رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يصعب على المرء أن يكتب أو أن يتحدث عن فقدان عزيز لديه، ولكنها الحياة تجبرنا على تقبّل الأحزان والأفراح دون سابق إنذار ودون علم مسبق بما سيجري وما سيصير وما سيحدث من أحداث في حياتنا وفي حياة من يحيطوننا في هذه الحياة الدنيا، ولكن معرفة طبيعة هذه الحياة الدنيا يهوّن علينا شيئاً بسيطاً من درجة حزننا ويقلل في الوقت نفسه شيئاً يسيراً من درجة فرحنا بكل الأحداث والوقائع. لقد شاء الله أن نفقد رجلاً من رجال قطر ممن بذلوا الكثير من أجل وطنهم ودينهم ومن أجل رضا الله عنهم في هذه الحياة الدنيا.. من أجل أن يُرضيهم الله سبحانه في الآخرة، وما أدراك برضا الله ممن عاشوا حياتهم من أجل رضاه سبحانه وتعالى فحسب، فلم يداهنوا ولم يجاملوا ولم يخافوا في الله لومة لائم، فاستحقوا أن يُجزيهم سبحانه العطايا في الآخرة، جزاءً ومكافأة وتكريماً لهم.. وهو الذي وصف عطاءه في كلمة واحدة.. (ولسوف يعطيك ربك فترضى). علي حسن الجابر سقط شهيداً قطرياً على أرض ليبية.. عربية مسلمة، يسقط على الأرض ليرتفع إلى السماء ومنها إلى جنان الخلد بإذن الله، سقط برصاص الغدر والخيانة وما عرف قنّاصوه بأنهم لم يضغطوا زناد بنادقهم ومسدساتهم ورشاشاتهم نحوه وإنما قد كتبوا بذلك نهاياتهم الشقية بأنفسهم في الدنيا والآخرة، وما ذلك بمشيئتهم له أن يكون قتيلاً لهم، ولكنها بمشيئة الله له أن يكون شهيدا عنده وأن يكونوا هم القتلة الذين خسروا الدنيا والآخرة في حين أنه قد حظي بهما معاً بإذن الله. ومن منا لا يفكر في نهايته كيف ستكون، وكيف ستصير نهايته في هذه الدنيا، بل إننا نفكر في ذلك كثيراً وطويلاً، ولعل أحدنا لو أشغل نفسه في ذلك كثيراً لأضاع وقته فيما لا يجدي، لأن النهايات العظيمة لابد أن تكون لها بدايات عظيمة، وفي المقابل لابد للنهايات السيئة أن تكون وليدة بداية سيئة، إذن فلنعمل لتلك القاعدة ونترك التفكير في النهاية لمن بيده كل شيء.. فهو الذي إن أطعناه أحسَنَ خاتمتنا، وإن عصيناه خَسرنا وأَساء خاتمتنا. لقد رحل علي حسن الجابر عن هذه الحياة، ولكنه ليس برحيل عادي ولكنها كذلك ليست بحياة عادية، رحيل يتمناه الجميع.. شهادة في سبيل الله.. حبٌ تمتلئ به قلوب الناس.. صلوات جنازة مهيبة.. احتشد فيها الآلاف حضوراً أو غياباً في قطر وفي ليبيا وغيرها من دول العالم العربي والإسلامي، في تذكرة لنا برحيل العالم الجليل الشيخ عبدالله الأنصاري الذي صلّت عليه الآلاف المؤلفة من شتى بقاع العالم العربي والإسلامي.. الأمر الذي لا ندركه نحن بعقولنا المحدودة، كيف يرفع الله شأن رجل ما.. يعيش في بلد ما.. دونما مزيد مال أو جاه أو سلطان، إنها المعادلة التي يضعها الله بين أعيننا بين الحين والآخر.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا، فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في السماء) ما أبسطها من معادلة ولكنها ورغم بساطتها فإنها أصعب ما تكون على الناس، فمن اشترى سخط الله بحب الناس له.. خسر، ومن اشترى حب الله بسخط الناس له.. ربح وفاز، وكيف لا يفوز والله يهوّن عليه وينتقم له، وهو الذي قال مخاطباً نبيه (إن شانئك هو الأبتر) أي إن مبغضك ومن يكرهك فإن الله كفيل بوضع نهايته وتعجيل زواله، وإني على يقين تام بأن علي حسن الجابر رحمه الله تعالى لم يكن يفكر كثيراً في أولئك الظالمين من أتباع القذافي وأولاده وأعوانه ممن يحاربون الله ورسوله وإنما كان يفكر في رضا الله عنه بمعاونته لإخوته في العروبة والإسلام على أرض ليبيا.. أرض عمر المختار والشهداء، هناك تعلق قلبه وحول تلك الرغبة الجامحة في الشهادة حلّقت روحه.. حتى علِم الله في نفسه خيراً فرزقه إيّاها (من سأل الشهادة بصدق، بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه). إن ما يهوّن علينا خسران أخ أو صديق أو قريب أو حبيب في هذه الحياة الدنيا - في أوج حسرتنا وفي قمة حزننا – هو أن نفرح بحسن خاتمتهم أو باصطفاء الله لهم ليكونوا شهداء بإذنه تعالى، فضلاً عن تلك القصص والأحاديث التي يرويها الناس عنهم بعد رحيلهم في ذكر محاسنهم ومناقبهم وأفعالهم وآثارهم التي يعمّها الخير والصلاح ويكسوها حب الناس وأهل الخير من هذه الأمة من الذين جعلهم الله شهداء الله على خلقه.. فمن شهدوا له بالصلاح فهو في خير عظيم ومن شهدوا له بالفساد فهو في خطر عظيم. إن مصابنا أليم في فقد هذا الرجل الربّاني الفاضل.. الذي لم أعهد عليه سوءاً من قول أو عمل، كما عهد وشهد بذلك الكثيرون غيري، وإن فرحتنا لكبيرة في الوقت نفسه بأن الله اصطفاه وختم له في هذه الحياة الدنيا بنهاية عظيمة، في إشارة لما سيأتي بعدها من الخير العظيم والمنازل العظيمة التي سيخصّها الله للشهداء في يوم القيامة وفي الجنة، فحري به أن يشفع لسبعين من أهله يوم الحساب تكريماً للأقربين منه ولمحبيه، وحريّ به أن يحظى بمكانة ودرجة مميزة في الجنة تميّزه عمن ارتضوا الخضوع والخنوع في الدنيا، ممن سكتوا أمام سلطان جائر أو ممن انغمسوا في الملذات والشهوات ونسوا ما عند الله من النعيم الخالد. ولن أتحدث هنا عن شأن قاتليه من أولئك الذين انضموا إلى صف الطغاة والظلمة وعادوا الله ورسوله ولا حتى عن الطغاة أنفسهم وما أحدثوه من فساد في الأرض وضياع للبلاد وقتل للعباد، فإن المقام مقام سمو وعلو، فالشهادة والشهداء لا ينبغي أن يعكّر الحديث عنهما حديثا آخر عن الخيانة والخونة أو القتل والقتلة أو الظلم والظلمة فإن الحديث عن مزايا الأول يكشف بتلقائية عن قبح الآخر، وبقدر منزلة الشهيد ومكانته وعظم شأنه في الأمة تكون مكانة قاتله في جهنم والعياذ بالله، فلو علم أبو لؤلؤة المجوسي أن بقتله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.. شهادة في سبيل الله وحسن خاتمة له ورضي الله عنه وأرضاه.. وأن في ذلك أيضاً.. خلود لنفسه في قعر جهنم لما فعل ذلك أبداً.. ولكنها النهايات السعيدة التي يكتبها الله لأوليائه ولعباده الصالحين.. وهي في الوقت ذاته.. النهايات الشقية البائسة للظلمة والطغاة والعصاة.. حتى تتعادل النهايات فتمتلئ الجنة بالسعداء.. وتمتلئ جهنم بالأشقياء.. فاللهم ارحم عبدك علي حسن الجابر والشهداء من عبادك المؤمنين.. وارزقنا الشهادة في سبيلك..وحسن الخاتمة أجمعين.
854
| 17 مارس 2011
أصبحت الأوضاع في العالم العربي ككرة ملتهبة من النار.. تزداد اشتعالاً وتوهجاً شيئاً فشيئاً مع ازدياد حدة الصراع بين الشعوب وحكامها وارتفاع مطالب الناس بدءاً بارتفاع الأجور والرواتب وانتهاءً بسقوط نظام أو رحيل رئيس أو محاكمة الحكومة بأسرها وذلك مع تتابع الثورات في العالم العربي بدءاً من تونس ثم مصر.. والآن في ليبيا واليمن والجزائر والعراق وعمان والبحرين وغيرها التي بدأت فيها المطالب على استحياء تام، هذا التشبيه للوضع العربي الراهن بوصفه كالبركان الثائر كان يقابله في السابق وصف آخر على النقيض.. جبل من الجليد، أو كقطعة ثلج لا يكاد الشارع العربي فيها يتأثر بما يجري من أحداث حوله، حيث أصيب الناس بشيء من الجمود والخمول وتبلد الإحساس وتجمد المشاعر تجاه ما يجري من أحداث جسام على صعيد الأحداث السياسية الساخنة التي حدثت في محيط العالم العربي والإسلامي ولكنه لم يتفاعل معها كما ينبغي له أن يتفاعل كما حدث في حرب أفغانستان أو العراق.. ولعل السبب الجوهري في ذلك هو أن تلك الحروب شنتها الولايات المتحدة الأمريكية.. التي تمثل خطاً أحمراً لدى العديد من الدول العربية والإسلامية بل والدولية التي لا تتجرأ أن تقول " لا " لأمريكا أو حتى أن تترك شعوبها تعبّر عن غضبها ومعارضتها لسياسة أمريكا في المنطقة، فهي التي نراها نادت بشكل سريع بضرورة احترام حق الشعب في تقرير مصيره في تونس بينما نادت بذلك بشكل أبطأ في مصر وبشكل " سلحفائي " في ليبيا وهكذا دواليك، في حين أنها لم تلتفت لحق الشعب في تقرير مصيره في أفغانستان أو العراق إلا بعد أن استنزفتهما واستباحت دم الشعبين فيهما.. ناهيك عن سكوتها المطبق تجاه ما يجري من قتل وتشريد للشعب الفلسطيني على يد حليفتها إسرائيل. إن الرجوع إلى أمريكا دائماً في الأحداث الكبرى ومعرفة رأيها أو رأي البيت الأبيض تحديداً فيما يجري هنا أو هناك إنما يعكس الهيمنة الأمريكية على كل صغيرة وكبيرة تجري في العالم، فأينما وقعت ثورة أو مظاهرة.. تداعت وسائل الإعلام والصحفيون والمراسلون لنقل المؤتمرات الصحفية أو البيانات والكلمات الخطابية التي تخرج من البيت الأبيض في هذا الشأن أو ذاك، الأمر الذي يُرضي غرور الولايات المتحدة الأمريكية في سيادتها التامة على العالم بأسره في تصديقٍ للعبارة القائلة بأن أمريكا هي بمثابة " شرطي العالم ". فوجئت كثيراً بذلك الاهتمام الذي أعطته قناة عربية معروفة - كثيراً ما تهم بالمسلسلات والأغاني أكثر من اشتغالها بالأخبار والسياسة - فوجئت بتلك القناة تخصص حلقة من حلقات إحدى برامجها "النسائية" للقاء وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وذلك وسط حضور مكثف من شيوخ ووزراء وإعلاميين ومفكرين ومثقفين بالإضافة إلى مجموعة المذيعات اللاتي تسابقن إلى سؤالها عن آرائها الشخصية أو الرسمية عما يجري من أحداث ووقائع في عالمنا العربي في تسابق منهن أيّهن تتكلم الإنجليزية بطلاقة أكثر !! في حين أنها – أي وزيرة الخارجية - جلست تجيب عن كل صغيرة وكبيرة وكأن لديها لكل سؤال جواب.. الأمر الذي لم أستغربه لكونها وزيرة خارجية وينبغي لها أن تعرف شيئاً عن كل شيء.. ولكن الغريب أن كل أولئك الجمع لم ينبسوا ببنت شفة ولم يعترضوا على أي من إجاباتها، حيث تكلمت عن عملية السلام وعلّقت على المشروع الاستيطاني في فلسطين ثم تحدث عن الوضع في السودان وأبدت سعادتها عن انقسام الجنوب عن الشمال وأن الناس في الجنوب يجب أن يحصلوا على حريتهم وسيادتهم واستقلال أراضيهم وغيرها الكثير من القضايا التي ينبغي على الحضور أن يصبحوا فيها مناظرين لا مؤيدين لسياسية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة أو في العالم العربي عموماً، حيث لم يقاطعها أحد أو يناقشها أحد أو حتى يسألها أحد من الجمهور.. لأن الأسئلة لابد أن تمر على الرقابة قطعاً، وأزعم أنها خرجت من تلك القاعة أو من ذلك البرنامج الذي خصصت له القناة مسرحاً ضخماً.. أزعم بأنها خرجت بالكثير من المدح والإطراء على تألقها وطلاقة لسانها وجمال منظرها وأناقة فستانها.. وبالكثير من الأوتوغرافات " التواقيع " والصور التذكارية مع المعجبين والمعجبات، وأزعم في المقابل بأن الوزيرة الأمريكية لو ظهرت على التلفزيون الإسرائيلي في برنامج جماهيري مشابة لهذا البرنامج.. أزعم بأنها ستواجه بالعديد من الأسئلة العشوائية وبالمداخلات والمقاطعات أو ربما بالاعتراضات والاستهجانات.