رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1587
| 26 سبتمبر 2025
جنوب حلب، عند عتبة البادية، ترقد قنسرين (تلفظ أحيانا قِنّسرين أو قَنَّسرين) مدينة تاريخية قديمة على الضفة الشرقية لنهر قويق. ليست حلما ولا خرافة، إنها أثر حي لمدينة كانت في يوم من الأيام قلبا نابضا على خريطة الشام، ثم صارت أطلالا تتنفس تحت التراب. قنسرين، التي يعني اسمها في بعض الأقوال «قلعة النسور»، كانت محطة مهمة في طريق القوافل ومركزا حيويا يجمع بين دمشق والموصل وبين البحر والبادية ويصل بين الغزاة والتجار وبين السيوف والمخطوطات. زحف الفتح الإسلامي شمالا بعد اليرموك وصولا إلى بوابة المدينة، وكان ذلك في السنة السادسة عشرة للهجرة، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، حين دخلها المسلمون لم تحرق ولم تهدم، بل طويت تحت راية جديدة وبدأت صفحة أخرى من تاريخها. لم يكن الفتح عابرا، سرعان ما تحولت قنسرين إلى عاصمة لجند كامل حمل اسمها. ومن قلبها كان يدار الشمال السوري زمن الدولة الأموية. مدينة لا تخضع وتدار بحكمة وتسير منها الحملات وترسم الخطط. لكن التاريخ لا يجامل، فكما يرتفع ينكسر. قنسرين خنقها الغبار وأتعبها الطاعون وأهلكتها الحروب التي لم تبق فيها حياة ولا سلطان. هجرتها السلطة ثم هجرتها الذاكرة الشعبية. ورغم الغياب، لم تمت. تحت تلالها اليوم تنبض بقايا أبنية وأسوار ونقوش وطرقات مطمورة، تنبئ بأن الحياة هنا لم تكن عابرة. كتب عنها ياقوت الحموي وذكرتها كتب الطبري والبلاذري. وصفها من مر بها بأنها بوابة حضارة ومرآة لما كانت عليه بلاد الشام من تعدد ورقي. جمعت بين الخط الكوفي والمحراب البيزنطي وبين السراج والنسر وبين الحجر والمعنى. واليوم، ترقد قنسرين صامتة تحت التراب، مهجورة فوق تل أثري واسع يدعى «تل الحاضر»، لا عمران فيها ولا سكان، لا ترى منها سوى بقايا جدران وأحجار قديمة تغطيها الأعشاب وأثر خافت لحضارة دفنتها الحروب، المزارع تحيط بها وبعض الخرب المتناثرة تدل على أن الحياة مرت من هنا ثم انسحبت، وبأنها اختارت أن يمر بها الزمن دون أن ينهي الحكاية. قنسرين اليوم ليست أكثر من اسم على الخريطة، ولكنها في ذاكرة التاريخ مدينة حية. لا تطلب البكاء عليها لأنها تستحق أن نعيد إليها صوتها. قنسرين مدينة تستتر ولم تندثر، اختارت أن تختبئ حتى يأتي من يسمعها حقا. وها نحن نسمعها! قنسرين.. مدينة قاومت النسيان.
414
| 25 يوليو 2025
في أحد أماسي التأمل العميق، جلستُ أمام الورقة البيضاء لا لأكتب، بل لأراقب كيف تُولد الفكرة. وبعد المراقبة الشديدة لم تأتِ مباشرة ولم تطرق الباب، كانت تنمو في أطراف الوعي مثل أغنية لا تكتمل أو برق لا يريد أن يضيء كامل السماء. وعندها أدركت أنني أمام شيء أبعد من التفكير الخطي: إنني أعيش لحظة من «التفكير المتشعب» هذا الطريق الذهني المراوغ الذي لا يسير على خط مستقيم، يتفرع في كل اتجاه كجذور نخلة تبحث عن الماء في صحراء. التفكير المتشعب هو حرية العقل ومهارة ذهنية وتجربة وجودية متكاملة. هو الانفلات من أسر النمط والخروج من قفص «السؤال والجواب» والغوص في احتمالات غير مألوفة، قد لا توصلك إلى إجابة، لكنها بالتأكيد توصلك إلى رؤى. إنه ذلك النوع من التفكير الذي يجعل الكاتب يرى في خيانةٍ عاطفية نواة لأسطورة، وفي مقعد مكسور بذرة لقصيدة، وفي نظرة عابرة مشروع حياة كاملة. في زمن السرعة والإجابات الفورية، يُنظر إلى التفكير المتشعب أحيانًا كعبء. لكنه في الحقيقة هو اللغة الأولى للخيال، وهو القارب الوحيد الذي يمكنه عبور محيطات الأسئلة دون أن يغرق في محطات اليقين السطحية. هذا النوع من التفكير لا يُرضي المعلم في قاعة الدرس، لكنه يُدهش قارئًا وحيدًا في ركن من العالم. هو تفكير ثمين في تنوع فروعه يُغريك بالضياع الجميل والتشعب الممتع. تتبع فكرة فتقودك إلى أخرى لا علاقة لها بالأولى، ثم تعود فجأة لنقطة البداية، لكنك تعود مختلفًا، كأنك عثرت على مرآة تعكس ما خلفك لا ما أمامك. ككاتب، أرى أن التفكير المتشعب لم يعد رفاهية فكرية فحسب، بل ضرورة جمالية وإنسانية وعاطفية. هذا التفكير هو ما يمنح النص روحه ويمنح الكاتب بصمته. وأنصحك كقارئ لا يبحث عن إجابات سهلة، أن تتبناه كوسيلة للإبداع وطريقة لرؤية العالم من منظور مختلف، لأنه حين تتشعب الفكرة تنضج الذات.
