رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عاد الإرهاب ليضرب من جديد في تونس، وهذه المرّة، حصل في معتدمية قبلاط الريفية التابعة لمحافظة باجة (شمال غربي تونس) التي تبعد مائة كيلومتر عن العاصمة،حين قامت مجموعة مسلحة بمباغتة ثلاثة عناصر من الحرس الوطني كانوا بصدد التثبت من معلومة بشأن وجود مجموعة مسلحة في منزل في المنطقة، وأطلقت النار عليهم، فقتل اثنان من قوات الحرس الوطني وجرح ثالث خلال المواجهة المسلحة. وتأتي هذه العملية بعد يوم من عملية مشابهة في محافظة جندوبة (شمال غربي البلاد) المحاذية للجزائر، حيث أطلق مسلحون النار على مركز لقوات الحرس الوطني الحدودي مع الجزائر، كما هاجم عدد آخر من المسلحين المركز الحدودي "فج حسين" التابع لمدينة "غار الدماء" الحدودية من المحافظة نفسها وتبادلوا إطلاق النار مع العناصر الأمنية هناك قبل أن يتحصنوا بالفرار. وفي ظل تنامي الإرهاب في تونس، واستمرار تدفق الأسلحة، وغياب الرقابة الصارمة من جانب القوى الأمنية التي أتمر بأوامر الحكومة التي يقودها القيادي من حركة النهضة السيد علي العريض، وجهت الجزائر رسالة واضحة إلى الحكومة التونسية، تفيد أن عملية تهريب كبرى للسلاح يتم التحضير لها انطلاقا من الأراضي الليبية باتجاه الجزائر أو تونس، الأمر الذي جعلت الجيش الجزائري يستنفر قواته على الحدود مع ليبيا وتونس، مستخدما الطائرات العسكرية لتوسيع مجال المراقبة ولمنع أي محاولة اختراق لجماعات إرهابية قد تستغل الأوضاع لتنفيذ مخططها، لاسيَّما أن محققين من تونس والجزائر تمكنوا من جمع أدلة كثيرة تدين " كتيبة الملثمين والموقعين بالدم "التي يقودها مختار بالمختار القيادي السابق في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "، الذي أشرف على تدريب مقاتلين سلفيين جهاديين من تونس وإرسالهم إلى الأراضي التونسية. ويعود السؤال القديم الجديد إلى الواجهة في المشهد السياسي التونسي، هل ستنتصر الديمقراطية على الإرهاب في بلد مفجر ثورات الربيع العربي؟ هذا الأمر مرهن بنجاح الحوار الوطني الجاري في تحقيق انتظارات الشعب التونسي، لاسيَّما إسقاط حكومة الترويكا الحالية التي تقودها حركة النهضة المتواطئة والمتخاذلة في محاربة الإرهاب، لأن صقور النهضة متحالفون مع تنظيم "أنصار الشريعة"و التيارات السلفية الأخرى، لأسباب عديدة، أهمها: المرجعية الإسلامية الأصولية القبطية،و اعتبار المعارضة اليسارية والقومية والليبرالية عدوة،و العمل على تحطيم الدولة التونسية الحديثة ما بعد الاستقلال،لأن هذه القوى الإسلامية سواء المعتدلة منها أو الأصولية والتكفيرية جميعها، لا تؤمن ببناء الدولة الديمقراطية التعددية. فمحاربة الإرهاب في تونس، تتطلب انتهاج طريق وطنية تقوم على تشكيل حكومة كفاءات وطنية ذات إستراتيجية وطنية واضحة، تحترم سيادة المبادئ العامة والشاملة، كالديمقراطية،و الحرية،و المساواة بين الجنسين،و احترام حقوق الإنسان بغض النظر عن جنسيته وديانته التي ينتمي إليها، وتعمل على إعادة بناء أجهزة أمنية تحترم قيم الجمهورية، وتقضي على الأجهزة الأمنية الموازية التي أصبحت تشكل الحصن الأمني والسياسي الذي يحمي ويتستر على الإرهاب السلفي التكفيري، وتخضع كل الجمعيات الدينية غير المرخص بها، وحتى المرخصة للمحاسبة القانونية الصارمة،لاسيَّما فيما يتعلق بمصادر تمويلها، وطبيعة أنشطتها، وتمنع أدلجة الخطاب الديني داخل المساجد، ومنع هذه الأخيرة من أن تتحول إلى فضاءات جماهيرية تخدم مصلحة حركة النهضة والتيارات السلفية التكفيرية، ووضع خطة وطنية للتنمية المستدامة للمحافظات الفقيرة، وللمناطق الشعبية في أحزمة المدن التونسية، ولاسيَّما في العاصمة، باعتبار أن الإرهاب انتشر من جراء غياب التنمية في المناطق المهمشة في المدن والأرياف.، لاسيَّما الحدودية في الشمال الغربي، وفي الوسط الغربي، وفي الجنوب التونسي. إن محاربة الإرهاب يقتضي وجود حكومة وطنية صارمة في الذهاب بعيدا في تفعيل قانون مكافحة الإرهاب، والعمل على سيادة القانون، واحترام السلطة القضائية والحيلولة دون خضوعها للحسابات السياسية، والعمل على حماية القضاة المتعهدين بالقضايا الإرهابية وعائلاتهم، ومداهمة أوكار جميع الإرهابيين وجمع أسلحتهم من قبل الفرق المختصة بمكافحة الجريمة الإرهابية. ولأن الحرب ضد الإرهاب أيضا.التي تخاض حصريا على الصعيد العسكري. والاستخبارات. والتجسس. والحرب السرية، وبأهداف منتقاة من الأجهزة الأمنية التونسية الجمهورية، هي بالضرورة حرب تفكيك وتصفية للبنية التنظيمية واللوجيستية لتنظيم "أنصار الشريعة". إلا أن مناداة حركة النهضة بالديمقراطية وإقامة تحالفات مع الإرهابيين من تنظيم "أنصار الشريعة" والتيارات السلفية الأخرى، يجعل من الحكومة الحالية بادعائها الكاذب أنها تخوض الحرب ضد الإرهاب أمر فيه الكثير من التناقض ويثير السخرية، لأنها حكومة لا تتسم بالصدقية فيما تقول، وهي حكومة متواطئة مع الإرهاب. إن البحث عن الأمن من جانب حكومة علي العرض، ودعم التيارات السلفية التكفيرية المفروضة بالعنف والتعسف على الشعب التونسي، مسألتان متناقضتان وتهيئان الأجواء لمزيد من العنف والتعسف لتصبح أكثر ملائمة لكافة أنواع التجارة غير المشروعة من جهة كتجارة الأسلحة والمخدرات وغير ذلك. وبالتالي تعمل على تغذية التطرف والإرهاب من جهة ثانية. إن الحكومة الحالية التي تقودها حركة النهضة تتجاهل كثيرا العالم، بل إنها تعتقد أنها صاحبة فضيلة، وترفض رفضا قاطعا معالجة الأسباب التي قادت وتقود إلى مراكمة جميع أنواع الإرهاب المصدر لنا من الخارج، لاسيَّما من ليبيا التي تحولت إلى قاعدة خلفية لتجارة الإرهاب نحو بلدان شمال إفريقيا والساحل الإفريقي. وإذا أرادت الديمقراطية أن تنتصر على الإرهاب فعلى حكومة الترويكا بلا استثناء أن تسعى إلى تطبيق المبادئ الديمقراطية على أنفسها أولا، لأن الحكومة التي يقودها علي العريض لا تحترم القانون، ولا القيم والمبادئ والديمقراطية وتستخدم المعايير المزدوجة، وتدير ظهرها للتعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الإرهاب، لاسيَّما مع الشقيقة الجزائر التي أصبحت لها خبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب. من الناحية المنطقية والعقلية، الإرهاب التكفيري هو الظاهرة المرضية أفرزتها عقود الاستبداد التي كرستها الأنظمة التسلطية العربية، وهو يسافر من دون جواز سفر من أجل الاستقرار في الدول الفاشلة، كالصومال، والعراق، وليبيا، واليمن، والآن تونس. إنه فوق – قومي، عالمي، وبنفس الدرجة مثل الشركات المتعددة الجنسية: بيبسي كولا، أو كوكا كولا..".القاعدة" وأخواتها" أنصار الشريعة" في تونس، وليبيا، واليمن الخ. وإذا لاقى الإرهاب بعض ا لصعوبات، فإنه يرحل، ويأخذ معه " مصانعه " إلى بلد توفر له أفضليات جديدة، أبدا مثل الشركات المتعددة الجنسيات. الإرهاب بوصفه ظاهرة عالمية لا يمكن القضاء عليه، لكن من أجل السيطرة عليه، يجب على حركة النهضة الإسلامية أن تعي جيدا، وتعترف بضرورة بناء دولة القانون، وتقاسم السلطة مع المعارضة في هذه المرحلة الانتقالية، واحترام نمط المجتمع التونسي والمحافظة عليه، وعدم اللجوء إلى تغييره. إذا أرادت حركة النهضة أن تبذل جهودا كبيرة من أجل أن تفهم وتتصرف بشكل أفضل حول تنامي الإرهاب، عليها أن تقوم بمراجعة نقدية لكل سياساتها وأطروحاتها الأيديولوجية، وبالأخص منها، إعادة النظر في مقاربتها لقضية بناء الدولة المدنية، وفي القلب منها دولة القانون وفصل السياسي عن الديني، وتحقيق أهداف الثورة التونسية في إقرار دستور ديمقراطي يليق بها، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعدم الانخراط في تحالفات إقليمية ودولية بقيادة الولايات المتحدة يحتل فيه الكيان الصهيوني مركز الصدارة، وصولا إلى إثبات قدرتها على فتح الطريق لبناء الدولة الديمقراطية التعددية التي تقر وتحترم وتضمن مبدأ المواطنة الحقة، ومبدأ الفصل بين السلطات بلا مواربة، ومبدأ التداول السلمي للسلطة نظرا لانعدام الديمقراطية في هذه المنطقة العربية.
