رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أتجول بفكري في خارطة الأمة مصبوغة بالألوان الباهتة فاقع صفار أوراق شجرها تطل على الصحاري وسواحلها لم تعد متوهجة بالخضرة وحقولها تيبست وأمطارها توقفت عن الانتشار مقبوض قلبي على هذه الأمة رغم هذا الأمل الطالع من تونس التي بدأت تستعيد لونها الأخضر فأعادت الاعتبار لفعل الثورة الذي كاد يندثر من فرط تراكم الوجع والقهر والتبعية والسقوط في معادلة تقوم على امتلاك الثروة والسلطة معا لنفر محدود بينما تتساقط الأغلبية في دوامات الجوع والفاقة والمرض والجهل والأمية أتطلع جنوبا وشمالا شرقا وغربا فلا أعثر إلا على بقايا أمة تهاوت إلى حضيض الحروب والانقسامات والاحتلالات واغتصاب حقوقها ومقدراتها وصراعات أهليها مذهبيا وجهويا وطائفيا يأوي الأمة من ذلك أفتح الكتب والدفاتر لا أبصر أمامي إلا صفحات يعلوها الصدأ ودم الأشقاء المسفوح والتاريخ المهدر والجغرافيا المستباحة والكرامة المهدرة والسيادة المنتهكة غابت عنها ألوان قوس قزح وغسق الليل المدهش وندى الفجر الشهي باتت سطورها وكلماتها فاقدة المعنى لا شعر لا قصائد مكتوبة في الأوراق لم تعد الخيول مسرجة فلا فرسان ولا ساحات لا سيوف مشرعة ولا رماح معدة ولا كر أو فر ذهبت هذه المعاني أدراج الرياح سافرت بلا عودة لا تقل لي أنني موغل في الشعور بالعتمة أو متجاوز للحد في توصيف الواقع أو مفرط في تشاؤمي ربما لكن إن وجهت بصرك إلى الجنوب ستقرأ لافتة الانفصال فهاهو السودان الوطن الممتد عبر مئات السنين حاملا باقة من الألوان والأعراق والقبائل والثقافات مقدم على التفكك في شطره الجنوبي والذي قد يتمدد إلى أجزاء أخرى تعبئ وتهيئ ضمن مخطط أسهمنا فيه دون أن نعلم أو بعلم البعض منا واستسلمنا لمن أعدوه وصرنا شركاء في معادلة التقسيم والتفتيت وفي الجنوب أيضا الصومال يتمزق يئن ويصرخ من تراكم الأوجاع دون أن تمتد إليه يد عربية تسانده تحول دون استمراره في السقوط صريعا لأوهام وعبث الماجنين باسم الإسلام يذبحون أشقاءهم ويصلبون أبناءهم والوطن تشطر والثروة تهدر والقيم تداس والخصوم مبتهجون فهاهو الصومال يقدم لهم مذبوحا دون أن يدفعوا الثمن سهلا يسيرا ولقمة سائغة وإن أطلقت لبصرك العنان في الشمال فإن فلسطين ما زالت محتلة وغاصب أرضها وقاتل بنيها ومشرد أطفالها ما زال يشرع سيفه المسموم يصب نيران احتلاله لتطال البشر والشجر وبيارات البرتقال ومزارع الزيتون وقلوب الثكالى من أمهات ما زلن ينتظرن عودة أولادهن القابعين في السجون والمعتقلات بعد أن شيعن آخرين إلى مثواهم الأخير أحياء عند ربهم يرزقون ورغم ذلك فإن ثمة من يتحدث عن بقايا سلام مع العدو وهو يركض باتجاه آخر ويصدقون نيتانياهو وباراك وبيريز بل إن البعض منا يصافحهم ويعانقهم ويدعوهم إلى موائد طعامه الشهي ويظهر معهم معتزا أو متفاخرا على شاشات التلفاز وفي فلسطين كارثة مستعصية على التجاوز تكمن في استمرار حالة الانشطار والتشطير بين فتح وحماس وحديث عن صراع على سلطة ليست قائمة في الواقع وإنما هي سلطة وهمية أو متوهمة فكلاهما خاضع لقبضة الاحتلال وذلك نوع من الترف ليس مقبولا بل محرما وفق محددات الدين ومنظومات القيم ومواثيق الأخلاق وليس بعيدا عن فلسطين.. لبنان المقبل على وجع لن يتوقف عن النزف إن لم يتنبه فرقاؤه وتستيقظ نخبه وتستعيد طوائفه سيرتها القديمة في التوافق والتعايش فثمة من يخطط لتأجيج النار الخامدة الآن خاصة بعد ثورة تونس التي شكلت ضربة لقوى الهيمنة ومن ثم يتعين الرد عليها عبر بقعة أخرى ولبنان بتمزقاته الطائفية وحالة الاستقطاب الحادة فيه يمتلك قابلية فريدة للتفاعل مع كل مخطط لحرب أو لتمزيق وهذه المرة يسعون إلى تفتيته إلى دويلات وكانتونات تجمع كل منها طائفة أو مذهبا أو فرقا.. لبنان هذا الوطن الجميل بشرا وطقسا وجغرافيا بإطلالته البهية على المتوسط وتراكمه الحضاري المدهش يتعرض إلى محنة سببها هذا التهافت على امتلاك كل طرف أو مجموعة منه على امتلاك مقومات القوة وحده ونفى الآخر بل ومحوه وإدخاله دائرة العدم وثمة من يقوض البنيان الوطني من الخارج والعدو يرسم ويوجه وينفذ عبر طابوره الخامس المنتشر في الأنحاء دون أن يبصره أحد والأشقاء يسعون إلى لملمة الجراح والفرقاء يتهافتون على الصراع والتمسك بشروط لا تعلي من قيمة الوطن وإن كانت تعلي من قيمة الزعيم أو الطائفة أو المذهب لا تنسى أن تعرج إلى الشرق حيث العراق الذي ما زالت جروحه من الغزو والاحتلال الأمريكي والغربي - وللأسف المدعوم لوجستيا من أطراف عربية - مفتوحة وبقايا دم بنيه مازالت في الطرقات لم تجف بعد ولغة الانقسام ما زالت تفرض سطوتها والمذهبية المقيتة ما زالت تغنى على بعض الشفاه وتبدت في الآونة الأخيرة ملامح التفتيت على نحو أشد وضوحا بعد أن كانت محجوبة على استحياء وفي الوسط تعرضت المحروسة – مصر- لمحاولة يائسة لتمزيق أواصر وحدتها الوطنية وضرب نسيجها الواحد عبر تفجير كنيسة الإسكندرية ضمن سياق إعادة رسم خارطة المنطقة على أسس طائفية ودينية ومذهبية ولكن شعبها انتفض رغم حالة الغضب عند هذا النفر أو ذاك منه فسقطت المؤامرة لكن من يرسم ويوجه وينفذ لن يصيبه اليأس سيظل إن لم ينتبه أهل المحروسة يطلق دفعات رصاصاته لإدخالها ضمن دائرة التفتيت وفي الغرب مازال الوجع القديم الناتج عن الصراع بين المغرب والبوليساريو على الصحراء الغربية قائما دون أن يبدو في الأفق ما ينبئ عن إمكانية تجاوزه وحله على أسس تحافظ على وحدة المغرب وتعلي من خصوصية الإقليم ولكن الغرب قدم لنا في الرابع عشر من يناير الجاري ثورة شعب تونس لترسم تجليات زمن عربي جديد تفك فيه الجماهير ضفائر الوجع والكبت والقهر والجوع وتغني للحرية وللقمة خبز نظيفة السطر الأخير: ودياني غارقة في رحم الصمت منكفئا صرت هو وجهي أم لون حلي مصبوغ أقبض على جمري مدفوعا لكون أعلى أقرأ فاتحة كتاب العشق أسكن خريف الأشياء هو فجر أم زخات مطر زائف صدري مسكون بالثلج أبوء برائحة الخبز المسروق جوع هو أم كيد طير مذبوح الشمس مسافرة العبارة تضيق الأفق يخاصم الغيم أتمدد في الغياب
1482
| 24 يناير 2011
خلال تجوالي في جوبا عاصمة الجنوب السوداني على مدى ثمانية أيام لرصد التداعيات التي ستنتج عن استفتاء تقرير المصير صليت من أجل الوحدة كنت آمل أن أعثر على بقاياها لدى المواطن الجنوبي لكنني فوجئت بحجم معاداتها والسعي بقوة إلى التخلص منها عبر الاستفتاء الذي اختتمت وقائعه مساء أمس السبت بعد حوالي أسبوع من عمليات التصويت التي جرت في أكثر من 2600 مركز اقتراع بالولايات الجنوبية العشر فضلا عن أكثر من 165 مركزا بولايات الشمال بالإضافة إلى المراكز الخارجية في دول المهجر لم أكتف بالصلاة من أجل الوحدة وإنما سعيت إلى محاولة معرفة مكانتها في ذهنية النخب السياسية والشارع الجنوبي والمدهش أن الإجابات جاءت جميعا متقاربة باتجاه رفض الاستمرار فيها على الأقل في المدى المنظور وهو ما بدا لي واحدا من رابع المستحيلات بعد أن شاهدت الملايين من سكان الجنوب يتدفقون على مراكز الاقتراع مستخدمين كل وسائل النقل وأغلبها عربات الربع الرباعي التي تتناسب مع الوضع الطبوغرافي لجوبا ولغيرها من ولايات الجنوب التي ما زالت تخاصم الطرقات الحديثة المرصوفة إلا شارعا رئيسيا يربط منتصف العاصمة وبعض أطرافها خاصة الأحياء التي يقع فيها مقر حكومة الجنوب والوزارات كان المشهد خلال أيام الاستفتاء التي قضيتها في جوبا ينبئ بحالة حماسة بالغة باتجاه الانفصال فالصفوف كانت تمتد على نحو حلزوني داخل مراكز الاقتراع التي تابعتها عن كثب وخارجها ومحتوية أصنافا من البشر مختلفي الملابس بين الزاهي والفاقع والهادئ ومرتدي علم الجنوب وأغلبهم من الشباب والفتيات تصاحبهم ضحكاتهم وابتساماتهم وتسكن الحيوية قلوبهم قبل أجسادهم جاءوا إلى مراكز الاقتراع ليوجهوا رسالة واحدة للعالم مؤداها أنه " إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر" وهي العبارة التي رددتها شعوب كثيرة في المنطقة في رحلة كفاحها الطويل من أجل الاستقلال الوطني خلال الحقبة الإمبريالية ولكن هل ينطبق هذا البيت للشاعر العربي التونسي أبو القاسم الشابي على حالة جنوب السودان وهل ما جرى هو مسعى لتحقيق استقلال وطن كان محتلا من قوى خارجية أم فصل جزء مهم عن الوطن الكبير؟ وعندما تيقنت من حقيقة الانفصال الذي بدا مرسوما على الوجوه والملامح بكيت فها أنا المنتمي لتيار وحدة الأمة ووحدة أقطارها أتحول إلى شاهد حي على واقعة انفصال الجنوب عن دولة الوحدة فاضت الدموع بمآقينا وأنا وزميلتي الصحافية المصرية بالأهرام أسماء الحسيني العاشقة للسودان - كل السودان - ونحن نتابع آخر تجليات الحملة السياسية التي نظمتها الحركة الشعبية – الحزب الحاكم – في الجنوب بحضور أكثر من عشرة آلاف مواطن تجمعوا من كافة قبائل الولايات العشر المكونة للجنوب ومارسوا أمامنا نوعا من الرفض الجماعي لخيار الوحدة بل أعلن أحدهم بصريح العبارة: نعم للانفصال ولا للتعريب وللأسلمة وللطغيان والتهميش في إشارة إلى ممارسات سلطة الحكومة المركزية في الخرطوم والتي كتبوا عبارات وداعية لهم أخذوا يلوحون بها على مدى الساعات الخمس التي استغرقها اللقاء الجماهيري الذي حضره الرجل القوي في الحركة الشعبية باجان أموم أمينها العام ووزير السلام بحكومة الجنوب والذي ترجل خطابا سياسيا استغرق وحده ساعتين بدا لنا وكأنه ينتقم من ممارسات حكومة الخرطوم ضده شخصيا والتي وصلت ذروتها العام الماضي عندما اعتقلته قوات الأمن على خلفية خروجه ضمن قيادات أخرى للضغط عيها للإسراع بتطبيق اتفاقية السلام وإلغاء القوانين المقيدة للحريات حيث شن حملة ضارية على ما وصفه بدولة السودان الفاشلة والتي رأى أنه من المستحيل الاستمرار في وحدة معها وقال "حتى لو هبط يوم التاسع من يناير- أول أيام الاستفتاء - من النار وليس من السماء فإننا سنخترق هذه النار للتصويت على تقرير مصيرنا "وهو ما فجر الساحة الواسعة التي كانت تحتضن اللقاء بجامعة جوبا التي يتم ترميمها في الوقت الراهن بالهتاف ضد الوحدة والدعوة إلى الانفصال الفوري خاصة بعد أن ذكر أن ضحايا الحروب التي خاضها الجنوبيون يتراوحون بين 4 و5 ملايين شخص ما شاهدناه في هذا اللقاء جسد حالة من الهستيريا التي تمددت في أجساد الجميع وتنوعت تجلياتها بين هتافات ورقصات تقليدية قدمتها فرق عدد من قبائل الجنوب بأزيائها الفاقعة الألوان وإلقاء قصائد الشعر والأغاني وكلها تؤدي رقصة الانفصال الأولى وليس الأخيرة. خلال الأيام التي أمضيتها بجوبا تجولت في أحيائها سواء الراقية التي يسكنها كبار القوم من قيادات الحركة الشعبية والجيش الشعبي وكبار مسؤولي الحكومة والمكونة من فيلل وبيوت بطابق واحد بدت لنا نظيفة ومهندمة معماريا فضلا عن احتوائها على مكيفات الهواء والمناطق الشعبية التي ما زالت تستخدم المنزل الإفريقي التقليدي المكون من البوص والمغطى بجذوع الأشجار فبدت لي مسكونة بهاجس واحد هو التأهب للرحيل عن الوطن وتركه بلا عودة كانت الجدران والطرقات والسيارات والميادين العامة المحدودة في المدينة زاخرة بمختلف ألوان التحريض على الانفصال كان هناك حشد وتعبئة واسعة ضد الوحدة مارسه قادة الحركة الشعبية على مدى الشهور الست الأخيرة عبر كل وسائط الإعلام المحدودة والتي ما زالت غير واسعة الانتشار وكذلك عبر الوسائل البدائية التي تتناسب مع طبيعة حياة القبائل التي ما زالت أعداد هائلة من المنتمين إليها غير مؤهلين تعليميا حيث تتجاوز الأمية نسبة ال80 في المائة وأسهم الأمين العام للحركة الشعبية باجان أموم بالنصيب الأكبر فيها حيث تجول في أغلب ولايات الجنوب العشر خلال الأسبوع الذي إجراء عملية الاستفتاء وعرض علي وعلى زميلتي أسماء الحسيني مصاحبته خلال إحدى هذه الجولات لكن ما حال دون المشاركة فيها هو وصولنا إلى جوبا بعد أن غادرها والرجل يتمتع بالكاريزما ويصفونه بأنه الأكثر قدرة على التعبير عن فكر الزعيم الراحل للحركة الشعبية جون قرنق حيث كان واحدا من أهم المقربين إليه بدرجة تفوق قرب سلفاكير ميارديت الذي تولى قيادة الحركة بعد رحيله المفاجئ في أعقاب توقيعه على اتفاقية السلام بنيفاشا في عام 2005 وثمة من يتوقع المزيد من الصعود السياسي لأموم في مرحلة بناء الدولة الوليدة إذا استمر الانسجام الراهن بينه وبين سلفاكير ويمكن القول إن هذه التعبئة الجماهيرية والتي يبدو أنها كانت ممنهجة ومخطط لها على نحو جيد لعبت الدور الأساسي في دفع سكان الجنوب إلى الانحياز للتصويت لخيار الانفصال حتى قبل أن يبدأ الاقتراع في سابقة تكاد تكون هي الأولى من نوعها حيث بات الجميع يعلمون نتيجة الاستفتاء وهو ما أفقده طعم المفاجأة وسمة التنافس والصراع بين موقفين ورؤيتين لكن بالتأكيد هناك عوامل أخرى دفعت إلى هذا الانفصال الذي سيمزق وطنا بحجم السودان قبل إرسال المقال: بيت الشعر الذي قاله الشاعر أبو القاسم الشابي قبل أكثر من سبعة عقود: "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر"تجسد بقوة في شعبه العربي التونسي الذي انتفض طالبا الحرية فصنع معادلة جديدة تنهض على أن الخبز وحده لا يصنع الأوطان وإنما الحرية والخبز معا. السطر الأخير: مرسومة قصيدتك بعيني أيتها المغزولة بوجودي السابحة ببحاري الناضجة بثماري يرتدي قلبي عشقك نبضا يدق أوتاري فتفاجئني شمس صباحاتك ترسل عطرها بنهاري تمنح الكون سر بهائها فترقص العصافير تبث فرحها المقيم بأعالي الأشجار
591
| 17 يناير 2011
أزعجني ما تعرضت له كنيسة الإسكندرية في منتصف ليلة الجمعة قبل الماضية. أبكاني دفع فيض الدموع إلى عيني. سكب جروحا داخل الروح. هل تستحق المحروسة من نفر من بنيها كل هذا الدم والقتل المجاني ولحساب خصومها والمتربصين بناسها وترابها وحيوية دورها وبقائها موحدة منذ آلاف الأعوام رغم كل محاولات المحو والإقصاء لجغرافيتها وتاريخها عبر سلسلة من الغزوات المتكررة - بدءا من الهكسوس وصولا إلى الاحتلال الصهيوني لسيناء في يونيو من العام 1967 – والتي لم تنجح في طمس هوية الشعب المصري إن لم تسهم في تعميق صلابته وتماسكه حتى هذه اللحظة لم يتم الكشف عن المستور فيما جرى من وقائع ليلة لدم بالإسكندرية لكن الإشارات واضحة بل يبدو أن ثمة إجماعا بين مختلف النخب السياسية سواء من أهل الحكم والموالاة أو من أهل المعارضة بما في ذلك التيارات الدينية بأن قوى خارجية وراء هذه الوقائع دون أن يحدد طرف بعينه طبيعة هذه القوى وما إذا كانت تنتمي إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والذي وجه تهديدات سافرة قبل نحو شهرين بضرب كنائس مصرية أو كان يقصد بهذه القوى الاستخبارات الصهيونية في ظل شهادة أدلى بها مسؤول سابق بها عن نجاح أجهزته في إثارة الفتنة الطائفية في المحروسة بين مسلميها ومسيحييها ضمن سياق الحرب المستترة المستمرة من قبل الكيان الصهيوني ضد مصر والتي ينظر إليها بحسبانها الخطر الأساسي لوجوده الأمر الذي يدفعه دوما إلى محاولة إضعافها من الداخل دعونا ننتظر ما تسفر عنه تحقيقات الأجهزة الأمنية المصرية بكل مستوياتها والتي تعاملت مع ليلة الدم في الإسكندرية بقدر كبير من الجدية باعتباره يدخل في إطار السعي إلى إعادة المحروسة إلى مربع الإرهاب والعنف الذي ساد في حقبة التسعينيات ونجحت في إجهاضه وتقويض أهدافه الشريرة خاصة مع تراجع التنظيمات التي كانت وراء هذه الأحداث عن السياقات الفكرية التي شكلت أرضية أيديولوجية وفرت مشروعية لعمليات القتل ضد المدنيين سواء من مواطني المحروسة أو سياحها ولا أخفيكم أن مشهد الدماء في الإسكندرية أعاد إلى ذاكرتي أحداث الهجوم على الدير البحري بالأقصر في العام 1997 والذي راح ضحيته عشرات السياح الأجانب والذي كانت نتيجة منطقية لحالة الاسترخاء الأمني التي كانت سائدة خاصة فيما يتعلق بتأمين المواقع الأثرية والسياحية وأظن - وهنا دعوني أتحدث بصراحة ليس من منطلق الانتقاد وإنما من مقام التحذير والتنبيه والتوقف عند العبر - أن ثمة استرخاء نسبيا حدث فيما يتعلق بتوفير الحماية لبعض الكنائس ذات المكانة الخاصة وفي المناطق الحساسة فقد كان يتعين أن يتم التعامل مع تهديدات تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أيا كانت القوى الخفية التي تقف وراءه لهذه الكنائس على محمل الجد بما يكفل تكثيف وسائل التأمين العلنية والمستترة حول هذه الكنائس وهو ما كان بمقدوره أن يقلص من حجم الخسائر ويقلل من الكلفة السياسية والاجتماعية التي ستدفعها المحروسة من جراء وقائع ليلة الدم في الإسكندرية ورغم ذلك أقول بموضوعية إن أجهزة الأمن المصرية بكل مستوياتها تعاملت بدرجة عالية من الاحتراف مع حادثة الكنيسة مما أدى إلى التسريع باحتواء تداعيات الليلة الكئيبة في تاريخ المحروسة والكشف عن طبيعتها ومكوناتها ونوعية التفجير فضلا عن الأهداف المقصودة منها خاصة مع التحرك العاجل للنائب العام المصري المستشار عبدالمجيد محمود إلى موقع الأحداث فضلا عن نفر من كبار المسؤولين بالدولة المصرية وفي هذا السياق فإن المرء يشير إلى أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس حسني مبارك بعد الأحداث بساعات محدودة أفضى إلى مردود إيجابي ووجه رسائل مؤداها أن أعلى هرم السلطة في المحروسة غير راض عما جرى وأن الدولة المصرية بكل أجهزتها لن تقبل بأي تداعيات سلبية لهذا الحادث على معادلة الاستقرار في المحروسة والتي تقوم على احترام مبدأ المواطنة دون التفريق بين مسلم وقبطي وهو الهدف الإستراتيجي الذي كانت ترمي إليه ليلة الدم في الإسكندرية ضمن سياق يدخل في إعادة صياغة المنطقة مذهبيا وطائفيا وعرقيا بدأ في لبنان مرورا بالعراق والسودان وصولا إلى المحروسة الأبية على التمزق والتناحر القابضة دوما على جمر الوحدة بين مواطنيها الذين ترتوي أرواحهم قبل أبدانهم بنيل يمتد منذ آلاف الأعوام فصنع تركيبة مدهشة من المحبة والوئام بالرغم مما يبدو على السطح في بعض الأحيان من تباينات وتناقضات بل ودماء مثلما وقع مؤخرا بالإسكندرية وإذا كان ثمة احتقان قد تجلى في سلوكيات بعض الشباب المسيحي والذي سعى نفر منه إلى اقتحام المسجد المجاور لكنيسة الإسكندرية أو محاولة الاعتداء على سيارة شيخ الأزهر ومرافقيه وزير الأوقاف ومفتي الديار المصرية بعد قيامهم بواجب العزاء للبابا شنودة بالمقر البابوي وكذلك في الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها بعض المناطق والكنائس والمدن في مصر فإن ذلك قد تم احتواؤه من قبل الأجهزة الأمنية والتي تركت هامشا للتعبير السلمي عن رفض ما جرى دون أن تسمح بالتجاوزات ولكن الشاهد أن هذه الواقعة بالذات أعادت الاعتبار لشعار وحدة الهلال والصليب والذي رفعته الثورة الوطنية المصرية في العام 1919 بقيادة سعد زغلول فتعالت الصيحات المشتركة بين مسلمين وأقباط رافعين المصحف والصليب في أنحاء عدة من المحروسة في تحد واضح للمتربصين لوحدة الوطن ومواطنيه وما لفت انتباهي هو مشاركة الأجيال الجديدة من طلاب مصر في هذه النوعية من الفعاليات وهنا يكمن عنصر الاطمئنان في أن هذه الأجيال ليست مقبلة على مرحلة من التخاصم الطائفي غير أن ثمة ما يمكن التحذير منه ويتمثل بالأساس في محاولة توظيف ما جرى على نحو يهدد سلامة الوطن وبوضوح أشير إلى نفر من الملثمين الذين هاجموا أكمنة أمنية في الطرق السريعة بالقاهرة وبعض الأقاليم وقتل بعض رجال الأمن بعد سرقة سلاحهم مما يجسد تطورا نوعيا من قبل بعض الجماعات التي قد- أقول قد- تنتمي إلى دوائر قبطية متطرفة في مقابل دوائر مسلمة متطرفة خاصة في ظل تقارير تتحدث عن تنظيمات مسلحة في الجانب القبطي بدت تجلياتها في محاولة اقتحام قسم شرطة العمرانية بمحافظة الجيزة الشهر الفائت أو في هؤلاء النفر من الشباب الذين يظهرون على نحو شديد التنظيم في بعض المواقع المسيحية والتحذير واجب لأن البعض يسعى إلى الاستقواء بالخارج والبعض أيضا يسعى إلى الحصول على أسلحة بشكل أو بآخر حسبما كشف عن ذلك المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا والبعض أيضا يتحدث عن المسلمين باعتبارهم ضيوفا على المحروسة آن لهم أن يرحلوا صحيح أن مثل هذه التهويمات لا تمثل سياقا عاما داخل أقباط مصر لكن قد تفضي إلى بعض التجاوب معها في ظل ما جرى بالإسكندرية مؤخرا وما يمكن أن يجري مستقبلا السطر الأخير: أسافر عنك أمضى إليك تحتويني جداولك تكتبني كراسات شعرك أستعيد سيرتي الأولى في العشق والكتابة والمدى بعينيك فضاء لسطوري في الفجر إذ أقترب والصبح إذ تنفس قلبي ربابة وسكوني رحيل للبهجة المستعادة وأنت صبغة هناءاتي ورحيق لا ينفذ أبدا وحدائق حنطة وخضرة غابة
486
| 10 يناير 2011
تتمدد فينا الأوجاع رغم أنه عام جديد يبدأ خطواته الأولى تتسلل إلى الأوردة والشرايين وأخشى ما أخشاه أن تقترب من القلب لحظتها لن يكون بمقدور الأمة النهوض مجددا تفترسنا الانكسارات تخترق جدراننا ومنازلنا وغرف نومنا تحاصرنا تقض مضاجعنا هو عام جديد يلقي بظلاله لكن خضرة الحقول صارت باهتة خاصمها التوهج فأنبتت فينا الهزيمة والسكون والوقوف بالمحطات الراكدة آه أصرخ من فرط الوجع وهل أملك سوى الصراخ؟ الوطن تسكنه الأشباح تمزقه متوالية الانقسام يعزف الصمت سلاما وطنيا يسكب الجراح عنوانا للمرحلة صرخاتي لا تهدأ ولكن أي جدوى من الصراخ تعلو همهماتي فلسطين تواصل عزف سنونو الاحتلال والقتل والتمزق الداخلي ترتفع هامته رايته لا تنكسر أبداً والعدو رابض بالأرض يشعل نيران كراهيته للإنسان وللزيتون وللقدس ولهامات الرجال ورؤوس النساء الصامدات وقسمات الصبايا التي يقيم فيها الجوع، مصلوبة فلسطين منكوبة ليس بعدوها الغاصب والقاتل والسارق والمستوطن والمستعمر ولكن ببنيها الرافعين أكف الحروب الأهلية والنار الكارهين للتصالح للبقاء في خانة الوطن الموحد المغزول بدمائهم وأرواحهم آه أيا فلسطين الساكنة في ملامحي وذاكرتي وبقايا روحي وجروحي ودمي ما أنا بقادر على أعادتك إلى سيرتك الأولى عفية مزدانة ببيارات البرتقال وشجر الزيتون وليلك المزدهر بالصلوات في القدس بيت لحم يأهل فلسطين عودوا إلى الثورة إلى الحلم إلى الأرض إلى الركض في شوارع القدس العتيقة صلوا من أجلها من أجل أطفالكم ونسائكم وعبق الأزمنة القديمة لا تخلو الميدان أيقظوا البراءة أقيموا صلاة الحضور ولا ترفعوا أصواتكم فوق صوت البندقية دعوني أصلي معكم والسودان وما أدراك ما السودان وجع جديد يتدفق إلينا مع النيل الساكن فينا يتجه إلى غياب الوطن الواحد يكتب رسالته الأخيرة قبل الانقسام خلال ساعات فمن نعزى؟ لمن نوجه صرخاتنا؟ لهؤلاء الذين فرطوا في خصوبة الأرض وصلابة الرحم وعذوبة القلب وبراءة الروح لمن نشير بأًصابع الاتهام؟ لمن يحكمون في الشمال والجنوب؟ لمن يرقصون على جماجم الوطن؟ لمن تركوا السودان وحيدا في مهب رياح التقسيم والانكسار؟ أم لن حرضوا من خارج الحدود بعد أن دفعوا للراغبين ورفعوا العصا على المعترضين فقبل الجميع باستماتة استثنائية تنفصم عرى لوطن ويبقون هم في كراسيهم المهتزة القابلة للسقوط في أي لحظة صلوا معي من أجل السودان الذي لن يبقى وطنا واحدا وإنما أوطان متعددة في الجنوب والغرب والشرق والشمال وفي العراق صوت يدعو في البرية إلى سرقة شماله عازفا أغنية وهمية أو قل عبثية عن تقرير المصير والذي لا يعني سوى الخروج عن سرب الوطن الواحد وما زال الجرح غائرا تمتزج دماؤه النازفة بدجلة والفرات وبغداد تئن تحت سياط القادمين بسيوف الاحتلال القتلة الغزاة الكذابون المخادعون اسأل عن ليلى العراقية فوجدتها قد ارتدت ثوبا أمريكيا وغطت وجهها بمساحيق من واشنطن ولندن وتل أبيب لكنها اكتشفت بعد فوات الأوان انتهاء صلاحيتها وزيفها وفسادها فلم يعد عطرها فواحا ولم يعد عودها صبيا تكالب عليها البصاصون ومصاصو الدماء لكني أراهن على ليلى أخرى ما زالت ترتدي حلة من زمن جعفر المنصور وهارون الرشيد والمعتصم والصومال وطن مدفوع إلى حافة النهاية ودماء بنيه تعانق الطرقات والشوارع والمدن والقرى التي غابت عن الخارطة فسافر عنها الأخضر واليابس لم يعد بلادا للعطور والحنطة واللحوم أنما بلاد للدم والنار والثلج الذي يسكن القلوب والأفئدة ليلك يا صومال لا تبدو نهايته وفجره يخاصم المجيء لأن أهله نسوا لون الفجر استمرأوا العتمة والهجرة إلى القتل اليومي والمجاني وسرقة البهجة من عيون صبايا وأطفال كانوا يحملون بوطن فجاء من يرفع عبثا راية الشريعة ليمزق الوطن ويقتل الصبايا والأطفال ويبيع أعضاءهم في أسواق مقديشيو المسكونة بالجن والشياطين والصمت الرهيب بعد أن غادرتها الملائكة الغاضبة لمن تدق أجراس نهاية العام الراحل وبداية العام الجديد كلاهما مر كلاهما زبد وحرب ودم ولغة النار هي القصيدة المقرر في مناهج الدراسة الفقراء يجوعون وأصحاب الثروات يتكاتفون على وأد البراءة فينا والنخب الحاكمة تدمر بقايا روح الصلابة تريدنا عدما قطيعا عبيدا دون ثمن ثمة أطفال ليس بمقدورهم التعرف على لون الحليب من فرط غيابه ثمة نسوة ورجال يموتون من فرط الألم ومكابدة عذابات البحث عن لقمة خبز وقطعة حرية أقول قطعة حرية وليس مساحة حرية لمن تدق أجراس الأول من يناير؟ للحالمين بقصيدة مغايرة مفرداتها خبز وحرية أم للقاسية قلوبهم سارقي الأوطان وأكباد العباد أم للجالسين على المقاعد الوثيرة وأصحاب الحوانيت والحسابات عابرة الحدود أم للصامتين الجوعى والحيارى الذين تساقطت الخضرة من وجوههم فبدت سوءة القابضين على الأوطان؟ لمن تدق أجراس الأول من يناير؟ للأحلام المجهضة والقلوب التي تجهش بالبكاء في طوابير الصباح والظهيرة والمساء للمكبوتين المقهورين الذين فقدوا القدرة على الحلم لأن ثمة من يحاصر ليلهم ويسد الطرقات أما م انبثاق شمسهم الغائبة دوما أم للشوارع الخالية من المارة والقرى المجردة من الحقول والمدن المسكونة بالوجع أم للموسيقى المدهشة التي غادرتنا ولليالي المغزولة بالطرب الأصيل التي سافرت عن بلادنا فتقوقعنا في هشاشة عظام الكلام والأناشيد ما زلت أصرخ ما زال يتردد صدى صراخي ووجعي وجوع روحي وولعي بالشعر المهاجر والفجر البعيد أنيني عزف يومي وهمسي صلاة مفقودة براءتها وقلبي مزيج من صمت وهجر وثناء وأفق يسأل عن صباح جديد قبل إرسال المقال: أصابتني الفجيعة وأنا أتابع وقائع الهجوم الذي تعرضت له كنيسة الإسكندرية في الساعات الأخيرة من ليلة الجمعة الماضية والتي راح ضحيتها عشرون من الأٌقباط ونفر من المسلمين فضلا عن إصابة 80 شخصا وهو عمل استفزني وأقض مضجعي وأدمى قلوب المصريين جميعا بل وأمة العرب التي سارعت دولها تندد به إلى جانب تنديد دولي واسع ولا يخرج هذا الحادث عن سياق الوجع الذي تتعرض له الأمة مع مقدم العام الجديد خاصة أنه وقع في أول أيامه وثمة قوى خارجية بالتأكيد وراءه ولا أستبعد مع عدد غير قليل من المراقبين الدور الصهيوني وهو الأمر الذي أشار إليه أحد قيادات الموساد السابقين قبل فترة واعترافه بدوره كيانه في محاولات تأجيج الفتنة داخل المحروسة التي استشاطت غضبا لما جرى في الإسكندرية عن بكرة أبيها أن المحروسة أكبر من مؤامرات الذين يسعون إلى إبقائها في خانة الفتنة واللعب بقواعد استقرارها وأحلام شعبها لن يفوزوا مطلقا حتى لو بدا لهم عكس ذلك في المدى القصير السطر الأخير: داهمتني أشواقي إليك فأبحرت إلى مدائن العشق بعينيك فخذيني إلى دفئك طفلا يتمدد بين ذراعيك
749
| 03 يناير 2011
كلنا مسؤولون عما جرى وما سيجري لجنوب السودان والمقبل على الانفراط من عقد الوطن سيصبح السودان ممزقا سيغادر الجنوب إلى غير رجعة فرطنا فيه بأيدينا: حكومة مركزية في الخرطوم ونخب سياسية في أنحاء الوطن شمالا وجنوبا وقيادة للحركة الشعبية مارست الالتواء والمناورة لفصل عرى السودان. كلنا مسؤولون عن الحدث الخطير القادم في التاسع من يناير الذي سيهل علينا بعد أيام وأمة العرب مسؤولة أيضاً فهي وقفت عاجزة عن تقديم العون للمحافظة على جنوب السودان وهو جزء حيوي من وطن ينتمي للعروبة حتى لو اختلفت ألوان الوجوه فيه تركته يواجه مصيره وحيدا. والآن جاءت النهاية لتقدم فصلا من فصول الانقسام القادمة بقوة في أرجاء الوطن العربي الكبير ويشكل رحيل الجنوب بداية لانفراط عقود أكثر من جنوب أو شمال في الدول العربية المركزية الكبرى ولعل ما دعا إليه مسعود البرزاني مؤخرا من ضرورة تقرير مصير شمال العراق أو ما يسمى بإقليم كردستان يمثل البداية وجنوب اليمن يتأهب بقوة للرحيل والمناوشات الطائفية في مصر التي تتجلى بين الحين والآخر تعكس حالة من تململ مسيحي من الاستمرار في وطن تسكنه أغلبية مسلمة جاءت وفق زعمهم بقوة الاحتلال قبل عشرات القرون بعد الفتح العربي لمصر وغيرها من الأقطار في المناطق المحيطة بالجزيرة العربية. خائف أنا من انقسام السودان وتشطيره بين شمال وجنوب خائف ليس على السودان فحسب وإنما على أمة العرب التي ما فتئت تواجه كل قرن مأساة تفضي إلى التهام أجزاء من أراضيها وهيمنة آخرين عليها على نحو يشكل خصما من رصيدها الجغرافي والبشري ومواردها ومقومات نهوضها والمؤسف أن الجزء المنهوب والمغتصب يتحول في غمضة عين إلى عدو والبداية كانت من الأندلس قبل ثمانية قرون ثم جاءت نكبة فلسطين في العام 1948 والتي ما زلنا نعاني من تداعياتها الخطيرة وها هو جنوب السودان يستعد لأن يتحول إلى دولة على تخوم الأمة متبنيا مفردات ولغة مغايرة وخطابا سياسيا أكثر اقترابا من الكيان الصهيوني خاصة بعد أن أعلن رئيس حكومته سلفاكير ميريت قبل فترة وجيزة أنه سيفتح أبوابه لعلاقات وأشكال من التعاون مع هذا الكيان وكلها بالتأكيد لن تصب في خانة يمكن أن تكون في مصلحة الأمن القومي العربي وبالتحديد المصري لاسيَّما أن هذا الكيان يسعى إلى محاصرة المحروسة من كل جانب ويريد أن يشكل خنجرا في أي خاصرة لها سواء في الشرق عبر احتلال فلسطين أو في الجنوب عبر تقديم الدعم اللوجستي للحركة الشعبية ولكل ألوان التمرد التي نشأت في هذه المنطقة ضد الحكومة المركزية والتي بدورها كانت ترتكب أخطاء فادحة بداية من أول حكومة بعد الاستقلال في العام 1956 ووصولا إلى حكومة الإنقاذ الوطني والتي تولت السلطة في العام 1989. واللافت أن قادة الأمة لم يؤرقهم هذا الانفصال القادم فلم يتداع لعقد قمة استثنائية لبحث تداعيات هذا الحدث الجلل إلا نفر محدود منهم ربما لشعورهم بمخاطر الزمن الآتي وهما الرئيس المصري حسني مبارك والعقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية وذلك لأن دولتيهما هما الأكثر تماسا وتقاطعا مع السودان وتأثرا بما سيفضي إليه الانفصال القادم. فقد سارع الزعيمان إلى الخرطوم واجتمعا مع كل من الرئيس البشير ونائبه الأول سلفاكير ميريت وشاركهما القمة الرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز والذي كان موجودا بالصدفة في العاصمة السودانية في زيارة رسمية. صحيح أن ما رشح عن هذه القمة محدود ولا يتعدى الجمل الإنشائية التي لم تخرج عن عبارات مجاملة سياسية لكنها حسب ما أكد لي خبير مصري متخصص في الشؤون الإفريقية هو الدكتور حلمي شعراوي أسهمت إلى حد ما في تهدئة خواطر شريكي الحكم بعد سلسلة من التصريحات العنيفة المتبادلة بينهما في الآونة الأخيرة غير أن المأمول لم يكن مجرد تهدئة خواطر بقدر ما كان محاولة إقناع الطرفين للقبول بصيغة وحدوية لا تهدد الأمن القومي العربي أو مصالح الأمة أو مصالح الشمال وذلك بالتأكيد كان يتطلب عقد قمة عربية موسعة في الخرطوم من دون إجراءات بروتوكولية معقدة بشرط أن تتبنى جملة من الخطوات العملية الرامية إلى إشعار الجنوبيين بأنهم جزء فاعل من أمة تحترم التنوع العرقي والثقافي وهو ما كان أحد أهم ملامحها منذ تكون أول دولة إسلامية منذ أربعة عشر قرنا من الزمان. كلنا أخطأنا في حق الجنوب ولكن الجنوب أخطأ بارتكابه حماقة الانفصال، صحيح أنه قد يشعر بالزهو في البدايات غير أن معضلات عديدة ستواجهه ولن يجد نصيرا يقف إلى جانبه من هؤلاء الذين مارسوا التحريض ضده للتحرك بعيدا عن الوطن الموحد وبناء دولة يعدها الكثيرون من المراقبين بأنها ستكون دولة فاشلة بكل المقاييس. وأخطأت القوى السياسية الشمالية المعارضة التي لم تمارس أي فعل إيجابي باتجاه وضع حد للتمدد الانفصالي في الجنوب والمدهش أن قيادات هذه القوى لم تسع إلى زيارة أي من مدن الجنوب إلا في آخر أعوام الفترة الانتقالية المكونة من ستة أعوام وقد أثرت هذا الأمر مع صديق هندي عضو المكتب السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي خلال زيارته الأخيرة فقال لي: إن هذه القوى كانت مغيبة عن المشاركة في رسم ملامح الواقع السياسي في العقدين الأخيرين وبالتالي تفتقد القدرة على أن يكون لها دور في مسألة الوحدة أو الانفصال وهو ما يجعلها بعيدة عن تحمل أي مسؤولية عن تقطيع أوصال وطن قائم واقعا وتاريخا وقانونا وبما يمكن أن ينتج عن ذلك من خراب ودمار وربما فوضى بعد الاستفتاء في التاسع من يناير المقبل قد تهدد بزوال الكيان الإقليمي المتمثل في الدولة السودانية ويرى أن الانفصال تقرر في التاسع من يناير من العام 2005 بالتوقيع على اتفاقية نيفاشا وما أعقب ذلك كان تجسيدا لهذا الخيار على الأرض خلال الفترة الانتقالية معربا عن اعتقاده بأن الجنوبيين كانوا مضمرين الانفصال منذ اليوم الأول لدخولهم في عملية التفاوض التي أفضت إلى هذا الاتفاق وعملوا في سبيل ذلك على إقصاء القوى السياسية الشمالية والقوى العربية من المشاركة بفعالية في هذه العملية وركزت على ما يسمى بأصدقاء الإيجاد. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إنه تمت خلال السنوات الست الماضية تهيئة المسرح الإقليمي والدولي وتوفير الدعم العسكري والسياسي للمولود الذي ستتم ولادته قيصريا في التاسع من يناير المقبل. السطر الأخير: للمدينة مساءاتها ولي نهاري وأنت أيا فتنة الروح سكوني وإعصاري بهية عيناك وأفقك مفتوح وعشقك ممتد بفصولي ومهب رياحي وخضرة حقولي وسر أسراري أكتبك تميمة لبحاري ومعنى الصفاء لأنهاري فكوني حنطتي في جوعي وظمأ القلب لقصيدة أنت من غزلتها من خيوط أشعاري
826
| 27 ديسمبر 2010
المفاوضات بين الفلسطينيين وممثلي الكيان الصهيوني لم تعد مجدية " لم تعد المفاوضات بين الفلسطينيين وممثلي الكيان الصهيوني سواء فى شقها المباشر أو شقها غير المباشر مجدية " هذه الحقيقة التي بلورها الاجتماع الأخير للجنة مبادرة السلام العربية بالقاهرة خلال الأسبوع الماضي , صحيح أن هذه الحقيقة لم تكن غائبة عن صانع القرار العربي غير أن الجامعة العربية عبر اللجنة التي يرأسها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية رأت - وفق تقديرات سياسية ربما نتجت عن مطالبات قد تأخذ فى بعض الأحيان شكل الضغوط وبالذات من قبل المبعوث الأمريكي للسلام جورج ميتشيل فى جولاته المكوكية بالمنطقة - أن تقدم الغطاء للموقف الفلسطينيي الذي ينزع إلى مواصلة الخيار السلمي فى استعادة حقوقه وفق محددات الشرعية الدولية ورؤية الدولتين التي تبنتها الولايات المتحدة بدعم دولي واضح أملا فى أن تتمكن إدارة الرئيس باراك أوباما من تغيير معادلات الموقف الصهيوني استنادا إلى الطروحات التي أعلنها فى خطابه الشهير أمام جامعة القاهرة وتعامل معها العرب بقدر كبير من الإبجابية بيد أنه بعد هذا الوقت الطويل الذي خاض فيه الفلسطينيون المفاوضات بأشكالها المختلفة مباشرة وغير مباشرة وسرية وعلنية وفى عواصم ومدن متعددة ثبت أن الأمر لم يكن سوى إهدار أو مضيعة للوقت- حسب تعبير- عمرو موسى الإمين العام للجامعة العربية ونتج عن ذلك معضلة حقيقية تتمثل -وفق ما يؤكده الشيخ حمد بن جاسم - في أن الوسيط الأمريكي تخلى عن تعهداته للدول العربية والجانب الفلسطيني فيما يتعلق بإحلال السلام والتوصل إلى تسوية عادلة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وتحول دوره – أي الوسيط الأمريكي –إلى مجرد ناقل للرسائل والإعراب عن التمنيات دون أن يتبلور عن ذلك أي دفع جوهرى للعملية السلمية ، وهو ما يعكس بالبرغم من ثقة الجانب العربي في حسن نية الإدارة الأمريكية عجزها عن تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين . ودفع ذلك كاتب هذه السطور إلى سؤال الشيخ حمد في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع عمرو موسى بعد اجتماع لجنة مبادرة السلام مساء الأربعاء الماضي وإصدارها البيان الذي قرر وقف المفاوضات مع الكيان عن تفسيره لتراجع الموقف الأمريكي والذي أدى إلى تشدد حكومة إسرائيل تجاه الاستيطان فعلق بقوله : إننا لا نستغرب هذا الموقف من الوسيط الأمريكي وقد ذكرت في مناسبات سابقة أننا سنمضي في المسار السلمي رغم قناعتنا بإمكانية الفشل بسبب التعنت الإسرائيلي ، ومن جانبنا – العرب- كنا نتطلع إلى إقناع الإدارة الأمريكية برؤيتنا ولكنها للأسف اقتنعت بوجهة النظر الإسرائيلية ، بعد أن وثقنا في الطروحات التي قدمها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ومبعوثه لدى المنطقة جورج ميتشيل . ومن هنا فإنه لم يعد أمام الإدارة الأمريكية إلا خياران – الكلام للشيخ حمد بن جاسم هما : تحديد من هو المتقاعس والمخطيء أو إثبات إنها غير قادرة على فرض أي شيء على إسرائيل . واللافت أن موقف الإدارة الأمريكية الأخير المتمثل في إعلان التخلي عن جهودها لإقناع إسرائيل بوقف أنشطة الاستيطان كان موضع انتقاد من قبل الشيخ حمد بن جاسم في كلمته التي افتتح بها الجلسة الافتتاحية لاجتماع لجنة مبادرة السلام فعوضا عن ذلك - كما يقول -أعلنت السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية في العاشر من ديسمبر الجاري نهجا جديدا دخلت بموجبه عملية السلام مرحلة جديدة يتمثل في طلب التعامل في المسائل الجوهرية للصراع مثل الحدود والأمن والمستوطنات والمياه واللاجئين والقدس ورأى أن ذلك يعني تجديد المفاوضات غير المباشرة رغم استمرار الاستيطان ومن دون مرجعيات منبها إلى أنه إزاء هذه التطورات يصعب على أي مواطن عربي أن يفهم كيف يمكن للولايات المتحدة أن تحدث تغييرا في الموقف الإسرائيلي في قضايا جوهرية على الرغم من أنها لم تنجح في إقناع إسرائيل أن توقف الاستيطان لفترة قصيرة ، وقال : إن الولايات المتحدة هي التي عليها أن تجيب على هذا السؤال المشروع . غير أن الولايات المتحدة في اليوم التالي لاجتماع القاهرة - أي يوم الخميس الماضي - سارعت بتقديم الإجابة على هذا السؤال على نحو يتسق مع طبيعة تحالفها الاستراتيجى مع الدولة العبرية متجليا ذلك فى موافقة مجلس النواب الأمريكي على قرار يدين أي إعلان أو اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية، ورغم أن القرار الذي قدمه النائب الديمقراطي هاورد برمان-أي ينتمي لحزب الرئيس "أوباما"-حاول أن يتكىء على مقدمة إنشائية تبدو حيادية من حيث الشكل من خلال تأكيد “الدعم القوي” لحل تفاوضي من أجل “دولتين”، الأولى “إسرائيل” اليهودية - لاحظ مفردة اليهودية والتي تؤكد الانحياز لشروط نيتانياهو- والثانية قابلة للاستمرار هي الدولة الديمقراطية الفلسطينية إلا أنه يؤكد “مجدداً اعتراض مجلس النواب الشديد على أي محاولة لإقامة أو السعي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية خارج إطار اتفاق تفاوضي بين “إسرائيل” والفلسطينيين” . ويحمل الجانب الفلسطيني وحده مسؤولية الفشل، ويحث القادة الفلسطينيين على “وقف كل الجهود لعرقلة عملية التفاوض”، ويدعو الحكومات الأجنبية إلى “عدم منح اعتراف” بدولة فلسطينية . ويشكل هذا القرار ضربة استباقية قوية - وفق نظرية الرئيس الأمريكي السابق جورح بوش - للخيار الذي أقرته لجنة مبادرة السلام العربية فى اجتماعها الأخير بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي والذي بدأ السفراء العرب لدى الأمم المتحدة التحرك بشأن الدعوة لعقده في أقرب فرصة فقد بات واضحا أن الفيتو الأمريكي فى انتظار أي قرار يمكن أن يتبناه المجلس بهذا الخصوص لاسيما أن الدول الأوروبية ليست فى وضعية تؤهلها للموافقة على الاعتراف بدولة فلسطينية معلنة من جانب واحد وخطورة هذا القرار تكمن-وفق رؤية السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد لدى جامعة الدول العربية لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة- فى أنه يحاول أن يسد منافذ الشرعية الدولية أمام الشعب الفلسطيني بعد أن قام بنيامين نتناياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بسد منافذ السلام فضلا عن ذلك فإنه يعتدي على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وأن يكون له دولة مستقلة ذات سيادة على أرضه وأن تتحقق له العدالة المفقودة منذ مايزيد على 62 عاما ، كما يعتدي أيضا على القانون الدولي والقرارات الدولية العديدة التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في وطن وفي دولة مستقلة بدءا من القرار 181 لعام 1947 ( قرار التقسيم) إلى القرارين رقم 1515 ، و1535 اللذين يؤكدان حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. السطر الأخير : أمكث فى البرية أعبر البحار أقبض على جمر الأشياء تسافر القصائد مني تتهالك المفردات أغرق في صراخ الصمت المدوي صار الوجود عدما والعدم رمادا والرماد جثثا محترقة وجه المدينة مغزول بالغبار تدهشني فيها خيول قادمة من حقول يابسة أمتطي حزني أسافر إليك أيا سيدة الكتابة أسألك الإقامة بعيني
477
| 20 ديسمبر 2010
المشهد الأول: عصر يوم الأربعاء قبل الماضي كنت أتابع على جهاز الكومبيوتر بعض مواقع الأخبار حتى يتسنى لي معرفة ما جرى لملف قطر لاستضافة مونديال 2022 وفجأة لمحت نبأ عاجلا عن التصويت لصالح هذا الملف فتركت كل ما كانت تتابعه عيناي وركزت على هذا النبأ لأحصل على المزيد من اليقين خاصة أنني كنت أعلم أن ثمة منافسة شديدة الوطأة من دول كبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي كانت تشكل المنافس الخطير لملف قطر إلى جانب كوريا واليابان وأستراليا وبعد مضي ثوان من ذهول المفاجأة اجتاحني اليقين بالفوز فتركت الكومبيوتر لأتابع شاشة الجزيرة والتي كانت مازالت تنقل وقائع الفوز على الهواء فأعلنت على الملأ في منزلي وربما بحماس لم تعتده منى أسرتي: قطر فازت يا بنات وعلى الفور احتشدن حولي مع والدتهن ليتابعن الوقائع على الجزيرة والتي كانت قد بلغت نهايتها وفي رد فعل سريع سكنت البهجة وجوه أسرتي والتي قضت ما يزيد على السبعة عشر عاما في الدوحة بصحبتي وولدت الابنتان الأخيرتان فيها وهما "شروق وأريج" وللحقيقة كانتا الأكثر غبطة وفرحا بل إن البنت الأصغر -أريج - التي يقيم بوجدانها حب قطر إلى تقبيل شاشة الفضائية القطرية وهى تبث وقائع الفوز المشهد الثاني: خلال متابعة وقائع الفوز شدني هذا المشهد التلقائي لسمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بعد أن أعلن "جوزيف بلاتر" رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بمدينة زيوريخ السويسرية نبأ حصول ملف قطر على أعلى الأصوات بفارق هائل عن الملف الأمريكي وهو يسرع إلى نجله الشيخ محمد المشرف على الملف ليقبله ويحتضنه مثل أي والد يهزه تفوق ابنه وأظنه لم يعر للجوانب البروتوكولية أي اهتمام في هذه اللحظة فهي استثنائية ونادرة في لحظات القادة خاصة هؤلاء الذين يتمتعون بحس إنساني شديد العمق مثل سمو الأمير ولم يكن الابن محمد أقل حماسا فقد اندفع إلى حضن والده الزاخر بالدفء الأبوي في تلك اللحظة ليسكن فيه ودموع الغبطة حاضرة بقوة في عينيه فهو أراد أن يقول لوالده: هاأنذا أثبت أنني كنت جديرا بثقتك فأنجزت ما وعدتك به بعد أن عملت مع فريقي بكفاءة وأظن أن هذه اللحظة التي أحتضن فيها الوالد ابنه كانت الأكثر قدرة على النفاذ إلى المشاهدين في مختلف أرجاء المعمورة ثم توالت بعدها اللحظات الإنسانية فقد اندفع بنفس القوة لاحتضان والدته سمو الشيخة موزا والتي كانت تتابع بقلق الأم -فضلا عن قلق زوجة الأمير الأب- نتيجة التصويت وكان لافتا دموع الابنة الشيخة هند سكرتيرة والدها سمو الأمير والتي تدفقت ابتهاجا بفوز الوطن ونجاح شقيقها بهذا الملف وبالطبع كانت اللحظة بكل تجلياتها التي شارك فيها معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والشيخ جاسم بن حمد والكثير من أعضاء الملف القطري عاكسة الشعور بالقدرة على مواجهة التحدي الذي فرضه تقدم دولة صغيرة مثل قطر لمنافسة دول أكثر تقدما وإمكانية وقدرة ومن هنا كانت قيمة وجدوى البهجة التي علت وجوه الجميع في زيوريخ أو الدوحة في ذلك اليوم المشهد الثالث: تجلى فيما تابعته من فيض مشاعر الفرح والتي تجسدت في خروج الآلاف إلى الشارع لأول مرة ابتهاجا بقرار الفيفا فور إعلانه والذي كانت تتابعه شاشات تليفزيونية ضخمة منتشرة في مختلف أنحاء البلاد ووصل هذا الفيض إلى مداه بعد وصول البعثة عن الملف القطري إلى الدوحة قادمة من زيوريخ المدينة السويسرية التي تحتضن مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم واحتشد المئات حول السيارة التي حملت الشيخة موزا بنت ناصر حرم سمو الأمير والسيارة التي حملت نجلها محمد بن حمد وأعضاء البعثة وهو مشهد لم تكن الدوحة معتادة عليه واللافت أن هذا الفيض من المشاعر الزاخرة بالبهجة لم يقتصر على القطريين فقط وإنما تدفق أيضاً من الوافدين من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية على نحو وحد مظاهر الفرح في ظل نظم عمل لا تفرق بين أبناء الدولة وغيرهم من القادمين من الخارج المشهد الرابع: رصدته خلال مشاركتي في متابعة وقائع القمة الخليجية الواحدة والثلاثين بأبو ظبي يومي السادس والسابع من الشهر الحالي فقد استقبل قادة دول مجلس التعاون سمو الأمير بحفاوة غير معهودة وكانت فرحتهم طاغية بما حققته دولة عضو بالمجلس بهذا الفوز الذي أدهش العالم فقد خصه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد والذي كان المتحدث الرئيسي في الجلسة الافتتاحية للقمة مساء الاثنين الماضي بقصر الإمارات الشديد الضخامة بتهنئة خاصة من قادة دول المجلس وللشعب القطري الكريم مشيدا بهذا الإنجاز الرياضي والتاريخي الذي حققته دولة قطر وأعتبره إنجازا رياضيا ليس لدولة قطر وحدها وإنما لكافة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وللدول العربية والإسلامية لافتا إلى أن قطر بما تتمتع به من كفاءات عالية في تنظيم مثل هذه البطولات الرياضية الدولية قادرة على تحقيق النجاح في استضافة هذه البطولة وتحقيق أهدافها وتابعت من بعيد نشوة الانتصار مرسومة على قسمات الأمير الذي كان يتلقى التهاني من أشقائه القادة ورؤساء الوفود كان يروي لهم طرفا مما جرى في زيوريخ كان مسكونا بمعاني الانتصار والتي في مقدمتها أن الحصول على أي إنجاز ليس مرهونا بحجم الدولة أو عدد سكانها وإنما بما تمتلكه من إرادة وتصميم وقدرة على الفعل وما لفت انتباهى وعزز شعوري بالاعتزاز أن القيادة القطرية لم تشأ أن تجعل من الفوز بشرف تنظيم مونديال 2022 حالة وطنية تخصها هي فحسب وإنما وظفته ضمن سياق انتمائها للأمة العربية فبعد إعلان الفوز بدقائق سارع سمو الأمير قطر إلى القول بأن يوم فوز بلاده بهذه البطولة هو يوم للعرب وهى لفتة ذكية منه للرد على القائلين بأن قطر دولة صغيرة سواء من حيث المساحة أو السكان وكأن لسان حاله يقول لبعض الدوائر التي شككت في إمكانية قدرة قطر على الفوز بتنظيم هذه البطولة الدولية إن ثمة عمقا استراتيجيا يقف خلفها بالدعم والإسناد قوامه أكثر من 350 مليون نسمة و21 دولة تضم مساحة هائلة تمتد من المحيط إلى الخليج السطر الأخير: عانقت صوتك أنفاسك البعيدة القريبة فسكنتني الفراشات المحملة بألوان قوس قزح أيا مسافرة ومقيمة بوجداني اجتاحني الوجد إليك تمنيت اختصار المسافات واختزال الرؤى ما زلت عاشقا باحثا عن رحيل لمدن بهائها وإقامة أبدية بحدائق عينيها
497
| 13 ديسمبر 2010
انطلقت بمدينة أبو ظبي وقائع القمة الخليجية الواحدة والثلاثين معلنة قدرة منظومة مجلس التعاون - التي انطلقت قبل تسعة وعشرين عاما بالمدينة ذاتها في عهد الراحل الوحدوي العظيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -على امتلاك ناصية الاستمرار والفعالية ضمن سياق من التدرج والتأني والحركة المحسوبة لتجنب ما يمكن وصفه بالآثار الجانبية لأي قرار وهو ما يعكس بعد الحكمة الذي تتسم به ذهنية النخب الخليجية السياسية التي تتصدر صناعة القرار بعيدا عن الشطط رغم أن ذلك أوقع المنظومة - وفق رؤية البعض - في فخ التباعد عن التماس مع الواقع الذي يعيشه مواطنو دول المجلس وإن كان العقد الأخير قد شهد حراكا نوعيا باتجاه التغلب على هذه المعضلة خاصة مع تبوء عبدالرحمن بن حمد العطية موقع الأمين العام لمجلس التعاون في شهر أبريل من العام 2002 والذي أضفى على أداء الأمانة العامة خلال هذا العقد قدرا غير مسبوق من الحيوية ينهض على منهج علمي في التخطيط ووضع الآليات للتنفيذ مع استيعاب المتغيرات الإقليمية والدولية وحاجات كل دول عضو فضلا عن الحاجات الجماعية للدول الست. ولاشك أن هذه القمة الدورية باتت تشكل ملمحا إيجابيا على صعيد العمل الخليجي المشترك فهي تمثل إطارا مؤسسيا يجمع قادة دول المنطقة مرة كل عام وإن كانت السنوات الخمس الأخيرة قد أضيفت إليها قمة تشاورية في مايو من كل عام يغيب عنها الطابع الرسمي والبرتوكولي الذي تتسم به القمم السنوية وهو ما يوفر دون شك مجالا حيويا لطرح كل قضايا إقليم الخليج بصراحة وشفافية وفق التقاليد الموروثة فضلا عن المهددات التي يمكن أن تؤثر على استقراره ووضع التصورات التي تحمي المنجز التنموي الذي تحقق على مدى العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة منذ حصول دول المجلس على استقلالها. وأظن أن منظومة مجلس التعاون - رغم كل ما يوجه إليها من ملاحظات أو تحفظات من هنا أو هناك - شكلت جدارا قويا لحماية الدول الأعضاء الست فيها من كثير من السقطات الأمنية والسياسية بل والاقتصادية بحكم حالة الالتفاف الشديد من هذه الدول حول جملة من القواعد والمحددات التي تقوم بالأساس على الاحترام المتبادل والندية والحوار والعقلانية في أدارة ما ينشب من أزمات إقليمية حادة والتي كانت في مقدمتها الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت في العام 1981 وتأسس مجلس التعاون من أجل حشد الجهد الخليجي لاحتواء تداعياتها الأمنية والتي شكلت آنذاك مصدر خطر واضح وقد نحج في ذلك أيما نجاح ثم خلال الغزو العراقي للكويت في العام 1990 والذي وقفت فيه دول المجلس موقفا بناء أسهم في إجهاض نتائج هذا الغزو بالتعاون مع ما سمى بالتحالف الدولي في تلك الفترة وأخيرا جاء الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 والذي تمكنت منظومة مجلس التعاون من التعامل مع آثاره الإقليمية بقدر كبير من الحرفية حالت دون تمددها إلى داخل دولها الأعضاء على نحو أو آخر وإن كانت بعض هذه الآثار قد تجلت في بعض الاختراقات التي حاول تنظيم القاعدة القيام بها في بعض دول المجلس وهو ما تنبهت إليه وكثفت معه جهودها المشتركة للقضاء عليها ولن تخرج قمة أبوظبي عن المحددات السابقة فهي ستمثل - كما يقول الأمين العام عبدالرحمن بن حمد العطية لكاتب هذه السطور - نقطة تحول في التعامل مع مختلف الملفات التي ستطرح على القادة في ضوء ما تم أعداده من تقارير وتوصيات المجلس الوزاري واللجان الوزارية المتخصصة تتناول كل مفردات العمل الخليجي المشترك وما يتعلق بالمحيط الإقليمي والقومي وبل والعالمي والذي يلقي بظلاله على المنطقة بدون شك ومن ثم فإن المرء يتطلع إلى أن يقر القادة سلسلة من المقترحات التي تقدمت بها الأمانة العامة لمجلس التعاون والتي من شأنها أن تفعل المواطنة الخليجية لتعميق الترابط بين مواطني دول المجلس وإقامة ما يمكن تسميته بالمصالح والمنافع المشتركة والمتبادلة والتي تشكل جوهر نجاح أي صيغة وحدوية أو تكاملية بعيدا عن لغة العواطف والمشاعر والتي هي قائمة بالأساس نظرا لما يربط هؤلاء المواطنين من أواصر حضارية أصيلة في منطقة كانت إلى وقت قصير - ربما لا يتجاوز القرن - خالية من تعقيدات الدولة الحديثة خاصة فيما يتعلق بالجنسية والتنقل والعمل والإقامة وهو ما تهدف التوصيات التي تقدمت بها الأمانة العامة لقمة أبوظبي إلى تجاوزه فالنجاح على هذا الصعيد من شأنه أن يدفع اتجاهات الرأي العام في المنطقة إلى المزيد من الإيمان بهذه المنظومة والانتماء إليها بل والدفاع عنها إن تطلب الأمر ذلك ولاشك أن مجلس التعاون لم يقم لمجرد أن يستمر، بل لكي يتطور ويحقق أهدافه في الاندماج الاقتصادي والأمني والسياسي وهو أمر يستوجب ضرورة تقديم المصلحة الجماعية على المصالح الوطنية حسب ما يؤكده عدد من النخب الفكرية المنطقة الذين يتطلعون إلى مرحلة مغايرة تفضي إليها قمة أبو ظبي لمسار المنظومة الخليجية التي يتعين عليها أن تحقق نقلة نوعية وبالذات على صعيد إنهاء ملف معوقات الاتحاد الجمركي الذي بدأ تطبيقه منذ أربع سنوات صحيح والذي رغم أنه مازال في مرحلته الانتقالية فقد نجح في زيادة التبادل التجاري بين دول المجلس بنسبة نمو تعدت 20% سنويا وأهمية هذا الاتحاد تكمن في أنه بمقدوره أن يعظم من فوائد السوق الخليجية المشتركة فضلا عن المساعدة في تسهيل التبادل التجاري مع العالم الخارجي من خلال تخفيض التعريفة الجمركية وتبسيط وتوحيد إجراءات الاستيراد والتصدير بالإضافة إلى التوصل إلى تهيئة برامج سياسية واقتصادية ومالية مشتركة والإسراع بإعلان مشروع العملة الموحدة الذي يواجه بالفعل تحفظات بعض دول المجلس وهما سلطنة عمان ودولة الإمارات وإن كان المأمول أن تتخلى الأخيرة عن تحفظاتها وتقدم على مفاجأة الانضمام إلى المجلس النقدي الذي يعد لهذا المشروع الذي سيدفع منطقة الخليج إلى آفاق حقيقية من التعاون الصلب يتناسب مع طموحات مواطنيها. وثمة ما أود الحديث عنه وأنا بصدد قمة أبو ظبي والتي ستكون آخر قمة يحضرها سعادة السيد عبدالرحمن بن حمد العطية باعتباره أمينا عاما لمجلس التعاون فقد ارتبطت به شخصيا ليس على مدى السنوات التسع المنصرمة التي تولى فيها هذا الموقع الرفيع المستوى ولكن منذ أن كان سفيرا في باريس مرورا بعودته إلى الدوحة وصعوده في وزارة الخارجية حتى عينه سمو الأمير وزيرا للدولة وهو ما قد يدفع البعض إلى التجريح في شهادتي بشأن أدائه خلال العقد الأخير غير أن ذلك لن يجعلني أتجاوز الحقيقية عندما أقول إن العطية تمكن من وضع بصمته على أداء منظومة مجلس التعاون الخليجي وكسب احترام القادة والوزراء ومختلف شرائح النخب السياسية والفكرية والتي كان يستعين بها لتقييم حركية وفعالية الأمانة العامة والدفع بها إلى فضاءات أرحب خاصة على الصعيد العملي لذلك فانه نجح في الإعداد الجيد لعشر من القمم الدورية الرسمية بعواصم الخليج المختلفة فضلا عن خمس تشاورية بالرياض تميزت جميعا بالنتائج التي تناغمت مع أحلام الناس في المنطقة وحققت مقاربة كانت ضرورية لهبوط مجلس التعاون من سقف الملفات الأمنية والسياسية إلى أرض الواقع الإنساني والتي شكلت محور حركته على مدى عقدين منذ إنشائه وبوسعي التأكيد أن زمن العطية في الأمانة العامة لمجلس التعاون كان زاخرا بالتحولات النوعية فهو من أدخل المرأة في إدارات الأمانة العامة كما أنه انحاز إلى العاملين فيها على نحو رفع من أوضاعهم المادية والمعنوية وهو ما رصدته في غير زيارة لمقر الأمانة بالعاصمة السعودية - الرياض -بعيدا عن أجواء النفاق التي تسود في العادة العلاقة بين المسؤول ومرؤوسيه كما أدخل لأول مرة ملفات على جدول أعمال القمم من نوعية التعليم والإصلاح السياسي وقضايا المرأة والبيئة والاستفادة من الطاقة النووية السلمية وغيرها من ملفات ذات طابع إنساني السطر الأخير: تهدمت صوامعي سكنت ريح القصيدة أسرجت خيولي مهاجرا للشمال أبكتني الفصول التي سافرت عنها الشمس تدثرت بالصمت خانني للوهلة الأولى فجئت إليك عابرا جسور الهمس أوقفني حراس المسافات امتطيت صهوة الرجوع باركني الترقب أديت صلاة الغائب عدت من مقاربة حضوري في وجدي يسكن بهاؤك تتوهج حقولك التي غادرها العسس.
538
| 07 ديسمبر 2010
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
2208
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
1593
| 26 سبتمبر 2025
يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...
948
| 24 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
882
| 23 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...
747
| 22 سبتمبر 2025
صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....
744
| 24 سبتمبر 2025
يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...
729
| 21 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
648
| 25 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
615
| 25 سبتمبر 2025
يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...
501
| 21 سبتمبر 2025
يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...
492
| 21 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية