رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مائة يوم بالتمام والكمال مضت على انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير يوم الجمعة الفائت مؤكدة قدرة الشعب المصري على استعادة حيويته التي فقدها على مدى ثلاثين عاما من حكم شديد الاستبداد والعنفوان ضده في عهد مبارك فلم يكن بالإمكان الخروج من هذه السنوات العجاف إلا عبر هذه الثورة التي شكلت تحولا نوعيا في مسار التاريخ المصري الحديث منجزة بذلك أهم ثورة اعتمدت على التحرك الشعبي وفي صدارته شباب الوطن الذين خرجوا في عفوية منظمة إلى حد ما وتمكنوا في ثمانية عشر يوما من إسقاط النظام وتهيئة البلاد لامتلاك ناصية الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهي الشعارات التي رددتها جماهير الثورة مطالبة بالخلاص من القهر والإذلال والفقر والفساد الذي كاد يفرض سطوته على كل شيء في المحروسة وخلال المائة اليوم سعت الثورة خاصة بعد أن تولى رئاسة حكومتها رجل نابع من ميدان التحرير مركزها الرئيسي في مصر هو الدكتور عصام شرف بالتعاون مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى تحقيق جملة من التحولات المهمة في صدارتها تفكيك أسس ومحددات النظام السابق تمهيدا لإعادة بناء نظام جديد يتسق مع أهدافها وهو ما جسدته خطواتها باتجاه صياغة نسق دستوري مغاير أطلق عليه الإعلان بعد إجراء الاستفتاء على التعديلات التي تم إدخالها على الدستور السابق والتي تمثلت في تعديل شروط الترشيح لمنصب الرئاسة وتقليص الفترة الزمنية لتولي هذا المنصب الحساس بأربع سنوات على ألا تجدد إلا لفترة واحدة وإعادة الإشراف القضائي على العملية الانتخابية وغيرها من أسس أعادت الاعتبار لشفافية هذه العملية بعد أن أجهضها تماما زبانية النظام السابق على مدى العقود الثلاثة المنصرمة هذا أولا أما ثانيا فإن الثورة أطلقت حربها المقدسة ضد الفساد وأركانه والذي لم يكن أحد على دراية بحجمه ونوعيته التي طالت كل شيء تقريبا بالرغم مما كانت تكشف عنه وسائط إعلامية في مصر خلال السنوات السابقة بين فترة وأخرى وإن كانت رائحته منتشرة في أرجاء القطر إلى حد يزكم الأنوف لقد خدع الجميع في رموز كانت تحكم مصر إلى جانب مبارك والتي بدا أن أجندتها لم تكن خالصة لوجه الوطن وإنما كانت تنزع فقط للحصول على أكبر قدر من الثروة إلى جانب السلطة من خلال الحصول على أراضي الدولة بثمن بخس وبيعها بأسعار مضاعفة وكذلك الحصول على توكيلات الشركات الأجنبية مما أدى إلى تراكم الثروة في أيديهم على نحو قاد إلى بناء نوع من الطبقية الذي لم تشهده المحروسة في تاريخها تجاوز الحالة الإقطاعية التي شهدتها في ظل نظام أسرة محمد علي قبل ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 بل لقد خدعنا في حسني مبارك نفسه والذي بدأ سنين حكمه الأولى بعد انتخابه رئيسا في 1981 بخطاب يتحدث عن محاربة الفساد والتزام الشفافية والعدالة واستخدامه مفردات من قبيل أن "الكفن ليس له جيوب" وحرصه على إجراء محاكمات لما اعتبرهم من أصحاب الثراء غير المشروع في عهد سلفه أنور السادات وغير ذلك من لمسات أحسنت آلته الإعلامية توظيفها خلال هذه السنوات ولكن مع دخوله فترته الرئاسية الثانية - رغم تصريحاته بأنه لا ينوي الاستمرار في الموقع الأول في مصر- بدت الصورة تأخذ ملامح مغايرة فقد ظهر ولعه بالملابس المصنعة في الخارج وتمسكه بالسلطة ثم دخول حرمه إلى دائرتها عبر بوابة الأنشطة الاجتماعية والتي سرعان ما أصبحت تمتلك سلطة موازية لمبارك وهو ما رصدته شخصيا خلال متابعتي لأنشطة الحزب الوطني والبرلمان بمجلسيه: الشعب والشورى خلال عقد الثمانينات من القرن الفائت قبل أن أتوجه للدوحة في سبتمبر من 1988 وتنقطع صلتي بهذه المؤسسات التي أسهمت بنصيب وافر من إفساد الواقع السياسي المصري بما في ذلك قطاع من العاملين بالصحف والإعلام بمختلف اتجاهاتهما ثالثا: إن إصرار ثوار يناير على محاكمة الرئيس السابق ونجليه ورموز نظامه يعكس حالة التضخم واتساع مساحة الإجرام تجاه الشعب ليس على صعيد الفساد فحسب وإنما على صعيد إفساد الحياة السياسية من خلال الاعتماد على التزوير في تشكيل المجالس البرلمانية والمحلية وغزل القوانين والتشريعات والتعديلات الدستورية على نحو يتناغم مع مشروع التوريث الذي كان يهدف إلى توصيل الابن جمال إلى السلطة خلفا لوالده وقد كشفت الوثائق عن أن شهر مايو الحالي كان هو الشهر الذي سيشهد انطلاقه بعد أن يعلن مبارك الأب رغبته في عدم الترشح للرئاسة في عيد مولده الذي يوافق الرابع من الشهر نفسه واللافت أن أسرارا كثيرة أخذت تتكشف عن أبعاد هذا المشروع الأخطبوطي الذي وظفت كل أجهزة السلطة المصرية خاصة الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام الحكومية والقطاعات المختلفة بالدولة لتنفيذه إلى الحد الذي كان يستعد فيه جمال مبارك للإقدام على انقلاب على المؤسسة العسكرية ذاتها من خلال الإيعاز لوالده بتعيين الفريق حمدي هيبة رئيس هيئة التصنيع الحربي والذي كان رئيسا سابقا لأركان القوات المسلحة وزيرا للدفاع بدلا من المشير حسين طنطاوي وأنس الفقي رئيسا لجهاز المخابرات بدلا من اللواء عمر سليمان وكلاهما كانا يشكلان عقبة أمام مشروع التوريث ووفقا لوثائق ويكليكس فإن المشير بالذات كان مناهضا بقوة لهذا المشروع ولعل ذلك يفسر سرعة الاختيارات التي أقدم عليها المشير وأعضاء المجلس الأعلى العسكري للقوات المسلحة انحيازا لثورة الشعب والتي رأوا فيها إجهاضا عمليا وجماهيريا لهذا المشروع رابعا: أعادت ثورة الخامس والعشرين مصر إلى مسارها القومي الصحيح ودورها الإقليمي الطبيعي بحكم البعد التاريخي وعبقرية موقعها وحجمها الديمغرافي وقوتها الناعمة والتي أهدرت بداية من تولي أنور السادات السلطة خلفا للزعيم الراحل جمال عبد الناصر ثم أجهز عليها حسني مبارك وتجلى ذلك في عودة الدوائر الثلاث للسياسة الخارجية للمحروسة إلى العمل بعد توقف أو جمود وهي الدائرة العربية ثم الإفريقية ثم الإسلامية ولعل إنجاز المصالحة الفلسطينية يشكل القطرة التي تسبق الغيث ومع ذلك فإن مهاما عدة ومتنوعة مازالت مطلوبة من الثورة وبإيقاع أسرع مما يتحقق على أرض الواقع في مقدمتها الانتهاء من بناء منومة أمنية تتوافق مع معادلة الحسم والعدل ضمن محددات احترام حقوق الإنسان تسعى إلى فرض هيبة الدولة وتنحاز إلى ما يسمى بالأمن الاجتماعي بعيدا عن الأمن السياسي والذي استغرق كل طاقة وموازنة المؤسسة الشرطية في مصر خلال الثلاثين عاما الماضية خاصة العقدين الأخيرين منها والتوجه إلى صياغة السياسات والبرامج العملية للعدالة الاجتماعية والمزيد من الانحياز للفقراء والسعي إلى التخلص من رموز النظام السابق خاصة الذين مارسوا الفساد والإفساد في الأرض والسعي بقوة إلى استعادة القدرات الذاتية لبناء مشروع للنهوض الاقتصادي والاجتماعي يعيد مصر إلى سيرتها الأولى عبر مخطط يتكئ إلى القطاع العام ولا يغفل القطاع الخاص الوطني ويتجنب مساوئ الخصخصة والرأسمالية المتوحشة التي طبقتها الحكومات المتعاقبة في زمن مبارك بالطبع المرء يدرك أن المرحلة الراهنة هي مرحلة انتقالية ولعل النهوض الحقيقي مرتقب له بعد أن تسلم القوات المسلحة الحكم لسلطة مدنية بعد إجراء الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في سبتمبر المقبل ثم الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم غير أن ذلك لا يعني التوقف عن الحركة الثورية النشطة التي تعيد مصر إلى عبقرية مكانها ومحورية دورها وقدرتها على الإبداع الحضاري كما كانت على مدى آلاف السنوات. [email protected]
785
| 09 مايو 2011
بعد غد الأربعاء ستكون القاهرة على موعد مع التوقيع النهائي على اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية التي ستنهي أكثر من أربع سنوات من الانقسام والخصومة بين أهم فصيلين وطنيين في فلسطين وهما حركة فتح وحركة حماس وهي لاشك لحظة تاريخية ستعيد الاعتبار للفعل الفلسطيني المؤثر والقادر على استعادة الحقوق المغتصبة كاد اليأس أن يصيب الجميع بعد هذا التنائي بين فتح وحماس والذي صحبه استقطاب وطني وإقليمي وأوشكنا على أن نقذف بالمصالحة بعيدا من فرط ما كنا نشاهده من تناقضات وتباينات وصلت في بعض المراحل إلى حد الاقتتال وحملات الاعتقالات المتبادلة لكوادر من الحركتين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ومع تفاقم الخلافات كانت القضية الفلسطينية تنحدر باتجاه التلاشي فالعدو الصهيوني يستغلها ليفرض شروطه على السلطة الوطنية التي بدت في بعض الأحيان وكأنها استسلمت لهذه الشروط في ظل غياب أوراق القوة التي تمتلكها وفي المقدمة منها الموقف الفلسطيني الموحد بينما تواجه حركة حماس ضغوطا من العدو بلغت أوجها في نهاية 2008 وبدايات 2009 عندما شن على قطاع غزة حربه التي أطلق عليها عملية الرصاص المصبوب فهدم البيوت والمرافق وقتل الشباب والأطفال والنساء والرجال وضاعف من حصاره الظالم على شعبها الذي ما زال مستمرا ولم تكن تداعيات هذا الخلاف بعيدة عن المشهد العربي فقد طالت أطرافا فيه وهو ما أثر سلبا على قوة الموقف العربي وبدا أن هناك فريقين أحدهما يطلق عليه محور الاعتدال والآخر محور الممانعة مما ألقى بظلال من الشك المتبادل بين أطراف كل محور وفجأة أطلت علينا شمس المصالحة الفلسطينية يوم الأربعاء الماضي بعد ليل طويل جثم على النفوس وفرض عتمته الكئيبة على الشارع العربي بعد أن ظننا أن ملفاتها أغلقت بالضبة والمفتاح وفق التعبير الدارج ولاشك أن انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير هي التي أزالت الغيوم والسحب التي كانت تهيمن على الأفق صحيح أن نظام مبارك كان يلعب دورا باتجاه المصالحة الفلسطينية لكنه بدا في كثير من الأحيان انحيازه الواضح لفريق ضد فريق بل إن وسائط إعلامه كانت تصب حممها على حركة حماس إلى الحد الذي وصفه أحد أبواق هذا النظام بأنها أخطر على مصر من الكيان الصهيوني وكان وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط يوجه رسائل تحذير لحماس بحسبانها قوة عظمى ويهدد بقطع أرجلها من جراء بعض تصرفات غير مقبولة كان يقوم بها بعض كوادرها على الحدود مع مصر بينما لم يكن يستخدم هذه اللهجة العنيفة أو لغة التهديد الحاد ضد إسرائيل عندما كانت تقتل جنودا مصريين على الحدود نفسها أو عندما كانت تقوم بشن غارات على الجانب المصري من رفح تحت حجة تدمير الأنفاق التي تربط غزة مع مصر على أية حال فإن الجهد المصري خلال نظام مبارك لم تكن نيته خالصة تماما لإنجاز المصالحة وبدا متصلبا تجاه ملاحظات قدمتها حركة حماس ورفض تغيير نصوص في الورقة التي قدمها في هذا الصدد كان يمكن أن توفر بيئة مواتية للتوصل إلى الاتفاق النهائي وبدلا من ذلك وجهت دوائر فيه اتهامات لقوى إقليمية بأنها تعطل تنفيذ الورقة المصرية والآن تهيأت كل السبل بعدما فتحت القاهرة أبوابها بإخلاص وجدية متخلصة من موروثات النظام السابق وتحفظاته وهواجسه وأوهامه وجمعت قيادات حماس وفتح في لقاء تم التوقيع فيه بالأحرف الأولى على اتفاق المصالحة بعد أن تم التعامل بإيجابية مع تحفظات حماس وملاحظات فتح دون تعسف مع التأكيد وقوف النظام الجديد في مصر بمسافة واحدة من جميع الأطراف الفلسطينية وهو ما كان مفتقدا في السنوات الأخيرة والآن بات من الجميع أن يلتقط هذه اللحظة التاريخية التي ستلتئم بعد غد الأربعاء في القاهرة متمثلة في التوقيع النهائي على اتفاق المصالحة بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وغيرهما من قيادات الفصائل الفلسطينية وذلك يتطلب جملة من الخطوات أولا: أن يتمسك جميع الفرقاء بالصدق والالتزام بحرفية ما يتم التوافق عليه بعيدا عن أجندات لها ارتباطات بقوى إقليمية أو اعتبارات خارجية بحيث لا يكون في الأفق سوى الأجندة الوطنية والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني التي تتطلب استعادة الوحدة والالتئام لمواجهة الاستحقاقات القادمة خاصة في ظل ما بات يتربص به العدو الصهيوني للمصالحة والتي أعلن حتى قبل أن تبدأ رفضه مخيرا أبو مازن بين السلام مع الكيان أو السلام مع حماس وهو ما رفضه الرئيس عباس على الفور في موقف وطني يحسب له معلنا انحيازه لوحدة الوطن ومخيرا نتنياهو بين السلام والاستيطان ووصل الأمر بالأخير إلى وقف تسليم سلطة أبو مازن استحقاقاتها من الضرائب ثانيا: الشعب الفلسطيني مطالب بكل أطيافه واتجاهاته بالدفاع عن المصالحة خاصة أنه هو الذي تظاهر بقوة مطالبا بإنهاء الانقسام في موجة الثورات العربية وبالتالي فإنه من الضروري أن يشكل هيئات شعبية تتولى مراقبة تطبيق الاتفاق ومواجهة أي طرف يحاول عرقلة تطبيقه ثالثا: مسارعة الأطراف العربية إلى تقديم الدعم العاجل للحكومة الفلسطينية بما يجعلها قادرة على القيام بمسؤولياتها بالكفاءة المطلوبة فضلا عن امتلاك القدرة على مواجهة أي تهديدات من طرف العدو الصهيوني للتأثير ماليا عليها إلى جانب قيامها بحملة دبلوماسية نشطة لتسويق اتفاق المصالحة وأنه يصب إيجابيا في خانة تحقيق السلام المنشود في المنطقة خاصة لدى الأمم المتحدة واللجنة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط رابعا: أن كلا من حركتي فتح وحماس مطالبتان بالدرجة الأولى بتجاوز الاستغراق في التفاصيل التي من شأنها أن تقود إلى توسيع قاعدة الخلافات التي تفضي إلى الجمود مثلما حدث في مراحل سابقة وذلك بدوره يستدعي تكليف العناصر ذات الحس الوطني بالإشراف على تطبيق الاتفاق خامسا: أن يلتزم جميع الفرقاء الفلسطينيين بكل بنود الاتفاق خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات التي ستجرى بعد عام من تشكيل حكومة التوافق الوطني وهو ما يؤكد رسوخ الخيار الديمقراطي في المشهد الفلسطيني مما يمثل قيمة مضافة للشعب الفلسطيني في عالم يحترم من يتبنى الخيارات الديمقراطية ويشكل في الوقت نفسه ردا عمليا على العدو الصهيوني الذي يقدم نفسه باعتباره صاحب التجربة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة السطر الأخير: في عينيك حنو يحتويني هو قلبك أم تكويني ممتشقا سيف عشقك معطرا برائحة الحنطة فيك تمنحني وجودي وسكوني [email protected]
381
| 02 مايو 2011
تعكس جولة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء المصري لثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي - والتي تبدأ اليوم بزيارة الرياض تليها الكويت والدوحة - اتساع حالة الاهتمام بالدائرة العربية لثورة الخامس والعشرين من يناير والتي لم تكن غائبة عن نبض الثوار بميدان التحرير وإن كانت على استحياء بفعل التركيز على القضايا الوطنية التي كانت مهيمنة على المشهد الداخلي إلى جانب الدوائر الأخرى المهمة للسياسة الخارجية المصرية وهي الدائرة الإفريقية والدائرة الإسلامية، ففور تسلم الدكتور شرف مهام منصبه رئيسا لحكومة الثورة متكئا على شرعية ميدان التحرير سارع على الفور إلى رسم ملامح توجهات مصر الخارجية بعون من وزير خارجيته القادم من المدرسة الرصينة والوطنية للدبلوماسية المصرية -الدكتور نبيل العربي- والتي لم تقف عند حد الطرح النظري وإنما تبلورت في خطوات عملية سريعة تجلت في قيامه بزيارة كل من الخرطوم وجوبا (شمال وجنوب السودان) على رأس وفد وزاري رفيع المستوى خلال الشهر الماضي رغم أنه كان مقررا أن يقوم بهذه الزيارة وزير الخارجية ثم جاء بعد ذلك الإعلان عن جولته الخليجية والتي كانت "الشرق" أول من كشف النقاب عنها في تقرير لكاتب هذه السطور من القاهرة قبل نحو أسبوعين وقبل أيام أعلن في القاهرة عن جولة إفريقية لشرف منتصف مايو المقبل بصحبة عدد من الوزراء المعنيين لإعادة الاعتبار لعلاقات القاهرة مع القارة السمراء والتي شهدت تراجعا خلال العقود الأربعة الأخيرة، ولاشك أن جولة شرف الخليجية تنطوي على أبعاد مهمة سواء من حيث التوقيت أو جدول أعمالها المتقاطع مع معطيات سياسية وأمنية واقتصادية تعكس الرقم الصعب الذي تحتله منطقة الخليج العربي في المنظور الاستراتيجي للأمن القومي لمصر. فثمة إدراك خليجي لأهمية المحروسة في محيطها العربي وفي القلب منه المنطقة التي تضم دول مجلس التعاون الست والتي ظلت تتطلع على الدوام إلى استعادة القاهرة لدورها المحوري كدولة مركزية في الإقليم العربي لإتاحة قدر من التوازن مع أدوار أطراف إقليمية أخرى تتعامل مع منطقة الخليج بحسبانها امتدادا أو ظهيرا لها أو باعتبارها مجالا حيويا لمصالحها بينما يتسم الدور المصري تجاه المنطقة بأنه مجرد من الطابع المنفعي وإن كان لا يغيب عنه البعد الخاص بالمصالح المشتركة. وشخصيا كنت مراقبا لملف العلاقات المصرية الخليجية على مدى العقدين المنصرمين خلال فترة عملي بقطر وكنت أرصد من منظوري المهني والفكري مدى حاجة دول المنطقة إلى فعالية وكفاءة الدور المصري وأذكر أن غير مسؤول خليجي كان يلفت انتباهي إلى التداعيات السلبية لغياب هذا الدور وبشكل خاص على وضعية الترتيبات الأمنية في المنطقة والتي اعتمدت خاصة في العقد الأخير للقرن الفائت على العامل الدولي من خلال إبرام اتفاقيات دفاعية وأمنية مع الدول الكبرى في العالم وذلك نتيجة لسياسة الانكفاء على الداخل التي انتهجها النظام في مصر منذ السادات والتي تكرست في زمن مبارك على نحو اقترب من حالة التبعية في كثير من الأحيان باستثناء انضمام القوات المصرية إلى التحالف الدولي لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي في العام 1991 والتي لا يمكن للمرء أن يخرجها من سياقها القومي، وأظن أن الدور المصري أو بالأحرى الحراك المصري تجاه الخليج في مرحلة ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير سيأخذ منحى يعمق من الترابط القومي بين مصر ودول مجلس التعاون الست ولعل الزيارات المتبادلة بين القاهرة وعدد من العواصم الخليجية خلال الشهرين المنصرمين تجسد هذه الحقيقة فقد زار الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي القاهرة مرتين كما زارها الشيخ محمد صباح السالم وزير الخارجية الكويتي مرة وزار الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء المصري الكويت مرتين بينما زار الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية المصري الرياض مرة واحدة وهو ما ينبه إلى الإدراك المتبادل لحاجة كل طرف للآخر. في المقابل تبدو الحاجة المصرية إلى خليج آمن ومستقر قوية وهو ما تجلى في تأكيد وزير الخارجية الدكتور نبيل العربي في تصريح رسمي له خلال الشهر الماضي على أن منطقة الخليج العربي تمثل عمقاً استراتيجياً أساسياً للأمن القومي المصـري، وأن الحفاظ على الاستقرار في الخليج يمثل التزاماً قومياً وضرورة إستراتيجية في آن واحد مشددا على أن الالتزام بوحدة واستقرار وسلامة أراضي كل دولة من دول الخليج، هو من أهم ثوابت السياسة المصـرية، التي تعتبر أمن واستقرار وعروبة دول الخليج العربي خطوط حمراء لا تقبل مصـر المساس بها، ونظر إلى هذا التصريح باعتباره ردا على الذين انتقدوا عن جهل أو ربما سعيا لمحاولة الوقيعة بين مصر ودول منظومة مجلس التعاون تصريحات العربي التي تحدث فيها عن تجنب التعامل مع إيران الدولة الإسلامية الجارة والمرتبطة بدول المنطقة باعتبارات التاريخ والجغرافيا بحسبانها دولة عدو مثلما كان يحدث في زمن مبارك خاصة في العقد وحسب قناعتي فإن تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران من شأنه أن يصب إيجابيا في منحى الاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج والذي يشهد حالة من الشد والجذب منذ تفجر الأوضاع الداخلية في البحرين خلال شهر فبراير الماضي ثم مع دخول قوات درع الجزيرة التابعة لمنظومة مجلس التعاون إلى المملكة للإسهام في فرض الاستقرار بعد فترة من الاضطرابات الداخلية فيها والتي اتهمت إيران بتأجيجها وأظن أن هذا الملف بالذات سيكون ضمن ملفات جولة شرف الخليجية فالقاهرة معنية بالتأكيد على أن أي تطور في علاقاتها مع طهران لن يكون خصما من دورها الطبيعي في الوقوف إلى جانب دول مجلس التعاون الست حماية لأمنها واستقرارها وعروبتها وهي ثوابت لا يمكن تجاوزها وفق المنظور المصري الاستراتيجي. بالطبع فإن حاجة مصر إلى تعميق قاعدة الاستثمارات الخليجية فيها تشكل واحدة من أهم أهداف الجولة ومن ثم فإن شرف سيقدم تطمينات حكومة الثورة لقطاع الأعمال والاستثمار الخليجي فيما يتعلق بحماية الاستثمارات القائمة حالية خصوصا في ظل الجدل الذي طال مشروع الأمير السعودي الوليد بن طلال بمنطقة توشكى جنوب مصر والذي سعى طرفاه إلى التوصل إلى حل قانوني يحمي مصالحهما معا وما سيطرحه شرف ورفاقه من الوزراء خلال الجولة سيركز بدون شك على أهمية الالتزام بقواعد الشفافية أساسا لأي مشروع استثماري على نحو لا ينطوي على أي تجاوز أو استثناء يخل بالمعايير الموضوعية والقانونية والتي تضعه موضع الشك ولاشك أن هناك العديد من المشروعات الخليجية الناجحة القائمة منذ سنوات وفق هذه المحددات ولكن ثمة مشروعات وقعت فريسة لمنظومة الفساد التي كانت سائدة في القطاعات الاستثمارية والاقتصادية والتي تسعى حكومة الثورة إلى استئصالها في الوقت الحالي وهذا ما يهم رجال الأعمال الخليجيين. وألفت هذا السياق عندما سألت يوما أحد المستثمرين القطريين الكبار والذي كان يفتح لي قلبه: لماذا وجهت 600مليون دولار لمشروعات استثمارية بدولة مغاربية بينما لم توجهها لمصر؟ فأجابني قائلا: إن المعضلة تكمن في منظومة الفساد التي تبدأ منذ اللحظة التي يتقدم فيها المستثمر العربي بعرض مشروعه فضلا عن شراسة البيروقراطية المصرية صحيح أنه مضى على هذا الكلام أكثر من عقد لكنه ظل عقدة تعوق دون تدفق الاستثمارات العربية التي كانت محملة بأشواقها للمحروسة إلا أن رجال مبارك الذين كانوا يمسكون بالملفات الاقتصادية أهدروا كل رغبة وأجهضوا كل شوق بالرغم مما كان يطرحونه من تيسيرات ارتكزت على الشكل دون المحتوى. إن رياحا ثورية هبت على مصر برؤية مغايرة تسعى إلى بث العافية في الاقتصاد الوطني اعتمادا على القدرات الذاتية ولكنها في حاجة بالتأكيد على عون الأشقاء وهو ما تسعى إليه جولة شرف الخليجية التي نتمنى لها أن تشكل بداية فتح جديد في علاقات مصر مع دول مجلس التعاون ثم مع باقي دول الوطن العربي الكبير. السطر الأخير: تلقيت نبأ رحيل الكاتبة ثريا نافع يوم الخميس الماضي في رسالة هاتفية من الدوحة فأصابني حزن عظيم لكني ترحمت عليها ودعوت الله أن يسكنها فسيح جناته بعد رحلة معاناة مع المرض الخبيث الذي أصر على اعتلاء جسدها وإنهاكه سنة بعد سنة رغم مقاومته بالكتابة حينا وبالصبر حينا وبالسفر حينا ثالثا. ولقد كانت ثريا خلال وجودي بقطر نعم الأخت التي تمارس عنفوان الحنو والصداقة والمودة الخالصة، قرأت لها بعضا من أعمالها الروائية والقصصية التي تستحق اهتماما نوعيا من النقاد خاصة أنها دخلت مناطق لم يقترب منها أحد من الروائيين العرب كما كانت تسعى إلى التميز في عملها الصحفي الذي كانت تمارسه هاوية وعاشقة فهي أول صحفية عربية تجري حوارا مع الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي نشرته في الشرق قبل سنوات، وأصدرت كتابا عن تجربته، رحم الله ثريا ومنح زوجها وأبناءها كل ألوان الصبر. [email protected]
382
| 25 أبريل 2011
لم يفاجئني قيام الحكومة القطرية بإيداع مذكرة رسمية لدى الأمانة العامة للجامعة العربية خلال الأسبوع المنصرم بشأن ترشيح عبدالرحمن بن حمد العطية عبر سفيرها النشط في القاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة صالح عبدالله البوعينين ليس لأنني كنت على دراية بمثل هذا النبأ وإنما لأن العطية في حد ذاته يمتلك رصيدا شديد الإيجابية على مدى تسع سنوات أمضاها أمينا عاما لمجلس التعاون الخليجي نجح في تحويله إلى منظومة فاعلة وديناميكية وأضحت ذات تماس واضح مع المواطن الخليجي خاصة في مفردات حياته اليومية وشخصيا كنت واحدا من المتابعين لمسيرة الرجل قبل أن يتبوأ هذا المنصب من خلال وجوده بوزارة الخارجية القطرية بدءا من عمله سفيرا في باريس وحتى وصوله إلى موقع وكيل الوزارة مرورا بتوليه مسؤولية إعداد قطر لاستضافة أول قمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي وإشرافه على عدد من الملفات الخاصة التي حققت فيها الدوحة نجاحات دبلوماسية مشهود لها وخلال هذه المسيرة التي امتدت إلى أكثر من عشرين عاما بالنسبة لي ِأشهد أن الرجل لم تتوقف حيويته عند حد فهو دائم التفكير ومبادر بوضع السياقات والآليات لتنفيذ أفكاره ومشروعاته الرامية إلى التطوير والتحديث وضخ الدماء الجديدة إلى حد المغامرة المحسوبة فضلا عن ذلك يمتلك القدرة على المتابعة بحيث تكون هناك استمرارية للأفكار والمشروعات التي تتقاطع دوما مع القضايا الكبرى وهو ما لمسته خلال وجوده على رأس منظومة مجلس التعاون الخليجي التي كنت معه محاورا بشأنها بشكل دءوب يصل في بعض الأحيان إلى مستوى الإزعاج وإن كان لم يظهر ذلك لي في الخارجية القطرية وفي مجلس التعاون الخليجي كان عنوانه العمل المتقن وبجودة عالية. لذلك فإن الفريق الذي يتعاون معه كان يعاني شدة الانضباط في المواعيد والسرعة في الأداء والمتابعة والإسراع في بلورة النتائج . ورغم ذلك فإن أحدا من أفراد هذا الفريق لم يكن يشكو لأن العطية كان يتعامل مع الجميع بمنطق الأخ الأكبر وليس رئيس العمل المستبد الذي بمقدوره فرض قراراته. كان يجيد توظيف مهارات كل شخص يعمل معه ويدرك المدى الذي يمكن من خلاله الوصول إليه. لذلك وفر أجواء من المحبة والتقدير المعنوي قبل المادي فوقع ما يمكن وصفه بالامتزاج بينه وبين فريقه فأخلصوا له وعملوا معه من منطق مغاير تماما ينهض على تقديم أقصى ما لديهم من وقت وجودة وإتقان والأهم من ذلك لم يتبع منهجية الشللية بل كان يستخدم المنهج العلمي القائم على الاستعانة دوما بأهل الخبرة وليس الثقة فأحاط نفسه بهم إضافة إلى قراءة الواقع على نحو عميق مما أهل قراراته لتكون منسجمة مع متطلبات هذا الواقع ولست هنا في معرض الإشارة إلى ما أنجزه على صعيد مجلس التعاون الخليجي من تحولات نوعية جعلته يغادر منطقة الأمن التي ظل مقيما فيها بمفردها لسنوات طويلة فتحرك إلى مناطق أخرى في مقدمتها الاقتصاد والتجارة عبر الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي والتي كانت قبل مجيئه إلى المجلس مجرد أحلام وربما شعارات يترقب الجميع مقاربتها واقعيا وعلى المستوى السياسي فإن العطية كان أول أمين عام يتحدث عن الإصلاح السياسي بل إنه طرح لأول مرة في المنطقة فكرة المنابر السياسية خلال مداخلة له بمهرجان الدوحة الثقافي قبل سنوات صحيح وكانت حواراته الصحفية والتليفزيونية زاخرة بالآراء التي تعكس الرغبة في تطوير المنطقة سياسيا وإدخالها مواقع متقدمة من حيث التقدم الديمقراطي وعلى المستوى الدولي العطية أول من أدخل فكرة الحوار مع المجموعات الدولية المناظرة لمجلس التعاون فضلا عن الدول المتقدمة إلى حيز التنفيذ بل أٍسهم في تقديم مجلس التعاون بتراثه الحضاري وتأُثيره السياسي والاقتصادي في عالم اليوم إلى العديد من الدول عبر ما أطلق عليه أيام مجلس التعاون والتي نظمت في عدة عواصم كان آخرها في شهر فبراير الماضي بسيول عاصمة كوريا الجنوبية ويتمتع العطية بقدرة على صياغة علاقات تقوم على الاحترام المتبادل مع رجالات الإعلام والصحافة فأنت ترى في كل عاصمة عربية مجموعة من الأصدقاء وهو يقترب في هذا السياق ممن يحترمون ذواتهم ويبتعد عن هؤلاء النفر الذين يمكن أن يلمح فيهم سعيا لمصلحة خاصة وهو في الآن ذاته يدرك طبيعة الرسالة التي يريد توجيهها من هذا الصحفي أو ذاك وتلك ميزة نسبية فيمن يتبوأ منصبا مهما وهو ما جعله على تواصل مباشر مع الكثيرين من هؤلاء دون تعال منه أو إفراط كان يمسك بالكرة في ملعبه يقرر متى يقذف بها ولم يكن يرفض طلبا لحوار صحفي وهو ما خبرته معه على مدى السنوات العشرين المنصرمة بشرط أن يتيقن أن هذا الحوار سيحمل الجديد وكثيرا ما كنت أحصل منه شخصيا على جديد وسبق صفحي كان لـ" الشرق " نصيب منه " بعد التحاقي بها قبل نحو عام ونصف العام وبوسعي الجزم أن العطية يمتلك حسا إنسانيا رفيع المستوى إن جاز لي هذا التعبير- فهو من ذلك النوع من المسؤولين الذين لم يصبهم غرور المنصب أو كيمياء السلطة فمن عرفه لن يجد كبير اختلاف في شخصيته سواء خلال فترة عمله سفيرا في عدد من العواصم العربية والدولية أو بعد توليه موقع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ظل هو العطية لم يقلب مائدة صداقاته. وإن كان قد ضاعف أعداد من يجلسون على مقاعدها. لم يتنكر للعاملين معه في مواقع مختلفة فضلا عن قدرته على الكشف عن الموهوبين وتصعيدهم في العمل معه ولعل نموذج محمد المالكي الذي كان مذيعا بإذاعة قطر فاختاره للعمل بمكتبه عندما كان وكيلا للخارجية والآن هو دبلوماسي متوهج بالوزارة تنقل في عدد من العواصم العربية والأجنبية وفي زمن العطية تحول مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إلى خلية إنسانية بالمعنى الكامل للمفردة فليس ثمة قيود تحول المكان إلى ما يشبه الثكنة العسكرية كما كان يحدث في سنوات سابقة وإنما مكان مفتوح للفكر والحوار والعمل الدءوب في سياق يحرص على الإنجاز وكان هو أول من عمل على زيادة مرتبات العاملين بالأمانة ومنحهم ترقيات يستحقونها وفرصا للإبداع والتميز لم تتح لهم من قبل وأدخل لأول مرة المرأة لتكون ضمن السلك الوظيفي بعد أن كانت الأمانة العامة مغلقة على نون النسوة على نحو متعسف والأهم من ذلك هو أنه كان أول من فتح الباب أمام القضايا الإنسانية لتكون ضمن جدول منظومة مجلس التعاون الخليجي والذي كان يقتصر على القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية كما أجرى لأول الحوارات الممنهجة حول دور وأداء مجلس التعاون عبر ندوات كان يشارك فيها مفكرون وإعلاميون من مختلف الاتجاهات بدول المجلس وبعد فإن العطية يستحق في ضوء كل هذه المعطيات أن يكون أمينا عاما للجامعة العربية ولكن الأمر يتطلب حركة مبرمجة تعتمد على استراتيجية نشطة قادرة على قراءة واقع النظام الإقليمي العربي وتتمكن من اختراق محاذير عديدة وتسعى إلى تحقيق توافق عربي بشأنه السطر الأخير: لا تسافري انهضي من سباتك أعيديني إلى نهرك المحمل بالياقوت كوني الصدى لعشق كاد يموت بثي في شراييني رحيقك الأبدي اقتربي من حقولي أمطريني بدفئك الأسطوري وقدس أقداس البراءة أيا سر البهجة القديمة تشتعل في الروح دونما خفوت [email protected]
427
| 11 أبريل 2011
من إشراقات المشهد المصري الداخلي أنه بات مفعما بالحيوية وهو أمر يبعث على الارتياح على وجه الإجمال لكنه في الآن ذاته يرسل بإشارات قلق نظرا لحالة التعدد التي تهيمن عليه مع قدر من خلط الأوراق خاصة مع ظهور قوى كانت خلال العقود الثلاثة الأخيرة تقيم في خانة الصمت أما تقية أو مجبرة أو ترقبا للوقت المناسب. ولاشك أن ثورة الخامس والعشرين وفرت البيئة المواتية لظهور هذه القوى وبالذات الدينية منها والتي تعامل معها النظام السابق في مصر بحسبانها عدوا وخصما يتعين سد كل المنافذ أمام صعوده ضمن منهجية ركنت دوما إلى توفير كل حماية للحزب الوطني الحاكم الذي ينهض على تحالف السلطة والثروة على نحو وضع المناخ السياسي كله تحت قبضة نفر محدود من ضيقي الأفق والذين وضعوا الأولوية للحصول على أكبر قدر ممكن من ثروات وأراضي وموارد المحروسة. غير أن بعضا من هذه القوى بفعل محدودية خبرتها السياسية أو بالأحرى نظرا لتبنيها تصورا في فهم الإسلام يقوم على مقاربة التراث والتاريخ وتجنب التفاعل مع الواقع لم تكن غير قادرة على الولوج إلى عمق ما أفرزته ثورة الخامس والعشرين من يناير خاصة فيما يتعلق ببناء منظومة مغايرة للدولة المصرية تتأسس على البعد المدني الذي لا يعني بالضرورة إلغاء الدين وإنما إفساح المجال لكل قوى المجتمع الحية للمشاركة في صياغة مفردات الزمن الآتي بالمحروسة فسارعت إلى التعامل بقدر من الاستخفاف مع بعض إفرازات الثورة وفي مقدمتها نتائج الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية فاعتبرت حصولها على نسبة تزيد على الـ 77 في المائة من أصوات المقترعين المصريين باعتبارها غزوة صناديق صبت حصيلتها في مصلحة الإسلام وعلى من لا تعجبه هذه النتيجة أن يرحل إلى أمريكا وكندا وهو ما اعتبره كثير من المراقبين بمن فيهم كتاب إسلاميون رفيعو المستوى مثل الدكتور محمد سليم العوا نوعا من السخف والموقف غير اللائق من قوى تنتمي إلى الإسلام وهي بالتحديد - أو إن شئنا الدقة جزء منها - القوى السلفية التي ظلت خلال سنوات مبارك صامتة ولا يتناول رموزها سوى الحديث عن المأثور في التاريخ الإسلامي وحكايات الصحابة اعتمادا على مرجعيات بعينها مع إقصاء مرجعيات عديدة مشهود لها بالعلمية والفكر الوسطي الرصين وشخصيا تعرضت لتجربة مع أحد شيوخهم وإن كان من غير المشهورين والذي يتولى إمامة المسجد القريب من منزلي بالجيزة فقد فوجئت به بعد الثورة يركز في خطبة الجمعة على وقائع سياسية وهو ما اعتبرته تطورا إيجابيا منه غير أنه سرعان ما تجاوز السياق الصحيح للفهم الإسلامي والذي يتجنب اللعن والسب في الشخصيات والرموز التي نختلف معها وبدا لي الأمر لأول وهلة وكأنه زلة لسان عندما وصف ثورة يوليو 1952 بأنها "وكسة "وليست ثورة والوكسة وفق التعبير المصري الدارج تعني الخيبة والانكسار فلم أشأ مراجعته بعد انتهاء الخطبة وبعد حوالي أسبوعين عاد للحديث عن السياسة على نحو أشد هجوما على ثورة يوليو وعبد الناصر وأسماه "عبده الخاسر" ثم أطلق قذائفه لعنا وسبا لكل من الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك بطريقة دفعت الكثيرين أبان الخطبة إلى التململ وهو ما شاهدت ملامحه على وجوه بعض المصلين الأمر الذي أدى بعد الانتهاء من صلاة الجمعة إلى مسارعة نفر منهم لمناقشته فيما قاله وكنت واحدا من هؤلاء وأبديت اعتراضي على مقولاته مستندا إلى أن الإسلام ليس دينا للعن والسب وإنما يتيح للمرء أن يوجه انتقاداته للآخرين وبلغة بعيدة عن الإسفاف معتمدا على حقائق موضوعية وأدلة وبراهين وهي متوافرة بالنسبة للرئيس السابق حسني مبارك وبالتالي لا ينبغي - وفق الفهم الإسلامي - سبه ولعنه مهما كان حجم الأخطاء التي ارتكبها على أن يترك أمره للقضاء يقول كلمته فيه ثم سألته عن سر وضعه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في نفس السلة التي تضم كلا من السادات ومبارك رغم التفاوت الكبير في أدائه عنهما خاصة في تصوراته الاجتماعية والتي انحاز فيها للفقراء وحرصه على بناء وطن متحرر من قوى الاستغلال غير تابع لقوى أجنبية فبادرني قائلا إنه لم يبد اهتماما بالشؤون الداخلية لمصر وركز على المحيط العربي وطلب مني أدلة على سبب واحد كان يبرر له التوجه للحرب في اليمن ثم أردف: أنا أجيبك أنه أرسل القوات المصرية لهذه البلاد البعيدة لأن إمام اليمن آنذاك سب مصر وشارع الهرم فيها فقرر عبد الناصر الانتقام منه هكذا ببساطة تجاوز حقائق التاريخ ومعطيات الصراع السياسي والإقليمي والرغبة في إطلاق طاقة التحرر الوطني العربي والنهوض بدولة كانت تنتمي للقرون الوسطي وهو ما يعترف به اليمنيون بكل شرائحهم لكن الإمام الفاضل أخذ يتململ مني عندما طالبته بأن يقرأ في التاريخ بعمق حتى أبعاد الدور المصري ليس في اليمن ولكن في المنطقة العربية والذي تعتز به شعوب المنطقة وهو ما لامسته بنفسي خلال فترة عملي بقطر التي تمتد إلى نحو عشرين عاما فقد كان شعبها ينظر بإيجابية إلى فعالية وكفاءة دور المحروسة في زمن عبد الناصر وأذكر أن كهلا قطريا أبلغني أنه لم يكن يعلم أن الخليج المحيط ببلاده من ثلاث جهات اسمه الخليج العربي إلا في هذا الزمن الجميل والذي لا يخلو من أخطاء وتجاوزات لكنها أقل بكثير من الإيجابيات التي طالت شؤون الداخل وشؤون الخارج في معزوفة مدهشة مزجت بين الوطني والقومي ليتها امتدت لكنها تعرضت للانكسار بعد رحيل عبد الناصر في الثامن والعشرين من سبتمبر 1970. إن خطورة مثل هذه الطروحات تكمن في قدرتها الكامنة على تمزيق الوطن بين فئات وشرائح وهو ما يتعارض مع محددات الدين الإسلامي الذي ينص على التآخي حتى مع المختلفين في الدين بالذات أصحاب الديانة المسيحية الذين يشكلون جزءا مهما من النسيج الاجتماعي والوطني في المحروسة وثمة نصوص ووقائع في التاريخ الإسلامي تؤكد ذلك وتكرسه ولكن البعض يتجاهلها رغبة في تكريس حالة من العداء لا تصب في المنظومة الجديدة لبناء مصر بعد ثورة الخامس والعشرين وتستوجب مني الموضوعية القول في هذا السياق أإن بعضا من شيوخ التيار السلفي في مصر وعلى رأسهم الشيخ محمد حسان يتبنى فكرا وسلوكا يتسق مع جوهر الفهم الإسلامي الصحيح للعلاقة مع الآخر وأنا استخدم هذه المفردة تجاوزا فوفقا لمنطلقات الدولة المدنية ليس هناك آخر وإنما هناك مواطنة ينبغي الحرص عليها وحمايتها من شطط هنا أوهناك والخطاب الإسلامي ينبغي بكل تجلياته أن يتوجه إلى تحفيز كل قوى المحروسة باتجاه يعضد الحس الوطني ولا يمزقه ويفتح الأبواب أمام رياح تغيير حقيقي ولعل ما يقدمه فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يمثل أنموذجا في الخطاب الإسلامي السياسي وهو ما تجلى في خطبة الجمعة التي أم فيها المصلين بميدان التحرير في أعقاب سقوط الرئيس الراحل حسني مبارك وخاطب فيها المسلمين والمسيحيين لأول مرة ربما في التاريخ الإسلامي فضلا عن ذلك فإنه رغم مناهضته للحقبة الناصرية لا يبدو شتاما أو لعانا لرموزها وقياداتها بل يقدر توجهاتها الاجتماعية حسبما ذكره للزميل الدكتور حسن علي دبا وأنا خلال حديث صحفي مطول معه في بداية الألفية الجديدة عن شخصيات القرن العشرين كما أنه لم يوجه سبابا لمبارك خلال خطبة الجمعة التي ألقاها من منبره بمسجد عمر بن الخطاب خلال توهج المظاهرات في مصر بل طالبه بلغة قوية ومهذبة بالرحيل، هذه هي خلق الإسلام وسمات المسلمين بحق. السطر الأخير: غادرتني الكلمات سافرت عني المفردات لم يتبق لي سوى " أني أحبك" [email protected]
514
| 04 أبريل 2011
لست في موضع الدفاع عن الإمام الأكبر الدكتور أحمد محمد الطيب شيخ الجامع الأزهر لكني في معرض الإِشارة إلى جملة من الحقائق سعيا لكشف عورات المشاركين في هذه الحملة الموجهة ضد فضيلته والتي يبدو في ظاهرها الحرص على مصلحة الأزهر بينما باطنها محمل بروائح خبيثة تنبئ عن كراهية لعالم جليل جاء إلى صدارة مشيخة الأزهر مستندا إلى رصيد من العلم والفكر والثقافة فضلا عن النزاهة والاستنارة والرؤية الثاقبة لدور المؤسسة الدينية وامتلاك القدرة من حجة وبراهين وأدلة على مواجهة أصحاب فكر أسهم في إغلاق نوافذ الضوء التي يتعين أن يطل منها الإسلام: الدين والشريعة ونمط الحياة وطبيعة العلاقة مع الآخر على الواقع. أولى هذه الحقائق أن العالم الجليل لم يأت إلى مشيخة الأزهر ساعيا ومهرولا ومقدما قرابين الطاعة للسلطة أو رجالها، وإنما استند إلى تاريخ طويل في مؤسسة الأزهر سواء عبر معاهدها التعليمية أو جامعتها حتى وصل إلى موقع العميد لعدد من كلياتها مارا بمراحل التصعيد المختلفة ليصل إلى درجة الأستاذ، غير مكتف بحصوله على الأطروحات العادية من ماجستير ودكتوراه وإنما سعى للالتحاق بجامعة السربون الفرنسية والإجادة التامة لكل من اللغتين الإنجليزية والفرنسية، حتى يتمكن من امتلاك أدوات العصر وعبر كل هذه المراحل أثبت قدرة هائلة على التفاعل مع جوهر رسالة الإسلام بحسبانها رسالة تنهض على الاستنارة والوسطية والاعتدال، بعيدا عن الشطط سواء في الطقوس أو في فهم محددات الواقع وقدم بذلك الإسلام المنحاز للبسطاء وليس الإسلام المنحاز لأصحاب الياقات البيضاء أو بالتعبير الحديث النخب. ثانيا: إن الذين يحاولون أن يطعنوا في الذمة المالية للإمام الجليل يقعون ضحية نفر وربما دوائر إقليمية لها ارتباطات محلية، تقوم على "بيزنس الدين" وهو لو تعلمون من أكثر أنواع الـ "بيزنس" انتشارا ومكاسب وربحية وقد لا يكونون على دراية بطبيعة أهداف هؤلاء النفر والدوائر والذين يتسمون بقدرة فائقة على طرح الأكاذيب في صورة حقائق مستخدمين آليات مستمد ة من الدين -للأسف - فضلا عن تقديم الإغراءات بأشكال مختلفة، ولو أن هؤلاء المشككين في ذمة الإمام الأكبر بذلوا قدرا ولوا ضئيلا للتيقن من معلوماتهم - وتلك واحدة من أهم شروط الكتابة الموضوعية - فضلا عن التوجه إلى مشيخة الأزهر، أو الجهات الرقابية المنوط بها متابعة الأداء المالي للمشيخة وللشيخ لتوصلوا إلى الحقيقة بأنفسهم قبل إطلاق قنابلهم الدخانية التي لن يكون لها أثر يذكر بإذن الله، لأنها تمس جدارا صلبا من الشفافية والزهد- فهو أي الإمام -ليس من هذا الصنف الذي يتطلع إلى ما لدى الآخر حتى لو تجسد ذلك الآخر في الدولة، ولعل حقيقة مرتبه الذي يحصل عليه من وجوده على رأس هذه المؤسسة العريقة -2600 جنيه شهريا – تؤكد هذه الخاصية في الشيخ الجليل وهي خاصية متجذرة في شخصيته، وهو ما يتجلى في إعلانه مؤخرا أنه بصدد رد ما حصل عليه إلى خزينة الأزهر من هذا المرتب الضئيل فضلا عن رفضه الحصول على مخصصاته التي تعادل مخصصات رئيس الوزراء ومكافآت شهرية "شرعية "تصل إلى 70 ألف جنيه، وهي أرقام مغرية جدا لضعاف النفوس وطلاب مباهج الدنيا وهو لا ينتمي إلى هذا النوع من البشر أو العلماء وهم كثر في واقعنا وذلك يعكس ما تربى عليه من محددات أٍساسية في بيت صوفي، يمزج بين الدين والدنيا دون جشع تصدرتها القناعة في ظل أجواء مقبولة من الثراء غير الفاحش الذي وفر إمكانية الإنفاق على ضيوف الساحة من مريدي وزوار والده شيخ الطريقة الخلوتية، شيخنا الراحل محمد أحمد الطيب وهي ساحة ما زالت ممتدة حتى يومنا هذا في مركز القرنة وهو ما جعله يؤثر دوما أن يكون بمنأى عن الشبهات حتى ولو كانت مشروعة - إن جاز لي القول - وثمة حقيقة أعلمها عنه، وهي أن مرتبه في مشيخة الأزهر يقل بقيمة الربع عن مرتبه الذي كان يحصل عليه عندما كان رئيسا لجامعة الأزهر قبل ما يقترب من العام. ثالثا: في تقديري أن ثمة نفرا من داخل مؤسسة الأزهر يلعبون دورا خفيا في تأجيج الحملة ضد فضيلة الإمام الأكبر، وذلك لأنه بصراحة ووضوح رفض أن تستمر أوضاع مقلوبة وغير عادلة في هذه المؤسسة ذات الطابع الديني، والتي يتعين أن تقوم على قواعد شرع الله ويتسم أداء العاملين بها - خاصة كبار العلماء - بالحد الأدنى من النزاهة ووفقا لمعلوماتي، والتي أقسم أنه ليس هو مصدرها. إنه فوجئ عندما تولى موقعه الجليل بوجود تفاوت شديد الاتساع بين مرتبات ومكافآت نفر من المحيطين بالإمام الراحل فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي الذين استغل البعض منهم طيبته وسماحته وعدم تدقيقه في الأمور المالية بحكم مقدار الثقة التي منحها لهم فأعاد الحقوق إلى نصابها، وأوقف مسلسل النهب المنظم لأموال الأزهر التي كان يحصل عليها البعض من دون وجه حق، وبالطبع فإن الذين أضيروا من هذه الإجراءات التي سدت عيونا كانت تفيض عليهم في كل الأوقات بالغالي والنفيس، لابد أن يطرقوا كل باب لمحاولة تشويه سمعة الرجل واستغلوا في ذلك كل وسيلة بما فيها الاحتجاجات الفئوية التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير واللقاءات التي يحضرها فضيلة الإمام، وكان آخرها لقاء مع أئمة وزارة الأوقاف بيد أن الأغلبية ثارت وأوقفت هؤلاء الذين أرادوا دفع الشيخ إلى الاستقالة حتى تعود الأوضاع السابقة إلى سيرتها الأولى، ويستعيدوا الهيمنة على كعكة الأزهر التي وجدت لها أخيرا صاحبا يحاول أن يقسمها بالعدل والقسطاس. رابعا: الفساد في المؤسسة العريقة لم يتوقف عند هذا الحد وإنما طال خلال العقود الماضية مجالات عدة بما في ذلك مجال الإعارة إلى الخارج والتي بات معروفا أنه لم يكن بمقدور أحد الحصول عليها -قبل مجيء فضيلة الدكتور الطيب – إلا بعد أن يدفع المعلوم لبعض القائمين على اللجان المناط بها اختيار المعارين، فقد غير الشيخ الأسلوب والمنهج واللجان التي باتت متعددة ولا تقتصر على نمط اختباري واحد وإنما تأخذ أشكالا متنوعة مما أتاح العام الماضي لكثيرين طالت أشواقهم فرصة السفر للإعارة فحصلوا عليها دون عناء إلا حفظهم للقرآن الكريم وأداء ثلاثة اختبارات، وقد خاض شقيق لي هذه التجربة ولم ينقذه إلا مجيء الشيخ الطيب إلى رأس مشيخة الأزهر، وأقسم بالله العظيم أنه لا يعلم حتى كتابة هذه السطور بحالة شقيقي، والذي ظل لسنوات تزيد على العشر يتقدم لامتحان الإعارة لكنه لم يتمكن أبدا من اختراق القواعد الموضوعة، والمتمثلة في دفع المعلوم لأعضاء اللجنة والذي كان يتجاوز قدراته المالية رغم مهارته المرتفعة في حفظ القرآن الكريم وعندما تغير الحال في زمن الطيب استطاع أن يعبر ثلاثا من الاختبارات بسهولة مع المئات من أمثاله الذين انتظروا طويلا فرصة الإعارة. خامسا: من أثاروا الغبار حول رحلته العلاجية إلى فرنسا خلال شهر نوفمبر الماضي طرحوا جملة من الأكاذيب، أولها يتعلق بالفترة التي أمضاها في باريس فذكروا أنها ثلاثة أسابيع في حين أنه أمضى أسبوعا واحدا منها وكانت السفارة المصرية هي التي تتولى متابعة تكاليف العلاج والإقامة. وثانيها أنه اصطحب معه نجله المهندس محمود على نفقة صندوق الزكاة والتبرعات بالأزهر وهو ما لم يحدث مطلقا فمحمود بالأساس يعمل بقطاع المقاولات بالأقصر وليس في حاجة إلى أموال زكاة الأزهر، وهو مقتدر ماليا من جهده الخاص والشيخ نفسه لا يقبل مثل هذا السلوك. سادسا: إن الإمام الجليل يتبنى موقفا شديد الاستنارة من مسألة الفتنة الطائفية داخل مصر، وبالتالي هو ليس من المؤمنين بنظرية تبويس اللحى التي هاجمه البعض بتطبيقها لدى زيارة لم يقم بها مطلقا لقرية صول التي شهدت مؤخرا واحدة من تجليات هذه الفتنة وذلك هو المدهش، ويؤكد أن هؤلاء يمتلكون قدرة فائقة على التجني على شيخ الأزهر الذي لم يرفض زيارة القرية لكنه ينتظر اكتمال بناء الكنيسة التي تعرضت للهدم، ولعل البعض يتذكر حملته الناجحة في أعقاب الاعتداء على كنيسة القديسين بالإسكندرية في الأول يناير الماضي وما قدمه من طروحات ورؤى تصب في منحى يكرس حالة التوافق الوطني مستندا إلى أحكام الشريعة ووقائع التاريخ والتي حظيت بالتقدير من الأغلبية دون أن يؤثر في موقفه بعض من الشطط مارسه شباب الكنيسة، عندما قام بزيارة البابا شنودة برفقة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية ووزير الأوقاف السابق الدكتور محمود زقزوق في أعقاب هذه الواقعة. ما يود المرء الوصول إليه من هذه الحقائق وغيرها الكثير الذي لا يتسع المقام لسرده هو أن ثمة محاولة لتشويه ليس الدكتور محمد أحمد الطيب وإنما المنهجية التي يطبقها، وهو على رأس المؤسسة الدينية التي يقودها منذ عام تقريبا وأحدث فيها تغييرات نوعية باتجاه استعادة دورها التنويري، القائم على وسطية الإسلام وعقلانية الفكر والخطاب الديني بمنأى عن الاستغراق في مستنقع الماضي بلا حساب أو تفكير ومخاصمة معطيات الحاضر، وتجنب تحديات الزمن الآتي، فضلا عن إعلانه حربا لا هوادة فيها ضد قوى وعناصر تحاول أن توظف الإسلام لخدمة مصالح فئوية ومذهبية ضيقة وهو ما يفقدها الكثير مما تربحه من ذلك. السطر الأخير: أشواقي إليك غير قابلة للسكوت والغياب. [email protected]
747
| 28 مارس 2011
رغم تفاعلي مع المشهد السياسي العربي على مدى يقترب من الثلاثين عاما بحكم عملي بمهنة البحث عن المتاعب والحقائق أيضاً فإن قدرتي على تفسير غواية قتل الحاكم العربي المسلم لنفر من أبناء وطنه تبدو محدودة للغاية بل منعدمة أن شئنا الدقة وكثيرا ما تساءلت عن سر هذه الغواية؟ فهل هي نابعة من جينات ورثها بعض حكامنا العرب الحاليين من أجدادهم الذين لم يتورع البعض منهم عن قتل ابنه أو والده أو عمه أو طائفة بكاملها أو إبادة منطقة بقضها وقضيضها؟ أم هي حصيلة رغبة عارمة في التمسك بمعادلة السلطة مهما كلف الأمر باعتبار أن هذا الحاكم أو ذاك من سلالة مغايرة تستحق وحدها البقاء فيها دون غيرها أو أن الله لم يخلق مثيلا له ليظل حاميا للوطن والشعب والثروة أو بالأحرى ملتهما لهم أم هي جشع في امتلاك المزيد من وجاهة الموقع وميزات المنصب الأول وهو ما يتيح له أن يتحكم في رقاب العباد التي تنحني أمامه وكأنه إله فرعوني يتوجب تقديسه والتسبيح له في كل الأوقات ومن يتخلى عن هذه العادة أو العبادة يكون مصيره السجون والمنافي والإقصاء بل والقتل أحيانا التساؤلات عديدة والتفسيرات أكثر تعددا وتعقيدا ولكنها لم ترو نهمي أو تشف غليلي ولنتوقف عند أربعة من الحكام العرب اثنين منهما رحلا بفعل ثورة شعبية سلمية وهما الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي والرئيس المصري محمد حسنى مبارك والآخران ما زالا متشبثان بالسلطة وهما الرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس اليمني على عبدالله صالح فالأولان غادرا الحكم بقوة الفعل الثوري السلمي الذي امتد في كافة أنحاء البلاد وظلا على مدى زمني طويل رافضين للاستجابة لمطلب الثوار بل أمرا بتوجيه رصاصات قواتهما الأمنية لصدورهم ومحاولة التخلص منهم عبر وسائل همجية تجاوزها الزمن اعتمادا على ما يسمى بالبلطجة والخارجين عن القانون والذين كانوا جزءا -حسب ما كشفته الوثائق في مصر بالذات- من المنظومة الأمنية لنظام مبارك ولنظام بن علي بأشكال أخرى والنتيجة كانت إزهاق أرواح مئات الشباب والمواطنين وقد كشف النقاب قبل أيام عن أن مبارك عندما أبلغه حسام بدراوي الأمين العام السابق بالحزب الوطني عن سوء الوضع وطالبه بسرعة التنحي عن الموقف خاصة مع اقتراب الثوار من القصر الجمهوري قال له إن الحرس - يقصد الحرس الجمهوري المكلف بتأمينه- سيضرب "في المليان" بما يعني أن لديه تعليمات بإطلاق الرصاص الحي على أي شخص يقترب من دائرة القصر الجمهوري الكائن بضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة والمعروف أن هذه التعليمات صادرة منه لقائد الحرس الجمهوري وبالطبع فإن ما عرف إعلاميا بواقعة الجمل شاهدا على أن التمسك بالسلطة أهم من الشعب الذي قام نظام مبارك بقيادة نجله جمال بالتخطيط والتدبير لحشد الآلاف من البلطجية والخارجين عن القانون لضرب ثوار ميدان التحرير في الثاني من فبراير وهي الواقعة التي أنهت بقايا التعاطف مع مبارك بعد خطابه الذي ألقاه قبل ذلك بيوم واحد وأعلن فيه أنه لن يترشح لرئاسة الجمهورية مرة أخرى وتشير آخر الأرقام لضحايا نظام مبارك إلى أنهم يتجاوزن خمسمائة شهيد غير آلاف المصابين في كل المدن المصرية- وفق تقرير للجنة تقصي الحقائق المكلفة في وقائع الاعتداء على الثوار- والتي ثبت أن مصدر الأوامر بإطلاق النار الحي والمطاطي وغيره من وسائل القتل والإصابة مبارك نفسه أو نجله جمال الذي كان يدير الأزمة بالقرب من والده على نحو أدى إلى القضاء على نظامهما السيئ السمعة أما فيما يتعلق بالقذافي وصالح فحدث ولا حرج حسب التعبير الدارج فالقذافي تعامل مع شعبه الثائر على أكثر من 42 عاما من القهر والاستبداد وقسوة القلب والفساد واحتكار السلطة من قبل عائلته باعتباره مجموعة من الجرزان والمخدرين الذين يستحقون القتل ومن ثم استأجر المرتزقة بأموال هذا الشعب ليوسع فيهم القتل بلا هوادة ودونما رحمة والتعبير الأخير له شخصيا وأعلن أنه سيطاردهم من بيت إلى بيت ومن حارة إلى حارة ومن زنقة إلى زنقة وهى الأضيق من الحارة وأنجز وعيده وتجاوز القتلى الآلاف دون أن يغمض له جفن وصالح في اليمن يمارس لعبة النفي بعد أن يقتل جنده وقناصوه شعبه في مجازر يندى لها الجبين مثلما حدث يوم الجمعة الماضي وقبل ذلك منذ تفجر ثورة الشعب اليمني متمسكا بالسلطة التي أعلن بوضوح أنه لن يغادرها قبل 2013 أي أنه سيظل جاثما على صدر شعبه عامين آخرين رغم دمائه العالقة برقبته وبالطبع غواية قتل الشعب منتشرة في غير الأقطار العربية التي ذكرتها وإن كانت ليست على النحو الشديد البشاعة في تونس ومصر وليبيا واليمن ولكن أيا كانت أعداد القتلى والمصابين فهي تؤشر إلى توحش بعض من حكامنا العرب تجاه شعوبهم التي منحتهم منذ سنوات ثقتها ورغبتها في النهوض على أيديهم وقدموا أثمانا باهظة لبقائهم في السلطة رغم أنهم لن يحققوا وعودهم لهم بالتنمية والتقدم والحرية والديمقراطية وعندما طالبت الشعوب بحقوقها ثائرة بعد أن أعيتها الحيل والسبل سارع هؤلاء الحكام إلى تبنى منهجية القتل المنظم والإبادة مثلما يحدث في ليبيا ومحاولة إسكات الثورة عبر سفك دماء الثوار والمرء يتساءل كيف يكون بمقدور حاكم أن يستمتع بالحكم وبمباهجه ويداه مخضبة بدماء شعبه؟ أظن أن لا أحدا من هؤلاء القتلة يمكن أن ينتابه هذا الخاطر فهم يظنون أن العناية الإلهية اختارتهم للبقاء على جماجم شعوبهم التي لا تساوى جناح بعوضة إن شرعية أي حاكم مرهونة برضا شعبه فما بالك إذا كان هذا الحاكم قاتلا لهذا الشعب قابضا لأرواحه ناهبا لثرواته فهل يفكر هؤلاء الحكام في تغيير المعادلة بحيث يحرصون على دماء شعوبهم أولا قبل التمسك بالسلطة التي ستضعهم في أشد خانات التاريخ رداءة وعتمة وظلاما؟ السطر الأخير للشهيد علي الجابر: إنك يا صديقي ضحية لهذه الغواية فأنت واحد من أبناء الشعب العربي لم يطق زبانية القذافي أن تأتي لترصد عشوائية قتله لشعبه فقتلوك لكنك سكنت خانة الشهادة بينما هو وهم سكنوا خانة العار لقد كان من حظي أن أسعد بك قليلا خلال تغطيتنا أنت وأنا للقمة الخليجية الأخيرة في أبوظبي في بدايات شهر ديسمبر الماضي وكان معنا الصديق المحبب لكلينا جابر الحرمي كنت خلال هذه الأيام شديد الوضاءة والنقاء كان وجهك صافيا ولغتك مدهشة وقلبك عامر بالمحبة للآخرين رغم أنني أعرفك منذ أكثر من خمسة عشر عاما في الدوحة حيث كنا نتزامل في المهنة تصور أنت لمحطتك التليفزيونية وأكتب أنا لصحيفتي ثم نتبادل السمر والحكايات والأحلام وعشق الحياة الكريمة وأحيانا كنا نلتقي في مقاهي سوق واقف ليلا فلك الرحمة والسكينة مع النبيين والصديقين ولأسرتك ولمحبيك الصبر والسلوان [email protected]
419
| 21 مارس 2011
واحدة من أهم إفرازات ثورة الخامس والعشرين من يناير سقوط الخوف في المحروسة والتي أقصد بها مصر والذي ظل على مدى ثلاثة عقود مهيمنا على مفردات الواقع السياسي فيها وإن كان قد بدأ عمليا في عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي صاغ معزوفة خوف عندما أعلن أن الديمقراطية لها أنياب ثم توج ذلك قبيل رحيله بشهر باعتقال ما يزيد على 1500 شخصية من أهم رموز القوى الوطنية من مختلف ألوان الطيف بالمشهد السياسي المصري. تجلت ملامح سقوط الخوف في إنهاء أسطورة جهاز أمن الدولة الذي كان يهيمن على كل نشاط الدولة المصرية على نحو مخيف ويرتعد منه عناصر النظام قبل الناس العاديين الذين كان يعد عليهم أنفاسهم لإبلاغها للقيادة السياسية لاستغلالها في الوقت المناسب عندما يتجاوز أحدهم السقف المحدد للحركة والتصريحات والمواقف. وأذكر أنني توجهت قبل أشهر إلى وكيل وزارة التربية والتعليم بمديرية التعليم بمحافظة الجيزة لحل مشكلة تتعلق بابنتي الطالبة بالمرحلة الثانوية فعرفني على الفور على شخص كان يرتدي زيا مدنيا وقال لي إنه ممثل جهاز أمن الدولة بالمديرية والذي أبلغني أن ثمة ضباطا للجهاز بكل مديريات التربية في المحافظات المصرية وفي كل قطاعات الدولة وهنا تيقنت أن هذا الجهاز متوغل في كل المناحي ويتابع كل خطوة لأي مسؤول ويتدخل في كل قرار يتعلق بالتعيينات في مؤسسات الدولة المختلفة وكثيرا ما دفع شباب مخلص ومجتهد ثمن مواقفهم الحقيقية أو ثمن تقارير ملفقة كتبها مخبرون وعملاء للجهاز وهو في الأساس زملاء لهم فلم يلحقوا بالوظائف التي رشحوا لها. وبالطبع كان إنهاء دور هذا الجهاز وإلغاؤه تماما من أهم مطالب ثوار الخامس والعشرين من يناير بيد أن حكومة أحمد شفيق سواء في تشكيلها الأول في آخر عهد مبارك أو في تشكيلها بعد سقوطه حاولت بكل قوة الالتفاف على هذا المطلب وإلى حد ما يمكن القول إن وزير الداخلية السابق محمود وجدي تفاعل مع هذا الالتفاف من خلال تعيينه لمدير جديد للجهاز والتأكيد على أنه لن يتم إلغاؤه بل سيتم إعادة هيكلته ومع سقوط حكومة شفيق تحت ضغوط الثوار الذين لم يقبلوا أنصاف الحلول اكتشفوا أن ثمة محاولات للتخلص من وثائق الجهاز عبر عملية منظمة لحرقها وفرمها فسارع نفر من الثوار إلى اقتحام العديد من مقرات الجهاز بالمحافظات المختلفة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوثائق والملفات التي تنطوي على إدانة بعض رموز النظام السابق المفاجأة أن أمر حرق هذه الوثائق والملفات أصدره مدير الجهاز السابق حسن عبد الرحمن الذي أقيل من منصبه قبل عشرة أيام في رسالة سرية بعث بها إلى مسؤولي هذه المقرات. بيد أنه يمكن القول إن الخطوات الحقيقية لتصفية دولة الخوف إن صح التعبير التي كان يديرها جهاز أمن الدولة جاءت مع تعيين الوزير الجديد للداخلية اللواء منصور عيسوي والذي يستند إلى خلفية أمنية أكثر انفتاحا واستنارة وهو ما دفع السلطة في النصف الأول من تسعينيات القرن الفائت إلى التخلص منه بعد سلسلة من المواقف التي تبناها وأظهر من خلالها نوعا من عدم الانسجام مع توجهاتها خاصة فيما يتعلق برفضه للتورط في قضايا فساد ورفض إطلاق النار عندما كان محافظا للمنيا على المتظاهرين فيها. وقد حرص عيسوي فور حلفه اليمين الدستورية كوزير للداخلية في حكومة الدكتور عصام شرف على محاورة مجموعة من شباب ثورة الخامس والعشرين وفيه حدد جملة من توجهاته وسياساته التي تنبئ عن رؤية مغايرة للمؤسسة الأمنية المصرية تتقاطع مع أهداف الثورة وأبزر ملامح هذه الرؤية تتمثل فيما يلي: = أن جهاز الشرطة الجديد أصبح يعمل لصالح الثورة، وهو يحمي الشرعية التي هي الآن مع الثورة ومصر ستتحول من دولة بوليسية إلى دولة القانون ومع عودة الأحوال إلى طبيعتها قريبا فإنه لن يكون ثمة قانون طوارئ ولا محاكم أمن دولة طوارئ ولا محاكمات عسكرية للمدنيين. = التأكيد على احترام وزارة الداخلية بقطاعاتها المتعددة لشهداء الثورة من المواطنين المتظاهرين والضباط، وإصدار قرار بوقف كل الضباط الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب بعد صدور أحكام ضدهم من القضاء. = تحديد اختصاص وزارة الداخلية في إطار العمل على تحقيق الأمن فقط وليس لها علاقة بالسياسة والأحزاب والنقابات والانتخابات، واحترام الحق في التظاهر السلمي دون إذن مسبق على أن يكون دور الداخلية في المظاهرات هو تأمينها منذ بدايتها حتى نهايتها وإفساح الطرق لها وتحويل المرور من حولها،مع الطلب ممن يريد أن يتظاهر أو يعتصم أن يخطر القسم أو المديرية التابع لها لكي تقوم بتأمين التظاهرة وليس الإخطار للإذن. =إعادة بناء وهيكلة جهاز أمن الدولة من جديد وتغيير اختصاصاته تماما وأن يعمل على حماية الشعب والوطن وليس النظام، في إطار ضمان الحريات بحيث يقتصر دوره على محاربة الإرهاب ومحاولات التجسس على البلاد. ولكن سقوط دولة الخوف يتطلب عدة إجراءات أخرى اقترحها شباب الثورة في مقدمتها العمل على إعادة تشكيل وعي ومفاهيم ضباط الشرطة من خلال برامج عدة تنظمها وزارة الداخلية والخطوة الأهم في هذا السياق تكمن في ضرورة إعادة النظر في هيكل مرتبات الضباط وفي عدد ساعات عملهم وأن يكون لأفراد الشرطة صوت في الانتخابات لأنهم جزء من الشعب ولا يجب أن يعيشوا منفصلين عنه كما كان في النظام السابق. إن الخوف ظل هاجسا جاثما على الصدور والقلوب والعقول منع شباب المحروسة من إطلاق إبداعاتهم ومواهبهم وحبسهم في بؤر من الصمت والتطرف في بعض الأحيان والهجرة غير المشروعة والتضحية بالأرواح والأموال لتحقيق حلم السفر إلى الخارج بحثا عن لقمة خبز شريفة تكفي متطلبات الحياة وتدفع إلى صعود السلم الاجتماعي الذي ظلت تحتكر صدارته طبقات من الأغنياء الجدد الذي حصلوا على ثرواتهم عبر غسيل الأموال والصفقات المشبوهة من بيع أراضي الدولة التي انتهك حرمتها التحالف الرهيب الذي جمع أصحاب السلطة والثروة والذين توغلوا في المواقع المتقدمة سواء بالحزب الحاكم أو الحكومات المتعاقبة التي لم يتبوأ مقاعدها إلا من حظي برضا نجل الرئيس الذي كان موعودا بوراثة والده في رئاسة الجمهورية ليحقق بذلك حلم الأم السيدة الأولى سوزان مبارك التي كانت هي وابنها جمال بمثابة السلطة الموازية لسلطة الرئيس السابق بل هيمنا على صناعة القرار خلال السنوات الخمس الأخيرة برضا منه. السطر الأخير: في حضرة عينيك أقيم مملكة عشقي فأنت وردة التوهج ولغة الأنهار أغزل من رحيقك ثورتي فأنشق عطر فجري الآتي [email protected]
528
| 14 مارس 2011
لست خائفا على ثورة 25 يناير من وجود الرئيس المصري السابق حسني مبارك في شرم الشيخ فالرجل بات يسكن خانة الماضي ومن ثَمَّ فإنه لن يكون بمقدوره أبداً الخروج منها والقفز إلى الحاضر لأنه ببساطة لم يعد يمتلك الأدوات التي تساعده على القفز فضلا عن أن الثوار ما زلوا قابضين على ناصية ميدان التحرير بكل ما يعنيه من دلالة رمزية تتجاوز موقعه في عاصمة المحروسة – القاهرة – إلى باقي أقاليمها لكن أخشى ما أخشاه من نفر ما زالوا يمسكون ببعض المفاصل المهمة في السلطة السياسية والتنفيذية سواء في المركز أو في الأطراف وأظن – وليس كل الظن إثم – أن هؤلاء النفر هم من يحركون بعضا من التوترات والتحركات التي تسعى إلى إبقاء ملامح النظام القديم وتوجهاته إلى أطول فترة زمنية ممكنة حتى لا تقترب منهم أيدي المحاسبة وتزيحهم من مناصبهم التي توفر لهم بشكل أو بآخر قدرا من الحماية . وهؤلاء النفر موجودون في الحكومة وفي الأجهزة الأمنية وفي وسائط الإعلام بمستوياتها المختلفة بالرغم مما يبدو من تحولات أدخلوها على أدائهم وسلوكهم وخطابهم ولكنهم في حقيقة الأمر ما زلوا يدينون بالولاء للنظام السابق وتوجهاته بل إن وزيرا من هؤلاء ما زال يعقد اجتماعاته في قاعة تتصدرها صورة مبارك ووزير آخر كان يمنع الجهات الرقابية بوزارته من القيام بمهامها في محاسبة شخصيات في الحكم متهمة بارتكاب مخالفات مالية ووقائع فساد واستغلال نفوذ ما زال قابضا على هذه الوزارة دون أن يعلم أحد لغز الاحتفاظ به. ومازالت القواعد التي كانت تحكم اللعبة السياسية في المحروسة سائدة وهو ما يسفر عن بطء إيقاع التغيير الذي من المفترض أن ينسجم مع الحالة التي أفرزتها ثورة الخامس والعشرين من يناير مما دفع قطاعات عريضة من المشاركين فيها إلى تبني خيار العودة مرة أخرى إلى ميدان التحرير للمطالبة بتسريع وتيرة هذا الإيقاع وهو ما تجلى في مظاهرة الجمعة الماضية والتي عبرت عن مساحة من الغضب ما زالت تقيم في قلوب وعقول شباب المحروسة جسدها ائتلاف شباب الثورة في أربع مطالب رئيسة تتمثل في إقالة حكومة الدكتور أحمد شفيق رئيس الوزراء وتشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط الوطنيين المستقلين والتخلص من بقايا النظام السابق في الحكومة والإفراج عن المعتقلين السياسيين ومسجوني المحاكم الاستثنائية قبل وبعد 25 يناير وحل جهاز مباحث أمن الدولة وتشكيل لجان قضائية مستقلة مطلقة الصلاحيات للإسراع في محاسبة المتورطين في قتل الثوار وتعذيبهم والمتسببين في الفساد الذي تفشى في الحقبة السابقة. وحذر الائتلاف من أن استمرار التباطؤ في تنفيذ المطالب السياسية المشروعة لجموع الشعب المصري قد يؤدي إلى المزيد من الاحتقان وعدم استقرار الأوضاع. وتصاعد غضب الثوار إلى حد المطالبة بمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وأفراد أسرته وعدد من رموز نظامه الذين ما زالوا خارج نطاق المحاسبة والتحقيقات التي بدأتها الجهات الرقابية والقضائية والتي لم تطلهم حتى الآن وفي مقدمتهم صفوت الشريف وفتحي سرور وزكريا عزمي وغيرهم من رموز شكلت عناصر الإسناد الرئيسة لبقاء النظام السابق لفترة اقتربت من الثلاثين عاما. وفي يقين الكثير من النخب السياسية في المحروسة فإن عملية التعديل التي طالت بضع مواد في دستور 1971 والتي قامت بها لجنة برئاسة المستشار طارق البشري تعد نوعا من الترقيع في هذا الدستور سيئ السمعة بعد الصياغات التي أدخلت عليه من قبل عناصر كانت شديدة القرب من الرئيس الراحل أنور السادات شوهت الوثيقة الأصلية التي أعدها نفر من رجال الفقه والقانون الدستوري لمصلحة التحولات التي كان يسعى السادات إلى فرضها على الواقع المصري وشكلت في عصر مبارك المدخل لتقزيم الدولة المصرية إقليميا ودوليا وخفضت من منسوب ارتباطها بالقدرات الإنتاجية لصالح حفنة من المستوردين والمحتكرين الذين تصاعدت سطوتهم مع بروز نجل الرئيس السابق جمال مبارك إلى المشهد الحزبي والسياسي في مصر على نحو كان يهدف إلى دفعه إلى الموقع الأول في هذا المشهد خلفا لوالده ضمن ما كان يطلق عليه بالتوريث والذي كانت كل الدلائل والشواهد تقود إليه رغم نفي كل من مبارك الأب ومبارك الابن له في الخطاب الرسمي. وثمة من ينظر إلى التعديلات التي أدخلت على الدستور رغم أهميتها خاصة فيما يتعلق بتقليص فترة الرئاسة من ست إلى أربع سنوات وقصرها على مدتين فقط إلى جانب التخلص من الشروط المجحفة للترشح لمنصب رئيس الجمهورية وإقرار الرقابة القضائية على العملية الانتخابية بكل مراحلها بحسبانها تشكل التفافا على قاعدة سياسية مؤداها أن الدستور في حد ذاته سقط مع سقوط الرئيس الراحل وتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة وهو ما يعني غياب الشرعية الدستورية وانبثاق الشرعية الثورية الأمر الذي يقتضي الإعلان عن جمعية تأسيسية تضم مختلف ألوان الطيف السياسي لصياغة دستور جديد يتواكب مع متطلبات المرحلة الجديدة التي أفرزتها ثورة الخامس والعشرين من يناير بدلا من الإبقاء على دستور زاخر بالثغرات والمفاسد والمواد التي بوسعها إعادة إنتاج ملامح زمن مبارك الذي يعد من أسوأ فترات الحكم في تاريخ المحروسة بفعل تراكم خطاياه وتجاهله للأغلبية وانحيازه لطبقة رجال الأعمال وفتح أبواب الفساد على مصراعيها إلى الحد الذي دفع أحد قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى التصريح بأنهم لم يتخيلوا حجم الفساد على النحو الذي كشفت عنه الوثائق وفي مختلف مناطق السلطة والتي كانت مطلقة بالفعل فجاءت مفاسدها مطلقة هي الأخرى. [email protected]
422
| 28 فبراير 2011
مصر تفك ضفائر الوجع، تلملم جراحاتها، تغادر أيامها الحبلى بالمرارات، تقيم في منطقة السكون بعد الخامس والعشرين من يناير، تهدهد عصافيرها التي غادرت أعشاشها، تنبت بحقولها الزنابق، تحتضن فلذات كبدها المحملين بالثورة والحلم. أعيش أنا وغيري من ملايين سكان المحروسة أياما استثنائية من البهجة التي تلاشت ملامحها في الزمن القديم من النيل والوديان والسهول والصحارى والجسور والمطارات والبلاد والقرى وغابت طويلا عن الوجوه، سافرت عن قسمات الصبايا التي باتت مطرزة بالعويل على الراحلين والغائبين والصامتين والقابعين في الزنزانات والمجهدة أرواحهم من حالة استلاب فرضت عليهم عنوة وقسرا بفعل سيف السلطان وأحيانا ذهب الزبانية كاد جيلنا أن يفقد القدرة على الحلم داهمته الخطوب وسنوات الصمت قهرته العيون الحمراء التي تكسو ملامح من قست قلوبهم واجتاحتهم حمى تضخم الذات وعنفوان الضغينة وكراهية الشعراء والحالمين بزمن مغاير. ثمة فينا من ارتكب خطيئة الصمت والدوران في محيط السلطان دون أن ينتبه إلى أن البركان قادم وأن الزهو العبثي بالسلطة والثروة يوشك على الرحيل والزوال، أوغلنا في مراتب الغياب لم نقرأ أبدا في كتاب الحضور رغم أنه كان قرب أنفاسنا وتزكم رائحته أنوفنا التي سدها الغبار فلم تشأ أن تنشق عطر الزمن الآتي، استسلمنا لنفر من الزمارين والمطبلين، صدقنا أيقوناتهم المترعة بالعبث واللاشيء فقدنا توازننا ارتبكت مواسم المطر فينا لم تعد تدرك أين تصب رحيقها فتلاشت الشموس تمدد اليابس فوق الأخضر، أضحى الأفق مستقرا للبوم والغربان والذئاب والكلاب المسعورة، مزق الشعراء قصائدهم لم تعد المحروسة ملهمة للأرواح بعد أن التهمها عسس السلطان وقبضوا على عافيتها فباتت رهينة لابتساماتهم الباهتة وكلامهم الأجوف وحناجرهم الصاخبة وأيديهم الممتدة إلى كل ركن فيها نهبا واختلاسا ومحوا للذاكرة وسرقة لبهائها المقيم فيها أبدا. أما الآن فالمحروسة تدخل سفر التكوين تنهض من كبوتها تكتب عناوينها الجديدة: حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية تترقبها بعد الخامس والعشرين من يناير على أيدي شعبها وجيشها اللذين تكاتفا معا لتبدأ كتابة زمن عزها في دفتر التدوين الأبدي. آه أيا محروسة عامرة بلادك بالحنطة والزهور والرجال، ليلك سيضاء بشموس الثورة ونهارك سيبقى رهينة لفتيان كتبوا مواسمها لتظل فيك تعانق أنحاءك وتمنحك بركة التمدد في الزمان والمكان فلك أهدى قصيدتي: من ورد الثورة: تأخرنا عليك يا أمي (1) درويشا في الميدان أقرأ من ورد الثورة أنزع عني عباءة صمت أوراق السلطان مسكونا بالعطر القادم من فجر الشهداء يروي بالثلج صدور الفتيان يهب الحكمة للنيل والنور لنوارس بحر بلا شطآن في نهج الميدان راحت أمي تغسل زمن الأحزان تصب رحيق حنو على الولدان تغزل طرحات بيض لصبايا يتوردن كما اللؤلؤ والمرجان تهتك عرض العتمة تبث النور في وجه الطغيان فتسري الشمس في الأفق العابس ترسل رائحة الخبز بين الوديان يطلع قمر وشجر وقرنفل وبساتين أقحوان أمي تعزف موسيقى الثورة تتلو سور القرآن يشرق من حدائقها بهاء وصلاة وإيمان (2) تأخرنا عليك يا أمي هدهدت فينا براءتنا القديمة صليت من أجل قيامتنا المتوقفة لم نركع معك أو نؤدي السجود قامرنا بأوراق السلطان سألناه العفو عنك والبعاد سألناه الرحيل قال إنه مقيم للأبد راحل فيك فدمعت عيوننا عليك لم نقرأ الكتاب أو أشعار لوركا حاصرنا العسس والبصاصون فتيمنا شطر الصمت رحنا ننزوي بعيدا بعيدا بكينا ارتوينا من ضفاف الجوع (3) في الخامس والعشرين صرخت أمي في وجه البكائين والمنزوين والقانعين والراقدين والمهمومين والخانعين طلبت منهم الصلاة في الميدان والثورة على السجان
613
| 21 فبراير 2011
تطل مصر من بهاء ثورتها التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير المنصرم معلنة أنها باتت تمتلك روحا جديدة وتوهجا مغايرا عن كل أزمنتها السابقة بعد أن نجح شعبها في شطب ثلاثين عاما من حكم سعى بكل قوة خاصة خلال العقدين الأخيرين من عمره إلى الاستحواذ على عناصر القوة ومقومات الثروة مزيفا الحقائق مبعدا كل مبدع متيحا الفرص لناهبي موارد الوطن والفاسدين بعد أن أمتطى جواده نفر ممن يفتقرون إلى محددات الوطنية ويرتدون أزياء اللصوصية وهو ما يتم الكشف عنه يوما بعد يوما. نجحت الثورة في فرض إرادتها وخرج الرئيس حسنى مبارك من كهنوت واحد من أهم معابد السلطة في الدنيا بعد أن حاول أن يوحى للعالم أن مصر من دونه مآلها إلى الفناء والفوضى وهو ما يستوجب على الثوار الجدد المحاطين بحماية وحدب القوات المسلحة وكل طوائف الشعب أن يقدموا نموذجا سياسيا جديدا للوطن يقوم على تطبيق ما دعوا إليه من عدالة وحرية واحترام للإنسان غير أن ذلك يستلزم من هؤلاء الثوار ألا ينخرطوا في العمل بعيدا عن خبرة الكبار وتجربة الشرفاء من أبناء مصر والأهم هو تجنب الدخول في منطقة الانقسام والذي بدت نذره أمس الأول بميدان التحرير مع توالي صدور بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد فقد رأت مجموعة من الشباب أن هذه البيانات تكفل تحقيق أهداف الثورة بشكل كامل بينما رأى آخرون أن الثورة مستمرة في الميدان لحين تحقيق الأهداف المرجوة منها، وهي إلغاء قانون الطوارئ فورا والإفراج عن جميع المواطنين ووضع دستور جديد للبلاد وتشكيل حكومة انتقالية وطنية يرتضيها الشعب وتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور ديمقراطي جديد يكفل حقوق الإنسان ويتم استفتاء الشعب عليه، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية وضمان حرية الإعلام وحرية تدفق المعلومات للصحفيين والحصول عليها وإلغاء المحاكم العسكرية. ولاشك أن ثمة أجماعا على مشروعية هذه المطالب التي تشكل برنامج عمل الزمن الآتي في المحروسة بيد أنه في المقابل ينبغي الإدراك أن المكاسب التي حققتها ثورة الخامس والعشرين من يناير قد تجاوزت سقف التوقعات المنتظرة منها وهو ما تبلور في إجبار الرئيس مبارك على مغادرة موقعه العتيد على رأس السلطة في مصر وبالتالي فإن المطلوب هو أن ينتبه هؤلاء النفر من الشباب المخلصين الأنقياء إلى أن دوائر في الداخل وفي الخارج تتطلع إلى تمزقهم وتنافسهم خاصة في ظل غياب قيادة موحدة لهم خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة من عمر الثورة وفي الوقت ذاته التعامل بدرجة من الواقعية والعقلانية التي تكفل التعاون مع القوى السياسية والوطنية ومع قيادة المؤسسة العسكرية التي انحازت إلى خياراتهم في التغيير الجذري بعد أن اعتبرت أن مطالبهم مشروعة على نحو يجعلهم ضمن النخبة التي بمكن الاستعانة بها في إدارة المرحلة التي ستعقب المرحلة الانتقالية خاصة أن مجموعات سياسية مصرية نشطة أخذت تنادي باستبعاد من تجاوزا الستين من الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية وغيره من المواقع المهمة في الحكومة ومؤسسات الدولة لإعادة الحيوية إليها بعد أن أصابها الوهن والركود والترهل والشيخوخة في السنوات الأخيرة وثمة من يدعو شباب الثورة بإلحاح في هذا السياق إلى أهمية آلا تنساق لأي صراع جانبي يفرض عليها لتفريغ طاقتها سواء كان صراعا حول الدين أو إسرائيل أو السياسة أو الأيدلوجية أو أمريكا أو الغرب أو غيرها من الصراعات الجانبية التي يمكن أن تشتت انتباه المصريين فكل هذه القضايا هامشية ولا تتعلق بجوهر الثورة وهي بناء مصر والمصريين وبالتالي فانه يتعين عليها إغلاق أي باب يفرغ طاقتها أو يشتت انتباها فمن الآن وصاعدا فإن العالم سوف يسعى لمعرفة المزيد عن تلك الثورة وسينطلق من منطلق شكي ناقد خائف متوجس فسمة الغريب الاقتراب بحرص مما يجهله ورفض الإفصاح عما بداخله أو عما يحمله من تحيزات داخلية عديدة وعميقة تخيفه وتقلقه بل وترعبه أحيانا. وهنا فإنني أتفق مع الباحث السياسي المصري علاء بيومي بضرورة أن يتسم ثوار الخامس والعشرين من يناير في نظرهم للخارج بقدر من التواضع فثورتهم لن تغير العالم ولن تغير الشرق الأوسط، وسوف تحتاج لسنوات وربما لعقود لإعادة بناء مصر، كما أن العالم مليء بالقوى الأخرى القلقة والمتحفزة وهي لا تبحث عن دولة شابة جديدة صاعدة تريد أن تغير كل ما حوله فالسياسات الدولية والإعلام والفكر السائد بطبيعته محافظ جبان يخشى القفزات السريعة ومن ثم فانه يستوجب عليها – أي الثورة - التركيز على الداخل فأمامها مهمة شاقة لإعادة بناء مصر من ثقافة وتعليم وصناعة واقتصاد وهوية ومؤسسات سياسية وبعد ذلك ووفقا لمدى نجاح مصر في صناعة مستقبلها سوف يتحكم في سياستها الخارجية والتي يجب أن تقوم على السلام والعدل والحرية للجميع الأمر الذي سيتطلب منها أن تستعد للحديث للعالم وتوعيته بصورتها الصحيحة وتزويده بمعلومات كافية عنها، لذا فإن المأمول من الثورة وكل المسؤولين عنها أن تكتب عن نفسها وتحدد رسالتها الإعلامية وأن تبني صورتها قبل أن يبنيها لهم الآخرون. وثورة مصر مطالبة في المرحلة القادمة من خلال تفاعلها مع القوى الحية بالمجتمع المصري بالتركيز - كما فعلت بنجاح على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية - على مفاهيم الوحدة والتسامح والسليمة واللاعنف والبناء والمستقبل والتعليم والثقافة والحرية والكرامة والمساواة والسلام وأن تدرك أن الوقت الحالي ليس وقت تصفية الحسابات،أو الحديث عما عانه المصريون أو عن مخاوفهم وإنما التأكيد دوما على أن المصريين هم وحدهم القادرون على بناء مستقبلهم، وأن العمل أهم من الكلمات، وأن الكلمة الطيبة هي الحوار الوحيد مع الأخر وأن تنظر في الآن ذاته إلى أن بناء مصر قوية في هدوء وتدريج وسلام وإيجابية هو أكبر نصرة لمصر والمصريين ولكل من ينتظر مصر قوية عزيزة وشامخة. وإذا كان ثمة من يتخوف من المؤسسة العسكرية خلال فترة توليها إدارة شؤون البلاد فإن قيادتها عبر العديد من البيانات التي تتسم بالصياغات الواضحة والمحددة والعبارات المفهومة الغير قابلة للتأويل على أكثر من وجه قدمت ما يمكن اعتباره مرتكزات تطمين للشعب ونخبه السياسية المتطلعة إلى زمن الحرية والعدالة الاجتماعية وذلك بتأكيدها على أنها لن تكون بديلا عن الشرعية التي يرتضيها الشعب وإصرارها على تحقيق الانتقال السلمي للسلطة في إطار النظام الديمقراطي الحر، الذي يسمح بتولي سلطة مدنية منتخبة لحكم البلاد لبناء الدولة الديمقراطية الحرة. ولعل حرصها على تجنب استخدام القوة ضد المتظاهرين خلال فترة الاحتجاجات التي طالت بأكثر مما تتحمله بحكم طبيعة أدوارها ووظائفها التي ترتكز على حماية حدود الوطن الخارجية بالدرجة الأولى يؤشر إلى قدرتها على تطبيق وعودها بالعودة سريعا إلى ثكناتها وترك الأمر للساسة بعد أن تكون قد حددت خارطة طريق للزمن الآتي في مصر الجديدة. والشاهد أن المؤسسة الدينية - وأقصد بها الأزهر الشريف - قد عبرت دخلت على هذا الخط وذلك من خلال تعبيرها في بيان أصدره شيخها فضيلة الدكتور أحمد الطيب عن ثقتها في أن ما وعد به المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورجاله الشرفاء بمصر من أنه لا بديل عن الشرعية هو وعد الأحرار الأوفياء الذين يرعون هذه القيم والمبادئ بكل إخلاص وتقدير، معربة في الوقت نفسه عن أملها في أن تتم الإجراءات المؤدية إلى الانتقال السلمي لسلطة منتخبة وإلى إلغاء كل الإجراءات الاستثنائية في أقرب وقت ممكن بإذن اللـه تعالى. وذلك يبعث على المزيد من الاطمئنان في أداء المؤسسة العسكرية خلال الأشهر الستة القادمة وهي عمر الفترة الانتقالية قبل الولوج في بناء النظام السياسي المدني الجديد في المحروسة. السطر الأخير: لمن تدق أجراس الثورة معلنة وأد الصمت والعتمة؟
425
| 14 فبراير 2011
هذا العنوان هو حصيلة مناقشة ثرية عبر الهاتف بيني وبين صديق عزيز مافتئ على مدى الأيام القليلة الماضية يتصل بي للاطمئنان علي وعلى أسرتي وعلى الأوضاع في مصر التي ينظر لها بتقدير شديد على مستوى المكانة والموقع والدور حالما مثلي بأن تعود المحروسة إلى سابق عهدها دولة محورية قوية في داخلها مؤثرة في محيطها الإقليمي. وبالفعل فإن مصر دخلت حقبة مغايرة عما كانت عليه قبل الخامس والعشرين من يناير2011 وهو أمر يقر به القادة الجدد في النظام وعلى رأسهم عمر سليمان نائب الرئيس وأحمد شفيق رئيس الوزراء وكلاهما إفراز لثورة الشباب المدهشة في هذا اليوم الفاصل في تاريخ المحروسة بكل المقاييس. ورغم أنني لم أشارك في هذه الثورة ميدانيا إلا أنني كنت معها بالقلب والعقل ولعل مقالاتي في هذا المكان شاهدة على أنني كنت من المطالبين بضرورة التغيير في مصر والعودة إلى مربع العدالة الاجتماعية وتكريس التعددية السياسية الحقيقية وتجاوز حالة حرية الصراخ والتنفيس التي كانت سائدة في السنوات الأخيرة والتي بلغ خلالها الحراك السياسي درجة متقدمة إلا أنه لم يتجاوز حدود الخطاب إلى دائرة الفعل وهو ما أسهم في توسيع حالة الاحتقان التي قادت إلى تفجير ثورة الخامس والعشرين من يناير ولعل ثمة من يتذكر مقالا لي بعنوان التغيير الآمن في مصر بتاريخ الخامس والعشرين من شهر أكتوبر المنصرم ودعوت فيه- اعتمادا على رؤى عدد من النخب الفكرية والسياسية- إلى هذا التغيير الذي كان يمكن أن يقوده الرئيس حسني مبارك بنفسه ولكن يبدو أن هؤلاء النفر ممن أطلقوا على أنفسهم أصحاب الفكر الجديد كان صوتهم هو الأعلى فظلت الأحوال دون أي خطة باتجاه التغيير الآمن بل إن نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر نوفمبر الماضي أسهمت في المزيد من انسداد الأفق السياسي فوسعت الهوة بين مبارك رأس النظام من جهة والنخب السياسية والوطنية من جهة أخرى خاصة مع غياب أي معارضة حقيقية في البرلمان الجديد وبدا واضحا أن مزوري هذه الانتخابات يعيشون في حالة نشوة أو قل تشفى في هذا الغياب. ورغم أن ثمة من يحاول تشويه ثورة الخامس والعشرين من يناير خاصة فيما يتعلق بركوب قوى سياسية بعضها محظور قانونيا لموجتها - وهو أمر لا يشكل في منظوري مصدرا للقلق منها بحسبان هذه القوى جزء من الشعب المصري - إلا أنها فرضت جملة من المعطيات والتحولات التي ستؤثر على مسار تاريخ مصر الراهن والقادم باعتبارها جسدت رؤى وأحلام الشعب المصري بكل طوائفه وفئاته وشرائحه ويمكن بلورتها على النحو التالي: أولا: إنهاء مشروع توريث السلطة العليا في البلاد وللأبد خاصة أنه شكل في حد ذاته - رغم النفي المتكرر له من قبل الرئيس مبارك ونجله جمال - واحدا من أهم العوامل التي دفعت إلى ثورة الشباب وقد جاء القرار الذي صدر أمس الأول بإقصاء جمال مبارك من موقعه كأمين عام مساعد للحزب الوطني وأمين لجنة السياسات صاحبة النفوذ السياسي الواسع به مؤشرا واضحا على نهاية حلم التوريث الذي ظلت دوائر عديدة داخل الحزب الحاكم والحلقة الضيقة المحيطة بالقيادة السياسة تروج وكان تعيين عمر سليمان الرجل القوى في مصر نائبا للرئيس بداية التوجه نحو إنهاء هذا المشروع. ثانيا: سقوط تحالف السلطة والثروة في المعادلة السياسية التي كانت تسود المشهد المصري خلال السنوات العشر الأخيرة بكل ما تمثله من رموز تم أبعادها من التشكيل الحكومي الجديد الذي جاء على رأسه رجل ينتمي إلى مدرسة الانضباط والفعل والنزاهة وهو الفريق أحمد شفيق قائد القوات الجوية الأسبق ووزير الطيران في الحكومة الأخيرة والذي حقق في هذا الموقع نقلة نوعية على صعيد إدخال مصر العصر من حيث منظومة المطارات والخدمات الجوية ونقل مصر للطيران إلى مواقع متقدمة إقليميا وعالميا. وأظن أنه بذلك قد تم قطع علاقة التشكيل الحكومي مع منظومة رجال الأعمال التي أسهمت في إفساد الحياة السياسية والاقتصادية معا خاصة في ظل غياب رقابة قوية كان من الواجب أن تحول دون خلط أدائهم الوزاري بمؤسساتهم الخاصة بل إن معظم قضايا الفساد الكبرى مرتبطة بوجود هذه النوعية من رجال الأعمال في الحكومة غير أن الضربة القوية لرموز هذا التحالف تمثلت في إبعاد أحمد عز صاحب أكبر احتكارات الحديد في مصر وربما المنطقة العربية من موقع أمين التنظيم بالحزب الحاكم ومنعه مع عدد من الوزراء من التحالف ذاته من السفر وتجميد حساباتهم الأمر الذي يمهد للتحقيق معهم من قبل النيابة خاصة أن بلاغات عدة قدمت ضدهم إلى النائب العام في وقائع فساد متورطين فيها. ثالثا: بناء منظومة أمنية مغايرة لما كان سائدا في المحروسة تقوم على الموازنة بين الأمن السياسي والأمن الاجتماعي دون أن يطغى جانب على الآخر مثلما كان يحدث على مدى العقدين الأخيرين من هيمنة البعد السياسي على هذه المنظومة على نحو وجه طاقة المؤسسة الأمنية إلى ما يطلق عليه حماية النظام والنخبة الحاكمة خصما من رصيد البعد الاجتماعي وهو ما أفرز سلسلة من الظواهر السلبية في مقدمتها غياب هيبة الدولة والقانون ووقوع الشارع المصري تحت سيطرة من يطلق عليهم بالبلطجية والخارجين على القانون. وإذا كانت هذه التحولات أو المعطيات الشديدة الأهمية التي أسفرت عنها ثورة الخامس والعشرين فإنه من الأهمية بمكان السعي إلى الحصول على مكاسب أضافية دون الوقوف عند بعض الجوانب التي يمكن أن تعطل أهداف الثورة خاصة تمسك نفر من القائمين عليها بمطلب تنحى الرئيس حسنى مبارك والذي دخل بالفعل منطقة الفعل بعد إعلانه في خطابه يوم الثلاثاء الماضي عدم ترشحه لفترة رئاسية جديدة وأجراء تعديلات جوهرية تنظم الشروط التي يتعين توافرها في المرشح للرئاسة على نحو يتجاوز التعقيدات التي تضمنتها المادة 76 من الدستور فضلا عن تحديد الرئاسة بمدتين فقط بما يلغى النص على أبدية المنصب وفق ما كانت تنص عليه المادة 77 وكلتاهما مرشحتان بقوة للتعديل. دعونا نتجاوز هذه المسألة لأسباب تتعلق بمعادل القوة الذي يتكئ عليه مبارك وهو المؤسسة العسكرية والتي أعلنت انحيازها له بل أكدت للإدارة الأمريكية نفسها أنها لن تتخلى عنه ولن تسمح بإهانته باعتباره أحد رموزها فضلا عن أسباب إنسانية وتاريخية وحضارية تتقاطع مع الأدوار التي لعبها خاصة قبل أن تحيط به مجموعة الفكر الجديد بقيادة نجله جمال والتي أضرت به بدلا من أن تشكل قيمة مضافة لنظامه ويبدو أنه كان شديد الثقة بهؤلاء النفر والذي حظي بالإسناد من قبل أركان مهمة في هرم السلطة بيد أنهم للأسف استغلوا هذه الثقة على نحو يحقق مصالحهم ويكرس نفوذهم السياسي والاقتصادي ويكفي أن مبارك استوعب الدرس حتى ولو كان متأخرا فهو الوحيد الذي كاد يدفع الثمن من تاريخه السياسي والعسكري فضلا عن الضغوط الخارجية خاصة من الحلفاء والشركاء الدوليين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. على أي حال لننتظر الأشهر الست المقبلة فهي لن تؤثر على مسار ثورة شباب مصر التي أضحت رقما شديد الصعوبة ليس بالإمكان تجاوزه أو الالتفات عليه أو المناورة لإسقاط أهدافها التي تقاطعت مع شعب ظل يحلم بموقع قدم في دنيا الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. السطر الأخير: أشرع أبوابي أفتح نافذتي أتكون في رحمك ثورة أفرد أِشرعة العشق أكتبك أغنيتي الأبدية مصر الحرة
512
| 07 فبراير 2011
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
6102
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4479
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3336
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1605
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1329
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1185
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
975
| 02 أكتوبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
873
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
828
| 30 سبتمبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
654
| 02 أكتوبر 2025
لم تكن كلمة سموّ الأمير تميم بن حمد...
624
| 26 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية