الحاكمة، وبين «حزب نداء تونس» الذي أسسه رئيس الحكومة السابق الباجي القائد السبسي، الذي أصبح القوّة الليبرالية الجديدة الصاعدة في المشهد السياسي التونسي، والذي التفت حوله مجموعة من الأحزاب كـ«الحزب الجمهوري» و«المسار الديمقراطي الاجتماعي»، إضافة إلى «الحزب الاشتراكي» و«حزب العمل الوطني الديمقراطي». وشكّلت استطلاعات الرأي الأخيرة التي جعلته في منافسة جدّية لحركة النهضة مصدر إزعاج لـلترويكا الحاكمة. من الصعب جداً، أن تنطلي على الشعب التونسي، والمعارضة الليبرالية واليسارية، أن التصويت على هذا القانون هو في خدمة مصلحة الثورة، ومن أجل قطع الطريق على عودة أزلام النظام السابق وتونس على أبواب أشهر قليلة من الاستحقاق الانتخابي المقبل. المفارقة العجيبة في تونس، أن حركة النهضة الإسلامية هي قوة سياسية محافظة وتدافع عن مصالح الطبقة التجارية التونسية المحافظة التي تضررت من سياسة العولمة الليبرالية المتوحشة، فكيف يمكن والحال هذه أن تجسد خطاباً ثورياً، يخدم مصلحة تحقيق أهداف الثورة الديمقراطية التونسية، لاسيما فيما يتعلق بإنجاز الدستور الديمقراطي الجديد، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، بينما الدستور الجديد لم يقرّ بعد في تونس، والنظام العام لا يزال مهدّداً، والمستثمرون نادرون، والمناطق المحرومة بقيت محرومة. فلا تزال حركة النهضة الإسلامية ترفض الإقرار بفشلها الذريع في ممارسة الحكم، وتدافع على العكس، عن «الشرعيّة» التي منحتها إياها انتخابات 23 أكتوبر 2011، وأوصلتها إلى الحكم، وتندّد بكل منتقديها على أساس أنهم جزء من مؤامرة وسائل الإعلام والخارج و«أعداء الثورة» و«بقايا النظام السابق».
707
| 04 يوليو 2013
لم تشهد دولة قطر ثورة سياسية على غرار بعض البلدان العربية مثل تونس ومصر ، لكنها شهدت ربيعاً عربياً ديمقراطيا ً حقيقياً على طريقتها، من خلال المبادرة الجريئة التي أقدم عليها حضرة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بتخليه عن الحكم لمصلحة نجله سمو الشيخ تميم، يوم الثلاثاء 25 يونيو الجاري. وجاء هذا الانتقال السلس للسلطة في مرحلة تاريخية حساسة جدا تشهدها المنطقة العربية، إضافة إلى ، تنامي الدور المتزايد والمؤثر الذي تلعبه القوة الناعمة في العلاقات الخارجية لدولة قطر علي المستويين الإقليمي والدولي، وذلك في ظل العولمة وثورة المعلومات والاتصالات. لذا، كانت قناة الجزيرة إحدى أهم- إن لم تكن أهم- أدوات القوة الناعمة التي اعتمدت عليها السياسة الخارجية لقطر في تعزيز مكانتها إقليميا ودوليا. ففي عهد حضرة صاحب السمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني،الذي استلم السلطة في عام 1995، تحولت قطر أصغر دولة في منطقة الخليج ، إلى إحدى الدول الخليجية الساعية إلى لعب دور إقليمي مؤثر، إذ حرصت على إيجاد مكان لها على جدول أعمال القوى الدولية والإقليمية ذات الصلة والمصالح في منطقة الشرق الأوسط، وبدأت قطر منذ ذلك التاريخ بنسج شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية من أجل تحقيق ذلك الهدف. فقد تحولت قطر في عهد الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى اسم عالمي ، وهي تنافس حاليا على استضافة الألعاب الاولمبية سنة 2014. ويعتبر المتحف الإسلامي في الدوحة نموذجاً لوضع المال في خدمة الثقافة. وبعد أن كانت خزينة قطر خاوية، حولها الشيخ حمد دولة قطر إلى أكبر مصدر للغاز المسال ، مع ترسانة مالية ضخمة ، إذ بلغ اجمالي ناتجها القومي 189 بليون دولار في العام الجاري، واحتلت المرتبة الاولى عالمياً في معدل دخل الفرد الذي بلغ 102800 دولار العام الماضي، مع نمو اقتصادي بلغت نسبته 6.4 في المئة عام 2013 نزولاً من 16 في المئة عام 2011 وهي النسبة الاعلى في العالم، بعد ان احتلت قطر المرتبة الاولى عالمياً في انتاج وتصدير الغاز الطبيعي. وهذا ما جعل الكاتب الفرنسي المعروف أوليفييه دالاج في كتابه الجديد "قطر، سادة اللعبة الجديدة" يقول : إن الأمير حمد استعمل ترسانته المالية ببراعة لإجبار دول العالم على احترام قطر". لقد ترك تراجع الحضور السياسي العربي الفاعل من جانب الحوامل الإقليمية التقليدية في منطقة الشرق الأوسط فراغاً كبيراً ، سعت كل من القوى الإقليمية الجديدة الصاعدة على غرار تركيا و قطر أن تملأه ، حيث تربط كل من تركيا و قطرعلاقات وطيدة مع حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية. و في هذا السياق يقول أوليفييه دالاج ، إن السياسة الخارجية التي انتهجها الأمير حمد أسهمت في تغيير الخريطة السياسية العربية، من خلال ما يتمتع به من حس استراتيجي، كما يقول دالاج:" لم يتردد في دعم المقاومة ضد إسرائيل ، فكان أن سجل لقطر حضوراً مؤثراً من الجنوب اللبناني إلى قطاع غزة، ثم سارع بجسارة إلى قيادة رياح الربيع العربي، فكان أول من دعم الثورات في تونس و ليبيا و مصر وسوريا". في أول خطاب ألقاه أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يوم الأربعاء 26 يونيو الجاري، وخصص الشيخ تميم قسماً كبيراً من خطابه للاشادة بدور وشكر والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي وصفه بأنه "فارس ترجل في أوج عطائه". وأكد الشيخ تميم رفض الطائفية والمذهبية في العالم العربي، وقال "نحن كمسلمين نحترم التنوع في المذاهب ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها، وكعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي ومذهبي ذلك لأن هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية ويمنع تحديثها وتطورها على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين والمذهب والطائفة". واعتبرالشيخ تميم أن الانقسام الطائفي "يسمح لقوى خارجية بالتدخل بقضايا الدول العربية وتحقيق النفوذ فيها". وأكد الشيخ تميم البالغ من العمر 33 عاماً، أن بلاده "تلتزم التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله لنيل حقوقه المشروعة وتعتبر تحقيقها شرطاً للسلام العادل الذي يشمل الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية التي احتلت في 1967 بما في ذلك القدس الشرقية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية وعودة اللاجئين ولا تسوية من دون سلام عادل". وإذ ذكر بأن قطر "انحازت الى قضايا الشعوب العربية وتطلعاتها للعيش بحرية وكرامة بعيداً عن الفساد والاستبداد"، أكد مستعيداً جملة لأسلافه أن قطر "ستبقى كعبة المضيوم". السؤال الذي يطرحه المحللون الغربيون ، بعد أن أصبح أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (33 عاماً) أصغر حاكم في العالم العربي، هل سيواصل النهج الذي وضعه والده . يجمع المراقبون المتابعون للشؤون القطرية ، أن الشيخ تميم الذي يتقن اللغتين الفرنسية و الإنجليزية ، سيواصل السياسية الخارجية عينها لوالده ، و إن بنوع من الاجتهاد الشخصي الذي يحافظ على الاستمرارية ، معتمدا في ذلك ، أولاً ، على القوة/الناعمة، ومستغلا القدرات الاقتصادية والمالية لدولة قطر، و استخدامها في النشاط الديبلوماسي لتعظيم مصالح قطر وتأثيرها في بلدان ومناطق كانت تقع تحت نفوذ منافسيها في السابق، وتنشيط دور قطر في لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية، والمشاركة بدور ريادي في المؤسسات الدولية، معتمداً على الإرث الذي تركه له والده في هذا المجال ، حيث نجحت قطر عام 2008 في التوسط لإبرام "اتفاق الدوحة»"لإنهاء الأزمة السياسية في لبنان. وفي عام 2010، توسطت من أجل وقف إطلاق النار في السودان بين حكومة الخرطوم ومتمردي دارفور، الأمر الذي عزز من سمعتها كوسيط . أما النوع الثاني، فهو الدبلوماسية العامة من خلال الإعلام، حيث قدمت الجزيرة نفسها على أنها صوت الشعوب والمنبر المفتوح لكل من لا صوت له.
508
| 29 يونيو 2013
ليس ما ينقصنا في تونس هو الإسلام، بل المنطق والمعرفة والثقافة بأمور الإسلام، والأخلاق وجداناً وتعاملاً، لأن الإسلام الحقيقي هو الذي يحترم ويثمن بالأساس المنطق والمعرفة والثقافة والأخلاق. وما يجري الآن في تونس، هو الوجه القاتم «للربيع العربي» الذي بطبيعته السلمية في كل من تونس، ومصر، أضرّ بـ«القاعدة» وحلفائها على الصعيد الأيديولوجي، لأن الثورات الديمقراطية العربية رسمت معالم طريق مختلفة عن تلك التي وضع أسسها سيد قطب، وتبعه عبد السلام فرج، ثم الظواهري وغيرهم. فالثورات تؤكد أهمية النزوع السلمي، والدولة المدنية، والانفتاح على العالم، وهي طرق مناقضة، بل معاكسة تماما، لرهانات القاعدة أيديولوجيا وسياسيا. وهكذا، وعلى نقيض الإسلاميين المعتدلين الذين يسعون إلى تكييف الإسلام مع ما هو عصري، ومزج التعاليم الإسلامية مع حركات الإصلاح، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، تسعى التيارات السلفية الجهادية التكفيرية في تونس على نقيض الليبراليين الإسلاميين أو الإصلاحيين، إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، وعدم القبول بالحكم الديمقراطي بديلا عنها، موضحين الفوارق بين الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية. وعندما انطلقت الثورات الديمقراطية في البلدان العربية (تونس، مصر، ليبيا، اليمن، سورية)، وتحولت في سيرورة ارتقائها إلى ثورات الشعوب العربية بأكملها بجميع أطيافها ومكوناتها، رجالا ونساء، مدنيين وعسكريين ورجال أمن، توحدوا مع الثوار وطوروا مطالبهم، بات معظم المحللين العرب يعتقدون أن تحقيق ثورات ديمقراطية فعلية في هذه البلدان العربية، هي التي تقوض بصورة حقيقية معاقل تنظيم «القاعدة»، الذي أصبح الخاسر الأكبر من التغيرات الجارية في العالم العربي، إذ إن النائب السابق لزعيم تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري (الذي أصبح منذ فترة قصيرة الزعيم الأول لتنظيم القاعدة) حذر الشعوب العربية بعد انتصار الثورات الديمقراطية التونسية والمصرية التي كانت ذات طبيعة علمانية إلى حد كبير، من أنهم يخرجون عن الإسلام، واصفاً الديمقراطية بأنها «لا يمكن سوى أن تكون غير دينية». وتشير التقارير السياسية الصادرة في تونس خلال الفترة الأخيرة إلى أن المئات من الشبان التونسيين الناشطين حالياً في صفوف الجماعات الجهادية المسلحة سبق لهم أن تدربوا على السلاح وتكتيكات القتال داخل معسكرات على الأراضي التونسية. غير أن الجماعات الإرهابية المختبئة في الوقت الحاضر بجبل الشعانبي وجبال الكاف وجندوبة هم من الجماعات الجهادية التي كانت متواجدة بمالي وفرّت من الحرب هناك ويقدر عددهم بأكثر من 40 شخصا. وكانت مصادر أمنية تونسية حذرت في أكثر من مناسبة من وجود معسكرات لإرهابيين داخل الأراضي التونسية، غير أن وزارة الداخلية التي كان يتولاها السيد علي العريض القيادي في حركة النهضة الإسلامية قللت من أهمية تلك التحذيرات، ووصفتها بأنها مبالغة ولا تستند إلى وقائع جدية، فيما رأى المحللون التونسيون أن هذه الجماعات استفادت من مناخ الحرية السائد في تونس بعد الثورة، وأيضاً من هشاشة الوضع الأمني، لتجند الشباب وترسله إلى سورية ومالي دون ضغوطات كبيرة. ويجمع المحللون التونسيون المتابعون لنشاط الجماعات السلفية الجهادية في تونس، أن ظاهرة الجهاد ازدادت قوة في تونس، لاسيَّما في ظل الانفلات الأمني، وغياب هيبة الدولة التونسية، وغياب إستراتيجية سياسية من جانب حركة النهضة الحاكمة حاليا في تونس، من أجل مواجهة التيارات السلفية الجهادية التكفيرية.. ويدل على انتشار وتنامي ظاهرة الجهاد في البلاد، هو توجه العديد من الشباب التونسيين المنضوين في الجماعات السلفية التكفيرية إلى القتال في دول عديدة، منها سورية، ومالي، والجزائر، علماً بأن " القاعدة "تسعى إلى أن تجعل من تونس أرضاً للتدريب وتصدير الجهاديين، وملاذاً آمناً لنشاطها الإرهابي.
451
| 21 مايو 2013
تعتبر باكستان الابن المريض في جنوب غرب آسيا، بسبب الأزمات التي تعاني منها البلاد منذ نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، وحتى الآن، وتحول البلاد إلى ماكينة لتصنيع الجهاد في ظل رعاية السلطات الرسمية ذات الألعاب الخفية. ورغم ندرة الأخبار الجيدة القادمة من باكستان، بسبب احتداد الصراع الطائفي، والمواجهة العنيفة بين الجيش وحركة طالبان الباكستانية خلال السنوات القليلة الماضية، فإن هذا البلد أظهر للعالم مؤخرا قدرته على إنتاج ديمقراطية. ففي الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي اعتبرت "تاريخية" توجه ملايين الباكستانيين بقوة إلى صناديق الاقتراع يوم 11مايو الجاري، في اختبار تاريخي للديمقراطية. ومن شأن هذه الانتخابات التي يحق لنحو 86 مليون ناخب التصويت فيها أن تثمر عن أول انتقال للسلطة بين حكومتين مدنيتين في بلد يحكمه الجيش لأكثر من نصف تاريخه المضطرب. وكانت حركة طالبان قامت بعدة هجمات دموية أسفرت عن مقتل 130 شخصاً خلال شهر، لمنع حصول هذه الانتخابات، واصفة الديمقراطية بأنها"نظام للكفار". ومع ذلك، فقد انتصرت الرغبة العارمة في التغيير لدى الشعب الباكستاني على دعوات "طالبان باكستان" بمقاطعة الانتخابات البرلمانية، بعدما أدلى نحو ستين في المائة من الناخبين بأصواتهم في الانتخابات. وتعتبر هذه النسبة الأكبر من نوعها منذ عام 1970، إذ لم تتجاوز النسب في الانتخابات السابقة الثلاثين في المائة في أفضل الأحوال. وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في 2004 هي 44 في المائة. ويجمع المراقبون أن الانتخابات الباكستانية جرت في أجواء ديمقراطية نزيهة ومحايدة، رغم بعض التجاوزات في عدد من الدوائر، وهو أمر طبيعي، ولعب الجيش الباكستاني بالتعاون مع الأجهزة الأمنية دورا ً محايداً في العمل على السير الحسن لهذه الانتخابات، الأمر الذي عزز ثقة المواطن الباكستاني بالجيش وحرصه على أمن وسلامة البلاد والتزامه بما قاله قائده الجنرال أشفاق برفيز كياني من أنه يرغب في أن تتعمق المسيرة الديمقراطية في البلاد، وأن تسير الانتخابات بشكل سلس، لأن البديل عن هذا هو الديكتاتورية التي يحاول الجميع تجنبها. الفائز الكبير في الانتخابات العامة الباكستانية هو نواز شريف زعيم حزب "الرابطة الإسلامية" (ليبرالي محافظ،وسط يمين) صاحب معامل الفولاذ، المتحدر من النخبة الباكستانية التقليدية، والذي سبق له أن تولى رئاسة الوزراء مرتين في التسعينيات من القرن الماضي. فقد حظي حزب "الرابطة الإسلامية" بزعامة شريف بغالبية في البرلمان الفيديرالي"125 مقعداً من أصل 342 مقعدا في الجمعية الوطنية"، وفي إقليم البنجاب (معقله التقليدي) حيث يتوقع أن يشكل حكومة محلية منفرداً. الفائز الثاني، هو نجم رياضة الكريكت السابق وصاحب الشعبية الكبيرة في باكستان عمران خان، الذي استفاد من صورته كممثل لجيل جديد من السياسيين في الانتخابات اليوم، وقطف ثمار حملته الانتخابية الناشطة بهدف "إحداث ثورة" في البلاد عبر كسر احتكار الأحزاب التقليدية. وكان عمران خان تعرض لسقطة بقوة من ارتفاع عدة أمتار عندما كان يستعد لإلقاء خطاب في مهرجان جماهيري، ونقل إلى المستشفى بسبب جرح في الرأس. ويحظى عمران خان بشعبية كبيرة لدى ملايين الباكستانيين منذ قيادته الفريق الوطني في الكريكت، الرياضة المفضلة في البلاد، حين فاز بلقبه الوحيد ببطولة العالم في عام 1992. ويبلغ خان من العمر 60 سنة. فمن تمثيل غير موجود في البرلمان السابق، حصلت حركة الإنصاف التي يتزعمها عمران خان على 32 مقعداً في البرلمان الفيدرالي. كذلك تصدرت حركته " باكستان تحريك وإنصاف " نتائج انتخابات في برلمان مقاطعة بيشاور. وكان الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، هو حزب الشعب الباكستاني، الذي جاء في المرتبة الثالثة بحصوله على 31 مقعداً في البرلمان الفيدرالي. ويتكون النظام الانتخابي الباكستاني على النحو التالي: يهتار الناخبون 272 مرشحاً لعضوية الجمعية الوطنية، وحتى يحقق الحزب غالبية بسيطة عليه أن يضمن 137 مقعداً. ومع ذلك فإن ما يزيد تعقيد الانتخابات أن هناك 70 مقعداً آخر معظمها مخصص للنساء وأبناء الأقليات غير المسلمة توزع على الأحزاب استناداً إلى أدائها في الدوائر الانتخابية. ومن ثَمَّ فإن الحزب يحتاج إلى 172 مقعدا ليضمن الغالية من بين إجمالي 342 مقعداً. وبما أن حزب الرابطة الإسلامية هو الذي تصدر في قائمة الفائزين في هذه الانتخابات، فإن السيد نواز شريف هو المكلف بتشكيل حكومة ائتلاف، لاسيَّما أن نواز شريف تولى منصب رئيس الوزراء في فترتين (1990-1993) و(1997-1999)، عندما أطاحه انقلاب عسكري بقيادة الجنرال برفيز مشرف. ويعتبر نواز شريف من دعاة الليبرالية الاقتصادية، وهو مسلم معتدل وقريب من الأحزاب الإسلامية المعتدلة. وهو قومي معتدل، وكان يشغل منصب رئيس الوزراء في عام 1998، تاريخ إجراء باكستان أول تجربة نووية ناجحة، ودخولها نادي القوى النووية. إنه أيضاً "بطل قومي" جعل باكستان قوة نووية. وكان رجل الدولة القوي الذي تمتع بالجرأة في إطار الجهود المبذولة من أجل تطبيع العلاقات مع الهند، العدو التاريخي لباكستان. وقد بادر نواز شريف إلى إبداء استعداده لتشكيل حكومة موسعة تضم كل الأحزاب، لحل المشاكل المستعصية مثل انقطاع التيار الكهربائي، والتضخم والبطالة والمديونية والفساد المستشري في أجهزة الدولة، مؤكداً بذلك استفادته من دروس الماضي وحرصه على عدم الاستئثار بالسلطة، وتطبيق شعار التغيير الذي اعتمده في حملته الانتخابية. يواجه نواز شريف أزمتين: الأولى، التمرد المسلح الذي تقوده حركة طالبان الباكستانية. فهو مطالب برسم سياسسته الجديدة إزاء التمرد المسلح الذي تقوده حركة طالبان ضد الجيش، لاسيَّما في المناطق القبلية المحاذية لأفغانستان. فطيلة حملته الانتخابية، كان نواز شريف يكرر في خطبه بأنه منفتح على الحوارمع طالبان من أجل وضع حدٍّ لهذه الحرب التي أصبحت غير شعبية في نظر الشعب الباكستاني، وانتقد غارات الطائرات الأمريكية من دون طيار التي تستهدف الإسلاميين في منطقة القبائل الواقعة شمال غرب باكستان. ولكن شريف لم يوضح كيف سيعتمد إلى ذلك من أجل إرساء السلام من دون إثارة استياء واشنطن كبرى الجهات المانحة. الثانية: الملفات الكبرى التي تنتظره: أفغانستان، والعلاقات مع الهند والولايات المتحدة الأمريكية، وهو مايتطلب منه أن يفرض نفسه على الجيش الباكستاني. وينتظر المراقبون ليرصدوا كيفية تعاطي شريف مع المؤسسة العسكرية التي يعتبرونها «عراباً» لهذه الملفات الشائكة.