329
| 19 أكتوبر 2013
تشكل عملية "إلقاء القبض" على أبو أنس الليبي، القيادي في تنظيم "القاعدة"في طرابلس، في الخامس من أكتوبر الجاري من أمام منزله بطرابلس، من قبل كوماندوس "نيفي سيلز" الذي قتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في أبوت آباد بباكستان العام 2011، جزءاً من السياسة الأميركية التي تمارس العنف، و تستخدم القوة في فرض سطوتها على العالم . و ليس لها غير القوة سلاح . و هذه القوة متعددة الأشكال و الأساليب، و لكن القوة العسكرية هي أداتها . وتستخدم القوة العسكرية حسب الحاجة إليها، و بالأسلوب المناسب . فهناك التلويح باستخدام القوة أي التهديد، و هناك الاغتيال، وهناك إثارة التمرد الداخلي على قوة معادية، و مساندة دولة مجاورة، و هناك الغارات و الغزو، و تحريك الأساطيل ..الخ . و حكومات الولايات المتحدة الأمريكية، مثل كل الحكومات الإمبريالية، تبقى قوتها جاهزة للتدخل و تبقى خططها مواكبة لآخر التطورات . و لذلك فإن تاريخ الدول الإمبريالية، و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، منذ الحرب العالمية الثانية، هو تاريخ التدخل و الغزو و الإرهاب من كوريا إلى نيغاراغورا والعراق مرورا بليبيا . حجة الولايات المتحدة الأمريكية في عملية اعتقال الليبي نزيه عبد الحميد الرقيعي، الذي يشتهر باسم أبو أنس الليبي، و الذي كان اسمه مدرجاً على لائحة الأشخاص المطلوبين من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي (أف بي آي)الذي عرض مكافأة "تصل قيمتها إلى خمسة ملايين دولار" مقابل كل معلومة تؤدي إلى توقيفه أو إدانته،هو أن هذا الأخير يعتبر أحد المشتبه بضلوعهم في تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا في السابع من أغسطس 1998، مما أدى إلى مقتل 224 مدنيا، بينهم 12 أمريكيا.وكانت محكمة مانهاتن الفدرالية في نيويورك وجهت اتهامات إلى الليبي في عام 2000 مع 20 آخرين من"القاعدة" بينهم أسامة بن لادن والزعيم الحالي للتنظيم العالمي أيمن الظواهري، تهماً تتعلق بالتآمر في قتل مواطنين أمريكيين والتآمر لتدمير مبان وأملاك للولايات المتحدة على علاقة باعتداءات تنزانيا وكينيا. فمن تداعيات اعتقال الليبي نزيه عبدالحميد الرقيعي سيادة الفوضى في أنحاء ليبيا يوم الخميس الماضي بعد قيام أكثر من مائة رجل من قوات الأمن الليبية باختطاف رئيس الوزراء علي زيدان، كرد فعل على إلقاء القوات الأميركية الخاصة القبض على أحد نشطاء تنظيم "القاعدة" في طرابلس.ويجمع العارفون بالشؤون الليبية أن العملية الأمريكية كانت أحد الأسباب وراء اختطاف زيدان، بسبب الانتهاك الصارخ للسيادة الوطنية الليبية، حيث تسببت هذه العملية في مشاكل كبيرة وتداعيات خطيرة، لعل أبرزها تعميق المخاوف من احتمال أن تكون ليبيا على شفا الانقسام، إذ إن قوات الأمن انقسمت بين القوات النظامية وتشكيلات الميليشيا العديدة. ويعكس اختطاف رئيس الحكومة الليبية زيدان مدى هشاشة و ضعف السلطة المركزية الليبية أمام قوة الميليشيات المسلحة التي باتت تفرض قانونها الخاص في ليبيا، وتثير الرعب في الداخل كما في الخارج.. وتبدو الحكومة الليبية الحالية عاجزة عن بناء دولة وطنية جديدة، ولأنها لا تملك جيشا ليبيا نظاميا جديدا قادرا أن يبسط سيطرته على كامل الترابي الليبي، لا سيما على المنابع والمنشآت النفطية المتمركزة أساسا في الشرق الليبي، وحيث تتجنب الحكومة الليبية الدخول في مواجهات مع الميليشيات المسلحة خوفاً من اندلاع حرب أهلية داخلية بين الغرب والشرق، في ليبيا. لقد عاد شبح سايكس بيكو جديد أو إعادة تقسيم كل بلدان الربيع العربي من جديد، المفروض من الخارج للظهور بشكل متواتر مع الغزو الأمريكي للعراق في مارس سنة 2003، وليبيا في سنة 2011 . فالادعاء الأمريكي بالتفوق الأخلاقي القائم على تطبيق الديمقراطية والليبرالية يظهر كمخاتلة مشؤومة. ذلك أن الديمقراطية المصدرة بوساطة الحرب تعكس النتائج الأسوأ لخيارات مرحلة 1916 ــ 1920 المتجددة باستمرار،من خلال إعادة طرح إدارة الرئيس السابق جورج بوش مشروع «الشرق الأوسط الكبير»بوصفه الموجة الثالثة لتيار الشرق أوسطية المعاصرة في الصياغة الأمريكية والتي أعقبت الصياغة البريطانية ل«الشرق الأدنى» وكلاهما مفهوم استعماري ينطلق من نزعة المركزية الغربية التي تحكمت فيها تصورات الإمبراطوريتين، وهي تصورات ارتبطت بالجغرافيا السياسية للإقليم العربي ودورها في الإستراتيجية العالمية السائدة آنذاك. منذ انهيار الشيوعية، وبالتالي انهيار القطب المنافس أي الاتحاد السوفياتي، داعب الأمل الولايات المتحدة الأمريكية لكي تكون الإمبراطورية التي تقود عالم ما بعد الحرب الباردة ، وهو عالم بكل تأكيد شديد الاتساع والتنوع وَنزَّاع إلى الظفر بالديمقراطية بعد سقوط أعتى الأنظمة الشمولية. لكن الولايات المتحدة الأمريكية كإمبراطورية شديد الإفراط في قوتها العسكرية تفتقر افتقارا كلياً إلى مشروع ثقافي وأيديولوجي تحتل فيه المسألة الديمقراطية مركز الصدارة. ففي ظل غياب هذا المشروع الذي يقوم على نشر مبدأ المساواة والعمومية على مستوى كوني ، بوصفه مصدراً لا غنى عنه لأي إمبراطورية تريد قيادة العالم, تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد تراجعت كثيراً عن القيم التي كانت تدافع عنها خلال حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
292
| 16 أكتوبر 2013
مع سقوط نظام القذافي، وبروز المظاهر المسلحة التي تقودها الجماعات الإسلامية المتشددة، عادت النزعات القبلية إلى ليبيا بصورة مقيتة أكثر من السابق، وعادت النزعات الانفصالية، لاسيَّما في الشرق الليبي الذي يتباهى سكانه بأنهم يمتلكون الثروة النفطية المنهوبة من قبل العاصمة طرابلس بوصفها مركز السلطة، وكذلك في منطقة الزنتان، ومثل هذه الظواهر الرجعية تشكل ردة حقيقية على الثورة، وتتنافى مع روح الإسلام وبناء الدولة الوطنية الحديثة، أي دولة المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، لا دولة «المحاصصة» القبلية في الثروة، والوظائف والخدمات الحكومية. ورغم إجراء أول انتخابات ديمقراطية وشفافة في ليبيا في أوائل شهر يوليو 2012، التي فاز فيها الليبراليون على حساب الإسلاميين، فإن الدعوة إلى تشكيل حكومة وطنية في ليبيا مشهود لها بالديمقراطية والنزاهة لإدارة البلاد ما بعد الثورة، تكون مهمتها الأساس العودة بالبلاد إلى الحياة الدستورية والمؤسساتية عن طريق دعوة الجمعية الوطنية تأسيسية بإقرار دستور ديمقراطي عصري، وإحداث التعديلات المناسبة حياله، وعرضه على الشعب الليبي في استفتاء عام، باءت كلها بالفشل. فلا تزال ليبيا تعيش في حالة اللادولة، في ظل انتشار فوضى السلاح الذي تمتلكه الجماعات الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة. وتبدو حكومة ليبيا بعد الثورة في حال تخبط، ويقول المسؤولون الغربيون إن من غير الواضح مَنْ يتحمل مسؤولية الأمن، إذا وُجِد من يتحملها أصلاً. وتحضر القوات الليبية حضوراً محدوداً في المراكز السكنية الرئيسية، حيث تسيطر جماعات قبلية على أنحاء واسعة من الصحراء. وانتشار "القاعدة" والمنظمات المتفرعة عنها في مناطق لا تخضع لأي حكومة في الصحراء الكبرى - وتزايد قوتها في الصراع في سورية - يشيران إلى تفاوت بين التهديد القائم وبين تقليص الإدارة الأمريكية دورها في مكافحة الإرهاب. لقد كانت لسقوط نظام القذافي في ليبيا تداعيات إقليمية كبيرة. فهناك إجماع داخل الدول الغربية والمغاربية، ودول الساحل الإفريقي، من مخاطر انتشار الأسلحة بصورة كبيرة في ليبيا، وانتقالها أيضاً عبر الحدود إلى الدول المجاورة (الجزائر، مالي، النيجر، وموريتانيا) وهي مناطق الصحراء الكبرى، التي ينشط فيها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، إضافة إلى المتمردين الطوارق. ومنذ الإطاحة بنظام القذافي، ظلت تونس ومصر تكافحان لضبط حدودهما مع ليبيا من أجل وقف تدفق الأسلحة. وكانت تونس أعلنت في شهر شباط 2012 تفكيك تنظيم إرهابي تدرب في ليبيا، وسعى إلى إقامة إمارة إسلامية في تونس. وما زاد مخاوف الدول الغربية من استفادة تنظيم القاعدة من وفرة السلاح المسروق من المخازن الليبية، هو مقتل السفير الأمريكي في قنصلية بنغازي في 11 سبتمبر 2012، والهجوم الذي شنه المتمردون الطوارق ("الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، "حركة أنصار الدين" الإسلامية المسلحة من الطوارق، التي أسسها إياد آغ غالي أحد القادة السابقين لحركة التمرد الطوارق في التسعينات)، ضد القوات المسلحة المالية في منطقة كيدال وميناكا، في 17 من كانون الثاني 2012 للمطالبة بحق تقرير مصير المنطقة الشمالية من مالي، المتاخمة لموريتانيا والجزائر والنيجر وبوركينا فاسو. وقد حقق الطوارق نجاحاً عسكريا لافتاً من خلال سيطرتهم على شمال مالي، أي ما يعادل 850 كلم مربع. وكانت "حركة أنصار الدين " تطالب بفرض الشريعة في مالي، بعد أن سيطرت على ثلثي التراب المالي، ولولا التدخل العسكري الفرنسي في بداية سنة 2013، لما سقطت مالي لقمة سائغة في أيدي تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ". وكانت حكومة مالي اتهمت تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" الذي يقيم قواعد في شمالي البلاد بشن هجمات على العديد من دول الساحل انطلاقاً من أراضيها. فبعد استقرار مالي تظهر تقارير الاستخبارات الأمريكية والفرنسية أن المقاتلين من تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "تمكنوا من اجتياز الحدود من مالي وإنشاء قاعدة جديدة لهم في جنوب غربي ليبيا. وتعتقد أمريكا بأن الزاوية الجنوبية الغربية من ليبيا تجذب حالياً المقاتلين الإسلاميين من جماعة "أنصار الدين" وتنظيم "القاعدة في بلدان المغرب الإسلامي" الذين فروا من مالي. وتختلط هاتان المجموعتان مع المجموعات المسلحة المحلية وبينها «أنصار الشريعة» التي تؤكد واشنطن إنها متورطة بالهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي. وكان تنظيم "القاعدة" اتخذ قراراً تاريخياً بعد وفاة مقتل زعيمه أسامة بن لادن تغيير تسمية التنظيم وتغيير مركزيته من أفغانستان إلى ليبيا، وتعد تونس همزة الوصل بين ليبيا والجزائر والصحراء في علاقة بالغاز والمصالح التجارية لتهريب للمخدرات والأسلحة والغذاء. ومنذ التدخل الأمريكي في أفغانستان تحول تنظيم "القاعدة" إلى منظمة مهيكلة عموديا وأصبح لكل مجموعة هيكلتها الخاصة وما يجمعها هو الأيدويولوجيا التكفيرية والجهادية والخط السياسي الموحد ومساعدة المصالح الأمريكية والعمل الجمعياتي عبر عدة جمعيات خيرية ودعوية. فتنظيم "أنصار الشريعة"، وهي إحدى التسميات الجديدة لتنظيم "القاعدة"، حيث وجدت "أنصار الشريعة" ببنغازي بقيادة محمد الزهاوي و "أنصار الشريعة" بدرنا بقيادة أبو سفيان بن قمو وهو من قدماء غونتنامو، و"أنصار الشريعة" باليمن، هي التسمية الجديدة للقاعدة في الجزيرة العربية تحت قيادة الشيخ أبو زهير عادل بن عبدالله و"أنصار الشريعة "بتونس تحت قيادة أبو عياض سيف الله بن حسين، ومصر تحت قيادة أحمد أشوش بحسب قوله. واتخذ تنظيم "القاعدة " جغرافيا تمركز جديد بعد الربيع العربي، وتحول من أفغانستان إلى ليبيا والصحراء المتاخمة لها وتم إنهاء مرحلة الجهاد الموحد الهرمي تحت قيادة بن لادن والعودة إلى تنظيمات 1990 المستقلة تنظيميا ويجمعها المنحى التكفيري والعمل الجمعياتي. وتشير التقارير الأمنية الواردة من تونس، أن منطقة الزنتان الليبية، تحولت إلى معسكر تدريب للعديد من التوانسة، يتراوح العدد الإجمالي بين 4 أو 5 آلاف، حيث يعد زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" أبو عياض هؤلاء الإرهابيين للقيام بهجوم كبير على جنوب تونس، واحتلاله، والقيام بعدة تفجيرات في العديد من المدن التونسية، واغتيال عدد كبير من السياسيين، ومهاجمة المؤسسات العامة. وكان وزير الداخلية التونسي السيد لطفي بن جدو صرح لإذاعة موزاييك يوم 25 سبتمبر الماضي، أن تونس كانت على حافة مخطط إرهابي خطير كان يعتزم تقسيم البلاد إلى ثلاث إمارات في الوسط والجنوب والشمال، مع التحضير لجملة من الاغتيالات والتفجيرات المتزامنة، لكن تم تجاوز هذا المخطط بفضل مجهودات عناصر الأمن والجيش الوطنيين على حد تعبيره. وفي ظل تنامي ظاهرة الإرهاب، وغياب السيطرة الحكومية على معظم التراب الليبي، جاءت العملية الأميركية التي أسفرت عن اعتقال قيادي في تنظيم "القاعدة" في طرابلس، أواخر الأسبوع الماضي، لتضع الحكومة الليبية أمام مواجهة محتملة مع الجماعات الإسلامية المتشددة التي يحمّلونها مسؤولية ما حصل لنزيه الرقيعي المعروف بـ "أبو أنس الليبي"، المتهم من جانب الولايات المتحدة في قضية تفجير السفارتين الأمريكيتين في شرق إفريقيا العام 1998 ودوره في «القاعدة» داخل ليبيا وخارجها. ويجمع المراقبون أن عملية اعتقال "أبو أنس الليبي" ستزيد في توتير الأجواء بين الحكومة الليبية والجماعات الإسلامية المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، أو التي تتبنى أيديولوجيته التكفيرية. علما أنه منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، اقتصرت هجمات تنظيم "أنصار الشريعة" على الأهداف الغربية مثل قتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز في بنغازي وتفجير السفارة الفرنسية في طرابلس، إضافة إلى سلسلة من الاغتيالات التي طاولت ضباطاً خدموا في ظل نظام القذافي. لكن هذه الهجمات لم تطل حكومة زيدان نفسها، وإن كان ذلك يمكن أن يتغيّر الآن. إذ أفادت رسالة منشورة على مواقع انترنت يستخدمها «جهاديون» بما في ذلك تنظيم «أنصار الشريعة»: "لم نقاتل القذافي لنستبدله بخائن أو عميل يسلّم أخوتنا إلى المشركين ويقف إلى جانبه.. هذه الحادثة المخزية ستكلّف الحكومة الليبية غالياً".
