رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم يفاجئني قيام الحكومة القطرية بإيداع مذكرة رسمية لدى الأمانة العامة للجامعة العربية خلال الأسبوع المنصرم بشأن ترشيح عبدالرحمن بن حمد العطية عبر سفيرها النشط في القاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة صالح عبدالله البوعينين ليس لأنني كنت على دراية بمثل هذا النبأ وإنما لأن العطية في حد ذاته يمتلك رصيدا شديد الإيجابية على مدى تسع سنوات أمضاها أمينا عاما لمجلس التعاون الخليجي نجح في تحويله إلى منظومة فاعلة وديناميكية وأضحت ذات تماس واضح مع المواطن الخليجي خاصة في مفردات حياته اليومية
وشخصيا كنت واحدا من المتابعين لمسيرة الرجل قبل أن يتبوأ هذا المنصب من خلال وجوده بوزارة الخارجية القطرية بدءا من عمله سفيرا في باريس وحتى وصوله إلى موقع وكيل الوزارة مرورا بتوليه مسؤولية إعداد قطر لاستضافة أول قمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي وإشرافه على عدد من الملفات الخاصة التي حققت فيها الدوحة نجاحات دبلوماسية مشهود لها
وخلال هذه المسيرة التي امتدت إلى أكثر من عشرين عاما بالنسبة لي ِأشهد أن الرجل لم تتوقف حيويته عند حد فهو دائم التفكير ومبادر بوضع السياقات والآليات لتنفيذ أفكاره ومشروعاته الرامية إلى التطوير والتحديث وضخ الدماء الجديدة إلى حد المغامرة المحسوبة فضلا عن ذلك يمتلك القدرة على المتابعة بحيث تكون هناك استمرارية للأفكار والمشروعات التي تتقاطع دوما مع القضايا الكبرى وهو ما لمسته خلال وجوده على رأس منظومة مجلس التعاون الخليجي التي كنت معه محاورا بشأنها بشكل دءوب يصل في بعض الأحيان إلى مستوى الإزعاج وإن كان لم يظهر ذلك لي في الخارجية القطرية وفي مجلس التعاون الخليجي كان عنوانه العمل المتقن وبجودة عالية. لذلك فإن الفريق الذي يتعاون معه كان يعاني شدة الانضباط في المواعيد والسرعة في الأداء والمتابعة والإسراع في بلورة النتائج . ورغم ذلك فإن أحدا من أفراد هذا الفريق لم يكن يشكو لأن العطية كان يتعامل مع الجميع بمنطق الأخ الأكبر وليس رئيس العمل المستبد الذي بمقدوره فرض قراراته. كان يجيد توظيف مهارات كل شخص يعمل معه ويدرك المدى الذي يمكن من خلاله الوصول إليه. لذلك وفر أجواء من المحبة والتقدير المعنوي قبل المادي فوقع ما يمكن وصفه بالامتزاج بينه وبين فريقه فأخلصوا له وعملوا معه من منطق مغاير تماما ينهض على تقديم أقصى ما لديهم من وقت وجودة وإتقان والأهم من ذلك لم يتبع منهجية الشللية بل كان يستخدم المنهج العلمي القائم على الاستعانة دوما بأهل الخبرة وليس الثقة فأحاط نفسه بهم إضافة إلى قراءة الواقع على نحو عميق مما أهل قراراته لتكون منسجمة مع متطلبات هذا الواقع ولست هنا في معرض الإشارة إلى ما أنجزه على صعيد مجلس التعاون الخليجي من تحولات نوعية جعلته يغادر منطقة الأمن التي ظل مقيما فيها بمفردها لسنوات طويلة فتحرك إلى مناطق أخرى في مقدمتها الاقتصاد والتجارة عبر الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي والتي كانت قبل مجيئه إلى المجلس مجرد أحلام وربما شعارات يترقب الجميع مقاربتها واقعيا
وعلى المستوى السياسي فإن العطية كان أول أمين عام يتحدث عن الإصلاح السياسي بل إنه طرح لأول مرة في المنطقة فكرة المنابر السياسية خلال مداخلة له بمهرجان الدوحة الثقافي قبل سنوات صحيح وكانت حواراته الصحفية والتليفزيونية زاخرة بالآراء التي تعكس الرغبة في تطوير المنطقة سياسيا وإدخالها مواقع متقدمة من حيث التقدم الديمقراطي
وعلى المستوى الدولي العطية أول من أدخل فكرة الحوار مع المجموعات الدولية المناظرة لمجلس التعاون فضلا عن الدول المتقدمة إلى حيز التنفيذ بل أٍسهم في تقديم مجلس التعاون بتراثه الحضاري وتأُثيره السياسي والاقتصادي في عالم اليوم إلى العديد من الدول عبر ما أطلق عليه أيام مجلس التعاون والتي نظمت في عدة عواصم كان آخرها في شهر فبراير الماضي بسيول عاصمة كوريا الجنوبية
ويتمتع العطية بقدرة على صياغة علاقات تقوم على الاحترام المتبادل مع رجالات الإعلام والصحافة فأنت ترى في كل عاصمة عربية مجموعة من الأصدقاء وهو يقترب في هذا السياق ممن يحترمون ذواتهم ويبتعد عن هؤلاء النفر الذين يمكن أن يلمح فيهم سعيا لمصلحة خاصة وهو في الآن ذاته يدرك طبيعة الرسالة التي يريد توجيهها من هذا الصحفي أو ذاك وتلك ميزة نسبية فيمن يتبوأ منصبا مهما وهو ما جعله على تواصل مباشر مع الكثيرين من هؤلاء دون تعال منه أو إفراط كان يمسك بالكرة في ملعبه يقرر متى يقذف بها ولم يكن يرفض طلبا لحوار صحفي وهو ما خبرته معه على مدى السنوات العشرين المنصرمة بشرط أن يتيقن أن هذا الحوار سيحمل الجديد وكثيرا ما كنت أحصل منه شخصيا على جديد وسبق صفحي كان لـ" الشرق " نصيب منه " بعد التحاقي بها قبل نحو عام ونصف العام
وبوسعي الجزم أن العطية يمتلك حسا إنسانيا رفيع المستوى إن جاز لي هذا التعبير- فهو من ذلك النوع من المسؤولين الذين لم يصبهم غرور المنصب أو كيمياء السلطة فمن عرفه لن يجد كبير اختلاف في شخصيته سواء خلال فترة عمله سفيرا في عدد من العواصم العربية والدولية أو بعد توليه موقع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ظل هو العطية لم يقلب مائدة صداقاته. وإن كان قد ضاعف أعداد من يجلسون على مقاعدها. لم يتنكر للعاملين معه في مواقع مختلفة فضلا عن قدرته على الكشف عن الموهوبين وتصعيدهم في العمل معه ولعل نموذج محمد المالكي الذي كان مذيعا بإذاعة قطر فاختاره للعمل بمكتبه عندما كان وكيلا للخارجية والآن هو دبلوماسي متوهج بالوزارة تنقل في عدد من العواصم العربية والأجنبية
وفي زمن العطية تحول مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إلى خلية إنسانية بالمعنى الكامل للمفردة فليس ثمة قيود تحول المكان إلى ما يشبه الثكنة العسكرية كما كان يحدث في سنوات سابقة وإنما مكان مفتوح للفكر والحوار والعمل الدءوب في سياق يحرص على الإنجاز وكان هو أول من عمل على زيادة مرتبات العاملين بالأمانة ومنحهم ترقيات يستحقونها وفرصا للإبداع والتميز لم تتح لهم من قبل وأدخل لأول مرة المرأة لتكون ضمن السلك الوظيفي بعد أن كانت الأمانة العامة مغلقة على نون النسوة على نحو متعسف والأهم من ذلك هو أنه كان أول من فتح الباب أمام القضايا الإنسانية لتكون ضمن جدول منظومة مجلس التعاون الخليجي والذي كان يقتصر على القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية كما أجرى لأول الحوارات الممنهجة حول دور وأداء مجلس التعاون عبر ندوات كان يشارك فيها مفكرون وإعلاميون من مختلف الاتجاهات بدول المجلس
وبعد فإن العطية يستحق في ضوء كل هذه المعطيات أن يكون أمينا عاما للجامعة العربية ولكن الأمر يتطلب حركة مبرمجة تعتمد على استراتيجية نشطة قادرة على قراءة واقع النظام الإقليمي العربي وتتمكن من اختراق محاذير عديدة وتسعى إلى تحقيق توافق عربي بشأنه
السطر الأخير:
لا تسافري
انهضي من سباتك
أعيديني إلى نهرك المحمل بالياقوت
كوني الصدى لعشق كاد يموت
بثي في شراييني رحيقك الأبدي
اقتربي من حقولي
أمطريني بدفئك الأسطوري
وقدس أقداس البراءة
أيا سر البهجة القديمة
تشتعل في الروح دونما خفوت
إدراك وفهم عميقان لمعنى وحقيقة يوم القيامة، اليوم الذي تنقطع فيه كل الصلات والوشائج والعلاقات التي كانت بين... اقرأ المزيد
198
| 16 أكتوبر 2025
• فرحة التأهّل إلى كأس العالم هي فرحة بطعم خاص، بطعم استضافة كأس العالم 2022، ذلك الحدث التاريخي... اقرأ المزيد
222
| 16 أكتوبر 2025
في زمنٍ سريعٍ يركض بنا دون توقف، نعتقد أحيانًا أن ما نقوله أو نفعله يمرّ بلا أثر. غير... اقرأ المزيد
222
| 16 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
9036
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6702
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5961
| 14 أكتوبر 2025