432
| 19 مايو 2013
في الديمقراطيات الكلاسيكية الغربية، الحالة الصحية لرئيس الدولة جزء لا يتجزأ من الحق الديمقراطي، الذي يجب على الشعب أن يعرفه بكل تفاصيله، لاسيَّما أن الدولة هناك هي دولة الكل الاجتماعي، لا دولة حزب حاكم، أو عائلة، أو شخص بمفرده، مهما عظمت قدراته. لكن في الحالة الجزائرية الوضع يختلف، إذ أن اعتادت الرئاسة الجزائرية على إحاطة الملف الصحي للرئيس بسرية تامة ومع ذلك، فقد تعرض الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (76 عاماً) لجلطة دماغية "عابرة" يوم 28 أبريل 2013، وأعلن مدير المركز الجزائري للطب الرياضي رشيد بوغربال أن بوتفليقة "لم يتعرض لآثار مستعصية" إثر نوبة إقفارية (جلطة دماغية) "عابرة"، مضيفاً أن "الوظائف الحركية والحسية لم تتأثر"، وأن الجلطة "لم تدم سوى لوقت قصير"، مشيراً إلى أن "الإصابة ليست حادة وتتراجع من دون أن تخلف تأثيرات". وأضاف أن الرئيس يحتاج إلى "إجراء فحوصات إضافية وأن يخضع للراحة لتجاوز التعب الذي سببته له هذه الوعكة" التي رجح أن يكون سببها "تصلب على مستوى الشرايين". وكان الرئيس بوتفليقة نقل على وجه السرعة إلى المشفى العسكري في باريس (فال دو غراس) لاستكمال فحوصات طبية بعد «النوبة الدماغية العابرة»، التي أصيب بها ظهرا، الأمر الذي أحدث ضجيجاً في الجزائر، وطرح العديد من التساؤلات من حيث سرعة الإعلان الرسمي عن مرضه، وقدرته على الاستمرار في مهامه قبل عام واحد فقط من الانتخابات الرئاسية، بعدما قاد البلاد 14 عاماً. لا شك أن خبر مرض الرئيس كان له وقع الصاعقة على الرأي العام الجزائري والطبقة السياسية الحاكمة. فقد صرح الرأي العام الجزائري كعادته في خياله الاجتماعي، كمختلف الشائعات المجنونة:"طالما أذاعوا الخبر، فلابد أن يكون في الأمر خطورة". بينما نجد آخرين يستعيدون الحجة عينها، لكنهم يعكسون النتيجة: "لو كان الأمر فيه خطيرا، لما قتلوا المعلومة كما في السابق عقب مرض هواري بومدين ". لماذا الحديث عن مرض الرئيس عبدالعزيز بونفليقة لأنه مرتبط بقدرة الرئيس على ممارسة السلطة، وبمستقبل الجزائر،لاسيَّما وأن هناك موعدا استحقاقياً انتخابياً رئاسياً في عام 2014. وفي ظل غياب صور تلفزيونية تظهر لنا الرئيس بوتفليقة وهو في حالة نقاهة في باريس، تنتشر الإشاعات الأكثر ذعرا. ويتذكر الجزائريون الأشهر الطويلة من الكتمان التي ضربت على مرض ثم رحيل الرئيس بومدين، في نهاية عام 1978. على المستوى الرسمي، كان الخبر الذي تسوقه السلطات إلى الشعب، أنه في زيارة صداقة إلى الاتحاد السوفيتي.وفي الواقع، كان يتلقى العلاج في الخارج.وفي مثل هذه الحالة يصبح الحذر والشك والريبة أمورا مقبولة.فرجل الشارع يعتقد أن السلطات الجزائرية تخفي عنه بعض الأسرار. والحكومة الفرنسية تتخفى خلف سرية التقرير الطبي لكي تتجنب أسئلة الصحفيين المحرجة. للرئيس بوتفليقة سابقة مرضية، إذ كان يشكو من مرض كلوي مزمن، يتمثل في وجود تجويفات غير سرطانية، يمتد طولها من 1 إلى 10 سنتيمترات. وتعرقل هذه التجويفات العمل الطبيعي للكلي، ويتطلب علاجاً منتظما ًوصارماً. وخضع بوتفليقة نهاية العام 2005 إلى عملية جراحية لعلاج "قرحة أدت إلى نزيف في المعدة" في مستشفى "فال دو غراس"، ووقتها فتح النقاش حول إمكانية إكماله لثلاث سنوات رئاسية من ولايته الثانية والأخيرة، بحسب دستور العام 2006 قبل تعديله. وفي العام 2007، أكد بوتفليقة أنه كان "مريضاً فعلاً"، ولكنه تعافى، وبدأ بالتحضير لتعديل الدستور، خصوصاً المادة التي تُحَّدِدُ الولايات الرئاسية باثنتين، حتى يتمكن من الترشح لولاية ثالثة في العام 2008، وهو ما حصل فعلاً. في خطابه الشهير الذي ألقاه في مدينة سطيف الجزائرية يوم 8 مايو 2012، قال الرئيس بوتفليقة، إن جيله، الجيل الأول الذي قاد حرب التحرير الوطنية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وأنجز الاستقلال الوطني، والذي وُلِدَ بين العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، وهو يمارس السلطة منذ ما يزيد على نصف قرن،عليه أن يقوم بعملية انتقال سلس للسلطة للجيل الثاني الذي وُلِدَ في السّنوات الأخيرة من حرب التّحرير (1954-1962) وبدايات الاستقلال،الأمر الذي فهمه المراقبون بأن الرئيس بوتفليقة لن يترشح لولاية رابعة، علما ً بأن الدستور الذي تم تعديله في عام 2008، يسمح له بذلك.