رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يبدو أن لفظ "فرعون" لابد أن يلتصق التصاقاً أبدياً بكل مستكبر ومستبد في الأرض يسعى في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل، ويقتل الأبرياء ويتجبّر على الضعفاء وييتّم الأطفال ويرمّل النساء.. هذه صفات الفرعون في كل عصر من العصور، علاوة على أنه يزيد على ذلك كله.. معصيته للخالق عز وجل.. بل واستعلاؤه وتكبره على الله.. بعدم امتثاله للحق الذي أنزله الله وأظهره للناس أجمعين في شكل آيات ظاهرة أو رُسُل مرسلين، ففي حين يؤمن السحرة وكل من كان على ذنب من الذنوب.. يبقى "الفرعون" متكبراً ومتغطرساً وعاصياً لله تعالى وحده.. لا يتبعه في معصيته وتجبره على الخلق والخالق.. إلا جنوده.. الذين استحقوا نفس الجزاء الذي لحق به.. لا فرق بينهم وبينه.
إن الثورة الشعبية التي قام بها الشعب المصري تجاه النظام الحاكم في مصر، جاءت لتعلن أن النظام الحاكم إنما هو نظام جائر ظالم مستبد متكبر متغطرس ديكتاتوري دموي.. وعدد ما شئت من الأوصاف والنعوت، كلها جاءت وخرجت بعد أن استفحل الأمر وبلغ السيل الزبى لدى الشعب المصري الذي عاش ولا يزال يعيش المهانة والجوع والفقر في ظل حكم الرئيس حسني مبارك الذي حرم شعبه الأمان فيما أذاق إسرائيل طعم النوم الهادئ الهانئ طوال فترة حكمه التي جاوزت الثلاثين سنة، والذي حرم شعبه الحرية والرفاهية في حين أنه سخّر كل الإمكانات متاحة ومذللة لخدمة حرية السائح الإسرائيلي على شواطئ شرم الشيخ المصرية وفي فنادقها أو في خدمة السفارة الإسرائيلية وضيوفها الكرام.
وكيف لا يثور شعب مصر الحرّة الأبية في وجه من يريد أن يذيقه الذلّ والهوان أمام إسرائيل التي جرّعها – أي الشعب - الذلّ والرعب والهزيمة في حرب 1973 عندما رفع المصريون شعار " الله أكبر " قبل أي شعار آخر فنصرهم الله عندما عظّموه في نفوسهم، فقذف في قلوب أعدائهم الرعب وبثّ في نفوسهم العزّة والقوة.. حتى جاء نصر الله، هذا النصر الذي تحقق في يوم من الأيام.. يريد النظام الحاكم في مصر أن ينسفه وأن يهين كرامة المصريين ويذيقهم الذلّ والمهانة، عبر سلسلة من المعاهدات والتعهدات بالدفاع عن إسرائيل والذود عن حماها وحماية مصالحها ومواطنيها، حتى لو كان في ذلك تجويع للمصريين أو تجويع وتشريد وتشتيت للفلسطينيين كما حدث من تآمر واضح من ذلك النظام الحاكم في حرب غزة عندما تحالف هو والسلطة الفلسطينية ضد الأبرياء في غزة التي انتصرت رغم أنوفهم.. لأن النصر من عند الله.. يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء.
ها نحن نشهد ثورة الشعب المصري الغاضب بعد سنين من الصمت والسكوت على حكم الطاغوت الذي أذاقهم لباس الجوع والخوف، ونرى انتفاضته في وجهه مقدماً في سبيل ذلك كتائب من الشهداء يسبقون إخوانهم إلى جنة الخلد إن شاء الله، ويفتحون بذلك صفحة بيضاء جديدة بعد أن لطخها النظام الحاكم بالسواد في تخاذله وتعاونه الذي لا مثيل له مع الكيان الصهيوني ومع الأوامر الأمريكية التي تتعامل معه بمبدأ " العصا والجزرة " وتهدده في كل حين بقطع المساعدات الأمريكية لمصر، والذي وجد له في المقابل.. حاكماً يرضخ.. ونظاماً يطيع ويركع..
ولا نعجب أبداً من خوف إسرائيل من تغيير نظام الحكم في مصر وقلقها من ثورة الشعب المصري على حاكمه ومطالبته بزوال الرئيس، لأنها " لم تر منه شراً قط " وتشهد له بالسمع والطاعة، في حين أننا نجد في المقابل الولايات الأمريكية تلوّح وتؤيد التغيير ولسان حالها يقول: نريد المزيد من التنازلات دون إحداث " أزمة ديمقراطية " لدى الشعوب، وهذا هو التناقض الأمريكي العجيب الذي يضطهد ويظلم وينصر الظالم في مكان ما.. في حين أنه يتشدق بالديمقراطية والحرية للشعوب وحقها في تقرير مصيرها وينادي بحرية التعبير ومحاربة الإرهاب وهو يمارس عكس ذلك كله في مكان آخر.
الأمر الغريب في حكم الطغاة عموماً، أنك تجد أن لهم جنوداً يخدمونهم ويخضعون لهم طيلة حكمهم بل إنهم يمكّنون الطغاة من أن يُحكموا قبضتهم على الناس، ويساندونهم في ظلمهم بل وفي جرائمهم كقتلهم للضعفاء والأبرياء وأخذهم أموال الناس بالباطل، هؤلاء هم جنود فرعون الذين لم يقفوا مع الحق في وجه فرعون وآمنوا كما آمن سحرة فرعون عندما جاءتهم الآيات واضحة على يد موسى عليه السلام، فما كان من فرعون إلا أن طغى وكفر وتكبر.. وما كان من جنوده إلا أن اتبعوه وأذعنوا وخضعوا له.
إن جنود فرعون في هذا الزمان هم كل الفئات المساندة للطاغوت حتى وإن لم يكونوا في المجال العسكري كالجيش والشرطة والذين يشكلون حماية " جسدية " له من الناحية الفيزيولوجية، فهم قد يشكلون حماية " فكرية وقانونية وشرعية " له من خلال دعمهم المتواصل له وتأييدهم الدائم له سواء كانوا في مجال فني أو ثقافي أو شرعي أو نحوها من مجالات التخصص، ولعل ما جعلني أتحدث عن جنود فرعون هنا هو أنني استمعت للجدل الذي أحدثه " الفنان " عادل إمام عندما استضافته قناة الجزيرة في اتصال هاتفي ونفى من خلاله أنه عارض تلك الثورة الشعبية و"مثّل" لنا ببراعة أنه يقف معها بل ويمدحها بوصفه أنه مع هذا " الشباب الجميل الذي خرج في المظاهرات " وأنه تعلل عند إحراج المذيعة له بسبب عدم خروجه معهم، قائلاً: " أخاف أن أضرب على رأسي بعصاية " في حين أن الشرفاء من الممثلين والممثلات كانوا خيراً منه بل واستمعنا كذلك إلى مجموعة من الفنانات شاركن في المظاهرات بكل قوة وجرأة ليس كما فعل هذا الكوميديان الذي كان ولا يزال " بوقاً " من أبواق النظام القمعي حين كان ولا يزال ينشر الفساد الأخلاقي في أفلامه بل ويستهزئ بالملتزمين والمتدينين المتمسكين بدينهم وأخلاقهم، في حين أنه " وقت الجد " يخاف ويفرّ ويصبح " شاهد ما شافش حاجة" وتنكشف جنديته لفرعون ومن وراءه من الطواغيت.
إننا نعجب من هذا الوقت الذي يستمد فيه الطغاة قوّتهم من وقوفهم وراء إسرائيل وأمريكا، ويتهيأ لهم أنهم سيحمونهم من شعوبهم ومن المحاسبة والمساءلة حتى بعد انتهاء فترة حكمهم، نعجب كيف يتناسى هؤلاء أنه لا عاصم لهم من عقاب الله وغضبه، يوم يحل عليهم غضب الله ولعنته قريباً، فلن ينفعهم وقتها كفرهم ولن ينفعهم جنودهم ولا ما كانوا يعملون..
زيتونتي ماتت.. وبقيت أنا !
الهوينا كان يمشي، هنا فوق رمشي، اقتلوه بهدوءٍ، وأنا أهديه نعشي...... صدق القائل ومِنَ الحُبِ ما قَتل، هذا... اقرأ المزيد
192
| 31 أكتوبر 2025
بيد الوالدين تُرسم ملامح الغد
تُعتبر الأسرة الخلية الأولى في المجتمع وأحد أهم العوامل المؤثرة في بناء شخصية الطفل، حيث تُسهم في تكوين... اقرأ المزيد
201
| 31 أكتوبر 2025
الخطأ في تشخيص حالات التوحد (ASD)
ظهرت للأسف من قبل أخصائيين غير مدربين على كفاءة وضمير مهني التجارة بمسمى العلاج وعدم الإدراك والفهم والوعي... اقرأ المزيد
120
| 31 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6651
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2724
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2250
| 30 أكتوبر 2025