327
| 06 يونيو 2025
غرباء في مرايا أقرب الناس. بقلم: كاتب جرّب الحنين حتى صار له مسكنًا، وتشرّب من الحياة مرّها حتى سال منه الحبر. في زاوية هادئة من القلب لا يصل إليها ضجيج الحياة، تنمو حقيقة مؤلمة بصمتٍ ناعم: لسنا دومًا مرئيين كما نحن بل كما يظنون أننا يجب أن نكون. نكون وسط من نحب ونشاركهم الضحكة واللقمة والذكريات، لكن شيئًا في العمق يهمس: «لست منهم تمامًا»، وكأننا ظلٌّ يعبر حياتهم، لا روحًا تسكنها. نكتشف أننا لا ننتمي للمكان ولا للوجوه التي تملؤه. نحن لا نختار أن نكون غرباء، لكننا نصبح كذلك حين نكفّ عن ارتداء وجوهٍ لا تشبهنا. حين نختار أن نكون صادقين مع أنفسنا أكثر من حرصنا على قبول الآخرين. حين نتوقف عن تلوين جراحنا كي لا تُرى وحين نُعلن دون صوت أن لنا طريقتنا في الفهم وفي الحب وفي التعبير وفي الانهيار. حين لا نُجيد المجاملة التي تحفظ العلاقات ولا نصفق لما لا نؤمن به. الغربة الحقيقية ليست بُعدًا عن الوطن بل بُعدًا عن المعنى. أن يتحدثوا إليك بلغتهم، ولا يسمعوا لغتك. أن تُخبرهم بأنك لست بخير، فيُجيبوك: «لكن وجهك لا يُظهر ذلك!» وكأن الألم يحتاج إلى تصريح، وكأن الانكسار لا يُحسب إن لم يُذع. في عيونهم نحن صامتون. لكن في داخلنا ضجيج مرافعات لم يسمعها أحد. نضحك كي لا تُقال عنا كآبة، ونُنجز كي لا يُقال إننا عاطلون، ونبقى كي لا نُتَّهم بالخذلان. لكن لا أحد يسأل: كم مرة أعدنا لملمة أرواحنا في منتصف الليل؟ كم مرة سكتنا لأن الكلام بات عبئًا لا يحتمل؟ الغريب لا يبحث عن ضوءٍ خارجي، هو يعرف أن نوره في الداخل ينتظر فقط لحظة السماح بالظهور. الغريب ليس مكسورًا، الغريب صادق أكثر من أن يتظاهر. وإذا كان هذا العالم لا يحتمل الصدق، فأنتَ لا تحتمل الزيف. ومع كل هذا، نواصل التمثيل. نرتدي القناع صباحًا، ونخلعه سرًا في عتمة غرفنا. نُطمئن الجميع بأننا أقوياء، ثم ننهار على وسادة لم تعد تشتم رائحتنا، لكثرة ما شربت من دمع صامت. أن تبوح فلا يُصدقك أحد، وأن تفتح صدرك فيُقال إنك درامي، وأن تحتاج فيُظن بك ضعف، وأن تحب بطريقة مختلفة فيُتهم قلبك بالغرابة. ولأجل أن تُقبل، تُضطر إلى أن تُمثل وأن تتحول إلى نسخة مخففة من نفسك. لكن التنازل المستمر خيانة صامتة للذات، وكل خيانة منها تُخلّف نُدبة، لا تُرى لكنها تُوجع. لكن الغربة مهما اشتدت ليست نهاية. إنها بداية الولادة الجديدة. بداية التخلي عن محاولات الإقناع والتبرير والرغبة في أن نُفهم. فيا من تقرأ ويا من شعرت بهذه الغربة دون أن تُسميها، لا تُعدّل نفسك لتناسب مراياهم، فهم لا يرون إلا انعكاس توقعاتهم، لا حقيقتك. وإن شعرت أنك تسير وحدك، فاعلم أن هناك من يشبهك في مكانٍ ما، يخفي هو الآخر شعوره بغُربةٍ لاذعة، ويقاومها بابتسامةٍ ناضجة، لا ساذجة. ابقَ كما أنت، مهما قالوا حتى لو كنت آخر المختلفين. ففي زمنٍ تماهى فيه الجميع، صرتَ أنت الحقيقة الأخيرة. ولا تنسَ أبدًا، أن الأشجار العتيقة لا تُظهر وجعها، لكنها تصمد وتنمو وتظل واقفة حتى وإن لم يُصفق لها أحد. ابكِ واكتب وابتسم، لكن لا تفقد صوتك. لا تنطفئ كي تُرضي أحدًا، فالعتمة حينها ستكون مزدوجة، فيك وفيهم. حين لا يفهمك أحد، لا تُضِع عمرك في التفسير. كن مرآتك الخاصة، واسمح لنفسك أن تكون كما أنت، لا كما يتمنّونك. ومن بين كل المرايا، ابحث عن تلك التي تعكس روحك، لا مظهرك. عمن يرى فيك ما لم تقله، ويفهم صمتك أكثر من حديثك. ابقَ غريبًا إن كان ذلك يعني أن تبقى حقيقيًّا. ففي عالمٍ يعجُّ بالمُتقمّصين، الغريب هو آخر الصادقين.
