رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

توفيق المديني

توفيق المديني

مساحة إعلانية

مقالات

860

توفيق المديني

البيئة الحاضنة للإرهاب

21 فبراير 2014 , 12:47ص

في الوقت الذي حققت فيه قوات الحرس الوطني والأجهزة الأمنية التونسية نجاحاً ملموساً في محاربة الإرهاب في الفترة الأخيرة، حيث تمكنت قوات مكافحة الإرهاب، من القضاء على سبعة إرهابيين في منطقة رواد في ضاحية تونس، بينهم القيادي في تنظيم "أنصار الشريعة" المحظور كمال القضقاضي المتهم باغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في 6 فبراير 2013، ومن اعتقال أربعة مسلحين من أعضاء "خلية إرهابية" بينهم أحمد المالكي الملقب بـ "الصومالي" وهو أحد أبرز المتهمين في قضية اغتيال البراهمي، إثر اشتباكات معهم في محافظة أريانة قرب العاصمة التونسية، وجرح خلال الاشتباكات اثنان من المسلحين، جاءت العملية الإرهابية الجديدة التي حصلت في محافظة جندوبة المحاذية للحدود الجزائرية، وتحديداً في منطقة أولاد مناع، والتي ذهب ضحيتها استشهاد عنصرين من الحرس الوطني (الدرك) التونسي ومدنيين، بينما لاذ الإرهابيون الخمسة بالفرار، لتؤكد من جديد أن الإرهاب أصبح مستوطناً في تونس.

ما يؤكد هذا الاستنتاج، هو إعلان وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو أن الأجهزة الأمنية التابعة لوزارته "أحبطت مشروعاً إرهابياً كبيراً ضد تونس يتمثل في إقامة ثلاث إمارات إسلامية فيها".

قال وزير الداخلية: "تمكنا من تفكيك الجناح العسكري لتنظيم أنصار الشريعة، إضافة إلى جناحها الدعوي والإعلامي"، مشيراً إلى أن كتيبة "عقبة بن نافع" المسلحة المتحصنة في جبل الشعانبي في محافظة القصرين (غربي البلاد على الحدود مع الجزائر) تضم أفراداً تنتمي إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قبل أن يلتحق بها أعضاء تنظيم "أنصار الشريعة" المحظور.

وأضاف أن هذه الكتيبة "تتمتع بدعم لوجستي من القاعدة التي تدرب العناصر الإرهابية التي تحمل الفكر التكفيري في الجبال".

وكشفت التحقيقات والأبحاث والتحريات مع المجموعات الإرهابية المقاتلة سواء التي تم القضاء عليها، أو الموقوفة على ذمة قضايا تحقيقية، أن تونس نجت من كارثة حقيقية أو حمام دم كان سيقلب المشهد السياسي في تونس، لاسيما أن بعض العناصر الإرهابية ترتبط بعلاقات وثيقة مع تنظيم "القاعدة" المركزي بأفغانستان، الذي كان يتجه إلى تغيير مقر قيادته إلى المغرب العربي، وربما قد تصل بالفعل في المدة القادمة عناصر قيادية خطيرة إلى تونس بهدف فك الحصار على الجماعات المقاتلة التي يعتقدون أنه أصابها بعض الوهن وذلك بعد نجاح القوات الأمنية والعسكرية التونسية في القضاء على بعضها وقد يكون من ضمن هذه العناصر الإرهابي الخطير المتورط في قضية أحداث الروحية المدعو نبيل السعداوي.

هناك شبه إجماع لدى الطبقة السياسية التونسية أن الإرهاب استوطن في البلاد، وهناك من يعزو ذلك إلى الميوعة التي تعاملت بها الترويكا الحاكمة سابقا بقيادة حركة النهضة الإسلامية مع الإرهاب، حيث تركته حتى يتمركز في تونس طوال سنتين، بينما عندما ندرس البيئة الحاضنة لهذا الإرهاب، نجد أن الإرهاب منغرس في التربة التونسية من قبل، أي منذ عهد النظام السابق.. فقد برز تيار السلفية الجهادية للوجود في تونس ، على مسرح "الحرب الدولية على الإرهاب" التي انطلقت مع تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر2001، فالتونسيون مشاركون في الصراعات الدائرة في كل من العراق وأفغانستان والبلقان على رغم أن بلدهم ظل بعيداً من مثل هذه الحروب.

ويمكن القول إن الجهاديين التونسيين لعبوا دوراً غير مباشر في اندلاع الحرب في أفغانستان في 7 أكتوبر 2001، إذ إن اغتيال القائد الأفغاني المعادي لحركة "طالبان" الجنرال أحمد شاه مسعود على أيدي انتحاريين تونسيين في 9 سبتمبر 2001، هو الذي شكل الشرارة التي فجرت الحرب الأمريكية على أفغانستان.

تعكس الأهمية التي اكتسبها التوجه الإرهابي لدى الجهاديين التونسيين وحضورهم الدموي في أفغانستان والعراق ولبنان وإيطاليا وإسبانيا وتونس، قطيعة بين هذا الجناح المتطرف من الإسلام السياسي الذي أصبح مرتبطاً بتنظيم "القاعدة"، والإسلام التقليدي الراسخ في تونس منذ ما يربو على 14 قرناً.

لقد لعب الفراغ الأمني عقب سقوط النظامين في كل من تونس وليبيا خلال عام 2011، إضافة إلى الفوضى التي أنتجتها الحرب في ليبيا في توسيع الفجوة بين تونس على الحدود ـ سهلة الاختراق، والتي تحتشد فيها الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم «أنصار الشريعة»، والتي باتت بؤرة للجهاد والتهريب ـ وتونس العاصمة والساحل التي تنتابها المخاوف من هشاشة المناطق الداخلية التي تخشاها أكثر مما تفهمها، وفي إعادة تنظيم كارتيلات التهريب (التجار على الحدود مع الجزائر، والقبائل على الحدود مع ليبيا)، مما أضعف سيطرة الدولة التونسية ومهد الطريق لأنماط أكثر خطورة بكثير من التهريب، الذي يغذي الجماعات الإرهابية. فارتفعت وتيرة التهريب إلى حد كبير ومثير للقلق عبر الحدود التونسية – الليبية.

رغم أن التهريب كان منذ وقت طويل المصدر الوحيد للدخل لأعداد كبيرة من سكان المناطق الحدودية، فإن الاتجار بسلع خطيرة ومربحة أصبح يشكّل مصدراً لمخاوف عميقة. باتت المخدرات الخطيرة إضافة إلى كميات صغيرة نسبياً (حتى الآن) من الأسلحة والمتفجرات تدخل البلاد وبشكل منتظم من ليبيا. على نحو مماثل، فإن النصف الشمالي من الحدود التونسية ـ الجزائرية بات منطقة تشهد عمليات تهريب متزايدة للحشيش والأسلحة الخفيفة. هذه الأنشطة تزيد من قدرة الجهاديين على التعطيل وإثارة القلاقل وترفع من حدة الفساد في أوساط السلطات الحدودية. والحقيقة التي باتت ماثلة للعيان في تونس هي اختلاط الأنشطة الإجرامية والتطرف الإسلامي في ضواحي المدن الكبرى وفي القرى النائية الفقيرة، بما أن التهريب والإرهاب يخدمان بعضهما البعض. وبمرور الوقت، أسهم تنظيم "أنصار الشريعة" في ظهور مجموعات تجمع بين الجهاد والجريمة المنظمة داخل شبكات التهريب العاملة على الحدود ـ أو الأسوأ من ذلك، إلى التعاون بين الكارتيلات والإرهابيين.

وبعد تسلم حكومة الترويكا مقاليد السلطة في شهر ديسمبر 2011، تزايدت موجات العنف السياسي من قبل بعض الجماعات السلفية المتحالفة مع الجناح المتشدد لحركة النهضة الإسلامية، وانتابت المخاوف مكونات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة اليسارية والقومية والليبرالية من تنامي ظاهرة التشدد الديني، ومن التحالف بين الحزب الحاكم ذي المرجعية الإسلامية (النهضة) والتيارات السلفية التكفيرية، لاسيما في ظل رئاسة الحكومة التي آلت آنذاك للقيادي النهضوي المعروف حمادي الجبالي الذي لطالما اتُهِم سابقا (في عهدي بورقيبة وبن علي) بممارسة العنف شأنه شأن وزير داخليته علي العريض. وتدعمت هذه القناعات لدى أطراف المعارضة، عندما سمحت حكومة حمادي الجبالي لـ"أنصار الشريعة" مؤتمرهم الأول في مايو 2012 وبعد تكرر الأحداث ذات العلاقة بالعنف المحسوب على هذا التيار على غرار حادثة كلية منوبة (مطلع 2012) وحادثة قصر العبدلية (جوان 2012) وحادثة السفارة الأمريكية (14 سبتمبر 2012) وما تلاها من أحداث بجامع الفتح خاصة يوم قيل إن أبا عياض زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" تمكن من الإفلات من قوات الأمن بعد أن غادر الجامع متنكرا.. ومنذ مطلع 2013 ازدادت الحوادث ذات العلاقة بالتشدد الديني حدة حتى أصبحت مصنفة من الخبراء ومن السلطة نفسها أحداثا إرهابية على علاقة بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، أهمها حادثة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وأيضا أحداث مقتل شهداء من قوات الأمن الحرس الوطني، والجيش بجبل الشعانبي وقبلاط وبن عون.

مساحة إعلانية