رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إن وضع الديمقراطية في المجتمع المدني وربطها بعملية الإنتاج الاجتماعية لا يستقيم دون ربطها بالقوى الاجتماعية الفاعلة، وفي هذا المجال لابد من ملاحظة أن التحولات العميقة التي جرت في معظم الأقطار العربية (نستثني هنا ما يسمى بالسلطات التقليدية)، كانت نتاج صعود فئات الطبقة الوسطى إلى قمة الهرم الاجتماعي والسياسي بعد الإجهاز على شبه البرجوازية - الإقطاعية التي سادت بعد الاستقلال. وكان صعود فئات الطبقة الوسطى في أحد جوانبه تعبيراً عن دخول السياسة في دوائر واسعة من المجتمع، وتعبئة قوى اجتماعية هائلة في مشروع الاستقلال والتحرر والتحديث، لكن فئات الطبقة الوسطى التي سيطرت على مقاليد الحكم بأداة عسكرية غالباً ألغت طابعها الاجتماعي - الطبقي في السلطة، لأنها حوّلت السلطة إلى سلطة حزب يستعد غيره من أحزاب الفئات الوسطى نفسها من حق المشاركة السياسية، مما أدى إلى تشظي الحقل السياسي سواء بفعل التنافس على المغانم والمكاسب والامتيازات داخل الأحزاب الحاكمة، أو بفعل استبعاد أو إقصاء الأحزاب الأخرى عن المشاركة في السلطة.
حين كانت جميع شرائح الفئات الوسطى في العالم العربي خاضعة لاستغلال واضطهاد مزدوج من السيطرة الإمبريالية الخارجية، وسيطرة الإقطاع وكبار الملاكين والعقاريين، والبرجوازية التقليدية، كان من مصلحتها أن تصارع كلّها مع العمال والفلاحين لإسقاط الهيمنة المباشرة الخارجية، والسلطة القمعية الداخلية التي كانت تقمع الجماهير. وكانت مشكلة فئات الطبقة الوسطى الأساسية أنها متصارعة مع كبار الملاكين العقاريين، ومع البرجوازية التقليدية، ومع الاستعمار الخارجي، وبالتالي أخذت وجهاً «ديمقراطياً وثورياً»، ثم استطاعت بهذا التحالف أن تنهي أشكال الاستعمار أو الامبريالية المباشرة، وأن تصل إلى السلطة.
ولذلك عندما وصلت هذه الفئات الوسطى إلى السلطة واستفردت بها، أرادت أن تنهي في الوقت عينه تحالفها مع الشرائح الثورية والديمقراطية من الفئات الوسطى، ومع العمال والفلاحين، عبر سيطرتها شبه الكاملة على الحقل السياسي في معظم الأقطار العربية، وإحالتها دون تشكل سياسي خاص للطبقة العاملة أو الفلاحين، أو لفئات المنتجين، حيث وسمت الحياة السياسية بميسمها، وبعد أن انتصرت في معركتها على الإقطاع، والبرجوازية التقليدية، تعرضت هذه الفئات الوسطى لامتحان السلطة، التي شقتها من الوهلة الأولى، وتكون تدريجياً مجتمع سلطة يستقطب الأفراد بصفتهم الحزبية الفردية الاجتماعية الطبقية، سواء في مؤسسات الدولة أو في النقابات والاتحادات أو الجمعيات، التي جعلت منها السلطة مؤسسات دولتية، فعطلت بذلك الحياة السياسية للمجتمع.
فالسلطات القائمة في العالم العربي رغم تحدرها من فئات الطبقة الوسطى طردت الفئات الوسطى بوصفها قوى اجتماعية من عالمها أي أن المشاركة في السلطة لم تعد ذات طابع اجتماعي بل ذات طابع حزبي وفردي بالحصر لذلك تهشم هذا الكيان الطبقي للطبقة الوسطى، وتشظى، وانهارت تدريجياً شرائحه العليا إلى مستوى الشرائح الدنيا، وتحولت شرائحه الدنيا إلى جماعات مهمشة، وكان تشظي الحقل السياسي أبلغ تعبيراً عن ذلك.
وبفعل السياسات القمعية التي مارستها السلطات الاستبدادية، فضلاً عن فرض أيديولوجيتها على المجتمع وتوظيف وسائل الإعلام المختلفة في عملية الفرض هذه، إضافة إلى ممارستها وظيفة اقتصادية مكنتها من السيطرة على ثروة المجتمع وقوته، لم تسمح بنشوء فئات اجتماعية جديدة، باستثناء الفئات الكمبرادورية المرتبطة بها وبروابط المشاركة أو تبادل المنافع الاقتصادية، أي أن هذه السلطات دمرت القوى الاجتماعية وشلت عملية الإنتاج الاجتماعي، وحصرت عملية الرسملة والتحديث في إطار دولتها أو على هوامشها، ولم تفلح فقط إلا في إنتاج فئة كمبرادورية سمسارة، تحالفت مع القوى الرجعية في الداخل، ومع بقايا الإقطاع وكبار الملاكين العقاريين والبرجوازية التقليدية، ومع الأنظمة الرجعية العربية في الخارج، ومع الدول والقوى الامبريالية في الخارج أيضاً، وشاركت في عملية تحويل البنى الاقتصادية وفق إملاءات المؤسسات الدولية الكبرى (صندوق النقد الدولي)، وإملاءات السوق الرأسمالية العالمية.
لذلك لا تزال الفئات الوسطى المطرودة من السلطة بصفتها الاجتماعية، والفئات المهمشة، والعمال والفلاحون هم القوى الاجتماعية المؤهلة لحمل المشروع السياسي الديمقراطي في زمن ربيع الثورات العربية، على الرغم مما أصابها من ضعف وتهتك، ورغم الاتجاهات التقليدية التي استقطبت معظم الفئات المهمشة.
ولا تزال هذه الفئات تؤلف ما يمكن تسميته بالكتلة التاريخية بالمفهوم الغرامشي، التي تشكل تحالفا حقيقيا بين الشرائح الثورية والديمقراطية من الفئات الوسطى، والعمال والفلاحين الفقراء ضد الشرائح العليا التي أصبحت شرائح قمعية وكمبرادورية من طبيعة جديدة، إلا أن القوى الاجتماعية التي تشكل قوام حركة سياسية شعبية وتحالف ديمقراطي عريض، تنحصر في أربع: اثنان منها تنطويان على تعدد واختلاف أيديولوجي وسياسي، وعلى ميل واضح نحو التحديث والعصرنة السياسية، في صيرورتهما الطبقية، وهما الفئات الوسطى، ولاسيَّما كتلة الانتلجنسيا، واثنان أخريان تنطويان على ضرب من وحدة إيديولوجية، وعلى ميل إلى المحافظة والتقليدية، ناتج عن تأخر الوعي، هما العمال والفلاحون.
ويقع الفلاحون في الترتيب الأخير، إذ جعلت السلطات القائمة منهم قوة اجتماعية أساسية لها، بحكم طابعها الريفي، لذلك لابد أن تتصدى الفئات الوسطى على وهنها، وكتلة الانتلجنسيا لقيادة المشروع القومي الديمقراطي النهضوي العربي، وعلى مدى نجاحها في إعادة إنتاج وعي سياسي حديث ديمقراطي، وعلى مدى جسارتها، تستطيع أن تستقطب العمال والفلاحين والفئات المهمشة لمصلحة تحقيق تحالف ديمقراطي، وشل تذبذب العناصر الوطنية من الفئات البرجوازية العليا المتحالفة مع السلطة.
إن الدولة الوطنية التي تنبثق عن المجتمع التونسي لابد أن تكون محايدة إزاء الأيديولوجيات على اختلافها، وإزاء النظريات السياسية أيضاً، لكن حيادية الدولة هذه لا تمس الفضاء الثقافي والحضاري للأمة، والذي هو فضاء عربي إسلامي، إلا أن كون المجتمع المدني مجتمع الإنتاج في ظل الرأسمالية يحتم قيام العلاقات الاجتماعية - السياسية على مبدأ المنفعة والربح، واستغلال فائض القيمة، أي يحتم أن يكون المجتمع المدني العربي متقاطعاً مع المجتمعات الأخرى في الحيثية الرأسمالية، التي تجعل من العلاقات الرأسمالية الواقعية ديناً واقعيا للمجتمع، ومن الإسلام التاريخي المستنير فضاء روحياً معارضاً لهذا الدين الواقعي القائم على الاستلاب والاستغلال. فالمجتمع المدني من هذه الزاوية مجتمع روحه الإسلام، ودينه الرأسمالية.
في زمنٍ تتنازع فيه القوى الإقليمية والدولية على النفوذ السيادي وتغيب فيه لغة العقل أمام صخب المصالح تبرز... اقرأ المزيد
54
| 12 أكتوبر 2025
المنطق يحتم على السودانيين باختلاف انتماءاتهم العرقية والجهوية وبصفة خاصة النخب السياسية والأكاديمية منهم أن يتدبروا أمرهم جيداً... اقرأ المزيد
42
| 12 أكتوبر 2025
في خطوة نوعية تعكس رؤية القيادة الرشيدة في بناء مجتمع متماسك ومتوازن، صادق حضرة صاحب السمو الشيخ تميم... اقرأ المزيد
66
| 12 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8664
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
6909
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4818
| 05 أكتوبر 2025