رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نجحت القوى الأمنية التونسية في منع حدوث تفجيرين كبيرين يوم الأربعاء 30 أكتوبر 2013، الأول بمدينة سوسة السياحية التي تبعد 140 كيلومترا عن العاصمة، حين حاول الإرهابي المدعو أحمد العيادي وهو من منطقة الزهروني ومن مواليد 1992 وينتمي للتيار السلفي المتشدد وكان يقاتل في سوريا قبل أن يعود إلى تونس، أن يدخل في البداية "فندق رياض بالم" في سوسة وفي يده حقيبة، لكن دورية أمنية تابعة لإقليم الأمن الوطني بسوسة تفطنت إليه، وبمحاصرته وتضييق الخناق عليه بالتعاون مع أعوان حراسة بالنزل لاذ بالفرار وأقدم على تفجير نفسه في الشاطئ. ولم يصب أحد بأذى، فيما ذكرت مصادر أمنية أنه جرى رصد فرار شخصين آخرين. والثاني، حين حاول تنفيذ اعتداء على ضريح الرئيس الأسبق للجمهورية التونسية ومؤسسها الحبيب بورقيبة (1956-1987)، في بلدة المنستير الساحلية التي تبعد 20 كيلومترا عن مدينة سوسة. وفي تفاصيل عملية المنستير، قال المتحدث الرسمي باسم "نقابة الأمن الرئاسي" هشام الغربي، في حديث إذاعي، إنّ "الشخص الذي حاول القيام بالعملية.. والذي تم القبض عليه، يدعى أيمن السعدي بن رشيد يبلغ من العمر 18 عاماً وهو من ولاية زغوان من ذوي السوابق العدلية وصدرت بحقه أربع بطاقات تفتيش ويحمل في بطاقة التعريف الوطنية صفة تلميذ".
وفيما لم تتبن أي جهة العمليتين، فإن الناطق الرسمي لوزارة الداخلية محمد علي العروي، أقر أن إرهابيي سوسة والمنستير ينتمون إلى تنظيم" أنصار الشريعة" الذي تم تصنيفه مؤخرا كتنظيم إرهابي. ورفض محمد علي العروي في مداخلة هاتفية عبر إذاعة شمس إف إم الإفصاح عن المواقع والجهات والمؤسسات التي يُمكن استهدافها من قبل الإرهابيين وذلك لسرية الأبحاث. وأكد العروي أن بعض العناصر الإرهابية لا تزال محل ملاحقة. وتحدث محمد علي العروي على ضرورة تضافر الجهود والإمكانات بين جميع الوحدات الأمنية والمواطن التونسي الذي يمكنه لعب دور في هذه الأوضاع وذلك بالإبلاغ عن كل شيء مشبوه. يُذكر أن وزارة الداخلية كانت أعلنت مساء اليوم أن الوحدات الأمنية تمكنت من القبض على 5 عناصر إرهابية على علاقة بإرهابيي سوسة والمنستير.
وشكلت المحاولتان الإرهابيتان سابقة في تونس، إذ إن تنظيم " أنصار الشريعة" اقتصرت عملياته الإرهابية منذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، على استهداف رموز المعارضة اليسارية والقومية (اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي)، وعناصر الأمن الوطني، والحرس الوطني (الدرك) والجيش ونصب مكامن لها. وكانت تونس شهدت آخر عمليتي تفجير في محافظتي سوسة والمنستير عام 1986، ما أدى إلى سقوط عشرات الجرحى من التونسيين والسياح الأجانب.
وتشهد تونس منذ مقتل عنصرين من الحرس الوطني (الدرك) في قرية قبلاط التابعة لمحافظة باجة، ومقتل ستة عناصر من الحرس الوطني في قرية سيدي علي بن عون وبئر الحفي التابعة لمحافظة سيدي بوززيد، تصاعداً ملحوظاً في العمليات الإرهابية التي يقودها تنظيم " أنصار الشريعة"، حيث يرى المراقبون المتابعون لقضايا الإرهاب، أن استعمال تقنية التفجيرين المتزامنين في مدينتين متلاصقتين هو من خصائص العمليات التي تنفذها التنظيمات الجهادية في أنحاء العالم، لاسيَّما تنظيم " القاعدة"مثلما حصل في تفجيرات نيروبي ودار السلام التي استهدفت سفارتين للولايات المتحدة بالإضافة إلى عمليات مشابهة في سورية والعراق. ويخشى هؤلاء المراقبون أن تشهد المدن الأخرى التونسية عمليات تفجير، لاسيَّما أن سوسة والمنستير من المدن السياحية التي تتسم بوجود أمني مكثف.
لا شك أن تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يقوده أبو عياض التونسي (سيف الله بن حسين)، الذي سبق أن عاش في بريطانيا في تسعينيات القرن الماضي ونشط ضمن مجموعة الشيخ أبو قتادة الفلسطيني قبل أن "يهاجر" إلى أفغانستان ليعيش هناك خلال حكم حركة "طالبان" حيث التقى بأسامة بن لادن في قندهار عام 2000، وشارك أيضاً في تأسيس جماعة تونسية جهادية (الجماعة المقاتلة التونسية) عام 2000، وكان متورطاً في استقدام شابين تونسيين من بلجيكيا لتنظيم "القاعدة" نفذا عملية اغتيال أحمد شاه مسعود قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر 2001، وفرّ من أفغانستان بعد الغزو الأمريكي الذي أطاح حكم "طالبان" وأخرج "القاعدة" منها، لكنه اعتُقل لدى اختفائه في تركيا عام 2003 وسلّم إلى نظام ابن علي الذي سجنه - مؤبداً - بتهم الضلوع في الإرهاب والانتماء إلى "القاعدة"، عمل منذ تمتعه بالعفو التشريعي العام مع كثير من السجناء الآخرين عقب سقوط نظام ابن علي في 2011، على تأسيس تنظيم إرهابي "أنصار الشريعة"مرتبط بتنظيم " القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي " الذي يقوده الجزائري عبد المالك دروكدال (أبو مصعب عبد الودود)، حيث أثبتت العمليات الإرهابية التي شهدتها المناطق الحدودية التونسية –الجزائرية، لاسيَّما في جبل الشعانبي منذ نهاية العام 2012، وطيلة عام 2013، بأن قادة "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" أقاموا علاقة وثيقة مع "أبي عياض التونسي" وقادة جماعته. ورغم أن مصادر أمنية تونسية تحدثت في أكثر من مناسبة عن أدلة على أن مجموعة أبو عياض تتبع فرع القاعدة المغاربي، إلا أن "أنصار الشريعة" قالت في أكثر من مناسبة أنها ليست جزءاً من مجموعة خارجية.
عبرّ تنظيم "أنصار الشريعة" عن نفسه بسلسلة من العمليات الإرهابية، بدأت بأحداث السفارة الأمريكية في 14سبتمبر 2012، والتي جسدت عملية التحول النوعي في الصدام بين تنظيم " أنصار الشريعة" وحكم حركة النهضة الإسلامية، ثم عملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد في 6 فبراير 2013، والمواجهة العسكرية بين عناصر هذا التنظيم والجيش التونسي، والذي سقط خلالها أكثر من عشرين شهيدا في صفوف الجيش، وعملية اغتيال محمد البراهمي في 25يوليو الماضي. واستفاد تنظيم "أنصار الشريعة" من سقوط نظام القذافي في سبتمبر 2011، إذ أصبح الجهاديون التونسيون يتدربون في المعسكرات الليبية على مختلف أنواع الأسلحة في ظل غياب الدولة الليبية، ونال أبو عياض حصته من ترسانة الأسلحة الليبية التي باتت متاحة لمن يملك المال ليشتريها بأرخص الأثمان، وفي حالة زعيم "أنصار الشريعة" أبو عياض، فقد حصل على الأسلحة الليبية مجاناً كمكافأة على وقوف الجهاديين التونسيين إلى جانب إخوانهم الليبيين الذين يريدون أن يردوا لهم جميلهم خلال الثورة، إضافة إلى أن الجهاديين التونسيين الذين تخرجوا من معسكرات التدريب الليبية، توجهوا فيما بعد إلى سوريا بالعشرات - إن لم يكن بالمئات - لقتال النظام في سوريا ضمن صفوف جماعات مرتبطة بـ"القاعدة" كتنظيم "دولة العراق والشام الإسلامية – داعش " و"جبهة النصرة"، رغم أن التونسيين تلقوا هزيمة مدوية على أرض سوريا، إذ بلغ عدد القتلى في صفوفهم مما يقارب 1920 قتيلاً.
وفي ظل الهزائم التي تتلقاها التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وأخواتها سوريا، طالب قائد تنظيم " أنصار الشريعة" أبوعياض بوقف إرسال الشباب التونسي إلى سوريا لأن القاعدة بحاجة لهم في تونس. ويقول مصدر إسلامي مطلع عن النقاشات التي دارت بين أبو عياض والجهاديين في معسكرات ليبيا إن تونس أحق بهؤلاء المقاتلين لأن ذهابهم يعني إخلاء الساحة لـ"العلمانيين". وبذلك أصبح أبو عياض يدعو "الجهاديين" التونسيين إلى البقاء لـ"الجهاد" في تونس لأنها "أولى" بهم من مناطق أخرى، للقيام بعمليات إرهابية تربك الوضع السياسي في تونس.
وتأتي العمليتان الإرهابيتان في كل من سوسة والمنستير، في توقيت دخلت فيه تونس جدياً في الحرب على الإرهاب، بعد خمسة أيام على صدور قرار رئاسي باستحداث منطقة عمليات عسكرية في محافظة سيدي بوزيد، حيث شن الجيش التونسي يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2013، عملية عسكرية واسعة استخدمت خلالها الدبابات والمروحيات ضد معاقل الإرهابيين الذين فروا إلى جبال المحافظة الواقعة وسط البلاد. وقال الرئيس التونسي منصف المرزوقي، لدى إشرافه على ندوة دولية مخصّصة لمناقشة مشروع لقانون مكافحة الإرهاب في تونس، إن "الإرهاب حرب مفروضة علينا تستهدف المسار الديمقراطي في تونس"، مشيراً إلى أن "قوة إرهابية في تونس قد تكون وراءها أيادٍ غير محليّة تسعى إلى ضرب المسار السلمي للانتقال الديمقراطي".
(تكلمنا فألجمناهم) هذا أقل ما يمكن أن توصف به كلمة سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني... اقرأ المزيد
30
| 28 سبتمبر 2025
خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، من على منبر الأمم المتحدة، ليس... اقرأ المزيد
24
| 28 سبتمبر 2025
في 23 سبتمبر 2025، ألقى صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، كلمة قوية... اقرأ المزيد
36
| 28 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
2403
| 26 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2304
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2301
| 25 سبتمبر 2025