451
| 11 أكتوبر 2013
انطلقت في تونس يوم السبت 5 أكتوبر أولى جلسات الحوار الوطني للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، منذ اغتيال الشهيد محمد البراهمي يوم 25 يوليو 2013، على أيدي متشددين من تنظيم "أنصار الشريعة"، الذي صنفته حكومة علي العريض بأنه تنظيم إرهابي". وانتهت الجلسة الأولى للحوار التي شارك فيها 25 حزباً، بتوقيع 22 حزباً خريطة الطريق المقترحة من قبل المنظمات الراعية للحوار، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل بزعامة السيد حسين العباسي، واتحاد الصناعة والتجارة بقيادة السيدة وداد بوشامي، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان برئاسة السيد عبد الستار موسى، ونقابة المحامين التونسيين برئاسة السيد الفاضل محفوظ. ووقع على خريطة الطريق كل من الترويكا الحاكمة الشيخ راشد الغنوشي زعيم "حركة النهضة "الإسلامية، وحليفه الدكتور مصطفى بن جعفر زعيم حزب "التكتل والديمقراطية"، فيما رفض حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" المشارك في الحكم (حزب رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي) التوقيع على الخريطة. وصرح المرزوقي بأن حزبه يرفض التوقيع على خريطة الطريق قبل الاتفاق عليها من قبل الفرقاء السياسيين، وتساءل «إذا تم التوقيع على مضمون خريطة الطريق اليوم فما هو الداعي إلى الحوار أساساً؟» معتبراً أن المنظمات الراعية للحوار الوطني تستعمل الابتزاز من أجل فرض تنازلات على الائتلاف الحاكم. ويتمحور تحفظ «المؤتمر» حول «وجوب استقالة الحكومة اثر ثلاثة أسابيع من انطلاق الحوار الوطني وإنهاء عمل المجلس التأسيسي بعد أربعة أسابيع من التاريخ نفسه. أما من جانب أحزاب المعارضة الليبرالية واليسارية، فقد وقع كل من السيد قائد السبسي زعيم حزب "نداء تونس"، والسيد حمة الهمامي، الناطق الرسمي "للجبهة الشعبية"(الائتلاف اليساري الذي يضم ثلاثة عشر حزباً يساريا وقوميا). فيما رفض التوقيع أيضاً، رئيس حزب"الإصلاح والتنمية" (إسلامي) وتيار «المحبة» (محافظ) الذي يترأسه القيادي السابق في "النهضة" الهاشمي الحامدي. وكانت خريطة الطريق المنبثقة عن مبادرة المنظمات الأربع الراعية للحوار الوطني، تتضمن تتضمن "القبول بتشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات القادمة تحلُّ محلّ الحكومة الحالية التي تتعهد بتقديم استقالتها، وتكون للحكومة الجديدة الصلاحيات الكاملة لتسيير البلاد"، كما تشدد المبادرة على ضرورة التوافق على "شخصية وطنية مستقلة" لتولي رئاسة الحكومة في مدة أقصاها أسبوع من تاريخ انطلاق الحوار والانتهاء من تشكيل حكومة الكفاءات المستقلة في موعد أقصاه أسبوعان من تاريخ تكليف الشخصية المستقلة بتشكيل الحكومة. ويأتي هذا الحوار الوطني، بعد أن عاشت تونس أزمة كبيرة بسبب موجة الاغتيالات السياسية التي طالت رموز المعارضة اليسارية والقومية، واستفحال ظاهرة الإرهاب الأصولي بقيادة تنظيم " أنصار الشريعة"، حيث تتهم أطراف من المعارضة التونسية ومنظمات المجتمع المدني حركة النهضة والأمن الموازي في وزارة الداخلية المرتبط بها، بالتواطؤ في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. فقد كشفت الثورة التونسية، ومراحل الانتقال الديمقراطي المختلفة، عورات السلطة الإسلامية وإخفاقاتها، وعجز المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية عن تقديم البديل المجتمعي في آن معاً. الأزمة اليوم في تونس، أزمة نظام حكم. إنها أزمة حكم حركة النهضة الإسلامية لمجتمع تونسي يتسم بالاعتدال، والوسطية، وبالتنوع الثقافي، حيث أصبحت ثقافة الحداثة بكل منطوياتها الفكرية والسياسية متجذرة في بنيانه، والحال هذه يجب أن تكون الدولة القائدة له، هي الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، باعتبارها الدولة الحاضنة لجميع أطياف هذا المجتمع، مما يتطلب فصل الدين عن السياسة، وليس فصل الدين عن المجتمع. وهذا مُمْكِنٌ في الإسلام حيث إن مؤسسة الأزهر كمرجعية إسلامية لكل العالم الإسلامي، تقول بإمكانية الفصل بين فقه الدعوة وفقه الدولة، وضروري في المسيحية التي تقول بترك ما هو لقيصر لقيصر وما هو لله لله. إذا أرادت حركة النهضة أن تكون مُكَوِّناً أَسَاسِياً من مُكَوِّنَاتِ المجتمع المدني الحديث، وتساهم من منطلق الإحساس بالمسؤولية الوطنية للخروج من الأزمة السياسية التي تعاني منها تونس في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، فعليها، أن تحل الحكومة الحالية، وتقبل بتشكيل حكومة كفاءات وطنية غير متحزبة. كما أن حركة النهضة مطالبة أيضا، بما يلي: أولاً: أن تجسد قطيعة منهجية سياسية وتنظيمية وأيديولوجية مع الجماعات السلفية الجهادية التكفيرية، ومع الميليشيات المرتبطة بها، ولاسيَّما ما يسمى "رابطات حماية الثورة"، باعتبارها جماعات تمارس العنف السياسي ضد المجتمع، وتشكل خطراً حقيقياً على الديمقراطية.. وما لم تصدر الحركة موقفاً واضحاً وصريحاً ومتماسكاً بالرفض المطلق للعنف، وبحلّ الميليشيات، ومحاربة الجماعات السلفية الجهادية، فإن أي حكومة قادمة لن تحظى بثقة المعارضة، ولا بالمشروعية السياسية المطلوبة التي تقوم على فلسفة التوافق. وعلى الحكومة التوافقية أن تعمل من أجل بناء أجهزة أمنية جمهورية، لا حزبية خاضعة لمصالح حركة النهضة ومخططاتها الأمنية المتناقضة مع المجتمع الذي يرفض الاغتيالات السياسية وكلّ ما له علاقة بالعنف من قريب أو بعيد... هذا المجتمع المسالم الذي رفض دائماً الاحتكام إلى السلاح والمرتبط بثقافة الحياة، لا يصدّق أن وراء اغتيال شخصيات سياسية معارضة مثل الشهيد شكري بلعيد، والشهيد محمد البراهمي، فلول النظام السابق. هذا المجتمع يعرف من وراء الاغتيال ويعرف أنّه لا يمكن أن يخرج إلا من عباءة الأحزاب والجماعات الإسلامية السلفية الجهادية، ومن يحميها داخل الحكومة. ثانياً: الشّروع في توسيع نطاق المشاركة السّياسيّة إلى أبعد حدّ من الآن في هذه المرحلة الانتقالية لجهة تشكيل حكومة كفاءات وطنية غير متحزبة، تنجز الدستور الديمقراطي، وتحدد موعداً صريحاً ونهائياً للانتخابات المقبلة، وتعمل على إقامة المؤسّسات الديمقراطيّة الجديدة الّتي يطمح إليها الشّعب التي قامت الثّورة من أجلها. ثالثاً: العمل على تحييد الوزارات السيادية جميعها، الداخلية والخارجية، والعدل، واتّخاذ التّدابير السّياسيّة والعمليّة اللازمة في نطاق القانون الحالي للنظام الوقتي لضمان الاستقرار اللازم واستقلال السّلطة القضائيّة استقلالاً تاماً. رابعاً: إلغاء مئات التعيينات والتسميات الإدارية التي قامت بها حركة النهضة، خلال الفترة الأخيرة، (4500 تعيين في الوظائف)، إذ لجأت النهضة إلى الأساليب نفسها التي كانت تمارس في العهد السابق، ولاسيَّما على صعيد التعيينات الوظيفية في مؤسسات الدولة، من أجل السيطرة على وزارة الداخلية، والإدارة التونسية،وكسب رهان الانتخابات القادمة. فالمتصفح في الرّائد الرّسمي للبلاد التونسيّة يلحظ الكمّ الهائل من قرارات التسميات الإداريّة، والمتأمّل فيها يكتشف خضوعها إلى منطق المحسوبيّة والمحاباة والمحاصصة الحزبيّة، وإلى العلاقات العائليّة والجهويّة، مّا يجعل من جهاز الدّولة أشبه بالغنيمة التّي يتنافس المنتصرون على اقتسامها. خامساً: وضع برنامج وطني اقتصادي واجتماعي للنهوض بالمشروعات التنموية في الولايات المهمشة والفقيرة، ولحل مشكلة البطالة. سادساً: أن يحدّد الإسلاميون موقفهم بشكل واضح وصريح من طبيعة الدولة المدنية الحديثة، باعتبارها أهم هدف تسعى الثورة التونسية لتحقيقه، إذ برزت تساؤلات في المعارضة التونسية، وفي أوساط المجتمع المدني التونسي، عن أنموذج الحكم الذي سيطبّقه الإسلاميون بين مقتضيات الدولة الحديثة وشعاراتهم الانتخابية المعروفة، بدءاً من تطبيق الشريعة ومروراً بأسلمة الدولة وانتهاء بالعودة إلى فكرة الخلافة. ففي تونس يحاول العلمانيون والإسلاميون اختبار طريقة للتعايش معاً، كما يحاولون إقامة نوع من الديمقراطية التي تتلاءم مع الإسلام الليبرالي، غير أن الجناح المتشدد في حركة النهضة المتحالف مع الجماعات السلفية "الجهادية" يريد إقامة دولة إسلامية، ولو تطلب الأمر التدرج، بينما يريد مختلف أطياف المعارضة بناء دولة ديمقراطية تعددية على الطراز الغربي، والانقسام بينهما كبير وعميق. هناك توافق في الرؤى لدى أحزاب المعارضة التونسية اليسارية الراديكالية والديمقراطية والليبرالية على أن الوضع العام في تونس لا يزال يتسم بالضبابية وانعدام الرؤيا حول نهاية المرحلة الانتقالية الحالية. ونظراً لصعوبة المرحلة الانتقالية، وما تقتضيه من توحيد الجهود، فإن المصلحة الوطنية التونسية، تقتضي من حركة النهضة، ومن سائر القوى المعارضة الديمقراطية، مواجهة ظاهرة العنف السياسي الممنهج، وتنظيم مؤتمر وطني بين كل القوى السياسية والاجتماعية والمدنية المناهضة للعنف السياسي، بهدف الاتفاق للقضاء على هذا العنف السياسي الذي يهدّد السلم الأهلي وأمن المواطنين ويغذّي الشكوك في إمكانية إنجاز الاستحقاقات الانتخابية القادمة في مناخ ملائم، فضلاً عن حلّ ما يسمى "رابطات حماية الثورة" وهي مليشيات تابعة لحركة النهضة، وتوفير مناخ سلمي وديمقراطي في البلاد. لن يكتب للحوار الوطني النجاح إلا إذا توصلت الأحزاب السياسية المشاركة فيه إلى الاتفاق على صياغة دستور ديمقراطي للجمهورية الثانية على أساس مدنية الدولة والسيادة الوطنية وكونية حقوق الإنسان، وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمساواة الفعلية بين النساء والرجال، ورسم خطة لإنهاء المرحلة الانتقالية وضبط مقتضيات إدارتها سياسيا واجتماعيا وذلك بتحديد رزنامة المواعيد الانتخابية بصفة مدقّقة وتهيئة شروط قيامها، وسن قانون انتخابي جديد توافقي، وتوفير مناخ سليم يضمن شفافية ونزاهة هذه الانتخابات، والإسراع في وضع آليات العدالة الانتقالية وتركيز الهيئات العليا المستقلة للقضاء والإعلام والانتخابات، وضمان حياد الإدارة ودور العبادة عن التسييس والنأي بها عن التجاذبات السياسية التي من شأنها زرع الفرقة والتباغض بين المواطنين، وصيانة المكاسب الحضارية للشعب التونسي، والمتمثلة بالخصوص في وحدة المنظومة التعليمية، والمطالبة بضرورة اتخاذ الإجراءات العاجلة للحد من ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية والقطع مع منوال التنمية الذي عمّق أزمة البطالة ووسّع دائرة تهميش الجهات الداخلية.