فالانتقال السّلس في الجزائر، يعني انتقال السُّلطة السّياسيّة من الجيل الّذي قاد ثورة التّحرير وأنجز الاستقلالَ الوطنيّ إلى الجيل الثاني، باعتباره جيلاً أحسنُ تعليمًا وأكثرُ مدنيّةً من الجيل الأوّل، على رأي مثقف جزائري. وفي الوقت الذي كانت فيه النخب، والرأي العام، والطبقة السياسية، تتهيأ لعملية انتقال السلطة خلال الاستحقاق الرئاسي المقبل، من خلال عدم ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، تجددت حملة سياسية قادتها أحزاب، وشخصيات سياسية من الصف الأول، تطالب بولاية رابعة للرئيس بوتفليقة. ومن بين القيادات البارزة لهذه الحملة، عمار غول، النجم الصاعد في فضاء السياسة الجزائرية، وهو ينتمي إلى التيار الإسلامي، وهو عضو في كل الحكومات المتتالية التي ترأسها بوتفليقة منذ مجيئه إلى السلطة عام 1999. من وجهة نظر المحللين الملمين بالشأن الجزائري، يعتبر سحب الثقة لبلخادم ضربة موجعة لمستقبله الرئاسي، إذ كان بلخادم يُعِدُّ نفسه لخلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، في حال قرّر بوتفليقة عدم الترشح لولاية رابعة.وترافقت الإطاحة بعبد العزيز بلخادم في شهر فبراير 2013،بعد التنحية "الطوعية" للسيد أحمد أويحي الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، الحزب الثاني الشريك في الأغلبية البرلمانية الحاكمة، في يناير 2013، حيث كانت الأوساط السياسية الجزائرية تطرح الاسمين كمرشحين محتملين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. فالإطاحة بعبد العزيز بلخادم، والتنحي الطوعي لأويحي، لها علاقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2014، حيث يتحدث المحللون الجزائريون بأن هذين الحزبين التوأمين: حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، قد تخليا عن الرئيس بوتفليقة. بشهادة المقربين من الرئيس بوتفليقة، فإن صحته لا تسمح له بممارسة السلطة لفترة طويلة، فحتى عندما يستقبل الرئيس بوتفليقة ضيفاً قادماً إلى الجزائر، سواء أكان رئيس دولة أو مبعوثا خاصا، كان الفريق الرئاسي الملازم دائما له، يأخذه إلى مصحة في سويسرا لكي يستعيد شيئاً من لياقته. وكالعادة، فإن الفريق المرافق لبوتفليقة يتكون من الأخوين المستشارين للرئيس: سعيد وناصر بوتفليقة، والبروفسور المشرف على رئيس الدولة مسعود زيتوني المتخصص في الأورام السرطانية. وتسمح هذه المعالجة في المصحة السويسرية للرئيس بوتفليقة بمواجهة المجهودات الفيزيائية التي يتطلبها النشاط الرئاسي. الرئيس بوتفليقة يقيم معظم أوقاته في منتجع زرالدا السياحي التابع ملكيته للدولة الجزائرية، والواقع على مسافة 70 كيلومترا من العاصمة الجزائرية، وهو نادرا ما ينتقل إلى قصر المواردية الرئاسي، أو جنان المفتي لاستقبال الوفود الأجنبية، إلا عندما تقتضيه الروزنامة ذلك. وينص الدستور الجزائري أن رئيس الغرفة الثانية (الشيوخ)يشغل قصر المرادية في حال وفاة الرئيس أو عائق دائم لرئيس الدولة. بيد أنه في حال مرض رئيس الجمهورية لا يمكن اعتباره عائقا أو حتى أيضا شغورا عن السلطة. ولم يكن تعديل الدستور الجزائري في عام 2008، يستهدف إزالة تحديد الولايات الرئاسية باثنتين فقط، وإنما كان يستهدف أيضاً إحكام الرئيس بوتفليقة قبضته على النظام الرئاسي السائد في الجزائر، من خلال تحجيم صلاحيات رئيس الحكومة. الأمر الذي يتناقض مع الإصلاحات الديمقراطية التي دشنتها الجزائر عقب انتفاضة أكتوبر في عام 1988. ويعتبر بوتفليقة من الناجين من تطاحنات الحرب الباردة.ففي زمن تلك الحرب والاستقلالات الإفريقية، كان العالم الثالث على موعد مع الثورة المسلحة. وكان كينيدي متمترس في البيت الأبيض، وخروتشوف في الكرملين، والجنرال ديغول في قصر الإليزيه. وفي فرنسا بدأ الحديث عن جيسكار ديستان، أما شيراك فقد كان مجهولا. في غضون ذلك، نالت الجزائر استقلالها، وكان الشاب بوتفليقة، بعد أن قضى وقتا قصيرا على رأس وزارة الشباب، والرياضة، والسياحة، استلم وزارة الخارجية لمدة 16 سنة متواصلة، تنقل خلالها بين القدس الشرقية قبل احتلالها، ونيويورك، مرورا ببكين وموسكو، وباريس.لقد كان في كل مكان يدافع عن الجزائر التقدمية في المحافل الدولية، والتي كانت حلم كل الذين يعتقدون حلول غد أفضل للشعوب المضطهدة.وها قد مر أكثر من نصف قرن، والرجل نفسه، الناجي من عهد ولى، يستلم رئاسة الجزائر في عام 1999، ولازال مستمرا في هذا المنصب، بينما نجد زملاءه الجزائريين الثلاثة غيبهم الموت خلال هذه السنة. ورغم أن تاريخه تخللته مرحلة من العبور لصحراء السياسة القاحلة، إلا أن مسيرته، قبل وكما هي بعد 1962، تاريخ استقلال الجزائر،تبنت مقولة الجزائر التي تعانق عصرها.ولأنه رئيس دولة فتية، ومن دون تقاليد ثقافية ديمقراطية، يتغلب السياسي أيضا على التاريخ في هذه الحياة الغنية حيث من الصعب جدا على الحقيقة أن تفرض نفسها. الجزائر تعيش الآن حالة من القلق،والترقب، والانتظار،والخوف من المجهول –المعلوم القادم. وفي معظم الأوساط الشعبية، يقول الجزائريون إن الرئيس بوتفليقة هو الذي جلب لنا السلم بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية الطاحنة.فالفضل في وضع حد للإرهاب، والإتيان بالهواتف الجوالة،وارتفاع أسعار النفط، وهطول الأمطار، يعود إلى بوتفليقة، حسب أقوال عامة الناس الذين يمتلكون حسا سياسيا بسيطا. وحتى داخل السلطة الجزائرية لا يجرؤ أحد على معرفة الحقيقة.. يقول أحد من السرايا:إن رئيس الدولة أنشأ حواجز حوله. فقد ألغى كل الذين لا يمتون إليه بصلة الدم خلال السنوات الماضية. في الوقت الحاضر، هو بين أيدي أخويه:مصطفى، الطبيب، وسعيد، المستشار. والاثنان متواجدان إلى جانبه في باريس، وكذلك أخته.إنهم الوحيدون الذين يعرفون عن مرض الرئيس بوتفليقة، وقد تربوا في ثقافة السرية ولا يبيحون بالسر. ويبدو أن البلاد تعاني الآن من الجمود.فالمؤسسات معطلة.والرئيس بوتفليقة يحتكر السلطات كلها. والنتيجة باتت معروفة: لا يمكن لأحد أن يتخذ قرارا في غيابه. وحسب قول مثقف جزائري، تعيش مؤسسة الرئاسة الجزائرية فراغا سياسيا حقيقيا. ولا يوجد الآن سوى "حارس المعبد "، الجنرال توفيق مديان، رئيس الاستخبارات العسكرية الجزائرية. وهو الشخص الوحيد الذي لم يتم إزاحته من قبل بوتفليقة، بل إنه حافظ على تأثيره عليه.
414
| 11 مايو 2013
من المعروف أن التيار السلفي الجهادي في تونس، يعتبر فصيلاً عنيفاً نظراً لتورطه في أعمال إرهابية منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي، وتحول إلى الفصيل الأكثر راديكالية والأكثر تهديدا للاستقرار السياسي والأمنيّ في البلاد بعد سقوط النظام السابق، وهو ما دفع ببعض الخبراء إلى القول بأن شبح "القاعدة" يخيّم على تونس، لاسيما أمام كمّ السلاح المتدفق من القطر الليبي. ولما كانت حركة النهضة الإسلامية التي استلمت السلطة في تونس عقب انتخابات 23 أكتوبر 2011، من خلال قيادة الائتلاف الحاكم مع حزبين علمانيين، وهما حزبا المؤتمر والتكتل، متحالفة ضمنياً مع الجماعات السلفية المتشددة، ولم تكن جادة في مواجهة العنف الذي تمارسه تلك الجماعات السلفية المتشددة على المجتمع التونسي، وترفض تحديد علاقة التمايز والاختلاف بينها كحركة إسلامية معتدلة وبين التنظيمات السلفية الجهادية، فقد أعطى هذا الأمر انطباعاً لدى العديد من القوى الديمقراطية المحلية، والقوى الإقليمية والدولية أن حركة النهضة وحكومتها المنبثقة عن انتخابات أكتوبر 2011 ليست جادة في تحديد علاقتها بالإسلام المتشدد خصوصاً في علاقتها بالجماعات المسلحة التي تمثله. فحركة النهضة التي تمثل تيار الإسلام السياسي الإخواني القطبي الحاكم في تونس، وتيار السلفية الجهادية المرتبط بتنظيم «القاعدة»، يعتبران غريبين عن الإسلام المالكي الزيتوني السائد في تونس منذ قرون عديدة، والذي يتسم بالرؤية التنويرية والاعتدال والتسامح. قبل أحداث السفارة الأمريكية يوم 14سبتمبر 2012، كانت حركة النهضة تستخدم التيارات السلفية المتشددة كأداة قمع في إطار حربها مع المعارضة الليبرالية واليسارية ومكونات المجتمع المدني الحديث، وكانت تردّ على منتقديها من المعارضة بشأن اتخاذ مواقف أكثر حزما إزاء الممارسات العنيفة للتيارات السلفية المتشددة، بأنها ترفض الأسلوب الأمني في التعامل مع هذه القوى الإسلامية المتشددة، وأنها ترى أن الحوار هو الحل وأن القاعدة والمرجعية الإسلامية المشتركة بين حركة "النهضة" والسلفيين كفيلة بإيجاد حلول وسطية في إشارة إلى أن زعيم حركة "النهضة" - الشيخ راشد الغنوشي بدأ حوارا مع السلفيين، داعيا إياهم إلى العمل في "إطار شرعي". لكن تلويح الداعية السلفي "أبو عياض" ووعيده تجاه وزير الداخلية فضلا عن اعترافه علنا بانتسابه لنهج "القاعدة" وفكر بن لادن، اعتبر مؤشرا على أن هذا التيار السلفي التكفيري يرفض الجلوس إلى طاولة الحوار. وكان موقف "حركة النهضة" من التيار السلفي التكفيري -الذي يضع نفسه منذ البداية خارج طائلة القانون - متسامحا ومتساهلا طيلة السنتين الأخيرتين، ورافعا لشعار «الحوار لاحتوائهم والاستفادة منهم من الناحية الدعوية أو السياسية» مما حدا بالبعض إلى القول أن "النهضة" "متواطئة مع التيار السلفي". ففي تقرير صدر مؤخراً غني جداً بالتحليلات والوثائق، عن التحدّي السلفي في تونس، خلصت مؤسسة "مجموعة الأزمات الدوليّة" (وهي منظمة أبحاث غير حكوميّة) إلى أنّ "حزب النهضة يشهد نزاعات داخليّة جدية. إذ هناك فجوة كبيرة بين مواقف الزعماء السياسيّة التوافقيّة، التي يتمّ الإعلان عنها بانتظام عبر وسائل الإعلام، خصوصا الأجنبيّة، وبين القناعات الراسخة لدى القاعدة الحزبية". وهناك الصراع نفسه مع سائر الأحزاب السياسيّة والدينية: إذ هو «واقع بين نارين، ومحاصرٌ بين احتجاجاتٍ سلفيّة عنيفة أحياناً، ومعارضة علمانيّة تلاحقه على أدنى أخطائه"، وبالتالي على حزب النهضة أن يختار: "فإذا تحوّل إلى مزيدٍ من التبشير الديني، فسوف يثير مخاوف غير الإسلاميين، وإذا ما تصرّف بطريقةٍ سياسيّة وواقعية، فهو سيستعدي قسماً مهمّاً من قاعدته، ويولّد تجاذباً يفيد حركة السلفيين والأحزاب الواقعة على يمينه". وفي الفترة الأخيرة، شهدت تونس تطورا ميدانياً خطيراً تمثل في تبادل قوات الأمن التونسية إطلاق النار مع مجموعة جهادية مسلّحة متحصنة في جبل الشعانبي من ولاية القصرين الحدودية مع الجزائر، حيث تحدثت مصادر أمنية تونسية عن أن "المجموعة تتكون من أكثر من 50 شخصاً من الجهاديين، وبعضهم يحمل جنسيات أجنبية". وأمام خطر تحول تونس إلى ملاذ آمن لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، لا سيما بعد أن كشفت مصادر أمنية وعسكرية تونسية عن وجود "خزانات للماء تحت الأرض ومخازن للسلاح والذخيرة والغذاء، ومتفجرات وألغام وقنابل يدوية وخرائط ووثائق فيها بيانات حول كيفية صنع الألغام الأرضية"، إضافة إلى "هواتف خلوية فيها أرقام هواتف من خارج تونس"، مما يؤكّد أن المسلحين كانوا بصدد تحويل المنطقة إلى ساحة للتدريب العسكري، وتكوين كتائب مقاتلة تابعة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" قرّر الجيش التونسي قصف هذه المجموعات المسلحة بمدفعية الهاون، وإعلان الجبل الشعانبي منطقة عسكرية مغلقة، بهدف تمشيطها من الجماعات المسلحة . يجمع المحللون التونسيون المتابعون لنشاط الجماعات السلفية الجهادية في تونس، أن ظاهرة الجهاد ازدادت قوة في تونس، لا سيما في ظل الانفلات الأمني، وغياب هيبة الدولة التونسية، وغياب إستراتيجية سياسية من جانب حركة النهضة الحاكمة حاليا في تونس، من أجل مواجهة التيارات السلفية الجهادية التكفيرية.. ويدل على انتشار وتنامي ظاهرة الجهاد في البلاد، هو توجه العديد من الشباب التونسيين المنضوين في الجماعات السلفية التكفيرية إلى القتال في دول عديدة، منها سورية، ومالي، والجزائر، علماً بأن "القاعدة" تسعى إلى أن تجعل من تونس أرضاً للتدريب وتصدير الجهاديين، وملاذاً آمناً لنشاطها الإرهابي، الأمر الذي سيقود إلى فقدان الدولة التونسية سيطرتها على المناطق التي تحتضن الجماعات السلفية التكفيرية، وتتحول بذلك تونس إلى أرض لتصدير الإرهاب.
337
| 05 مايو 2013
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...
2166
| 22 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
786
| 23 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...
726
| 22 سبتمبر 2025
من يراقب المشهد السياسي اليوم يظن أنه أمام...
699
| 18 سبتمبر 2025
منظومة دراسية منذ القرن الثامن عشر وما زالت...
675
| 18 سبتمبر 2025
يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...
642
| 21 سبتمبر 2025
منذ تولي سعادة الدكتور علي بن سعيد بن...
609
| 18 سبتمبر 2025
يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...
501
| 21 سبتمبر 2025
يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...
480
| 21 سبتمبر 2025
لم يَـبْـقَ موضعٌ في القلب العرباوي لم تنل...
465
| 22 سبتمبر 2025
ليستْ مجرد صورةٍ عابرةٍ تلك التي يُنتجها الذكاء...
465
| 22 سبتمبر 2025
ها هي أنديتنا الممثلة لنا في مسابقاتها الخارجية،...
447
| 19 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية