رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أضفت القمة الخليجية الخامسة والثلاثون التي احتضنتها الدوحة يوم الثلاثاء المنصرم زخما إضافيا لمسار منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية على الصعد كافة. وذلك بعد أن كرست المصالحة الخليجية - الخليجية. واستعادت روحها التضامنية والتكاملية والتى تشكل جوهر المشروع الخليجى. الذي انطلق في الخامس والعشرين من مايو في مدينة أبو ظبى في العام. 1981 مفتتحا زمانا جديدا في تاريخ المنطقة . التى ظلت مئات الأعوام في حالة تناحر وتنابز وتناقض. بيد أن الرابح الأكبر في هذه القمة كان التكامل الخليجى الاقتصادي . والذي حظي بدفعة قوية من قادة الدول الست اقتناعا منهم بأنه المدخل الصحيح لبناء التكتل المأمول الذي من شأنه أن يشكل رقما مهما في المعادلة الإقليمية والدولية.
وفى هذا السياق. فقد توافق القادة على مجمل الخطوات الرامية إلى الوصول للوضع النهائي للاتحاد الجمركي. واعتمدوا القواعد والمبادئ الموحدة لتكامل الأسواق المالية بدول المجلس بصفة استرشادية، لحين الانتهاء من منظومة القواعد الموحدة لتحقيق التكامل في الأسواق المالية بدول المجلس. وأعطوا توجيهاتهم إلى الدوائر المعنية بسرعة الانتهاء من دراسة الاستراتيجية الشاملة بعيدة المدى للمياه لدول مجلس التعاون على نحو يحقق الربط المائي والأمن المائي لدول المجلس . وقرروا الانتهاء من مشروع سكة حديد مجلس التعاون والذي وصفه البيان الختامي لقمة الدوحة بالحيوي والاستراتيجي في العام 2018. وذلك لما ينطوي عليه من أهمية بالغة في تسهيل التجارة وانتقال الأفراد بين دول المجلس. كما أحيط القادة بالتقدم المتحقق على صعيد الاتحاد النقدي لمجلس التعاون، وبالخطوات التي اتخذتها دول المجلس لتنفيذ السوق الخليجية المشتركة لتفعيل وتعظيم استفادة مواطني دول المجلس من مجالات السوق الخليجية المشتركة. مؤكدين على أهمية الاستمرار في خطوات التكامل بين دول المجلس في شتى المجالات الاقتصادية، ووجهوا بتكثيف الجهود لتنفيذ قراراته بشأن العمل المشترك فيما يتعلق بالمجالات المنصوص عليها في الاتفاقية الاقتصادية.
صحيح أن ثمة خلافات وتباينات في المواقف بين أطراف المنظومة وقعت في السنوات الأخيرة . ومع ذلك تحقق تحول نسبي على صعيد التكامل الخليجي. وحسبما تشير الأرقام إلى فإن حجم التجارة الخارجية لدول المجلس تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار، منها 950 مليار دولار للصادرات ونحو 450 مليار دولار للواردات، وتقدر التجارة البينية بنحو 100 مليار دولار سنويا، وقد تطورت من 32 مليارا" في العام 2005، وذلك نتيجة تفعيل اتفاقية الاتحاد الجمركي وبدء العمل بالسوق الخليجية المشتركة عام 2008، إضافة إلى زيادة وتيرة التنوع الاقتصادي والتنمية الصناعية الخليجية.
كما تميزت السنوات الأخيرة بالعديد من الإنجازات التي يعيشها المواطن الخليجي، سواء فيما يتعلق بالانتقال والإقامة والعمل، بالبطاقة بين الدول الأعضاء، أو على صعيد ممارسة النشاط الاقتصادي والتجاري وانسيابية رؤوس الأموال، وحق المساهمة في الشركات التي تؤسس في دول المجلس، أو شراء أسهم الشركات المساهمة من الأسواق المالية، ثم تملك العقار لأغراض السكن أو الاستثمار، ولكن رغم ذلك تتبقى هناك صعوبات كثيرة تواجه تطبيق بنود الاتحاد الجمركي، وتسهيل عبور البضائع على الحدود بين الدول، مع الإشارة إلى أنه تم الاتفاق في مايو الماضي على حل آخر الخلافات التي تتعلق بتقاسم الإيرادات الجمركية على أن يبدأ التطبيق الفعلي في مطلع العام 2015.
أما بالنسبة للاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة فهناك صعوبات تواجه إنجازهما نتيجة خلافات بين الدول الأعضاء، مع العلم أن قمة مسقط الخليجية في العام 2001، قررت تطوير الاتفاقية الموحدة، حيث جاء في البند الرابع " من أجل الوصول إلى الاتحاد النقدي والوحدة الاقتصادية، بما في ذلك العملة الموحدة فإن الأمر يتطلب تحديد جدول زمني لخلق متطلبات الوحدة، التي أبرزها تناسق السياسات الاقتصادية، خصوصا" المالية والنقدية، والتشريعات الخاصة بالمصارف ووضع المعايير والأسس الكفيلة بحل التناقضات والتباين في السياسات المحلية للدول الأعضاء.
ومع ذلك فإنه ما زال مطلوبا المزيد من الآليات التي من شأنها أن تعلي من قيمة التكامل -إن جاز التعبير - خلال المرحلة القادمة . واستغلالا لهذه الروح الجديدة التي أفرزتها قمة الدوحة حتى يمكن بالفعل مواجهة متطلبات المواطنة الخليجية - على حد قول عبدالرحمن بن حمد العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي - حتى يشعربها ويلمسها مواطنو دول مجلس التعاون في انسيابية تتجلى. في عمليات التنقل والعمل والتجارة والاستثمار والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية من دون أية عقبات، مع تعزيز مشاركة المرأة في التنمية الشاملة تحقيقاً لمتطلبات المواطنة الخليجية - وحسب منظوره - فإنه بات من الضرورة بمكان . الإسراع في تشكيل الهيئة القضائية والتي نصّت عليها الاتفاقية الاقتصادية لمجلس التعاون، وإعطاء قرارات السوق المشتركة المزيد من المصداقية، فضلا عن الاتحاد الجمركي والاتحاد النقدي بالذات على صعيد إزالة العوائق التي تعترض التطبيق الفعلي لكي يلبي ذلك طموحات المواطنين.
لقد برز في الآونة الأخيرة متغير إضافي يتمثل في الهبوط الحاد الذي طال القيمة السوقية للنفط. والذي يشكل المصدر الرئيس لدخلها القومي. بعد أن فقد مايقارب 45 % منها خلال الأشهر القليلة الماضية وما تزال التوقعات متشائمة في هذا الشأن. حيث صدرت تقارير حديثة تتحدث عن زيادة في المعروض من النفط خلال النصف الأول العام المقبل. مما قد يدفع الأسعار إلى مزيد من الهبوط الأمر الذي يستوجب العمل على تفعيل دور مجلس التعاون الخليجي في دفع مسيرة التكامل الاقتصادي والوحدة الاقتصادية. وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية لمواجهة التحديات المستجدة على الساحة الاقتصادية الدولية وذلك من خلال التنسيق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي. وتقليل الازدواجية في المشاريع لمنع التنافس غير الإيجابي . وكذلك تنويع القاعدة الإنتاجية على المدى البعيد وهو ما يجسد الأهمية الكبرى للتعاون الإيجابي والعمل المشترك لحماية اقتصادات دول مجلس التعاون باعتبارها مصدر الطاقة في العالم . وحماية أسواقها وذلك يستدعى بدوره أن تسعى منظومة دول مجلس التعاون إلى توحيد إجراءاتها الاقتصادية والقانونية وأساليب التخطيط الاقتصادي لكي تشكل عاملا مهما في تعزيز توجهها نحو التكامل الاقتصادي وتمهد نحو وحدتها الاقتصادية.
إن التكامل الخليجي. هو الخيار الوحيد المتاح أمام منظومة دول مجلس التعاون. بحسبانه الطريق المؤدي إلى الاتحاد أو الوحدة الخليجية المنشودة على المدى الطويل عندما تكتمل المقومات الموضوعية في المنطقة والإقليم. وهو أمر من الصعب الفكاك منه. خصوصا أن هناك من يتدبر للمستقبل ويحتاط للحاضر وتحدياته في داخل كل دولة خليجية وعلى المستوى الإقليمي. حيث يتعرض النظام الإقليمي العربي لواقع شديد الصعوبة في ظل موجة ثورات الربيع وتداعياتها، وتعرض الأمن والاستقرار السياسي لدول عربية مركزية للخطر، خاصة مصر وليبيا وسوريا والعراق، ومع تحالفات إقليمية دولية، تبرز مع الدور الإيراني المتصاعد، والتقارب الأمريكي – الإيراني، وما استتبعه من تقارب إيراني- تركي، وحتى تركي – إسرائيلي، فضلا عن تحالفات مع جماعات إرهابية بمشاركة أطراف عربية.
ولاشك أن الاستمرار في العملية التكاملية الخليجية ليس بمنأى عن التطورات والتحديات السياسية المحيطة بدول المجلس خاصة مع تصاعد التحديات الأمنية، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب ذي الوجه الديني، وبروز عدد من المعضلات السياسية التي باتت تلقي بظلالها على أوضاع المنطقة ككل بالنظر إلى مسارات التطور التي تأخذها حالياً عمليات التحول السياسي في بعض الدول، علاوة على سعي بعض الدول في الإقليم لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، التي يمكن أن تتسبب في تغيير موازين القوى بالمنطقة، وتفتح باباً واسعاً للتأثير سلباً على أمن شعوبها واستقرار دولها.
إن هناك جملة هذه التحديات تفرض على منظومة دول مجلس التعاون العمل معاً وبشكل مضاعف لتنسيق الجهود والمواقف لتحقيق متطلبات الأمن الضرورية لها سواء فيما بينها أو مع الدول الكبرى المعنية بالحفاظ على مقومات الاستقرار العالمي وذلك لتأمين المصالح الحيوية لدول الإقليم وتجنيبه التوترات التي تحدق به من جميع الجوانب والأطراف
لبعض الاختيارات ثمنُها الباهظ الذي يجب أن يُدفَع، وتكلفتُها الغالية التي لا بدّ أن تُسدّد، إذ لا يمضي... اقرأ المزيد
63
| 14 أكتوبر 2025
انتهيت من مشاهدة الحلقة الأخيرة من المسلسل الأمريكي Six Feet Under، وقصته تدور حول عائلة تملك دار جنائز،... اقرأ المزيد
93
| 14 أكتوبر 2025
لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في العناية بالمساجد وصيانتها وتوفير سبل... اقرأ المزيد
42
| 14 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8802
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4245
| 13 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها الوطنية، يقف الأرشيف القطري أمام تحدٍّ كبيرٍ بين نار الإهمال الورقي وجدار الحوسبة المغلقة. فبين رفوف مملوءة بالوثائق القديمة، وخوادم رقمية لا يعرف طريقها الباحثون، تضيع أحيانًا ملامح تاريخنا الذي يستحق أن يُروى كما يجب وتتعثر محاولات الذكاء الاصطناعي في استيعاب هويتنا وتاريخنا بالشكل الصحيح. فلا يمكن لأي دولة أن تبني مستقبلها دون أن تحفظ ماضيها. لكن جزءًا كبيراً من الأرشيف القطري ما زال يعيش في الظل، متناثرًا بين المؤسسات، بلا تصنيف موحّد أو نظام حديث للبحث والاسترجاع. الكثير من الوثائق التاريخية المهمة محفوظة في أدراج المؤسسات، أو ضمن أنظمة إلكترونية لا يستطيع الباحث الوصول إليها بسهولة. هذا الواقع يجعل من الصعب تحويل الأرشيف إلى مصدر مفتوح للمعرفة الوطنية، ويهدد باندثار تفاصيل دقيقة من تاريخ قطر الحديث. في المقابل، تمتلك الدولة الإمكانيات والكوادر التي تؤهلها لإطلاق مشروع وطني شامل للأرشفة الذكية، يعتمد على الذكاء الاصطناعي في فهرسة الوثائق، وتحليل الصور القديمة، وربط الأحداث بالأزمنة والأماكن. فبهذه الخطوة يمكن تحويل الأرشيف إلى ذاكرة رقمية حيّة، متاحة للباحثين والجمهور والطلبة بسهولة وموثوقية. فبعض الوثائق تُحفظ بلا فهرسة دقيقة، وأخرى تُخزَّن في أنظمة مغلقة تمنع الوصول إليها إلا بإجراءاتٍ معقدة. والنتيجة: ذاكرة وطنية غنية، لكنها مقيّدة. الذكاء الاصطناعي... فرصة الإنقاذ، فالذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإحياء الأرشيف الوطني. فالتقنيات الحديثة اليوم قادرة على قراءة الوثائق القديمة، وتحليل النصوص، والتعرّف على الصور والمخطوطات، وربط الأحداث ببعضها زمنياً وجغرافياً. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحوّل ملايين الصفحات التاريخية إلى ذاكرة رقمية ذكية، متاحة للباحثين والطلاب والإعلاميين بضغطة زر. غير أن المشكلة لا تتوقف عند الأرشيف، بل تمتد إلى الفضاء الرقمي. فعلى الرغم من التطور الكبير في البنية التحتية التقنية، إلا أن الإنترنت لا يزال يفتقر إلى محتوى قطري كافٍ ومنظم في مجالات التاريخ والثقافة والمجتمع. وحين يحاول الذكاء الاصطناعي تحليل الواقع القطري، يجد أمامه فراغًا معرفيًا كبيرًا، لأن المعلومة ببساطة غير متاحة أو غير قابلة للقراءة الآلية. الذكاء الاصطناعي لا يخلق المعرفة من العدم، بل يتعلم منها. وعندما تكون المعلومات المحلية غائبة، تكون الصورة التي يقدمها عن قطر مشوشة وغير مكتملة، ما يقلل من فرص إبراز الهوية القطرية رقمياً أمام العالم. فراغ رقمي في عالم متخم بالمعلومات.....حين يكتب الباحث أو الصحفي أو حتى الذكاء الاصطناعي عن موضوع يتعلق بتاريخ قطر، أو بأحد رموزها الثقافية أو أحداثها القديمة، يجد أمامه فراغًا معلوماتيًا واسعًا. مثالنا الواقعي كان عند سؤالنا لإحدى منصات الذكاء الاصطناعي عن رأيه بكأس العالم قطر2022 كان رأيه سلبياً نظراً لاعتماده بشكل كبير على المعلومات والحملات الغربية المحرضة وذلك لافتقار المنصات الوطنية والعربية للمعلومات الدقيقة والصحيحة فكثير من الأرشيفات محفوظة داخل المؤسسات ولا تُتاح للعامة، والمواقع الحكومية تفتقر أحيانًا إلى أرشفة رقمية مفتوحة أو واجهات بحث متطورة، فيما تبقى المواد المحلية مشتتة بين ملفات PDF مغلقة أو صور لا يمكن تحليلها والنتيجة: كمٌّ هائل من المعرفة غير قابل للقراءة الآلية، وبالتالي خارج نطاق استفادة الذكاء الاصطناعي منها. المسؤولية الوطنية والمجتمعية تتطلب اليوم ليس فقط مشروعاً تقنياً، بل مشروعاً وطنياً شاملًا للأرشفة الذكية، تشارك فيه الوزارات والجامعات والمراكز البحثية والإعلامية. كما يجب إطلاق حملات توعوية ومجتمعية تزرع في الأجيال الجديدة فكرة أن الأرشيف ليس مجرد أوراق قديمة، بل هو هوية وطنية وسرد إنساني لا يُقدّر بثمن. فالحفاظ على الأرشيف هو حفاظ على الذاكرة، والذاكرة هي التي تصنع الوعي بالماضي والرؤية للمستقبل، يجب أن تتعاون الوزارات، والجامعات، والمراكز الثقافية والإعلامية والصحف الرسمية والمكتبات الوطنية في نشر محتواها وأرشيفها رقمياً، بلغتين على الأقل، مع الالتزام بمعايير التوثيق والشفافية. كما يمكن إطلاق حملات مجتمعية لتشجيع المواطنين على المساهمة في حفظ التاريخ المحلي، من صور ومذكرات ووثائق، ضمن منصات رقمية وطنية. قد يكون الطريق طويلاً، لكن البداية تبدأ بقرار: أن نفتح الأبواب أمام المعرفة، وأن نثق بأن التاريخ حين يُفتح للعقول، يزدهر أكثر. الأرشيف القطري لا يستحق أن يُدفن في الأنظمة المغلقة، بل أن يُعاد تقديمه للعالم كصفحات مضيئة من قصة قطر... فحين نفتح الأرشيف ونغذي الإنترنت بالمحتوى المحلي الموثق، نصنع جسرًا بين الماضي والمستقبل، ونمنح الذكاء الاصطناعي القدرة على رواية قصة قطر كما يجب أن تُروى. فالذاكرة الوطنية ليست مجرد وثائق، بل هويةٌ حيّة تُكتب كل يوم... وتُروى للأجيال القادمة.
2388
| 07 أكتوبر 2025