696
| 16 مايو 2025
كان الشتاء يلف مدينتنا بردائه القارس، وكانت شوارعها تعيش ظلمة لم تكن فقط من انقطاع الكهرباء، بل من حرب اختارت أن تغتال كل معنى للأمان. في ذلك العالم الخارجي المضطرب، حيث تناثرت أصوات المعارك كطبول يومٍ لا ينتهي، وجدنا نحن دفئنا في زاوية صغيرة من بيتنا، حيث لا شيء سوى شعلة ضوء شمعة، وحساء ساخن تعدّه أمي بحب. كنا أربعة: أبي وأمي وأخي وأنا. عائلتنا الصغيرة التي اجتمعت كل ليلة حول قصة. أبي، ذلك القائد الحكيم والقلب الحنون، كان ينسج لنا من حكايات الأنبياء سفينة تبحر بنا بعيدًا عن ضجيج الحرب. قصصه كانت كالسحر، تحملنا إلى عوالم أخرى، مليئة بالعِبَر والحكم، وتُعلّمنا أن وراء كل شدة فرجًا، ووراء كل ظلام نورًا. في كل كلمة من كلماته كان صوت الحياة يتغلّب على صوت الموت الذي يعصف بالخارج. كان يحدثنا عن صبر أيوب، وعن حكمة سليمان، وعن شجاعة موسى عليهم السلام. نضحك حين يمزح، ونبكي أحيانًا، لكننا كنا نشعر بالأمان في حضرة تلك الجلسات. كانت ضحكاتنا الصغيرة تُخرس ضجيج المدافع، ومزاح أبي كان يغطي على صوت الانفجارات. وفي الصباح، كان الوداع مشهدًا يتكرر. أبي يغادر إلى العمل، ونحن نودّعه كما لو أنه وداعٌ أخير، نتشبث بلحظة لا نعرف إن كانت ستكون الأخيرة. كنا صغارًا، نحمل في أعيننا براءة كانت أكبر من أعمارنا، وقلوبًا لا تزال تؤمن أن الخير ممكن، حتى في أحلك الأوقات. لم يكن وداع أبي عاديًا، كان أشبه بمرآة تعكس هشاشة الحياة من الخارج وقوتها في نفس الوقت في داخلنا. لم تكن السعادة في امتلاك الكثير، بل في تلك اللحظات الصغيرة التي جمعتنا. في حساء ساخن رغم البرد، وفي ضوء شمعة رغم الظلام. كنا صغارًا، لكننا كنا نعرف أن السعادة ليست في الخارج، بل هنا، بين قصص أبي وحنان أمي وضحكاتنا التي تتحدى كل شيء. كنا نملك القليل، لكن أرواحنا كانت غنية بحب لا ينضب، حب كان يقاوم برد الشتاء وضجيج الحرب. اليوم، حين أتذكر تلك الأيام، أدرك أن الحرب لم تنتصر. نعم، لقد أخذت منا الكثير، لكنها لم تأخذ روحنا. ففي كل حكاية رواها أبي وفي كل ضحكة ملأت بيتنا، كنا نعلن للعالم أن الحب أقوى وأن العائلة وطن لا يُقهر.
447
| 14 فبراير 2025
في معترك الحياة، حين تشتد الظروف وتثقلني تفاصيل الأيام، أجدها هناك، أمي، تلك التي لا تحتاج إلى دعوة لتسكنني. هي دوائي حين يعتل القلب، وعافيتي حين تضيع مني ملامح الطريق. لا تحمل في يدها وصفة شفاء مكتوبة، ولا تمتلك عصا سحرية، لكنها بفطرتها النقية وقلبها الكبير تداويني كما لا يفعل شيء آخر. حين تضيق الدنيا وتغلق أبوابها في وجهي، يكفيني أن ألتفت لأجدها بجانبي، تحمل عني ما لا أستطيع حمله. صوتها وحده يملك القدرة على تهدئة عواصف قلبي، وكأن كلماتها خلقت خصيصًا لتطبطب على جراحي. في حضرة عينيها، تنزاح عني أثقال الأيام، وكأن الحياة تهمس لي: «لست وحدك، هناك من يقاسمك كل شيء.» هي ليست مجرد أم، بل هي الوطن الذي أعود إليه كلما هربت مني طمأنينة العالم. تضحك، فينتفض في داخلي طفل صغير يركض نحو حضنها الدافئ، وكأن كل الأحزان تتلاشى أمام سحر ابتسامتها. وحين تحزن، تتبدل الأدوار، فأبحث بكل ما أوتيت من حب عن أي شيء يزيح عن قلبها تلك الغيمة، لأنني أعرف جيدًا أن سعادتي تبدأ من سعادتها. معها، تصبح التفاصيل الصغيرة محطات فرح. حديثها الصباحي، حتى وإن كان عن أبسط الأمور، يحمل نكهة مختلفة حين ينساب في أذني. دعاؤها لي قبل نومي هو السور الذي أحتمي خلفه من قلق الليل. وحتى صمتها، ذلك الصمت المشحون بالحب والاهتمام، يشبه نغمة سلام تطوق روحي. وحين تهب رياح الحياة بعنفها، أعرف أنني لست بحاجة إلى الهروب. يكفيني أن أتمسك بيدها، فأجد في دفئها أمانًا لا يزعزعه شيء. هي ليست فقط من يهدئ خوفي، بل هي من يجعلني أرى في أعمق لحظاتي المظلمة شعاعًا من نور ينبثق من بين كلماتها ودعواتها الصادقة. دوائي ليست كلمة أرددها في لحظات الصفاء، بل هي حقيقة أعيشها في كل لحظة. حين أضعف، حين أخطئ، حين أفقد توازني، أجدها هناك، لا تعاتب، لا تلوم، بل ترفعني بحنانها الذي لا ينضب وكأنها تقول: «أنا هنا، وأنت بخير.» هي ليست خارقة، وأنا أعلم ذلك. لكنها تحمل على كتفيها ما لا يراه أحد، ومع ذلك تجد القوة لتكون لي العون والسند. في عفويتها تكمن الحكمة، وفي عاطفتها أجد المعنى الحقيقي للحياة. معها أدرك أن الحب ليس مجرد كلمات تقال أو مشاعر تُحس. هو فعل مستمر، هو أن تكون حاضرًا حين يختفي الجميع، هو أن تمنح السكينة حتى وأنت منهك. أمي، هي دوائي وعافيتي، ومعها فقط، أكون أنا.
534
| 15 نوفمبر 2024
قد نعتقد أن لحظات الصمت فارغة وخالية من المعاني وأنها مجرد مساحة بدون كلمات، وأن الأحلام لا صورة لها ولا وصف يعبر عنها. لكن الصمت في الواقع هو لغة خاصة تتحدث بها الروح حين يعجز اللسان عن التعبير وتقف الحروف موقف الحياد. وفي أعماق الصمت تلمع الأحلام كنجوم في ليلة هادئة دون الحاجة إلى صوت لتُسمع، فحديثها أعمق وأصفى بكثير مما يمكن للمفردات أن تنقله. الصمت ليس هروباً من الواقع، بل هو محطة من التأمل تفصلنا عن ضجيج الدنيا وتمنحنا فرصة للتواصل مع أعماق وجداننا. في صمتنا العابر قد نصادف حلماً قديماً نسيه القلب أو تناساه، كان يوماً ما مختبئاً في زاوية مهملة داخل النفس بعيداً عن الأعين، يترقب لحظته المناسبة ليظهر برفق ولطف.لا صراخ للأحلام، بل حديث بلغة لطيفة أرق من النسيم في خلوة مع الذات بعيداً عن صخب العالم. في حضرة الصمت لا شيء يحجب صوت الروح حيث نواجه أحلامنا التي طالما تجاهلناها ونحن نلاحق ما لا يشبهنا. في صفاء تلك اللحظات يظهر الحلم بكل بساطته وجماله، كزهرة تتفتح في بستان خفي لم يلاحظه أحد. الحلم هنا ليس فقط مجرد فكرة أم أمنية، بل هو بوصلة ترشدنا نحو مسارنا الحقيقي بعيداً عن الأوهام التي زرعها الآخرون في داخلنا.هنا تتحدث الأحلام بصوت الصمت ويبدأ القلب بالإنصات بطريقة جديدة لم يعهدها من قبل. كل نبضة تتحول إلى لحن يعزف نغمة حلم قديم، وكل نفس يصبح خطوة نحو عالم جديد. إنها لحظة تناغم داخلي يتوقف فيها الزمن ليمنح الحلم فرصة للتحرر والإنطلاق. هذا الحوار النقي بين الصمت والأحلام لا أحد يستطيع فهمه ما لم يكن قلبه مليئاً بالأمل. إنه حديث بلا كلمات لكنه يترك أثراً عميقاً في الروح ويُضيء الطريق نحو المستقبل، من هذا الصمت تنبع القوة التي لطالما فقدناها ونجد الشجاعة لنحلم من جديد ونكتشف الطريق الذي يقودنا نحو آفاق جديدة وعوالم من الصور المضيئة والجمال الذي لا يُرى بالعين المجردة بل يُحس بالشعور الصادق المنبثق من الأعماق. الأحلام التي تولد في الصمت هي الأحلام التي تكبر بعمق وتزهو في أوقات لا نتوقعها.
720
| 25 أكتوبر 2024
في قلب صحراء قاحلة، تجلس امرأة تتوارى خلف جدران الصمت. كلما حاولت طلب نداء الاستغاثة، ارتدت أنفاسها إلى صدرها المتهالك، وكأن الأرض قد عقدت عهداً مع السماء ألا تسمع لها رجاءً. تذوب في بحر الشمس الحارقة، تطاردها أشباح الظلام في وضح النهار، وكأن العالم قد قرر أن يرفع يديه عنها، ليتركها تسقط في بئر مهجورة، بلا ماء وبلا ظل وبلا أمل. البئر هذه ليست إلا استعارة لقلبها الذي نزف حتى جف، ومهجتها التي اعتادت الصراخ في العتمة دون أن يرد أحد. في هذه البئر، الزمن لا يتقدم والدقائق تتمدد كالسراب واللحظات تتكسر على صدر الانتظار. تشعر وكأن الرمل يجثم على أنفاسها، يملأ جوفها ويثقل خطواتها المتعثرة. تقف على حافة الهاوية، تبحث عن نجمة واحدة تضيء ليلها الدامس، ولكن السماء قد طوت سجادة نجومها وأبقت لها سماءً خاوية، كقلوب البشر التي عبرتها ولم تبالِ بها. في كل مرة تنظر فيها إلى الشمس التي تلتهم أفقها، تشعر بأن حياتها تنكسر كما تنكسر قطع الزجاج الهش. كلما حاولت أن ترتقي من بئرها، اكتشفت أن السلم وهمي، مصنوع من خيبات الأمل والأوجاع المتراكمة، وأحياناً، من ذكرى طيف شخص كان وما عاد. في هذا الفراغ الموحش، لا تسمع سوى أصداء خطاها، وكأن الكون قد استسلم لها وحدها. لا أحد يراها ولا أحد يسمعها، حتى الرياح، التي عادةً ما تحمل الحكايات، أبت أن تحمل قصتها. وكأنها باتت جزءاً من الصحراء نفسها، صامتة، معزولة، مهجورة. هي المرأة التي سقطت في بئر الظلام ولم تجد يداً تمتد إليها. بئر لا تعرف الرحمة وصحراء لا تعرف النهاية. في البئر المهجورة، بين الرمال الجافة والمشاعر المتجمدة، أدركت أنها تحتاج إلى أكثر من الشغف، تحتاج إلى نفسها القوية وإلى ذاتها المليئة بالإصرار لتكسر أغلال الشفقة وتعود إلى الحياة من جديد.
591
| 20 سبتمبر 2024
في زاوية منسية من الروح، حيث تلتقي أصداء الحقيقة بصدى الخيال، جلستُ مع ذاتي في حوار داخلي عميق. هناك، في الفراغ اللامتناهي بين الواقع والعدم، تبلورت أسئلة كنجومٍ بعيدة، تضيء سماء الفكر ولكنها تظل بعيدة المنال. سألت نفسي: أأنت حقيقة أم سراب؟ أيكون العالم الذي نراه إلا انعكاساً لما نؤمن به؟ أهو لوحة زيتية تتداخل فيها ألوان الحقيقة والخيال حتى يصعب التمييز بينهما؟ أم أن الخيال مجرد هروب من قسوة الواقع، ملاذٌ نلوذ إليه حين تضيق بنا الحقيقة؟ تذكرت حينها كيف يجرفنا الخيال في لحظات الصفاء، ويُحلق بنا فوق سماء الممكنات، بينما تشدنا الحقيقة نحو الأرض، نحو ما هو ملموس ومحدد. لكن أيكون هذا التوتر بين الحقيقة والخيال إلا جزءاً من رحلتنا الإنسانية؟ تلك الرحلة التي نعيشها ونحن نتأرجح بين ما هو كائن وما يمكن أن يكون؟ في هذا الحوار الصامت بيني وبين نفسي، أدركت أن الحقيقة والخيال ليسا عدوين متناحرين، بل هما وجهان لعملة واحدة. الخيال يغذي الروح بالإلهام والأمل، بينما تُرسي الحقيقة أقدامنا على أرض الواقع. نحن بحاجة إلى كليهما لنعيش بتوازن، فبدون الخيال تصبح الحياة مجرد روتين بارد، وبدون الحقيقة يغدو الخيال حلماً بلا جذور. لكن الأهم من كل هذا، هو أن نعي أننا نحن من يحدد حدود الحقيقة والخيال. نحن من نختار كيف نرى العالم، وكيف نسمح لهذه القوى المتعارضة بأن تتعايش داخلنا. فربما، في نهاية المطاف، يكون التوازن بينهما هو ما يجعلنا نعيش حياة ذات معنى، حياة تأخذنا بين النجوم وتعيدنا إلى الأرض. هكذا، يظل الحوار مع الذات مستمراً، بحثاً عن ذلك التوازن الدقيق، بين الحلم واليقظة، بين الحقيقة والخيال.
2274
| 06 سبتمبر 2024
في محكمة الحياة، سأشتكيك أمام الزمن وأقدم قضية الحب بتهمة السكوت الجميل، فقد انتهكت قلبي بصمتك المربك وتركتني في دهشة مرفوعة الرأس وقلبت تفكيري عقلاً على عقب، سأجمع أوراق هيامي بك وألملم مستندات إعجابي، وسأبحث عن محام خبير في قضايا الهوى. محور القضية الأهم، اهتمام عالي الخطورة! سأدعو شهود العيان ليشهدوا على تأثيرك، كيف طبعت في عيني اللون الأزرق الساحر، سأستند إلى أدلة الإشارات الصامتة التي كتبها قلبي في كل لحظة تلتقي فيها روحي بروحك. في هذه المحكمة، أنا الضحية والجاني في الوقت نفسه، سأشكتيك بسبب حبك الذي ألهمني وفتنني وبسبب انتهاك حقوقي في أن يكون قلبي خاضعا لحكمك. في محكمة الحياة، أنا المذنب والمجني عليه، أنا مقدم الدعوى والمدان في جريمة العشق. أسير بخطى حثيثة نحو مصير مجهول، أحمل على أكتافي الذكريات وأحلام الظلام. في قاعة تعج بالحضور، كل ما هنالك هدوء مضطرب وكلمات تتردد في أروقة الروح وكأنها أصداء لأسئلة لا أجوبة لها بعد. كل لحظة هي شهادة وكل فعل هو دليل، الأحاسيس الشاقة تراقب عن كثب وتسجل في سجلاتها كل خطوة نخطوها في سير القضية. لا استئناف هنا ولا تأجيل، فالحكم ينطق كل يوم وتتراكم الأحكام عليّ لتشكل صورة كاملة للرعاية والحنان. في محكمة الحياة، أنا البرئ بأفعال الحنية والعطاء. متهم ومدافع عن نفسي وأتجادل مع نفسي وأحاكم قلبي وأسعى للتبرير عن اهتمامي أو الاعتراف بجنايات وجداني. في هذه المحكمة، لا محامون ولا مدافعون حضروا سوى ضمير الحب، هو القاضي الأعلى هنا، هو المستشار والحكم، يحمل ميزان الحق في كفه ويزن به نواياي قبل أفعالي. في ساحة بين السلام والاضطراب، أجلس فيها مع نفسي أفتش في ملفات أشواقي عن حقائق أواجه بها مصيري في أصعب أوقات الترقب والانتظار من أي حكم قد ينطق هنا ويحطم أحلامي ويكسر صخور واقعي. الزمن هو الشاهد الأعظم الذي يسجل قضية حبي على جدران المحكمة ويرسم بها خطوطا من الدروس والعبر. كل دقيقة تمر هي جلسة من جلسات حياتي معك بجمالها وقسوتها، فلقد تعلمت من أخطائي وأدركت نجاحاتي. مع اقتراب محاكمة العشق هذه من الانتهاء، أنتظر منك مرافعة تغير فيها من أقوالك، وتشرح لي كيف كان عشقي لك جناية وكيف لي أن أكفر عن إحساسي. في هذه المحاكمة الأبدية، سيسدل الستار عن مشهد العواطف الغامضة ويعلن فيها عن الحكم النهائي وستظهر لك الحقيقة أمام مرآة الحياة مرصعة بقوانين الرحمة، أنا الضحية هنا في الصورة الحقيقية العميقة للحب وجميع الأدلة تثبت صدق مشاعري وتدين براءة شعور الاهتمام بك وتأكد على وفائي في البقاء معك. رفعت الجلسة.
1101
| 23 أغسطس 2024
هو رجل أعمال اجتماعي وأحد أشهر الاقتصاديين والمصرفيين في العالم، وُلد محمد يونس في عام 1940 في قرية باثوا في منطقة شيتاغونغ في بنغلاديش، وأظهر منذ صغره اهتماماً كبيراً بالعدالة الاجتماعية والاقتصاد، وكان لأمه «صفية خاتون» الأثر الأكبر في حياته إذ عدّها قدوته، وهي التي علّمته أن تكون له رسالة في الحياة، ولما رأى منها في مساعدة الفقراء. تخرج يونس بامتياز في جامعة دكا، وتابع دراسته في الولايات المتحدة حيث حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة فاندربيلت. بعد عودته إلى بنغلاديش، بدأ مسيرته الأكاديمية كأستاذ في جامعة شيتاغونغ. خلال هذه الفترة، لاحظ يونس الفقر المدقع الذي يعاني منه سكان القرى المحيطة بالجامعة، وبعد أن تعرضت بلاده لمجاعة صعبة عام 1974، تسببت في موت مليون ونصف مليون إنسان بنغالي، ما دفعه للتفكير في حلول اقتصادية تساهم في تحسين أوضاعهم المعيشية. في منتصف السبعينيات، بدأ يونس بتنفيذ فكرة «التمويل الأصغر - Micro Loan» من خلال تقديم قروض متناهية الصغر للفقراء الذين لا يستطيعون الحصول على قروض من البنوك التقليدية بسبب عدم توافر الضمانات المالية وخاصة النساء حيث كانت لهم الأولوية ولأنهم الفئة الأضعف في المجتمع ولديهم مسؤوليات ولتعليم أولادهم أيضاً. كانت هذه الفكرة ثورية في ذلك الوقت، حيث كانت المصارف التقليدية تعتبر الفقراء غير جديرين بالثقة ولا يمكنهم سداد القروض. لكن تجربة يونس أثبتت نجاحها الكبير وتمكن المقترضون من سداد القروض وتحسين أوضاعهم الاقتصادية. كانت الفكرة تعتمد على إعطاء قروض صغيرة «25 – 50 دولارا» لتشجيع الفقراء على العمل والتسديد بشكل بسيط وسريع «0.25 – 0.50 دولار» أسبوعيا، وكانت القروض تعطى للمجموعات أكثر من الأفراد، وفي غالبيتهم ليسوا من الأقارب أو العائلة الواحدة لتشجيع بعضهم على العمل والإنتاجية والسداد وعدم التقاعس، ومن لم يستطع السداد يقدم خدمات للبنك في أحد مشاريعه الإنشائية والخدمية حتى وصلت نسبة الالتزام 97%. أسس يونس بنك غرامين في عام 1983، وهو مؤسسة مالية مكرسة لتقديم القروض الصغيرة للفقراء دون الحاجة إلى ضمانات. هدفها الأساسي التخفيف من حدة الفقر وتمكين الفقراء المهمشين في بنغلاديش من قروض صغيرة. أصبح البنك نموذجاً يُحتذى به على مستوى العالم، وانتشرت فكرة «التمويل الأصغر» في العديد من الدول النامية والمتقدمة على حد سواء من بينها (ماليزيا والفلبين ونيبال والهند وفيتنام)، ووصلت أيضا إلى الولايات المتحدة، إذ يوجد بها 19 فرعا في 11 ولاية، وقدم خدماته لنحو 100 ألف امرأة وفقير أمريكي بالطريقة نفسها التي يعامل بها أقرانهم في بنغلاديش. كان هدف يونس الأسمى أن يخرج أكبر عدد ممكن من سكان بلاده من الفقر الشديد، وهو ما ساهم به بشكل كبير، وتقديراً لجهوده الكبيرة في مكافحة الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية، تم منحه جائزة نوبل للسلام في عام 2006. كان هذا التكريم اعترافاً دولياً بجهوده وإسهاماته في تحسين حياة الملايين من الفقراء حول العالم. يمكننا أن نستخلص درساً مهماً من تجربة محمد يونس: أن الابتكار والشجاعة في التفكير خارج الصندوق يمكن أن يحدثا تغييراً كبيراً في المجتمع. ويمكن للعديد من المجتمعات الاستفادة من هذه العبرة من خلال تبني مبادرات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تمكين الأفراد الأقل حظاً وتعزيز العدالة الاجتماعية. يجب أن نؤمن بقدرتنا على إحداث التغيير وأن نستثمر في مشاريع تنموية تساهم في تحسين حياة الناس. بالنظر إلى قصة نجاح محمد يونس، ندرك أن القوة الحقيقية تكمن في التضامن والمسؤولية المشتركة، وأن الأمل والعمل الجاد يمكنهما أن يقودا نحو مستقبل أفضل للجميع.
2664
| 09 أغسطس 2024
في أحد أيام الماضي الجميل وخلال فصل الربيع المشمس جلستُ تحت ظل شجرة قديمة في حديقة صغيرة على أطراف ريفنا الهادئ. كانت الحياة متواضعة والأفكار نقية والأمنيات صادقة. كان لدي أحلام كثيرة وبسيطة لكنها كبيرة في نظري، بيت صغير وحديقة مليئة بالأزهار وكوخ خشبي دافئ مليء بالكتب. كنت أرى نفسي في تلك الحياة أعيش بسلام محاطا بالأشياء التي أحبها. أمنيتي الكبرى كانت أن أكون طبيبا، أداوي أهالي الحي وأعطف على صغيرهم وأعتني بكبيرهم. كان ذلك نابعا من مفهوم الإنسانية والعطاء المزروع في داخلي. هكذا تربينا في بيتنا وفي معظم بيوت الحي. أن سعادتنا تكمن في العطاء. لكن القدر كان له رأي آخر، بدأت الأمور تتغير شيئا فشيئا، والظروف تتعقد. انتقلت إلى بلدة اخرى للدراسة وفي تخصص أكاديمي مختلف عما تمنيت. بدأت حياتي تأخذ مسارا جديدا لم أتوقعه، كان عليّ التكيف مع بيئة جديدة وطريق مختلف من المعرفة، بعيدا عن الحديقة الصغيرة والبيت الذي حلمت به وأمنيتي بأن أكون طبيبا. في المدينة الجديدة، عاهدت نفسي أن أمضي قدما ولا أتوقف وإن تغير الطريق فالهدف يبقى واحدا، بدأت بالتركيز على تحقيق النجاح في مجالي التعليمي الجديد. أصبحت الأيام تمر بسرعة ومع كل يوم كانت الأمنيات التي نسجتها تبتعد أكثر وتقترب من طريق آخر. تفوقت في دراستي، عاما بعد عام حتى تخرجت من الجامعة. وعدت إلى أهلي وبلدتي بأفكار جديدة لم تختلف كثيرا عن السابقة ولكنها كانت أكثر نضجا وأمنيات مختلفة لم تكن أجمل من التي كانت ولكنها مليئة بالتحديات. حصلت على عمل في إحدى المؤسسات العريقة في العاصمة، وبدأت حياتي المهنية الجديدة المليئة بالمفاجآت والتطلعات وسط المدينة الصاخبة والمزدحمة. بدأت أرى العالم من منظور جديد، كانت هناك لحظات فرح وفخر، ولكن في نفس الوقت كانت هناك دائما زاوية صغيرة في قلبي تتوق لتلك الحياة البسيطة التي حلمت بها. مرت السنوات وتزوجت من امرأة رائعة أضاءت النور لحياتي وطريقي. ازدهرت حياتي الشخصية والمهنية، كنت أقف أمام نافذة مكتبي أحيانا وأتذكر الأيام التي قضيتها في بيتنا وأمنياتي تحت تلك الشجرة في الحديقة. لم تكن الحياة التي حصلت عليها سيئة، بل كانت مليئة بالأحداث والإنجازات بطريقتها الخاصة ولكنها مختلفة عما تمنيت. ومع تسارع المطاف، لم أتخل يوما عن شغف العطاء ومساعدة الآخرين. وأدركت أن الله يمنحنا ما نحتاجه وليس دائما ما نريده، وتعلمت أن أقدر اللحظات الجميلة التي عشتها والأشخاص الذين شاركوني الرحلة. ربما لم أحصل على الحياة التي حلمت بها تحت ظل تلك الشجرة، ولكن الله اختار لي حياة مليئة بالتجارب والمغامرات، وجعلني أكون الشخص الذي أنا عليه اليوم. وفي كل مرة أزور فيما بلدتي وأجلس تحت نفس الشجرة، أبتسم لتلك الأمنيات التي كانت، وأشكر الله على الحياة التي قدمها لي بكامل تفاصيلها الجميلة وغير المتوقعة.
972
| 02 أغسطس 2024
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
2175
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
1587
| 26 سبتمبر 2025
يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...
909
| 24 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
879
| 23 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...
744
| 22 سبتمبر 2025
صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....
726
| 24 سبتمبر 2025
يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...
690
| 21 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
645
| 25 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
558
| 25 سبتمبر 2025
يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...
501
| 21 سبتمبر 2025
يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...
492
| 21 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية