رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تطور نوعي في المشروع الحلم بدول الخليج

ثمة تطور نوعي شديد الأهمية داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، أخذ في التبلور جماعيا ويتمثل في مشروع الربط البري بين دول المجلس عبر السكك الحديدية والذي حصل على دفعة قوية من المؤتمر الأول لتوطين صناعات السكك الحديدية والمترو في دول المجلس التعاون، والذي نظمته وزارة النقل والاتصالات بسلطنة عمان بالتعاون مع الأمانة العامة للمجلس، وهو المشروع الحلم الذي دخل بالفعل مرحلة التنفيذ داخل أغلب الدول التي أنشأت هيئات ومؤسسات مسؤولة، ضمن أجهزتها الحكومية ومن بينها قطر والتي خصصت مبالغ ضخمة لتنفيذ الربط بين أنحائها، سواء بالسكك الحديدية أو مترو الأنفاق، وبعضها حقق تقدما كبيرا في انتظار القرار السياسي من قادة المنظومة، لتحقيق الربط عمليا وهو ما سيكون له واحد من أهم التأثيرات الإيجابية، التي ستدفع المنظومة الخليجية باتجاه مرحلة مغايرة تماما لما كان سائدا على مدى السنوات الأربع والثلاثين المنصرمة، هي عمر المجلس منذ انطلاقته في مدنية أبو ظبي في الخامس والعشرين من مايو في العام 1981، عنوانها التكامل الحقيقي والتفاعل المباشر بين مكونات دول المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبشرية، الأمر الذي من شأنه، أن يشكل الأرضية الصلبة التي بوسع الاتحاد الخليجي أن ينطلق منها ، عندما تنتهي اللجنة المشكلة من دراسته.والمتابع لتاريخ إنشاء السكك الحديدية وغيرها من وسائل المواصلات والنقل التي تتسم بالقدرة على استيعاب المسافات الجغرافية الشاسعة، فضلا عن السرعة في الحركة والانتقال لمن يمتطيها، سيرصد دورا بالغ الأهمية لها، على صعيد الترابط السياسي والجغرافي بين مكونات العديد من الإمبراطوريات الحديثة، والتي انتهى معظمها ولكن آثارها ما زالت باقية متجلية، فيما تركته السكك الحديدية من منجزات نجحت في التقريب بين المكونات البشرية والتنموية لهذه الإمبراطوريات، وكان ذلك واضحا في بناء الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس، وفق التعبير الدارج وهي الإمبراطورية البريطانية، والتي كان لها قصب السبق في إطلاق شبكة واسعة من السكك الحديدية، امتدت إلى معظم مستعمراتها مما جعلها تمتلك ميزات نسبية عن القوى الاستعمارية الأخرى، في ذلك الزمان البعيد، وهو ما جعلها تقتدي بها وتتجه إلى استخدام السكك الحديدية في الربط بين ولاياتها وأقاليمها ومستعمراتها خارج الحدود، سواء بالنسبة لفرنسا أو روسيا القيصرية أو الولايات المتحدة ثم الدولة العثمانية، والتي أطلقت - في زمن السلطان عبد الحميد الثاني - خط سكك حديد الحجاز في العام 1900، ليربط الحجاز بالشام بهدف معلن كان يتمثل في خدمة حجاج بيت الله الحرام الذين كانوا يعانون الكثير خلال رحلتهم لقضاء فريضة الحج، بينما كان الهدف الحقيقي يرمي إلى خدمة المشروع، حركة الجامعة الإسلامية، وهي حركة ظهرت في القرن التاسع عشر واستهدفت توحيد المسلمين في دولة كبرى. ويعتبر "جمال الدين الأفغاني" أبرز الداعين إليها ورعاها السلطان عبد الحميد الثاني، وذلك في إطار هدف أسمى تجلى في ربط أجزاء الدولة العثمانية المترامية الأطراف وتوحيد قواها وليحكم سيطرته على مقاليد ومرافق الدولة، وقد بدأ هذا الخط من دمشق ووصل عمان في عام 1902 وفي عام 1908 وصل أول قطار إلى المدينة المنورة، ويعتبر السلطان عبد الحميد الثاني أول من أدخل السكك الحديدية، في "القطر العربي" من الدولة العثمانية المترامية الأطراف، حيث أنشئ في عهده الخط الحديدي من يافا إلى القدس سنة 1888 أول الخطوط الحديدية في الشام، وكان يخدم الحجاج المسيحيين القادمين من أوروبا وبلغ طوله 87 كم، كذلك تم إنشاء خط حديدي بين دمشق وبيروت بطول 147 كم، كان يقطعها القطار في ست ساعات.في ضوء هذا المعطى التاريخي يمكن للمراقب أن يتنبأ بالأهمية السياسية القصوى لمشروعات السكك الحديدية والمترو التي باتت منتشرة في دول منظومة مجلس التعاون، سعيا باتجاه توطينها وتأسيس صناعة حقيقية لها وهو الأمر الذي تقدر استثماراته بنحو 250 مليار دولار خلال العشر سنوات المقبلة، والتي سيتم إنفاقها من أجل تنفيذ ما يقارب عشرة آلاف كيلو متر من السكك الحديدية والمترو بدول المجلس، وفقا لما أعلنه الدكتور عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، في مداخلته أمام مؤتمر مسقط، ويمكن رصد أهم تجليات هذه الأهمية فيما يلي: أولا: توفير قدرات هائلة لانتقال البشر والمنتجات والسلع، وبكميات أكبر مما تقوم به وسائل النقل الأخرى، رغم وتيرتها الأسرع من السكك الحديدية وذلك يعني المزيد من الترابط بين دول المجلس، على نحو يدفع دفعا لتقوية إستراتيجياتها التوحيدية على المستوى السياسي، مما يمكن أن يشكل في حد ذاته قفزة نوعية باتجاه الانتقال إلى مرحلة الاتحاد الخليجي التي تحلم بها شعوب المنطقة، لبناء كيان أقرب إلى صيغة الفيدرالية يكون مجال حركته السياسة الخارجية وشؤون الدفاع، محافظا في الوقت نفسه على خصوصية كل دولة عضو في مجلس التعاون وهياكلها السياسية وبنيتها الاقتصادية والاجتماعية، وإذا كانت سلطنة عمان قد أبدت بعض التحفظات على الانتقال إلى هذه المرحلة في وقت سابق، إلا أن ذلك لم يكن مؤشرا على عدم موافقتها على قيام الاتحاد، والتي ترى ضرورة توافر شروط موضوعية للانتقال إليه بعد الدراسة المتأنية، وفي تقديري فإن وجود عامل الربط بين دول المجلس عبر السكك الحديدية، من شأنه أن يوفر أهم هذه الشروط ، فعندئذ تكون تضاريس الاتحاد قد أصبحت أكثر وضوحا، والتواصل بين وحداته أكثر فعالية من قبل. ثانيا: بوسع الربط القائم بين دول منظومة مجلس التعاون بالسكك الحديدية أن يشكل مقوما شديد الأهمية فيما يتعلق بتطبيق إستراتيجية الدفاع والأمن، صحيح أن الوسائط البرية والجوية والبحرية منوط بها أدوار مهمة في هذا الشأن، بيد أن وجود هذه الشبكة من شأنه، أن يجعل هذه الإستراتيجية أكثر قابلية للتطبيق السريع بالذات فيما يتعلق بنقل المعدات والعتاد العسكري الثقيل وآلاف الجنود عند الحاجة إليها في أي بقعة في المنطقة، مثلما حدث مرارا في تاريخ الكيانات والدول الكبرى ذات المساحات الشاسعة. ولاشك أن المساحة الجغرافية التي تتمتع بها دول مجلس التعاون تجعل هذه الشبكة من الأهمية بمكان لأي إستراتيجية دفاعية، سواء في الوقت الراهن أو في المستقبل، كما أنه بإمكان هذه الشبكة أن تعزز قدرات الأجهزة الأمنية المعنية في محاربة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، بل وتوفير قدرات استباقية في إجهاض عملياتها من خلال توفير إمكانية الحركة عبر أفق جغرافي ممتد ويتيح المناورة بشكل أكثر اتساعا من الوسائط الأخرى، خاصة في حال استخدام تقنية القطار السريع مثلما هو الحال في أوروبا واليابان والصين والولايات المتحدة.ثالثا: من المأمول أن تعمق ما يمكن وصفه بالتواصل الشعبي المكثف بين دول منظومة مجلس التعاون والتي لا يمكن أن توفرها وسائل النقل الجوي أو البري أو حتى البحري إن وجدت، فشبكة السكك الحديدية قادرة على استيعاب نقل آلاف البشر من بقعة خليجية أخرى، فضلا عن تجاوز صعوبات الانتقال التي لا يكون بمقدور الوسائط الأخرى أن تتجاوزها وأهمية هذا التواصل تكمن في أنه يعطى مصداقية للمقولة التي تؤكد عليها الأدبيات السياسية لمنظومة مجلس التعاون وتتمثل في قدرته على ملامسة متطلبات واحتياجات المواطن الخليجي والأهم من ذلك فإنها ستجسد بعمق عبارة مدهشة للأمين العام السابق عبد الرحمن بن حمد العطية وهي أن "مجلس التعاون ولد ليبقى".

366

| 02 فبراير 2015

أربع سنوات من ثورة عظيمة

بالأمس مرت بالتمام والكمال أربع سنوات على ثورة الخامس والعشرين من يناير في المحروسة والتي شكلت حدثا فارقا في تاريخها على نحو يؤكد أن ما شهدته من استبداد وتسلط ونشوء معادلة امتلاك السلطة والثروة لدى النخبة الحاكمة وغياب العدالة الاجتماعية والمحددات الديمقراطية لن يعود مرة أخرى أو بالأحرى لن يسمح به الشعب المصري وفي هذه العجالة أود أن ألفت إلى جملة من الملاحظات الرئيسية. أولا: إن محاولة وصف ثورة يناير بالمؤامرة من قبل دوائر ترتبط بنظام مبارك لم تجد نفعا رغم الهالة الإعلامية التي صاحبت محاكمته ثم الحكم ببراءته. فقد انبرى لفيف من المفكرين والسياسيين والإعلاميين لتفنيد ودحض هذا الطرح وإثبات فساده والمسألة لم تتطلب جهدا استثنائيا، فما كان ما يجري على الأرض في زمن مبارك بلغ الذروة في الفساد والتحكم في العباد والبلاد، فضلا عن السعي الحميم وبقوة لتوريث الحكم لنجله رغم كل النفي الرسمي الذي جاء غير مرة على لسان الرئيس الأسبق وبل على لسان جمال نفسه. فقد كانت الممارسات تؤكد ذلك بقوة فجمال كان يطلق عليه لقب الرئيس داخل مؤسسة الحكم وكان يعامل من حيث البرتوكول والتأمين الأمني معاملة رؤساء الدول. وقد لفت انتباهي وكنت في طريقي إلى مطار القاهرة الدولي لتوديع زوجتي والتي كانت تستعد للسفر للسعودية لأداء فريضة العمرة أن ثمة رجال أمن منتشرين على جانبي الطريق- في تشريفة لا تجري إلا لرؤساء الدول - من منطقة مصر الجديدة، حيث قصر الحكم إلى المطار وكنت أعلم بحكم عملي أن مبارك ليس على موعد للقيام بزيارة خارجية أو أن أحدا من رؤساء الدول الأخرى سيحط ضيفا على القاهرة وعندما تحريت الأمر علمت أن جمال مبارك في طريقه إلى واشنطن في إحدى رحلاته لتسويق نفسه كرئيس قادم وهو الأمر الذي أبدت واشنطن وتلك واحدة من المفارقات الأمريكية قبولا به مقابل استمرار مصر في عهده كواحدة من أهم حلفاء مصر في المنطقة ولكن على أسس تابعة وليس بناء على قواعد الندية المعروفة في التحالفات الإستراتيجية وهذه المعلومة بالذات جعلتني على يقين بأن مبارك الابن قادم بقوة لصدارة المشهد المصري وكان ذلك بعد عودتي من الدوحة التي أمضيت فيها فترة عمل اقتربت من العشرين عاما وكل ذلك يؤشر إلى أن الشعب المصري هو الذي تحرك بعد أن ضاقت به السبل وعجزت كل محاولات الإصلاح من الداخل خاصة بعد التزوير الفاضح في انتخابات مجلس الشعب التي جرت في العام 2010 لينهي حكما، لم يشأ على الأقل في سنواته العشرين الأخيرة أن ينحاز إلى الجماهير التي كابدت وصبرت على سياساته والتي أفضت في النهاية على الرغم مما يبدو على السطح من إنجازات إلى أن أكثر من أربعين في المائة من الشعب تحت خطر الفقر مع انهيار واضح في الطبقة الوسطى التي تآكلت في العشر سنوات الأخيرة لصالح نمطين، أولهما التوسع السافر في نمو طبقة رجال الأعمال والأثرياء الجدد الذين باتوا يمتلكون النصيب الأكبر من الأصول المالية للبلاد والثاني التمدد في الطبقات الفقيرة ونشوء العشوائيات وانتشار فادح لأطفال الشوارع وتصاعد في معدلات البطالة في ظل غياب سياسات وقواعد العدالة الاجتماعية على نحو أظهر مصر وكأنها واحدة من عتادة الدول التي تطبق ما بات يعرف في الأدبيات السياسية والاقتصادية بالليبرالية المتوحشة.ثانيا: إن ثورة يناير جاءت ضمن شرارة ثورية انطلقت من تونس التي قدم شبابها وشعبها نموذجا في الفعل الثوري المصر على إسقاط نظام عفا عليه الزمن وكرس لبقائه من دون أن يمتلك مقوماته، فقط من أجل أن تحصد الأسرة التي ينتمي إليها رأس النظام على أكبر قدر من السلطة والثروة دون أن يقدم في المقابل أي شيء لشعبه إلا اللمم البقايا، بينما جوهر المطالب الشعبية كامن في دوائر التجاهل وقل النسيان المتعمد لم يكن بن علي أو مبارك يمتلكان القدر من الحصافة الذي يؤهلهما للتفاعل مع شعبيهما ولو كانت لديهما قراءة صحيحة للواقع لكان بإمكانهما أن يتحركا للاستجابة لهذه المطالب على الرغم مما كان يبدو وأنا هنا أتحدث عن الحالة المصرية من أن ثمة هامشا للحرية عبر بعض الصحف المستقلة والخاصة، فضلا عن القنوات الفضائية الخاصة ولكني أدركت بعد فترة من التفاعل مع المشهد المصري بشقيه السياسي والإعلامي، أن كل ذلك كان آلية كان يشرف على تنفيذها أحد رموز النظام الكبار وتهدف إلى التنفيس عما في الصدور وهو ما أطلقت عليه ذات يوم إتاحة حرية الصراخ وأحيانا الغضب في هذه الصحيفة أو تلك المحطة التلفزيونية. بيد أن الأمر لا يقترب من الفعل بما في ذلك الانتقادات التي كانت توجه إلى مبارك خاصة على صعيد التوريث وهو ما كان يصب عبر سياسة توزيع الأدوار بين رموز النظام الصحفية والإعلامية في خانة تكريس التوريث كواقع لتسويقه بين شرائح الشعب كأمر طبيعي. غير أن استمرار عوامل الخلل في بنية نظام مبارك بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية دفعت الشعب وعبر طليعته الشبابية إلى التحرك لوأد هذا النظام وتمهيد الطريق لنظام جديد يقوم على الحرية والديمقراطية والعيش والكرامة الإنسانية دون تدخل خارجي أو مؤامرة من قوى أخرى غير مصرية، فمن بوسعه خارج المحروسة أن يقوم بتحريك أكثر من عشرين مليون مصري من مختلف الشرائح والفئات، مسلمين ومسيحيين، ومن أفكار ومشارب سياسية وأيديولوجية شتى في تلاحم قلما يحدث في المحروسة إلا عندما تدلهم الأمور وتواجه الأمة وضعا شديد الصعوبة؟ إنه سؤال موجه لكل من وصفوا ثورة يناير بأنها مؤامرة كبرى وهو ما ينطوي على إهانة كبرى للشعب المصري.ثالثا: إنني مدرك أن ثمة إحباطا لدى دوائر واسعة من شعب المحروسة، لأن أهداف الثورة لم تحقق بالكامل فما زالت المعضلات الاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية قائمة وهناك تململ واضح من استمرارها. بيد أن ذلك طبيعي في الثورات الكبرى التي تظل تتفاعل مع قوى مناوئة لها وتتعاطى مع إمكانات محدودة ولكن المؤكد أن هذا الشعب لن يرضى بديلا عن هذه الأهداف ولديه إصرار كامل على تحويلها إلى وقائع على الأرض وأظن أن البدايات مبشرة وستخطو المحروسة في المدى القريب خطوات أكثر فعالية وقدرة على التجاوب مع أشواق شعبها الكبرى لتستعيد عافيتها الداخلية ومن ثم عافيتها الإقليمية والقومية حتى يمكن للأمة أن تتفرغ للتعامل الحاسم والحازم مع المهددات الخطيرة التي نلمس تداعياتها بأيدينا ونراها بأعيننا.

304

| 26 يناير 2015

مجلس الأمن مرة أخرى

لم تنتظر الإدارة الأمريكية طويلا، لتعلن مجددا معارضتها لعودة العرب، وفي القلب منهم الفلسطينيون، إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد ينص على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة، وفق جدول زمني وذلك في ضوء قرار مجلس الجامعة العربية، في اجتماعه الطارئ الذي عقد يوم الخميس الماضي على مستوى وزراء الخارجية، بعد أن أخفق المجلس في تمرير مشروع القرار خلال الشهر الماضي، بسبب مناورات أو بالأحرى مؤامرات واشنطن والكيان الصهيوني، وشخصيا لا أملك قدرا كبيرا من التفاؤل بنجاح المحاولة الجديدة للتوجه إلى مجلس الأمن، رغم انضمام خمس دول ضمن أعضائه غير الدائمين يصنفون ضمن دائرة المؤيدين للقضية الفلسطينية، لأن المعضلة لم تعد في الحصول على تسعة أصوات لتمرير مشروع القرار العربي، وإنما تكمن بالأساس في الانقضاض الأمريكي عليه، عبر استخدام حق النقض "الفيتو" وهو السلاح الذي استخدمته حوالي 44 مرة خلال سنوات الصراع العربي الصهيوني، ومع ذلك، لا أدعو إلى التوقف عن المحاولة ولكن لتكن الأخيرة، إذا ما انقضت واشنطن على مشروع القرار الجديد بالفيتو، فعندئذ سيبدو العرب والفلسطينيون في وضعية الحريص على الشرعية الدولية ولكنها لم تتمكن من الاستجابة لمطالبهم وهي بالأساس لم تخرج عن أطر ومحددات هذه الشرعية التي لا يمكن أن تبقي شعبا تحت الاحتلال كل هذه السنوات وهي ما يجردها من مصداقيتها التي تآكلت بالفعل على مدى يقترب من السبعة عقود منذ الإعلان عن الكيان الصهيوني في المنطقة العربية ولكن هل ثمة بدائل؟.الرئيس محمود عباس – أبو مازن، كان واقعيا في مداخلته المهمة أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، فقد طرح خيارين، أولهما بلورة حل دولي، ولكنه استدرك قائلا: بالأحرى حل أمريكي، مبديا مراهنته على قدرات واشنطن إذا ما استيقظ ضميرها بإمكانية ممارسة الضغوط على حكومة الكيان، معيدا إلى الذاكرة موقف الرئيس ايزنهاور إبان العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، فعندما اقتنع بعدم موضوعية أهداف العدوان لسبب أو لآخر طلب من رئيس وزراء الكيان آنذاك بن جوريون بسحب قواته من سيناء، وفي اليوم التالي سأله ماذا كان قد استجاب للطلب، فنفى ذلك، فبادر بقوله له: سأنتظرك خلال ساعة تبلغني في نهايتها ببدء انسحاب القوات، وهو ما تم بالفعل، وإن كنت أعزي موقف إيزنهاور إلى أنه لم يشأ أن يدخل بلاده في حرب كونية جديدة، بعد تهديد الاتحاد السوفيتي الشهير للكيان باستخدام الصورايخ الطويلة المدى.صحيح أن ثمة تحولات مهمة جرت في المشهد الدولي، فلم يعد هناك الاتحاد السوفيتي القوة المناوئة للولايات المتحدة، التي باتت القطب الأوحد في النظام العالمي القائم، رغم كل محاولات الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين لإبقاء موسكو، رقما مهما في المعادلة الدولية الراهنة، وبالتالي فإن المراهنة الفلسطينية - وللأسف العربية - على الدور الأمريكي، والتي أطلق شرارتها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، عندما روج لمقولة إن 99 في المائة من أوراق القضية في يد واشنطن، "لا تبدو مجدية أو مفيدة على المدى المنظور، إلا إذا وقع تغيير جوهري في أسس وجوهر التعاطي الأمريكي مع القضية الفلسطينية، الأمر يتطلب جهدا عربيا وإسلاميا استثنائيا لدفع النخب السياسية في الولايات المتحدة للاقتناع بالحقوق العربية والفلسطينية والتي لا تحظى باهتمام هذه النخب التي تربت سياسيا وإعلاميا على وفرة من الدعايات والأكاذيب الصهيونية، التي تستخدم كل الوسائل للوصول إلى المتلقي، بما في ذلك أسلحة المال والإعلام، وتشكيل قوى الضغط القادرة على اختراق مؤسسات صناعة القرار، وفقا لما يتيحه القانون الأمريكي، بينما العرب والفلسطينيون -رغم كثرتهم العددية في الولايات المتحدة وقدراتهم المالية بدولهم - لم يسعوا إلى ممارسة أي ضغوط أو القيام بتحركات جدية، باتجاه تغيير قناعات هذه النخب والتي تمتد من الكونجرس بمجلسيه، أو داخل البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو البنتاجون أو مراكز البحوث التي تمتلك تأثيرات واضحة في صياغة القرارات المهمة للإدارة ومؤسساتها، إضافة إلى رجال المال والإعلام والفن.إن مجلس الأمن لا يمثل نهاية المطاف بالنسبة للقضية الفلسطينية، التي لم يحسن التعامل معها، من فرط هيمنة واشنطن على مساراته إلى الدرجة التي يرى البعض أنه بات منذ سنوات خاصة منذ السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الفائت، أشبه بالذراع الدولية لسياستها الخارجية، فمن خلاله تحقق أهدافها وهو ما تجلى في استصدار قرار منه يبيح شرعية الغزو الأمريكي للعراق في 2003 على سبيل المثال لا الحصر، فضلا عن ذلك، فإن ثمة بعدا أخطر في المسألة عبر عنه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية في كلمته أمام الاجتماع الوزاري الطارئ، عندما لفت إلى أن المشكلة لا تكمن في أن يصدر مجلس الأمن قرارا جديدا لصالح الفلسطينيين فحسب، ولكن في القدرة على فرض تنفيذه، فكم من القرارات التي أصدرها -وبعضها لو طبق في حينه لتغيرت مسارات القضية الفلسطينية لم تدخل أبداً خانة التنفيذ، فالكيان الصهيوني، مدعوما بقوة من الولايات المتحدة ، كان – وما زال - يقف بالمرصاد دون ترجمتها على الأرض، وأظن أن قرارات الشرعية الدولية بالنسبة للقضية الفلسطينية لم تختبر على صعيد الواقع، وهي إشكالية أخرى في النظام الدولي، والذي يقدر على تطبيق قراراته بالنسبة لمختلف القضايا والأزمات، لكنه يعجز تماما عن قراراته التي تتعارض مع رغبة الكيان وأهداف مشروعه الاستعماري والاستيطاني، وهو ما ينبغي أن يركز التحرك العربي المرتقب في المرحلة الحالية والذي بدأ أمس من قبل أمين عام الجامعة العربية بزيارة بروكسل للالتقاء بقيادات الاتحاد والبرلمان الأوروبي، لإقناعهم بحشد جهودهم وراء مشروع القرار العربي الجديد لمجلس الأمن، مستغلا في ذلك حالة الحراك الإيجابي التي تجلت مؤخرا في اعتراف بعض الحكومات والبرلمانات الأوروبية بدولة فلسطين، بيد أن الأمر ما زال يستوجب مواجهة دبلوماسية مع الإدارة الأمريكية، من خلال التوظيف الصحيح لربط مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بمدى نجاحها في تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وهو أمر أقرته منذ الرئيس السابق جورج بوش من خلال الإعلان عن حل الدولتين، وفي تقديري أن ثمة أوراق ضغط يمتلكها الطرف العربي، يمكن التلويح بها لو أحسنوا استخدامها ووحدوا مواقفهم تجاهها، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو إستراتيجيا، وهي معروفة لصناع القرار والنخب السياسية، غير أنها في حاجة إلى إيقاظ وتفعيل والتوافق بشأنها.السطر الأخير: أنت يا الله، من يفك ضفائر وجعنا ويعيد العافية لصيرورتنا

392

| 19 يناير 2015

مقاربات سياسية لسوريا.. هل نضجت الأمور؟

بلغت الأزمة السورية مداها من القتل وسفك الدماء وتدمير البنية التحتية والتاريخية والتراثية للوطن، والذي يوشك على الدخول في منطقة إهدار الإمكانية والتلاشي، إن لم تنتبه نخبه السياسية، سواء المصرة على البقاء في دائرة السلطة والحكم والتحكم، أو التي تقيم بخانة المعارضة في انتظار اللحظة التاريخية لإزاحة "النظام" والذي بدوره يبدي تمسكا بقبضته، ومع ذلك، فإن كلا الطرفين باتا في وضعية يمكن وصفها بالضجر والملل والسأم - والتعبير للدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية – جراء عجز أحدهما عن حسم الصراع لصالحه وفي الوقت نفسه تفاقم الكلفة الناتجة عنه، لاسيَّما على صعيد البشر بعد أن تجاوزت أعداد القتلى المائتي ألف شخص مع عشرات الألوف من المصابين والمفقودين والمعوقين، فضلا عن تزايد مخيف في أعداد اللاجئين بالخارج والنازحين بالداخل والتي تتراوح بين 12 و13 مليون سوري يكابدون عذابات المنافي والترحيل والبؤس في المطارات والموانئ ومنافذ الدخول والتي يعاملون فيها بصورة تتنافى مع القواعد الإنسانية، فضلا عن رداءة العيش في خيام بالمناطق الحدودية بدول الجوار، لا تمتلك القدرة على الصمود في مواجهة موجات الصقيع والعواصف الثلجية التي حاصرتها وعذبت قاطنيها وبعضهم -خاصة من الأطفال وكبار السن - لقي حتفه من فرط برودة استثنائية تفرض سطوتها دون قلب. ويمكن القول، نسبيا، إن هذا الشعور بالضجر والسأم والملل هو الذي دفع الطرفين: النظام والمعارضة، إلى الاقتناع بأن الخيار المتاح أمامهما هو الحل السياسي ولا خيار غيره، وهو ما حرصت كل الأطراف الإقليمية والدولية الضالعة في الأزمة والمتحالفة معهما، على تأكيده في الآونة الأخيرة على نحو تجلى بوضوح في كل الطروحات التي خرجت من عواصم هذه الأطراف بما في ذلك الجامعة العربية، الأمر الذي انعكس في إبداء الطرفين قدرا من الرضا والقبول للتعامل مع المبادرة الروسية التي تدعو إلى الحوار بينهما، وإن بدت بعض التباينات الشكلية، لاسيَّما أن موسكو وجهت دعوات إلى قيادات من المعارضة بصورة شخصية، وهو ما دفع إلى استياء قيادة الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، وهو ما ينبغي عليها أن تصححه، بحيث تتعامل معه، باعتباره رقما مهما في معادلة المعارضة والذي يحظى باعتراف إقليمي ودولي واسع، وذلك حتى تتسم مبادرتها بالموضوعية والحيادية، حتى وإن كانت هي الحليف الأكثر دعما لدمشق إلى جانب إيران، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، مما وفر للنظام الاستمرار حتى الآن، رغم خسارته مساحات شاسعة من البلاد، وخضوعها في الفترة الأخيرة لقبضة تنظيم داعش وجبهة النصرة، والتي تشير تقارير إلى سيطرتهما على مساحة تصل إلى حوالي 35 في المائة من مساحة سوريا، بينما تسيطر المعارضة التي توصف بالمعتدلة وفي مقدمتها الجيش الحر، على نسبة تقترب من 25 في المائة من البلاد.وفي هذا السياق، فقد أبدت الحكومة السورية موافقتها على الانخراط في حوار موسكو المرتقب، في حين بدأت أطراف المعارضة - باستثناء داعش وأخواتها – استعداداتها لهذا الحوار، عبر عقد جلسات وورش عمل لبلورة وثيقة موحدة، تعبر عن معارضة الخارج التي يمثلها الائتلاف الوطني ومعارضة الداخل التي تجسدها هيئة التنسيق الوطنية، وبعضها عقد في القاهرة ثم في دبي وإسطنبول مؤخرا، وتشير المعلومات المتاحة إلى التوافق على أغلب بنود هذه الوثيقة الموحدة، والتي تعتمد على بنود الأطروحة التي قدمها الائتلاف لمؤتمر جنيف 2 وتتكون من 24 بندا وخارطة طريق أعدتها هيئة التنسيق.وتمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أهم ما تم التوافق عليه: أولا: تشكيل هيئة حكم من ممثلين للنظام وممثلين للمعارضة، خلال الفترة التي ستعقب الاتفاق على إنهاء الصراع الدموي، والدخول في الحل السياسي في مؤتمر موسكو، إن قدر له الانعقاد أو في مؤتمر جنيف 3 وهو ما تحاول دوائر إقليمية ودولية باتجاهه كبديل للعاصمة الروسية، وتكون مهمة هذه الهيئة الإشراف على وقف كامل لإطلاق النار من خلال اتخاذ إجراءات فورية، لوقف العنف العسكري وحماية المدنيين وإرساء قواعد الاستقرار مع الاستعانة بمراقبين دوليين. ثانيا: تشكيل حكومة انتقالية قد تأخذ شكل حكومة وحدة وطنية، لإدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية المقرر لها ثلاث سنوات، وتتكون من الطرفين، تتولى القيام بعدد من الإجراءات، من بينها إعلان وقف الدستور الحالي وتكليف لجنة من الخبراء الدستوريين والقانونيين لوضع لائحة دستورية مؤقتة للمرحلة الانتقالية، ريثما يتم إعداد وإقرار دستور ديمقراطي جديد ودائم، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في أحداث العنف التي رافقت اندلاع التظاهرات السلمية التي انطلقت في مارس من العام 2011، والكشف عن قتلة المتظاهرين ورجال الجيش ومحاكمتهم، وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية، فضلا عن متابعة الأحوال اليومية للمواطنين والبدء في ترميم ما تعرض للتدمير والتخريب.ثالثا: لا تفريط في الجيش السوري العربي، والتمسك ببقائه، مجسدا المؤسسة العسكرية الوطنية، غير أن ذلك سيتطلب العمل على إعادة هيكلته وبنائه على أسس مغايرة لما كان عليها.رابعا: إعادة المؤسسة الأمنية بطريقة احترافية، وبمنأى عن الأطر التي كانت تحكمها، بحيث تكون معبرة عن التوجهات الديمقراطية الجديدة وتضم كافة شرائح المجتمع السوري.خامسا: التأكيد على عدم إعادة تكرار تجربتي العراق وليبيا في سوريا، من خلال تجنب المحاصصة السياسية بالذات، والإبقاء على مؤسسات الدولة لتكون النواة التي تنطلق منها عملية إعادة البناء الجديدة بمشاركة كافة القوى الحية للمجتمع.ولحسم بعض جوانب التباينات فإن القاهرة - والتي تحظى برضا طرفي الأزمة السورية الحكم والمعارضة - ستستضيف حوارا تحت رعاية مصر لمختلف رموز المعارضة السورية بكل أطيافها، وبمشاركة فاعلة من شباب الحراك الثوري بالداخل - قد يعقد في النصف الثاني من يناير الجاري - لتوفير المزيد من مساحات التوافق فيما بينها، على الرؤى الموحدة قد يأخذ ما يتم الاتفاق عليه مسمى إعلان القاهرة وذلك، قبل التوجه إلى موسكو في حوار مبدئي في الأسبوع الأخير- ووفق ما هو متاح من معلومات - فإن أهم قضية خلافية تتعلق بموقع الرئيس السوري بشار الأسد في المعادلة السياسية القادمة وهو ما قد ينطوي على خطر استمرار حالة انقسام المعارضة.إن الثورة السورية تواجه في المرحلة الراهنة، تحدي البقاء سعيا لتحقيق أهدافها التي تنسجم مع طموحات الشعب السوري، الذي دفع وحده ثمن تحديه لسلطة النظام، الذي بادر باللجوء إلى العنف المفرط في قوته، عبر استخدام كل أسلحة الجيش، برا وجوا، وأبدع نوعا جديدا من آليات القتل ضد شعبه، والذي يتمثل في البراميل المتفجرة ، التي تدك بها طائراته التي كان من المفترض أن توجه إلى العدو الحقيقي الذي ما زال محتلا للجولان منذ العام 1967، منازل وممتلكات هذا الشعب. وإذا كان الخيار العسكري لم يسهم في إنجاز هذه الأهداف خلال السنوات الأربع المنصرمة، لأسباب تتعلق أساسا بعجز المجتمع الدولي عن التدخل بفعالية من خلال ممارسة ضغوط - كان قادرا على ممارستها ضد نظام بشار الأسد، وانتهاج قواه المؤثرة لسياسات نفعية أبقت على الأزمة مشتعلة، دون أن يقدم العون الذي كان بوسعه أن يغير المعادلات على الأرض، خاصة على الصعيد اللوجستي للمعارضة الحقيقية، فضلا عن إصرار كل من روسيا وإيران على تقديم كل ما من شأنه الإبقاء على النظام، لأسباب تتصل بالصراع والنفوذ الدولي والإقليمي، فإن مقاربات سياسية باتت من الضرورة بمكان، حتى لا يقفز على الثورة وأهدافها تنظيمات وجماعات رفعت راية الإسلام، لتحقيق أهداف لا تنسجم مع تطلعات الشعب السوري الصابر والمثابر.

395

| 12 يناير 2015

مواجهة ما جرى في نيويورك

ما جرى مساء الثلاثاء الماضي من وقائع أسفرت عن رفض مشروع القرار العربي المقدم لمجلس الأمن. والذي ينص على إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية في فلسطين، وفق جدول زمني ينتهي بنهاية العام 2017. وذلك بحسبانه رمانة الميزان، في معادلة الاستقرار والأمن وحقوق الشعوب المقهورة والواقعة تحت الاحتلال، يعبر عن جملة من الحقائق. أولها أن العالم لم ينضج بعد للخروج من عباءة التأثير الصهيوني خاصة الدولة الكبرى. الولايات المتحدة. التي مارست كل صنوف الضغوط لإجهاض عملية التقدم بمشروع القرار سواء على الجانب الفلسطيني أو على الجانب العربي الذي أبدى حماسا واضحا لمشروع القرار على نحو يصل إلى حد الإجماع. ثم تواصلت هذه الضغوط -ومعها ضغوط صهيونية - عند طرح المشروع للتصويت خاصة على الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تجاوب بعضها معها في حين أن البعض الآخر لم ينحن له، وهو ما يتعين على الدول العربية أن تقوم بدراسته بعمق، لتتعرف على سبيل المثال على الأسباب التي تدفع دولة إفريقية كبرى، مثل نيجيريا ترتبط بعلاقات قوية مع أغلبها ويشكل الإسلام مكونا مهما لملايين من سكانها للتصويت بلا. ضد مشروع القرار وهو ما يعنى أن ما يسمى بالمنظومة العربية الإفريقية، والتي عقدت خلال السنوات الخمس الماضية، قمتين إحداهما في سرت الليبية في العام 2010. والثانية في الكويت في 2013 ليست على النحو المطلوب من التماسك. مما يتعين معه إعادة النظر في كل الخطوات التي يتخذها العرب تجاه مثل هذه الدول التي سرعان ما تستجيب لرغبات الكيان الصهيوني. على نحو يجعلها أكثر فعالية من الخطوات التي يقوم بها الكيان في إفريقيا. والتي – حتى نكون أكثر صراحة –تتسم بقدر كبير من الانسجام والتناغم مع متطلبات الدول الإفريقية.ثانيا: ثمة إشكالية في المنهجية الفلسطينية -ومعها بالطبع العربية - في التعاطي مع مجلس الأمن. فالجميع كان لديه قناعة بأن الإدارة الأمريكية المتحالفة أفقيا ورأسيا مع الكيان الصهيوني. باعتباره الشريك الاستراتيجي الحقيقي والوحيد في منطقة الشرق الأوسط. سوف تستخدم حق النقض – الفيتو – وبالتالي لم تركز على الخطوات الإجرائية. التي تسبق التصويت النهائي. والمتمثلة في اعتماد القرار والذي يتطلب توافر تسعة أصوات وهو ما لم تنجح فيه الدبلوماسية الفلسطينية والعربية. وكان من الضروري أن تتكثف الاتصالات مع الدول الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن. بما يضمن الأصوات التسعة ثم ملاحقة مختلف أشكال الحصار والضغوط التي يقوم بها الطرفان الأمريكي والإسرائيلي. وليس الاكتفاء فحسب بمجرد الحصول على وعود من ممثلي هذه الدول. عبر استخدام كل القنوات المتاحة. بما في ذلك إجراء الاتصالات على مستوى القمة. وهو ما نجح فيه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان. عندما اتصل بصديقه رئيس نيجيريا -على حد وصفه - والذي استجاب لطلبه. وشخصيا. فإنني على علم بأن ذلك لم يحدث على المستوى العربي. فالجميع ركن إلى الاتصالات التي أجراها الوفد الوزاري العربي. والذي ضم وزراء خارجية الكويت وموريتانيا وفلسطين إضافة إلى الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية. مع وزراء خارجية أمريكا وبريطانيا وفرنسا في كل من لندن وباريس. بينما تحرك نتنياهو إلى روما للقاء جون كيري في نفس توقيت تحرك الوفد الوزاري العربي. وبذلك تبدو واشنطن في حالة من البراءة والنقاء والشفافية. فهي تجاوبت مع مطالب العرب في تجنب اللجوء إلى الفيتو. بيد أنها في الوقت ذاته عملت على إجهاض مشروع القرار من الجذور.ثالثا: ثمة تساؤل ألم يكن الطرف الفلسطيني - والعربي بالضرورة - على وعي وإدراك، بأن هناك تغييرا سيطال تركيبة العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن في مطلع العام الجديد، وستضم خمس دول بطبيعتها مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، فلماذا كان الإصرار على عرض المشروع للتصويت قبل بداية العام الجديد، خاصة أن موازين القوى في المجلس تكاد تكون معروفة؟ وهل ينبئ ذلك عن سوء تقدير للموقف؟ أم أن هناك أسبابا غير معروفة وراء هذا التحرك؟ خاصة أنه كان لدي معلومات من مسؤول فلسطيني رفيع المستوى بأن هناك تفكيرا جادا لدى القيادة الفلسطينية لطرح المشروع على التصويت في شهر يناير.رابعا: إن الخطوات التي أقدمت عليها القيادة الفلسطينية في اليوم التالي للإخفاق في تمرير مشروع القرار، تعكس رغم كل الملاحظات سالفة الذكر عن استعداد جيد للتعامل مع تداعيات هذا الإخفاق ولعل ما يستحق الإعراب عن التقدير في هذا الصدد، هو أن الرئيس أبو مازن لم يخش التهديدات والضغوط التي تعرض لها للتراجع عن هذه الخطوات، وفي صدارتها توقيع طلب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وهي الخطوة التي أصابت قادة الكيان بالقلق، لكونها توفر المطالبة بمحاكمتهم لارتكابهم جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وقد حاول نتنياهو شخصيا التقليل من هذه الخطوة، عندما أراد أن يلقي بالكرة في ملعب الفلسطينيين حيث لفت أن المحكمة ستحاكم قادتهم بتهمة انتمائهم لتنظيم إرهابي – حسب توصيفه هو حركة المقاومة الإسلامية – حماس – وهو ما لم يخف أيا من رموز القيادة الفلسطينية. التي لم توقع على طلب الانضمام لهذه المحكمة فحسب. وإنما لـ22 من المنظمات والهيئات والبرتوكولات الدولية التي يحق لدولة فلسطين. العضو غير المكتمل بالأمم المتحدة. الانضمام إليها مما سيتيح لها الحصول على المزيد من الحقوق والامتيازات على الصعيد الدولي. ولكن ذلك يستوجب تحركا فلسطينيا وعربيا نشطا باتجاه الأمم المتحدة. وهذه المنظمات والهيئات والبرتوكولات لقطع الطريق على أي ضغوط صهيونية وأمريكية. تحاول أن تجهض عضوية دولة فلسطين بها مما يستوجب أن يكون في صدارة جدول أعمال الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية. الذي سيعقد منتصف الشهر الجاري المخصص لبحث تداعيات مشروع القرار. خامسا: ثمة حاجة حقيقية لإعادة النظر في مجمل تفاعلات المشهد الفلسطيني الداخلي. باتجاه بناء مصالحة وطنية حقيقية. تكون بمنأى عن الاهتزاز والسقوط في أفخاخ التصريحات الإعلامية المستفزة من هذا الطرف أو ذاك. فذلك وحده كفيل بتحقيق وحدة الموقف. فضلا عن أنه يشكل إسنادا قويا للمفاوض الفلسطيني. في تعاطيه السياسي. سواء مع الكيان الصهيوني أو مع الأطراف الدولية. الأمر الذي يجب أن يقود بالضرورة إلى ضرورة تحقيق إستراتيجية وطنية - وفق تعبير الكاتب الفلسطيني معين الطاهر - للرد على تداعيات إخفاق مجلس الأمن في إقرار مشروع القرار. وحسب رؤيته فإنه في ظل ظروف الانقسام الفلسطيني وما أنجزته المقاومة في غزة من جهة، وطبيعة الأوضاع في الضفة، فإنه قد يتجسد أسلوبان مختلفان من النضال، لكنهما يصبان ضمن إطار هذه الإستراتيجية وطنية شاملة. ففي غزة، ينبغي الاستعداد للجولة المقبلة، بتعزيز قدرات المقاومة العسكرية والتمسك بسلاحها، وهذا يستدعي تشكيل إدارة وطنية موحدة من الفصائل والشخصيات الوطنية، تخوض النضال من أجل رفع الحصار، وتخفيف المعاناة الإنسانية، وتحافظ على قدرات المقاومة العسكرية وتطورها. أما في الضفة الغربية، فقد آن الأوان لخوض مقاومة شعبية شاملة حقيقية، تشكل الوجه الرئيس، والسمة الغالبة لكفاح الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة. تتجاوز هذه المقاومة الشعبية ما عرف بالمسيرات الأسبوعية ضد جدار الضم العنصري، لتتحول إلى مواجهة يومية مع حواجز الاحتلال ومستوطناته ودورياته، في مقاومة شعبية، تتصدى للاحتلال، وتقيم لجانها الوطنية في كل الأحياء والمدن والقرى، مقاومة شعبية ترفض المفاوضات والاتصالات مع العدو، وتنهي كلياً التنسيق الأمني معه، وتضع شروطها لدحر الاحتلال من دون قيد أو شرط.

306

| 05 يناير 2015

أهم نقطة ضوء فى عتمة 2014

يوشك العام 2014 على الرحيل. لم يتبق له سوى الغد فقط. سيغادرنا بعد أن سكن فينا مدة 366 يوما. ظلت المعمورة خلالها في حالة حراك متراوح بين الإيجابية والسلبية. وتحققت تحولات نوعية على مدار ه. ولكنه كان زاخرا بالتطورات الموجعة للبشرية. وربما كان عالمنا العربي أكثرها تفاعلا مع هذه التطورات. فاشتدت فيه حالات التشظي والنزعات الطائفية والمذهبية. وشهدت بعض أوطانه – وما زالت- حروبا داخلية. تكاد تقضى على الأخضر واليابس. ومع ذلك فإن ثمة نقاط ضوء وفرت الذريعة للشعور بالأمل في الزمن الآتي وامتلاك القدرة على الخروج من شرنقة الوجع. وبالنسبة لي شخصيا كان الإعلان عن المصالحة المصرية القطرية قبل أيام من رحيل هذا العام. في مقدمة هذه النقاط التي أزاحت بعضا من العتمة التي سادت النظام الإقليمي العربي خلال الأعوام الأخيرة في أعقاب ثورات الربيع العربي التي سنحتفل في مطلع العام الجديد بمرور أربع سنوات عليها. لقد عشت في قطر ما يقرب من عشرين عاما إلا بضعة أشهر. تفاعلت مع بشرها وأحداثها وتطوراتها . خضت خلالها مع تجربة مهنية أعتبرها شديدة الإيجابية في مسيرتي المهنية. وبنيت شبكة من العلاقات الإنسانية والمهنية أيضا . أعتز بها أيما اعتزاز. على أساس من النزاهة والاحترام والتقدير وبعيدا عن أي أجندات أو معطيات ذات نفع شخصي. كما أن أفراد أسرتي يعتزون بهذه السنوات التي أمضوها بالدوحة. وعندما تعرضت العلاقات مع القاهرة بعد ثورة الثلاثين من يونيو لقدر من سوء الفهم والتأزم . أصابنا جميعا في البيت قدر من الألم خاصة مع الدور السلبي التي لعبته بعض المنابر الإعلامية لدى البلدين. على نحو أسهم في تأجيج المشاعر وتوسيع الهوة. ومع الإعلان عن المصالحة بعد اللقاءات التي جرت بين مسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين تلبية لوساطة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز . وتجاوب كل من القيادتين المصرية والقطرية معها بأريحية وحميمية. واتكاء على أرضية صلبة من تاريخية العلاقات بين بلديهما وشعبيهما. والإدراك لطبيعة المهددات والمخاطر التي تحدق بالأمة والمنطقة. اجتاحنا الفرح العارم وسكنتنا البهجة العميقة.ومن الأهمية - حتى تتكرس المصالحة - بمكان ألا يسمح البلدان الشقيقان مرة أخرى بعودة الأسباب التي أدت إلى القطيعة واحتقان العلاقات الثنائية على نحو يعلي من سقف ما هو مشترك وهو أكثر بكثير مما يفرق ويعيد ترميم ما علاه الصدأ من جوانب التعاون والتي شهدت في السنوات الأخيرة نموا واضحا واتساعا أفقيا ورأسيا . والأهم من كل ذلك ألا يسمح للمنابر الإعلامية بتجاوز الحدود ومنظومة القيم الأخلاقية والمهنية وفق المحددات الوطنية والقومية التي تحكم مواقف الدولتين. ولست في موضع عرض رؤية تفصيلية في هذا المنحى. فهي - من خلال متابعتي للملف -تخضع للدراسة وثمة توافق على كل ما من شأنه أن يحقق أمن واستقرار ومصالح كل طرف اتساقا مع جوهر النظام الإقليمي العربي. والذي عبر عنه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية في التصريحات التي أدلى بها قبل أيام . والتي أكد فيها أهمية المصالحة القطرية - المصرية، وتنقية الأجواء بين البلدين الشقيقين. ورأى أن هذه المصالحة تصب في صالح العمل العربي المشترك . والذي أنشئت لأجله الجامعة العربية وتشكل ميثاقها حيث تنص المادة الثانية من الميثاق على أن الجامعة تعمل من أجل تعزيز الروابط والصلات بين الدول العربية. وأحسب أن إنجاز المصالحة المصرية القطرية -أو وفق التعبير الرسمي المستخدم في البيانات الأخيرة التي صدرت من الدوحة والقاهرة فضلا عن الرياض توطيد العلاقات بين الجانبين - سيشكل رافعة قوية باتجاه إعادة صياغة محددات النظام الإقليمي العربي. بعد ما تعرض له خلال الأعوام الأخيرة من خلخلة في بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى العسكرية والأمنية. وثمة شواهد عدة في هذا الصدد. أهمها احتواء مظاهر الاحتقان في العلاقات الخليجية العراقية والتي يقوم حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بتصحيح مساراتها عبر سلسلة من الزيارات لعواصم مجلس التعاون الخليجي . بعد أن أفسدتها ممارسات سلفه نور المالكي. الذي كان يراهن على عاصمتين فقط. هما واشنطن وطهران. فانتهى حكمه بسقوط ما يقترب من ثلث مساحة العراقي في قبضة تنظيم داعش.والمؤكد أن الأزمات الإقليمية الملتهبة في كل من سوريا وليبيا واليمن ستشهد في ضوء هذا التطور الإيجابي. حراكا باتجاه التعامل معها بقدر من الجدية. على نحو يحافظ على مؤسسات الدولة الوطنية وشرعيتها. والتي كادت تتلاشى في ضوء ما تتعرض له هذه الأقطار العربية الثلاث من حروب وصراعات وانقسامات حادة. ووفق قراءاتي فإن ثمة ما يتم بلورته حاليا في صمت بين أكثر من عاصمة عربية. في مقدمتها القاهرة والدوحة والرياض لحسم الأمور سياسيا من خلال التحرك النشط لجمع الفرقاء المتناحرين في هذه الأقطار إلى مائدة حوار وطني شامل. بمنأى عن منهجية الإقصاء والتهميش لأي طرف. ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم لإنقاذ ما تبقى من هذه الأوطان. التي أهدرت إمكاناتها ومواردها البشرية والطبيعية في صراعات لا يمكن أن تحسم عبر الخيار العسكري والأمني. وهو ما يستوجب أن تدركه القوى والأطراف التي ما زالت تؤمن بهذا الخيار. لأنه لا يفضي إلا لمزيد القتل والجروح التي لا تلتئم بسهولة في وطننا العربي. ومن ثم يعقبها الرغبة في الثأر والانتقام.ولا يغيب عن ذلك ملف الوحدة الوطنية الفلسطينية. والذي يبدو لي أنه سيدخل منطقة الجدية في ضوء التطورات الأخيرة بين القاهرة والدوحة. وكلاهما لعب دورا إيجابيا في سبيل وضع لبناته الأساسية من خلال الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين طرفي المعادلة الفلسطينية الرئيسيين وهما حركة فتح وحركة حماس. وستنتهي حالة المراوغة التي كان يكابدها هذا الملف. الذي كان كلما يشهد تقدما سرعان ما يتعرض لانتكاسة. تعيد الأمور إلى المربع الأول. رغم كل النوايا الطيبة التي يعلن عنها قادة الحركتين.إن الأمل في القيادتين المصرية والقطرية كبير للغاية. لتوفير كل متطلبات نجاح ما تحقق من خطوات إيجابية على صعيد توطيد العلاقات بين البلدين الشقيقين . من خلال التحييد الكامل لبعض الأصوات التي أظهرت مناهضتها لهذه التطورات . لأنها أدركت خطرها على مصالحها التي تتحقق من خلافات الجانبين خاصة على الصعيد الإقليمي فهي – أي هذه الأصوات – تفتقر إلى الحس الوطني والقومي الذي يجعلها حريصة على التعاضد والتماسك بين مفردات النظام الإقليمي العربي. ويمكن الإشارة إلى أن المصالحة بين الدوحة والقاهرة . كانت واحدة من أهم أسباب انتصار خيار التماسك لمنظومة مجلس التعاون الخليجي والتي نجحت وساطة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وجهود العاهل السعودي الملك عبد الله. وتجاوب الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. في المحافظة عليه . ودفعه إلى المزيد من الخطوات الرامية إلى تعزيز النجاحات والتحولات المهمة. التي حققتها هذه المنظومة على مدى أكثر من ثلاثة وثلاثين عاما. وفي تقديري إن مصر ليس من مصلحتها أن تقيم شراكة خليجية دون مجلس تعاون قوى ومتماسك وصلب بين وحداته الست . وفي الوقت ذاته لم يكن من مصلحة قطر أن تنأى عن الدولة العربية المحورية. وهو ما أكده البيان الذي أصدره الديوان الأميري عقب الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مساعد وزير الخارجية والمبعوث الخاص لسمو الشيخ تميم إلى القاهرة. ولقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برفقة رئيس الديوان الملكي السعودي خالد بن عبد العزيز بن عبدالمحسن التويجري. عندما شدد على وقوف قطر التام إلى جانب مصر، كما كانت دائماً إدراكا منها أن أمن مصر من أمن قطر، التي تربطها بها أعمق الأواصر وأمتن الروابط الأخوية، وأن قوة مصر قوة للعرب كافة كما أكد أن دولة قطر التي تحرص على دور قيادي لمصر في العالمين العربي والإسلامي، تؤكد حرصها أيضاً على علاقات وثيقة معها والعمل على تنميتها وتطويرها لما فيه خير البلدين وشعبيهما الشقيقين. وهو ما كان له مردود إيجابي على الصعيدين الرسمي والشعبي وأغلبية النخب والقوى السياسية. والتي عبرت في بيانات رسمية عن تأييدها للخطوات الإيجابية بين البلدين داعية إلى المزيد منها حتى يكتمل قوس البهجة وتعود أزمنة المودة بين القاهرة والدوحة.

697

| 29 ديسمبر 2014

مرحلة تكسير العظام في مجلس الأمن

دخل مشروع القرار الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن الدولي، والرامي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة وفق جدول زمني محدد، مرحلة تكسير العظام خاصة في ظل ما بدا واضحا أنه تهديد أمريكي باستخدام حق النقض الفيتو عن طرحه للتصويت، بعد انتهاء المشاورات بين الأطراف المختلفة سواء عربيا أو أوروبيا أو أمريكيا، رغم أن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية لم تؤكد هذا المنحى لكنها أشارت إلى أن بلادها تعترض على المشروع، وهو ما فسره محلل سياسي في واشنطن بأنه لا يحمل سوى معنى وحيد، يتمثل في اللجوء إلى استخدام الفيتو فهو السلاح الذي تجيده الإدارة الأمريكية، لإجهاض أي قرار يعرض على مجلس الأمن يتعلق بحليفتها الإستراتيجية ذات الطابع الاستثنائي في المنطقة، الأمر الذي تسبب في قطع الطريق على كل الحلول التي طرحت في السابق لإنهاء الصراع العربي الصهيوني. ومع ذلك فإن ثمة حرصا وإصرارا فلسطينيا، مدعوما من الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب للمضي قدما على طريق التصويت على مشروع القرار، بعد أن تقدمت الأردن الدولة العربية العضو في مجلس الأمن به بالفعل ليلة الأربعاء الماضي، باعتبار أن ذلك يعكس التطبيق الحي لخيار الدولتين والذي يحظى بإجماع إقليمي ودولي، ولكنه لم يصل بعد إلى مرحلة اقتناع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني به لترجمته على الأرض.وعندما حانت اللحظة من خلال التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن أصيب قادة الكيان بالذات بالهلع والرعب، إلى حد اعتبار الخطوة إعلان حرب من قبل الفلسطينيين ضد الدولة العبرية، حسبما عبر عن ذلك وزير الدفاع "موشيه يعالون"، بينما اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان خطوة عدوانية أخرى من جانب السلطة الفلسطينية، ووصل الأمر إلى حد التهديد بحل السلطة الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس – أبو مازن- لأنه يواصل قيادة إجراءات لا تستهدف إلا مشاكسة إسرائيل، دون أن تعود على الفلسطينيين أنفسهم بأي فائدة - على حد قول ليبرمان - القادم إلى وزارة الخارجية من رحم التطرف اليهودي، فضلا عن التوسع في المشروع الاستيطاني الصهيوني إلى مناطق جديدة في القدس المحتلة والضفة الغربية.واللافت أنه قبل أن تبدأ الاتصالات، من قبل الوفد الوزاري العربي في باريس يوم الإثنين الماضي مع وزيري خارجية فرنسا والولايات المتحدة، سارع جون كيري إلى استدعاء بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني إلى مقابلته، وكان آنذاك يزور العاصمة الإيطالية –روما – فخرج الأخير، معلنا رفضه للتوجه إلى مجلس الأمن، وهو ما يعني أن كيري لم يتمكن من إقناعه - أو بالأحرى لم يحاول - بإمكانية القبول بالطرح الفلسطيني، الذي يتضمنه مشروع القرار مستهدفا إنهاء الاحتلال في فترة زمنية تستغرق عامين، وهو ما أكده نتنياهو قبل أيام بقوله خلال لقائه بمجموعة من الدبلوماسيين الإسرائيليين، بأنه لن يوافق على أي إملاءات أحادية الجانب سواء من قبل المجتمع الدولي أو مجلس الأمن - حسب تعبيره - وأن أبو مازن لن يستطيع تهديد الإسرائيليين، فهو غير مستوعب لنتائج الإجراءات التي يقوم باتخاذها في مجلس الأمن والتي ستصب في صالح سيطرة حماس على الضفة الغربية، مثلما حدث من قبل في قطاع غزة. وتؤشر هذه المواقف المعلنة سواء أمريكيا أو إسرائيليا، بأن استخدام الفتيو من قبل واشنطن بات مرجحا للغاية حسب ما يقوله الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ونائب رئيس المركز القومي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة، وإن كان من ناحية أخرى يرى أن التعديلات التي أدخلتها فرنسا على مشروع القرار الفلسطيني، قد تدفع واشنطن إلى ترك القرار يمر، في ظل الضغوط الإسرائيلية التي تمارس على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لوقف هذا التوجه الفلسطيني، دون أن يستبعد في الوقت ذاته إمكانية حدوث مفاجآت خلال الساعات المقبلة، تتمثل في إعلان الإدارة الأمريكية عن تقديم ضمانات إلى القيادة الفلسطينية، من أجل سحب مشروع القرار وهو أمر سيصعب عليها الإقدام عليه، في ظل عدم ثقتها في الموقف الأمريكي ولا في إمكانية الوصول إلى تسوية في ظل وجود حكومة بنيامين نتنياهو.في ضوء هذا التطور المرتقب من قبل الإدارة الأمريكية، فإن الجانب العربي يحذر من مخاطر اللجوء إلى استخدام الفيتو فهو- وفقا لما أكده لكاتب السطور السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين والأراضي المحتلة - سيضر بالقضية الفلسطينية، وسيستغله المتطرفون، وسيعلي في الآن ذاته من سقف الإحباط واليأس على نحو يسهم في تأجيج التوتر الراهن في المنطقة، ومن ثم يتطلع إلى أن تتجاوب الولايات المتحدة مع الجهود الرامية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وفق سقف زمني محدد، وذلك من خلال تجنب اللجوء إلى استخدام حق النقض – الفيتو- ضد مشروع القرار الفلسطيني، وأن تتبنى في المرحلة الراهنة موقفا جديدا يساعد على تكريس السلام في الشرق الأوسط، وينهي الصراع العربي الفلسطيني الذي يمتد إلى أكثر من ستة عقود مستندا في ذلك إلى قناعة لديه بأن واشنطن هي من تقبض إنقاذ المنطقة، إذا ما وافقت على مشروع القرار الأمر الذي من شأنه أن يعيد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى خيار المفاوضات، الذي سيقود إلى إنهاء الاحتلال وإعلان الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل وفق حل الدولتين.وثمة تفاؤل لدى السفير صبيح في ضوء ما يشهده مجلس الأمن حاليا من مشاورات واتصالات، لإجراء بعض التعديلات على مشروع القرار المقدم إليه، وذلك بهدف أن ينال أكبر مساحة من التأييد له سواء من قبل الأعضاء الدائمين بالمجلس، أو من الدول غير الدائمة العضوية أو المجموعات الدولية في الأمم المتحدة، ويقول: إن ممثلي المجموعة العربية في نيويورك، وكذلك الأمانة العامة للجامعة العربية وعددا كبيرا من وزراء الخارجية العرب، قاموا خلال الساعات الأخيرة بتكثيف اتصالاتهم مع أعضاء مجلس الأمن وغيرهم من أطراف مؤثرة في المنظمة الدولية، من أجل الوصول إلى مشروع قرار يحقق أهداف التحرك العربي وفي الوقت نفسه يستجيب لمطالب بعض الأطراف الأخرى، ويشير إلى أن هناك في هذا الصدد مشروع قرار فرنسي إلى جانب المشروع الفلسطيني المدعوم عربيا، فضلا عن أنباء تتحدث عن مشروع قرار أمريكي لم يطرح بعد لكنه يشدد على أهمية ألا تخل عملية التوافق التي تسعى إلى بلورتها المشاورات الحالية في مجلس الأمن بالهدف الأساسي الذي تسعى إليه القيادة الفلسطينية والجانب العربي، والمتمثل في تحريك المياه الراكدة للوصول إلى مفاوضات حقيقية وجادة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وتحديد موعد لانسحاب القوات الإسرائيلي، وكذلك تحديد زمن للمفاوضات وللوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وهو ما يحظى بموافقة الجميع ماعدا إسرائيل وبعض الأطراف الدولية المساندة لها.وبالطبع يتبقى السؤال الجوهري: ما العمل أمام الفلسطينيين في حال اللجوء الأمريكي إلى استخدام حق النقض لإجهاض مشروع القرار الفلسطيني؟ الإجابة قدمها الفلسطينيون أنفسهم عبر مسارين، جسد أحدهما الخيار السياسي من خلال طلب الانضمام إلى المنظمات والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وفي مقدمتها محكمة العدل الدولية والأخيرة تتيح المطالبة الفلسطينية بالتقدم إليها لإجراء محاكمات لقادة الكيان الصهيوني، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة إنسانية ضد الفلسطينيين، وهو خيار يحبذه الرئيس محمود عباس وأعلن عنه بوضوح خلال الساعات الأخيرة نبيل شعث مسؤول العلاقات الدولية باللجنة المركزية لحركة فتح، بينما الخيار الثاني ينزع إلى العودة إلى خيار الانتفاضة الشعبية وإعلان المقاومة وهو ما تميل إليه قيادات راديكالية بفتح وأغلبية الفصائل الفلسطينية الأخرى.

429

| 22 ديسمبر 2014

زخم إضافى للتكامل الخليجى

أضفت القمة الخليجية الخامسة والثلاثون التي احتضنتها الدوحة يوم الثلاثاء المنصرم زخما إضافيا لمسار منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية على الصعد كافة. وذلك بعد أن كرست المصالحة الخليجية - الخليجية. واستعادت روحها التضامنية والتكاملية والتى تشكل جوهر المشروع الخليجى. الذي انطلق في الخامس والعشرين من مايو في مدينة أبو ظبى في العام. 1981 مفتتحا زمانا جديدا في تاريخ المنطقة . التى ظلت مئات الأعوام في حالة تناحر وتنابز وتناقض. بيد أن الرابح الأكبر في هذه القمة كان التكامل الخليجى الاقتصادي . والذي حظي بدفعة قوية من قادة الدول الست اقتناعا منهم بأنه المدخل الصحيح لبناء التكتل المأمول الذي من شأنه أن يشكل رقما مهما في المعادلة الإقليمية والدولية.وفى هذا السياق. فقد توافق القادة على مجمل الخطوات الرامية إلى الوصول للوضع النهائي للاتحاد الجمركي. واعتمدوا القواعد والمبادئ الموحدة لتكامل الأسواق المالية بدول المجلس بصفة استرشادية، لحين الانتهاء من منظومة القواعد الموحدة لتحقيق التكامل في الأسواق المالية بدول المجلس. وأعطوا توجيهاتهم إلى الدوائر المعنية بسرعة الانتهاء من دراسة الاستراتيجية الشاملة بعيدة المدى للمياه لدول مجلس التعاون على نحو يحقق الربط المائي والأمن المائي لدول المجلس . وقرروا الانتهاء من مشروع سكة حديد مجلس التعاون والذي وصفه البيان الختامي لقمة الدوحة بالحيوي والاستراتيجي في العام 2018. وذلك لما ينطوي عليه من أهمية بالغة في تسهيل التجارة وانتقال الأفراد بين دول المجلس. كما أحيط القادة بالتقدم المتحقق على صعيد الاتحاد النقدي لمجلس التعاون، وبالخطوات التي اتخذتها دول المجلس لتنفيذ السوق الخليجية المشتركة لتفعيل وتعظيم استفادة مواطني دول المجلس من مجالات السوق الخليجية المشتركة. مؤكدين على أهمية الاستمرار في خطوات التكامل بين دول المجلس في شتى المجالات الاقتصادية، ووجهوا بتكثيف الجهود لتنفيذ قراراته بشأن العمل المشترك فيما يتعلق بالمجالات المنصوص عليها في الاتفاقية الاقتصادية.صحيح أن ثمة خلافات وتباينات في المواقف بين أطراف المنظومة وقعت في السنوات الأخيرة . ومع ذلك تحقق تحول نسبي على صعيد التكامل الخليجي. وحسبما تشير الأرقام إلى فإن حجم التجارة الخارجية لدول المجلس تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار، منها 950 مليار دولار للصادرات ونحو 450 مليار دولار للواردات، وتقدر التجارة البينية بنحو 100 مليار دولار سنويا، وقد تطورت من 32 مليارا" في العام 2005، وذلك نتيجة تفعيل اتفاقية الاتحاد الجمركي وبدء العمل بالسوق الخليجية المشتركة عام 2008، إضافة إلى زيادة وتيرة التنوع الاقتصادي والتنمية الصناعية الخليجية.كما تميزت السنوات الأخيرة بالعديد من الإنجازات التي يعيشها المواطن الخليجي، سواء فيما يتعلق بالانتقال والإقامة والعمل، بالبطاقة بين الدول الأعضاء، أو على صعيد ممارسة النشاط الاقتصادي والتجاري وانسيابية رؤوس الأموال، وحق المساهمة في الشركات التي تؤسس في دول المجلس، أو شراء أسهم الشركات المساهمة من الأسواق المالية، ثم تملك العقار لأغراض السكن أو الاستثمار، ولكن رغم ذلك تتبقى هناك صعوبات كثيرة تواجه تطبيق بنود الاتحاد الجمركي، وتسهيل عبور البضائع على الحدود بين الدول، مع الإشارة إلى أنه تم الاتفاق في مايو الماضي على حل آخر الخلافات التي تتعلق بتقاسم الإيرادات الجمركية على أن يبدأ التطبيق الفعلي في مطلع العام 2015.أما بالنسبة للاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة فهناك صعوبات تواجه إنجازهما نتيجة خلافات بين الدول الأعضاء، مع العلم أن قمة مسقط الخليجية في العام 2001، قررت تطوير الاتفاقية الموحدة، حيث جاء في البند الرابع " من أجل الوصول إلى الاتحاد النقدي والوحدة الاقتصادية، بما في ذلك العملة الموحدة فإن الأمر يتطلب تحديد جدول زمني لخلق متطلبات الوحدة، التي أبرزها تناسق السياسات الاقتصادية، خصوصا" المالية والنقدية، والتشريعات الخاصة بالمصارف ووضع المعايير والأسس الكفيلة بحل التناقضات والتباين في السياسات المحلية للدول الأعضاء. ومع ذلك فإنه ما زال مطلوبا المزيد من الآليات التي من شأنها أن تعلي من قيمة التكامل -إن جاز التعبير - خلال المرحلة القادمة . واستغلالا لهذه الروح الجديدة التي أفرزتها قمة الدوحة حتى يمكن بالفعل مواجهة متطلبات المواطنة الخليجية - على حد قول عبدالرحمن بن حمد العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي - حتى يشعربها ويلمسها مواطنو دول مجلس التعاون في انسيابية تتجلى. في عمليات التنقل والعمل والتجارة والاستثمار والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية من دون أية عقبات، مع تعزيز مشاركة المرأة في التنمية الشاملة تحقيقاً لمتطلبات المواطنة الخليجية - وحسب منظوره - فإنه بات من الضرورة بمكان . الإسراع في تشكيل الهيئة القضائية والتي نصّت عليها الاتفاقية الاقتصادية لمجلس التعاون، وإعطاء قرارات السوق المشتركة المزيد من المصداقية، فضلا عن الاتحاد الجمركي والاتحاد النقدي بالذات على صعيد إزالة العوائق التي تعترض التطبيق الفعلي لكي يلبي ذلك طموحات المواطنين. لقد برز في الآونة الأخيرة متغير إضافي يتمثل في الهبوط الحاد الذي طال القيمة السوقية للنفط. والذي يشكل المصدر الرئيس لدخلها القومي. بعد أن فقد مايقارب 45 % منها خلال الأشهر القليلة الماضية وما تزال التوقعات متشائمة في هذا الشأن. حيث صدرت تقارير حديثة تتحدث عن زيادة في المعروض من النفط خلال النصف الأول العام المقبل. مما قد يدفع الأسعار إلى مزيد من الهبوط الأمر الذي يستوجب العمل على تفعيل دور مجلس التعاون الخليجي في دفع مسيرة التكامل الاقتصادي والوحدة الاقتصادية. وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية لمواجهة التحديات المستجدة على الساحة الاقتصادية الدولية وذلك من خلال التنسيق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي. وتقليل الازدواجية في المشاريع لمنع التنافس غير الإيجابي . وكذلك تنويع القاعدة الإنتاجية على المدى البعيد وهو ما يجسد الأهمية الكبرى للتعاون الإيجابي والعمل المشترك لحماية اقتصادات دول مجلس التعاون باعتبارها مصدر الطاقة في العالم . وحماية أسواقها وذلك يستدعى بدوره أن تسعى منظومة دول مجلس التعاون إلى توحيد إجراءاتها الاقتصادية والقانونية وأساليب التخطيط الاقتصادي لكي تشكل عاملا مهما في تعزيز توجهها نحو التكامل الاقتصادي وتمهد نحو وحدتها الاقتصادية. إن التكامل الخليجي. هو الخيار الوحيد المتاح أمام منظومة دول مجلس التعاون. بحسبانه الطريق المؤدي إلى الاتحاد أو الوحدة الخليجية المنشودة على المدى الطويل عندما تكتمل المقومات الموضوعية في المنطقة والإقليم. وهو أمر من الصعب الفكاك منه. خصوصا أن هناك من يتدبر للمستقبل ويحتاط للحاضر وتحدياته في داخل كل دولة خليجية وعلى المستوى الإقليمي. حيث يتعرض النظام الإقليمي العربي لواقع شديد الصعوبة في ظل موجة ثورات الربيع وتداعياتها، وتعرض الأمن والاستقرار السياسي لدول عربية مركزية للخطر، خاصة مصر وليبيا وسوريا والعراق، ومع تحالفات إقليمية دولية، تبرز مع الدور الإيراني المتصاعد، والتقارب الأمريكي – الإيراني، وما استتبعه من تقارب إيراني- تركي، وحتى تركي – إسرائيلي، فضلا عن تحالفات مع جماعات إرهابية بمشاركة أطراف عربية.ولاشك أن الاستمرار في العملية التكاملية الخليجية ليس بمنأى عن التطورات والتحديات السياسية المحيطة بدول المجلس خاصة مع تصاعد التحديات الأمنية، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب ذي الوجه الديني، وبروز عدد من المعضلات السياسية التي باتت تلقي بظلالها على أوضاع المنطقة ككل بالنظر إلى مسارات التطور التي تأخذها حالياً عمليات التحول السياسي في بعض الدول، علاوة على سعي بعض الدول في الإقليم لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، التي يمكن أن تتسبب في تغيير موازين القوى بالمنطقة، وتفتح باباً واسعاً للتأثير سلباً على أمن شعوبها واستقرار دولها. إن هناك جملة هذه التحديات تفرض على منظومة دول مجلس التعاون العمل معاً وبشكل مضاعف لتنسيق الجهود والمواقف لتحقيق متطلبات الأمن الضرورية لها سواء فيما بينها أو مع الدول الكبرى المعنية بالحفاظ على مقومات الاستقرار العالمي وذلك لتأمين المصالح الحيوية لدول الإقليم وتجنيبه التوترات التي تحدق به من جميع الجوانب والأطراف

319

| 15 ديسمبر 2014

المصالحة الخليجية وثمارها المبتغاة

واحد أنا من الملايين التي تابعت، بحماس وانفعال شديدين، بيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بشأن الاتفاق التكميلي، والذي طوى للأبد، بحول الله تعالى، الخلافات الخليجية الخليجية، والتي كادت، في حال استمرارها، لا قدر الله، أن تتسبب في عرقلة مسيرة من التعاون والتناغم والتعاضد والتكاتف والتكامل، بين الدول الست التي تشكل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وإجهاض أشواق شعوب المنطقة، والتي تقترب من التبلور في أرض الواقع، خلاصا من الفرقة والتباعد والتنائي. وهو ما تمت مقاربته عبر خطوات عملية في السنوات الأخيرة، وإن كانت هناك خطوات أكثر فعالية ما زالت مطلوبة في هذا السياق.وفي الوقت نفسه مناشدة القيادة المصرية بالتجاوب مع هذا الاتفاق وهو ما سارعت بإعلانه في بيان رسمي لمؤسسة الرئاسة في اليوم عينه وبعد ساعات وجيزة للغاية، وهو ما حمل إشارات باتجاه قرب مصالحة مصرية قطرية، إن أردنا أن نسمي الأشياء بأسمائها، والتي باتت في تقديري فريضة واجبة، حتى يكتمل عقد النظام الإقليمي العربي ويتخلص من داء الخلافات والتناحر والتنابذ بكل أشكاله، سياسيا وإعلاميا وفكريا، الأمر ما ألقى بظلاله السلبية على المشهد القومي العربي وقلص من رصيد التوافق. مما أسفر عن حالة من السيولة أسهمت إلى حد كبير في بروز الاضطرابات غير المسبوقة في التاريخ العربي التي تشهدها المنطقة، وفي المقدمة منها بلدان كبرى ومحورية فيها، فضلا عن تنامٍ مرعب للظاهرة الإرهابية. والتي تخلت عن السرية والعمل تحت الأرض إلى الخروج العلني والتمادي إلى حد الإعلان عن خلافة إسلامية.وتحديد مساحات وحدود جغرافية وممارسة كل أشكال السلطة وإن كانت بطريقة همجية لا تتسق مع جوهر المشروع الإسلامي الحقيقي. وفي مساء يوم صدور البيان السعودي والتجاوب المصري معه كنت طرفا في حوار ساخن في برنامج تلفزيوني بقناة القاهرة، والتي كانت تسمى فيما سبق بالقناة الثالثة التابعة التي يبثها التلفزيون المصري الرسمي واسمه "على المكشوف"، له صفحة عل موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك بالاسم نفسه، إلى جانب الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية ومنسق تحالف العدالة الاجتماعية. وتمحور النقاش حول تداعيات المصالحة الخليجية وانعكاسها على المصالحة المرتقبة بين مصر وقطر وبالطبع كنت منحازا لإتمامها في أسرع وقت، للمحافظة على النظام الإقليمي العربي المتداعي في الأساس. وطلبت من الطرفين جملة من المطالب، خاصة من المنابر الإعلامية لديهما والتي لعبت الدور الأشد سوءا في توسيع الفجوة، وتأجيج الخلافات عبر اللجوء إلى معالجات إعلامية تفتقر إلى المهنية، وتتبنى خطابا ديموجاجيا لا يراعي المصالح العليا للدولتين والشعبين، وهي في الأصل متشابكة ومتداخلة. وكان من بين ما اقترحته لإتمام هذه المصالحة وجعلها تمضي في سبيلها الصحيح، أن تقوم القيادة القطرية بتوجيه الدعوة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليكون ضيف شرف القمة الخليجية التي ستستضيفها الدوحة يومي التاسع والعاشر من شهر ديسمبر المقبل، وهو تقليد صاغته قطر في السنوات الماضية، حتى رغم اعتراض بعض الأطراف الأخرى في منظومة مجلس التعاون، ولعب دورا في بناء نسق من الاستقرار الإقليمي عندما وجهت الدعوة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للمشاركة في قمة 2006 إن لم تخني الذاكرة.ورغم اعتراض الضيف الآخر في البرنامج على الاقتراح، إلا أنني دافعت عنه بقوة، باعتباره سيشكل خطوة من شأنها أن تعيد الأمور إلى نصابها بين القاهرة والدوحة، خاصة بعد أن تسكت المنابر الإعلامية عن بث ما لا يليق بالعلاقات والاحترام المتبادل بين البلدين والشعبين، ورأيت أن من شأن هذه الدعوة أن تصب في خانة أهم وأوسع من العلاقات الثنائية، إلى بناء جدار قوي من التفاعل والتضامن في جدار النظام الإقليمي العربي. وقد عثرت على ما يدعم حجتي في تبني هذا المقترح خلال متابعتي لصحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر أمس الأول السبت، حيث فوجئت بمقال لرئيس تحريرها الأسبق طارق الحميد يتساءل في عنوانه: لماذا لا يكون السيسي ضيف قمة الدوحة؟ رأى فيه أن هذه الدعوة ستشكل إعلانا رسميا بالتفاف الخليج ككل مع مصر وحولها، وأنها ستكون خطوة بالاتجاه الصحيح، فمصر لا تترك ولا يستغنى عنها، ولا يمكن تخيل العرب وتحديدا الخليج العربي، من دون مصر، وهو لا يرى معضلة في أن تكون مثل هذه الدعوة بمثابة جزء من الأعراف الخليجية العاطفية.ويقول: "وليكن ذلك، فالعاطفة جزء من النسيج الذي يربط دول مجلس التعاون مع مصر وما يحتاجه الخليج هو الوقوف مع مصر التي تعني قوتها قوة العمق الخليجي". والأهم والأصح حسب منظوره أن هذه الدعوة ستكون بمثابة كسر للجليد بعد أربعة أعوام قاسية وصعبة وتحسبا للقادم وهو أصعب وأقسى ويتطلب علاقات خليجية مصرية مميزة.إن المرحلة الراهنة بكل ما تنطوي عليه من مخاطر – الكلام لكاتب هذه السطور- تستوجب القفز على أي خلافات، والتي لا يتعين أن تستمر تحت أي مبررات، خاصة بين مصر وقطر، في ظل قدرتها المشتركة على تجاوز أي تفاعلات وتداعيات سلبية، بحكم المقومات الكامنة فيهما، والقائمة على إدراك واسع للأبعاد التاريخية والشعبية لعلاقاتهما الثنائية، فضلا عن حجم المصالح المشتركة التي تجمع بينهما. والأمر بات مرهونا في منظوري بالعمل بجدية وصدق على تحييد المنابر الإعلامية المعروفة لدى الجانبين، عن ملف هذه العلاقات والتي طالبتها مرارا في برامج حوارية بمحطات فضائية مصرية بالخروج من الدائرة الضيقة والمفردات الخارجة عن المألوف والمفاهيم غير الصحيحة وضرورة التمسك بالقواعد والأعراف المهنية باعتبارها المعيار الذي يقدم كل الرؤى دون انحياز منهجي ومتعمد لهذا الطرف أو ذاك في الصراع السياسي الدائر في المحروسة والأهم هو أن تولي هذه المنابر الأولوية لكيفية طي صفحة الخلافات، وفق ما طرحه العاهل السعودي في بيانه، وردّ مؤسسة الرئاسة المصرية، وكلاهما أبدى أملا في أن تدرك هذه المنابر الإعلامية ورجال الفكر والسياسي دقة المرحلة وخطورتها. وما تمر به الأمة العربية من تحديات وتهديدات على نحو يغير من مسارها ومناهجها. ولاشك لديّ أن الدولتين قادرتان على التعاطي مع مختلف القضايا التي تشكل مصدرا لخلافاتهما، فالتاريخ علمنا أنه ليس ثمة خلاف غير قابل للاحتواء والتجاوز إن صدقت نوايا أطرافه وتوافرت الإرادة الحقيقية لطيه وإغلاق ملفاته مهما كان حجمها ومرارتها.لقد انطلقت مسيرة المصالحة الخليجية، والتي حظيت بإجماع كل دول منظومة مجلس التعاون في قمة الرياض الاستثنائية مساء الأحد قبل الماضي والتي أظنها وضعت الأسس العملية لانطلاقها، عبر عودة سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة، وذلك شكل في حد ذاته انتصارا لخيار المحافظة على تماسك المنظومة الخليجية حتى تبقى قوية فاعلة. وتمضي في الاتجاه الذي رسمه الآباء المؤسسون لبلورة كيان خليجي، يحقق التعاون مرورا بالتكامل وصولا إلى صيغة الاتحاد والتي ما زالت تخضع للدراسة العميقة في اللجنة المعنية المشكلة من ممثلي دول المجلس بعد اقتراح الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي طرحه قبل سنوات عندما أدرك أن الوقت حان بعد ثلاثة وثلاثين عاما للانخراط في عملية وحدوية تبدأ بالاتحاد الخليجي.وفي الختام لديَّ رغبة وشوق في أن يلبيه العاهل السعودي الملك عبد الله، وهو صاحب الحسّ القومي الأصيل، في أن يجمع القيادتين المصرية والقطرية في قمة برعايته، ولتكن في مكة المكرمة، قرب بيت الله، ليحيطها بعنايته الإلهية، ولا أظن أن أيا من القيادتين سيرفض ذلك إن طلبه منهما خادم الحرمين الشريفين.

695

| 24 نوفمبر 2014

الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.. ضرورة أم ترف؟

السؤال مطروح بقوة في المشهدين الفلسطيني والعربي. وثمة مطالبة واسعة بانخراط القوى الفلسطينية الحيوية خاصة الشباب في انتفاضة سلمية مع قوات الاحتلال. بل إن الأراضي المحتلة شهدت خلال الأيام الأخيرة بدايات واضحة بهذا الاتجاه. ومع ذلك هناك هواجس من أن تتحول مثل هذه الانتفاضة إلى مواجهات عسكرية سيكون جيش الاحتلال هو المحرض عليها حتى يجردها من مضمونها الإنساني وينشئ مبررات لمواصلة نزوعه العدواني الهمجي ضد الشعب الفلسطيني مثلما حدث في قطاع غزة قبل أشهر وجيزة. وفي تقديري. فإنه بات من الضرورة بدء حراك شعبي يأخذ شكل المظاهرات والاحتجاجات السلمية. من دون اللجوء إلى الحجارة أو أي من أشكال المواجهات. وذلك كمقدمة للدخول في انتفاضة شعبية واسعة إن لم تستجب سلطات الاحتلال الصهيوني لمتطلبات الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة. وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته. مثله مثل أي شعب آخر. خاصة أنه الشعب الوحيد في العالم اليوم الذي يخضع لأعتى وأسوأ أنماط الاحتلال . دون أن يحرك القوى الكبرى في هذا العالم. والتي تزعم انتماءها لحضارة إنسانية تعلي من قيمة حقوق الشعوب. وتنحاز لاستقلالها وكأن الشعب الفلسطيني يقيم في كوكب آخر دون كوكبنا. وهي مفارقة- لغز في الفكر السياسي الغربي. الذي ما زال منحازا على مستوى النخب الحاكمة والمؤثرة لمنظور الاعتداء على الشعب الفلسطيني. ومتبنيا طروحات الجلاد والمعتدي والمحتل معتبرا أعمال القتل التي يمارسها ضد هذا الشعب الفلسطيني دفاعا عن النفس (...).وثمة عوامل موضوعية تدفع باتجاه البدء في القيام بالحراك الشعبي المطلوب في المرحلة الراهنة أولها: أن المشروع التوسعي الاستعماري الاستيطاني العدواني للكيان الصهيوني. مصر على البقاء في حالة اشتعال وعلى كل المستويات. دون أن تطرف عين لقادة الكيان ومسؤولي مؤسسته العسكرية. بهدف إجهاض المشروع الوطني الفلسطيني. ومحو الهوية الفلسطينية العربية من الوجود. وهو ما يتجلى في سلسلة الاعتداءات والانتهاكات والاقتحامات المتواصلة في القدس الشريف وعلى المسجد الأقصى. والتي طالت البشر والحجر.وبلغت ذروتها بإغلاق قدس الأقداس في فلسطين: مسجدها الأقصى مؤخرا ومنع المصلين من الوصول إليه . ورغم تراجع سلطات الاحتلال تكتيكيا عن هذه الإجراءات تظل النزعة العدوانية تجاه الأقصى راسخة. في توجهات حكومة نتنياهو اليمينية المتحالفة مع عتاة المستوطنين. والتي تتيح لهم البيئة الحاضنة لتحقيق أحلامهم العبثية باستعادة هيكل سليمان المزعوم. من خلال حماية إقامة صلواتهم بباحات المسجد الذي يدنسون طهارته ويقضون مضاجع عباد الرحمن فيه. ويشاركهم في ذلك كبار المسؤولين بالدولة المغتصبة. الذين لا يتورعون عن اقتحام المسجد ذاته تحميهم قوات أمن مدججة بكل أنواع الأسلحة الفتاكة. ثانيا: لم يوقف الكيان مشروعه الاستيطاني. سواء في القدس أو في غيرها من الأراضي المحتلة. رغم أن صدور قرارات من الشرعية الدولية الباهتة الظلال فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني. وتعهدات حكومة نتنياهو بالتوقف عنه. وكان آخر مظاهر ذلك موافقتها على بناء 200 وحدة جديدة. ما جعل القدس محاطة بغابات كثيفة من المستوطنات التي تشكل. على نحو أو آخر. أخطر المعوقات في أي عملية تفاوض جادة لإنهاء الاحتلال الصهيوني. ومصدرا من مصادر الابتزاز السياسي للفلسطينيين . في سعيهم لبناء دولتهم المستقلة. وفق رؤية حل الدولتين التي قبلوا بها على مضض. رغم أنها تعطيهم مساحة لا تزيد على 22 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية. واللافت أن العالم كله بما في ذلك الولايات المتحدة ينظر إلى بناء المستوطنات بحسبانها معوقا أساسيا في سبيل عملية سلام مأمولة . غير أن الكيان لا يعر أي اهتمام لمثل ذلك . ويمضي سادرا في غيه. لأنه مدرك تماما أنه لن يتلقى العقاب الذي يستحق . غير أن المرء لا ينسى موقف الاتحاد الأوربي على هذا الصعيد. الذي منع استيراد أي سلع صهيونية منتجة في مناطق الاستيطان. وهو ما يمكن اعتباره أضعف الإيمان. ويتطلب من الطرف الفلسطيني والعربي تحركا أوسع. باتجاه شرح مخاطر المشروع الاستعماري الاستيطاني للكيان الصهيوني على أمن أوروبا. القريبة التي لا يفصلها عن فلسطين والوطن العربي سوى بضعة أميال بحرية.ثالثا: فشل كل طروحات السلام. سواء التي قدمت على مدى العقود الثلاثة الأخيرة بها الجانب الفلسطيني أو الجانب العربي. أو حتى على الصعيد الدولي وعدم احترام الكيان بقياداته المتطرفة المتعاقبة لأي من التعهدات التي التزموا بها. للمضي قدما في مفاوضات. كان من شأنها -لو تعاملوا معها بجدية وليس باستخفاف - أن تحقق حلا متوازنا مرضيا للطرفين . رغم أن ذلك الحل يساوي بين القاتل والقتيل بين الجلاد والضحية . ولكن الطرف الفلسطيني. ومعه العرب. قدموا أقصى ما يمكن من مرونة. والتي بلغت مستوى التنازلات المرة . ومع ذلك أجاد ممثلو الكيان لعبة إهدار الوقت في كل جولات التفاوض التي جرت وعملوا على إغراق المفاوض الفلسطيني في التفاصيل المملة . وركزوا دوما على ما يحقق أهداف الكيان. دون أن يلقوا بالا. لأي من حقوق ومطالب الشعب الفلسطيني. والذين ينكرون وجوده بالأساس اتكاء على موروث توراتي مغرق في الضلال والتشويش. والقدرة على قلب الحقائق وتقديمها للآخر الغربي باعتبارها ثوابت. لا تتعارض مع أنساقه الفكرية والسياسية. وبالطبع نحن ندرك أن الكيان الصهيوني هو حصيلة تصور غربي لإقامة كيان يجتمع فيه اليهود. ليحقق مصالحه في الاستحواذ والهيمنة على الوطن العربي. والفصل بين مشرقه ومغربه. والحيلولة دون أي مقاربات وحدوية بين مكوناته. وللأسف نجح الغرب إلى حد كبير في أهدافه من وراء زرع هذه الدويلة. المقامة على مساحة تقترب من العشرين ألف كيلو متر مربع . ويسكنها نحو ستة ملايين نسمة. والتي لم يتمكن الوطن العربي بدوله الاثنين والعشرين. ومساحته التي تصل إلى 14 مليون كيلو متر مربع وسكانه الذين يتجاوزون الـ300 مليون نسمة. من إجهاض مشروعها أو على الأقل ردع نزعتها العدوانية رابعا: ثمة تحولات نوعية على المستوى الشعبي والنخبوي في أوروبا والولايات المتحدة باتجاه حقوق الشعب الفلسطيني . ورفض عدوانية الكيان الإسرائيلي متمثلا في وصول المئات من الناشطين السياسيين الأجانب إلى الأراضي المحتلة . والذين يشاركون الشعب الفلسطيني احتجاجاته الرافضة لاستمرار الاحتلال . ومناوشاته قرب الجدار العازل فضلا عن رفض بعض من أبناء الجالية اليهودية في أمريكا لسياسات الكيان . ويمكن استغلال كل ذلك. وغيره من أشكال التأييد الخارجي للقضية الفلسطينية في رفد الحراك الشعبي في الأراضي المحتلة. بالمزيد من القوة والمساندة . ويمكن أن يشكل في الآن عينه. أرضية للانطلاق عالميا لتوسيع دائرة هذا التأييد. خامسا: هناك حراك شعبي عربيا في بلدان ما يطلق عليه بثورات الربيع العربي . صحيح أن أغلبها دخل في متاهات وصراعات واضطرابات داخلية تكاد تقضي على أسس الدولة الوطنية في هذه البلدان. ولكن يمكن توظيف جوانبها المضيئة . المتمثلة في قدرة الشعوب -عندما تتحرك سلميا وبكثافة ودون توقف - على إحداث تغيير في المعادلة القائمة فمثلما تمكنت شعوب تونس ومصر وليبيا واليمن من إسقاط أعتى النظم الاستبدادية في المنطقة. سيكون بمقدور الشعب الفسطيني بتحرك واع سلمي ومنظم من إسقاط أسوأ أنواع الاحتلال في التاريخ المعاصر وأشدها عدوانية وإمعانا في القتل وإهدار حقوق الشعوب.

384

| 17 نوفمبر 2014

واقفا على أعتابك يالله

وافقا على أعتابك يا الله أسألك السلامة للأوطان متعب أنا يا الله مما تتعرض له الأمة المتشظية المنقسمة المتهافتة على التلاشي. من فرط الدماء المسفوكة في مساحاتها وطرقاتها ودروبها وسهولها وهضابها، لم تعد الأمة التي وضعت محدداتها في قرآنك الكريم. غابت عنها البوصلة. فدخلت في حروب فيما بين بينها بدلا من محاربة أعدائها الذين ما زالوا يتربصون بها من كل صوب وحدب.جوعى شعوب هذه الأمة للسكن. الذي غادر تخومها ولم يعد حتى الآن. جوعى للحرية والديمقراطية والعدل. أسألك يارب أن تهبها ما تريد. هي سعت خلال السنوات المنصرمة. لكن ثمة من لا يرغب في بلورة هذه الأشواق الكبرى يعاندها يكابر يخنقها يحاصرها فأصلح شأن الأمة كي تستعيد عافيتها.عطشى شعوب هذه الأمة للخروج من أزمنة الوجع والآلام فمن غيرك يمنحها هذه القدرة؟ وينأى بها عن العبث المجنون المفروض عليها من قوى في الغرب ودوائر بداخلها.يارب ما يجري من فتن مذهبية وطائفية في أنحاء مختلفة من الأمة.مرعب ومخيف شرع الأبواب أمام تدفق الدماء بغزارة غير مسبوقة في تاريخها. جعلها أنموذجا رديئا بين الأمم الناهضة التي فرضت حضورها بتمسكها بمنظومة العلم وقيم الحضارة. ومسببات الصعود والتمسك بالإنسان باعتباره جوهر الكون فلم تدفع به إلى الهاوية. كما يفعل أبناء هذه الأمة الذين يمتلكون كل مقومات البقاء والبروز والنهوض والاستنارة والقدرة على العطاء الحضاري. بحكم ما لديها من موروث ضخم وتاريخ طويل. فهل هانت عليهم أنفسهم إلى هذا الحد الذي يتسولون فيه المساعدات والقوة والطعام والشراب وكل ما يحفظ الحياة؟ لم تعد أمة منتجة إنها تعتمد على غيرها. حتى في أدوات العبادة التي نستورد بعضها من دول لا تؤمن بك. يارب من سجادة الصلاة والمسابح التي نستخدمها في تسبيحك. هل يجوز ذلك يارب بعد أن أفنى الأقدمون أعمارهم في تقديم أمة العطاء الحضاري للعالم الذي كان متخلفا في كل شيء تقريبا آنذاك؟ هل يرض ذلك شريعتك ودينك الذي ارتضيته لنا يارب وفيه تحريض على العمل والعطاء وإعطاء الأولوية للإنتاج وتقليص الاعتماد على الغير؟هل يرضيك يارب. ياخالق هذا الكون أن تظل هذه الأمة التي اخترتها لتكون أمة وسطا بين العالمين على هذا النحو من الخمول والاتكال والخرس الحضاري. على الرغم مما لديها من ثروات وعقول ومهارات. فتذهب سدى جميعها في الصراعات المحمومة والتهافت على السلطة والحرص على البقاء فيها لأطول الأزمنة. فأصابها الترهل والرغبة في البقاء في منطقة الذيول وليس الرؤوس. من يغير هذه الأوضاع سواك ياالله أعلم أنك يارب رهنت دفع الأمة نحو التغيير بقيامها هي بفعل التغيير. لكن يارب أدعوك لدفع شعوب هذه الأمة. لأن تقتنع بخيار التغيير وامتلاك أدوات الحداثة والتقدم . والقفز على حالة التخلف السائدة والتي تبرز تجلياتها فيما نراه ونلمسه من غياب عن المعادلة الحضارية الراهنة. وفي حالة العجز عن التعاطي الفعال مع ظواهر خطيرة مثل الإرهاب. الذي بات عنوانا لها في عالمنا. لأن نفرا رأوا أن القتل والتدمير وسفك الدماء وتخريب المرافق أمر يتسق مع أحكام الشريعة. كيف يارب. فهل هذا هو الجهاد وضد من؟ ضد من يقول لا إله إلا الله محمد رسول حتى ولو كان مختلفا معنا؟ فهل يجوز أن نقتله لأنه لايؤمن بقناعاتنا وبفهمنا القشري للدين ولجوهره وكينونته؟ من الذي أعطى الحق لهؤلاء الذين يتصدرون المشهد الإرهابي في الأمة. وينادون بالجهاد ضد البعض منا. بينما لايفكرون في مجابهة العدو الحقيقي الذي ما زال يحتل الأرض ويسلب الحقوق وينتهك المقدس هم يستندون يارب إلى قرآنك وأحاديث نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. لكن يارب أنت منزه عن ذلك . فأنت تأمر بالتعامل بالحكمة والموعظة الحسنة. لم تأمر بالقتل إلا لمن اعتدى علينا من الأعداء وليس لأبناء الأمة المختلفين معنا في التوجه ولايقبلون بقناعاتنا. إنها معادلة صعبة ياالله هؤلاء النفر باسمك يقتلون ويصلبون ويقطعون الرؤوس ويسبون النساء ويدمرون الأوطان بأسلحة فتاكة وبقلوب مفرطة قسوتها. بينما أنت الرحيم وأنت الرحمن وأنت الداعي إلى بناء الأوطان لاحرق الأخضر واليابس يارب إن القدس التي تحتوي على أول القبلتين وثالث الحرمين. مسجدك الأقصى. تتعرض لعدوانية شرسة من كيان صنعه الغرب. كيان قاتل متطرف لديه مشروعه الاستعماري والاستيطاني. لم تتحرك الأمة لوأد هذه العدوانية لقد حاولوا مؤخرا حرق أقصاك. وأغلقوا أبوابه ودنسه قطعان بني صهيون بأحذيتهم وأسلحتهم. إنهم يريدون أن يطفئوا نوره في فلسطين حتى تفقد هويتها . لصالح هوية الكيان وليستعيدوا هيكلا مزعوما في المكان. هو هكيل نبيك سليمان الذي يتوجع في قبره مما يتعرض له قدس أقداسك في فلسطين. يارب لماذا لم تنهض الأمة منددة بهذا الفعل الإجرامي الذي يرتكب يوميا وتتوحد لوقف هذه العدوانية؟ لقد اكتفت بإصدار سلسلة من البيانات والصرخات المكتومة. ولكن من يعر اهتماما لمثل ذلك إن الكيان الصهيوني حديد ولايفته سوى الحديد . والأمة مشغولة عن ذلك بحروبها الداخلية حتى أبناء فلسطين فقدوا القدرة على التوافق. وكلما يقتربون منه ثمة من يوقظ الفتنة فيما بينهم. مثلما حدث قبل أيام بتفجير منازل نفر من قادة فتح في غزة فتم تبادل الاتهامات مع حماس. وعادت الأمور إلى المربع الأول الذي كابد فيه الفلسطينيون تداعيات الانقسام. والاحتقان والحرب الأهلية والدم المسفوح بيد الشقيق. بينما العدو مبتهج ويمارس عدوانيته في كل أنحاء فلسطين ماضيا في تكريس مشروعه الاستعماري الاستيطاني فمن غيرك يا الله يغير هذا الوضعية؟ يارب أوجاع الأمة بلا حدود . والبكاء على الأطلال لم يعد له جدوى. فزودنا بمددك وفيض رحمتك. هب لنا القدرة على التحرك بإيقاع أسرع مثلما أمرتنا باتجاه استعادة البوصلة والهداية والرشاد. كى تنهض الأمة من كبوتها تمزق سرابيل الظلام المقيمة فيها ترفل بثياب الحرية والديمقراطية وتحترك حقوق إنسانها. وفق ما حددته أنت ياالله في كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. يارب علمنا الدين الحقيقي ألهمنا فهمه وفق ما يحقق جوهره ويسهم في دفعنا من الخروج من بوتقة الاتكالية والبقاء في حالة مرواحة المكان التي توشك أن تصيبنا بالذهول والغيبة عن الواقع. والتفاعل مع مكونات الكون الإيجابية. التي دعوتنا لتدبرها والعمل بمقتضياتها حتى نشكل بينان الأمة المتراص. جنبا إلى جنب ليواجه سارقي فرحنا وبهجتنا وسكوننا.إننا نحتاج يا الله إلى عونك وبركاتك ونفحاتك. كي تلهم شباب الأمة ليتعلم الإسلام الذي أردته. الإسلام الذي يبنى ويقيم الأوطان ويغيث الملهوف. ويعيد الحقوق المسلوبة من الأعداء. ويفتح بوابات الأبداع والإرتقاء الحضاري. ويلمم الجراح ويمنح الأمن والسلامة والسكينة لعبادك. بدلا من الرعب الذي يجتاحهم ويسكن قلوبهم. فيجبرون على الهجرة القسرية والإقامة في الخيام والصحارى والجبال والحدود. يارب أنت أعلم بأحوالنا فأصلحها وأصلحنا. واهدنا إلى الصواب وسبيل الرشاد.

1669

| 10 نوفمبر 2014

الأمن القومي العربي

ذلك كان عنوان ندوة نظمها البرلمان العربي واستمرت ثلاثة أيام بالقاهرة بمشاركة لفيف من السياسيين والخبراء والمفكرين من أقطار عربية شتى. ولاشك أن توقيتها كان من الأهمية بمكان في ظل حالة اضطراب غير مسبوقة يتعرض لها النظام الإقليمي العربي، منذ تبلوره بشكل واضح في أربعينيات القرن الفائت وأظن أن هذا الأمن بات مستباحا في المرحلة الراهنة على نحو ينطوي على مخاطر تهدد الدولة الوطنية العربية. فضلا عن تهديد الوجود العربي ذاته مع تمدد حالة السيولة السياسية التي تشهدها المنطقة، والتي من ملامحها ذلك الفيضان الإرهابي – إن جاز لي الوصف - وصعود الجماعات المتطرفة من كل اتجاه، وهو ما يقود إلى تلاشي الدولة، إن لم يكن انهيارها بالكامل في بعض الحالات. بيد أن أخطر هذه الملامح في تقديري ما زال يتمثل في الكيان الصهيوني الذتي تتصاعد نزعته العدوانية باتجاه محو الهوية الوطنية الفلسطينية، متمثلا ذلك بصورة سافرة في تعاطيه مع قدس أقداس فلسطين المسجد الأقصى، والذي تعرض خلال الأيام الأخيرة لأشد الانتهاكات والاختراقات بلغت ذروتها بإغلاقه بالكامل أمام المصلين نهار الخميس الماضي ومنع الصلاة فيه إلا لمن تعدى الستين، فضلا عن منع الأذان من مآذنه التي ما زالت شامخة، خاصة عبر استخدام مكبرات الصوت، وهو تطور يحدث للمرة الأولى منذ احتلاله في يونيو من العام 1967، ناهيك عن العدوان المفرط في قوته وقسوته على غزة خلال شهر يوليو الماضي والذي استمر زهاء الخمسين يوما ولم تتوقف تداعياته السلبية بعد.غير أن ما لفت انتباهي في توصيات هذه الندوة المهمة، غياب البعد الصهيوني عنها في حين تركز جلها على التطورات الأخيرة في المنطقة والمتعلقة بالإرهاب وصعود الجماعات المتطرفة، وهو ما كان واضحا في الدعوة إلى ضرورة تفعيل تنفيذ القرارات العربية الصادرة عن القمم العربية حول الأمن القومي العربي ومستجداته الطارئة والتوصل لتوصيات ومقترحات عملية وقابلة للتنفيذ بشأنها، والإشارة إلى أن الأمن القومي العربي ومخاطره، وتحدياته تحتاج إلى رؤية عربية جديدة والتعامل معها بآليات ورؤى تراعي ما تم التوافق عليه في آليات واتفاقيات عربية، فلم يذكر الكيان الصهيوني بحسبانه المصدر الرئيسي للخطر والإرهاب في المنطقة العربية، بل يمكن القول باطمئنان إن وجوده غير الشرعي في المنطقة يمثل المقدمة، التي أفرزت كل هذه النتائج التي تتجلى بتداعياتها السلبية في الأركان المختلفة، فمع غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية على نحو يعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، الذي يكابد الاحتلال الأشد سوءا وبشاعة في التاريخ المعاصر تهيأت البيئة لبروز التطرف ثم انقلب الأمر إلى إرهاب، غير أن اللافت أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تمدد في المنطقة العربية حاليا رأسيا وأفقيا، لا تعير الكيان أي اهتمام ولا تخوض ضده أي معارك وتبدو حريصة على تجنب الاشتباك معه أو إيذائه رغم اقترابها من حدوده في غير موقع. وقد فسر ذلك الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية رئيس الوحدة الإسرائيلية الإستراتيجية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بقوله: "إن إسرائيل "الكيان" أعدت إستراتيجية مواجهة مع هذا التنظيم وداعش لن يقترب من إسرائيل في هذا التوقيت، والخلايا التي يتم كشفها في الأراضي المحتلة.. إسرائيل تتعامل معها فورا، أشعر أن هناك اتفاقا بين الطرفين بعدم الصدام، لن ندخل ولن نقترب منكم وانتم لا تتعرضون لنا".ومع ذلك فإن الندوة قدمت منظورا شاملا للتعامل مع الأمن القومي من خلال الدعوة إلى ضرورة مراجعة وتحديث ما تم التوصل إليه من آليات واتفاقات ورؤى لحماية الأمن القومي العربي في ضوء المستجدات الطارئة عليه، وفي مقدمتها مواجهة الإرهاب، والعمل على تطبيق وتفعيل الاتفاقات العربية بشأنها، فضلا عن المطالبة بمراجعة العلاقات العربية العربية، والارتقاء بها وبما يخدم العلاقات البينية بما يعزز الاندماج العربي وصولا إلى تحقيق الوحدة العربية كقوة في مواجهة العالم الخارجي مع تكثيف تعاون الدول العربية لمواجهة وحل مشاكلها الداخلية والتي نتجت عن تدخلات خارجية.كما شددت على أهمية توسيع الاهتمام بالتنمية المستدامة الشاملة في الدول العربية، لاسيَّما التنمية البشرية وتطوير المنظومة التعليمية، والعدالة الاجتماعية، والحفاظ على البيئة في سياق التأكيد على المنظور الشامل لتحقيق الأمن القومي العربي بمحاوره المتعددة والتي تبناها البرلمان العربي. والعمل في هذا السياق على تفعيل مشروعات التكامل الاقتصادي العربي كطرف آخر لتحقيق التكامل العربي الشامل، وتحقيق الأمن القومي العربي إلى جانب إدراك المخاطر التي تواجه الأمن الغذائي والمائي العربي وسبل مواجهتها، وضرورة إيلاء الأهمية القصوى للتناول الإعلامي السليم لكافة الموضوعات التي تمس مقدرات الأمة العربية دون مؤثرات أو ضغوط خارجية.وتعكس هذه المضامين التي طرحتها الندوة شعورا بأهمية الحلول غير الأمنية للمهددات التي تواجه الأمن القومي العربي، خاصة في الشق المتصل بالإرهاب والتطرف. فهذه الحلول بطبيعتها آنية وقد ينتج عنها- إذا ما انطوت على مبالغة - المزيد من إفراز مسببات التطرف والإرهاب وبالتالي فإن الجهات النافذة والنخب السياسية مطالبة بالإسراع في وضع إستراتيجيات المواجهة على الصعيد الاقتصادي والفكري والثقافي والإعلامي والاجتماعي وثمة دراسات ضخمة وضعتها المؤسسات البحثية وهي في حاجة فقط إلى نفض الغبار المتراكم عليها لوضعها موضع التطبيق. ومن داخل نقاشات الندوة خرجت التحذيرات قوية من مخاطر تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات جديدة، وفق طروحات تروج للفيدرالية والكونفيدرالية، وتحت دواعٍ طائفية ومذهبية ومنح حقوق الأقليات وهو ما نلمسه ونراه بأعيننا وأيدينا في ضوء ما يجري في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا والتي يتداخل فيها البعد المذهبي بالطائفي بالجهوي، فضلا عن البعد المتعلق بالتطرف المتصاعد بقوة في المنطقة نتيجة سنوات الاستبداد والإقصاء والتهميش لجماعات مهمة ضمن الشعوب العربية. وهو ما بدا واضحا فيما عبر عنه عمرو موسى الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، من وجود مخطط لسايكس بيكو جديدة تستهدف تقسيم المنطقة إلى دويلات وبناء نظام إقليمي جديد يخدم مصالح خارجية وهو ما يستوجب -وفق رؤيته - البحث المعمق في ذلك. على نحو يجعل الدول العربية تساهم بفعالية في بلورة مسار المنطقة المستقبلي وقال: "لو تركنا الآخرين يرسمون حدود النظام الإقليمي العربي، فإن ذلك سيكون جريمة كبرى في ظل القرن الواحد والعشرين الزاخر بالوسائل والتكنولوجيات الحديثة، فضلا عن امتلاكنا الكوادر القادرة على المساهمة بذلك". مؤكداً في الوقت ذاته أن ما شهدته الدول العربية يكشف رفض الشعوب العربية للعيش في العصور الظلامية وأنها عازمة على العيش في الدولة المدنية الديمقراطية. كما جسدت الرؤية التي أوضحها أحمد بن محمد الجروان رئيس البرلمان العربي نفس الشعور بالخطر، من محاولات التقسيم والتفتيت من المشرق إلى المغرب العربي والتي تجب مواجهتها - كما يقول - من خلال تعزيز القدرات الدفاعية والاقتصادية، ومواكبة المفاهيم الفكرية والثقافية والمجتمعية المعتدلة، التي تتناسب مع المجتمعات العربية والتي تعزز من وضع المواطن العربي وقدرته على مواجهة تلك المتغيرات.إن الأمن القومي العربي لم يعد مسألة تتعلق بحماية الحدود الخارجية للأمة، لكنه يتقاطع مع محددات وأبعاد متعددة ولا يتحمل مسؤولية حمايته المؤسسات العسكرية والأمنية فحسب، وإنما تتشارك فيها كل شرائح المجتمعات العربية والأمر مرهون بإطلاق العنان لمنظومة الدولة الوطنية القائمة على المواطنة والمساواة والعدالة وفق معادلة الحكم الرشيد الذي ينهض على الديمقراطية وتداول السلطة والعدالة الاجتماعية والانحياز للشعب وليس للأقلية، سواء النخب السياسية أو رجال أعمال.

497

| 03 نوفمبر 2014

alsharq
غياب المعرفة المالية عن الطلاب جريمة اقتصادية بحق الأجيال

في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...

2109

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

765

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
المسرح السياسي وديكور التعليم

من يراقب المشهد السياسي اليوم يظن أنه أمام...

696

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
1960.. أمّ الانقلابات في تركيا وإرث الوصاية العسكرية

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...

690

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
آن للمنظومة الدراسية أن تتغير

منظومة دراسية منذ القرن الثامن عشر وما زالت...

666

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
أهمية وعي المُستثمر بالتشريعات الناظمة للتداول

يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...

636

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
منصات وزارة العمل.. من الفكرة إلى الأثر

منذ تولي سعادة الدكتور علي بن سعيد بن...

606

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
عيسى الفخرو.. خطاط الإجازة

يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...

489

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
رواتب العاملات

يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...

471

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
العربي يذبح بلا شفقة

لم يَـبْـقَ موضعٌ في القلب العرباوي لم تنل...

450

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
بطة الذهب وثقافة يوم الجمعة.. هل خسارتنا أكبر من أرباحنا؟

بين الحين والآخر، يتجدد في مجتمعاتنا الخليجية نقاش...

447

| 17 سبتمبر 2025

alsharq
بدأ التناقض

ها هي أنديتنا الممثلة لنا في مسابقاتها الخارجية،...

447

| 19 سبتمبر 2025

أخبار محلية