518
| 07 أكتوبر 2013
في ظل الأزمة السياسية الحادة التي تعيشها تونس منذ أن بدأ مسلسل الاغتيالات السياسية لرموز المعارضة اليسارية و القومية مع بداية هذه السمة، رأت الأحزاب والتنظيمات اليسارية التونسية أنّه بعد الانتخابات اتضح أن الحكم الحالي الذي تقوده حركة النهضة الإسلامية يسير في الاتجاه المعاكس لأهداف ثورة 14 جانفي2011وانطلاقاً من هذه الرؤية، أكدت الأحزاب و التنظيمات اليسارية و القومية التي شكلت مع بداية هذه السنة "الجبهة الشعبية" على ضرورة التصدي لمشاريع الهيمنة المتجددة، غير أنّ ذلك لا يمكن أن ينجح إلا بتكتل أكثر ما يمكن من القوى التي تطرح برامج معارضة للتوجهات السياسية والاقتصادية للسلطة الحاكمة. وفي هذا السياق هاجمت "الجبهة الشعبية "حزب"النهضة" الإسلامي، وحزب "نداء تونس" المعارض الليبرالي الذي أسسه قبل بضعة أشهر رئيس الوزراء السابق الباجي قايد السبسي، وقالت إن التونسيين "لم يجنوا من ثورتهم سوى مزيد من التفقير والتهميش والاستبلاه والتسويف"، متهمة الحكومة بـ "السمسرة بدماء شهداء الثورة وجرحاها".وشبهت الجبهة الحزب الذي أسسه السبسي بـ "الحضن الناعم للتجمعيين (أعضاء حزب التجمع الحاكم في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي) وكل الفاسدين من رجال الأعمال". ويجمع المحللون الملمون بالشأن السياسي التونسي أن "الجبهة الشعبية"، كان بإمكانها أن تكون خياراً انتخابياً ثالثاً في تونس التي تشهد حالياً استقطاباً كبيراً بين الإسلاميين ممثلين في "حزب النهضة"وحزب "نداء تونس"، لا سيما أن هناك عوامل عديدة تدفع بقوى اليسار لتوحيد صفوفها، في ضوء الهزيمة التي منيت بها الأحزاب اليسارية و القومية في الانتخابات الماضية،و التي جعلت العديد من قواعد هذه الأحزاب تدفع نحو رص الصفوف لمواجهة ما تواجهه الساحة. غير أن "الجبهة الشعبية" ينتظرها عمل كبير، لجهة توحيد أكثر ما يمكن من الرؤى بين أطرافها اليسارية والقومية، إضافة إلى تعميق فكرة العمل الجبهوي واللقاء السياسي،ثمّ بلورة رؤاها وبرامجها البديلة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن اليسار التونسي مطالب بأن يتحرر من الأطر الأيديولوجية السابقة، ويعيد التأسيس للجبهة الديمقراطية في ظل الدور المتصاعد للطبقة المتوسطة في تونس التي انخرطت منذ بداية التسعينات من القرن الماضي في العولمة الليبرالية، حيث جنت البلاد ثروات جلبتها تلك العولمة،واستفادت منها الطبقة المتوسطة الاستهلاكية بسبب التوسّع في سياسة الإقراض لشراء السيارة والمنزل، وحلّ في المقابل الفقر والبطالة ليهمّشا محافظات تونسية بأكملها من جراء انتهاج سياسات تعمق حجم الاختلال التنموي بين الجهات والمناطق. وتجاهل النظام الديكتاتوري السابق وصول معدلات البطالة بين الشباب الذي يحمل شهادات جامعية إلى مستويات غير مسبوقة،وسوء الأوضاع الاقتصادية في المحافظات المحرومة والمهمشة في الوسط الغربي والجنوب،وتحوّل الفوارق الطبقية بين الأغنياء والفقراء إلى هوة سحيقة تطال كل مناحي الحياة،وأهمل أهمية العدالة الاجتماعية كمسألة سياسية أساسية لا يجوز التهاون فيها، واعتمد على السياسات النيوليبرالية من دون ضوابط ومن دون التفات كافٍ إلى قضايا توزيع الثروة والبطالة والأمية والفقر الخ...و لم يفعل وزراؤه الكثير للتعامل مع هذه الأزمات. انطلاقاً من هذا التحليل، فإن مصطلح الجبهة الشعبية كإطار أيديولوجي وسياسي يعبر عن تطلعات الفئات الكادحة، لا يستقيم علميا وسوسيولجيا في المجتمع التونسي في مرحلة ما بعد الثورة، لأنه يتجاهل أن تونس كانت معدلات النمو الجيدة فيها في مرحلة ما قبل الثورة، تعتبر الأعلى بين البلدان العربية خارج منطقة الخليج ونجح النظام الديكتاتوري السابق نسبياً في تحسين المؤشرات الاجتماعية الرئيسية كالحد من الأمية ونشر التعليم وضمان درجة مقبولة من المساواة بين النساء والرجال في المجتمع، وهذه العوامل الثقافة والتمدّن والعولمة، تدخل جميعها في إطار تشكّل الطبقة الوسطى، الأمر الذي يجعل من التطلعات المشروعة للطبقة التونسية إلى بناء ديمقراطية فعلية و حقيقة في تونس، مسألة في غاية من الأهمية. فكان من الأجدر على قوى اليسار التونسي أن تركز الضوء على ظاهرة الطبقة المتوسطة التي تمتلك القدرة على تحقيق التحول نحو الديمقراطية بمجرّد وصول معدّل الدخل الفردي في البلاد 4 آلاف و300 دولار أمريكي. ولمصادفة الأرقام الغريبة، بلغت القوة الشرائية التونسية عند انفجار الثورة 9 آلاف دولار، وهو ما يعادل 2200 دولار عام 1975، زمن تحوّل إسبانيا نحو الديمقراطية.. ويبقى السؤال، هل تصبح تونس الديمقراطية الأولى في القوس العربي؟
361
| 04 أكتوبر 2013
منذ فوز حزب النهضة الإسلامي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، وتمكنه من ضمان أكثرية مريحة في المجلس الوطني التأسيسي، حين أقام ائتلافاً ثلاثياً حاكماً مع حزب "المؤتمر الوطني" ذي التوجهات العلمانية الوسطية، و"التكتل الديمقراطي" الأقرب نظرياً إلى يسار الوسط، وتشكيل رئيس الوزراء التونسي السابق الباجي قائد السبسي حزب "نداء تونس"، الذي يضم في صفوفه أعضاء سابقين في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، المنحل بقرار قضائي، والذي استطاع في فترة وجيزة أن يستقطب عشرات الآلاف من المنخرطين الجدد المستاءين من حكم الترويكا، تكرس في المشهد السياسي التونسي استقطاب ثنائي حاد، و انتشار ظاهرة الإرهاب التكفيري الذي يستهدف رموز المعارضة اليسارية و القومية، و الإعلاميين، و المثقفين، تعيش تونس أزمة بناء الدولة الديمقراطية التعددية، التي تقوم على منظومة من القيم والقواعد التي تنظم الاجتماع السياسي. ولعل أهم هذه القواعد التي تشكل القاسم المشترك بين السلطة و المعارضة، ومكونات المجتمع المدني الحديث، هي الدستور المكتوب المتوافق عليه، الذي يكتب في ضوء مبادئ و أسس الدولة المدنية، أي الدولة الديمقراطية التعددية، و العمل على بلورة العقد الاجتماعي الجديد الذي يقوم على احترام الحريات العامة و الخاصة، والمواطنية، واستقلال المجال السياسي، و هو ما يجعل السياسة من إنتاج المجتمع، بما هي تعبير عن المصالح العمومية، وبما هي منافسة سلمية وحضارية على إدارة الشؤون العامة للدولة. في ظل غياب هذا التوجه الحقيقي نحو بناء الدولة الديمقراطية التعددية، دخلت تونس في ظل أزمة مصيرية ووجودية.وتعمقت الأزمة هذه منذ اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 يوليو الماضي، و استمرار تمسك حركة النهضة الإسلامية بالسلطة، ورفضها حل الحكومة الحالية التي يرأسها السيد علي العريض، وتمسك جبهة "الإنقاذ" المعارضة بمطالبها، لا سيما رحيل هذه الحكومة العاجزة والفاشلة، والتوافق على تشكيل حكومة جديدة محايدة ترأسها شخصية مستقلة تتولى تنفيذ برنامج واضح وأيضا متوافق عليه بين جميع الفرقاء ويضمن السير بالبلاد نحو انتخابات نظيفة في مناخ آمن، ويمكن اختزاله في الآتي: مقاومة العنف السياسي بحل ما يسمى بـ"رابطات حماية الثورة" المساندة للحزب الحاكم، ومحاربة الإرهاب من خلال رسم إستراتيجية وطنية موحدة تؤمن الوحدة الوطنية وتنفذ في إطار من الثقة في الحكومة الجديدة وفي إطار من اليقظة والحزم في الدفاع على مؤسسات الدولة وأمن البلاد، ومراجعة التعيينات والتسميات في الإدارة التي تمت بالآلاف على أساس الولاء الحزبي للنهضة لا على أساس الجدارة والكفاءة، وكان الهدف منها تطويع الإدارة التونسية لصالح الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة. ويمكن تصور حل هذه الأزمة المصيرية، إلا من خلال بلورة هذا العقد الجديد بين السلطة و المعارضة، و الاتفاق على المشروع المجتمعي المشترك، الذي يقوم على بناء الدولة الديمقراطية التعددية، باعتبارها المطلب الرئيس للثورة الديمقراطية التونسية.. وحين يكون الخلاف بين حركة النهضة الإسلامية الطرف المهيمن في الترويكا الحاكمة و المعارضة اليسارية و الليبرالية على هذا المشروع المجتمعي المشترك لكل طبقات و فئات المجتمع التونسي، يعجز المجتمع عن بلوغ مثل هذه المواطأة على المشروع الجامع، فتتحول فيه صناديق الاقتراع إلى مجرد وسائل للتغلب و الهيمنة على مفاصل الدولة و المجتمع،تعوض وسائل العنف السياسي! الأزمة في تونس بنيوية، و لا يمكن أن تحل إلا تحل إلا في ضوء إرساء الديمقراطية وبناء دولة القانون والانطلاق في تحقيق التنمية والشغل في مناخ آمن. و فيما التجاذبات السياسية بين السلطة و المعارضة تقزم الأزمة إلى قضية رحيل الحكومة، و تشكيل حكومة كفاءات، فإن المراقب الموضوعي للمشهد السياسي التونسي، يلمس بوضوح أن الأزمة في تونس تكمن في غياب المشروع المجتمعي المشترك، لا سيما فيما يتعلق ببناء الدولة الوطنية الديمقراطية، وهذا هو لب المشكلة. الدولة الوطنية الديمقراطية هي بوجه عام دولة الحرّية، وهي بوجه خاص الضامن لحرّية الفكر، وتأكيدنا على حرّية الفكر في وضعنا التونسي تنبع من قناعتنا بأن المدخل إلى إعادة إنتاج السياسة في المجتمع هو مدخل معرفي فكري من أجل بلورة مشروع تنويري يجسد القطيعة مع ما قبلية التاريخ، هذه الحقبة اللا زمانية التي جعلت التنوير التونسي إما ينساح للانكفاء على الموروث الماضوي تحت تأثير صدمة المواجهة مع العملقة الغربية أو يتماهى مع شخصية الغرب من موقع عقدة الشعور بالنقص. وهذا الانكفاء وهذا التماهي بالغرب باعتباره نموذجاً يحتذى به، يمنعان عملياً بلورة مشروع تنويري تونسي قادر أن يحقق نهضة تحديثية عبر المواجهة التاريخية مع الذات (أي ثورة الذات العربية على ذاتها) والآخر (أي الغرب) في آن معاً. لذلك نرى أن حرّية الفكر لا تدخل في نطاق سلطة الدولة المجسدة لما هو عام ومشترك بين الأفراد، وليس لما هو خاص ويختلف من فرد إلى آخر. فمع أن الأطر الاجتماعية تحدد المعرفة والفكر إلا أن أفراد المجتمع يفكر كل منهم بحرّية تامة وهم في ذلك مختلفون أشد الاختلاف. العقلانية المنفتحة هي ضمان حق الاختلاف، ولا تكون الدولة عقلانية ما لم تضمن هذا الحق، كما أن حرية الفكر والرأي لا تدخل في إطار النظام الاجتماعي، ولذلك لا ينبغي أن تدخل في إطار سلطة الدولة. وتطلب الدولة انقياد أعمال الأفراد بقراراتها ولا تطلب الإجماع المستحيل في الإرادة المتنوعة دوماً والحرة بالضرورة. ومع أنه لا شيء يمكن أن يمنع الدولة من تجاهل حرّية الفكر والرأي، فإن تجاهلها هذا في غير مصلحتها، لأنه يجعلها بغيضة بلا مقابل، وليس من جدوى في القوانين المنغلقة بقضايا الفكر والرأي. تكمن عقلانية الدولة في وعيها أنها تستطيع أن تحكم بالعنف والإكراه، وأن ترسل المواطنين إلى السجن أو الموت لأتفه الأسباب، إلا أن ذلك ليس في مصلحتها، وليس من سلامة العقل أن تفعل ذلك. فحق الدولة لا يتجاوز قوتها الفعلية، وكل ما سمحت أن تتجاوز قوتها الفعلية، تكون قد فتحت باب التمرد والعصيان على سلطتها. فهي لا تستطيع مخالفة أسس وجودها، وقوانين بقائها التي هي قوانين طبيعتها الخاصة، وأهمها مراعاة حقوق مواطنيها ورعايتهم ومراعاة القوانين التي تحدد الحقوق من دون أن تعرض بقائها ذاتها للخطر. الديمقراطية بوصفها حقيقة نظام الحكم تقوم على مبدأ النظام العام، قبل أي شيء آخر، النظام في معارضة العشوائية والفوضى (أي النظام في معارضة حرية الأفراد واختلافهم وتعارض مصالحهم). هذا النظام العام أو التنظيم تفرضه في المجتمع المدني الضرورة الطبيعية أولاً، وخواص الكائن البشري ثانياً، والمصلحة أي كانت الصورة المغتربة التي تظهر بها ثالثاً، ولذلك فإن المجتمع هو الذي ينتج النظام، وليس النظام هو الذي ينتج المجتمع، إلا بالمعنى الذي تتحوّل معه النتيجة إلى سبب. إن النظام العام المعبر عنه واقعياً بالقانون هو مبدأ وحدة المجتمع وانتقاله من نظام الامتيازات والواجبات إلى نظام الحقوق، من نظام الجماعات المغلقة والمتحدات الاجتماعية، التي تعزل الفرد عن الكل الاجتماعي إلى المجتمع المتحرر من سلاسل الأعراف والتقاليد وأطر الفئات المغلقة. هذا التحرر الذي رغم طابع الفوضى والعشوائية الناجمين عن تحرر الأفراد هو عملية الاندماج في الكل الاجتماعي وفي النظام العام.
1281
| 18 سبتمبر 2013
حتى ترقى حركة النهضة الإسلامية إلى الاندماج في المسار الديمقراطي، عليها أن تنظر لنفسها على أنها جزء من الكل، و الكل هو الحركة السياسية الجامعة للمسالة الوطنية التونسية. وكما أثبتت الانتخابات الأخيرة ، لا تمثل حركة النهضة سوى 20في المئة أو أزيد من ذلك بقليل ، هذا هو حجمها الحقيقي. أما باقي المجتمع التونسي ، فهو ليس مع النهضة، وهو متمسك بتعاليم الإسلام المدنية المتسامحة، و يرفض الإسلام الأصولي العُنْفِي، ومُتشَّبِثٌ بمقومات الحداثة وبناء الدولة المدنية. و في مثل هذا الوضع وجدت حركة النهضة نفسها وحيدة، باستثناء تحالفها مع الجماعات السلفية المتشددةّ في مواجهة أكثرية المجتمع. في ظل الأزمة السياسية الحادة التي تعيشها البلاد التونسية، على الشيخ راشد الغنوشي أن يُجَسِّدَ الانصياع المُرّلمنطق و رغبة الأكثرية في المجتمع التونسي ،التي تريد أن تعيش في كنف المكتسبات التاريخية التي حققتها تونس في ظل الجمهورية الأولى ، مع إضفاء الطابع الديمقراطي على مؤسسات الجمهورية الثانية. هذا الانصياع لتجنب الحرب الأهلية، و النموذج الجزائري ، يقتضي من الشيخ راشد الغنوشي في مفاوضاته مع السيد حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ، أن يقبل بالتسوية التاريخية، التي بات الجميع في تونس متفقاً عليها، ألا وهي حل الحكومة الحالية ، و تشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة، تقود ما تبقى من المرحلة الانتقالية. ومنذ انفجار الأزمة السياسية التونسية عقب اغتيال الشهيد محمد البراهمي باتت كل الطرق تؤدي إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، باعتبار أن المركزية النقابية تحولت إلى بيضة القبان في إطار الصراع على السلطة في تونس. فالمبادرات جميعها يمكن أن تلتقي في طرح هذه المركزية النقابية اذا ما تنازلت أطراف السلطة و المعارضة عن بعض من مطالبهم. و لعل أهم تصريح جاء مؤيداً لمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل جاءت عن طريق الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد زياد الأخضر الذي أبدى عن استعداد حزبه للتفاعل مع مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل إذا قبلت بها حركة النهضة، بالرغم من أن حزبه كان يتبنى مقاربة اسقاط المجلس التأسيسي ولا يرغب في تعديلها. أما حركة النهضة فمن المنتظر أن يبت اجتماع مجلس شورى الحركة اليوم، في المبادرات المعروضة من قبل "الاتحاد العام التونسي للشغل"، أكبر منظمة عمالية في البلاد، وقوى المعارضة وشخصيات وطنية أخرى، في شأن إيجاد مخرج من الأزمة السياسة التي تمر بها البلاد، بينما يتواصل لأكثر من 20 يوماً اعتصام المعارضة في منطقة باردو بالعاصمة تونس للمطالبة باستقالة الحكومة التي يترأسها القيادي في حركة "النهضة" الإسلامية علي العريض، وحل المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان). ويمثل مجلس شورى "النهضة" أهم مؤسسة في الحركة الإسلامية الحاكمة، وهو المخوّل باتخاذ القرارات المصيرية والحاسمة، مما جعل البعض يصفه بالهيئة السياسية الأهم في البلاد. ويضم مجلس شورى "النهضة" تيارات مختلفة كثيراً ما تتباين مواقفها إزاء المواقف السياسية. وبشأن الأزمة الراهنة، هناك من يدعو إلى التهدئة وتقديم التنازلات من أجل تجاوز المحنة، بينما يدعو تيارٌ آخر إلى عدم التراجع أمام ضغط الشارع والمعارضة (صحيفة الحياة 18 أغسطس2013).. و لاتزال المعارضة التونسية المتمثلة في "جبهة الإنقاذ الوطني" تدعو إلى تصعيد الاحتجاجات ضد الحكومة التي يقودها القيادي النهضوي علي العريض، وإلى إطلاق "أسبوع الرحيل" من أجل طرد المحافظين والموظفين الذين عينتهم الحكومة في الإدارات المركزية والجهوية.وقالت الجبهة في بيان إن "حملة إرحل تنطلق اليوم، وهي تستهدف عزل المحافظين ورؤساء المنشآت العامة وفي الإدارة المركزية، الذين تم تعيينهم على أساس الولاء الحزبي". ودعت الجبهة في بيانها، إلى "التعبئة العامة لأسبوع الرحيل ابتداء من 24 أغسطس الجاري، والبدء في مشاورات لتشكيل الهيئة الوطنية العليا للإنقاذ، وحكومة الإنقاذ الوطني المستقلة والمتكونة من 15 عضواً برئاسة شخصية وطنية مستقلة سيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب".وجددت تمسكها بـ "ضرورة حل المجلس الوطني التأسيسي والسلطات المنبثقة منه حكومة ورئاسة"، وحمّلت "لائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة الإسلامية، مسؤولية المماطلة في ذلك وتأزيم الوضع". حين انهزم الشيخ راشد الغنوشي في المواجهة مع الدولة البوليسية عام 1991، حين كان لحركة النهضة جناح عسكري سرّي، انصاع لمنطق تجنيب تونس الحرب الأهلية على الطريقة الجزائرية، في تلك اللحظة التاريخية، كان الغنوشي مهزوماً أمام الدولة البوليسية ، و أمام المجتمع المدني التونسي الذي يرفض العنف بكل اشكاله وصوره. فتَجَّنَبَ الرَّدَ على عنف الدولة البوليسية باللجوء إلى عُنْفٍ مُضَادٍ، كما فعلت الحركات الإسلامية في كل من مصر و الجزائر. و إذا كانت السلفية الجهادية لم تستطع أن تثبت أقدامها في تونس (على عكس الجزائر والمغرب وليبيا) ، فالفضل في ذلك يعود إلى وعي ووطنية حركة النهضة الإسلامية الذي أعلنه رئيسها الشيخ راشد الغنوشي مبكراًمع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي . ففي الجزائر الذي حصل فيها الانقلاب العسكري في بداية سنة 1992، عقب الفوز المدوي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، انجرت الجماعات الإسلامية المسلحة إلى ممارسة العنف ضد الدولة التسلطية الجزائرية المدعومة من الغرب، فكانت الحرب الأهلية التي استمرت قرابة عقد كامل ، و حصدت أكثر من 200000 قتيل. وفي مصر شهدت أيضاً صراعاً مسلحاً دامياً بين تنظيم الجهاد الإسلامي و نظام حسني مبارك الديكتاتوري ، لكن التحول الكبير حدث حين قامت الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد بمراجعات شجاعة حقيقية وشفافة (بدءاً من عام 1998) أنهت حقبة التوتر والعنف ورسخت السلم الأهلي وأنجزت استقراراً كبيراً في المجتمع المصري؛ ما أضاف إلى موقف التيارين الإسلاميين الآخرين (الإخوان وشباب الوسط) وإلى المعارضة عموماً، قوة مدنية سلمية ديموقراطية شابة مجربة سمحت بمواجهة عسف السلطة وفسادها على قواعد جديدة تحمي المواطنة والتعددية والوحدة الوطنية... والتجربتان التونسية والمصرية (وهما تشبهان هنا التركية والإيرانية) تميزتا في الأصل بوجود نظام علماني حداثوي وطني، ودولة مركزية قوية ذات شرعية ثابتة وسيادة غير منتقصة وجيش وطني موحد (وكلها صمام أمان التنّوع الأقلوي)، تردفها ليبرالية بورجوازية مستقرة في مجتمع مديني غالب، ما يعني ضعف أو غياب العصبيات النابذة والمفككة للدولة... كما يعني في الوقت نفسه تغوّل الدولة على حساب المجتمع وخياراته. في عام 2013، الشيخ راشد الغنوشي هو الحاكم الفعلي لتونس، وهو في موقع القرار الأول للسلطة في تونس، فهل يركب رأسه غرور السلطة، أم يتخذ المواقف التاريخية الشجاعة و المسؤولة، لبلورة الدستور الديمقراطي لتونس ما بعد الثورة، من دون الخضوع لإملاءات و شروط الأقلية السلفية المتشددة، ويندمج في سيرورة العمل الجدي و المسؤول نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، لكي تستعيد تونس معناها الريادي مرّة أخرى بعد انطلاق «الربيع العربي» منها أواخر عام 2010، ولربما بصورة أكثر تأثيراً عملياً في الموقف التاريخي الذي تنتظره المعارضة التونسية بكل أطيافها ، و الاتحاد العام التونسي للشغل، أن يصدر عن حركة النهضة،حتى تتجاوزتونس انقساماً داخلياً عميقاً حول الأزمة السياسية الحادة الحالية ، وباعتراف الغنوشي نفسه؟ ففي ظل الأزمة السياسية الحادّة التي تعيشها تونس في هذه المرحلة الدقيقة ، تقتضي الحكمة إيجاد تسوية تاريخية بين السلطة و المعارضة كما يقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل ، من خلال إعلاء منطق و نهج الحوار الديمقراطي من دون خطوط حمراء أو التمسك بالحكومة الحالية الفاشلة ، وتغليب المصلحة الوطنية على أية مصلحة حزبية ضيقة، للخروج من الأزمة عبر تشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة . فالعلاقة بين حركة النهضة الإسلامية والمعارضة العلمانية و الاتحاد العام التونسي للشغل ،إما أن تكون تعاوناً يعود على الشعب التونسي بالخير، أو صداماً قد يؤدي إلى كارثة وفقاً للنموذج الجزائري.
354
| 28 أغسطس 2013
أمام احتدام الأزمة التونسية، من خلال تواصل المعارضة اليسارية والعلمانية اعتصام منذ أكثر من أسبوعين أمام المجلس للمطالبة بحلّه وإسقاط الحكومة التي تقودها حركة «النهضة» وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، ورفض الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الطرف المهيمن في الترويكا الحاكمة، حلّ الحكومة، والمجلس التأسيسي، أعلن الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي الأمين العام لحزب «التكتل» وهو أحد شريكين علمانيين في الحكم لحركة النهضة الإسلامية، تعليق الجلسات العامة للمجلس إلى أجل غير مسمى بسبب الأزمة السياسية في البلاد. وقال بن جعفر في خطاب توجه به إلى التونسيين عبر التلفزيون الرسمي «أتحمل مسؤوليتي كرئيس للمجلس الوطني التأسيسي لأعلق أشغال المجلس إلى حدود انطلاق الحوار (بين الفرقاء السياسيين)، وأنا أقوم بهذا خدمة لتونس، هدفي الوحيد هو تونس، هو ضمان وتأمين الانتقال الديمقراطي». وقد يعزز تعطيل المجلس التأسيسي موقف المعارضة أمام حركة النهضة الحاكمة التي كانت وافقت على تقديم بعض التنازلات، لكنها رفضت حلّ المجلس التأسيسي أو إقالة رئيس الوزراء. لكن اعتزام المعارضة العلمانية الاتجاه إلى إعلان حكومة إنقاذ بديلة قد ينسف جهود الاتحاد العام التونسي للشغل لإطلاق حوار ويعمق الأزمة المحتدمة بين طرفي الصراع من الإسلاميين والعلمانيين.. وكان رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي قال في مقابلة مع «رويترز» في بداية شهر أغسطس2013، إن رئيس الوزراء الإسلامي علي العريض، والمجلس التأسيسي «خط أحمر» لن يتجاوزه، وتحدى المعارضة إبداء استعداد لإجراء استفتاء لاتخاذ قرار في هذا الشأن. في ظل الأوضاع المـتأزمة، عقد لقاء بين الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، والسيد حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) بحضور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي للنظر في سبل الخروج بالأزمة السياسية. ورغم أن اللقاء لم يسفر عن نتيجة مباشرة، فإن بعض المحللين للأوضاع السياسية التونسية يشيرون إلى أن هناك قبولاً مبدئياً من حركة «النهضة» بتشكيل حكومة جديدة مع إمكانية التخلي عن منصب رئاسة الوزراء. وقد أكد عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» سامي الطريقي أن حركته «منفتحة على كل المبادرات التي من شأنها أن تسهل الخروج من الأزمة من دون خطوط حمراء»، داعياً في المقابل المعارضة إلى تقديم المصلحة الوطنية والتقدم إلى حوار من دون خطوط حمراء أيضاً، وفق قوله. ولمح الطريقي إلى إمكانية قبول «النهضة» بحكومة جديدة من دون علي العريض (رئيس الوزراء) في حال قدمت الأطراف الأخرى تنازلات مماثلة. تونس تحتاج اليوم إلى عقلاء، للخروج من الأزمة، وفرض حلّ واقعي للأزمة، عبر تكريس نهج الديمقراطية الوفاقية، وتشكيل حكومة كفاءات تدير ما تبقى من هذه المرحلة الانتقالية، وتنهي صياغة الدستور الديمقراطي بالاستعانة من قبل الخبراء في القانون الدستوري، والأهم في كل هذا هو مواجهة الإرهاب الأعمى الذي تقوده مجموعات من المغامرين والحمقى لا علاقة لهم بالإسلام.
325
| 19 أغسطس 2013
منذ اغتيال السياسي المعارض عضو المجلس التأسيسي الشهيد محمد البراهمي في 25 يوليو2013، تنظم المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية اعتصامات ليلية أمام مقر المجلس التأسيسي في قصر باردو. وكانت أكبر تظاهرة نظمتها المعارضة التونسية يوم الثلاثاء 6أغسطس 2013، حيث نقلت وسائل إعلام تونسية عن منظمي التظاهرة أن عدد المشاركين فيها تراوح بين 100 و200 ألف. ولم يتسن التأكد من صحة هذه الإحصاءات من مصادر مستقلة. وقال مراقبون إنّ هذا أكبر حشد تنظمه المعارضة ضد حركة النهضة التي وصلت إلى الحكم إثر فوزها في انتخابات 23 أكتوبر 2011. وجددت المعارضة التونسية التعبئة بتظاهرة جديدة في 13 أغسطس2013، الذي يصادف يوم المصادقة على مجلة الأحوال الشخصية التي منحت في 1956 النساء التونسيات حقوقا لا مثيل لها في العالم العربي، لكن من دون أن ترسخ المساواة. ويتهم العلمانيون الإسلاميون الحاكمون مراراً بمحاولة النيل من المكاسب التي حصلت عليها المرأة التونسية. وتعتبر المعارضة أن الحكومة الإسلامية مسؤولة عن تنامي التيار السلفي الذي تزعزع عملياته بانتظام استقرار البلاد منذ ثورة 2011. وتونس محرومة أيضاً من دستور نظراً إلى عدم التوافق على مضمونه بعد سنتين من انتخاب المجلس الوطني التأسيسي. في ظل تنامي ظاهرة الإرهاب الجهادي، الذي كان بمنزلة الزلزال الذي ضرب تونس بأكملها، وأذن بدخول البلاد في حالة من اختلال الأمن تمثل في مذبحة الجنود التونسيين الثمانية في جبل الشعانبي على الحدود الجزائرية، وتفجيري حلق الوادي والمحمدية في ضاحية تونس في نهاية شهر يوليو الماضي، فقدت الحكومة التونسية التي يرأسها السيد علي العريض ( من حركة النهضة )، كلّ سلطة معنوية على الشعب التونسي، بعد أن اتضح عجزها وفشلها لا في تسيير الملفات الاقتصادية والاجتماعية فحسب، ولكن وهذا الأهم في توفير الأمن العام للمواطنين، وهو الوظيفة الأولى لكل دولة. فقد وصلت الأزمة بين فئات المعارضة والائتلاف الحاكم، وتحديداً «حركة النهضة»، إلى مفترق طرق ستُحدَدُ عبره في الأيام المقبلة طبيعة المشهد السياسي في المرحلة المقبلة. وترى المعارضة التونسية الليبرالية واليسارية، أن المخرج الحقيقي للأزمة السياسية التي تعيشها تونس منذ أشهر عدة، لا يتم إلا من خلال بلورة خريطة طريق حقيقية تلبي انتظارات الشعب التونسي. فقد عملت المعارضة التونسية، وعلى رأسها «حركة نداء تونس» التي يرأسها رئيس الوزراء السابق الباجي قايد السبسي، و«الجبهة الشعبية» التي تضم 11 حزباً يسارياً وقومياً إلى جانب حزب «اليسار» و«الحزب الجمهوري» و«حزب المسار الديمقراطي »، وأحزاب أخرى، على تشكيل «جبهة الإنقاذ الوطني »، وذلك بعد التداول في الوضع السياسي في تونس إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي وانطلاق الحراك الشعبي العارم في كامل أنحاء البلاد. وقد أدانت هذه الأطراف في بيان لها هذه الجريمة النكراء وحملت الترويكا، وعلى رأسها حركة «النهضة» مسؤولية انتشار العنف والتحريض عليه والجريمة السياسية المنظّمة التي طالت لطفي نقض وشكري بلعيد ومحمد البراهمي. كما أوضح نفس البيان أنّ مهمة الجبهة تكمن في تشكيل الهيئة الوطنية العليا للإنقاذ الوطني الممثلة للأحزاب السياسة ومكونات المجتمع المدني التي ستتولى، بالاستعانة مع خبراء القانون الدستوري، استكمال صياغة الدستور في بحر شهرين يعرض على الاستفتاء الشعبي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني محدودة العدد لا تترشح في الانتخابات القادمة متطوعة برئاسة شخصية وطنية مستقلة متوافق عليها تتخذ ضمن برنامجها جملة الإجراءات الاستعجالية الاقتصادية والاجتماعية و السياسية والأمنية وتعد لانتخابات ديمقراطية، نزيهة وشفافة. وبالمقابل، أكدت حركة «النهضة» في بيان مشترك صدر عنها وعن 17 قوة سياسية، حول الأوضاع العامة بالبلاد خصوصا بعد الاغتيال الآثم للشهيد محمد البراهمي والجريمة الشنيعة المرتكبة في جبل الشعانبي في حق مجموعة من جنودنا، على تمسكها بالمجلس الوطني التأسيسي كأساس للشرعية الناتجة عن الانتخابات المعبّرة عن الإرادة العامة والحرة للشعب، والدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضم أطرافا من المعارضة. بين طرح المعارضة التونسية الراديكالي في معالجته للأزمة السياسية القائمة في تونس، وطرح السلطة متمثلة بحركة النهضة وحلفائها، الذي يريد إدارة الأزمة لا حلها، أطلق الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر نقابة( أكثر من 500 ألف عضو )، وأكبر قوة اجتماعية في البلاد، مبادرة بين المنزلتين، وتقوم على «حلّ الحكومة الحالية والتوافق على شخصية وطنية مستقلّة تكلّف بتشكيل حكومة كفاءات في غضون أسبوع على أن تكون محايدة ومحدودة العدد...»، موضحاً أنّ من مهامها «تصريف الأعمال، إشاعة مناخ من الأمن والثقة والاطمئنان لدى المواطنين بما يمكّن من إجراء انتخابات شفّافة حرّة وفي ظروف عادية وملائمة»، داعياً أيضاً إلى حلّ ما يسمى «رابطات حماية الثورة» (المقربة من «النهضة») ومتابعة مَن اقترف منهم جرماً أو اعتداء، إضافة إلى تشكيل هيئة عليا مهمّتها مراجعة كلّ التعيينات في أجهزة الدولة والإدارة محلّياً وجهوياً (في المناطق) ومركزياً وعلى المستوى الدبلوماسي». أمام احتدام الأزمة التونسية، من خلال تواصل المعارضة اليسارية والعلمانية اعتصام منذ أكثر من أسبوعين أمام المجلس للمطالبة بحلّه وإسقاط الحكومة التي تقودها حركة «النهضة» وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، ورفض الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الطرف المهيمن في الترويكا الحاكمة، حلّ الحكومة، والمجلس التأسيسي، أعلن الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي الأمين العام لحزب «التكتل» وهو أحد شريكين علمانيين في الحكم لحركة النهضة الإسلامية، تعليق الجلسات العامة للمجلس إلى أجل غير مسمى بسبب الأزمة السياسية في البلاد. وقال بن جعفر في خطاب توجه به إلى التونسيين عبر التلفزيون الرسمي «أتحمل مسؤوليتي كرئيس للمجلس الوطني التأسيسي لأعلق أشغال المجلس إلى حدود انطلاق الحوار (بين الفرقاء السياسيين)، وأنا أقوم بهذا خدمة لتونس، هدفي الوحيد هو تونس، هو ضمان وتأمين الانتقال الديمقراطي». وقد يعزز تعطيل المجلس التأسيسي موقف المعارضة أمام حركة النهضة الحاكمة التي كانت وافقت على تقديم بعض التنازلات، لكنها رفضت حلّ المجلس التأسيسي أو إقالة رئيس الوزراء. لكن اعتزام المعارضة العلمانية الاتجاه إلى إعلان حكومة إنقاذ بديلة قد ينسف جهود الاتحاد العام التونسي للشغل لإطلاق حوار ويعمق الأزمة المحتدمة بين طرفي الصراع من الإسلاميين والعلمانيين.. وكان رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي قال في مقابلة مع «رويترز» في بداية شهر أغسطس2013، إن رئيس الوزراء الإسلامي علي العريض، والمجلس التأسيسي «خط أحمر» لن يتجاوزه، وتحدى المعارضة إبداء استعداد لإجراء استفتاء لاتخاذ قرار في هذا الشأن. في ظل الأوضاع المـتأزمة، عقد لقاء بين الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، والسيد حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) بحضور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي للنظر في سبل الخروج بالأزمة السياسية. ورغم أن اللقاء لم يسفر عن نتيجة مباشرة، فإن بعض المحللين للأوضاع السياسية التونسية يشيرون إلى أن هناك قبولاً مبدئياً من حركة «النهضة» بتشكيل حكومة جديدة مع إمكانية التخلي عن منصب رئاسة الوزراء. وقد أكد عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» سامي الطريقي أن حركته «منفتحة على كل المبادرات التي من شأنها أن تسهل الخروج من الأزمة من دون خطوط حمراء»، داعياً في المقابل المعارضة إلى تقديم المصلحة الوطنية والتقدم إلى حوار من دون خطوط حمراء أيضاً، وفق قوله. ولمح الطريقي إلى إمكانية قبول «النهضة» بحكومة جديدة من دون علي العريض (رئيس الوزراء) في حال قدمت الأطراف الأخرى تنازلات مماثلة. تونس تحتاج اليوم إلى عقلاء، للخروج من الأزمة، وفرض حلّ واقعي للأزمة، عبر تكريس نهج الديمقراطية الوفاقية، وتشكيل حكومة كفاءات تدير ما تبقى من هذه المرحلة الانتقالية، وتنهي صياغة الدستور الديمقراطي بالاستعانة من قبل الخبراء في القانون الدستوري، والأهم في كل هذا هو مواجهة الإرهاب الأعمى الذي تقوده مجموعات من المغامرين والحمقى لا علاقة لهم بالإسلام.
328
| 16 أغسطس 2013
في ظل معركة كسر العظم بين الحكومة الحالية بقيادة حركة النهضة، وبين أطياف المعارضة التونسية الليبرالية واليسارية والقومية، وفي ظل توازن الضعف بين هذه السلطة وقوى المعارضة، القوة الاجتماعية الأساسية التي بإمكانها أن تحسم الصراع لمصلحة هذا الطرف أو ذاك هو الاتحاد العام التونسي للشغل. فالذي حسم انتصار الثورة التونسية ضد النظام الديكتاتوري السابق هو الاتحاد حين نزل بكل ثقله في الصراع الجماهيري، وأصبح القوة الطليعية في قيادة الانتفاضة الشعبية. كذلك الأمر، في الوقت الحاضر، المعارضة التونسية بحاجة إلى تشكيل التحالف الديمقراطي الكبير، الذي يضم الاتحاد العام التونسي للشغل، من أجل قلب موازين القوى في البلاد، وإحداث نقلة نوعية في حركة الصراع السياسي لمصلحة القوى المدافعة من أجل تحقيق أهداف الثورة التونسية: الحرية، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وفي سبيل تشكيل حكومة إنقاذ وطني، تشكل خشبة الخلاص للوضع المتأزم في تونس. على نقيض الواقع المصري، حيث لعب الجيش المصري دورا ً مركزياً في الإطاحة بالرئيس محمد المصري المنتمي إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، حيث حافظ هذا الجيش على نوع من العلاقة المتميزة والمصداقية مع الشعب المصري التي تتيح له أن يكون الضامن الذي تحتكم إليه القوى الثورية الرافضة لحكم الإخوان المسلمين، من أجل حمايتها من سيطرة هذا الإخوان المسلمين، فإن في تونس، الذي يمتلك النفوذ القوي، والقادر على الحسم، هو الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يمتلك قوة قادرة على التأثير على الشارع، ويمكنه إطاحة الحكومة، وتغيير ترتيب الأوراق السياسية بسبب قوته العددية ووزنه السياسي والاقتصادي ويمكنه القيام بالدور الذي لا يستطيع الجيش القيام به. فالجيش التونسي أعلن أكثر من مرّة حياديته إزاء التجاذبات السياسية، وهو يريد أن يكون على مسافة واحدة من كل السلطة والمعارضة. فقد صرّح مصدر مقرب من المؤسسة العسكرية: «الجيش التونسي محايد ولن يتدخل، ليس من عادته لعب دور سياسي». ونظراً لهذا الثقل الجماهيري الذي يتمتع به الاتحاد العام التونسي للشغل في تونس حيث يبلغ عدد منتسبيه 517ألف عضو، العديد منهم كانوا منتسبين إلى «حزب التجمع الدستوري الديمقراطي » المنحل، فإن هذا الاتحاد أسهم في تشكيل الحكومة الانتقالية الأولى، وأسهم أيضاً في إسقاط حكومة الغنوشي الثانية، وباتت كلمته مؤثّرة في تسيير دفّة السياسة في البلد. ففي ظل حكم حركة النهضة، دعا الاتحاد العام التونسي إلى الشغل إلى الإضراب العام، مرّة عندما تم اغتيال الشهيد شكري بلعيد، والثانية عندما اغتيل الشهيد محمد البراهمي مؤخراً، وقدر اقتصاديون تكلفة إضراب عام ليوم واحد، دعا إليه يوم الجمعة 26 يوليو 2013،الاتحاد العام التونسي للشغل احتجاجاً على اغتيال المعارض القومي الناصري محمد البراهمي، بنحو 422 مليون دولار. وصرح الخبير الاقتصادي معز الجودي بأن الإضراب دفع سوق الأسهم إلى الهبوط ونزل بقيمة الدينار التونسي إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق أمام الدولار واليورو. ومثل هذا التأثير يمنح الاتحاد نفوذاً قوياً للقيام بدور في بلد يعاني ركوداً اقتصادياً وارتفاعاً في معدلات البطالة وهي مشكلات تزيد من النقمة الشعبية على الحكومة. كما زاد مقتل البراهمي وهو ثاني معارض تونسي يُغتال هذا العام بعد الناشط اليساري شكري بلعيد، وتوجّه أصابع الاتهام في مقتلهما إلى نشطاء إسلاميين. وهذا الوضع هو الذي سيدفع الحكومة التي تقودها حركة «النهضة» الإسلامية إلى قبول مطالبة المعارضة لها بالاستقالة. لقد شكّل الاتحاد العام التونسي حجر الزاوية في الحركة الوطنية في زمن الاستعمار، ولعب على الدوام دوراً رئيسياً في الحياة السياسيّة. وأبعد من كونه اتحادا نقابيّا مركزيّا، إنّه بالأحرى أقرب إلى منظّمة اقترنت فيها تاريخيّاً المطالب الاجتماعية بالبرامج السياسية والوطنية. وكان على خلاف ما يجري في سائر الدول العربية، تمتّع بشيء من الاستقلالية - كبيرة أو صغيرة بحسب المراحل - عن أجهزة الدولة. ومنذ انخراطه في الثورة التونسية، عمل الاتحاد العام التونسي للشغل على محو الحقبة السوداء التي عاشها في ظل حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، واستعادة عافيته، وتوسيع قاعدته بوصفه القوة الوازنة الرئيسة في البلاد التي استقطبت حوله ليس المنظمات الأهلية فحسب، وإنما أيضا غالبية الأحزاب الصغيرة. وبما أن تونس تعيش حالياً مخاض ثورة ديمقراطية عميقة، وهي بصدد بناء نظامها الديمقراطي الجديد، الذي قوامه بناء دولة الحق والقانون، وإقامة تعددية سياسية حقيقية، وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة، فإن المشهد السياسي في تونس اليوم، وفي ظل هيمنة حزب النهضة على الترويكا الحاكمة، أصبح منقوصاً لجهة التوازن السياسي بين سلطة النهضة التي تحكم وقوة منافسة تعترض. غير أن من يملأ هذا النقص في المرحلة الراهنة هو الاتحاد العام التونسي للشغل.. الأقدم في لعبة الحقوق والمطالب. وقد ظهر بصفته رأس الحربة في «إزعاج» حكومة النهضة منذ ولادتها قبل سنة ونصف وإلى يومنا هذا، ورفع شعار «لا لتقزيم دور الاتحاد». وظل الاتحاد العام التونسي للشغل السلاح الاستراتيجي الفعال لأي قوة سياسية استخدمته أو تستخدمه للوصول إلى السلطة، ذلك ما ظهر جلياً بالنسبة للحزب الدستوري الجديد في عام 1956، ومحاولات الجناح الليبرالي من النظام لكسب دعمه، في صراعه مع الجناح المتصلب، إبان انتفاضة يناير 1978، وكذلك محمد المزالي، الذي أخفق في جرّ الاتحاد إلى مخططه السياسي خلال العام 1985. إنّ القمع الدمويّ لمظاهرات «ثورة الخبز» في تونس شتاء 1983-1984، والتزعزع الجديد للاتحاد العام التونسي للشغل وتوقيف قائده القديم الحبيب عاشور، واللّجوء المتزايد إلى القوّة في مواجهة المعارضة الاجتماعية والإسلامية من جانب النظام، وغياب الحزب السياسي الثوري، كلّ ذلك أسهم في أن يلعب الاتحاد العام التونسي للشغل دور الحزب السياسي المعارض في البلاد ساعياً إلى التحالف مع أي قوة سياسية بغض النظر عن طبيعتها وأهدافها، كانت مستعدة لإزاحة الحكومة، ولربما لتغيير النظام التونسي. ولعل ما يزيد توضيح هذه المسألة، التحالف الذي أقامه الحبيب عاشور مع «حركة الاتجاه الإسلامي » بزعامة الشيخ راشد الغنوشي، ووسيلة بنت عمار، في إطار صراعه من أجل إسقاط حكومة محمد المزالي في عام 1985. ولما أخفق هذا الأخير في احتواء الاتحاد بقيادة عاشور خلال أزمة الثمانينيات، مستفيداً من المعارك السابقة التي خاضها الحزب الاشتراكي الدستوري ضد المنظمة النقابية، عمل على تصفية القيادة العاشورية، مستغلاً التناقضات في الاتحاد من أجل تفجيره من الداخل وتشجيع الانشقاقات في صلبه، كما حصل مع القياديين السبعة، الذين أسسوا «الاتحاد الوطني » المدعوم من الحزب والحكومة في أبريل عام 1984. بعد خضوع الاقتصاد التونسي لبرنامج الإصلاح الهيكلي من قبل صندوق النقد الدولي في عام 1986، وانطلاق قطار الخصخصة الرأسمالية عبر بيع مؤسسات القطاع العام التي شملت نحو 220 منشأةً عموميّة، وبعد مجيء الجنرال زين العابدين بن علي إلى السلطة عبر الانقلاب الأبيض الذي نفذه ضد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في 7نوفمبر1987، أسهم نظام ابن علي الديكتاتوري في تدجين الاتحاد، بعد إصراره على إبعاد الزعيم النقابي التاريخيّ الحبيب عاشور، وفي تفكيك الدور الذي لعبته النقابات في عهد بورقيبة بوصفها السلطة الوحيدة المضادّة للدولة، والقوّة المعدّلة للموازين في وجه الحزب الحاكم ذي النفوذ شبه المطلق. غير أنه مع انطلاقة الانتفاضة الشعبية من مدينة سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر2010، وضع الاتحاد العام التونسي للشغل كل ثقله في هذه الثورة عندما انتقل مركز ثقلها من منطقة الوسط الغربي (سيدي بوزيد والقصرين)، ليأخذ بُعداً وطنياً شاملاً. فكان ذلك التزاوج غير المفتعل بين النضال الاجتماعي والنضال الديمقراطي، الذي أسفر عن نجاح الثورة التونسية، باعتبارها ثورة من أجل الحرية والكرامة، وفي سبيل بناء نظام ديمقراطي جديد للحياة السياسية التونسية.
459
| 11 أغسطس 2013
وجه الإرهاب الأعمى ضربة جديدة باغتيال المناضل القومي الناصري محمد البراهمي، النائب في المجلس الوطني التأسيسي التونسي والعضو القيادي في «الجبهة الشعبية» (تحالف اليسار والقوميين) محمد البراهمي،أمام منزله بحي الغزالة في ضاحية تونس العاصمة، حيث قام شخصان بإفراغ إحدى عشرة رصاصة في أنحاء مختلفة من جسده قبل أن يفرا على دراجة نارية. ويشكل اغتيال القائد الشهيد محمد البراهمي(58عاماً)، ثاني عملية اغتيال سياسي في تونس منذ سنة 1956. المشهد يذكرنا تماماً، بما حصل مع المعارض اليساري شكري بلعيد في فبراير الماضي، الذي اغتيل بالطريقة عينها، والذي سبب اغتياله صدمة في المجتمع التونسي ودفع رئيس الوزراء التونسي آنذاك، حمادي الجبالي، لتقديم استقالته.وكان البراهمي، يشغل منصب الأمين العام لحركة الشعب ذات التوجه القومي الناصري، التي تعرضت لعملية انشقاق كبيرة بين تيار موالي كليا لحركة النهضة، وتيار يقوده البراهمي، الذي استقال من الأمانة العامة لتنظيم "حركة الشعب" يوم 7يوليو الجاري، واتهم حركة "النهضة الإسلامية" الحاكمة بـ"اختراق" حزبه، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية.وفي اليوم نفسه، أعلن البراهمي تأسيس حزب "التيار الشعبي" ذي التوجه الناصري، والانضمام إلى "الجبهة الشعبية" باستثناء حركة النهضة، هناك شبه إجماع في تونس، بأن حكم النهضة، عرض الأمن الوطني للخطر، وهو الذي ظهر في معالجة قضية الإرهاب الذي تمارسه التيارات الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة،والذي حوّل تونس إلى قاعدة خلفية لنشاط «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي » وتنظيم «أنصار الشريعة » في كل من تونس وليبيا، وأفسح في المجال لتجنيد الشباب التونسي للقتال في سورية، لا أدري من أجل أي قضية عادلة يقاتل التونسيون هناك؟ وقد ذهب الشهيد شكري بلعيد ضحية هذا العنف السياسي المنظم، إضافة إلى الاعتداءات المتواصلة على مكونات المجتمع المدني الحديث، وأحزاب المعارضة، والنقابات،لاسيَّما على حزب "نداء تونس" الذي كان له النصيب الأوفر من هذه الاعتداءات، باعتبار أن استطلاعات الرأي تشير إلى أنه قوة سياسية صاعدة من شأنها أن تنافس حركة النهضة بجدية في الانتخابات المقبلة. اغتيال الشهيد محمد البراهمي، مثل نقطة تحول في مسار الثورة التونسية التي تعيش اليوم مرحلة الإجهاض بسبب خيبات الأمل المتلاحقة لدى التونسيين من جراء السياسة اللاعقلانية لحركة النهضة التي تحالفت مع الجماعات السلفية التكفيرية، وأنشأت ميليشيات تمارس القتل والإرهاب باسم «رابطات حماية الثورة»، لكي تمارس الحكم على طريقة النظام الديكتاتوري السابق، وتصادر ثورة الشعب التونسي من خلال أساليب غير ديمقراطية استهدفت قادة الأحزاب السياسية المنافسة، وبعض الإعلاميين، والأساتذة الجامعيين، ورموز الحركة النسائية ذات الحضور العريق والفاعل في المجتمع التونسي. الإرهاب الجديد الوافد إلى تونس، يجد حماية حقيقية له من قبل الطبقة السياسية الحاكمة لأنها ترفض محاربته وتمارس معه سياسة الغزل الانتخابي، هذا الإرهاب جاء ليغتال الثورة الشعبية التي قام بها الشعب التونسي، بوصفها ثورة قوّية في صراعها مع النظام الديكتاتوري السابق، بنهجها السلمي وتَفَوُقِهَا الأخلاقي، وبعدالة مطالبها في الحرّية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وقوية بقاعدتها الاجتماعية العريضة التي انخرطت فيها طبقات المجتمع وفئاته وأجياله كافة، وقوية بالتماسك الداخلي للقوى المشاركة في صنع فصولها البطولية، ثم قوية بنفَسها الثوري الطويل الذي لا يكل ولا يتقطع بأثر من عياء. ثورة حافظت على صورتها السلمية والحضارية أمام الرأي العام في الداخل والخارج، وهو ما جعلها تحدث قطيعة تاريخية مع الزمن العربي الذي سادت فيه درجة عالية من العنف السياسي في معظم البلدان العربية، لاسيَّما العنف السياسي ذي الطابع الرسمي بكل صوره العنفية وأشكاله، ولأنها دفعت بالعالم العربي إلى سيرورة إنجاز الثورة الديمقراطية بكل منطوياتها الفكرية والسياسية والثقافية والتاريخية. الإرهاب الجديد في تونس، جزء من الحرب الأهلية العربية المستعرة في سوريا والعراق، والتي تزور مصر واليمن، وتونس. في تونس مؤسسات الدولة تنهار، والمجتمع التونسي مهدد بالتفكك، في ظل الاستقطاب السياسي والأيديولوجي الحاد بين حركة النهضة وحلفائها من التيارات الجهادية والميليشيات التي تمارس العنف السياسي ضد المجتمع المدني،وبين أطياف المعارضة الليبرالية واليسارية. الطبقة السياسية الحاكمة في تونس، لا تريد وضع حد لهذه المرحلة الانتقالية، من خلال إقرار دستور توافقي، والعمل الجدي والمسؤول نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية، ومحاربة العنف السياسي الذي تمارسه أطراف محسوبة على الحزب الحاكم، الذي يرفض لحد الآن مواجهة الإرهاب لأنه بحاجة إلى القاعدة الانتخابية للتيارات السلفية الجهادية التكفيرية.فالإرهاب الجديد أدخل تونس في ليل طويل ليس له فجر قريب، مادام الدستور التونسي لم يتم إقراره بصورة يلبي مطالب الشعب التونسي في الحرية، والكرامة، وتأسيس الجمهورية الثانية على أساس الديمقراطية. تونس بعد الثورة، تعيش في ظل أزمة المرحلة الانتقالية، هذه الأزمة تتوقف على حقيقة أن القديم يموت،أما الجديد: الدستور الديمقراطي التوافقي، والدولة المدنية، والعدالة الاجتماعية، لا يستطيع الولادة، بسبب إفلاس الطبقة السياسية الحاكمة عامة، وإفلاس الإسلام السياسي بخاصة الذي ثبت بالملموس، أنه عاجز أن يحكم في كل من تونس ومصر، وأنه انحرف عن خط الثورة ومطالب الثوار، وخطف الدستور لكي يجعله دستورا "إخوانيا "على طريقة حركة النهضة، وانفرد بوضع قواعد المنافسة السياسية بما يمنع تداول السلطة، وغيب العدل الاجتماعي، وضيق الحريات العامة، وهدد الوحدة الوطنية والعيش المشترك من خلال غض النظر عن ممارسي العنف السياسي من قبل الجماعات التكفيرية والميليشيات، وأهان الشعب التونسي، علاوة على تقليص الديمقراطية إلى مجرد "صندوق انتخاب". في ظل أزمة المرحلة الانتقالية المعلقة، تظهر في تونس مجموعة من الظواهر المروعة من الإرهاب الذي يغتال قيادات المعارضة التونسية، ويهدد باغتيال المزيد من السياسيين،والمثقفين،و الإعلاميين،والصحفيين.وما يجري الآن، هو الوجه القاتم" للربيع العربي" الذي بطبيعته السلمية في كل من تونس، ومصر، أضرّ بـ"القاعدة" وحلفائها على الصعيد الأيديولوجي، لأن الثورات الديمقراطية العربية رسمت معالم طريق مختلفة عن تلك التي وضع أسسها سيد قطب، وتبعه عبدالسلام فرج، ثم الظواهري وغيرهم. فالثورات تؤكد أهمية النزوع السلمي، والدولة المدنية، والانفتاح على العالم، وهي طرق مناقضة، بل معاكسة تماما، لرهانات القاعدة أيديولوجيا وسياسيا. اغتيال قيادات المعارضة في تونس من شكري بلعيد إلى محمد البراهمي، كشف للرأي العام العربي، أن الإسلام السياسي لا يمتلك مشروعاً للحكم في بلدان الربيع العربي. فمنذ وصوله إلى السلطة، أصبح الإسلام السياسي خاضعاً لإعادة نظر من قبل الثورة،والحرب الأهلية والاحتجاجات الشعبية. فمشروع بناء مجتمع تحكمه تعاليم الإسلام يعاني من أزمة، من تونس إلى إيران. فهاهو الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي المتحدر من جماعة الإخوان المسلمين يتم إسقاطه من قبل الجيش، بعد مظاهرات حاشدة مناوئة له. ويواجه النظام الإسلامي المحافظ التركي الموجود في السلطة منذ عشر سنوات، أيضا موجة من الاحتجاجات غير المسبوقة. ويستمر النظام الإيراني الأصولي رغم قمعه للحركة الاحتجاجية. وأخيرا، فإن الحرب في سوريا تتحول إلى صراع طائفي.هل يستطيع الإسلام السياسي التغلب على هذه التغييرات؟ الإسلام السياسي يعتبر تاريخياً فاشلاً في إدارة الاقتصاد، لأنه لا يمتلك أي مشروع للتنمية، ففي عهده تراجع الاقتصاد التونسي بشكل مخيف، حيث زادت معدلات التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار بمستوى غير مسبوق، في مقابل ارتفاع نسبة من وقعوا تحت خط الفقر، وتدني قدرة الدولة على تقديم الخدمات للمواطنين، بينما استمرت حركة النهضة في معالجة هذا الأمر بالطريقة التي ألفها الإسلاميون طيلة حياتهم، وهي تقديم الصدقات السياسية، وهي مسألة كانت الناس تقبلها منهم حين كانوا في المعارضة، ولكنها لم تكن مرضية على الإطلاق من سلطة تقدمت إلى الكراسي الكبرى تزفها وعود مفرطة زائفة. لما كان الإسلاميون من حركة النهضة يفتقدون إلى أدنى درجة من الكفاءة في إدارة الدولة التونسية، وهي من أرقى الدول المركزية في العالم العربي، وعجزوا عن تسيير أمور الدولة، ولم يعترفوا بغياب هذه الإمكانية عنهم، بل كابروا وتصدروا المشهد الرسمي، ورفضوا فتح أي باب أو نافذة لتعاون أصحاب الكفاءات الحقيقية معهم، وتصرفوا وكأن الدولة أحد مشاريعهم الخاصة، وفشلوا في تحقيق الأمن للمواطنين التونسيين، ورفضوا بناء أجهزة أمنية على أساس قيم الجمهورية والمواطنة، بل عملوا إلى تشكيل أجهزة أمنية موازية بعقلية حزبية ضيقة، تنامت ظاهرة العنف السياسي في تونس بصورة لم تألفها البلاد في تاريخها المعاصر. وأمام مشهد الاغتيال المروع للشهيد البراهمي، قرر «الاتحاد العام التونسي للشغل» تنفيذ إضراب عام اليوم الجمعة 26 يوليو إثر اغتيال البراهمي،وأعلنت «الخطوط الجوية التونسية" استجابتها للإضراب". ووسط هذه الأجواء، دعت «الجبهة الشعبية»، وهي ائتلاف سياسي علماني يضم أكثر من عشرة أحزاب، وكان المناضل الراحل شكري بلعيد أحد أركانها، إلى «الدخول في عصيان مدني سلمي في المناطق كافة حتى إسقاط الائتلاف الحاكم، مجلسًا تأسيسيًّا ومؤسّسات نابعة عنه (حكومة، رئاسة، الخ). المعارضة التونسية لا تريد استنساخ السيناريو المصري في تونس، إنها تريد بكل بساطة تصحيح مسار الثورة التونسية من أجل تحقيق أهداف الشعب التونسي في الحرية، والكرامة، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
691
| 02 أغسطس 2013
إن وضع الديمقراطية في المجتمع المدني وربطها بعملية الإنتاج الاجتماعية لا يستقيم دون ربطها بالقوى الاجتماعية الفاعلة، وفي هذا المجال لابد من ملاحظة أن التحولات العميقة التي جرت في معظم الأقطار العربية (نستثني هنا ما يسمى بالسلطات التقليدية)، كانت نتاج صعود فئات الطبقة الوسطى إلى قمة الهرم الاجتماعي والسياسي بعد الإجهاز على شبه البرجوازية - الإقطاعية التي سادت بعد الاستقلال. وكان صعود فئات الطبقة الوسطى في أحد جوانبه تعبيراً عن دخول السياسة في دوائر واسعة من المجتمع، وتعبئة قوى اجتماعية هائلة في مشروع الاستقلال والتحرر والتحديث، لكن فئات الطبقة الوسطى التي سيطرت على مقاليد الحكم بأداة عسكرية غالباً ألغت طابعها الاجتماعي - الطبقي في السلطة، لأنها حوّلت السلطة إلى سلطة حزب يستعد غيره من أحزاب الفئات الوسطى نفسها من حق المشاركة السياسية، مما أدى إلى تشظي الحقل السياسي سواء بفعل التنافس على المغانم والمكاسب والامتيازات داخل الأحزاب الحاكمة، أو بفعل استبعاد أو إقصاء الأحزاب الأخرى عن المشاركة في السلطة. حين كانت جميع شرائح الفئات الوسطى في العالم العربي خاضعة لاستغلال واضطهاد مزدوج من السيطرة الإمبريالية الخارجية، وسيطرة الإقطاع وكبار الملاكين والعقاريين، والبرجوازية التقليدية، كان من مصلحتها أن تصارع كلّها مع العمال والفلاحين لإسقاط الهيمنة المباشرة الخارجية، والسلطة القمعية الداخلية التي كانت تقمع الجماهير. وكانت مشكلة فئات الطبقة الوسطى الأساسية أنها متصارعة مع كبار الملاكين العقاريين، ومع البرجوازية التقليدية، ومع الاستعمار الخارجي، وبالتالي أخذت وجهاً «ديمقراطياً وثورياً»، ثم استطاعت بهذا التحالف أن تنهي أشكال الاستعمار أو الامبريالية المباشرة، وأن تصل إلى السلطة. ولذلك عندما وصلت هذه الفئات الوسطى إلى السلطة واستفردت بها، أرادت أن تنهي في الوقت عينه تحالفها مع الشرائح الثورية والديمقراطية من الفئات الوسطى، ومع العمال والفلاحين، عبر سيطرتها شبه الكاملة على الحقل السياسي في معظم الأقطار العربية، وإحالتها دون تشكل سياسي خاص للطبقة العاملة أو الفلاحين، أو لفئات المنتجين، حيث وسمت الحياة السياسية بميسمها، وبعد أن انتصرت في معركتها على الإقطاع، والبرجوازية التقليدية، تعرضت هذه الفئات الوسطى لامتحان السلطة، التي شقتها من الوهلة الأولى، وتكون تدريجياً مجتمع سلطة يستقطب الأفراد بصفتهم الحزبية الفردية الاجتماعية الطبقية، سواء في مؤسسات الدولة أو في النقابات والاتحادات أو الجمعيات، التي جعلت منها السلطة مؤسسات دولتية، فعطلت بذلك الحياة السياسية للمجتمع. فالسلطات القائمة في العالم العربي رغم تحدرها من فئات الطبقة الوسطى طردت الفئات الوسطى بوصفها قوى اجتماعية من عالمها أي أن المشاركة في السلطة لم تعد ذات طابع اجتماعي بل ذات طابع حزبي وفردي بالحصر لذلك تهشم هذا الكيان الطبقي للطبقة الوسطى، وتشظى، وانهارت تدريجياً شرائحه العليا إلى مستوى الشرائح الدنيا، وتحولت شرائحه الدنيا إلى جماعات مهمشة، وكان تشظي الحقل السياسي أبلغ تعبيراً عن ذلك. وبفعل السياسات القمعية التي مارستها السلطات الاستبدادية، فضلاً عن فرض أيديولوجيتها على المجتمع وتوظيف وسائل الإعلام المختلفة في عملية الفرض هذه، إضافة إلى ممارستها وظيفة اقتصادية مكنتها من السيطرة على ثروة المجتمع وقوته، لم تسمح بنشوء فئات اجتماعية جديدة، باستثناء الفئات الكمبرادورية المرتبطة بها وبروابط المشاركة أو تبادل المنافع الاقتصادية، أي أن هذه السلطات دمرت القوى الاجتماعية وشلت عملية الإنتاج الاجتماعي، وحصرت عملية الرسملة والتحديث في إطار دولتها أو على هوامشها، ولم تفلح فقط إلا في إنتاج فئة كمبرادورية سمسارة، تحالفت مع القوى الرجعية في الداخل، ومع بقايا الإقطاع وكبار الملاكين العقاريين والبرجوازية التقليدية، ومع الأنظمة الرجعية العربية في الخارج، ومع الدول والقوى الامبريالية في الخارج أيضاً، وشاركت في عملية تحويل البنى الاقتصادية وفق إملاءات المؤسسات الدولية الكبرى (صندوق النقد الدولي)، وإملاءات السوق الرأسمالية العالمية. لذلك لا تزال الفئات الوسطى المطرودة من السلطة بصفتها الاجتماعية، والفئات المهمشة، والعمال والفلاحون هم القوى الاجتماعية المؤهلة لحمل المشروع السياسي الديمقراطي في زمن ربيع الثورات العربية، على الرغم مما أصابها من ضعف وتهتك، ورغم الاتجاهات التقليدية التي استقطبت معظم الفئات المهمشة. ولا تزال هذه الفئات تؤلف ما يمكن تسميته بالكتلة التاريخية بالمفهوم الغرامشي، التي تشكل تحالفا حقيقيا بين الشرائح الثورية والديمقراطية من الفئات الوسطى، والعمال والفلاحين الفقراء ضد الشرائح العليا التي أصبحت شرائح قمعية وكمبرادورية من طبيعة جديدة، إلا أن القوى الاجتماعية التي تشكل قوام حركة سياسية شعبية وتحالف ديمقراطي عريض، تنحصر في أربع: اثنان منها تنطويان على تعدد واختلاف أيديولوجي وسياسي، وعلى ميل واضح نحو التحديث والعصرنة السياسية، في صيرورتهما الطبقية، وهما الفئات الوسطى، ولاسيَّما كتلة الانتلجنسيا، واثنان أخريان تنطويان على ضرب من وحدة إيديولوجية، وعلى ميل إلى المحافظة والتقليدية، ناتج عن تأخر الوعي، هما العمال والفلاحون. ويقع الفلاحون في الترتيب الأخير، إذ جعلت السلطات القائمة منهم قوة اجتماعية أساسية لها، بحكم طابعها الريفي، لذلك لابد أن تتصدى الفئات الوسطى على وهنها، وكتلة الانتلجنسيا لقيادة المشروع القومي الديمقراطي النهضوي العربي، وعلى مدى نجاحها في إعادة إنتاج وعي سياسي حديث ديمقراطي، وعلى مدى جسارتها، تستطيع أن تستقطب العمال والفلاحين والفئات المهمشة لمصلحة تحقيق تحالف ديمقراطي، وشل تذبذب العناصر الوطنية من الفئات البرجوازية العليا المتحالفة مع السلطة. إن الدولة الوطنية التي تنبثق عن المجتمع التونسي لابد أن تكون محايدة إزاء الأيديولوجيات على اختلافها، وإزاء النظريات السياسية أيضاً، لكن حيادية الدولة هذه لا تمس الفضاء الثقافي والحضاري للأمة، والذي هو فضاء عربي إسلامي، إلا أن كون المجتمع المدني مجتمع الإنتاج في ظل الرأسمالية يحتم قيام العلاقات الاجتماعية - السياسية على مبدأ المنفعة والربح، واستغلال فائض القيمة، أي يحتم أن يكون المجتمع المدني العربي متقاطعاً مع المجتمعات الأخرى في الحيثية الرأسمالية، التي تجعل من العلاقات الرأسمالية الواقعية ديناً واقعيا للمجتمع، ومن الإسلام التاريخي المستنير فضاء روحياً معارضاً لهذا الدين الواقعي القائم على الاستلاب والاستغلال. فالمجتمع المدني من هذه الزاوية مجتمع روحه الإسلام، ودينه الرأسمالية.
860
| 26 يوليو 2013
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
2175
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
1569
| 26 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
870
| 23 سبتمبر 2025
يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...
867
| 24 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...
744
| 22 سبتمبر 2025
صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....
696
| 24 سبتمبر 2025
يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...
684
| 21 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
630
| 25 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
513
| 25 سبتمبر 2025
يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...
501
| 21 سبتمبر 2025
يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...
492
| 21 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية