رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الانحراف الرابع: إطلاق العنان لموجة الإرهاب التكفيري التي يقودها تنظيم "أنصار الشريعة" المرتبط بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والتي باتت تشكل خطورة حقيقية على تماسك الدولة التونسية، وعلى الوحدة الوطنية. فكان اغتيال الشهيد القائد اليساري شكري بلعيد يوم 6 فبراير 2013، واغتيال الشهيد النائب القومي في المجلس التأسيس محمد البراهمي يوم 25 يوليو 2013. وكانت هناك اغتيالات مُبرمج لها، أما الميليشيات المرتبطة بحركة النهضة، وهي "رابطات حماية الثورة "، فكانت تهاجم مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل، وتتدخل، وتعتدي على اجتماعات أحزاب المعارضة اليسارية والليبرالية، لمنعها من الانعقاد في مختلف المدن التونسية. وكانت المساجد (تشكل) منابر دعوة إلى العنف والنهضة كانت تستأسد وتتكلم عن الصفر فاصلة عندما تتحدث عن المعارضة وتتكلم عن الشرعية.وفي ظل هذا الوضع بلغ السيل العذل، فاعتبر التونسيون أن أمنهم غير مكفول، وأن الظاهرة الإرهابية تتطور في تونس بمباركة محلية، وأن الاغتيالات السياسية تدبر.. من أجل تصفية المعارضة الديمقراطية في البلاد، والعمل على إرساء ديكتاتورية جديدة. آنذاك بدأت حركة المقاومة للمجتمع المدني تتجذر في مناهضتها لحكم الإسلاميين: الترويكا أو الائتلاف الثلاثي الحاكم... فتشكلت في وجه حكم الإسلاميين معارضة متعددة، بدأت من حزب "نداء تونس" وهو حزب ليبرالي حديث العهد ليس له أكثر من سنة... وهناك الحزب الجمهوري الذي تحول من تبني الاشتراكية الديمقراطية إلى اعتناق الليبرالية، وكان المنافس الرئيسي لحركة النهضة قبل الانتخابات ولكن خسارة الانتخابات أضعفته ولكنه يعتبر من الأحزاب المعارضة المهمة، وهناك الجبهة الشعبية التي تشكلت في 7 أكتوبر 2012، وهو تجمع لزهاء أربعة عشر حزبا من أقصى اليسار ومن القوميين... وهؤلاء اكتسبوا من خلال التعبئة الاجتماعية والسياسية وزنا كبيراً في الساحة السياسية. وتمثل الجبهة الشعبية الآن القوة الثالثة في البلاد، بعد نداء تونس والنهضة، وبشكل عام هي باستمرار وبشكل مستقر القوة الثالثة... وهناك حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي وهو سليل الحزب الشيوعي سابقاً. هذه تمثل أهم الحركات المعارضة وهي موحدة في ما يسمى بجبهة الإنقاذ الوطني، التي تأسست الصيف الماضي إثر اغتيال محمد البراهمي، لكن اتفاقها السياسي محدود، نجحت في التعبئة من أجل فرض الاستقالة (استقالة الحكومة) والالتزام بالاستقالة والقبول بالحوار الوطني وفقاً لخريطة الطريق التي أعدها الرباعي... لكن في طرح الخروج من الأزمة اختلفت الآراء وهذا أحد الأسباب الذي جعل الحوار لا ينتهي إلى الهدف المرجو. يجمع المحللون الملمون بالشأن التونسي أن بداية التراجع لحركة النهضة بدأت مع بداية مسلسل الاغتيالات السياسية لرموز المعارضة الديمقراطية التونسية المناهضين لهيمنة الإسلام السياسي على الحكم في تونس، حيث فجرت عمليات الاغتيال السياسي الطاقات المكبوتة للشعب التونسي، عبر اندلاع مظاهرات عارمة في مختلف المدن التونسية، شكلت الشرعية الشعبية الجديدة، التي باتت تتفوق على الشرعية الانتخابية التي أفرزتها صناديق الاقتراع.. تلك الاحتجاجات دفعت رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي إلى الطلب من حزب "النهضة" الحاكم الذي ينتمي إليه السماح له بتشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط، لكن الحزب رفض، ما أدى إلى استقالة الجبالي في مارس 2013 من رئاسة الحكومة ليكتفي فقط بمنصب أمين عام النهضة التي اختارت علي العريض بدلا منه لرئاسة الحكومة الحالية. رغم أن قوى المعارضة اليسارية والليبرالية كانت تريد أن يتمخض عن جلسات الحوار الوطني توافق وطني حول شخصية رئيس حكومة يكون كفئا ومستقلا في ذات الوقت ويحظى بنفس القدر من الثقة من الجانبين، الحكم والمعارضة، حتى يحقق برنامج إنهاء المرحلة الانتقالية، فإن هذا الحوار الطويل انتهى يوم 14 ديسمبر الماضي إلى فرض وزير الصناعة الحالي مهدي جمعة كرئيس للحكومة المقبلة، في اللحظات الأخيرة للحوار الوطني، لاسيَّما أن جمعة محسوب، منذ سنوات، على قربه من ؟؟؟؟؟؟؟ خصوصا لما كان طالبا بالجامعة وأنه مازال «يتحلى» بالصفات نفسها رغم عدم الإعلان عن ذلك علنا، معتبرين أنه لو لم يكن. رغم عدم رضا المعارضة على ذلك واعتبار ما حصل بأنه يشكل انقلاباً على آلية التوافق الذي كان مطروحا، فثمة نتيجة حاصلة، هذه النتيجة هي أنّ حكومة السيّد علي العريّض سترحل في كل الحالات، وهذا في حد ذاته شيء إيجابي وشيء مهم، وهو مطلب رئيسي. حركة النهضة التي خرجت من الحكومة، لم يكن خروجها عن طواعية، بل جاء على طريقة "مكره أخاك لا بطل". فهو من جهة جاء تحت ضغوطات من المعارضة وتحولت إلى ضغط شعبي (اعتصام الرحيل- مسيرات أوت 2013..)، والدور المهم الذي لعبته المعارضة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، وبروز الخطر الإرهابي الذي يمارسه تنظيم "أنصار الشريعة" المرتبط بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وبتنظيمات "أنصار الشريعة" في كل من ليبيا واليمن ومصر، والذي بات يطالب علانية بتطبيق الشريعة الإسلامية كدستور لتونس، وتفاقم الظاهرة الإرهابية في تونس، التي هزت أمن واستقرار البلاد مجددا وبالتالي قادت إلى إضعاف الحكومة أكثر. وفضلا عن ذلك، أدت الاشتباكات المسلحة بين المجموعات المنتمية لتنظيم "أنصار الشريعة" وبين رجال الشرطة في مايو 2013 إلى عدد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش وأجهزة الأمن.كما ترافق مع الأداء الاقتصادي المترهل للحكومة الهلع الذي ساد في أوساط الطبقة التونسية المثقفة والأقليات بسبب تعاظم نفوذ المتطرفين الإسلاميين دون قدرة الحكومة على ضبطهم، إذ جاء اغتيال قيادي معارض آخر هو محمد براهمي في يوليو 2013 ليدق المسمار الحاسم في نعش حكومة النهضة، حيث سار مئات آلاف التونسيين في الشوارع مطالبين برحيلها. وما وجه الضربة القاضية لأي قدرة على حركة النهضة للمناورة السياسية في الداخل هو الصفعة القوية التي تلقتها عند سقوط عرش إخوانهم في مصر في الفترة نفسها، وكي لا يقعوا في الخطأ نفسه الذي وقعوا فيه في مصر قرروا في 14 أكتوبر 2013 القبول بتسليم السلطة في تونس إلى حكومة مؤقتة من سياسيين مستقلين تصرف أعمال البلاد وتنظم إجراء انتخابات ديمقراطية في العام المقبل 2014.
460
| 05 يناير 2014
رغم أن الثورة التونسية قادتها مبادئ عامة وأهداف نبيلة، التفت حولها مختلف مكونات المجتمع المدني الحديث، وعموم الشعب: شغل، حرية، كرامة وطنية، فإن الخلل الجوهري الذي كان ينقص هذه الثورة هو غياب الحزب الثوري المؤطر، والقائد لهذا الحراك الشعبي الكبير، الأمر الذي نجم عنه، غياب القيادة الوطنية المركزية، التي كان من المفروض أن تستلم السلطة عقب سقوط رأس النظام الديكتاتوري السابق. وبعد الانتخابات الأولى للمجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، واستلام حركة النهضة السلطة في إطار الترويكا الحاكمة، تعرضت الثورة التونسية للانحراف، من قبل حركة النهضة، المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين، وحلفائها من التيارات السلفية التكفيرية، لاسيَّما أن حركة النهضة وحلفاءها لا يمثلون قوى ديمقراطية ولا قوى ثورية، هم لم يشاركوا أصلاً في هذه الثورة، حتى وإن كانوا معارضين لم يشاركوا في هذه الثورة. فكرياً هي قوى محافظة، سياسياً هي قوى لا تبحث عن إقامة جمهورية ديمقراطية، وإنما يبحثون عن إقامة نظام استبدادي جديد وفقاً لفكر الإخوان المسلمين.وتمثل هذا الانحراف في المسائل التالية: الانحراف الأول: بدأ منذ تحويل دور المجلس الوطني التأسيسي الذي انتخب لمدة سنة واحدة بهدف كتابة الدستور الديمقراطي الجديد، إلى دور برلماني عبر المصادقة على القانون المتعلّق بالتنظيم المؤقت لـ"السلطة العمومية" في ديسمبر العام 2011، لقد أرادت حركة النهضة للمجلس التأسيسي أن يكون مجلساً تتجمع فيه كل السلطات، التشريعية والتأسيسية وفي الوقت عينه أن يكون مصدر القوة التنفيذية والتي تخضع إلى مراقبته، بحيث اختلطت كل السلطات بيد مجلس تأسيسي. وولد المجلس التأسيسي في منافسة حادة بين التيار الذي تتزعمه حركة النهضة، وهو تيار إسلامي، وبين القوى العلمانية، إن أمكن للتلخيص، لأن الأمور أكثر تعقيدا. وهذا الوضع الشاذ هو الذي جعل الشيخ راشد الغنوشي بعد التوافق الهش على تعيين السيد مهدي جمعة رئيساً للحكومة الانتقالية يؤكد أن "النهضة" انسحبت من الحكومة وليس من الحكم، باعتبار أنها تملك الكتلة النيابية الأكبر في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان)، مضيفاً أنها ستمارس صلاحياتها في إطار القانون ومصلحة الخيار الديمقراطي. فكتلة الأغلبية بالمجلس التأسيسي اليوم بين يدي النهضة (أكثر من 90 نائبا). ويرى قادة النهضة أن حزبهم يمثل الأغلبية في المجلس التأسيسي وأن الحكومة القادمة، رغم أنها توافقية، ستكون تحت ولاية هذا المجلس، لأنه سيزكيها وسيراقب عملها وهو ما سيمثل وفق هذا الرأي عامل "بقاء" للنهضة في السلطة إلى حين إجراء الانتخابات القادمة. الانحراف الثاني: في الوقت الذي كان فيه مأمولاً من حكومة الترويكا الجديدة بقيادة حركة النهضة التي انبثقت عن انتخابات 23 أكتوبر 20111 أن تسعى سريعا نحو إعادة بناء النظم والمؤسسات، وإدارة عملية التحول الديمقراطي كجزء من عملية إعادة بناء الدولة، في إطار من التوحد الوطني والرضا الشعبي المستند إلى حكم القانون، أي بناء الدولة الديمقراطية الحديثة على نحو ما فعلت الدول المتحولة في أوروبا الشرقية، وتحقيق النهضة الاقتصادية، على نحو ما فعلت الدول الناهضة في جنوب وجنوب شرق آسيا، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين الأحوال المعيشية للشعوب، وتخفيف وطأة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، على نقيض كل ذلك، عملت حركة النهضة الإسلامية على إجهاض الثورة التونسية، من خلال التشبث بالسلطة بأي طريقة، والمراوغة في مسألة بناء الدولة المدنية، وانتهاج الخطاب المزدوج. تلك هي المعركة الشرسة القائمة الآن في تونس، حول إشكالية بناء الدولة الديمقراطية التعددية التي لا يمكن أن يقوم بها إلا الديمقراطيون. ولأن الديمقراطية لا تصنعها القوى التي لا تؤمن بالفكرة الديمقراطية في مرجعيتها الدينية، والتي لا تزال ترفض الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي، فضلاً عن ممارستها لأساليب غير ديمقراطية، بل عُنْفِيًة مِيلِشْيَاوِيًة ضد خصومها من المعارضة الديمقراطية، ومكونات المجتمع المدني الحديث. الانحراف الثالث: رغم أن حركة النهضة كانت جزءاً من المعارضة الديمقراطية التي قاومت النظام البوليسي السابق، ووصلت إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، فإنها لم تلتزم بموجبات الديمقراطية، كنتاج لديناميكيات سياسية واجتماعية وجيوإستراتيجية عاشتها الثورة التونسية، بل ذهبت إلى التحالف مع الجماعات السلفية التكفيرية التي تمارس الإرهاب ضد المجتمع التونسي، والتي تستخدمها حركة النهضة كأداة قاهرة لتركيع المعارضة الديمقراطية، وتغيير نموذج المجتمع التونسي الذي يعيش إرهاصات الحداثة منذ القرن التاسع عشر، ونوعا من العلمنة السياسية، منذ أكثر من نصف قرن. وأكدت أصداء الشريط المسرب لزعيم "حركة النهضة" الشيخ راشد الغنوشي، الذي صور خلال اجتماع له مع قيادات سلفية في البلاد، وهاجم فيه العلمانيين، فيما طالب السلفيين بالتريث، ومراكمة الأرصدة التي حصلوا عليها، ثم البناء عليها "من أجل مكاسب أكبر"، على وجود "أجندة مخفية" لدى حركة النهضة لإقامة دولة إسلامية، في حين أن المفهوم الطوباوي لهذه الدولة الإسلامية المفترضة خسر صدقيته في الوقت الحاضر، بالنظر إلى تجربة الدولة الإيرانية. الانحراف الرابع: إطلاق العنان لموجة الإرهاب التكفيري التي يقودها تنظيم "أنصار الشريعة" المرتبط بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والتي باتت تشكل خطورة حقيقية على تماسك الدولة التونسية، وعلى الوحدة الوطنية. فكان اغتيال الشهيد القائد اليساري شكري بلعيد يوم 6 فبراير 2013، واغتيال الشهيد النائب القومي في المجلس التأسيس محمد البراهمي يوم 25 يوليو 2013. وكانت هناك اغتيالات مُبرمج لها، أما الميليشيات المرتبطة بحركة النهضة، وهي "رابطات حماية الثورة "، فكانت تهاجم مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل، وتتدخل، وتعتدي على اجتماعات أحزاب المعارضة اليسارية والليبرالية، لمنعها من الانعقاد في مختلف المدن التونسية. وكانت المساجد (تشكل) منابر دعوة إلى العنف والنهضة كانت تستأسد وتتكلم عن الصفر فاصلة عندما تتحدث عن المعارضة وتتكلم عن الشرعية.وفي ظل هذا الوضع بلغ السيل العذل، فاعتبر التونسيون أن أمنهم غير مكفول، وأن الظاهرة الإرهابية تتطور في تونس بمباركة محلية، وأن الاغتيالات السياسية تدبر.. من أجل تصفية المعارضة الديمقراطية في البلاد، والعمل على إرساء ديكتاتورية جديدة. آنذاك بدأت حركة المقاومة للمجتمع المدني تتجذر في مناهضتها لحكم الإسلاميين: الترويكا أو الائتلاف الثلاثي الحاكم... فتشكلت في وجه حكم الإسلاميين معارضة متعددة، بدأت من حزب "نداء تونس" وهو حزب ليبرالي حديث العهد ليس له أكثر من سنة... وهناك الحزب الجمهوري الذي تحول من تبني الاشتراكية الديمقراطية إلى اعتناق الليبرالية، وكان المنافس الرئيسي لحركة النهضة قبل الانتخابات ولكن خسارة الانتخابات أضعفته ولكنه يعتبر من الأحزاب المعارضة المهمة، وهناك الجبهة الشعبية التي تشكلت في 7 أكتوبر 2012، وهو تجمع لزهاء أربعة عشر حزبا من أقصى اليسار ومن القوميين... وهؤلاء اكتسبوا من خلال التعبئة الاجتماعية والسياسية وزنا كبيراً في الساحة السياسية. وتمثل الجبهة الشعبية الآن القوة الثالثة في البلاد، بعد نداء تونس والنهضة، وبشكل عام هي باستمرار وبشكل مستقر القوة الثالثة... وهناك حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي وهو سليل الحزب الشيوعي سابقاً. هذه تمثل أهم الحركات المعارضة وهي موحدة في ما يسمى بجبهة الإنقاذ الوطني، التي تأسست الصيف الماضي إثر اغتيال محمد البراهمي، لكن اتفاقها السياسي محدود، نجحت في التعبئة من أجل فرض الاستقالة (استقالة الحكومة) والالتزام بالاستقالة والقبول بالحوار الوطني وفقاً لخريطة الطريق التي أعدها الرباعي... لكن في طرح الخروج من الأزمة اختلفت الآراء وهذا أحد الأسباب الذي جعل الحوار لا ينتهي إلى الهدف المرجو. يجمع المحللون الملمون بالشأن التونسي أن بداية التراجع لحركة النهضة بدأت مع بداية مسلسل الاغتيالات السياسية لرموز المعارضة الديمقراطية التونسية المناهضين لهيمنة الإسلام السياسي على الحكم في تونس، حيث فجرت عمليات الاغتيال السياسي الطاقات المكبوتة للشعب التونسي، عبر اندلاع مظاهرات عارمة في مختلف المدن التونسية، شكلت الشرعية الشعبية الجديدة، التي باتت تتفوق على الشرعية الانتخابية التي أفرزتها صناديق الاقتراع.. تلك الاحتجاجات دفعت رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي إلى الطلب من حزب "النهضة" الحاكم الذي ينتمي إليه السماح له بتشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط، لكن الحزب رفض، ما أدى إلى استقالة الجبالي في مارس 2013 من رئاسة الحكومة ليكتفي فقط بمنصب أمين عام النهضة التي اختارت علي العريض بدلا منه لرئاسة الحكومة الحالية. رغم أن قوى المعارضة اليسارية والليبرالية كانت تريد أن يتمخض عن جلسات الحوار الوطني توافق وطني حول شخصية رئيس حكومة يكون كفئا ومستقلا في ذات الوقت ويحظى بنفس القدر من الثقة من الجانبين، الحكم والمعارضة، حتى يحقق برنامج إنهاء المرحلة الانتقالية، فإن هذا الحوار الطويل انتهى يوم 14 ديسمبر الماضي إلى فرض وزير الصناعة الحالي مهدي جمعة كرئيس للحكومة المقبلة، في اللحظات الأخيرة للحوار الوطني، لاسيَّما أن جمعة محسوب، منذ سنوات، على قربه من ؟؟؟؟؟؟؟ خصوصا لما كان طالبا بالجامعة وأنه مازال «يتحلى» بالصفات نفسها رغم عدم الإعلان عن ذلك علنا، معتبرين أنه لو لم يكن. رغم عدم رضا المعارضة على ذلك واعتبار ما حصل بأنه يشكل انقلاباً على آلية التوافق الذي كان مطروحا، فثمة نتيجة حاصلة، هذه النتيجة هي أنّ حكومة السيّد علي العريّض سترحل في كل الحالات، وهذا في حد ذاته شيء إيجابي وشيء مهم، وهو مطلب رئيسي. حركة النهضة التي خرجت من الحكومة، لم يكن خروجها عن طواعية، بل جاء على طريقة "مكره أخاك لا بطل". فهو من جهة جاء تحت ضغوطات من المعارضة وتحولت إلى ضغط شعبي (اعتصام الرحيل- مسيرات أوت 2013..)، والدور المهم الذي لعبته المعارضة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، وبروز الخطر الإرهابي الذي يمارسه تنظيم "أنصار الشريعة" المرتبط بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وبتنظيمات "أنصار الشريعة" في كل من ليبيا واليمن ومصر، والذي بات يطالب علانية بتطبيق الشريعة الإسلامية كدستور لتونس، وتفاقم الظاهرة الإرهابية في تونس، التي هزت أمن واستقرار البلاد مجددا وبالتالي قادت إلى إضعاف الحكومة أكثر. وفضلا عن ذلك، أدت الاشتباكات المسلحة بين المجموعات المنتمية لتنظيم "أنصار الشريعة" وبين رجال الشرطة في مايو 2013 إلى عدد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش وأجهزة الأمن.كما ترافق مع الأداء الاقتصادي المترهل للحكومة الهلع الذي ساد في أوساط الطبقة التونسية المثقفة والأقليات بسبب تعاظم نفوذ المتطرفين الإسلاميين دون قدرة الحكومة على ضبطهم، إذ جاء اغتيال قيادي معارض آخر هو محمد براهمي في يوليو 2013 ليدق المسمار الحاسم في نعش حكومة النهضة، حيث سار مئات آلاف التونسيين في الشوارع مطالبين برحيلها. وما وجه الضربة القاضية لأي قدرة على حركة النهضة للمناورة السياسية في الداخل هو الصفعة القوية التي تلقتها عند سقوط عرش إخوانهم في مصر في الفترة نفسها، وكي لا يقعوا في الخطأ نفسه الذي وقعوا فيه في مصر قرروا في 14 أكتوبر 2013 القبول بتسليم السلطة في تونس إلى حكومة مؤقتة من سياسيين مستقلين تصرف أعمال البلاد وتنظم إجراء انتخابات ديمقراطية في العام المقبل 2014.
1806
| 01 يناير 2014
توفي الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا عن عمر يناهز 95سنة، هذا البطل الاستثنائي لحقبة تاريخية كاملة في النضال من أجل الحرية، ليس لشعب جنوب إفريقيا فحسب، إنما للعالم كله. وحين تم انتخابه كرئيس لجنوب إفريقيا في عام 1994، أجرى مانديلا عملية تفكيك النظام القديم القمعي – نظام الابارتايد – وخلص شعبه من وباء التفرقة العنصرية، وقام بمصالحة الجنوب إفريقيين الأفارقة والأوروبيين "الأفريكان"، وجمعهم في نطاق أمة جديدة، "أمة قوس القزح"، مدعومة من قبل قطاعات المجتمع، بما فيها الأقلية البيضاء. وأخذ مانديلا بيد الجميع نحو بناء ديمقراطية تجمعهم تقوم على مبدأ التعدد والاختلاف والتعارض، ووضع أسس الثقافة التعددية. الحرية في فلسفة مانديلا هي كل متكامل لا تتجزأ، وهي تعني كل شعوب الأرض قاطبة، لهذا السبب كان المناضل نيلسون مانديلا صارماً في الدفاع عن حرية الشعب الفلسطيني، حين قال ذات يوم": نعلم جيداً أن حريتنا منقوصة من دون الحرية للفلسطينيين". وفي مارس 2001 وجه زعيم جنوب إفريقيا رسالة إلى الصحفي والكاتب المعروف توماس فريدمان. جاء فيها ما يلي: إن "الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ليس مسألة احتلال عسكري فحسب، فإسرائيل ليست دولة قامت في ظروف طبيعية وصودف أنها احتلت بلداً آخر عام 1967. الفلسطينيون لا يناضلون من أجل دولة، بل لتحقيق الحرية والتحرير والمساواة، تماماً كما ناضلنا في سبيل الحرية في جنوب إفريقيا". مانديلا الذي قاد مصالحة وطنية قل نظيرها في العالم عبر إعداد جنوب إفريقيا لأرقى أنواع الوئام السياسي والعرقي من خلال جلسات الاستماع في لجنة الحقيقة والمصالحة مع الذات - بينما كانت أوروبا ولا تزال – تتخبط في صراعات عرقية وقومية وسياسية، وتفتح أبوابها للتدخل الخارجي "الأمريكي". وقد اختار أن يتقاعد عن عمر يناهز الـ80 في الذكرى السنوية الثالثة والعشرين لانتفاضة طلاب سويتو عام 1976، التي كانت بمنزلة الدرب المضيء والشعلة الحقيقية التي أشعلت نضال السود، وزادت من اتساع ميدان التمرد، والمظاهرات، والعصيان المدني، ومن امتداد رقعة المواجهة ضد نظام حكم الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا. ومنذ إجراء أول انتخابات حرة وديمقراطية في جنوب إفريقيا من 26 إلى 28 أبريل عام 1994، التي قادت إلى انتصار التحالف الانتخابي الثلاثي "حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي والكونفيدرالية النقابية الجنوب إفريقية. الكوساتو"، حيث حصل المؤتمر على 63 في المائة من الأصوات و252 مقعداً في البرلمان، والحزب الوطني على 20 بالمائة من الأصوات، عملت حكومة مانديلا منذ وصولها للسلطة إلى تحسين أوضاع الأغلبية السوداء التي عانت 350 عاماً من الفصل العنصري. وكان عدد سكان جنوب إفريقيا في عام 1994 قد بلغ 37.7 مليون نسمة وأصبح 47 مليون نسمة خلال العام 2000، منهم 75 في المائة من السود، و13 في المائة من البيض، و9 في المائة من الملونين، و3 في المائة من الهنود. وقد واجه المؤتمر الوطني الإفريقي الذي يمتلك الأغلبية المطلقة مهمة صعبة في عملية بناء الأمة، نظراً لتخليه عن الإستراتيجية الاقتصادية الحقيقية المتمثلة في القيام بعمليات التأميمات الكبرى، وبناء الدولة الكينزية القوية من أجل تحسين المستوى المعيشي للسكان. فالمعجزة الديمقراطية التي حصلت على 1994 إضافة إلى حجم الرئيس نيسلون مانديلا دفعا حكومة جنوب إفريقيا إلى انتهاج سياسة الواقعية في ظل النظام الدولي الجديد بزعامة الولايات المتحدة وهيمنة العولمة الرأسمالية على صعيد كوني. لذلك قادت الحكومة إلى تبديل مواقفها الإيديولوجية والسياسية في شكل جذري، إذ إنها أعلنت عن تبنيها وصفات صندوق النقد الدولي، وخصخصة قطاعات مهمة كانت تابعة للقطاع العام. وهكذا أبقت حكومة مانديلا السياسية الاقتصادية، المرتبطة بنيوياً بالعالم الرأسمالي المتقدم، لكنها قامت بإصلاحات جذرية لمصلحة الأغلبية السوداء، فنجحت بالفعل في إمداد منازل السود بالمرافق ومد مظلة الرعاية الطبية المجانية لتشمل 90 في المائة من الأمهات والأطفال، ورغم مرور ثلاث سنوات على الثورة التونسية التي فجرت ربيع الثورات العربية، فإن هذه الثورات العربية، لم تحقق بعد أهداف العدالة الانتقالية، كما حققتها دولة جنوب إفريقيا عقب صعود مانديلا إلى السلطة. وكان الزعيم التاريخي مانديلا وجه رسالة - وصية في 31 يوليو 2011، إلى "الثوار العرب"، شرح لهم أن المعضلة التي أقلقته بعد استعادته حريته هي كيفية التعامل مع "إرث الظلم لإقامة نظام عادل". وقال: "خرجتم للتو من سجنكم الكبير. إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم. فالهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي". وحذر من الاعتقاد أن "الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء. فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام ومفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلاد مع الخارج. واستهدافهم يدفعهم إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن". وتابع ناصحاً: "أحبتي، أنصار النظام السابق ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن أنتم في غنى عنه الآن. عليكم أن تتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون إلى هذه البلاد، فاحتواؤهم ومسامحتهم أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر". وشتان ما بين حكمة وتعقل المناضل التاريخي نيلسون مانديلا المؤمن بالحرية وبفلسفة الديمقراطية التوافقية، وبمبدأ تحقيق العدالة الانتقالية من دون تشفي وانتقام وإقصاء، وبين ما آلت إليه الأوضاع في البلدان العربية التي حصلت فيها ثورات أكلت أبناءها، وأنجبت الإرهاب.وأنجبت الإرهاب.
1198
| 08 ديسمبر 2013
توفي الجنرال الفرنسيبول أوساريس الذي كان يعيش بعين واحدة المشهور بدفاعه عن استخدام القوات الفرنسية للتعذيب في الجزائر عن عمر يناهز الـ95، حسبما أعلن اتحاد المظليين السابقين الأربعاء4ديسمبر الجاري في منطقة ستراسبورج شرق فرنسا. وكان أوساريس وهو بطل المقاومة ضد النازية خلال الحرب العالمية الثانية، شخصية مثيرة للجدل في فرنسا. الجنرال أوساريس، كان أكثر الرجال تكتما للأمور في الجهاز الأمني الفرنسي، وكان رئيس الاستخبارات تحت قيادة الجنرال ماسو أثناء معركة الجزائر عام 1957، وكان رجل الأعمال الشريرة والإعدامات بلا محاكمة والتعذيب المنظم، وضع فرنسا مجدداً أمام الجرائم التي ارتكبتها قواتها خلال الثورة الجزائرية. وفي كتاب صدر عن دار"بيران" الفرنسية، ويحمل العنوان التالي:"الأجهزة الخاصة.الجزائر 1955-1957"، عام 2001 اعترف الجنرال أوساريس بتعذيب وقتل 24 أسير حرب جزائريا خلال حرب استقلال الجزائر عن فرنسا 1954 – 1962. في مقابلة مع صحيفة لومند الفرنسية بتاريخ 23نوفمبر 2000، قال الجنرال أوساريس، إنه أعدم بنفسه مساجين من "جبهة التحرير الوطني"الجزائرية، وأمر بإعدام مئات المشبوهين من دون محاكمة، وأضاف أن نحو ثلاثة آلاف مشتبه بهم قتلوا، وكان من الضروري أن "تختفي جثثهم"، وأنه كره الأساليب المستخدمة، ولكنه سوف يتصرف بالطريقة نفسها إذا وضع في ظروف مشابهة. أما الجديد الآخر الذي كشفه أوساريس في كتابه، فهو أن هذه الممارسات لم تكن مجرد انتهاكات يتحمل مسؤوليتها العسكريون المنخرطون في المواجهات على الأرض، بل إنها كانت تحظى بتغطية من قبل المسؤولين السياسيين في فرنسا، لاسيَّما من قبل وزير العدل آنذاك الرئيس الراحل فرانسوا ميتران. ويؤكد أوساريس أن التعذيب والإعدامات السريعة وقتل المدنيين التي تقدم لاحقاً على أنها"أعمال انتحارية" كانت من الممارسات الشائعة لدى الأجهزة الأمنية الفرنسية في الجزائر عند التحاقه بها عام 1955، كما يدافع عن هذه الأساليب بقوله: إنها " فعالة، فبدافع الخوف ينهار المعتقلون ويبدأون في الكلام، وينتهي الأمر بتصفيتهم". واعترف الجنرال أوساريس للمرة الأولى بقتله عام 1957 المحامي الجزائري علي بومنجل، والزعيم التاريخي المسؤول عن جبهة التحرير الوطني في الجزائر الشهيد العربي بن مهيدي. وأثار كتاب أوساريس سلسلة من ردود الفعل لدى الطبقة السياسية الفرنسية الحاكمة آنذاك، التي وصفته بالشخص"القبيح"و"المقيت"و"المثير للاشمئزاز"، فيما صرح رئيس الحكومة الفرنسية السابق ليونيل جوسبان بأن اعترافاته"تنطوي على انتهاكات رهيبة، تستدعي إدانة أخلاقية". وقال الرئيس السابق جاك شيراك في بيان له: إن "رئيس الجمهورية الذي صعق لتصريحات الجنرال أوساريس يدين مرة جديدة الفظاعات وأعمال التعذيب والإعدامات الفورية والاغتيالات التي ارتكبت خلال حرب الجزائر. ليس هناك من شيء يمكن أن يبررها أبداً". وخلص البيان إلى أن " رئيس الجمهورية يأمل أن يتمكن المؤرخون من إلقاء الضوء سريعاً على المسؤوليات من خلال الإطلاع على محفوظات تلك الحقبة". ويبدو من كلام زعماء الطبقة السياسية الفرنسية أن الميل السائد في السياسة الخارجية الفرنسية يقضي بحصر الأعمال الشنيعة التي ارتكبت إبان حرب الجزائر بأوساريس وسواه من العسكريين الذين مارسوا التعذيب، والهروب مرة أخرى إلى الأمام بدلاً من مواجهة الواقع. لقد أغلقت فرنسا خزائن التاريخ المحشوة بالذكريات الأليمة طيلة القرن الماضي، ولكن أين تنام الأشباح التي يمكن أن تعود إلى الظهور يوماً ما، لتفرض نفسها على مسرح الأحداث السياسية في فرنسا؟ وإذا كانت فرنسا قد فتحت خزائن الذاكرة التاريخية بسبب الجرائم التي ارتكبت في الحرب العالمية الأولى 1914-1918، وفي الحرب العالمية الثانية 1939-1945، حين تعاون نظام الماريشال بيتان مع النازيين، فإنه آن الأوان لكي تفتح الخزانة الثالثة للذاكرة التي تحتوي على جرائم ارتكبت باسم فرنسا إبان الثورة الجزائرية، فيما كان يعرف فيما مضى بالحقيقة التاريخية أصبح الآن حقيقة سياسية يبين فيها الواجب والأخلاق. إن صعوبة المقاوم للنازية فرانسوا ميتران في مواجهة العميل فيشي، هي الصعوبة عينها التي يواجهها اليوم زعماء فرنسا بسبب جرائم فرنسا في الجزائر، إذ عن الوقائع التاريخية ماثلة اليوم أمام الجميع. وهي معلنة وصريحة، وتتحمل مسؤوليتها حكومة الجمهورية الفرنسية الرابعة المتمتعة بسلطات استثنائية، والتي خططت وأمرت وغطت على الجرائم التي ارتكبتها القوات الفرنسية في الجزائر في مواجهة المقاومة الوطنية التحررية، بوصفها تتناقض كليا مع كل القوانين الإنسانية، بما فيها قوانين الحرب.
662
| 07 ديسمبر 2013
تعيش أوكرانيا أزمة سياسية كبيرة بعد أن رفضت حكومة فيكتور يانوكوفيتش التوقيع على اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة الماضي، الأمر الذي استغلته المعارضة الأوكرانية لحشد قواها في العاصمة كييف، لممارسة الضغط الشعبي على الرئيس فيكتور يانوكوفيتش كي يقدم استقالته. وكان زعيم المعارضة الأوكرانية فيتالي كليتشكو دعا في كلمة ألقاها أمام مئات الآلاف من المحتجين في وسط كييف الرئيس الأوكراني وحكومته إلى الاستقالة، قائلا إنهم «سرقوا» حلم أوكرانيا بالوحدة الأوروبية، فيما دعا اوليه تياهنيبوك، وهو زعيم معارض آخر، إلى تنفيذ إضراب عام. وكان الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وصل إلى السلطة عقب الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر فبراير 2010، حين فاز على منافسته رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو التي تعتبر من قيادات «الثورة البرتقالية». ويعتبر الرئيس فيكتور يانوكوفيتش مواليا لروسيا، وليه أنصاره الكثيرون في الإقليم الشرقي المحاذي لروسسيا. وتعيش أوكرانيا على نسق الأزمات السياسية التي تشل عمل مؤسسات الدولة منذ "الثورة البرتقالية" 2004-2005، إذ شهدت تفكك "الائتلاف البرتقالي" بعد بضعة أشهر من نجاحه ثم الفوز المفاجئ لتكتل الأحزاب الموالية لروسيا بزعامة فيكتور يانوكوفيتش في الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2006، ومنذاك والرئيس الأوكراني وحزبه "أوكرانيا بيتنا" يزدادان ضعفاً واضحاً بينما بالمقابل يخوض "حزب الأقاليم" الموالي لروسيا وهو حزب الأغلبية البرلمانية حرباً ضروسة بمحاولته تحقيق ائتلاف يانوكوفيتش الذي يضم 300 نائب كي يكون البديل المقبول وهو ما حصل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. إن المقاربة الموضوعية للأمة الأوكرانية تقتضي الابتعاد عن رؤية الأمور من زاوية عودة المقولات الأيديولوجية المرتبطة بحقبة الحرب البادرة. فالمسألة الجوهرية تتمثل بمشكلة القوميات القديمة الذي كان خزان البارود الكبير للقرنين الماضيين وليس آخره ما حصل من تشظ للقوميات في يوغسلافيا، وبشكل أدق بطبيعة العلاقة بين أوكرانيا وروسيا وما أبعد من ذلك مكانة وموقع روسيا في إدارة شؤون العالم وكما قال مستشار الرئيس كارتر السابق للأمن القومي الأمريكي زبغينو برجينسكي: "إن روسيا من دون أوكرانيا تكفي أن تكون إمبراطورية" ولكنها "تصبح إمبراطورية أوتوماتيكياً مع وجود أوكرانيا تابعة ثم تابعة". ويرى المحللون الإستراتيجيون في الغرب أن أوكرانيا هي كيان سياسي هش مثل العديد من الكيانات السياسية الهشة الموجودة في العالم. وبالنسبة إلى العديد منها فهو حافظ على وحدته السياسية إبان الحرب الباردة بفضل التوازن الاستراتيجي الذي كان قائماً بين الشرق والغرب. أما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي فقد استعادت حركة التاريخ دورتها نحو الأفضل أو نحو الأسوأ. فهناك دول أوروبا الشرقية وكذلك دول البلطيق التي كانت جزءاً من المنظومة السوفييتية وجدت ضالة استقرارها السياسي من خلال نيل عضويتها في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وهناك دولة يوغوسلافيا السابقة التي تبلقنت وتشظت بفعل التناقضات الغربية مع بداية 1990. إضافة إلى أزمة الهوية فإن "الثورة البرتقالية" التي تبنت الديمقراطية الغربية وأرادت استنباتها في التربة الأوكرانية لم تكن شروطها متوافرة كفاية في الثقافة والاقتصاد والسياسة لكي تحقق النجاح المطلوب. وفضلاً عن ذلك يشهد المجتمع الأوكراني عملية فرز في الفكر السياسي حيال موضوع الديمقراطية إلى مدرستين عريضتين إحداهما تقر بحاكمية الديمقراطية وأخرى تمنح أولويتها للردود عليها معولة على إخفاقاتها ونواقصها وعلى النتائج المترتبة على ذيولها. وتعكس الأزمة السياسية الراهنة الانقسامات العميقة في أوكرانيا بين المناطق الشرقية الصناعية من البلاد والناطقة بالروسية التي تفضل تطوير العلاقات التقليدية مع روسيا والمناطق الزراعية الناطقة بالأوكرانية وهي تفضل تطوير العلاقات مع الغرب بما في ذلك الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. ويعتبر المراقبون ان المعارضة في أوكرانيا تذكرنا بمعارضات أخرى في عالم ما بعد الحقبة السوفيتية، التي توقعت الكثير من الغرب وخاب ظنها في النهاية. وربما حان الوقت لإلقاء نظرة أكثر واقعية الى ما يجري في الاتحاد السوفيتي السابق. فخلال ما عرف بالثورة البرتقالية الأوكرانية في عام 2004، لم ير كثيرون في الغرب إلا ما أرادوا رؤيته: شعب ينتفض على الفساد وسياسة التلاعب والضغوطات الروسية باسم التقدم نحو الديمقراطية والأسواق الحرة والغرب. وأبعد من ذلك، اختار كثيرون في الغرب التغاضي عن واقع أن أوكرانيا، على غرار معظم الجمهوريات السوفيتية السابقة (باستثناء 3 دول صغيرة من البلطيق)، بقيت شديدة الارتباط بروسيا والجمهوريات الأخرى. ففي أوكرانيا، وهي جزء من الكيان السلافي في الإمبراطورية السوفيتية القديمة، ما زال نصف السكان يتماهون مع روسيا من الناحيتين الإثنية والوطنية. وهكذا، من السخيف الاعتقاد بأن المعارضة قادر ة على نقل أوكرانيا إلى المدار الغربي. إذ لم يتوقف التدخل في السياسة الأوكرانية على روسيا بل تعداه إلى أوروبا التي هي أكثر اهتماماً بالغاز الروسي منه بالديمقراطية الأوكرانية. من المفارقات في هذه الأزمة، انه في عام 1991، لم يتردد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين من الاعتماد على الانفصاليين الأوكرانيين للتخلص من غورباتشوف والاتحاد السوفيتي في آن معاً. أما مع الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، تبدو الأمور معكوسة. فهو يعلم جيداً أن الغالبية الساحقة من الروس يحنون بقوة إلى المرحلة التي كانت فيها روسيا قوة عظمى، سواء أكانت قيصرية أم بلشفية. وكان توكفيل قد تنبأ في زمانه، أنها ستتقاسم النفوذ والسيطرة على العالم مع الولايات المتحدة الأميركية. بيد أن الرئيس بوتين الطامح بتعزيز سلطته الأتوقراطية في روسيا، والذي قدم تنازلات للولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية - إذ أصبحت القواعد الأمريكية موجودة على حدود روسيا، كما أن دول أوروبا الشرقية التي كانت خاضعة للهيمنة السوفيتية إبان الحرب الباردة، دخلت في معظمها إلى الاتحاد الأوروبي، وأصبحت منضوية تحت لواء الحلف الأطلسي - هذا الرئيس الروسي نفسه لن ينظر بعين الرضا إلى دخول أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. فروسيا الدولة الأكثر امتداداً في العالم بمساحتها القارية، والتي موانئها مجمدة ستة أشهر في السنة بسبب الجليد، ترى في خروج أوكرانيا من دائرة نفوذها استكمالاً لمسلسل إطباق الحصار عليها. لا شك أن إحداث تغيير مفاجئ في السياسة الخارجية لجهة التحاق أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي والانضمام في عضوية الحلف الأطلسي، سيقود إلى ردة فعل من جانب روسيا، وإلى إطلاق ديناميكية انفصال قد تقود الى حرب أهلية وتقسيم أوكرانيا. كما أن الاتحاد الأوروبي لا يبدو في الوقت الحاضر مستعداً جدياً لتحمل مسؤولية آفاق انضمام أوكرانيا إليه في المدى المنظور أو في المدى المتوسط. أما إدارة الرئيس أوباما التي تخوض صراعاً تنافسياً مع روسيا بسبب الأزمة السورية، فهي تبدو حذرة، وتتهيب من الإسقاطات المدمرة لجهة فك روسيا تحالفها مع الولايات المتحدة على صعيد جبهة "الحرب على الإرهاب".
493
| 04 ديسمبر 2013
انتفضت محافظة قفصة الواقعة على بعد 400 كيلو متر جنوب غرب العاصمة تونس، من جديد، حيث أعلن المكتب التنفيذي الجهوي (المناطقي) لاتحاد الشغل إضراباً عاماً يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2013، وليوم واحد احتجاجا على استثناء مدينة قفصة من مشاريع صحية جديدة أعلنتها الحكومة في قرار المجلس الوزاري ليوم 21 نوفمبر 2013 القاضي بإحداث عدد من كليات الطب ببعض الجهات واستثناء منطقة قفصة. فخرج نحو ألفي متظاهر تجمعوا أمام مقر حزب النهضة الحاكم وأضرموا فيه النار، كما ألقوا بمحتوياته في الشارع وأحرقوها، وكانت الشرطة أطلقت صباحا قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق عشرات من المتظاهرين اقتحموا مقر الولاية، وتجمع نحو ستة آلاف متظاهر أمام المقر مرددين هتافات معادية للحكومة مثل «الشعب يريد إسقاط النظام». ويأتي هذا الإضراب العام في مدينة قفصة للرد على سياسة التهميش والإقصاء، التي تعاني منها المحافظة، رغم أنها تدر آلاف المليارات من عائدات الفوسفات على المجموعة الوطنية منذ الاستقلال ولم يجن أبناؤها من ذلك إلا التلوث البيئي والأمراض المستعصية، ومن أجل مطالبة الحكومة بإعطاء هذه المحافظة الأهمية القصوى لتحسين الوضع الصحي في جميع معتمدياتها لما آل إليه القطاع من تدهور انعكس سلبا على صحة سكانها، من جراء التلوث البيئي الناجم عن استخراج الفوسفات، والتأكيد على حق هذه المحافظة في إقامة مشاريع تنموية على أراضيها، وحل معضلة البطالة المزمنة لأبنائها، وإخراجها من دائرة التهميش. لم يتغير شيء في وضع محافظة قفصة بعد الثورة، علماً بأنها كانت المحافظة السباقة التي اندلعت فيها انتفاضة شعبية كبيرة في عام 2008 في عهد الديكتاتورية، سميت بانتفاضة الحوض المنجمي، والتي شكلت الخميرة الحقيقية للثورة في نهاية 2010 وبداية عام 2011.فانتفض سكان هذا المعقل العمالي، الذي غالباً ما كان متمرداً ضد النظام الديكتاتوري السابق في انتفاضة شعبية متماسكة ساخطة وفخورة، في مواجهة إستراتيجية السلطة القائمة على الحصار والتنكيل البوليسي. وفي عهد الاستعمار الفرنسي، جرت أعمال استخراج الثروات الجوفية (الفوسفات) هنا وفق الطريقة النموذجية للأنماط الاستعمارية: مصادرة الأراضي عبر استملاكها بالقوّة من السكان المحليين؛ استغلال الموارد الطبيعية بشكل مكثّف؛ استخراج المواد عبر استنزاف حياة الناس وإنتاج الكثير من النفايات الملوّثة؛ علاقات عمل وسلطة مستندة على التحالفات الزبائنية، والعصبيات القبلية والعائلية. في عهد الديكتاتورية تتمّ إدارة الخمسة آلاف وظيفة هذه في شركة فوسفات قفصة، إضافةً إلى الأموال المخصّصة للتكييف، بالتعاون الوثيق مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وحزب (التجمع الدستوري الديمقراطي) الحاكم سابقاً، من أجل المحافظة على الاستقرار في هذه المنطقة الجنوبية المحرومة من كل مشاريع التنمية الحقيقة، بفضل عمليّات توزيع، وإن شحيحة، لجزء من الأرباح الضخمة التي تعطيها صناعة الفوسفات، وذلك وفق توازنات دقيقة قبليّة وأسريّة يضمنها القادة المحليّون في النقابة المركزية والحزب الحاكم «التجمّع الدستوري الديمقراطي ».وها هم سكان قفصة ينتفضون من جديد في عهد حكم الإخوان المسلمين، بسبب استمرار السياسة عينها من التهميش والإقصاء. كما شهدت محافظة قابس في جنوب شرق تونس إضراباً عاماً ليوم واحد (الأربعاء 27 نوفمبر 2013)، شاركت فيه النقابات والأحزاب بما في ذلك عناصر من «النهضة». وطالب الأهالي بالتصدي للبطالة والفقر والتهميش وإنشاء كلية طب ومستشفى جامعي في المحافظة. علماً بأن الحكومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية، أعلنت الأسبوع الماضي، عن مشاريع تتعلق بإحداث ثلاث كليات للطب في محافظات الكاف (شمال غرب تونس) وسيدي بوزيد (وسط غربها)، ومدنين (جنوبها) وكلية لطب الأسنان في القصرين (وسط غربها) وكلية صيدلة في جندوبة (شمال غربها). وكنتيجة لسياسة التهميش هذه أغلقت كل الإدارات والمحال التجارية في مدينة قابس باستثناء بعض الصيدليات والمخابز، وخرج آلاف من سكان المدينة في تظاهرة للتنديد بـ«حرمان» المنطقة كلية للطب، مع العلم بأن الأمراض السرطانية تنتشر فيها من جراء التلوث الناتج من «المجمع الكيميائي» الذي تملكه الدولة. وسار المشاركون في التظاهرة التي انطلقت من أمام المقر الجهوي للاتحاد العام التونسي للشغل، نحو 15 كيلو مترا رافعين لافتات تندد بـ"قرار الحكومة الجائر (الذي) حرم قابس كلية الطب". وفي حركة رمزية؛ وضع المتظاهرون حجر الأساس لكلية الطب على قطعة أرض خصصتها البلدية لهذا المشروع منذ 2004. وشهدت محافظة سليانة، شمال غرب تونس، إضراباً عاماً شمل أغلب القطاعات والمنشآت العامة والخاصة، يوم الأربعاء 27نوفمبر، حيث شارك نحو 4000 من سكان المدينة في تظاهرة رددوا خلالها هتافات معادية لحركة النهضة الإسلامية الحاكمة، ولرئيس الوزراء علي العريض الذي قمع، عندما كان العام الماضي وزيرا للداخلية، الاحتجاجات الشعبية في سليانة. ويأتي الإضراب العام لإحياء ذكرى مرور سنة على قمع قوى الأمن احتجاجات شعبية عارمة في نهاية شهر نوفمبر 2012، أصيب خلالها أكثر من 300 شخص برصاص (الرش) المخصص لصيد الحيوانات، أثناء اشتباكات مع قوات مكافحة الشغب، وطالب المتظاهرون بملاحقة من تسبب بإصابة أبناء الجهة برصاص الرش الذي أفقد عدداً منهم البصر. ويحمل الأهالي رئيس الوزراء علي العريض الذي كان وزيراً للداخلية آنذاك مسؤولية ما حدث لأبنائهم، ويطالبون بمحاسبته، ورشق عشرات المتظاهرين بالحجارة سيارات قوى الأمن ورجال الأمن الذين منعوهم من الاقتراب من مديرية الحرس الوطني، فردت عليهم الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع. وتبادل المتظاهرون ورجال الأمن التراشق بالحجارة، فيما كانت سيارات الشرطة طاردت المتظاهرين في شوارع المدينة لتفريقهم، وقام المتظاهرون بقطع الطريق الرئيسي في المدينة بالحجارة والقضبان الحديد والإطارات التي أضرموا فيها. وكانت وزارة الداخلية التونسية أعلنت في بيان يوم الخميس 28 نوفمبر 2013، عن «إصابة أكثر من خمسين من عناصرها بينهم إصابتان خطرتان»، خلال التظاهرة التي شهدتها محافظة سليانة وسط البلاد، احتجاجاً على غياب التنمية وفرص العمل للشباب. لا تزال تونس تعاني من أزمة سياسية خانقة تعززت بتعطل الحوار الوطني، وطول مرحلة الانتقال الديمقراطي أكثر من اللزوم، وعدم إنجاز الدستور الديمقراطي، وتعطل عمل الحكومة رغم عدم التصريح بذلك رسمياً، وتدهور الوضع الأمني. وترافق مع هذه الأزمة السياسية، وتنامي الإرهاب في تونس، وجود أزمة اقتصادية واجتماعية تزداد حدة في كل يوم بسبب غلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع نسبة البطالة. فالاقتصاد التونسي مرتبط عضويا بالاقتصاد في بلدان الاتحاد الأوروبي، ولاسيَّما فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وإسبانيا، باعتبارهم الشركاء الاقتصاديين الأوائل، إذ تعاني هذه البلدان من نسبة نمو منخفضة، الأمر الذي يؤثر على الصادرات التونسية والسياحة في اتجاه تونس إضافة إلى التأثير السلبي على تحويلات التونسيين في الخارج. ويجمع الخبراء التونسيون في المجال الاقتصادي أن الأزمة الاقتصادية في الداخل، وانعكاس الأزمة الاقتصادية العالمية على الوضع في تونس، أديا إلى تراجع الاستثمار بصفة عامة الداخلي والخارجي الخاص والعام رغم التحسن الطفيف الذي سجله الاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة بالسنة الماضية والشيء نفسه على مستوى الاستهلاك فقد تراجع نتيجة تدهور المقدرة الشرائية، إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة الذي وصل إلى نسبة 19 في المئة، وهي بطالة نوعية بحكم أن أكثر من ثلث العاطلين هم خريجو الجامعة، ومعدل التضخم رغم تراجعه النسبي مقارنة بالسنة الماضية.وإذا اقترنت البطالة مع التضخم فهما من سمات الركود الاقتصادي وهي أسوأ الوضعيات الاقتصادية.
713
| 30 نوفمبر 2013
مع اقتراب الذكرى الثالثة لاندلاع الثورة التونسية التي فجرت ما بات يعرف بـ"الربيع العربي "، الذي تحول إلى شتاء مظلم، في ظل انعدام تحقيق التحولات الديمقراطية الحقيقية في البلدان العربية التي شهدت سقوط رؤوس الأنظمة العربية مع بقاء البنية التحتية القمعية السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية، لتلك الأنظمة، عادت "الثورة المضادة" إلى تونس، وهذه المرة تقودها حركة النهضة الإسلامية التي تولت قيادة حكومة الترويكا المؤقتة بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011، ولاسيَّما كتلتها في المجلس الوطني التأسيسي الذي انتخب لمدة سنة واحدة من أجل كتابة الدستور الديمقراطي للجمهورية الثانية في غضون سنة، وفيما بعد يعود النواب إلى بيوتهم، فيما يستمرّ عمل الحكومة المؤقّتة والرئاسة المؤقّتة إلى حين إجراء انتخابات سلطة دائمة رئاسية وبرلمانية. ولا يكفي أن حركة النهضة لجأت خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى انتهاج إستراتيجية التعطيل للحوار الوطني، بهدف الحيلولة دون تشكيل حكومة كفاءات وطنية تحل محل حكومة الترويكا المؤقتة، التي أثبتت فشلا ذريعاً في إدارة شؤون الدولة التونسية، لاسيَّما في محاربة العنف والإرهاب والاغتيال السياسيّ، ومقاومة الانحدار التاريخي للعجز الاقتصاديّ والتقسيم المجتمعيّ وارتفاع نسبة الكآبة في المجتمع التونسي، وعدم تثوير البحث العلميّ في الجامعات وتالياً تثوير البنى الاقتصاديّة، وتثوير الثقافة، بل إن نواب النهضة أعدوا مؤخرا قانوناً جديداً للأحباس والأوقاف لطرحه على المجلس الوطني التأسيسي، بعد أن اتخذت الدولة التونسية الحديثة في الفترة الفاصلة ما بين 1956 و1958، قرارات غاية في الجذرية الديمقراطية في المجالات المؤسسية والقضائية والثقافية مثل الإلغاء النهائي لمؤسسة الأوقاف والأحباس، وهي من أقوى الهياكل الاقتصادية والمالية التي تعتمد عليها المؤسسة الدينية التونسية ممثلة بالجامعة الزيتونية، وإعلان مجلة الأحوال الشخصية التي تنظم مسائل الزواج والطلاق والتبني والوراثة، وإنهاء دور المجالس الشرعية والمحاكم الدينية المنتشرة في المدينة العربية العتيقة، ومؤسسة الزيتونة التي تحولت بفضل قوانين 1958 إلى مجرد جامع أو مزار سياحي... فها هي حركة النهضة التي تدعي في خطابها المعلن للغرب أنها مع بناء الدولة المدنية، تكشف بكل وضوح خفايا إستراتيجيتها الباطنية المتمثلة في بناء الدولة الدينية بالتدرج، واستعادة المؤسسة الدينية التقليدية ورموزها الثقافية التقليدية دورها في المجتمع التونسي، عكس ما تعهدت وجاهرت به طيلة المرحلة الماضية، من خلال العودة إلى عملية إحياء مؤسسة الأوقاف والأحباس بعد أكثر من نصف قرن من إلغائها. ذلك أن إعادة سنّ قانون "الأحباس" أو ما يعرف كذلك بنظام الأوقاف يؤكد توجه الحكومة التي تقودها حركة النهضة نحو تكريس "الدولة الدينية" في ظل سيطرة مؤسسات دينية على أملاك كبيرة للغاية، وقد يؤدي ذلك إلى "تقنين" تمويلات للإرهاب!! كما سيؤدي سن قانون الأوقاف والأحباس إلى تغيير نموذج المجتمع التونسي المنفتح على الغرب، والعلماني، وفرض نموذج مجتمعي جديد تسيطر فيه الشريعة الإسلامية، لكي تعبد الطريق لعودة سلطة القرار إلى الجوامع و"فروعها" من مدارس ورياض قرآنية. من الناحية القانونية، يعني مصطلح "الحُبُس" أن يضع مالك أرض أو ضيعة أو عقار كل "غلّة" أو "منافع" ملكه على ذمة مؤسسة دينية عادة ما تكون جامعا، وهي التي تتصرف في منافع ذلك الملك.. إذ يمكّن قانون الأحباس المزمع سنّه من سيطرة تصاعدية للمؤسسات الدينية على دواليب وشرايين الاقتصاد الوطني ومن ثمّ تتملك رويداً رويدا ًسلطة القرار السياسي؟! وحسب مصادر قانونية أدلت بها لـصحيفة «الشروق التونسية تاريخ 16 نوفمبر 2013 » فإن هناك فرضية أخرى خطيرة للغاية ولا يمكن لأحد "التنبؤ" بعدم تجسيدها وهي أن الأمر سيؤدي إلى "تقنين" تمويل الإرهاب، إذ سيتمتع هذا التمويل بـ"غطاء شرعي" ولا يمكن لأحد مراقبته أو إيقاف نزيفه. بعد إنجاز الثورة التونسية، وبعد مصادرة محتوى هذه الثورة من قبل الإسلاميين، تستعيد حركة النهضة من جديد الصراع بين المشروعين العلماني والديني، وهو الصراع الذي كان قائماً منذ فجر الاستقلال. وإذا أردنا أن نتعمق أكثر، فالصراع بين السياسي والديني في تونس يعود في الواقع، إلى ثنائية ازدادت متطلباتها ثقلاً بين الدستوريين والزيتونيين، منذ مرحلة الاستعمار، وهو يعكس صراعاً أيديولوجياً وسياسياً بين الحزب الدستوري الجديد بقيادة الحبيب بورقيبة الذي اضطلع بدور قيادي للحركة الوطنية التونسية في مقاومة الاستعمار الغربي، وانتزع الاستقلال، وقام ببناء دولة عصرية، وكان له خطاب سياسي ينسجم أكثر فأكثر مع متطلبات التطور، لمختلف قطاعات المجتمع التونسي، وبين الحزب الدستوري القديم بقيادة عبد العزيز الثعالبي الذي كانت تسانده المؤسسة الدينية التقليدية، المتحالفة تاريخياً مع البرجوازية التجارية التقليدية، بحكم التجانس في الانتماء إلى الفضاء الأيديولوجي التقليدي. ومن المعلوم تاريخياً أن الحركة السياسية التونسية، لم تكن حركة تحرر سياسي فقط، بل كانت تمتلك برنامجاً خاصاً للعمل في المجالين الثقافي والاجتماعي مستندة في ذلك إلى تراث الحركة الإصلاحية التحديثية في تونس منذ عهد خير الدين التونسي، ورائد تحرير المرأة العربية التونسية الطاهر الحداد/ الذي جوبه بعداء شديد من جانب المؤسسة الزيتونية التقليدية، والفئات الاجتماعية المحافظة، والقيم والمبادئ المتخلفة في المجتمع التقليدي. إن الصراع بين النخبة السياسية الإدارية الحاكمة الحاملة لواء التحديث والعلمنة، والنخبة الزيتونية التقليدية هو صراع مجتمعي، وهو صراع بين مشروع مجتمعي تحديثي علماني يجد مرجعيته السياسية والأيديولوجية في الفكر السياسي البورقيبي المتشبع بالأيديولوجية الثقافية الفرنسية، وبالنزعة التحديثية لكمال أتاتورك، والذي يشكل استمراراً تاريخياً لفكر ونهج خير الدين التونسي السياسي الإصلاحي والتحديثي، حيث إن الإستراتيجية التي تبناها الرجلان السياسيان، سعى كل منهما إلى تحييد معارضة المنشأة الدينية في تونس العاصمة بتضمين وتوريط ممثليها في عملية الإصلاحات المؤسساتية، وتقدم هذه الإصلاحات الأوروبية الإلهام بوصفها أفضل منظومة دفاع للأمة الإسلامية"، وبين مشروع النخبة التقليدية المعارض لمشروع التحديث، والذي تتحكم فيه الرؤية السلفية الماضوية التي تركز على ضرورة العودة إلى قيم السلف الصالح. وهذا الصراع بين المشروعين هو في جوهره يعكس الصراع التاريخي والتقليدي على الصعيد العربي بين الأصالة والتحديث، والحال هذه، وضعية الصراع ليست وضعية خصوصية في تونس، ذلك أن القرن التاسع عشر شهد ظهور الحضارة الأوروبية بثورتها الصناعية وبرجوازيتها القومية، كنمط تأثير على حضارات قديمة: اليابان، الصين، تركيا، مصر، التي كانت تعيش حالات من تراكم التخلف وتبحث عن بدائل ملموسة لمجابهة الانحطاط. كما أن هذا الصراع المجتمعي يعكس صراعاً ثقافياً واضحاً يتمحور حول المؤسسات الثقافية والاجتماعية التي تقود المجتمع المدني والسلطة المرجعية لهذا المجتمع المدني الوليد، الأيديولوجيا العلمانية القومية الكلية للنخبة السياسية الإدارية الحاكمة أم المؤسسة الدينية التقليدية كجامع الزيتونة، ومنابر المساجد والمؤسسات الثقافية.. إلخ. إن الصراع بين الدولة التونسية الجديدة والمؤسسة الدينية التقليدية يعكس في بعده الثالث صراعاً طبقياً مكشوفاً بين فئات الطبقة الوسطى وتعدد مكوناتها الاجتماعية وشرائحها، الأمر الذي أعطى ميزة جيدة لخطابها السياسي القائم على التعددية والتغاير، وبين البرجوازية التقليدية التجارية المتضررة من الغزو الرأسمالي الغربي والتي حاولت أن تكون أكثر وطنية من الفئات الوسطى، حيث كانت المعارضة اليوسفية هي الممثلة السياسية لهذه البرجوازية التقليدية المهيمنة على المؤسسات الثقافية والسياسية، والتي تتكون من شرائح التجار والحرفيين ومؤسسة العلماء من أئمة ووعاظ وأساتذة. ثم إن الصراع بين المشروع التحديثي ومؤسسة العلماء، يعود في أحد أسبابه إلى التحالف القوي الذي كان قائماً بين المؤسسة الدينية التقليدية والبرجوازية التجارية التقليدية لدعم المعارضة اليوسفية. وقد كان الرئيس بورقيبة مدركاً أن العلماء هم الجهاز الأيديولوجي والدعائي للحركة اليوسفية المتصلة في جوهرها بالهياكل الدينية التقليدية، وهكذا يتضح أن الصراع بين بورقيبة وبن يوسف ليس مجرد صراع سياسي كما تتصوره بعض الأطروحات، إنما هو صراع ثقافي بالدرجة الأولى طالما أنه يطرح إشكالية الأصالة ومكانة الإسلام في المجتمعات المعاصرة التي مسها التحول الرأسمالي.
773
| 23 نوفمبر 2013
شهدت الضاحية الشرقية للعاصمة طرابلس الغرب يوم الجمعة 15 والسبت 16 نوفمبر الجاري أعنف موجة من المواجهات المسلحة، حين حاول مسلحون من سكان العاصمة منع عناصر تابعين لميليشيا مصراتة من دخول المدينة للانتقام لرفاق لهم قُتلوا خلال القمع العنيف الذي مارسته تلك الميليشيا بحق التظاهرة السلمية لأهالي طرابلس التي طالبت بإنهاء مظاهر التسلح في العاصمة. فأطلقت عناصر ميليشياوية من مصراتة تتخذ من حي غرغور جنوب طرابلس مقراَ لها، النار على المتظاهرين السلميين الذين قدموا للمطالبة برحيل الميليشيا عن مدينتهم، لتندلع مواجهات بين الطرفين خلفت 43 قتيلا على الاقل و461 جريحا، بحسب وزارة الصحة الليبية. . وأثارت هذه المواجهات المسلحة مخاوف لدى سكان طرابلس من اندلاع حرب أهلية في بلاد توجد فيها ميليشيات عدة على أساس مناطقي مثل مجموعة مصراتة أو على أساس أيديولوجي مثل جماعة "أنصار الشريعة". وهذا ما جعل المجلس المحلي لطرابلس (بلدية) يعلن مساء السبت إضرابا عاما لثلاثة أيام في العاصمة الليبية "حدادا" . ليبيا تنزلق بشكل متسارع نحو المزيد من الفوضى والانفلات الأمني في ظل سيطرة الميليشيات المسلحة على المشهد السياسي والعسكري فيها والذي ظهر أخيراً في عمليات الاغتيالات السياسية التي طالت ضباطاً في الجيش وأجهزة المخابرات، واختطاف رئيس الوزراء علي زيدان . توهم الليبيون ومعهم العرب أن الشعب الليبي أنجز ثورة حقيقية عندما أسقط نظام العقيد القذافي ، وجدت نفسها أن طريق الحرية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية التي وعد بها المجلس الوطني الانتقالي هي بعيدة المنال في ظل عملية استبدال سلطة الديكتاتور الراحل بسلطة الميليشيات المسلحة. رغم إجراء أول انتخابات ديمقراطية في العهد الجديد، فإن الحكومة الليبية الجديدة تبدو عاجزة عن بناء الدولة الجديدة، وهي تصطدم بسلطة الميليشيات المسلحة القبلية والدينية، التي تتناقض استراتيجياتها مع بناء الدولة المدنية، وترفض رفضاً قاطعاً بناء أجهزة الدولة الجديدة من جيش وطني، وأجهزة أمن، وشرطة، باعتبارها أجهزة الدولة الجديدة التي يجب أن تحتكر لوحدها حق استخدام السلاح. وما انفكت التقارير العربية والدولية تتحدث عن العنف الميليشياوي الذي يمارس ضد المجتمع الليبي برمته، وضد أنصار العقيد القذافي، إلى درجة أن ليبيا تحولت من الناحية العملية إلى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة، يصدر الإرهابيين إلى باقي الدول العربية، ودول الساحل الإفريقي، الأمر الذي يزيد من حرج الحكومة الليبية المنتخبة . لا شك أن ليبيا تمر بمرحلة انتقالية صعبة، بعد أن ورثت مؤسسات دولة ضعيفة وفي ظل غياب الأحزاب السياسية،و منظمات المجتمع المدني، وفشل المجلس الوطني الانتقالي، والحكومة الليبية الحالية في كبح جماح الميليشيات المنتشرة في كامل التراب الليبي، والتي تمارس عمليات النهب المنظمة لثروة الشعب الليبي من نفط وغيره، وهذا ما يجعل الشعب الليبي يعيش مع تركة قاسية جداً. وتُعدّ الميليشيات الخارجة عن القانون التحدي الأكبر في ليبيا ما بعد القذافي . وتريد الميليشيات المسلحة أن تمارس شريعة الغاب في ليبيا، لاسيَّما إزاء 8 آلاف معتقل من أنصار العقيد القذافي، معلن عنهم يتوزعون في 60 مركز اعتقال في أنحاء البلاد. وترفض هذه الميليشيات تطبيق القانون على هؤلاء المعتقلين ويتخوف المجتمع التونسي، ومعه المجتمعات المغاربية، وكذلك المجتمع الدولي من الوضع الأمني الداخلي في ليبيا الذي تهيمن فيه الميليشيات القبلية والإسلامية، بل يذهب خوفه الأكبر إلى الأسلحة والمتفجرات المنتشرة على الأراضي الليبية والتي يتم تهريبها إلى تونس، والجزائر، عبر دول الجوار من تشاد إلى مالي والنيجر ونيجيريا وغيرها. والمشكلة الحالية التي بات تقلق الشعب التونسي، تكمن في إمكانية وصول الأسلحة المهرّبة من ليبيا إلى مجموعات إرهابية مثل تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يقوده أبو عياض التونسي، والمرتبط عضويا بتنظيم "القاعدة والمغرب الإسلامي" و"بوكو حرام" النيجيرية، وغيرها من التنظيمات الإجرامية". وكان من تبعات كشف وزارة الداخلية التونسية هوية من قام باغتيال الشهيد محمد البراهمي وقبله الشهيد شكري بلعيد أن تم اعتبار "أنصار الشريعة" تنظيم إرهابي، ما يتيح اعتقال عناصره وسجنهم. لكن "أنصار الشريعة" بدا عند تاريخ حظره وكأنه قد استبق أي إجراءات ضده يمكن أن تتخذها الحكومة الحالية الفاشلة في محاربة الإرهاب، وانتقل إلى العمل السري. وعلى رغم أن هذا العمل كان يتم عبر خلايا تنشط داخل تونس نفسها، إلا أن جزءاً منه كان لا بد أن يتم خارج تونس وتحديداً في ليبيا، حيث يقيم زعيمه أبوعياض في حماية تنظيم "أنصار الشريعة "الليبي. فقد أتاحت الفوضى التي عمّت هذا البلد بعد سقوط القذافي لأي جماعة أن تنشط كما تريد من دون أن يكون هناك من يردعها. وكان الإسلاميون المتشددون بالطبع من بين الذين استفادوا من سقوط القذافي، فأنشأوا معسكرات تدريب في عدد من المناطق لإنشاء جيل جديد من الإرهابيين المحترفين. وكان فرع القاعدة المغاربي هو المستفيد الأول من هؤلاء "الجهاديين" الذين يتخرجون من المعسكرات الليبية ويلتحقون بصفوفه، للقيام بعمليات غرهابية في داخل تونس، والجزائر ومالي، وغيرها من البلدان العربية والإفريقية. في عهد الميليشيات المسلحة تحولت ليبيا إلى بؤرة للإرهاب تهدد شمال إفريقيا كله، من تونس إلى المغرب مرورا بالجزائر وموريتانيا، ويتحمل الغرب المسؤولية التاريخية عن واقع ليبيا الحالي. إن ليبيا في ظل الحكومة العاجزة، التي لا تحكم حتى في العاصمة طرابلس، أصبحت برميل البارود الذي يهدد بالانفجار في أي وقت، لأن الميليشيات المسلحة ترفض الانصياع لمنطق الدولة، وتريد إعادة تقسيم السلطة بين الميليشيات المسلحة، الأمر الذي يجعل ليبيا مهددة بالتقسيم إلى دولتين أو ثلاث دول، لاسيَّما أن بعض القبائل بدأت ترسم حدود هذه الدويلات.
410
| 20 نوفمبر 2013
عقدت لجنة الدفاع عن الشهيد شكري بلعيد والمبادرة من أجل كشف الحقيقة حول اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي مؤتمرا صحافيا بدار المحامي بباب بنات وتحديدا في قاعة الشهيد شكري بلعيد، يوم الخميس 7نوفمبر الجاري، كشفت فيها عن معلومات ومعطيات وصفت بالخطيرة تؤكد أن وزارة الداخلية ساهمت في التعطيل للوصول إلى الحقيقة وتحديد هوية الجناة فقد أعلنت «لجنة الدفاع والمبادرة من أجل الكشف عن حقيقة اغتيال بلعيد والبراهمي» يوم الخميس 7نوفمبر 2013، أن السلاح الذي استُعمل لقتل المعارض اليساري شكري بلعيد هو مسدس من نوع «بيريتا» عيار 9 ملليمترات تستعمله وحدات تابعة للإدارة العامة للأمن الوطني، واتهمت وزارة الداخلية بأنها أخفت نتائج الاختبار البالستي الذي أُجري في هولندا. وكان وزير الداخلية التونسي أعلن أن «عناصر متشددة» تقف وراء اغتيال المعارض بلعيد في 6 فبراير الماضي والنائب المعارض محمد البراهمي في 25 يوليو الماضي، لافتاً إلى أنهما قُتلا بواسطة السلاح ذاته.وقال عضو «لجنة الدفاع» المحامي مختار الطريفي، إن «مدير الأمن العمومي الأسبق وحيد التوجاني هو من تعمد إخفاء التقرير البالستي» (وهو اختبار للذخيرة المستعملة في عمليتي الاغتيال أُجري في مختبر جنائي هولندي)، مؤكداً أنه «سيتم تتبع كل من يثبت تورطه في إخفاء التقرير قضائياً». وصرح الأستاذ الطريفي كذلك أن موفدين من تونس حلوا بهولندا يوم 26 مايو 2013 وسلموا موضوع الاختبار إلى مشرفي المخبر قبل النظر في طلب التعاون. كما تولى المخبر الهولندي إعداد 5 نسخ من الذخيرة موضوع الاختبار.وقال الأستاذ الطريفي إن رئيس إنتربول تونس مراد السباعي لم يشر إلى أنه بتاريخ 7 يونيو2013 كان على علم بأن النسخة الأصلية من الاختبار قد تسلمها بلقاسم بالسعودي منذ 29 مايو 2013 من معهد الأدلة الجنائية بهولندا وسلمها صحبة تقرير إلى رئيسه المباشر. وقد تم إخفاء وصولها إلى وزارة الداخلية عن المدعى العام للشؤون الجزائية رياض بالقاضي الذي كانت موجهة إليه وإلى قاضي التحقيق المتعهد بالقضية. وقد واصل رياض بالقاضي المدعى العام للشؤون الجزائية المطالبة بمعرفة مآل الإنابة القضائية الدولية المتعلقة بالاختبار البالستي وراسل بتاريخ 24 يوليو2013وزير الشؤون الخارجية بالمكتوب عدد 3079 مطالبا بذلك مع الإشارة إلى أن نتيجة الاختبار البالستي في ذلك الوقت بوزارة الداخلية التي استولت عليها وأخفتها عن القضاء. ولفتت اللجنة إلى أن وزارة الخارجية الهولندية أبلغت نظيرتها التونسية في مذكرة شفوية بتاريخ 25 سبتمبر 2013أن ضابطاً تونسياً أوفدته الداخلية إلى هولندا تسلم في 29 مايو 2013 النسخة الأصلية من تقرير يتضمن نتائج الاختبار البالستي.وأضافت أن الضابط «وقّع وصْلَ تسلم التقرير وتعهد إيصاله إلى المدعي العام للشؤون الجزائية في وزارة العدل رياض بالقاضي».ويدعى الضابط بلقاسم بالسعودي وهو مكلف اختبار الأسلحة والذخيرة في الإدارة الفرعية للمختبرات الجنائية والعلمية في وزارة الداخلية.وقالت اللجنة إن الضابط «بعد عودته إلى تونس أخفى هذا الاختبار وسلمه إلى رئيسه المباشر الذي أخفى بدوره وجوده إلى أن كُشف عنه عن طريق المذكرة الشفوية الصادرة عن وزارة الشؤون الخارجية الهولندية بتاريخ 25 أيلول» الماضي.
729
| 11 نوفمبر 2013
تعيش ليبيا الآن في منتصف الطريق بين الواقعية والإحباط، وبين دعاة الفيدرالية ومعارضيها، في ظل الصراع القائم بين الأطراف المتنازعة على تقسيم فعلي للبلاد بين قبائل الشرق وقبائل الغرب، وإن كان هذا الاحتمال يبقى في الوقت الحاضر مستبعداً. لكن ماهو قائم في ليبيا الآن هو غياب الأمن وسيادة الفوضى، وانتشار أعمال القتل والعنف والسلب والخطف من جانب الميليشيات والعصابات المسلحة التي تسيطر على ثروات ليبيا، وتعيث في الأرض فساداً وظلماً أمام عجز الجيش الليبي عن التصدي لهذه الميليشيات، وتردي الخدمات وضعف أجهزة ومؤسسات الدولة، وغياب المشروع المجتمعي الجديد من جانب المؤتمر الوطني العام الذي انتخب في شهر يوليو 2012، والحكومة التي انبثقت عنه، من أجل بناء دولة ديمقراطية حديثة، تقوم على المؤسسات واحترام سيادة القانون، وتنصاع للإرادة الشعبية. في ظل هذا الوضع المزدري الذي تعيشه ليبيا، تم يوم 29 أكتوبر 2013 الإعلان عن تأسيس مجلس برقة الفيدرالي في ليبيا، برئاسة الشيخ أحمد الزبير السنوسي، وجاء الإعلان عن تشكيل هذا المجلس منفصلاً عن أفراد الميليشيا المسلحة التي يتزعمها الجضران، والتي تسيطر على منشآت تنتج نحو 60% من الثروة النفطية للبلاد في المناطق الصحراوية النائية المنتجة للنفط. ويبدو واضحًا أن البدء في تصدير النفط بطريقة مستقلة إلى السوق عن طريق البحر المتوسط دون أي اتفاق مع طرابلس، سيكون صعبًا على مجموعة الجضران، خاصة بعد تهديد الحكومة المركزية بمهاجمة أي ناقلة تحمل صادرات نفط غير مشروعة. ويُعد الإعلان يوم الإثنين 4 نوفمبر الجاري عن تشكيل حكومة ظل من جانب واحد في إقليم برقة شرق ليبيا الغني بالنفط، ضربةً رمزية للجهود التي تبذلها الحكومة الليبية لإعادة فتح موانئ وحقول النفط الشرقية التي أغلقتها ميليشيات وقبائل تطالب بنصيب أكبر من السلطة والثروة النفطية. وقد حضر أداء اليمين لأكثر من 20 وزيراً، إبراهيم جضران زعيم ميليشيا قبلية والقائد السابق لقوة حماية النفط في ليبيا المسؤولة عن حراسة منشآت النفط، والمنشق عن الحكومة المركزية في الصيف الماضي، بعد أن سيطر بقواته على أكبر ميناءين ليبيين وهما راس لانوف والسدرة. وقد سعى رئيس الوزراء الليبي علي زيدان إلى الاتصال بقيادات في شرق البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، لمحاولة لإعادة فتح موانئ النفط المغلقة في منطقة تنتج 60 في المئة من نفط البلاد، بعد أن أدت الاحتجاجات والإضرابات في موانئ وحقول النفط إلى خفض الإنتاج إلى نحو 10 في المئة من إنتاج البلاد الذي يصل إلى 1.25 مليون برميل يومياً. ويتهم جضران وكثيرون آخرون في شرق ليبيا زيدان والأعضاء الإسلاميين في المؤتمر الوطني العام بالفساد والإخفاق في توفير الأمن منذ إسقاط نظام القذافي. وسيضم مجلس برقة الفيدرالي قبائل الشرق الليبي، وسيعلن أحمد الزبير السنوسي أيضاً عن تشكيل برلمان، ومجلس شورى خاص ببرقة، ويمتد إقليم برقة من الحدود الليبية المصرية شرقاً، وحتى الوادي الأحمر بالقرب من مدينة سرت غربًا. ويذكر أن أحمد الزبير السنوسي، هو ضابط سابق في العهد الملكي، وصاحب أول محاولة انقلاب عسكرية على نظام القذافى عام 1970، والتي حُكم عليه بموجبها بالإعدام إلا أنه سجن 31 عامًا.وسبق أن أعلن إقليم برقة كيانًا فيدراليًا اتحاديًا مرتين، بقيادة الزبير السنوسي، ابن عم ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي، لكن الأمر لم يتعد ذلك الإعلان. وقد رفض رئيس المؤتمر الوطني الليبي، نوري بوسهمين، شرعية أي كيان خارج إطار المؤتمر الوطني العام، في أول رد للمؤتمر على إعلان المكتب التنفيذي لإقليم برقة لحكومته. وأضاف بوسهمين في تصريحات تلفزيونية إن الإعلان الذي صدر في مدينة أجدابيا بشرق ليبيا من قبل المكتب التنفيذي هو إعلان لأشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم. في سياق مساعيها للاستقلال الذاتي، عينت منطقة شرق ليبيا الغنية بالنفط مؤخرا قياداتها العسكرية والإدارية الخاصة بها. وعُين نجيب سليمان الحاسي في منصب القائد الأعلى لقوات دفاع برقة ومقرها في برقة، فيما سيترأس عبد ربه عبد الحميد البرعصي المكتب التنفيذي والذي سيكون مقره في البيضاء، حسب إعلان رئيس المكتب السياسي للإقليم. ويرى المدافعون عن الحل الفيدرالي أمثال إبراهيم سعيد جضران، أن خطوة إعلان برقة إقليم فيدرالي تهدف إلى "إدارة شؤون الإقليم، وسد الفراغ الذي سببه المؤتمر الوطني والحكومة". لقد ظلت قبائل الشرق ملكية ولم تعترف يوماً بسلطة القذافي الذي ينتمي إلى قبيلة القذاذقة الصغيرة، المقيمة في سرت، لاسيَّما أن القذافي كان يكره بنغازي وأهلها، باعتبارها حاضنة السنوسية والملك السنوسي الذي انقلب عليه عام 1969. وكانت سلطة القذافي تستند، إضافة إلى قبيلته، إلى قبيلتين أخريين: الورافلة، الذين تجدهم في الجهاز الأمني، والمقارحة المتواجدين في الإدارة والعاملين في التجارة. وقد استبعد القذافي قبائل الشرق من جهاز الدولة وحرمهم من أرباح النفط. وهو حوّل مركز السلطة إلى طرابلس الغرب، كما في عهد الاستعمار الإيطالي. المعارضون الديمقراطيون للنظام والملكيون عملوا كلهم من الخارج، من مصر والسودان والتشاد. واستهدفت سياسة نظام القذافي الإفريقية في الثمانينات خلق أنظمة "صديقة" كان المطلوب منها طرد المعارضين الليبيين من أراضيها، فلجأ هؤلاء إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا. وفي ظل عجز الحكومة الليبية في طرابلس، يمثل إعلان قبائل الشرق تشكيل إقليم برقة الفيدرالي الذي يستمد "شرعيته" من الدستور الذي أقر في عهد الملك إدريس السنوسي عام 1951، تطوراًينتظر أن يذكي الاستقطاب الحاد الذي يشهده المجتمع الليبي منذ سقوط نظام معمر القذافي، بالنظر إلى تداعياته التي يخشى كثيرون أن تؤدي إلى جنوح البلاد نحو سيناريوهات التقسيم والانفصال.
883
| 06 نوفمبر 2013
نجحت القوى الأمنية التونسية في منع حدوث تفجيرين كبيرين يوم الأربعاء 30 أكتوبر 2013، الأول بمدينة سوسة السياحية التي تبعد 140 كيلومترا عن العاصمة، حين حاول الإرهابي المدعو أحمد العيادي وهو من منطقة الزهروني ومن مواليد 1992 وينتمي للتيار السلفي المتشدد وكان يقاتل في سوريا قبل أن يعود إلى تونس، أن يدخل في البداية "فندق رياض بالم" في سوسة وفي يده حقيبة، لكن دورية أمنية تابعة لإقليم الأمن الوطني بسوسة تفطنت إليه، وبمحاصرته وتضييق الخناق عليه بالتعاون مع أعوان حراسة بالنزل لاذ بالفرار وأقدم على تفجير نفسه في الشاطئ. ولم يصب أحد بأذى، فيما ذكرت مصادر أمنية أنه جرى رصد فرار شخصين آخرين. والثاني، حين حاول تنفيذ اعتداء على ضريح الرئيس الأسبق للجمهورية التونسية ومؤسسها الحبيب بورقيبة (1956-1987)، في بلدة المنستير الساحلية التي تبعد 20 كيلومترا عن مدينة سوسة. وفي تفاصيل عملية المنستير، قال المتحدث الرسمي باسم "نقابة الأمن الرئاسي" هشام الغربي، في حديث إذاعي، إنّ "الشخص الذي حاول القيام بالعملية.. والذي تم القبض عليه، يدعى أيمن السعدي بن رشيد يبلغ من العمر 18 عاماً وهو من ولاية زغوان من ذوي السوابق العدلية وصدرت بحقه أربع بطاقات تفتيش ويحمل في بطاقة التعريف الوطنية صفة تلميذ". وفيما لم تتبن أي جهة العمليتين، فإن الناطق الرسمي لوزارة الداخلية محمد علي العروي، أقر أن إرهابيي سوسة والمنستير ينتمون إلى تنظيم" أنصار الشريعة" الذي تم تصنيفه مؤخرا كتنظيم إرهابي. ورفض محمد علي العروي في مداخلة هاتفية عبر إذاعة شمس إف إم الإفصاح عن المواقع والجهات والمؤسسات التي يُمكن استهدافها من قبل الإرهابيين وذلك لسرية الأبحاث. وأكد العروي أن بعض العناصر الإرهابية لا تزال محل ملاحقة. وتحدث محمد علي العروي على ضرورة تضافر الجهود والإمكانات بين جميع الوحدات الأمنية والمواطن التونسي الذي يمكنه لعب دور في هذه الأوضاع وذلك بالإبلاغ عن كل شيء مشبوه. يُذكر أن وزارة الداخلية كانت أعلنت مساء اليوم أن الوحدات الأمنية تمكنت من القبض على 5 عناصر إرهابية على علاقة بإرهابيي سوسة والمنستير. وشكلت المحاولتان الإرهابيتان سابقة في تونس، إذ إن تنظيم " أنصار الشريعة" اقتصرت عملياته الإرهابية منذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، على استهداف رموز المعارضة اليسارية والقومية (اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي)، وعناصر الأمن الوطني، والحرس الوطني (الدرك) والجيش ونصب مكامن لها. وكانت تونس شهدت آخر عمليتي تفجير في محافظتي سوسة والمنستير عام 1986، ما أدى إلى سقوط عشرات الجرحى من التونسيين والسياح الأجانب. وتشهد تونس منذ مقتل عنصرين من الحرس الوطني (الدرك) في قرية قبلاط التابعة لمحافظة باجة، ومقتل ستة عناصر من الحرس الوطني في قرية سيدي علي بن عون وبئر الحفي التابعة لمحافظة سيدي بوززيد، تصاعداً ملحوظاً في العمليات الإرهابية التي يقودها تنظيم " أنصار الشريعة"، حيث يرى المراقبون المتابعون لقضايا الإرهاب، أن استعمال تقنية التفجيرين المتزامنين في مدينتين متلاصقتين هو من خصائص العمليات التي تنفذها التنظيمات الجهادية في أنحاء العالم، لاسيَّما تنظيم " القاعدة"مثلما حصل في تفجيرات نيروبي ودار السلام التي استهدفت سفارتين للولايات المتحدة بالإضافة إلى عمليات مشابهة في سورية والعراق. ويخشى هؤلاء المراقبون أن تشهد المدن الأخرى التونسية عمليات تفجير، لاسيَّما أن سوسة والمنستير من المدن السياحية التي تتسم بوجود أمني مكثف. لا شك أن تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يقوده أبو عياض التونسي (سيف الله بن حسين)، الذي سبق أن عاش في بريطانيا في تسعينيات القرن الماضي ونشط ضمن مجموعة الشيخ أبو قتادة الفلسطيني قبل أن "يهاجر" إلى أفغانستان ليعيش هناك خلال حكم حركة "طالبان" حيث التقى بأسامة بن لادن في قندهار عام 2000، وشارك أيضاً في تأسيس جماعة تونسية جهادية (الجماعة المقاتلة التونسية) عام 2000، وكان متورطاً في استقدام شابين تونسيين من بلجيكيا لتنظيم "القاعدة" نفذا عملية اغتيال أحمد شاه مسعود قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر 2001، وفرّ من أفغانستان بعد الغزو الأمريكي الذي أطاح حكم "طالبان" وأخرج "القاعدة" منها، لكنه اعتُقل لدى اختفائه في تركيا عام 2003 وسلّم إلى نظام ابن علي الذي سجنه - مؤبداً - بتهم الضلوع في الإرهاب والانتماء إلى "القاعدة"، عمل منذ تمتعه بالعفو التشريعي العام مع كثير من السجناء الآخرين عقب سقوط نظام ابن علي في 2011، على تأسيس تنظيم إرهابي "أنصار الشريعة"مرتبط بتنظيم " القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي " الذي يقوده الجزائري عبد المالك دروكدال (أبو مصعب عبد الودود)، حيث أثبتت العمليات الإرهابية التي شهدتها المناطق الحدودية التونسية –الجزائرية، لاسيَّما في جبل الشعانبي منذ نهاية العام 2012، وطيلة عام 2013، بأن قادة "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" أقاموا علاقة وثيقة مع "أبي عياض التونسي" وقادة جماعته. ورغم أن مصادر أمنية تونسية تحدثت في أكثر من مناسبة عن أدلة على أن مجموعة أبو عياض تتبع فرع القاعدة المغاربي، إلا أن "أنصار الشريعة" قالت في أكثر من مناسبة أنها ليست جزءاً من مجموعة خارجية. عبرّ تنظيم "أنصار الشريعة" عن نفسه بسلسلة من العمليات الإرهابية، بدأت بأحداث السفارة الأمريكية في 14سبتمبر 2012، والتي جسدت عملية التحول النوعي في الصدام بين تنظيم " أنصار الشريعة" وحكم حركة النهضة الإسلامية، ثم عملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد في 6 فبراير 2013، والمواجهة العسكرية بين عناصر هذا التنظيم والجيش التونسي، والذي سقط خلالها أكثر من عشرين شهيدا في صفوف الجيش، وعملية اغتيال محمد البراهمي في 25يوليو الماضي. واستفاد تنظيم "أنصار الشريعة" من سقوط نظام القذافي في سبتمبر 2011، إذ أصبح الجهاديون التونسيون يتدربون في المعسكرات الليبية على مختلف أنواع الأسلحة في ظل غياب الدولة الليبية، ونال أبو عياض حصته من ترسانة الأسلحة الليبية التي باتت متاحة لمن يملك المال ليشتريها بأرخص الأثمان، وفي حالة زعيم "أنصار الشريعة" أبو عياض، فقد حصل على الأسلحة الليبية مجاناً كمكافأة على وقوف الجهاديين التونسيين إلى جانب إخوانهم الليبيين الذين يريدون أن يردوا لهم جميلهم خلال الثورة، إضافة إلى أن الجهاديين التونسيين الذين تخرجوا من معسكرات التدريب الليبية، توجهوا فيما بعد إلى سوريا بالعشرات - إن لم يكن بالمئات - لقتال النظام في سوريا ضمن صفوف جماعات مرتبطة بـ"القاعدة" كتنظيم "دولة العراق والشام الإسلامية – داعش " و"جبهة النصرة"، رغم أن التونسيين تلقوا هزيمة مدوية على أرض سوريا، إذ بلغ عدد القتلى في صفوفهم مما يقارب 1920 قتيلاً. وفي ظل الهزائم التي تتلقاها التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وأخواتها سوريا، طالب قائد تنظيم " أنصار الشريعة" أبوعياض بوقف إرسال الشباب التونسي إلى سوريا لأن القاعدة بحاجة لهم في تونس. ويقول مصدر إسلامي مطلع عن النقاشات التي دارت بين أبو عياض والجهاديين في معسكرات ليبيا إن تونس أحق بهؤلاء المقاتلين لأن ذهابهم يعني إخلاء الساحة لـ"العلمانيين". وبذلك أصبح أبو عياض يدعو "الجهاديين" التونسيين إلى البقاء لـ"الجهاد" في تونس لأنها "أولى" بهم من مناطق أخرى، للقيام بعمليات إرهابية تربك الوضع السياسي في تونس. وتأتي العمليتان الإرهابيتان في كل من سوسة والمنستير، في توقيت دخلت فيه تونس جدياً في الحرب على الإرهاب، بعد خمسة أيام على صدور قرار رئاسي باستحداث منطقة عمليات عسكرية في محافظة سيدي بوزيد، حيث شن الجيش التونسي يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2013، عملية عسكرية واسعة استخدمت خلالها الدبابات والمروحيات ضد معاقل الإرهابيين الذين فروا إلى جبال المحافظة الواقعة وسط البلاد. وقال الرئيس التونسي منصف المرزوقي، لدى إشرافه على ندوة دولية مخصّصة لمناقشة مشروع لقانون مكافحة الإرهاب في تونس، إن "الإرهاب حرب مفروضة علينا تستهدف المسار الديمقراطي في تونس"، مشيراً إلى أن "قوة إرهابية في تونس قد تكون وراءها أيادٍ غير محليّة تسعى إلى ضرب المسار السلمي للانتقال الديمقراطي".
416
| 01 نوفمبر 2013
أحيا الشعب التونسي يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2013 الذكرى الثانية لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي، وسط صورة درامية تعكس حالة الجدل والخلاف والانقسام الكبير في المشهد السياسي التونسي، بين المعارضة المدنية الليبرالية واليسارية والقومية التي تظاهر أنصارها في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية، لدفع الحكومة التي تقودها حركة "النهضة" الإسلامية إلى الاستقالة، وذلك تزامناً مع اكتمال سنتين على أول انتخابات تأسيسية (البرلمان) بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت الرئيس السابق زين العابدين بن علي، من جهة. وبين حركة النهضة الإسلامية الحاكمة، المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين، وحلفائها، من جهة أخرى. وعمّق من حالة الانقسام عدم انطلاق الحوار الوطني في تونس، في موعده المحدد الأربعاء23 أكتوبر الجاري، حيث أصرّت مختلف الأطراف على مطالبها ومواقفها المندرجة في سياق فهمها الخاص بتنفيذ آليات المبادرة التي أطلقتها "الرباعية" الراعية للحوار في 17 سبتمبر 2013، في وقت اندلعت اشتباكات لم تكن مفاجئة لكل المتابعين لقضية انتشار الإرهاب في عموم البلاد التونسية، بين القوات الأمنية و "مجموعة إرهابية" تنتمي إلى تنظيم "أنصار الشريعة" في منطقة سيدي علي بن عون من ولاية سيدي بوزيد،وتحديدا في منطقة الونايسية،حيث استشهد 6 من عناصر أعوان الحرس الوطني فيما سقط 6 جرحى آخرون يتلقون العلاج حاليا في المستشفى الجهوي بسيدي بوزيد. وتُعتبر منطقة "سيدي علي بن عون" من أهم معاقل التيار "السلفي الجهادي" في تونس، ويقطن فيها الخطيب الإدريسي، الزعيم الروحي لـ "الجهاديين" التونسيين. وحسب المعطيات الأولية المتوافرة من مصادر أمنية تونسية،فإن معلومات وردت إلى أعوان الأمن بالجهة مفادها أن "عناصر مجموعة إرهابية مسلحة تتحصن به"، تخطط للانتقام لعملية قبلاط متواجدة في أحد منازل الجهة،فتحولت العناصر الأمنية لتقصي حقيقة المعلومة، لكن المجموعة الإرهابية باغتتها بالرصاص مما أسفر عن استشهاد 6 بينهم نقيب وجرح 6 آخرون فيما قتل عنصران من المجموعة الإرهابية وجرح عدد آخر لم يتم تحديد عددهم.وتشبه هذه العملية الإرهابية إلى حد كبير ما حدث يوم الخميس 17 أكتوبر الجاري في منطقة قبلاط في ولاية باجة، حيث سقط قتيلان من الحرس الوطني في اشتباكات مع مجموعة مسلحة. لا شك أن تزامن سلسلة العمليات الإرهابية الأخيرة،يدق جرس الإنذار للأطراف السياسية على مدى تغلغل الإرهاب في البلاد التونسية، حيث إن هناك مخططاً واضحاً من طرف تنظيم "أنصار الشريعة" المتعاون مع عصابات التهريب، يستهدف المقرات والدوريات الأمنية والديوانية الحدودية بغاية كسر "الحصار" عن المجموعات الإرهابية المتحصنة بالجبال وعمليات التهريب التي تخرّب الاقتصاد الوطني. فهذا التحالف الموضوعي بين تنظيم "أنصار الشريعة"و عصابات التهريب، فرضته "مصالح مشتركة" بين الطرفين، انطلقت منذ أكثر من العام، حيث لعبت عصابات التهريب دوراً فاعلاً في "تسهيل" دخول الجماعات الإرهابية إلى البلاد التونسية وتمركزها بين عدد من الجبال بالقصرين والكاف وجندوبة بصفة خاصة. كما إن عصابات التهريب تتلقى أموالا ضخمة من الجماعات الإرهابية مقابل توفير "المؤونة" لها لدعم تحصّنها بالجبال.وكانت الأجهزة الأمنية تفطنت في الفترة الأخيرة إلى العلاقة العضوية بين تنظيم" أنصار الشريعة" وعصابات التهريب المعروفة باسم "الكونترا"،حيث تتستر هذه الأخيرة في المجموعات الإرهابية عكس ما كان سائدا قبل أعوام. في قراءة لحصاد السنتين الماضيتين منذ إنجاز أول انتخابات ديمقراطية في الساحة التونسية يوم 23 أكتوبر 2011، يلمس المتابع للأحداث السياسية في هذا البلد العربي مفجر ربيع الثورات العربية منذ عامين، أن الشعب المدفوع بالغيرة على تونس التي نُهبت تحت براثن الفساد والمحسوبية من قبل النظام الديكتاتوري السابق، وتعاطفا مع الأبناء الذين امتهنت كرامتهم في الداخل والخارج، بحثا عن سبل الحياة الكريمة، في حين استأثر رعايا السلطة بكل المزايا والفرص الكبيرة، هذا الشعب لم يحقق أي من أهدافه في مجال تحقيق بناء الدولة الديمقراطية التعددية، والعدالة الاجتماعية، والحرية، والعزة، والكرامة، بعد عقود من الهوان والاستبداد. ومنذ انتخابات 23 أكتوبر 2012، ساد الانقسام والصراع السياسي في المشهد السياسي التونسي،بين سلطة الائتلاف الحاكم الذي تتزعمه حركة "النهضة" على مجمل العملية السياسية،ومحاولتها المحمومة من أجل الهيمنة على مفاصل الدولة التونسية، وبين المعارضة الليبرالية والعلمانية التي تناضل من أجل إنجاز أهداف الثورة التونسية. وفي تلك الأثناء شهدت الساحة السياسية بروز تنظيم "أنصار الشريعة " الإرهابي المتورط في عمليات الاغتيال التي طالت كل من الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وصنف بعدها تنظيما إرهابيا، وواصل عملياته الإرهابية حتى بعد ذلك التصنيف وكانت آخرها منذ أيام في قبلاط بمحافظة باجة، وأمس الأربعاء في ولاية سيدي بوزيد، في اليوم الذي كان مخصصاً لانطلاق الحوار الوطني.ورغم تشكل حكومة علي العريض على أثر استقالة حكومة حمادي الجبالي في 19 فبراير 2013، فإن هذه الحكومة استمرت في نفس النهج السابق وأعادت إنتاج الأزمة السياسية، لاسيَّما بعد استشهاد المعرض محمد البراهمي في 25يوليو 2013. فمن الناحية السياسية، كان المأمول من حكم النهضة أن يسعي سريعا نحو إنجاز الدستور الديمقراطي التوافقي، وإدارة عملية التحول الديمقراطي كجزء من عملية إعادة بناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، في إطار من الوفاق الوطني والرضا الشعبي المستند إلى حكم القانون، أي بناء الدولة الديمقراطية الحديثة على نحو ما فعلت الدول المتحولة في أوروبا الشرقية، وتحقيق النهضة الاقتصادية، علي نحو ما فعلت الدول الناهضة في جنوب شرق آسيا، الأمر الذي يؤدى إلى تحسين الأحوال المعيشية للشعب التونسي، وتخفيف وطأة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية. على نقيض كل ما كان مأمولاً من جانب حركة النهضة أن تستجيب -ولو نسبيا- لتحقيق أهداف الثورة التونسية، كشفت لنا التطورات السياسية خلال السنتين الماضيتين، أن حركة النهضة متحالفة مع المجموعات الإرهابية، وعبدت لها الطريق لكي يكون لها موقع قدم على الأرض التونسية، واستخدمتها في نطاق حربها على المعارضة اليسارية والليبرالية والقومية. ومما زاد من حدة هذه الحالة الانفلات الأمني الذي تمر به تونس، وتغلغل الإرهاب في المدن والأرياف والجبال، لاسيَّما في المحافظات المهمشة والفقيرة، وفي أحزمة الفقر بالعاصمة، فكانت النتيجة الحتمية أن فشلت كل مبادرات الحوار الوطني للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها تونس، بسبب إصرار صقور حركة النهضة على عدم قبول استقالة الحكومة، وعدم ثقتهم في جدوى الحوار الوطني، واستخدامهم للمجموعات الإرهابية للقيام بعمليات إرهابية، الهدف الرئيسي منها هو تعطيل الحوار الوطني، وخدمة مآربها في إفشال تحقيق أهداف الثورة التونسية، الأمر الذي جعل تونس، على شفا الإفلاس، وصار شبح الدولة الفاشلة يحوم حولها، مهددا بانهيار ركائزها. فإذا كان إسقاط النظام الديكتاتوري السابق هو الهدف الذي وحد القوى السياسية في من أجل إنجاز الثورة، فإنه بعد ما تحقق هذا الهدف، انكشفت القوى السياسية على حقيقتها، إذ تبينت أكذوبة إيمان القوى الإسلامية ببناء الدولة المدنية، وباتت تدافع عن مرجعيتها الثابتة والمختلفة عن فصائل المعارضة الليبرالية والعلمانية، وعملت حركة النهضة التي وصلت إلى السلطة قبل سنتين على تطبيق مرجعيته الأيديولوجية الإسلامية على أرض الواقع بالتدرج، مع إصرار ها على أن تكون المعادلة صفرية، ورفضها الوصول لمعادلة الحل التوافقي، من خلالها عدم جدية حكومة علي العريض في محاربة الإرهاب، واستمرار مناورتها بشأن تقديم استقالة الحكومة، رغم أن الأحداث السياسة أثبتت فشلها، في ظل انقلاب موازين القوى الشعبية والسياسية لغير مصلحة حركة النهضة الإسلامية. وهناك إجماع لدى مكونات الشعب التونسي، أن "نموذج الإسلام الحداثي " -وفقا لتسمية -وفقا لتسمية الشيخ راشد الغنوشي، عندما كان في المعارضة قد وصل إلى مرحلة النهاية، بسبب تحالف حركة النهضة مع الجماعات الجهادية المتطرفة التي تمارس العنف ضد المجتمع، ووقوع حركة النهضة في فخ الابتزاز الديني من الجماعات السلفية التكفيرية طيلة العامين الماضيين من جهة، وبسبب سقوط مشروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذي يمثل ضربة موجعة لكل حركات الإسلام السياسي، وللفكرة المركزية التي تدور حولها هذه الحركات، من جهة أخرى. حركة النهضة أصبحت تخشى من أن يقود الحوار الوطني إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية، تكون من أولياتها محاربة الإرهاب الذي يقود تونس في الوقت الحاضر إلى المجهول، لاسيَّما في ظل تحالف صقور النهضة مع الإرهاب، واستهدافه قوات الأمن الوطني. كما أن حركة النهضة لا تريد إنجاز ما تبقى من عمر هذه المرحلة الانتقالية التي طالت أكثر من اللزوم، لاسيَّما إنجاز الدستور الديمقراطي التوافقي، وتحديد موعد الانتخابات القادمة،ومواجهة الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد، والعمل على بناء دولة القانون من خلال تفعيل قانون محاربة الإرهاب، وبناء أجهزة أمنية ذات طابع جمهوري، والقضاء على الأجهزة الموازية المغلغلة في وزارة الداخلية، والتي تحمي الإرهاب. لكل هذا باتت حركة النهضة تخاف من موافقتها على استقالة الحكومة، لأن برحيل هذه الحكومة الفاشلة، ستتشكل حكومة جديدة تقوم على سيادة القانون، وتعمل من أجل خدمة مصالح الشعب التونسي في تحقيق أهداف ثورته.، وأنقذ تونس من الإفلاس، لاسيَّما في ظل تدني الاقتصاد وصيحات الفزع التي يطلقها البنك المركزي بأن تونس أصبحت على حافة الإفلاس. إن تونس، عبر تاريخها الطويل، اتسمت بحالة من التآلف الفريد والانسجام، الذي لا مثيل له، جغرافيا وسكانيا وحضاريا، وذلك علي قاعدة من التسامح الديني الذي تميز به التونسي عبر تاريخه. لكن حركة النهضة بتحالفها مع الجماعات الجهادية التكفيرية المتطرفة التي لجأت إلى الإرهاب، شذت هذه القاعدة، فجعلت الشعب التونسي يفقد صبره من هذه الحكومة الفاشلة، ويطالب رحيلها. وما من شك في أن ميزة التآلف والانسجام هذه هي التي حفظت لتونس وحدتها الوطنية، وبلورت مكانتها الرائدة بين البلدان المتقدمة. وكلما ابتعدت تونس عن هذه القاعدة أو تراجعت عنها، زادت الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية. إن المشهد الحاكم في تونس الآن هو مشهد الانقسام السياسي الحاد، ومنه تأتي الفرقة والفتنة التي ولدتها التيارات التكفيرية المحمية من قبل حكومة النهضة، ومنهما يولد الضعف لدى البلاد التونسية، وعنده تقف الثورة التونسية عاجزة عن تحقيق أهدافها، في بناء الدولة الديمقراطية، الكفيلة وحدها بحماية مصالح الشعب التونسي في الداخل والخارج، وحماية أمنها الوطني الذي أصبح عرضة لمخاطر الإرهاب.
421
| 25 أكتوبر 2013
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...
2226
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
1710
| 25 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
837
| 23 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...
738
| 22 سبتمبر 2025
يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...
693
| 24 سبتمبر 2025
يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...
648
| 21 سبتمبر 2025
صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....
570
| 24 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
570
| 25 سبتمبر 2025
يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...
501
| 21 سبتمبر 2025
يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...
480
| 21 سبتمبر 2025
ليستْ مجرد صورةٍ عابرةٍ تلك التي يُنتجها الذكاء...
477
| 22 سبتمبر 2025
لم يَـبْـقَ موضعٌ في القلب العرباوي لم تنل...
474
| 22 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية