رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محمد أحمد بكري

كاتب ومؤلف
حساب X ( تويتر): @e6n

مساحة إعلانية

مقالات

594

محمد أحمد بكري

في البئر المهجورة

20 سبتمبر 2024 , 02:00ص

في قلب صحراء قاحلة، تجلس امرأة تتوارى خلف جدران الصمت. كلما حاولت طلب نداء الاستغاثة، ارتدت أنفاسها إلى صدرها المتهالك، وكأن الأرض قد عقدت عهداً مع السماء ألا تسمع لها رجاءً. تذوب في بحر الشمس الحارقة، تطاردها أشباح الظلام في وضح النهار، وكأن العالم قد قرر أن يرفع يديه عنها، ليتركها تسقط في بئر مهجورة، بلا ماء وبلا ظل وبلا أمل. البئر هذه ليست إلا استعارة لقلبها الذي نزف حتى جف، ومهجتها التي اعتادت الصراخ في العتمة دون أن يرد أحد.

في هذه البئر، الزمن لا يتقدم والدقائق تتمدد كالسراب واللحظات تتكسر على صدر الانتظار. تشعر وكأن الرمل يجثم على أنفاسها، يملأ جوفها ويثقل خطواتها المتعثرة. تقف على حافة الهاوية، تبحث عن نجمة واحدة تضيء ليلها الدامس، ولكن السماء قد طوت سجادة نجومها وأبقت لها سماءً خاوية، كقلوب البشر التي عبرتها ولم تبالِ بها.

في كل مرة تنظر فيها إلى الشمس التي تلتهم أفقها، تشعر بأن حياتها تنكسر كما تنكسر قطع الزجاج الهش. كلما حاولت أن ترتقي من بئرها، اكتشفت أن السلم وهمي، مصنوع من خيبات الأمل والأوجاع المتراكمة، وأحياناً، من ذكرى طيف شخص كان وما عاد.

في هذا الفراغ الموحش، لا تسمع سوى أصداء خطاها، وكأن الكون قد استسلم لها وحدها. لا أحد يراها ولا أحد يسمعها، حتى الرياح، التي عادةً ما تحمل الحكايات، أبت أن تحمل قصتها. وكأنها باتت جزءاً من الصحراء نفسها، صامتة، معزولة، مهجورة. هي المرأة التي سقطت في بئر الظلام ولم تجد يداً تمتد إليها. بئر لا تعرف الرحمة وصحراء لا تعرف النهاية.

في البئر المهجورة، بين الرمال الجافة والمشاعر المتجمدة، أدركت أنها تحتاج إلى أكثر من الشغف، تحتاج إلى نفسها القوية وإلى ذاتها المليئة بالإصرار لتكسر أغلال الشفقة وتعود إلى الحياة من جديد.

 

مساحة إعلانية