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن مواقف الضيفة ودولتها غير مرحب بها لدى الجمهور الأول.. بينما مواقف ذات الضيفة ودولتها مرحب بها لدى الجمهور الثاني. إن الولايات المتحدة الأمريكية لاتزال تتعامل مع العالم العربي بقطيعة تامة مع الشعوب وبحميمية نادرة مع الحكام، فهي منبوذة عند الشعوب محبوبة عند الحكام، وعلى الرغم من معرفتها لكره الشعوب العربية لها فإنها لا تقلق كثيراً من ذلك لأنها تضمن أن الحكام يقفون بالمرصاد تجاه من يعلن تأففه أو اعتراضه على سياساتها، أو الخروج في مظاهرات معادية لها، تماماً كما حدث في حربها على أفغانستان والعراق، بينما هي الآن تتخلص من بعض قدامى أصدقائها من الحكام العرب لترحّب بآخرين جدد، أو ترحّب بمطالب الشعوب طالما أنها خرجت في وجه حكامها لا في وجهها هي. إن السياسة وكما يقال ليس بها " صديق دائم أو عدو دائم " وهكذا الأيام تدور والأحداث تتغير، المهم أن ندير تلك الأحداث والوقائع فيما يتوافق مع مصالحنا وأهدافنا.. هذا ما تفعله أمريكا وغيرها من الدول الكبرى بينما يغفل عنه الكثير من الحكام العرب الذين ارتبطوا بعلاقة وطيدة مع أمريكا أو غيرها من الدول الأوروبية واتخذوهم أولياء من دون الله فأطاعوها وخضعوا لها بل وأعطوها من أموالهم وأرواح أبنائهم وشعوبهم الشيء الكثير، بينما لم تعطهم أمريكا في المقابل غير المزيد من الإهانات والتنازلات وما جرى في عملية السلام خير مثال على ذلك. ويشاء الله أن تكون نهاية أولئك الذين لم يعرفوا فن السياسة ولم يدرسوا التاريخ ولم يفهموا الواقع.. أن تكون نهايتهم على يد شعوبهم التي تكرههم بقدر كرهها لأعداء أمتها، ويشاء الله كذلك أن تكون الدول التي خضعوا لها طيلة مدة حكمهم واستعمرت عقولهم وأفكارهم.. هي أولى الدول التي تخلّت وتنازلت عنهم، ففرنسا أول من طردت زين العابدين ولم تحبذ بقاؤه فيها وهي التي عبدها من دون الله، والولايات المتحدة الأمريكية لم تحبذ لجوء حسني مبارك لها وأيدت سقوطه وهي التي سخّر لها كل إمكانياته وطاقات بلده تماماً كما فعلت بشاه إيران عندما نبذته فعاش طريداً حتى مات شر ميتة، وهاهي إيطاليا تعلن تبرأها من معمر القذافي وتؤيد مطالب الشعب الليبي وتناديه بالتنحي عن منصبه وهو الذي عاش صديقاً وخاضعاً لها وهو الذي يدّعي معاداتها ومعاداة الاستعمار كاذباً، وهكذا هم الأغبياء دائماً الذين لا يريدون أن يفهموا الدرس جيداً فيكون مصيرهم الطرد من مدرسة الحياة.. وقبل ذلك.. يحظون بصفعة أخيرة "لاتُنسى" من أعدائهم أو.. أصدقاءهم السابقين.
417
| 10 مارس 2011
يبدو أن أقنعة العديد من الرؤساء قد سقطت مؤخراً وأن أوراقهم قد انكشفت من أولئك الذين اندلعت في بلدانهم ثورات شعبية تطالب بتغيير النظام أو إصلاحه أو تلك التي قد بدأت فيها بوادر لثورة قادمة ، الأمر الذي يجعلنا نضحك قليلاً ونبكي كثيراً على تلك السنوات الطويلة التي بقى فيها هؤلاء المهرّجون أو المعتوهون أو المجانين أو سمّهم ما شئت عدا أنهم كانوا رؤساء يحكمون الناس ويتحكمون في مصائر شعوبهم .. نعم لابد أن نلوم أنفسنا كثيراً على كل تلك السنوات التي بقى فيها هؤلاء على رأس الحكم يهدرون أموال بلادهم ويضيّعون مستقبلها ويعيثون في اقتصادها ويُسخّرون مواردها من أجل مصالحهم ويفسدون في أخلاق شبابها ويدمرون طاقاتها البشرية الهائلة. كم هو محزن أن نتذكر أن طاغية جثم على شعبه عشرين سنة أو تزيد كما في تونس وآخر طغى واستكبر ثلاثين سنة أو تزيد كما في مصر وآخر استبد واستكبر أربعين سنة أو تزيد كما في ليبيا وآخر أشعل الحروب وألهب نار الفتنة ثلاثين سنة أو تزيد كما في اليمن .. إن في مجموع تلك السنوات كم هائل من الأموال المسروقة والموارد المنهوبة من المال العام والاتفاقيات المذلّة للعرب والجرائم المرتكبة في المستضعفين والفظائع الشنيعة ضد الأبرياء والفساد المنتشر في المجتمع والأخلاق والحقوق الضائعة للناس والآثار المهرّبة للخارج والأرصدة المحوّلة إلى الغرب .. فضلاً عن تلك الحقبة أو النقطة السوداء في تاريخ الأمة العربية والإسلامية التي شوّهها هؤلاء بتواجدهم على سدة الحكم فترة من الزمن ، ويبدو أننا يجب أن نكون أكثر دقّة فنسميها بالتاريخ الأسود من تاريخ الأمة العربية والإسلامية ، ذلك أن تلك النقطة قد انتشر سواد حبرها انتشاراً عريضاً حتى اتسخت جميع الأوراق فوقها وتحتها. يؤلمنا كثيراً أن نجد هؤلاء الطغاة يخرجون علينا وقت اندلاع الثورات في بلدانهم وانفجار الغضب عند شعوبهم فنجدهم يصدرون بياناتهم بدمٍ بارد وبخداع واضح وكذب قبيح صريح ، ولسان حالهم يستنكر ما يجري من حولهم وكأنهم غير مصدقين ثورة شعوبهم على الظلم والاستبداد ، وكأنهم لم يفعلوا شيئاً يستحق كل هذا الضجيج ، مما يجعلك تدرك بأنهم لايهمهم إلا مصلحتهم ومصلحة أقربائهم من توليهم حكم الناس وشؤون البلاد ولكنهم يخدعونك بأنهم يبذلون قصارى جهدهم من أجل تقدم أوطانهم وازدهارها في حين أنهم لا يجيئون إلا بالخراب ولا يأتون إلا بالدمار ، فلا أرضاً أصلحوا ولا سماءً عمّروا .. ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) .. خرج علينا " شين العاصين " المدعو " زين العابدين " يتحدث خائفاً مستفيقاً من غفلته بأنه " فهم أخيراً " ما ينبغي عليه عمله فقد اهتدى أخيراً أن للشعب مطالب يجب أن تلبى وللناس حقوقاً يجب أن تحترم بعد أن عاث في الأرض فساداً وضرب الناس في أثمن ما يملكونه .. وفتنهم في دينهم ، ففسق وأمر بالفسوق والعصيان ، وحرّم الصلاة والحجاب ، فكيف استحق هذا الطاغوت أن يعيث في بلاد الإسلام عشرين سنة أو يزيد .. حسبنا الله ونعم الوكيل. وخرج علينا الذي لم يعرف له الحسن طريقاً ولا البركة سبيلاً المدعو " حسني مبارك " يتحدث في كِبر وزهو واضحين .. خرج كالطاووس الذي يفرش ريشه ليباهي به الناظرين بأنه لايزال في أوج بهائه وحسن منظره حتى بعد أن جاوز السبعين عاما ، ولم يدر بأن الناس كلّت وملّت من رؤيته ضاحكاً في الوقت الذي يبكي فيه شعبه .. يتجرّع الجوع والفقر والذلّ كل يوم وهو ينزل إلى الشارع ليقتتل مع غيره من أجل الحصول على لقمة عيش تكفيه وعياله .. في الوقت الذي يبتلع فيه هذا الطاغوت بلقمة واحدة مايزيد عن قوت ملايين المصريين كافة في الداخل والخارج ، ناهيك عن تكميم الأفواه وبطش الناس وتقديم التنازلات والإهانات للأمة العربية والإسلامية أمام الكيان الصهيوني الغاصب والتعاون معه في وأد المقاومة وقتل الأبرياء في فلسطين منذ سنوات فضلاً عن عدوان غزة الأخير ، فكيف استحق هذا الطاغوت أن يعيث في بلاد الإسلام ثلاثين سنة أو يزيد .. حسبنا الله ونعم الوكيل. وخرج علينا مؤخراً المخرّب الذي انهال بقذائفه المجرمة على الأبرياء والضعفاء المدعو " معمّر القذافي " يهدد ويزمجر بعد أن فاق من سكرته وجنونه الذي اقتاده للفلسفة بل للخَرف والتهريج فأصبح عجوزاً مخرّفاً ومهرّجاً في الوقت ذاته ، يكذب على الناس بأن الثوّار ماهم إلا جرذان يطأهم بقدمه ، وماهم إلا مهلوسون أمام عبقريته الفذة وذكائه الفريد ، ولا أدرِي إن كانت تصله نوادر الناس عنه واستخفافهم به واستهزاؤهم به ليعلم بأنه أصبح أضحوكة شعبه والعالم بأسره ، ناهيك كذلك عن " سيف الجاهلية " ابنه الذي يحذو حذو والده الذي لايزال يعيش جنون العظمة ويرى أن الجميع يحبونه ويفتدونه بعد أن انتبه إلى حكم والده الذي سيضيع من بين يديه فلا يستطيع بذلك أن يُكمل مسيرة والده المعتوه إلا فوق جدر محصّنة أو من وراء قلعة حصينة تصد عنه أحذية الناس وتمنع عنه أقدام شعبه الذي يتمنى أن يدوسه، فكيف استحق هذا الطاغوت أن يعيث في بلاد الإسلام أربعون سنة أو يزيد .. حسبنا الله ونعم الوكيل. وخرج علينا مؤخراً كذلك عبد من عباد الله يزعم بأنه " صالح " المدعو " علي عبدالله صالح " الذي فرّق العباد وهو يزعم بأنه قد وحّد البلاد ، ليعلن بأن قوّاته ستقضي على الثورة حتى آخر قطرة دم ، وبأنه يريد الإصلاح ما استطاع ، في حين أنه كان " سعيداً " بل ومبتهجاً وهو يرى " اليمن السعيد " يتقاتل أبناؤه ليلاً ونهاراً .. وتزداد بطالة شبابه وتهدر طاقاته في القات وما سواه دون أن يعير ذلك انتباهاً أو أن يحرّك ساكناً .. في حين أنه تحرك من سباته وازداد نشاطه عندما علم بأن فترة حكمه قد أوشكت على الزوال وأن السحر يكاد ينقلب على الساحر ، فتلك الأسلحة التي تم تزويد القبائل بها لتتقاتل فيما بينها ستتجه قريباً نحوه وستصوب قريباً في وجهه ، فأخذ يتهم بشكل مضحك بأن ما يدار من ثورات إنما هو نتاج إعلام يدار من تل أبيب تحت رعاية أمريكية من البيت الأبيض مباشرة ، فكيف استحق هذا الطاغوت أن يعيث في بلاد الإسلام ثلاثون سنة أو يزيد .. حسبنا الله ونعم الوكيل. إننا نرجو من الله أن تُطوى هذه الصفحات السوداء من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية سريعاً كي تنهض الأمة من سباتها وأن تعود كما كانت عليه تهدي الأمم وتقود الحضارات ، وأن يُشغل الله الظالمين بالظالمين وأن يُخرج المسلمين من بينهم سالمين ، وأن يقر أعيننا بنصر الإسلام والمسلمين وأن تعود الأمة العربية والإسلامية إلى صفحاتها البيضاء من جديد .. بعد أن تسقط كل تلك الأقنعة القبيحة وتلك الزعامات الظالمة الزائفة .. اللهم آمين.
976
| 03 مارس 2011
"الكتاب الأحمر" هو الإصدار الجديد الذي نزل مؤخراً في الأسواق والميادين والشوارع الليبية والذي قام بتأليفه الرئيس الليبي.. الطاغية العقيد معمر القذافي.. والملقب بعميد الحكام العرب.. ملك ملوك إفريقيا.. قائد الثورة.. صاحب أطول فترة حكم في ليبيا.. وفي العالم العربي والإسلامي، والتي جاوزت الأربعين سنة.. ولا أعرف لماذا عندما أتذكر مدة " أربعين سنة".. أتذكر ما ذكره بعض العلماء من أن الله أمهل "فرعون" مدة أربعين سنة بعد أن قال "أنا ربكم الأعلى" علّه يتوب أو يهتدي ولكنه أبى ذلك، فطغى وتكبّر، وظلم وتجبّر، فكان أخذ الله له.. أخذ عزيز مقتدر.. وجبّار منتقم.. يمهل ولا يهمل.. يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.. فلا يَنفع فوت.. ولا يُسمع صوت.. " الكتاب الأحمر" هو كتاب الدم الذي سطّره الديكتاتور معمّر القذافي والذي كان الجميع يتهافتون ويتخافتون حول آرائه الشاذة ومقولاته المضحكة.. بينما أعلنها الجميع الآن بأنه رجل مجنون معتوه، كتب كتابات أقل ما يقال عنها بأنها سخيفة وساذجة سمّاها " الكتاب الأخضر" والذي فرضه فرضاً وقسراً على الشعب الليبي وكأنه " قرآن " جديد لابد له أن يُتلى ولابد له أن يُحفظ عن ظهر قلب، فجعله منهجاً للطلبة وأقام له الحزب الحاكم أو حزب الثورة الذي لا شريك له في الأحزاب السياسية في ليبيا حيث منع أي تعدد حزبي أو فكري.. وكأن لسان حال القذافي يقول كما قال صاحباه "زين العابدين في تونس" و "حسني مبارك في مصر" (لا أريكم إلا ما أرى).. (ما عهدت لكم من إله غيري).. أو مع تعديلها (ما عهدت لكم من حاكم غيري). لقد أشاح صاحب الكتاب الأخضر عن وجهه القبيح واستبدل الأخضر بالأحمر ملطخاً يديه القذرتين بدماء الشهداء من الأبرياء من شعبه الذين ثاروا عليه بعد أن استفحل الأمر وانتشر الفساد في البلاد بعد أربعين سنة من القهر والصبر على هذا الطاغية المتكبّر المتعجرف، الذي يتفنن في الخروج بين حين وآخر بتقليعة جديدة في الأقوال والأفعال والملابس.. فتارة يسكن خيمة في الصحراء ويستقبل ضيوفه فيها بل وينقلها معه حيثما رحل وأخرى يجنّد حرساً خاصاً له من الحسناوات، وتارة ينتقب "يلبس النقاب" والثوب الأسود ويحمل غضن شجر كما قد ظهر في إحدى المناسبات، وتارة يمزّق ميثاق الأمم المتحدة وأخرى يدعو لإلغاء الحكومة وتوزيع المال على الناس دون وجود مؤسسات مجتمع مدني.. أي بمعنى آخر.. الدنيا فوضى.. وهكذا دواليك.. ربما لأن فترة حكمه الطويلة تستدعي أن يأتي كل فترة بشيء شاذ ومختلف بل ومجنون، كي لا يشعر هو بالملل وهو يطوي السنين متشبثاً ومستمسكاً بالحكم.. ولا عجب أن يدافع عن صاحبيه فيمتدح الطاغية زين العابدين، ويقول بأن تونس ستندم.. أو بقوله "على تونس السلام".. ويثني على حسني مبارك ويترحم عليه.. في الوقت الذي اتضح للعالم بأسره بأن حسني مبارك يكاد يُسجل في كتاب جينيس ضمن أكبر عملية سرقة شعب في العالم.. ويزعم بأنه " لا يملك ثمن ملابسه!!".. إنه استخفاف بالناس وبالشعوب.. أن يحكمها أمثال هذا الطاغية المعتوه الذي تمتلئ ليبيا بملايين البشر أعقل وأفهم منه في إدارة شؤون البلاد، بل وأزعم بأن ليبيا لو بقيت دون حاكم.. لهي بأحسن حال بألف مرة من وجوده في رئاسة هذا البلد العربي الأصيل. ومما زاد الطين بلّة.. أن خرج علينا ابنه " سيف الإسلام" - والإسلام من أفعاله بريء - في بيان مشئوم يكذب ويفتري على الله كذباً، ويصف الثوّار والمتظاهرين بأنهم خارجون على النظام " أي نظام أصلاً " وأنهم يريدونها أن تصبح حرباً أهلية! بل ويحذر من وقوع ذلك، في حين أنه لم يلتفت لجرائم والده الذي قمع الناس وصوّب عليهم أسلحته الثقيلة والتي لم يستخدمها اليهود في إبادتهم لأهل غزة كما فعل والده " المحترم " والذي يمتدحه ويزكيه، ولا أعرف لماذا يتمسك هؤلاء الطغاة بالحكم وكأن لسان حالهم يقول " لم نشبع سرقة ونهباً لأموال الناس "، والأدهى والأمر من ذلك عندما يحذر المدعو بسيف الإسلام.. يحذر الدول الغربية بأنها لن تسكت إذا قامت دولة أو إمارة إسلامية – على حد زعمه – في ليبيا مشابهة لما حدث في تونس ومصر، في تحريض واضح منه بل وقذر كذلك على الإسلام والمسلمين، وكأنها إشارة لأعداء الأمة العربية والإسلامية بأن يكونوا حذرين من الإرهاب والتطرّف و" البعبع " الإسلامي الذي صار فزّاعة يتعذر بها هؤلاء الطغاة من أجل أن يستنصروا الدول الغربية على شعوبهم.. مرسلاً برسائل واضحة لأصدقائه وأصدقاء والده الطليان وغيرهم من البريطانيين الذين دفع لهم تعويضات خرافية أو الأمريكان الذين أدّبوه وروّضوه بالحصار على ليبيا حتى خضع وتذلّل. لقد سكت دهراً ونطق كفراً هذا الموصوف بلاعب كرة القدم أو بالمهندس – لا أعرف بالضبط - المسمى بسيف الإسلام وما هو بكفؤ حتى يحمل هذا الاسم وكما وصفه الشيخ القرضاوي بأنه سيف من سيوف الجاهلية.. فكان بفعلته ومقولته تلك كخنجر مسموم في جسد الأمة، ولا نعجب فأمثال هؤلاء هم الذين تعاونوا مع المستعمرين لبلادهم وخانوا الله ودينهم وأمانتهم وأوطانهم وتعاونوا مع أعداء الأمة ضد شعوبهم.. أمثال هؤلاء هم الذين قتلوا الشهيد " عمر المختار" ووشوا إلى الطليان وأخبروهم بمكانه حتى قتلوه وأعدموه " شهيداً " عند الله.. طهّر بدمائه تراب وطنه، بينما تلطّخ في الوقت ذاته تاريخ هؤلاء الخونة بدم الضحايا الأبرياء.. لهم من الله ما يستحقون في الدنيا والآخرة. إن ما يغيظ حقا أن يقوم هذا المجنون معمّر القذافي وابنه المتكبر المتعجرف بالكذب عبر ادعاءاتهما بأن المتظاهرين ما هم إلا خونة أو تجار مخدرات أو "جرذان" على حد تعبير هذا الطاغية، والعالم بأسره يعرف تماماً من هم الخونة من أمثاله الذين باعوا مبادئهم أو المهلوسون من أمثال ابنه الذي يهدد ويتوعّد الناس ويحذر الغرب من خطر الإسلام والمسلمين، بل ويحذر من أن الناس سيقتتلون على البترول وأن المشاريع " الكبرى " ستنتهي إذا ما ذهب والده، وكأنه يقول بأن الناس من دون حكم والده أو حكمه من بعد والده سيضيعون وسيذوقون الهوان، ولم يعرف هذا المعتوه بأن الله هو الذي يرزق الناس جميعاً لا أمريكا ولا بريطانيا ولا إيطاليا التي جنّدته لديها بعد أن طردها أحرار وشرفاء ليبيا من أرضهم. إن ما فعله هذا الرئيس المعتوه في شعبه يستحق بأن يصنّف ضمن جرائم الحرب أو التصفية العرقية التي نسمع عنها، ولا عجب أن يستعين بمرتزقة أفارقة لأنهم " أهل التصفية العرقية " ومتخصصون في حروب الإبادة، ولا نعجب كذلك من خائن لله وللدين وللوطن أن يأمر بقتل إخوانه وأبناء شعبه من المسلمين من أجل أن " يخلّد " على عرشه المزعوم كـ " ملك ملوك إفريقيا " ولم يدر بخلده لو لحظة واحدة أن قتل نفس مسلمة "واحدة" كفيلة بخلوده في نار جهنم فما بالك بقتل شعب مسلم أعزل. قال الله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير). فإننا نبتهل إلى الله أن ينزع ملك هذا الطاغية المتعجرف المتكبر وأن يحقن دماء إخوتنا في ليبيا وأن يزيل حكم هذا الطاغوت عن ليبيا وابنه وأتباعهما وأعوانهما وأن ينتقم منهم أجمعين وأن ينتصر للضعفاء والأبرياء والمظلومين.. اللهم آمين.. وللحديث بقية.
1648
| 24 فبراير 2011
لم أشهد أنا وأبناء جيلي من مواليد فترة السبعينيات من القرن الماضي أو غيرنا، لم نشهد ثورة حقيقية على الظلم والديكتاتورية والاستبداد في العالم العربي والإسلامي كما شهدناه الآن ومع بداية القرن الواحد والعشرين حيث تعاقبت ثورتان عظيمتان في بداية هذه السنة الميلادية 2011م حيث لم يفصل بينهما فترة زمنية طويلة، وشهدنا فيهما وقائع كبرى سيسجلها التاريخ للشرفاء الذين قاموا بتلك الثورات، كما سيسجلها كذلك للخونة الذين تواطأوا على إخوانهم وأبناء جلدتهم من الشعب من أولئك الذين انحازوا إلى صف الظالم.. ممن أصبحوا عبيداً للحكام من دون الله. الثورة التونسية والثورة المصرية.. جاءتا لتعلنا الثورة على الظلم والطغيان و" تلعنان " في الوقت ذاته نظامين ديكتاتوريين فاسدين من الموالين للغرب الحاقد على الإسلام والمسلمين، ففي تونس.. حيث أرادها رئيسها المخلوع زين العابدين أن تصبح دولة علمانية كفرنسا التي اعتبرته بمثابة ابنها "المطيع" فيما قبل الثورة، بينما اعتبرته بمثابة ابنها "اللقيط" الذي تتبرأ منه وتبحث عن ملجأ له ليؤويه فتتخلص بذلك من جندي خدمها بمحاربته للإسلام ومظاهره كالأذان ورموزه كالحجاب الذي تعاديه فرنسا وتزعم أنها دولة علمانية تتيح حرية التدين للجميع وينعتها بعض مثقفونا ببلاد النور وما هي إلا بلاد الظلام الذي يجثم على العقول والقلوب والأرواح، فالإسلام هو النور الذي إن حلّ في مكان فإنّه يحييه بعد ممات وينيره بعد ظلام.. والله متمّ نوره ولو كره الكافرون.. وفي مصر.. حيث أرادها رئيسها المخلوع حسني مبارك أن تصبح دولة خاضعة ومعاهدة لليهود والنصارى، بعد أن كانت رائدة في تصدير الثورات والعلم والنور لمن حولها وللعالم بأسره عندما كانت منارة للهدى والعلم عبر جامعة الأزهر الشريف وجوامع القاهرة وسائر مدن وقرى مصر التي أخرجت للناس كبار العلماء والفقهاء والقرّاء حتى جاء هذا الرئيس فعاث فيها فساداً واستبداداً واستبدل الذي هو " أدنى " بالذي هو خير، فاستبدل علماء وفقهاء الأزهر الشريف وقرّاء القرآن الكريم بما هو أدنى.. ثومها وعدسها وبصلها فشجّع الرقص الشرقي بل وصدّره للعالم حتى سمعنا براقصات روسيات وصينيات في الفن الشرقي وشجّع السياحة الأجنبية التي لوّثت تراب مصر قبل أن تهدم أخلاق شبابها، وجعلها دولة مسلمة على الطراز أو " الستايل " الذي تريده أمريكا.. " إسلام مودرن " يُدخّن فيه عالم الأزهر ويرتشي ويكذب فيه المسلم المتديّن وينافق فيه كل من أطال لحيته وقصّر ثوبه وتُتهم فيه الفنانة المعتزلة بأنها تقاضت مبالغ من الإخوان المسلمين لكي تعتزل بينما في المقابل نرى هذا الإسلام المودرن تصلي فيه الراقصة بعد انتهائها من " وصلتها " ويصلي فيه الحضور على النبي وهم يشاهدون جسد الراقصة يهتز أمامهم وتدعو الله فيه المغنية قبل اعتلائها للمسرح ويستهزئ فيه الممثلون بالإسلام والمتدينين وفي مقدمتهم المدعو عادل إمام الذي تسابق إليه الكثيرون لأخذ "أوتوغرافه" وتوقيعه هنا في الدوحة والذي قال في أحد أفلامه التي غالباً ما "يزني ويعاقر الخمر فيها".. قال في أحد أفلامه: أنا متأكد بأن الله سيسامحني على أعمالي في الدنيا.. وسيعطيني خصماً حتى %50.. بل %70.. بل %100!!، وصدق الشيخ عبدالحميد كشك – رحمة الله عليه – عندما قال كلمة الحق منذ سنين: نحن نحتاج إلى "إمام عادل".. لا إلى "عادل إمام"، حيث كان ذلك الشيخ الضرير يستجوب ويُمنع كثيراً من الخطابة وغيره الآلاف من خطباء ودعاة مصر ممن تعرّضوا للكبت والاضطهاد، في الوقت الذي يحظى فيه المنحلّون والتافهون بكل أنواع الحريّة والدعم المادي والشهرة والنفوذ. حمداً لله كثيراً على أن أزاح عن جسد الأمة العربية والإسلامية هذا السرطان الجاثم في جسد الأمة عقوداً من الزمن يستنزف من طاقتها وجهدها وأموالها والأهم من ذلك كله.. كرامتها، لقد عشنا وعاش الأحرار والمظلومون والمضطهدون في تونس ومصر لحظات فرح غامر بانتصار الثورة وخضوع الحاكم الجائر لمطالب الثورة فتنحى كل منهما بعد تمسك شديد بالحكم وتهالك على المال وصدق الله تعالى حين قال ( يحسب أن ماله أخلده ).. فما بالكم إذا كان هذا المال ليس بماله وإنما هو حقوق الناس وأموال الشعب من الفقراء الذين لا يجدون خبزاً يشترونه فضلاً عن سائر الأصناف والأطعمة، لقد فرح المؤمنون بنصر الله وانتقامه من الظلمة وأعوانهم، وسبحان الله الذي جعل للنصر أسباباً وللهزيمة أسباباً قد لا يتوقعها الظالمون، فمن كان يتوقع من طفل تربى في بيت فرعون " موسى عليه السلام " أن يكون سبباً في نهاية عهد وحكم فرعون لمصر واستبداده بالناس، فبعد أن توالت الأحزاب والحركات والمعارضات والنقابات وبذلت جهداً عظيماً في المطالبة بالحقوق والعدالة - مع احترامنا لجهودها -، لم يكن أحد ليتوقع أن يحقق مجموعة من الشباب على موقع إليكتروني "الفيس بوك" نتائج لم تكن تحلم بها تلك الأحزاب والنقابات والتي تمثلت بإسقاط النظام والدستور ومجالس الشعب في حين أن تلك الأحزاب كانت تطالب بتعديل بسيط في الدستور ولم تستطع ذلك، وفي حين أن حركات المعارضة كحركة الإخوان المسلمين عاشت دهراً من الزمن تطالب فقط بإدراجها كحزب سياسي ولم يسمح لها بذلك، بينما استطاعت هذه الثورة أن تقلب الأوضاع رأساً على عقب، وتنتزع حقوقها بالقوة حينما لم تجد كل الوسائل والطرق مع هذا النظام الديكتاتوري. ينبغي على بقية الأنظمة القمعية والديكتاتورية في العالم العربي أن ترجع إلى أنفسها وأن تراجع حساباتها وأن تعيد ترتيب أوراقها متعظة بما جرى حولها إن لم تكن قد قرأت تاريخ الثورات في الماضي، وأن تستوعب الدرس من هذه الثورات الحديثة وأن تعلم تماماً أن الشعوب تقف وراء من يساندها ويأخذ بحقوقها ويحفظ كرامتها وسيادتها، وأن تعلم كذلك أن دولة الظلم "ساعة" وأن دولة الحق إلى "قيام الساعة"، ويجب أن يعلم الحكام بأن الظلم في الدنيا.. ظلمات في الآخرة، وأن شكوى الناس وتذمرهم قد تصبح ككرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت أكثر، فيزداد سخط الناس وغضبهم عندما لا يأبه بشكواهم حاكم ولا مسؤول ولا ينصفهم أحد، وأن نهاية الظالمين قد تكون بواسطة شيء لم يخطر لهم على البال ( ولا يعلم جنود ربك إلا هو )، فأصحاب الفيل أرسل الله عليهم طيراً أبابيل.. فهل آن للظالمين أن يحكموا بما أنزل الله وأن يتقوا الله في شعوبهم.. قبل أن ينجّيهم الله ببدنهم ليكونوا لمن خلفهم آية.. أو قبل أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.. والحمد لله رب العالمين.
752
| 17 فبراير 2011
هذه مقولة "فرعون" عندما آمن الناس بربهم وصدّقوا بما جاء به موسى عليه السلام.. وخضعوا وأذعنوا لعقولهم وقلوبهم ولبصائرهم وأبصارهم ولسمعهم وآذانهم عندما رأوا الآيات فصدّقوا وآمنوا وتابوا وتبرّأوا من عظيم كفرهم وشركهم وكل شرورهم وآثامهم القديمة.. فما كان منه إلا أن قال: (آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين * قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون * إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين). وكفروا بفرعون الطاغية الذي زعم أنه إله لهم من دون الله عز وجل عندما طغى وتكبر وتجبر ولم يتعظ وينزجر.. فاستحق نهاية مأساوية في الدنيا.. واستحق غضب الله ولعنته في الآخرة.. خالداً مخلداً في النار وبئس المصير. لقد طغى وتكبر فرعون مصر الجديد (الرئيس حسني مبارك) فلم يستوعب أنه قد جاء الحق وزهق الباطل وحانت لحظة تنازله عن حكم مصر طوال الثلاثين سنة العجاف التي جرّعت مصر الفقر والخضوع لتعهدات وتنازلات مع أعداء الأمة العربية والإسلامية فضلاً عن تلك القرابين التي قدمها لحماية أمن إسرائيل هو وأعوانه ممن تآمروا على إخواننا في غزة وفي فلسطين عموماً، حيث لم يفهم هذا الفرعون مطالب الشعب المصري الذي قام ضده ثائراً غاضباً يطالب بحريته وأمنه وأمانه.. بل وبلقمة عيشه التي سرقها هو وأعوانه من فم الشعب المطحون في حين أنه ينعم بأرصدة جاوزت الأربعين أو السبعين مليار دولار ناهيك عن رجالاته في الحزب الحاكم أو غيرهم من التجار ورجال الأعمال الذين نهبوا حق الشعب وسرقوا من المال العام حتى جاز لهم أن " يسبحوا " في بحر من الجنيهات وأن " يغطسوا " في بحور من الدولارات. عندما شاهد الرئيس المصري أن الشعب قد انقلب عليه وكفر به وبحكمه كما انقلب شعب مصر من قبل في وجه فرعون وكفر به رغم مقولته (ما عهدت لكم من إله غيري) ما كان منه إلا أن ازداد طغياناً وتجبراً وعتواً في الأرض، فأمر هامان " وزيره " بمقولته (وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب) لقد أمر الرئيس المصري نائبه " عمر سليمان " بأن يخمد نار الفتنة وأن يعينه في صد هذه الثورة الشعبية التي لم يأمر لهم بالقيام بها ولم يأذن لهم فيها، فكان من نائبه أن أعانه وأطاعه فطغى وتكبر هو الآخر، ويبدو أنه أشار إلى الرئيس بأن يقطّع أرجلهم وأيديهم من خلاف.. بل ويصلبنهم في جذوع النخل.. زيادة في التنكيل بمن تجرأ أن يرفع صوته في حضرة " الفرعون ". ولا نستغرب كثيراً تلك الأفعال القذرة التي قامت بها الحكومة المصرية لإخماد ثورة الشعب المصري الحر، خاصة عندما نجد المعونة والسند من الجانب الإسرائيلي الذي يقف قلقاً متوتراً متربصاً، فليس غريباً أن تهبط طائرات إسرائيلية في مطار القاهرة تحمل أسلحة وقنابل لإخماد هذه الثورة، وليس غريباً تلك المحاولات القذرة لبث الفرقة في صفوف المتظاهرين بزرع العملاء والخونة بين ظهرانيهم، فهذه هي " حركات اليهود " ومن شاكلهم وعاشرهم، خاصة أن نائب الرئيس عمر سليمان له تاريخ مجيد ومشرف في خدمة وحماية إسرائيل والدفاع عنها ضد كل من يمس " شعرة " فيها، يشاركه في ذلك العمل الدنيء بعض الخونة من السلطة الفلسطينية ومن شاكلهم من العرب الذين باعوا قضية فلسطين بثمن بخس، وفازوا بحفنة ملايين من الدولارات، باعوا آخرتهم من أجل دنيا زائلة، في حين أنهم يمثّلون أمام وسائل الإعلام بأنهم يتفاوضون من أجل القضية الفلسطينية ومن أجل تحقيق مكاسب للعرب وللمسلمين، بينما هم في واقع الأمر يحققون مكاسب مادية لهم ولمن يمثلونهم أمام الكيان الصهيوني، باعوا كرامتهم وعروبتهم ودينهم.. فلا عهد لهم بعد ذلك. ليس غريباً أن نشهد جرائم قتل ونهب وسرقة تسبب بها رجالات فرعون ووزيره هامان من أجل أن يشوّه سمعة الأحرار الشرفاء من الشعب المصري الثائر، فهذا هو ديدن الذين يكذبون على الله، فليس غريباً منهم أو جديداً عليهم أن يكذبوا على الناس وأن يستمروا في أكاذيبهم حتى إذا لم يجدوا تهمة أو عيباً في تاريخ خصومهم.. ارتكبوا الجرائم وألصقوها فيهم، كما قد شاهدنا وسمعنا من أعمال تخريبية وجرائم إنسانية يتسببون فيها بغية إلصاقها بالثورة والثوّار الأحرار.. وأعجب كثيراً من أولئك الذين يصدّقون أكاذيب النظام المصري حول المتظاهرين وتشويهه لسمعة هؤلاء الشباب الذين تنفسوا أخيراً هواء الحرية والكرامة.. ليس خفياً عنّا جميعاً أن الأوضاع في مصر الحبيبة تؤول إلى التصعيد والمزيد من الخسائر في الأرواح والأموال، ولكنها الثورة.. لابد أن تخط طريقها دون أن يوقفها أحد، فإما النصر أو الشهادة كما أطلقها مئات الآلاف من الشباب المصري، فلا كرامة لشعب يعيش تحت خط الفقر بينما يتربع الفرعون على عرش مصر ويحظى بأموال البلاد والعباد، ولا كرامة لشعب يعيش بجوار إخوانه في فلسطين ولكنه لا يعرف كي يساندهم ويقف في صفهم تجاه عدو الأمة العربية والإسلامية، ولا كرامة لشعب يرضخ لمن شوّه بنظامه وأجهزة إعلامه صورة الإسلام والمسلمين عبر عقود من الزمن يحارب التدين والدعوة إلى الله بينما يحمي الفساد الأخلاقي ويدعو إليه بل ويحمي أهله من السياح الأجانب والصهاينة الذين لوّثوا تراب مصر وارتكبوا الموبقات فوق أرضها. إننا ندعو الله أن ينصر إخواننا في مصر على حكم هذا الفرعون المستبد ومن يقف وراءه من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ومن أعوانه من العرب، الذين يشتركون في مصلحتهم ومنفعتهم من بقاء هذا الفرعون على عرش مصر لكي يوفّر المزيد من الأمن والأمان لإسرائيل، ولا نعجب من الموقف الأمريكي الذي يخاف من استلام الحكم في مصر لمن هم يأتون بعد حسني مبارك ويخرقون كل معاهدات السلام مع إسرائيل، فلا يصدق أحد ما تدّعيه أمريكا بوقوفها وراء مطالب الشعب المصري، إنما هو حق أريد به باطل، إنما تقصد أنها وراء كل مطالب تحقق أمن إسرائيل في المقام الأول.. وإلا فما سبب تحرك الأساطيل البحرية ووقوفها على أهبة الاستعداد أمام سواحل البحر الأحمر؟. ولكنهم يمكرون ويمكر الله.. والله خير الماكرين.. فاللهم انصرهم على فرعون وهامان وعلى إسرائيل وأمريكا.. آمين.
2237
| 10 فبراير 2011
يبدو أن لفظ "فرعون" لابد أن يلتصق التصاقاً أبدياً بكل مستكبر ومستبد في الأرض يسعى في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل، ويقتل الأبرياء ويتجبّر على الضعفاء وييتّم الأطفال ويرمّل النساء.. هذه صفات الفرعون في كل عصر من العصور، علاوة على أنه يزيد على ذلك كله.. معصيته للخالق عز وجل.. بل واستعلاؤه وتكبره على الله.. بعدم امتثاله للحق الذي أنزله الله وأظهره للناس أجمعين في شكل آيات ظاهرة أو رُسُل مرسلين، ففي حين يؤمن السحرة وكل من كان على ذنب من الذنوب.. يبقى "الفرعون" متكبراً ومتغطرساً وعاصياً لله تعالى وحده.. لا يتبعه في معصيته وتجبره على الخلق والخالق.. إلا جنوده.. الذين استحقوا نفس الجزاء الذي لحق به.. لا فرق بينهم وبينه. إن الثورة الشعبية التي قام بها الشعب المصري تجاه النظام الحاكم في مصر، جاءت لتعلن أن النظام الحاكم إنما هو نظام جائر ظالم مستبد متكبر متغطرس ديكتاتوري دموي.. وعدد ما شئت من الأوصاف والنعوت، كلها جاءت وخرجت بعد أن استفحل الأمر وبلغ السيل الزبى لدى الشعب المصري الذي عاش ولا يزال يعيش المهانة والجوع والفقر في ظل حكم الرئيس حسني مبارك الذي حرم شعبه الأمان فيما أذاق إسرائيل طعم النوم الهادئ الهانئ طوال فترة حكمه التي جاوزت الثلاثين سنة، والذي حرم شعبه الحرية والرفاهية في حين أنه سخّر كل الإمكانات متاحة ومذللة لخدمة حرية السائح الإسرائيلي على شواطئ شرم الشيخ المصرية وفي فنادقها أو في خدمة السفارة الإسرائيلية وضيوفها الكرام. وكيف لا يثور شعب مصر الحرّة الأبية في وجه من يريد أن يذيقه الذلّ والهوان أمام إسرائيل التي جرّعها – أي الشعب - الذلّ والرعب والهزيمة في حرب 1973 عندما رفع المصريون شعار " الله أكبر " قبل أي شعار آخر فنصرهم الله عندما عظّموه في نفوسهم، فقذف في قلوب أعدائهم الرعب وبثّ في نفوسهم العزّة والقوة.. حتى جاء نصر الله، هذا النصر الذي تحقق في يوم من الأيام.. يريد النظام الحاكم في مصر أن ينسفه وأن يهين كرامة المصريين ويذيقهم الذلّ والمهانة، عبر سلسلة من المعاهدات والتعهدات بالدفاع عن إسرائيل والذود عن حماها وحماية مصالحها ومواطنيها، حتى لو كان في ذلك تجويع للمصريين أو تجويع وتشريد وتشتيت للفلسطينيين كما حدث من تآمر واضح من ذلك النظام الحاكم في حرب غزة عندما تحالف هو والسلطة الفلسطينية ضد الأبرياء في غزة التي انتصرت رغم أنوفهم.. لأن النصر من عند الله.. يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء. ها نحن نشهد ثورة الشعب المصري الغاضب بعد سنين من الصمت والسكوت على حكم الطاغوت الذي أذاقهم لباس الجوع والخوف، ونرى انتفاضته في وجهه مقدماً في سبيل ذلك كتائب من الشهداء يسبقون إخوانهم إلى جنة الخلد إن شاء الله، ويفتحون بذلك صفحة بيضاء جديدة بعد أن لطخها النظام الحاكم بالسواد في تخاذله وتعاونه الذي لا مثيل له مع الكيان الصهيوني ومع الأوامر الأمريكية التي تتعامل معه بمبدأ " العصا والجزرة " وتهدده في كل حين بقطع المساعدات الأمريكية لمصر، والذي وجد له في المقابل.. حاكماً يرضخ.. ونظاماً يطيع ويركع.. ولا نعجب أبداً من خوف إسرائيل من تغيير نظام الحكم في مصر وقلقها من ثورة الشعب المصري على حاكمه ومطالبته بزوال الرئيس، لأنها " لم تر منه شراً قط " وتشهد له بالسمع والطاعة، في حين أننا نجد في المقابل الولايات الأمريكية تلوّح وتؤيد التغيير ولسان حالها يقول: نريد المزيد من التنازلات دون إحداث " أزمة ديمقراطية " لدى الشعوب، وهذا هو التناقض الأمريكي العجيب الذي يضطهد ويظلم وينصر الظالم في مكان ما.. في حين أنه يتشدق بالديمقراطية والحرية للشعوب وحقها في تقرير مصيرها وينادي بحرية التعبير ومحاربة الإرهاب وهو يمارس عكس ذلك كله في مكان آخر. الأمر الغريب في حكم الطغاة عموماً، أنك تجد أن لهم جنوداً يخدمونهم ويخضعون لهم طيلة حكمهم بل إنهم يمكّنون الطغاة من أن يُحكموا قبضتهم على الناس، ويساندونهم في ظلمهم بل وفي جرائمهم كقتلهم للضعفاء والأبرياء وأخذهم أموال الناس بالباطل، هؤلاء هم جنود فرعون الذين لم يقفوا مع الحق في وجه فرعون وآمنوا كما آمن سحرة فرعون عندما جاءتهم الآيات واضحة على يد موسى عليه السلام، فما كان من فرعون إلا أن طغى وكفر وتكبر.. وما كان من جنوده إلا أن اتبعوه وأذعنوا وخضعوا له. إن جنود فرعون في هذا الزمان هم كل الفئات المساندة للطاغوت حتى وإن لم يكونوا في المجال العسكري كالجيش والشرطة والذين يشكلون حماية " جسدية " له من الناحية الفيزيولوجية، فهم قد يشكلون حماية " فكرية وقانونية وشرعية " له من خلال دعمهم المتواصل له وتأييدهم الدائم له سواء كانوا في مجال فني أو ثقافي أو شرعي أو نحوها من مجالات التخصص، ولعل ما جعلني أتحدث عن جنود فرعون هنا هو أنني استمعت للجدل الذي أحدثه " الفنان " عادل إمام عندما استضافته قناة الجزيرة في اتصال هاتفي ونفى من خلاله أنه عارض تلك الثورة الشعبية و"مثّل" لنا ببراعة أنه يقف معها بل ويمدحها بوصفه أنه مع هذا " الشباب الجميل الذي خرج في المظاهرات " وأنه تعلل عند إحراج المذيعة له بسبب عدم خروجه معهم، قائلاً: " أخاف أن أضرب على رأسي بعصاية " في حين أن الشرفاء من الممثلين والممثلات كانوا خيراً منه بل واستمعنا كذلك إلى مجموعة من الفنانات شاركن في المظاهرات بكل قوة وجرأة ليس كما فعل هذا الكوميديان الذي كان ولا يزال " بوقاً " من أبواق النظام القمعي حين كان ولا يزال ينشر الفساد الأخلاقي في أفلامه بل ويستهزئ بالملتزمين والمتدينين المتمسكين بدينهم وأخلاقهم، في حين أنه " وقت الجد " يخاف ويفرّ ويصبح " شاهد ما شافش حاجة" وتنكشف جنديته لفرعون ومن وراءه من الطواغيت. إننا نعجب من هذا الوقت الذي يستمد فيه الطغاة قوّتهم من وقوفهم وراء إسرائيل وأمريكا، ويتهيأ لهم أنهم سيحمونهم من شعوبهم ومن المحاسبة والمساءلة حتى بعد انتهاء فترة حكمهم، نعجب كيف يتناسى هؤلاء أنه لا عاصم لهم من عقاب الله وغضبه، يوم يحل عليهم غضب الله ولعنته قريباً، فلن ينفعهم وقتها كفرهم ولن ينفعهم جنودهم ولا ما كانوا يعملون..
7446
| 03 فبراير 2011
الوثائق والملفات السرية والخطيرة التي حصلت عليها قناة الجزيرة ونشرتها عبر موقعها الإلكتروني وخصصت لها حلقات وأوقاتا متفرقة للحديث عنها في ما يعرف بحملة "كشف المستور".. هذه الوثائق أحدثت ثورة جديدة في الشارع العربي والإسلامي، خاصة أنها تأتي لاحقة لثورة الشعب التونسي الحر الذي انتصر بإرادته على حكم الطاغوت والديكتاتورية في بلاده الذي جثم على البلاد والعباد لسنوات متواصلة، هذه الثورة الجديدة من المعلومات والوثائق السرية جاءت لتحدث ثورة أخرى لابد ألا تهدأ مع مرور الأيام.. وألا تمرّ سريعاً دون أن تظهر الحقيقة المطلقة والاعترافات الواجبة التي ينبغي أن يتم بموجبها "بتر" و"قطع" دابر الخونة والخيانة في جسد الأمة العربية والإسلامية.. وأقصد خيانة الدين والوطن والعروبة والمبادئ والقيم وعدد ما شئت بعدها.. إن هذه المعلومات أدهشت الجميع وأولهم "زعماء السلطة الفلسطينية" أنفسهم الذين ظنوا - وبئس ما ظنوا - أن الله غير مطلع على خياناتهم ومؤامراتهم التي يجرونها خلف الأبواب الموصدة والحواجز المغلقة مع رؤساء وزعماء الكيان الصهيوني وأجهزته المختلفة، ولكن الله يأبى إلا أن تنكشف حقيقة هؤلاء أمام الملأ.. بالوثائق والرسائل والخطابات ونصوص المكالمات الهاتفية والصور وغيرها من وسائل الإثبات، الأمر الذي "أذهل" رموز السلطة الفلسطينية بدءاً من الرئيس محمود عباس وانتهاءً بمن هم تحته ممن أثبتت الوثائق أن تلك اللقاءات التي جرت - وما زالت تجري حتى يومنا مع العدو الصهيوني - إنما هي تصب في مصلحة إسرائيل ولا تهدف إلا إلى مزيد من إذلال الفلسطينيين يوماً بعد آخر، خاصة عندما تتضح "لهجة الذل" في جميع تلك المكالمات التي تُظهر أن السلطة ورموزها كانوا يمشون وفقاً لتعليمات وأوامر "أسيادهم" ممن يتفاوضون.. أقصد يتواطأون معهم في الجانب الإسرائيلي الذي أبدى إعجابه بتلك الخدمة المجانية التي أسداها أعداء الأمة العربية والإسلامية في التنازل عن أراضٍ مقدسة لإسرائيل، ناهيك عن غدرهم وخيانتهم وطعنهم لإخوتهم الفلسطينيين في ظهورهم، بعد أن كشفت تلك المعلومات عن أن هناك تنسيقاً جرى من أجل "تصفية" مجاهدين ومقاومين للكيان الصهيوني من حركة حماس أو الجهاد الإسلامي أو حتى من بعض أفراد السلطة الفلسطينية أنفسهم الذين خرجوا من رداء الذلّ والهوان وتبرأوا من أفعال وأعمال السلطة تجاه إخوانهم الفلسطينيين، بعد أن اطّلعوا عن قرب وكثب.. واكتشوا مدى حقارة ودناءة تلك المفاوضات وتلك الأفعال التي تضطهد شعبهم في المقام الأول.. فيما توفر الحماية والسلام للجانب الإسرائيلي، ناهيك كذلك عن ملف تنازلهم عن قضايا مهمة كقضية اللاجئين الفلسطينيين وغيرها الكثير من القضايا التي ترتبط بمصير الفلسطينيين أنفسهم.. أو غيرها التي ترتبط بمصير المقدسات الإسلامية للأمة العربية والإسلامية. إن في قوانين كل دول العالم.. أن من يقوم بإعطاء معلومات سرية من شأنها أن "تساهم" في نصرة "دولة معادية" أو تعزيز سيادتها وتقوية نفوذها.. إن ذلك يعد "خيانة عظمى" تستوجب أقصى العقوبات ألا وهي الإعدام، فما هو شأن من قام بإعطاء معلومات "كاملة" من أجل تصفية المجاهدين والمقاومين من أبناء جلدته الشرفاء.. أو قام بتقديم تنازلات في حقوق لا يملكها.. كالتنازل عن أراض مقدسة في القدس وجعلها مستباحة للصهاينة، وحرم أهلها الأصليين من البقاء فيها، أو سعى وساهم في تشريد قومه وأبناء وطنه من ديارهم من خلال تنازله عن قضية اللاجئين ولسان حاله يقول لهم.. "تيهوا في الأرض إلى الأبد".. لا أن يكون الصهاينة هم الذين يستحقون أن يتيهوا في الأرض بعد أن استحقوا غضب الله وسخطه. إذا كانت تلك الوثائق قد أدهشت العالم بأسره ممن انخدعوا بالسلطة الفلسطينية ورموزها الذين اتخذوا من "إسرائيل" إلهاً لهم من دون الله ومازالوا يدندنون بأنهم كانوا مناضلين أو من قدامى المحاربين في منظمة التحرير الفلسطينية.. إذا كانت تلك الوثائق مصدر اندهاش وتعجب.. فإنها ليست كذلك عند الذين يعلمون منذ زمن طويل حقيقة هؤلاء الذين طمعوا في السلطة لأجل المال والجاه، وكما يقال إن "قلب المؤمن دليله" فإن حقيقة هؤلاء قد تكشفت منذ زمن طويل لدى أغلب الناس.. بل من الشعب الفلسطيني نفسه الذي كشف زيف "نضالهم المزعوم" الذي جلب لهم القصور والفلل والأرصدة الضخمة والمناصب، بينما جلب لهم في الوقت نفسه الذل والهوان من الصهاينة الذين أذاقوهم الخزي والعار.. إن من المضحك جداً أن نرى رموز تلك السلطة يتساقطون واحداً تلو الآخر ويتلعثمون وتظهر حقيقة وجوههم القبيحة بعد أن سقطت أقنعة "النضال" الذي يتحدثون عنه، ولا نعجب من مبدأ "خذوهم بالصوت" عندما ينهقون ويصرخون ويرعدون ويزلزلون الميكروفونات بأصواتهم النشاز ويدلون بتصريحاتهم النارية تجاه الجزيرة ووصفهم لها بأنها "تخدم إسرائيل" بمثل هذا الهجوم على السلطة ورموزها.. فيا سبحان الله.. عندما يبكي القتلة في جنازة القتيل، بل إن الدماء تغلي في عروقهم الآن تجاه من قام بتسريب هذه الوثائق.. في حين أن الله سيظهر خياناتهم تلك على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، "وخل ينفعهم" الصهاينة كما نقول بالعامية.. عندما يجدون أنفسهم مع اليهود في خندق واحد في النار وبئس المصير.. قال تعالى (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين).. وكما يقول كبار السن عندنا في شأن من يكشف الله فضائحهم بأن ذلك "سواد وجه" فإنهم والله قد صدقوا في وصفهم.. فالله مظهر ماكانوا يخفي هؤلاء.. من أعمال سوداء بل و"تاريخ أسود" لطخوا فيه أيديهم بدماء إخوانهم الشهداء.. ولطخوا فيه وجوههم بالذل والخزي والعار.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وللحديث بقية.
706
| 29 يناير 2011
هل كان الشاعر التونسي الشاب أبو القاسم الشابي يعلم عندما قال قصيدته المشهورة "إرادة الحياة" والتي يقول في مطلعها : (إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي.. ولا بد للقيد أن ينكسر)، هل كان أبو القاسم يعلم بأن كلماته ستتردد في أنحاء تونس والعالم العربي بعد وفاته بعشرات السنين ؟ ربما لو علم بذلك وقتها لخففت عنه تلك الفرحة شيئاً من أوجاع قلبه وآلام مرضه الذي لازمه طيلة حياته والذي جعله يعاني طويلاً حتى فارق الحياة وهو في ريعان شبابه (ولد في 1909م الموافق 1327 هـ وتوفي في 1934م الموافق 1353 هـ) وكان يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً تقريباً. خمسة وعشرون عاماً هي مدة بقائه وعمره في هذه الحياة، إنها مدة قصيرة جداً عانى فيها كثيراً من مرضه ولكنه لم يستسلم لذلك المرض الذي تحكم في جسده فأبدع ونظم القصائد وساهم في الشعر العربي بإبداعاته حتى أصبح علماً لا ينساه التاريخ ولا الناس، وهاهو الشعب التونسي كذلك يحذو حذوه وينتصر على ذلك المرض الذي ينتشر في جزء من جسد الأمة العربية والذي كان ولا يزال يقاومه بكرات دمه البيضاء.. حتى إذا عجزت البيضاء عن مقاومة المرض فلابد إذن من أن تساندها الكرات الحمراء وتضخ المزيد من الدماء من أجل أن يتحرر الجسد !!. إنها تونس الخضراء.. وهو الوصف الذي يليق بها في أيام الصفاء والرخاء، ولا يليق بها الآن.. إلا أن نقول "تونس الحمراء".. احتراماً لدماء شهدائها الذين سكبوا دماءهم الطاهرة على أرضها، لقد صنعت تونس مجدها بدم أبنائها وشبابها الثائر الذي أبى أن يسكت طويلاً كغيره خانعاً وخائفاً في وجه من يحرمه من لقمة عيشه.. وفي وجه من يحرمه من عبادة ربه قبل ذلك وفوق ذلك كله. لا أدري هل هي المصادفة أم القدر الذي جعل لون علم تونس يصطبغ باللون الأحمر أكثر من اللون الأبيض فيه، هل في ذلك إشارة إلى أن تاريخ تونس سيرتبط كثيراً بلون الدم الذي سكبه شعبها ولا يزالون من أجل تحرير بلادهم من كل طاغوت يحكم بغير ما أنزل الله، ولا أدري كذلك هل هي المصادفة أم القدر الذي جعل تونس تقود عصر العلم في الماضي فتنشأ أول جامعة عربية وإسلامية عريقة هي جامعة الزيتونة وجامعها الشهير، كي تصدّر العلم لطلاب العالم العربي والإسلامي وتقود بذلك نهضة العلم، فهل هي مصادفة أخرى أنها اليوم تقود نهضة الحرية وتتصدّر الدول العربية في التغيير والإصلاح وتسبق الكثير من الدول التي نسمع لها جعجعة ولا نرى طحناً.. حقيقة لقد أذهلتنا وأفرحتنا ثورة الشعب التونسي الكريم على طغيان حاكمه واستبداده به من بعد أن سلبه إرادتين.. إرادة العيش والسعي وراء لقمة العيش الكريم.. وإرادة العبادة لله عز وجل، لقد حرم "زين العابدين" شعبه تلك الإرادة، فاستحق أن يحرمه شعبه متعة البقاء في كرسي الحكم، وأن يضرب في الوقت نفسه أعظم مثال لمن يثور من أجل دينه في وجه من يريد أن يكون ذنباً للاستعمار، ففرنسا المعادية للإسلام تقف وراءه طيلة حكمه وتسانده في أن يكون "عوناً" لها في القضاء على منابع التدين ومظاهر العبادة لله عز وجل، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. إن من يقف في وجه حرية الناس ويحول بين عبادة الناس لربهم والخضوع له سبحانه، إنما مصيره الهلاك لا محالة، لأن الله تعالى قادر على أن ينصر المظلوم متى وكيفما شاء سبحانه، فالله يمهل للظالم ولكن لا يهمله، ومن أحسن من قصة فرعون مثالاً يُضرب في مثل هذا الموقف.. ولكن بعض الطغاة والظلمة لا يقرأون التاريخ ولا ينظرون للواقع فيعرفون أن من يقف في وجه هذا الدين سيهلك وسيزول لا محالة. لا أعرف لماذا لا يقرأ بعض الظلمة التاريخ المقروء في الكتب أو المُشاهد في الواقع ليعلموا ويوقنوا بأن ظلم الناس مهما تعددت أشكاله وأنواعه فإنه لن يجلب لهم إلا السوء في الدنيا والآخرة، وأن النهايات التاريخية التي يأملونها لنهاية حكمهم لن تكون " وردية " كما يتوقعون، فهذا شاه إيران قضى عمره " خادماً " للولايات المتحدة الأمريكية ومنفذاً لسياساتها التي ترمي وقتها للقضاء على مظاهر الإسلام في إيران من رفع للأذان وإقامة للصلاة فقام بمحاربة ذلك طيلة حياته وفترة حكمه حتى إذا ثارت ثورة الناس عليه وكادوا يصلون إليه، حتى فرّ هارباً يبحث عن مأوى يستضيفه، فكانت " صفعة قوية " في وجهه بأن رفضت الولايات المتحدة بقاءه فيها، فلجأ إلى مصر حيث قضى بقية حياته بائساً يائساً.. ويتكرر السيناريو نفسه ويعيد التاريخ أحداثه.. فهاهي فرنسا الداعمة لحكم زين العابدين وسياسته التي تحارب التديّن وتضيّق على الناس عبادتهم لربهم.. ترفض وبكل قوة أن تستضيفه على أراضيها ولا حتى أقاربه وبقية أهله وكأنها تتبرأ منه بكل وضوح بعد أن " انتهى كرته " ونفذ ما كان مطلوباً منه في تكوين جبهة مناهضة للإسلام في هذا الجزء من العالم العربي والإسلامي. إذا كان من المخطط له أن تستورد تونس من فرنسا.. لغتها وعلمانيتها وكافة مساوئها، فإنه ومن غير المخطط له أن يستورد الشعب التونسي فكرة الثورة الفرنسية وأن يثور الفقراء والبؤساء على واقعهم المرير، فكما كتب الكاتب الفرنسي فيكتور هوجو رواية " البؤساء " تجسيداً ووصفاً لواقع الظلم الاجتماعي وقتها بفرنسا، يكتب شعب تونس الحرية الآن لنفسه.. ويختار الثورة على واقعه ويشق طريق الحرية بدماء الشهداء. إن من الغريب فعلاً أن يستنكر الزعيم الليبي معمر القذافي هذه الثورة الشعبية وهو الذي كتب كتابه الأخضر مدافعاً عن الثورة الشعبية ومروجاً لها، بل ويلوم الشعب التونسي على فعلته تلك، ويبكي على أطلال الرئيس السابق زين العابدين، بينما لم يحرّك ساكناً عندما فعل صاحبه ما فعل في تونس منذ عقود من الزمن، بل ويعدد أمجاد النظام السابق في حين أنه لم يعدد جريمة واحدة من جرائمه تجاه شعبه. إن صفحات التاريخ تتقلب بسرعة.. وقلم الأحداث مازال يكتب الشرف والعزة للأحرار الذين حررهم الإسلام من عبودية الطواغيت، ويكتب الذل والخزي والعار لمن اختاروا طريق العبودية لغير الله، فهل من متعظ وهل من مستوعب لهذا المشهد قبل أن ترفع الأقلام وتطوى الصحف؟!.
551
| 27 يناير 2011
يكاد لا يختلف عامة الناس ولا حتى خواصهم من أن الوسط الفني - وأعني به الوسط المعني بالفن التليفزيوي أو السينمائي من تمثيل أو غناء ونحوه من ألوان وأشكال ما يسمى بالفن – لا يختلف العقلاء من الناس من وصفه بأنه - في الغالب - وَسَط وبيئة رديئة للأخلاق والسلوكيات والتربية ونحوها من الأمور المؤثرة في شخصية الناس المشتغلين في هذا المجال أو ممن يتعاملون ويتعاونون معهم في هذا المجال، ناهيك عمن يشاهدون تلك الأعمال الفنية لاحقاً فيتأثرون.. سلباً أو إيجاباً. وقد ينبري أحد المدافعين عن تلك الفئة فيقول مدافعاً كما تقول الراقصة " أنا الشرف نفسه!! " زاعمة أنها تملك من الأخلاق والعلم والتديّن ما يفوق أكبر عالم متعلّم وأكثر عابد متديّن، ولست أستغرب ذلك فبعض هذه الفئة أعمتهم بصيرتهم قبل أبصارهم فرأوا أنهم مبدعون وأنهم من صفوة و "نجوم المجتمع" بينما هم في واقع الأمر وخلف كواليس الديكورات والأقنعة التي يرتدونها خلاف ذلك كله.. فهم في واد.. والحياء والأخلاق في وادٍ آخر.. ولكن كل من يثور بغوغائية وهمجية.. اعلم أنه لا مبدأ ولا منطق عنده في الإقناع.. وإنما يعتمد على مبدأ واحد فقط.. ألا وهو.. كما يقول المصريون.. " خذوهم بالصوت ".. لقد شاهدنا وسمعنا الكثير والكثير من القصص التي تتكلم عن سلوكيات الفنانين من الممثلين والمغنين خلف الكواليس أو وراء الكاميرات.. حيث يعيش هؤلاء الفنانون تناقضاً عجيباً يؤكد إليك وبشدة أنهم فعلاً يجيدون التمثيل علينا لأنهم يخفون شخصيات لا تمت إلى الأخلاق بصلة، ناهيك عن اختلاط الرجال بالنساء في ميوعة ووقاحة شديدتين حيث يرتكب هؤلاء المحرمات باسم الفن الذي اتخذوه إلهاً لهم من دون الله، حتى أصبحوا يقدسونه فلا يستطيعون أن يعيشوا خارج بيئته، حيث ينغمسون في لهوهم ولعبهم ومجونهم قبل وأثناء وبعد كل عمل فني يقدمونه، لدرجة أن العديد من كبار الفنانين أو المغنين عندما يُسألون: هل تتمنى لأبنائك أن يدخلوا الوسط الفني؟ فإنك تستغرب من أن أغلبهم يرفضون ذلك!! لأنهم يعلمون تماماً ما في هذا الوسط من هشاشة ورداءة في الأخلاق وانحراف عظيم في السلوك.. من بذاءات لسان أو فحش أقوال وأفعال أو تصرفات غير أخلاقية من وراء الكاميرات.. بل وأحياناً أمام الكاميرات بلا خجل ولا حياء.. إن ولوج ودخول الشاب أو الشابة في مقتبل عمره إلى هذا الوسط يجعله في خطر عظيم حيث يكون عُرضة للانحراف إذا ما شاهد "كبار" الفنانين ممن يصفونهم بالـ"قدوة" يتصرفون تصرفات غير أخلاقية مع بعضهم البعض ويتلفظون بألفاظ نابية فيما بينهم، بينما يصطنعون العكس تماماً في تصرفاتهم وأقوالهم أمام الكاميرات في لقاءاتهم وحواراتهم، لهذا فلا عجب إذا ما رفض بعضهم فكرة إدخال ابنه أو ابنته في هذا الوسط، لأنه لا يريد لهم السوء، بينما يرضاه لغيره من أبناء وبنات "الناس" في مجتمعه. ولا أخفيكم سراً أنني شاهدت بعض هؤلاء الممثلين أو الفنانين أثناء حضوري لبعض المسرحيات الشبابية فيما مضى حيث كانوا ضمن المدعوين فوجدتهم أنهم في الغالب لا يتمتعون بتلك الصورة المثالية التي يرسمها لهم البعض أو يروّج عنهم الإعلام بها، فيرسمهم على أنهم نجوم وقدوات.. بينما هم خلاف ذلك كله، فلا تجد بينهم المحافظ على أخلاقه وأدبه إلا الندرة منهم ممن لا يزالون يحافظون على بقايا أخلاق واحترام. وأستغرب كثيراً من أن الإعلام أصبح يروّج كثيراً لهؤلاء حتى أصبحوا يقتحمون كل البرامج ناهيك عن كونهم اقتحموا أغلب مساحة البث التلفزيوني، فتجد أن البرامج المنوعة كذلك تستضيفهم في أغلب وأهم حلقاتها.. في ليالي العيد مثلاً والسهرات والأمسيات الخاصة بكل مناسبة حتى أنهم اقتحموا البرامج الحوارية فأصبحوا يتحدثون عن تربية الأبناء مثلاً.. وبرامج الطبخ فأصبحوا يروّجون ويطبخون بعض الأكلات ويعدّون بعض الأطباق.. وكأن لسان الحال يقول.. كما يقول المثل الشعبي " ما في بهالبلد غير هالولد ".. خاصّة أن أغلبهم وكما ذكرت بأنهم لا يستحقون أن يكونوا نجوماً ولا يحزنون، ولعل ما يؤكد كلامي بأنني شاهدت برنامجاً من برامج "الكاميرا الخفية" حيث يستضيف فيه المذيع ممثلاً أو ممثلة من كبار الفنانين، ويستضيف معه كذلك أحد الفنانين أو الفنانات الشباب ممن يشتركون مع المذيع في "المقلب" حيث يقوم ذلك الشاب أو تلك الشابة بالكلام عن نفسه بشكل مبالغ فيه، فما هي إلا دقائق معدودة حتى يظهر ذلك النجم أو تلك النجمة "على حقيقته وحقيقتها" فيظهر ذلك الوجه الحقيقي لهؤلاء فتخرج تلك التصرفات والألفاظ التي ذكرناها، إنه فعلاً.. عالم من التمثيل والخداع على المجتمع وعلى الناس. إن "نجوم المجتمع" هم الذين يقومون بدور حضاري تجاه مجتمعهم والناس من خلال أفعالهم وأخلاقهم، ممن يكون لهم دور في تربية وإثراء أخلاق الناس لا الذين يشوّهونها ويضربون بالتربية عرض الحائط، ويفسدون الأجيال القادمة بأفكار وأخلاق الغرب المنسلخ من كل حياء وتربية، إذن فنحن بحاجة ماسّة إلى إعادة تعريف ذلك المصطلح، فنجوم المجتمع هم العلماء والمفكرون وأصحاب الرأي والمعلّمون والمخترعون والمبتكرون.. بل وكذلك الرياضيون والفنانون "الملتزمون" ممن يضيفون للمجتمع قيمة حضارية وأخلاقية لا الذين يشوّهون الأفكار ويخرّبون الأخلاق ويفسدون كل ما هو جميل.. هؤلاء هم النجوم حقاً.. أما ما سواهم فأعتقد بأنهم نيازك "ساقطة" على الأرض.. تبدو في السماء أشبه بنجوم لامعة بينما كلما اقتربت من الأرض واقتربنا نحن منها فإننا سنراها ونعرفها على حقيقتها وسنبتعد عنها خشية أن تصيبنا بنيرانها وأحجارها.
919
| 13 يناير 2011
أعلن أحد فنادق الدوحة ضمن احتفالاته برأس السنة الميلادية الجديدة 2011 بأنه ينوي إقامة "حفلة تنكرية" ولا أعلم إذا ما كانت الحفلة قد أقيمت فعلاً أم لا، ولكن ما أعرفه هو أن الفندق قد أعلن عن ذلك ربما ليفاجئ ويبهر زبائنه ومرتاديه أو ربما ليبحث عن التميّز ضمن من يبحثون عن التميّز في هذه الاحتفالات التي أصبحت تنهمر على المسلمين من كل حدب وصوب حتى أصبح البعض يحتفل بها في الخفاء.. حيث تدار الكؤوس وتتعالى ضحكات الرجال والنساء بكل وقاحة. الحديث عن إقامة حفلة تنكرية لا يبدو في شكله أمراً مستغرباً عندما تضيع القيم والأخلاق وإنما يبدو في مضمونه ضياعاً للهوية العربية والإسلامية لدى البعض ممن ارتموا في أحضان الحضارة الغربية الزائفة التي تزدان بالتقدم والرقي وتخفي وراءها الفساد الأخلاقي والانحلال الخلقي الذي يبتكر في إحداث تقليعات وأساليب جديدة في الترويج للمجون والفساد بشتى الطرق والوسائل. إن الحفلة التنكرية لا تبدو في مساوئها بأكثر من حفلة أراد بها أصحابها أن يجربوا " جحر ضب " آخر من تلك الجحور التي أصبحنا نلجها بكثرة ونحن ننظر إلى الغرب على أنه قدوة صالحة ومثال يحتذى في حين أننا في غنى عن تلك النماذج التي استمدت نهضتها من نهضة العرب والمسلمين عندما كانوا يطبقون الإسلام قولاً وعملاً فأخذوا بأسباب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، فاستلهموا – أي الغرب - منا طرائق النجاح وأخذوا بماديات وأسس التقدم حتى اعتلوا قمة التفوق في كل شيء ولكنهم نسوا أن روحهم خاوية من الإيمان وقلوبهم فارغة من اليقين بالله، فأصبحت إخفاقاتهم تفوق نجاحاتهم حتى أصابتهم المشكلات الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.. المعيب في أمر هذه الحفلة وما سواها من التقليعات والتشبهات بالغرب أن هناك حالة استسلام واضح للغرب بما يفعله في كل شؤون حياته، حتى أن كل "سخافات" الغرب أصبحت لدى بعض المنسلخين من جذورهم بمثابة "مرجعية" لا يزيدون عليها ولا ينقصون، بل إنهم قد يزيدون عليها بكرمهم العربي المتجذر في أعماقهم حتى أصبحنا نحتضن أكبر شجرة كريسماس في العالم بل وأغلى شجرة كريسماس كذلك، بل وأكبر صليب في العالم.. وهكذا دواليك.. أي أننا قلّدناهم في مفاهيمهم الخاطئة ومعتقداتهم الباطلة بل وأثبتنا لهم أننا نستطيع أن نتغلب عليهم في هذا التخلف وتلك الرجعية.. إن الواقع يصدمنا بنماذج وأمثلة صارخة في الفساد الأخلاقي والانحلال الخلقي فما يرتكبه بعض العرب والمسلمون في عصرنا الحالي من فضائح أخلاقية في السر والخفاء يفوق بكثير ما يفعله الغرب من عهر ومجون في العلن، ذلك لأن البعض يظن واهماً بأنه يستطيع أن يفعل ما هو أكثر من ذلك بكثير، فيستطيع بماله أن يجلب أجمل الفتيات والراقصات وأن يجلب كذلك الخمور والمخدرات دون أن يعرف عنه المجتمع أو الناس سوءاً، وهو بذلك قد نجح في عزل دائرته الخاصة أو السرية عن الأعين ولكنه لم ولن يستطع أن يتوارى عن نظر الخالق الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو وإن استطاع أن يحجب أعين الناس عن أسراره وإن استطاع أن يكمم أفواه المحيطين به بتلك الخفايا والرزايا فإنه لا يستطيع أن يخفيها إلى الأبد أو أن يمنع يده ورجله وسائر أعضائه من الشهادة وقول الحقيقة في الآخرة.. لقد أخطأ ذلك الفندق في إقامة تلك الحفلة التنكرية أو حتى الدعوة إليها، لأنه لو علم بأن هناك من الناس من يرتكبون أنواع المنكرات وألوان الفضائح في "عوالمهم الخاصة" لربما تحوّلت فكرته تلك إلى فكرة قديمة بل وتقليدية إذا ما قورنت بما يفعله بعض العرب والمسلمين – للأسف – من فضائح أخلاقية في السر والخفاء، ولو علم ذلك الفندق بأن تميّزه ذلك في استحداث وابتكار طرق اللهو والفساد لن تزيد من نجاحاته ومكاسبه المادية إلا المزيد من الخسائر المادية لاحقاً لما أقدم عليها.. عندما يحل غضب الله فلا ينفع الندم، حيث يتوهم هؤلاء كما توهّم الذين من قبلهم من خطوط الطيران وغيرها بأنه سيحتل تصنيفاً أعلى وسيحظى بمزيد من الزبائن وتحديداً من أولي البشرة البيضاء عندما سمحت تلك الخطوط بالمشروبات الكحولية على متنها، حتى أنهم فاقوا الخطوط الغربية في تقديمهم لشتى صنوف الخمور ما كانوا ليحلموا بها مدفوعة فكيف بهم يجدونها "مجانية"، حتى حلّت عليهم المشكلات من كل حدب وصوب فابتلوا بحالات سكر وشغب لبعض الركاب ممن اضطروهم لتأجيل أو تغيير مسار رحلاتهم الأمر الذين ألحق بهم خسائر بالملايين.. حتى أن بعض خطوط الطيران في أوروبا وأمريكا منعت الخمور تفادياً لتلك المشكلات، ولكننا لا نزال نضاهيهم في التقليد والتشبه ونعتبر ذلك من مظاهر التقدم والتحضر. إننا لا نحتاج إلى حفلة تنكرية.. لأننا وببساطة نعيش حياة تنكرية عن واقعنا المأساوي الذي تسيطر فيه إسرائيل والغرب على مقدساتنا ويغزون أسواقنا ويغسلون عقول شبابنا وفتياتنا بكل مظاهر الحضارة الزائفة ويشغلوننا عن البحث عن ذاتنا الحقيقية الكامنة في العودة للإسلام وأمجاده وما كانت عليه حال الأمة عندما نهضت من سباتها وانطلقت إلى الدنيا تقود الحضارات وتدعو الناس إلى ربهم والإيمان به.. فحازت النجاحات والفتوحات في الدين والدنيا.. فهل عسانا نعود إلى ما كنّا عليه.. وهل عسانا نزيل القناع.. في هذه الحفلة التنكرية!!
3195
| 06 يناير 2011
الوطن نعمة والعيش فوق أرضه أمان واطمئنان.. والبعد عنه نقمة وضياع وتشتت وابتلاء.. وكيف لا يكون ذلك وهي فطرة فطر الله بها الإنسان، الكل يتوق إلى حيث وُلد وترعرع وعاش، الكل يحب أن يعيش في وطنه فوق أرضه وتحت سمائه وأن يموت في وطنه كذلك وتحت ترابه.. ولهذا فإنك قد تستغرب من بعض الذين عُذبوا وطردوا من ديارهم على مر التاريخ وذلك نتيجة للحروب أو طلب العلم أو نتيجة معارضتهم لذوي النفوذ والسلطة في أوطانهم فذاقوا صنوف العذاب والتنكيل أو تم نفيهم من أوطانهم.. لعلك لو سألت أحدهم: ما هي أمنيتك؟ لأجابك: أن أرى وطني وأن أعيش فوق أرضه، أو أن أُدفن تحت ترابه.. حتى وإن ذاق في وطنه ذلك أقسى صنوف التعذيب والهوان كما يحدث في بعض الدول الاستبدادية الديكتاتورية، فإنه بلا شك سيتمنى أن يعود إلى وطنه طائعاً مختاراً.. ليمضي أيامه الأخيرة متذكراً طفولته ونشأته في وطنه.. بشكل يجعلك متأكداً من أن هذه فطرة إنسانية أوجدها الله في الإنسان.. بل وفي العديد من مخلوقاته.. حتى ترجع إلى أوطانها وتحن إليها وتتوق وتشتاق إلى أول عهدها بالأرض.. وتتمناه أن يكون آخر عهدها به كذلك.. تمهيداً لرحلة سماوية.. إما إلى نعيم خالد.. أو جحيم خالد. هذه فطرة الإنسان تجاه وطنه عموماً.. فكيف إذا كان وطنه ذلك لم يذق فيه طعم المهانة ولا الذل ولا التعذيب ولا الاستبداد ولا طعم الظلم بشكل عام.. فإنه سيُحبه بل وسيضحي من أجله وسيرغب في أن يموت من أجله في الدفاع عنه.. كيف لا يفعل ذلك.. وهو الملاذ إليه من بعد أي سفر، والراحة من بعد كل تعب، والشبع من بعد كل جوع، والارتواء من بعد كل ظمأ، والطمأنينة من بعد كل خوف، ولهذا فإنها نعمتان لا يدرك معناهما إلا من ذاقهما وأحس بفضل الله عليه فيهما.. ( أطعمهم من جوع.. وآمنهم من خوف ). إن قطر وبفضل الله تعالى تعيش أياماً بل وأعواماً من التألق والازدهار يغبطها بل ويحسدها عليها الكثير من الدول، وبالتالي فإن شعبها كذلك.. مغبوط من الأصدقاء والأحباب ومحسود من الأعداء والحاقدين، الذين كفروا بنعمة الله فرأوا أنهم لا يملكون شيئاً.. ويحسدون الناس على ما آتاهم من فضل وخير ونعمة.. وحري بنا أن نعيش الوطنية وأن نفهمها بصدق ونرد جزءاً من ديننا لهذا الوطن الجميل الذي عشنا فوق ترابه بكرامة.. وسنموت فوقه – إن شاء الله – بعزة وكرامة، وكيف لا نعلن ذلك، وهذا الوطن لا يزال يعلنها ليلاً ونهاراً بأنه يسعى جاهداً لأن يعيش أبناؤه في رفاهية وعيش كريمين، إذن فمن الأجدر بنا أن نطمئن وأن ينصب تفكيرنا في كيفية رد هذا الجميل أو جزء يسير منه، كل حسب جهده وطاقته، كلٌ حسب موقعه ومكانته، كلٌ حسب استطاعته وإمكانياته، كلٌ حسب جنسه وطبيعته، فلا يُعذر أحد في أن يُعفى من رد الدين لهذا الوطن الجميل.. وأضعف الإيمان في ذلك.. أن يكون مخلصاً له طيلة حياته. وأضعف الإيمان في ذلك كذلك أن يفرح كلما عَلِمَ بأن وطنه سيكون مزدهراً أكثر من ذي قبل، وأن يفرح لأي خير يأتي لبلاده وأن يحزن لأي سوء يحل قريباً أو بعيداً من وطنه.. خشية أن يلحق هذا السوء ولو شيئاً يسيراً من الأذى لبلاده التي يحبها حباً يخالط دمه.. ويتشعب في كيانه وروحه. هناك من يشكك وبسهولة مطلقة في وطنية هذا وفي إخلاص ذاك، وهو كلام لا يُفرح إلا الأعداء.. أعداء الوطن.. سواء كان هذا الوطن الصغير.. قطر الحبيبة.. أو الوطن الكبير.. العالم العربي والإسلامي، فقد انتشرت موضة التشكيك في وطنية كل من يتكلم حول موضوع معين، وقد نجدها واضحة بشكل كبير في تلك البرامج الحوارية التي تستضيفها قناة الجزيرة على سبيل المثال وغيرها من القنوات عندما تستضيف تلك البرامج متحدثين مختلفين في وجهات النظر حول موضوع معين وكلاهما من نفس الجنسية ونفس البلد، فما يلبث أن يصل الحوار إلى نقطة اختلاف جوهرية حتى ينعت أحدهما الآخر بأنه "غير وطني" أو أن يشكك الأول في ولاء الثاني.. ويتهم الثاني الأول بالخيانة.. ويتهم الثاني الأول بالعمالة.. وهكذا دواليك.. حتى نخرج بنتيجة أن ليس من طرف مستفيد من كل ذلك إلا أعداء الوطن.. من الداخل أو الخارج. ونحن والحمدلله نعيش في قطر تجربة فريدة حري بها أن تحتذى لأنها تعبر عن حضارة الرأي والرأي الآخر وحضارة الفكر والديمقراطية الحقّة، حيث تناقش الناس كثيراً حول استضافة قطر لكأس العالم والتي فازت بها قطر بجدارة واستحقاق، وتطرّق الكثيرون للجوانب الإيجابية أو السلبية لاستضافة قطر لكأس العالم في عام 2022 م، ولكن ولله الحمد.. لم يشكك أحد في وطنية الآخر بل ولم تتخذ الحكومة أي إجراء فيمن كانت لهم تحفظات معينة أو مخاوف حول تلك الاستضافة.. لأنهم قدروا أن تلك المخاوف كلها كانت تنصب حول مخاوف من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وهي مخاوف طبيعية لكل مواطن يغار على وطنه، ولكن تعامل الحكومة مع كل تلك المخاوف كان جميلاً بأن طمأنت الجميع بأن قطر ستظل محافظة على العيش الكريم بل والرغيد لأبنائها كما كانت تفعل في السابق، وذلك نموذج فريد في التعامل مع الناس وعدم التشكيك في وطنيتهم، بل إن الناس أنفسهم تعاملوا مع بعضهم البعض بوطنية جميلة.. جعلتهم يعتقدون في الآخر.. حسن الظن.. وأن الآخر يحب قطر أكثر منه.. وأن الأول يحب قطر أكثر منه.. حتى أصبحت أشبه بمنافسة شريفة فيمن يحب قطر أكثر؟ إنها الوطنية التي نريدها.. ونتمناها لشعوب العالم العربي والإسلامي.. فاللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً.. سخاءً رخاءً.. وسائر بلاد المسلمين.. اللهم آمين.
1167
| 09 ديسمبر 2010
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
5994
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
5595
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4470
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3336
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1596
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1323
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1185
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
891
| 02 أكتوبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
858
| 30 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية