رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

في المسألة المصرية - الأمريكية

ليس ثمة شك في أن أزمة حقيقية تواجه العلاقات بين مصر والولايات المتحدة أخذت تجلياتها في البروز والتصاعد على مدى الأشهر الأخيرة منذ أن أبدت هيلاري كلينتون وزير الخارجية الأمريكية وغيرها من مسؤولي الكونجرس بعض الملاحظات التي لم تتقبلها الحكومة المصرية فيما يتعلق بأسلوب تعامل قوات الجيش وقوات الأمن مع محتجين من شباب مصري مما أسفر عن مقتل بعضهم فضلا عن الإصابات العديدة التي طالتهم بيد أن هذه العلاقات تعرضت لنوع من التردي الفادح في أعقاب قيام السلطات القضائية بما وصف بنه اقتحام لمقار منظمات ومؤسسات المجتمع المدني ثم الإعلان أخيرا عن متهمين أجانب وفيهم أمريكيون إلى جانب نشطاء مصريين متهمين بالحصول على تمويل أجنبي غير مشروع والقيام بنشاطات غير مسموح بها من منظمات أجنبية لم تحصل على التراخيص القانونية لممارسة أنشطتها في الأراضي المصرية ولعل وضع نجل وزير النقل الأمريكي المدعو "صامويل آدم لحود "مدير فروع المعهد الديمقراطي بمصر وغيره من شخصيات أمريكية ضمن قائمة المتهمين في القضية التي كشف النقاب عنها قبل أيام بالأسماء والوقائع والوثائق هو الذي أضفى المزيد من الاحتقان على الأزمة بين القاهرة وواشنطن وذلك رغم أن صامويل وزملاء له سارعوا بالاختباء في المقر المحصن من الداخل والخارج للسفارة الأمريكية بمنطقة جاردن سيتي بوسط العاصمة المصرية مما دفع دوائر في الكونجرس إلى التهديد بقطع المعونات التي تحصل عليها مصر سنويا من الولايات المتحدة وتتجاوز مليارا ونصف المليار دولار أغلبها يوجه لتسليح القوات المسلحة المصرية واللافت في هذه المسألة أن واشنطن لم تصدق بعد أن مصر باتت تعيش في رحم ثورة منذ تفجرها في الخامس والعشرين والتي حظيت بترحيب واسع داخل الأوساط الأمريكية وعلى أعلى المستويات وفي صدارتهم الرئيس باراك أوباما الذي أدركت إدارته أن نظام مبارك فقد القابلية للحياة مرة أخرى فسارعت بالتخلي عنه رغم أنه كان كنزا استراتيجيا لواشنطن ولحليفتها الاستراتيجية الحقيقية والوحيدة في المنطقة وأعني به الدولة المسماة بإسرائيل وإن كنت أحبذ إطلاق مسمى الكيان الصهيوني عليها. ولعل المسؤولين الأمريكيين يتذكرون أن تحول بوصلة مصر باتجاه واشنطن بدأ منذ 36 عاما تحديدا بعد حرب أكتوبر عام 1973 والتي جاءت نتائجها السياسية متوافقة بالتمام والكمال مع المتطلبات الاستراتيجية لها في منطقة الشرق الأوسط وللأسف فإن الرئيس الراحل أنور السادات هو الذي قدم مصر المكانة والقيمة والدور على طبق من ذهب للولايات المتحدة عبر إعلانه أن 99 في المائة من أوراق القضية الفلسطينية في أيدي أمريكا ثم تخليه عن الحليف الاستراتيجي لمصر في ذلك الزمان البعيد وهو الاتحاد السوفييتي ووضع مصر في خانة الارتباط بالاستراتيجيات الأمريكية على مختلف الصعد السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية وأظن أن مذكرات مستشاره للأمن القومي حافظ إسماعيل كشفت على وجه اليقين الشروط الأمريكية لإبقاء مصر ضمن المنظومة الأمريكية وكان من بينها التخلي عن كل سياسات سلفه عبد الناصر وهو ما تجلى في بدء سياسة الانفتاح الاقتصادي على أسس فهم مغلوط للتوجه الرأسمالي استند إلى إتاحة بروز طبقة جديدة تؤازر النظام الجديد بتوجهاته المغايرة وهو ما كشف عنه بوضوح أشد الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه الجديد عن مبارك والذي ينشر مسلسلا بصحيفة الشروق المصرية اليومية والذي كشف عن التدخل الأمريكي في أدق تفاصيل السياسات المصرية الداخلية إلى الحد الذي وصل إلى تحديد أسس حماية النظام ورئيسه وهو ما لم يفلح في إنقاذ السادات من الاغتيال في السادس من أكتوبر من عام 1981 الأمر الذي مهد الطريق لنائبه حسني مبارك للوصول إلى مقعد الرجل الأول في مصر مستمرا في تطبيق التوجهات ذاتها على نحو رفع من سقف التخبط والارتباك وتكريس حالة التبعية للولايات المتحدة وللكيان الصهيوني فبدت السياسات المصرية طوال الثلاثين عاما من حكمه باهتة ولم تخرج عن كونها ظلا لما تريده واشنطن ظنا منه أن ذلك يفتح أبواب واشنطن للقبول بنجله وريثا لعرش البلاد غير الملكية ويبدو أن دوائر عدة في كواليس صناعة القرار الأمريكي باتت على قناعة بأهمية استمرار نظام مبارك الأب عبر مجيء مبارك الابن (جمال مبارك) لضمان استمرارية التحالف المصري الأمريكي وفي الوقت نفسه المحافظة على مصالح الكيان الصهيوني. ويبدو أن النخب السياسية الأمريكية ما زالت تنظر إلى مصر الثورة باعتبارها امتدادا لزمن مبارك وأنه يمكن ابتزازها الآن مثلما كان يتم في الماضي وتتعامل معها باعتبارها مجرد دولة تابعة تتلقى معونات ومنحا ومن ثم فإنه يمكن التأثير على توجهاتها عبر التهديد بقطعها أو تقليصها وبالرغم من خلافي مع بعض سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارته للمرحلة الانتقالية خاصة على صعيد لجوئه إلى العنف مع الثوار سواء من خلال استخدام قوات الجيش أو الشرطة في المواجهات معهم فإنني أحيي خياراته فضلا عن خيارات حكومة الدكتور كمال الجنزوري رئيس حكومة الإنقاذ الوطني في التعامل مع الضغوط والتهديدات الأمريكية لجملة من الاعتبارات: أولا: أنه يتعين أن تدرك واشنطن أن مصر أضحت دولة مستقلة وليست تابعة أو جمهورية من جمهوريات الموز في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة والتي نهض العديد منها متحديا السياسة الأمريكية. ثانيا: إن الثورة الشعبية المصرية لن تتنازل عن استعادة دور مصر في المنطقة. وبالضرورة رفض الوصاية أو التبعية التي انحرف إليها النظام السابق الذي أسقطه الشعب المصري وذلك يعني بوضوح أن السياسة الأمريكية ينبغي أن تعدل من آليات تعاطيها مع الشأن المصري فثمة ثورة فرضت حضورها وهي تحقق كل يوم تحولات نوعية رغم محاولات الثورة المضادة التي يقبض بعض رموزها على مفاصل مهمة في الدولة المصرية وكان آخر تجليات محاولاتها ما جرى في مدينة بورسعيد. ثالثا: إن العلاقات الاستراتيجية مع مصر الثورة لن تكون إلا في إطار المصالح المتبادلة وليست لطرف دون الآخر، ومصر لن تُبتز أو تُذل، فمن يريد صداقتنا طبقاً لأعرافنا وتقاليدنا فأهلاً به، ومن لا يريدها فطبقاً لأخلاقنا أيضاً أهلاً به.. أما الأذرع الخفية فقد بدأت تتساقط ونحن كفيلون بها والنهاية باتت قريبة (اقتباس من بيان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على صفحته بالفيس بوك). رابعا: لست من الرافضين للعلاقات المصرية الأمريكية ولكن يتعين تطويرها على أسس من الندية بعيدا عن تعالي واشنطن وانسحاق القاهرة غير أن ذلك يتطلب بعد أن تنتهي مصر من استعادة عافيتها الأمنية والسياسية عبر استكمال مؤسسات جمهوريتها الجديدة أن تبدأ في تطبيق سياسات اقتصادية تعظم من قدراتها الإنتاجية بما يوفر إمكانية الاعتماد على نحو أوسع على الذات حتى تمتلك القدرة على استقلالية قرارها الوطني ولا يجعلها عرضة للتهديد أو الضغط أو الابتزاز السطر الأخير: في المسافة بين عينيك تورق شقائق النعمان تركض الخمائل بين ضفافها تسكن الحدائق والنخيل وشجر الرمان يترنح بسواحلها فؤاد الفتى تطاله سهامها يتبدد عشقا بين الأفنان هي – المسافة – قمر أم فتنة للروح وعناقيد من مرجان جئتك من أقصى بلاد الشعر مقدما قرابيني وليلي ونطقي وصمتي لأبوء بمنازلها فتحيطني نوارس وغزلان بوحي بأشواقها الكبرى اهبطي علي برطبها كي تنالني حقولها تغزلني شمسا ترسل عافيتها تسكبها بهاء في عمري فتسافر عني جروح وأشجان

417

| 13 فبراير 2012

لغة الدم

أولا: تترى الدماء تتدفق في فيض غير مسبوق تحاصرنا تتداخل مع طعامنا وشرابنا تسكن غرف نومنا تسبق خطواتنا هل أضحي الدم لغتنا التي نتحدث بها؟ خيمتنا التي نقيم فيها؟ عتبتنا التي نعبرها؟ حدودنا التي تؤطر حركتنا؟ أخشى أن يتحول الدم إلى ماء يروي عطشنا، أن نمتطيه خيولا ونستسقيه بدلا من المطر الذي نصلي من أجله عندما يغيب عن مواعيده. أبكي أم أختزل بكائي في مرثية من دم يكتبها بلهاء يعبثون بنا بأرواحنا من أين جاءتهم كل هذه القدرة أو الطاقة على ري الأرض بدماء أشقائهم؟ بكيت على وسادتي في الطرقات في الميادين في الأسواق في الحافلات في الشوارع المزدحمة بالبشر ولا تكاد حركتها تخبو. بكيت في الصباحات وفي المساءات بكيت طويلا وكثيرا. سألت العرافين عن سر جذوة البكاء هي مدينة أم مقبرة؟ هم بشر أم أنعام مهيئة للذبح؟ سألت العرافين عن سر هذه القسوة هل يحمل القتلة قلوبا تنبض وأجسادا تشبه أجسادنا؟ هل لهم أيد مثلنا أم استحالت إلى سيوف وخناجر؟ سألت الأشجار التي تسكن المدينة: هل مر عليك قوم حالمون أم سارقون للفرح أم باترو رؤوس ورقاب وماضغو أكباد؟ من أي نار جاءوا؟ هل ولدتهم أمهات أم جاءوا إلى الدنيا عبر نبت شيطاني؟ خرجوا، ارتووا بدماء القادمين من الأمصار الأخرى، ارتقوا جبال القتل بكراهية استثنائية قطعوا الأوصال، قذفوا بالأجساد مزقوا الوجوه. هم بشر؟ لا هم مزيج من جنون وشهوة الدم خليط من شياطين الإنس، احتفى بهم شياطين الجن. اتحدوا جميعا على قتل البراءة وسحل الورود الطالعة قبل أن تبعث بأريجها في أنحاء المحروسة. ثانيا: ليست هي بورسعيد، ليس هؤلاء أهلها المعروفين بالشهامة والنجابة واحترام القادمين إليها. ليس بورسعيديا من يقتل هي مدينة زاخرة بأسرار المقاومة والممانعة وحرب الغزاة. هي رحلة طويلة في معانقة التاريخ الذي كتبته بدماء بنيها. هل تقتل؟ هل تذبح على هذا النحو الهمجي؟ لا. ليست بورسعيد ولا أبناؤها من القاتل إذن؟ من أحال المحروسة إلى دائرة العتمة؟ من قبض على اللحظة التي ظن أنه اقترب فيها من الانتصار؟ من بوسعه أن يطلق كل هذه الآهات تخرج من الأمهات الثكالى بفقد أكبادهن والصرخات من آباء قرروا كتم الدموع؟ من بمقدوره أن يفرض على المحروسة الصمت والخنوع والوقوف على بوابات الندم؟ ثالثا: صبرت المحروسة على العاقين الجالسين في طرة والقابضين على مفاصل الوطن مصرين على سرقته وإجهاض ثورته وإجبار شبابه على السكوت. صبرنا طويلا على لغة التخاذل والمماطلة والكتابة فوق الماء. صبرنا على غياب الرؤية بل قل فرط العتمة تصرخ الثورة فينا تنادينا لليقظة والتنبه والخروج من عباءة مبارك وسوزان، تسألنا كتابة زمن جديد مغاير. تبني لغة أخرى لكن ثمة من يسعى إلى بتر الحلم ليبقى في خانة السلطة. من يطيح بأشواقنا الكبرى ليظل قابضا على الثروة. تغيب المحروسة عن مفرداتهم يغيب الوطن عن أبجدياتهم فيهم نزوع إلى كتابة الدم على صفحة النيل رابعا: الجرعة الأخيرة قاتلة فمن بمقدوره أن يقدم الدواء من أين يأتي الدواء؟ من يحمي المدينة من حراسها؟ من يأتي لنا بزرقاء اليمامة يدفع عنا زمن داحس والغبراء أكابد في المدينة وجعي تتراقص أمامي صور الشهداء وأنات المجروحين تتوقف الأعشاش عن استقبال طيورها تبكي النوارس على سواحل البحار تكف السماء عن معانقة اليابسة تتلف الأشجار من يعيد وهج الثورة المسروق يطرز القصائد بالبهجة الغائبة إن سكنت الأنفس المستثارة خامسا: هي محروسة أبدا لن يسكنها الصمت أو القابضون على مفاصل الدم لن تغيب شموسها أو يتوقف نهرها عن الفيضان لن يسكت صوت الميدان لن تخفت فيها قناديل يناير أو صباحات مارس وأبريل طلعت ثورتها لن تخلع أثواب الحرية أو تكف عن الخفقان سادسا: جئتك أيتها المدينة حاملا سيفي لأشهره في وجه الطغاة حاملي قرابين الدم الكارهين للقمر من تسكن وجوههم قترة جئتك فاردا شراع قصيدتي مبحرا نحو الحلم كاتبا أيقونة الثورة متطلعا لسموات مفعمة بالمطر وقلوب تخاصم الحجر وأرض تغزل الحناء لصبايا بلادي وعناقيد تتجلى بعروش ليست خاوية جئتك أيا مصرا مطرزة بعشقي الأبدي فكوني لي الحنطة والأفق البعيد الذي يحتويني يعيدني إلى سيرتي الأولى محملا بحريتي وأبجديتي الأصيلة احمليني على سفينتك لا تلقي بي إلى أسماك البحر خذيني إليك السطر الأخير: دفتر العشق: أكتبه مفردا ليس دونه دفاتر أدسه بين ضفاف القلب وأهداب العيون أمنحه أولوية الإقامة في الروح والبقاء في الذاكرة والذوبان بعشيرتي والنداء لحظة الصحو والسكينة عند المنام هو فنجان الشاي في صباحاتي معزوفتي عند البوح بآهاتي هو القارئ والكاتب والمسكون بولعي الرافع اسمي بين القصائد المفتوح على بوابات الحلم هو الراحل في المدى وأسرار الأكوان المسافر إلى الحقول هو الحضور في الغياب والغياب في الحضور هو الوجد وطقوس الكتابة هو أنت صانعة الصبابة راسمة لغة البهجة رغم الوجع هو أنت تسكب رحيقها تستدعي الشعر في غير أوان

1183

| 06 فبراير 2012

حكاية قتل لا تنتهي فصولها

تؤلمني هذه الحكاية التي لا تريد فصولها أن تتوقف ويقوم بروايتها يوميا بشار الأسد وأركان حكمه. ليس اعتمادا على لسانه. كما يفعل الرواة في ليلات العرب القمرية وإنما يستخدم يده الباطشة في قسوة شديدة الإفراط تنزل على الأجساد فتمزقها والأرواح تنتهك حرمتها فتثكل أمهات وتترمل زوجات ويفقد أبناء وبنات آباءهم الذين يبدون اعتراضا على البطش ويطلبون العودة إلى ضوء القمر ولكن يبدو أنه بات يخاصم الشام فلم يعد يرغب في معانقة لياليها وقرر مغادرة أفقها الذي كان يمتلك القدرة على احتواء الجميع. إنها حكاية قتل يومي ممنهج. لا يفتر بشار وزبانيته عن روايتها بالدم على رؤوس الأشهاد. مفتونا بنفسه وبجنده متناسيا أن ثمة من هو أقوى منه ولديه جنود لا يراها. قادر كما فعل في وقائع قريبة للغاية أن يشل حركته وينهي نظامه. ولعل الله سبحانه وتعالى يمنحه الفرصة تلو الفرصة. لكنه لا يريد أن يقتنصها. يعلن تحديه لكل هذه الفرص. من الذي يصور له الأمر بحسبانه إرهابا ضده ومؤامرة خارجية تسعى للنيل من سوريا دولة المقاومة والممانعة؟ في حين أنها لم تعد كذلك بل إن جيشها الذي كان يمثل الاحتياطي الاستراتيجي للأمة في المواجهة المرتقبة مع الكيان الصهيوني وقبل ذلك الوسيلة الوحيدة لتحرير الجولان المحتلة منذ يونيو 1967. بات موجها لصدور النساء والصبايا والشباب والرجال الثائرين المطالبين بالحرية معتمدين المنهجية السلمية بعيدا عن العنف. هل أصبح مغيبا بعيدا عن القرار الذي لا يمتلكه إلا المجموعة الأمنية المحيطة به؟ أنه ينفي إصداره أوامر بالقتل بينما وليد المعلم يقول إن حكومته من حقها أن تواجه الإرهابيين وفق وصفه للثوار وذلك يعني اعترافا صريحا بممارسة القتل وهو قتل للأسف بات قريبا من أساليب العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. بينما رصاصات الجيش السوري لم توجه أبدا إلى هذا العدو في الجولان منذ أكثر من 45 عاما فلماذا تكون الجيوش العربية قادرة وقوية وصلبة المراس مع شعوبها بينما يخفت صوتها مع العدو الحقيقي هي مأساة أو ملهاة بكل تأكيد. بشار يقتل شعبه ولا أعلم كيف ينام مسكونا ضميره بالارتياح؟ إن شرعية الحاكم لا يمكن أن تتكئ على البندقية أو الدبابة أو المدرعة أو حاملة الجنود وإنما تستند على مقوم واحد فقط هو الرضا أو القبول العام به ويبدو أنه لا يوجد أحد من المحيطين ببشار يطلعه على حقائق ما يجري وأن مئات الألوف في محافظات سوريا تطالبه بالرحيل بعد أن سئمت حكمه القائم على القهر والاستبداد والدم وإن كنت استبعد ذلك فبشار من الجيل الجديد ويجيد التعامل مع وسائل التقنية الحديثة من إنترنت وغيرها وهو ما يهيئ له الاطلاع على ما تبثه لوقائع الدم المسفوك يوميا في سوريا. ألا تتحرك فيه مشاعر إنسانية قد تجتاحه بحكم دراسته للطب والذي من المفترض أن يضفي على المرء قدرا من الرحمة ولا نطالب أن يكون ملاكا للرحمة حسب ما كان يوصف به الطبيب قديما؟ لا أظن فمن يتابع حالات القتل والاغتيال والاختطاف والاعتقال والزج في السجون السرية بالآلاف يتيقن أنه بات مجردا من أي مشاعر ولعل المرء عندما يقرأ وجهه وهو يلقي خطابا أو يخرج للقاء من تعدهم له الأجهزة الأمنية القوية القبضة في العاصمة دمشق يدرك جيدا هذه المسافة الشديدة الاتساع بينه وبين الرحمة والمشاعر والعطف والدفء الإنساني سقطت كلها مع أول رصاصة وجهها جندي أو شبيحة ضد مواطن صرخ مطالبا بالحرية بعد عقود من الصمت والصبر والمثابرة والسكوت المفروض قسرا. ثمة حرص عربي واضح على التعامل مع الأزمة التي صنعها بشار وأركان حكمه من منطلق قومي يحول دون العامل الدولي الذي يقود بالضرورة إلى التدخل العسكري وقدم النظام الإقليمي العربي الذي تجسده الجامعة العربية أكثر من مبادرة وتصور وخطة عمل كان آخرها قبل أيام فيما يعرف بالمبادرة السياسية التي تسعى إلى تطبيق النموذج اليمني الذي يقود إلى تغيير أمن وسلمي في السلطة ووفق الآليات الديمقراطية المتعارف عليها لكن نظام سارع إلى الرفض وطلب وزير خارجيته وليد المعلم العرب بأن يذهبوا إلى نيويورك أو القمر ويبدو أنهم فضلوا الذهاب إلى نيويورك وتركوا القمر الذي يبدو أنه غادرنا إلى كون آخر وبشر مختلفين. وأظن أن هذه المبادرة السياسية هي آخر ما تحمله جعبة النظام الإقليمي العربية بعد أن استنفذ كل المبادرات التي قبلها نظام بشار ثم التف حولها وسعى إلى تجييرها لصالح بقائه مثلما فعل مع بعثة المراقبين العرب الذين انتشروا في أكثر من عشرين مدينة سوريا لكن فيضان القتل لم يتوقف وهو ما دعا دول الخليج الست إلى سحب مراقبيها حتى لا تكون شهود زور على قتل النظام لشعبه حسب التعبير الذي استخدمه سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مداخلته الصريحة أمام وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير بالقاهرة. ما الذي يدفع بشار إلى رفض كل ما هو عربي لإنقاذ وطن وشعب يتعرض لما يمكن وصفه بالإبادة؟ أول هذه العوامل تكمن في سوء تقدير موقف لأركان نظامه استنادا على ما يمتلكه من مقومات قوة منية وعسكرية وهي لن تبقى للأبد وقابلة للزوال أو التلاشي في أي لحظة وثانيها الموقف الروسي المتحيز له لأسباب تتعلق بحالة الاستقطاب الدولي ولكنه سرعان ما يمكن أن يتخلى عنه لو حصل على الثمن وثالثها ربما يكمن فيما يعتقد أنه تناقضات في المواقف العربية تجاه أزمة بلاده وبعضها يرتبط بعوامل مذهبية وطائفية ورابعها تحليلات يقدمها البعض ربما من قبيل أن الدول الغربية الكبرى التي تمتلك القدرة على الخيار العسكري غير راغبة في اللجوء إليه تحت زعم أن سوريا لا تمتلك فاتورة التدخل فهي دولة ليست نفطية مثل ليبيا أو رغبة في حماية الكيان الصهيوني من تداعيات أي تدخل عسكري قد تتجسد في تعريض أمنها لمخاطر إقليمية. وذلك قد يكون صحيحا إلى حد كبير ولكن ترديد مثل هذه الطروحات بكثافة في الآونة الأخيرة قد يكون من مقام التوريط مثلما حدث مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مما دفعه إلى غزو الكويت في الأول من أغسطس من العام 1990 فدفع النظام الإقليمي العربي: حكومات وشعوبا. فاتورة باهظة الثمن من جراء هذه القابلية للتورط فيما لا تحمد عقباه. إن بشار لا يتوقف عند حد ويزداد ولعه بلعبة القتل ضد شعبه ويرفض النصيحة معتقدا أنه مختلف ومغاير عن غيره من زعماء سقطوا من قبل يبدو لي أنه يصدق هذا الوهم العبث الزيف. إنها يا سيدي حتمية تاريخية بديهية تحققت ملايين المرات وكان آخرها قبل أشهر في تونس ومصر وليبيا مؤداها: أن من يقتل شعبه يتحول إلى عمل غير صالح بوضوح أشد عمل فاسد. لا تجدي معه محاولات تصحيح المسار أو تقديم النصح أو طرح المبادرات السياسية ومن ثم فإن الشعب السوري وحده المهيأ لتغيير المعادلة عبر ثورته السلمية غير أن ذلك مرهون بتوحيده قواه الحية بعيدا عن الاستقطاب الداخلي أو الإقليمي أو الدولي. صحيح قد يطول الأمد لكن الحتمية التاريخية تؤكد أيضا أن الشعوب هي من تحقق الربح وغيرها من الحكام القتلة من يقذف بهم التاريخ إلى أحط مواضعه فهل يستوعب بشار والذي يزعم أنه قارئ جيد للتاريخ وكثيرا ما كان يقدم مواعظه لحكام عرب أقدم منه سنا وأكثر خبرة هذه الحقائق لعل وعسى حتى لا تسقط سوريا الوطن الجميل والشعب الصابر في براثن تدخل عسكري لن يكون بمقدور روسيا أو غيرها أن تحمي نظامه من التحلل. السطر الأخير: أجيبي دعوة الروح دثريني بأثوابك الحبلى بالعشق دعيني أتمدد بحقولك أتصبب عرقا في جداولك أستميحك عذرا أيا فاتنتي لم أكتب القصيد إلا لعينيك امنحيني البشارة هيئيني للدوران بمناراتك صبي زيتك الفضي على بقاياي المنهارة فأستعيد سيرتي الأولى يسكنني بهاؤك والنضارة

714

| 30 يناير 2012

أم الوثائق

بعد ثورة الخامس والعشرين صدرت في المحروسة العديد من الوثائق ذات الطابع السياسي بهدف بلورة تصورات التعامل مع الزمن الآتي في مصر خاصة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية والتي تشهد فيها الدولة عملية إعادة بناء لهياكلها ومؤسساتها على نحو مغاير لما كان سائدا خلال العقود الثلاثة التي حكم فيها حسني مبارك مصر لكنها جميعا شهدت تباينات فيما تبنته من طروحات ورؤى وقواعد ولم تحظ بالتوافق إلا وثيقة الأزهر الشريف التي صدرت يوم الأربعاء المنصرم مبلورة الموقف من الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والتي بدا لي أنها تجسد بعمق وإخلاص وشفافية حالة الإجماع الوطني التي ظلت غائبة ومتفقدة خلال الأشهر العشرة الماضية بين القوى السياسية والثورية ومؤسسات الدولة المؤقتة وفي يقيني إن نجاح الدكتور أحمد محمد الطيب الإمام الأكبر شيخ الأزهر في حشد كافة رموز القوى السياسية والدينية في المحروسة يمثل تطورا نوعيا في أداء هذه المؤسسة التي يقودها منذ حوالي ثلاث سنوات باتجاه بلورة وعي وطني يقوم على النظر إلى المصلحة العليا للبلاد وليس لصالح هذه القوى أو المؤسسات فرادى وبعيدا عن الشطط في المنظور أو الفكر ويسعى إلى تكريس مرجعية يرضي بها الجميع على تباين مواقفهم السياسية وانتماءاتهم الدينية وتجلى ذلك في حضور إعلان الوثيقة بمقر مشيخة الأزهر في مشهد نادر قيادات المؤسسة الدينية بشقيها المسلم والمسيحي وعلى أعلى المستويات بما في ذلك الأنبا شنودة والذي كان لا يشارك في مناسبات علنية في السابق ربما لأسباب صحية تعبيرا عن احتجاج صامت فضلا عن مشاركة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع وقيادات حزب الحرية والعدالة والقيادات السلفية بمختلف تنويعاتها إلى جانب رئيس حكومة الإنقاذ الوطني الدكتور كمال الجنزوري ورؤساء الأحزاب السياسية المؤثرة في المشهد المصري ومفكرون ومرشحون محتملون لانتخابات الرئاسة الجمهورية. ومن المقرر الإعلان عن تفاصيل بنود وثيقة الأزهر في ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير الحالي تزامنا مع الذكرى الأولى للثورة التي انطلقت في هذا اليوم من العام المنصرم منقذة المحروسة من دمار مهلك كاد أن يحيق بها من فرط تحالف رموز الثروة والسلطة الفاسدة ومشروع توريث البلاد لنجل مبارك الذي كان يعد في أحضان النظام تحنو عليه كل رموزه وتتعامل معه باعتباره الرئيس القادم وأظن أن هذا السلوك يعكس توجها صادقا من قبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور الطيب للتفاعل مع صناع ثورة يناير الحقيقيين وهو طليعة شباب المحروسة الذين خرجوا في الخامس والعشرين من يناير المنصرم حاملين أشواق العباد وأحلامهم إلى الحرية والعدالة والكرامة ليؤكد لهم أن المؤسسة الدينية بكل تاريخها وحاضرها وما تنطوي عليه من رمزية ليست في تناقض مع هذه الأشواق والأحلام والتي لم تكن تجد مناصرا يدافع عنها ويبلورها على أرض الواقع وأنها عبر هذه الوثيقة تكرس قواعد الحريات الأساسية التي هفت لها الأفئدة والعقول لتشكل الأرضية التي تنهض عليها القواعد التي ينبغي أن يتأسس عليها الدستور القادم وهي حرية الاعتقاد الديني وحرية الرأي والتعبير وحرية الأدب والإبداع وحرية البحث العلمي والتي لا يمكن أن يتباين طرف مع آخر بشأنها مهما كان انتماؤه أو معتقده ولعل الأهمية أو بالأحرى الميزة النسبية لهذه الوثيقة - إن جاز لي القول – تكمن في أنها تنطوي على رسائل اطمئنان لجميع أرقام المعادلة السياسية والدينية في المحروسة خاصة مع صعود التيار الإسلامي بشقيه الإخوان المسلمون والسلفيين إلى صدارة المشهد السياسي في ضوء النسب العالية التي حققها مرشحوه في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة بمراحلها الثلاث فقد خشت قطاعات واسعة من أبناء الشعب المصري بمسلميه ومسيحييه من هذا الصعود للتيار الإسلامي السياسي وبالذات على ما يمس الحريات الأساسية المعاملات خاصة في قطاع السياحة والمصارف فضلا عن ممارسات الواقع اليومية وهو ما برز في الإعلان عما يسمى بجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتي تشكل سلطة موازية تحاسب الناس في الطرقات والشوارع وفي مواقع العمل مثلما يحدث في النموذج السعودي فضلا عن تخوفات طالت الجزء المسيحي من الشعب المصري والذي ترددت أقاويل هجرة البعض منه للخارج أو الاستعداد لهذه الهجرة ولكن الوثيقة في ظل ما حشدته من إجماع تقدم تطمينات واضحة والتزامات مؤكدة بأنه لن يمس أحد حرية المعتقد الديني ووفقا للدكتور الطيب نفسه فإن ثمة نصوص دينية قطعية وأصول دستورية وقانونية تكفل حرية العقيدة وما يرتبط بها من حق المواطنة الكاملة للجميع دون أن يمس ذلك الحق في الحفاظ على العقائد السماوية وقداستها بالإضافة إلى إقرار حرية إقامة الشعائر الدينية دون عدوان على المشاعر أو المساس بحرمتها قولا أو فعلا ودون خلل بالنظام العام مؤكداً حق حرية الاعتقاد والتسليم بمشروعية التعدد ورعاية حق الاختلاف ووجوب مراعاة كل مواطن مشاعر الآخرين والمساواة بينهم على أساس متين من المواطنة والشراكة وتكافؤ الفرص وجمع الحقوق والواجبات مشددا على أن حرية الاعتقاد ترفض نزعات الإقصاء والتكفير ورفض التوجهات التي تدين عقائد الآخرين ومحاولات التفتيش في ضمائر المؤمنين. وفيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير فإن فضيلة الإمام الأكبر يعتبرها أم الحريات كلها فضلا عن كفالة حق التعبير عن الرأي بمختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بالإضافة إلى الحق في تكوين الأحزاب وإبداء منظمات المجتمع المدني لرأيها ومن الأهمية بمكان أن يتم التشديد على هذه القواعد الحاكمة والضرورية في الدستور المقبل حتى لا يكون من حق طرف ما إن يتشكك في منظومة القواعد السياسية والوطنية الجامعة للأمة بكل مكوناتها وبالتالي لا يثير مخاوف غير حقيقية تتسبب في هز أركان السلام الاجتماعي الذي بات مطلوبا بإلحاح في مرحلة إعادة بناء المحروسة التي تعرضت خلال الثلاثين الأخيرة لعملية هدم منظم ومبرمج لصالح عائلة مبارك والطبقة الجديدة التي تحالفت معها وما يهمني قوله هو أن وثيقة الأزهر الجديدة فضلا عن الوثيقة التي أعلنت قبل أشهر تمثل بنيانا قويا في مشروع النهضة الذي يتعين أن تخطط له السلطة القادمة في المحروسة وهو ما تجلى بشكل واضح ربما للمرة الأولى من قبل هذه المؤسسة التي تقود تيار الاستنارة والوسطية في مصر والعالم الإسلامي فيما حملته من دعوة إلى حرية الفن لترقية الإحساس وتنمية الوعي بالواقع وتثقيف الحواس الإنسانية وتعميق خبرتها بالمجتمع والأشخاص بالإضافة إلى نقد المجتمع من أجل الأفضل ولكن بما لا يتعرض للمشاعر الدينية أو القيم الأخلاقية المستقرة إلى جانب تأكيدها على حرية البحث العلمي باعتباره قاطرة التقدم البشري واكتشاف الكون ودعوتها إلى ضرورة حشد طاقة الأمة وإمكاناتها للبحث العلمي وهو ما أكد عليه القرآن في الحث على التفكير والقياس والتأمل في الظواهر الكونية واعتبار ذلك فريضة إسلامية في مختلف الشرائع. ولفت انبتاهي هذه المناشدة الصادقة التي وجهها الإمام الأكبر للأمة الإسلامية والعربية بالعودة لسباق القوة وعصر المعرفة بسلاح العلم والبحث العلمي لنهضة المجتمع وتطوير مراكز البحث والإنتاج العلمي مع ضمان سقف للبحث العلمي والإنساني والقضاء على احتكار الغرب للتقدم العلمي وهو ما يؤكد انحياز الأزهر وشيخه لمشروع النهوض المطلوب بقوة لمصر وللأمة العربية والإسلامية فهل نتحرك الآن جميعا لمقاربة مبادئ وقواعد هذه الوثيقة باتجاه معانقتها لمفردات الواقع اليومي؟

441

| 16 يناير 2012

المجد والياقوت للثورة

(1) شرعت في الكتابة عن فعل الثورة، اجتاحني الحبور، سكنتني البهجة الغائبة، قلت: أستعيد بدايات وقائعها قبل عام قرأت ملفاتها انتابني جوع إلى وهجها، إلى ملامح الغبطة بوجوه الفتيان والصبايا يرفعون لواءها: المجد للثورة، والياقوت لمن آمن بقانونها ودافع عن صيرورتها، واللؤلؤ لمن قدم الخبر وأكواب العصير وقارورات الماء لمن أقام بميادينها ودروبها وحاراتها العلنية والسرية، والمرجان لمن وقف ينفض عنها غبار الوجع والدخان الطالع من زجاجات المولوتوف الملقاة على وجوه الرجال، جاءت إلينا مطرزة بأوجاعنا تصرخ في وجه القهر ممتطية صهوة جواد الحرية، بطعم العشق المفقود أطلت على البلاد التي سكنتها ثعابين السلطة، بثت في شراييننا سموما كادت أن تفضي بنا إلى العتمة فنهرتنا الثورة، صبت فينا زيتها القادم من قناديلها المضيئة، توجتنا بتاج القبول منحتنا ملكوت الحضور بعد الغياب القسري، غزلتنا من جديد بعد أن كنا قوما بورا وحيارى وسكارى من فرط القهر والصمت المفروض والليل الشديد البرودة والقسوة والجوع الرابض فينا، ألهمتنا كتابة الشعر بعد أن نسينا الحروف والأبجديات، قاسمتنا الفجر وإطلالة الفلق بعد مكابدات مع العتمة والضباب، هي تمتلك صيرورتها، سطوة أنوارها. ومضاء قوانينها. مازلت متلفعا بعباءتها، مقيما بحدائقها رغم أشواك طالت زهرها الذي انبثق في الحادي عشر من فبراير منتشيا برحيل الغمة، ثمة من يحاول الآن منع الضوء عن مساحاتها ورسم ظلال من القهر المستعاد، عبث هي النتيجة والوجع لمن يراهنون على خانة الماضي، والسقوط لمن يحولون دون الثورة وعناق المحروسة. (2) انبثقت ثورة الخامس والعشرين من رحيق النور المسطور في وجدان البشر من عذاباتهم المشتدة، من بؤس المقهورين المصلوبين على جدارات النفي في الوطن، طلعت من رحم الأشواق المكبوتة الملهوفة للخروج إلى فضاءات الحرية ومناجم العدالة وحقول الكرامة، لم يكن السيد المستبد الذي يلهو بمدن السواحل يكف عن استباحة كينونتنا وسرقة فرحنا وامتصاص رحيق البهجة فينا، كانت الحدائق ترفض، تعلن العصافير عصيانها، تتمرد عن بناء الأعشاش، تبكي النوارس في البحار يتوقف الموج في النهر المكابر تجبر الشمس أِشعتها عن التوقف. فلا تصل إلى اليابسة مسكونة كانت المحروسة بغياب الأجنة فقدت بكارتها على أيدي الجبارين داستها أقدام نخبة لم يكن لها تاريخ كانت طالعة من نبت شيطاني من عبث المقادير تدافعت لتلتهم الأخضر تهافتت لتبتلع الشواطئ، الصحراوات، البيارات، صهيل الخيول فتفجرت فينا ثورة لتحول دون سقوط المدائن تعيد إلينا غرناطة وعروش المغول لتورق في كل الفصول ليرتوي منها الواقف، النائم، والباحث عن خيمة والمقيم في الطرقات وفي المقابر وفي شوارع المدن الخلفية والسائل والمغرم والمقتول رغم أنه حي والمسافر في جهات الأرض هروبا من قسوة السلطان والعائد عشقا للمكابدة من أجل بناء الأوطان ارتميت بحزبها المتورد في الميدان قلت لها: أنا عاشقك في كل أوان مريدك أيا صوفية الهوى ونوارنية المبتغى وأيقونة المبتدى والمنتهى متيم بمداراتك قوى ببهائك غوايتي الكتابة فيك التمدد بوجدك المتوج بهطول البشارات الواردة من السموات العلى تبث فينا سكنا، عافية فنقدم لك قربان العشق يبقى فينا مشعلا جذوته ديمومته فاتحة كتاب الشعر (3) لك المطر ولك البقاء ولك التوهج لك الطيور ترفل بأثوابها جذلى بشمسك الذهب لك البراءة ولك كل أدعية البقاء والحبور ولي أنا ثورة تهدهدني تبث قمحها وزيتونها ورمانها لمن نهضوا بها وهبوا (4) لن يسكت الميدان لن تكف المحروسة عن الولع بجذوة يناير وانبثاقة فبراير لن يخرج ثوارها عن العروة الوثقى لن يرقص طير ذبيح بعد الآن لن يسكت عزف لموسيقى أو آذان الكل في واحد الصمت يبرحنا والخيلاء وزهر الليل لك يبث أريجه بواحاتنا يفك طلاسم الخوف فالمجد للثورة والياقوت واللؤلؤ والمرجان السطر الأخير: من دفتر السفر الورقة الأولى: مقيما في حضرة المسافة بين العينين راحلا إلى خضرة الحقول فيها كي تعيدني إلى سيرتي الأولى أكتب القصيدة أنشطر نصفين: أرتوي من رحيق الفجر أمضي إلى هناءات العشق يسكنني مغيبا في سكرة الحضور منسابا في السبيل إليك منتظرا عطر المسافة مأخوذا بحدائق البرتقال طالعة من وهج طينها وأقمارها مغزولا بأمواجها تناديني لمقاربة عنفوانها فأنشق لغة البوح تحتويني بأعشاشها تحيطني ببهاء الروح وفضاءات الوجد المرسومة بولعي تأخذني إلى مداراتك فهيئيني تاريخا ينصب المشانق للوجع يضفر الكلمات الحبلى بالحلم كوني امرأة للشعر أميرة للزمرد أهديك همسي أشواقي كل مقاطع قصيدة العمر الورقة الثانية: منقسما فيك خارجا \\ معتزلا متداخلا \\راحلا مسافرا مقيما \\حاضرا مسكونا بك منتبها \\غافلا شاردا مفتتحا بوابتك بالروح الورقة الثالثة: إليك يكون السفر وبعينيك تركض الإقامة فبثي مطرك الأسطوري زمليني برحيقك الوضاء دثريني عشقك الأبدي أيتها الأيقونة المفعمة بالحقول الزاخرة بمجد المواسم وبهجة الفصول

874

| 09 يناير 2012

عام الخروج من الوجع

العام الذي انصرم منتصف الليلة قبل الماضية – السبت – لم يكن عاما عاديا في تاريخ أمة العرب، كان استثنائيا ومغايرا بكل المقاييس على الأقل على مدى تبلور الدولة العربية الحديثة والتي كانت إطلالتها الأولى في مصر مع تولي الباشا محمد علي حكمها في العام 1805. فقد شهدت ثورات التحرر من نظم الاستبداد والقمع والتخلف الاقتصادي والاجتماعي ودفعت الشعوب إلى تصدر المشهد السياسي بعد أن كانت تقيم في الظل والعتمة تكابد الوجع والركون إلى الإذلال وتعاني شظف العيش وهشاشة الكرامة الإنسانية. من كان يصدق أن يشهد هذا العام المقدس سقوط أربعة من أسوأ حكام الأمة "بن علي ومبارك والقذافي وصالح" وارتفاع رايات الحرية في تونس ومصر وليبيا واليمن واستمرار ثورة الشعب السوري التي تبدو مصرة على اللحاق بشقيقاتها انتظارا لسقوط مستبد آخر مازال قابضا على مفاصل وطن يمقته ويسعى أهله بقوة لإجباره على الرحيل. من كان يصدق أن الشعوب أو بالأحرى الشعب العربي يمتلك كل هذه القدرة المدهشة على امتلاك ناصية فعل الثورة والمثابرة والمجاهدة وحمل السلاح في بعض الأحيان للانتصار على القبضة الأمنية والعسكرية المستشرية في مفاصل الأوطان والتي تحاصر العباد وتنهب الثروات وتبدد مقومات العزة والوطنية وتذيب الروح الأصيلة الكامنة في الشعوب. من كان يصدق أن شبابا كان يوصم العدمية في معظم الأحيان ومجمدة طاقاته ومبعثرة إمكاناته ومعرضا لمتابعة العسس والبصاصين بكل الأصناف هو الذي يقود هذه الثورات التي أزهرت الحدائق بعد أن تيبست وأعادت المياه إلى ضفاف الأنهار بعد أن أصابها الجفاف والضمور. سأذكر تجربتي الشخصية في مصر فقد كنت واحدا من الموقنين بوقوع الثورة إن عاجلا أو آجلا خاصة بعد عودتي إلى القاهرة في منتصف العام 2008 بعد سنوات عمل بالدوحة المحببة للقلب والروح اقتربت من العشرين. لقد رصدت الأحوال بعيون عائد من الخارج كانت الدموع مقيمة في المآقي ونبض القلوب يكاد يكون متوقفا بعد أن بلغ الظالمون المدى فثمة مشروع للتوريث يجري تمريره بتؤدة وعبر كل المسارات وثمة سطوة شديدة وقاسية للمال والسلطة في تزاوج مريب وثمة قهر أمني وسلطوي لم يعد بوسع أحد أن يوقفه. تمدد إلى كل مفردات الواقع. والأهم من ذلك أنه لم يعد موقع قدم لفقير أو منتمي للطبقة المتوسطة المجال مفتوح للأغنياء من طبقة رجال الأعمال ونخبة حاكمة تناست أن ثمة شعبا هي في حاجة إليه لكي تمارس عليه شهوة التسلط، التعليم مهمل والثقافة قشرية والإعلام موظف للحاكم ونجله وزوجته والزمرة المحيطة والوطن مستباح للأعداء وحالة تبعية للكيان الصهيوني والولايات المتحدة غير مسبوقة لقد كانت هناك دوائر عدة تحذر وتبعث بالرسائل من أجل إقناع السلطة بإجراء التغيير وقد أسهمت في هذه الرسائل عبر سلسلة حوارات مع أقطاب في السلطة ومفكرين وهم الدكتور علي الدين هلال مسؤول الإعلام بالحزب الوطني المنحل والرجل الذي يوصف بأنه المربي السياسي لجمال مبارك والدكتور مصطفى الفقي والذي خرج إلى يسار النظام بعد أن تمسك ببعض قناعات قومية مازال يؤمن بها فدفع ثمنها إبعادا من الدائرة الضيقة المحيطة برأس النظام ثم بالكاتب الكبير مكرم محمد أحمد لصحيفة الأهرام ومجلة الأهرام العربي الأسبوعية وكلهم أجمعوا أن ثمة حاجة إلى تغيير وإن تراوحت مستويات التغيير الذي كان يطالب به كل منهم لكنها دعت بشكل واضح إلى الإسراع بالتغيير من داخل النظام قبل أن تهدر الفرص التي كانت تتاح له بين كل وقت وآخر ولم يتردد مكرم في مطالبة مبارك بقيادة هذا التغيير بعيدا عن المجموعة المحيطة به والتي اتهمها بأنها تنافقه ولا تفعل شيئا إلا الدفاع عن مصالحها الهائلة التي تراكمت من فرط بقاء النظام دون تغيير. لكن النظام كان قد بلغ حالة مفرطة من الجمود والترهل والثقة الزائدة بالذات بل لم يلتفت إلى تقارير لأجهزة تابعة له ومن بينها أجهزة الأمن القومي التي حذرت ووضعت خيارات التحرك للقيام بالتغيير المنشود أو على الأقل تطبيق جزء منه بالرغم مما يبدو على السطح من مؤشرات كانت تحتم ضرورة القيام بخطوات تتفاعل مع متطلبات مشروعة. لكنه كان مصمما على أنه يمضي في الاتجاه الصحيح وأن غيره في الجهة الخاطئة. وعندما تلقى النظام إشارات الثورة في تونس وهروب بن علي سارع زبانيته إلى القول إن مصر غير تونس وهي نفس المقولة التي كررها القذافي فيما ومازال يرددها بشار الأسد وقد استمعت في هذا السياق إلى المهندس رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة الخارجية المصرية إبان ترؤسه للاجتماعات التمهيدية للقمة العربية الاقتصادية التي عقدت بشرم الشيخ في يناير المنصرم عندما سئل من الصحفيين بخصوص تكرار النموذج التونسي في مصر وهو يقول " إن الحكومة المصرية تقدم دعما لـ60 مليون مواطن عبر البطاقات التموينية" وهو ما يمثل لها صمام أمان من الثورة الشعبية. كان يظن أن الثورة في تونس اندلعت لأسباب اجتماعية فقط بعد أن حرق الشاب البوعزيزي نفسه احتجاجا على ظروف فقره وقمع الشرطة له وهو يبحث عما يسد جوعه لكن رشيد أو غيره من رموز نظام مبارك لم يعر أهمية للأسباب الأخرى الكامنة في طبيعة النظام ذاته والتي من فرط تراكمها وتجذرها باتت سافرة للعيان. لم يفكر النظام في التعامل السريع مع معطيات الثورة الظاهرة أمامه، تجاهلها دفعها للتبلور أكثر للبروز بشكل واضح فواصل القمع وأعمى الله بصيرته لتتهيأ له أسباب السقوط. وفي الخامس والعشرين من يناير المنصرم تحركت طليعة الشباب هادرة في شعاراتها مطالبة بكبح جماح القبضة الأمنية ومكافحة الفساد لكن جهاز الأمن الفاسد تعامل معهم بقسوة مفرطة غير أنه بعد ثلاثة أيام انهار على الفور بعد أن صمد الشباب الذين لحقت بهم جحافل الشعب المصري. خرجوا من كل صوب وحدب من الحارات بالمدن والنجوع بالقرى البعيدة وبات مطلب إسقاط النظام هو العنوان الوحيد حتى تحقق في الحادي عشر من فبراير بتنحي مبارك عن الحكم فسقط معه للأبد مشروع التوريث ومعادلة السلطة والمال الفاسد ومشروع القهر وغياب العدالة الاجتماعية. وعلى مدى شهور العام الفائت دخلت الثورة المصرية منحنيات حادة وتكالبت عليها قوى الثورة المضادة وكادت أن تسقط تحت سنابك جحافلها التي لم تتوقف عن توجيه الضربات إليها بين كل فترة وأخرى تطارد ثوارها وتحاصرهم وتدفعهم إلى الاستشهاد دفاعا عنها في الميادين والشوارع والطرقات وتقدم حرائر مصر الثمن من شرفها جراء تمسكهن بجوهرها والإصرار على بقائها نقية بهية عفية. إن الثورة المصرية ولدت لتبقى. لتظل إِشعاعا لمحيطها القومي والإقليمي ولتعيد صياغة ملامح الوطن بعيدا عن الخنوع والتبعية والسقوط في مستنقع البلادة السياسية مثلما كان الحال عليه في زمن مبارك. هي لم تكتمل بعد لكن مشروعها مازال قويا صامدا قادرا على الفعل المؤثر ولعل الإشارات التي تجلت بنهاية العام المنصرم متمثلة في إجراء أول عملية انتخابات وفق المحددات الديمقراطية الصحيحة وقواعد الشفافية والنقاء التي غابت عنا طولا تبعث على الاطمئنان على زمنها الآتي المفعم بالحرية والزاخر بالعدالة الاجتماعية واستقلالية القرار الوطني وللحديث بقية. السطر الأخير: في المدينة الزرقاء أهيم بالطرقات أبحث عن صبية عفية تدفع عنها الخوذات وركض الجند المبهورين بأحذيتهم الثقيلة وعلاماتهم الحمراء قلت لها: أيتها القيامة الأيقونة القادمة امنحينا رائحة عطرك الطالع من فرط الضربات اسكني فينا علمينا وقع الموسيقى تنبع من دموعك السافرات كوني وقودا لزمن الثورات

457

| 02 يناير 2012

مخاوف غير مبررة من صعود الإسلاميين في مصر

ثمة مخاوف وهواجس من جراء تصدر التيار الإسلامي بجناحيه: حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي للمشهد السياسي المصري في ضوء النتائج التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب إلى الحد الذي أخذت تحذر فيه بعض الدوائر من تداعيات قد تطال بعض مناحي الحياة خاصة في قطاعات السياحة والاقتصاد والمصارف والفن والنوادي الخاصة بكبار الأثرياء مما دفع بعضهم إلى التهديد -وفقا لتقرير لوكالة الأنباء الفرنسية – بالهجرة إلى خارج مصر خوفا من أن يؤدي صعود الإخوان والسلفيين إلى سدة الحكم لتغيير نمط الحياة في مصر واختفاء نوادي الطبقات الغنية وأسواق السلع الفاخرة فضلا عن التخوف من فرض الحجاب ورفض أي مظاهر للثقافة الغربية. وفي المقابل فإن العقلاء من المتابعين للعملية الانتخابية المصرية – ويعتبر كاتب هذه السطور نفسه منتميا إليهم - لم يروا مبررا لهذه المخاوف والهواجس والتي صاحبتها مبالغات من قبل اتجاهات معروفة بليبراليتها المفرطة وارتباطها على نحو شديد بالتوجهات الغربية مستندين إلى أن ما جرى هو إفراز عملية اقتراع مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والشفافية على نحو غير مسبوق في التاريخ المصري فضلا عن مشاركة واسعة لم تتحقق منذ العصر الفرعوني على حد تعبير رئيس اللجنة العليا للانتخابات المستشار عبد المعز إبراهيم بلغت 60 في المائة. أي أن هذه النتائج التي حصل عليها الإسلاميون جاءت تعبيرا عن إرادة شعبية لمنحهم الفرصة لتطبيق رؤاهم التي جسدها خطابهم السياسي والإعلامي على مدى الأشهر التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير . وما يلفت الانتباه في هذا السياق هو موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر والذي لم يعلق على تصدر الإسلاميين للمشهد الانتخابي حتى الآن ويرجع المراقبون هذا الصمت إلى ما أعلنه المجلس مرات عديدة خلال الأشهر القليلة الماضية بأنه يقف من جميع القوى السياسية والحزبية بمسافة واحدة وأنه يترك الأمر لصناديق الاقتراع بيد أن ذلك لم يحظ برضا بعض الدوائر التي سارعت إلى القول بأن ثمة صفقة في المسألة يترك العسكر البرلمان للإخوان والسلفيين مقابل حصوله على رئاسة الجمهورية سواء عبر مرشح يمثله بشكل مباشر أو مرشح يحظى بدعم المؤسسة العسكرية وقد راجت مقولة الصفقة بين الإسلاميين والمجلس العسكري منذ اختيار المستشار طارق البشري القانوني الشهير ذي المرجعية الإسلامية لترؤس لجنة تعديل الدستور والتي ضمت بين أعضائها لأول مرة قياديا بجماعة" الإخوان المسلمين " والملاحظ أن العلاقة بين العسكر والجماعة شابها بعض التوتر في أعقاب صدور وثيقة السلمي والمتعلقة بالمبادئ فوق الدستورية والتي هاجمها الإخوان بقوة على خلفية ما تضمنته من امتيازات للجيش في العملية السياسية القادمة في مصر وهو ما اعتبره الإخوان وقوى سياسية أخرى بمثابة حصوله على وضعية دولة داخل الدولة ولكن الجماعة ومعها الجماعات السلفية لم يشاركوا في الاعتصامات والمليونيات التي نظمت بميدان التحرير في أعقاب العنف الذي شهده الميدان وشارع محمد محمود المؤدي إلى مبنى وزارة الداخلية والتي أعقبت مليونية 18 نوفمبر التي نظموها بعد رفض وثيقة السلمي ومن الضروري بل الملح في تقديري أن تسارع رموز التيار الإسلامي خاصة تحالف الأحزاب السلفية إلى بث رسائل اطمئنان إلى الشارع المصري بشرائحه المتعددة ولعل ذلك ما بدأه حزب الحرية والعدالة وبعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين وفي هذا السياق فإن ما طرحه الدكتور محمد مرسي رئيس حزب العدالة والحرية مؤخرا يمثل بداية موفقة لكنها تتطلب الاستمرار لوأد المخاوف التي تغذيها قوى مازالت تسعى إلى تقديم التيار الإسلامي بحسبانه الفزاعة التي تخيف دوائر في الداخل والخارج وهي حجة نجح نظام حسني مبارك في ترويجها واللعب عليها بشكل محكم . ففيما يتصل بالأقباط فإن الدكتور مرسي يؤكد أنهم أصحاب أرض مثل المسلمين وهم يشكلون النسيج الوطني للبلاد منذ 1400 عام، موضحًا أنه يرتبط بعلاقات قوية مع زملاء دراسة وعمل وأساتذة جامعة وغيرهم من الأقباط لافتا إلى أن ما يتردد بشأن مخاوفهم قديم وقد ردت عليه جماعة الإخوان المسلمين غير مرة عبر إصدار بيانات وتوضيحات متعددة مبدياً استعداده للجلوس مع أي من رموزهم من أجل توضيح الحقائق مؤكداً أن الإسلام سيوفر للأقباط الحماية لأن الله أمر بذلك، وقال" إنه لا يوجد في الإسلام ما يسمى بالدولة الدينية "الثيوقراطية" ذات المفاهيم الغربية ومن ثم فإن الأقباط لم ولن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية. ويؤكد مرسي أن الإخوان حريصون على مصلحة الشعب، و "نحن لا نقرر الحرام والحلال، كما أننا لا نتحدث إلا في عموم الإسلام فقط، فالأزهر هو المؤسسة الرسمية التي من حقها التحدث في الفتاوى والفقه". وحول مجال صناعة السينما، يلفت مرسي إلى أنها متراجعة منذ مئات السنين فالأفلام المصرية لا تعالج مشكلة أو تتناول قضية وطنية وليس لها هدف مثل الأفلام الأمريكية -مشيداً بأفلام السبعينيات وأغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب. كما أوضح أن السياحة مجال إنتاجي وليس للمتعة فقط، مضيفاً: "نريد أن يصل عدد السياح إلى 50 مليون سائح في العام"، مؤكداً أن الإخوان لن يغيروا شكل الدولة . ويتطلع حزب الحرية والعدالة - وفقا لبياناته الرسمية - إلى أن تفضي العملية الانتخابية في مصر إلى تشكيل برلمان متوازن يعبِّر عن مختلف فئات الشعب المصري مؤكداً على أن المهمة الأولى بالرعاية في مصر الآن التعاون بين الجميع، والتحلي بروح المسؤولية للعبور بالبلاد من المرحلة الانتقالية بهدف تأسيس جديد لمؤسسات الدولة المصرية جميعها موضحا أن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، أظهرت قدرة الشعب المصري على العبور إلى مرحلة بناء مؤسسات الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة . على أي حال لن يصل الأمر في مواجهة تداعيات ما يبدو أنه مخاوف من صعود الإسلاميين إلى صدارة البرلمان المصري القادم بمجلسيه: الشعب والشورى. إلى حد سعي المؤسسة العسكرية أو قوى نافذة أخرى في المشهد المصري إلى إجهاض هذا الصعود تحسبا لتجنب تكرار التجربة الجزائرية عندما وقف الجيش ضد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بانتخابات العام 1991 وهو ما أفضى إلى نشوب وضع أشبه بالحرب الأهلية ما زالت الجزائر تدفع ثمنها من استقرارها ووحدتها الوطنية. السطر الأخير: أطارحك مواسم عشقي تنسكب عطرا بآزار ونيسان أتخلق فيك شعرا تتهادى أسفارك وجدا بالوديان أبوس الربيع المغزول برائحتك فأنجو من سطو السيول وصقيع الأزمان تسافر جروحي. يغادرني جوع يسكنني دفء ويقين وشوق وشجر زيتون ورمان [email protected]

420

| 12 ديسمبر 2011

المحروسة: المقاربة المطلوبة

ثمة التباس يسود المحروسة فلا أحد يدرك محددات المقاربة المطلوبة للخروج بها من حالة الالتباس وإلى أي درجة ما التعقيد التي باتت تهيمن على مشهدها السياسي على نحو أعاد تجليات هذا المشهد إلى المربع الأول الذي سبق ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث الاستقطاب الحاد من قبل السلطة المتحكمة في مفاصل الدولة والتنائي بينها وبين الشعب واللجوء إلى آلية القتل الممنهج مما أسفر عن سفك دماء شباب طاهر رأى أن ثورته تكاد تجهض أمام عينيه من قبل فئات عديدة بعضها في السلطة وبعضها الآخر يتحرك في الخفاء بينما يتلقى البعض الآخر تعليماته من الخارج حتى لا تستعيد المحروسة حيويتها المعهودة القادرة على تغيير المعادلات الإقليمية التي خرجت منها قبل أربعين عاما مع تولي أنور السادات السلطة في العام 1970 وأعقبه حسني مبارك بعد مقتله في العام 1981. إن كل الأطراف في المحروسة مسؤولة بشكل أو بآخر عما يجري من التباس وتعقيد وشعور بضياع ثورة الخامس والعشرين من يناير على النحو الذي أوشك أن يجردها من مضامينها الحقيقية ويفضي بها إلى كونها مجرد انتفاضة تمكنت من إسقاط رأس النظام وبعض من رموزه ووضعهم أما في السجن المرفه بطرة أو الإقامة بجناح رئاسي بمستشفى عسكري فندقي مما شكل نوعا من الاستفزاز لمن فجروا الثورة. فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة وربما دون أن يقصد تعامل بقدر من البيروقراطية بعيدا عن متطلبات الثورة والشارع دون أن يولى للشرعية الثورية التي استند إليها تكليفه بمسؤولية إدارة البلاد مما عمَّق من المسافة بينه وبين الشارع ولاشك أن هذا السلوك لم ينطو على سوء نية لكنه عكس محدودية خبرة وعدم إلمام بمفردات اللعبة السياسية فضلا عن حرص مبالغ فيه على التمسك بمبدأ الوقوف على مسافة واحدة من جميع مكونات الداخل مما جعله يتعامل مع نتوءات النظام السابق بنفس محددات تعامله مع القوى الثورية المحملة بأشواق التغيير وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بالإضافة إلى الوقوع في بعض الأخطاء التكتيكية وليست الإستراتيجية وفق التعبير العسكري في تعامله مع أحداث ماسبيرو والعباسية ووقائع الفتنة الطائفية التي توالت على مدى عدة أشهر بعد توليه ملف إدارة البلاد. ولعل الأخطاء التي ارتكبتها حكومة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء أسهمت في تأزيم الوضع في المحروسة, فقد منحها الشارع ثقة شديدة الاتساع بحسبانها حكومة تستند إلى شرعية الميدان التحرير الذي شهد تعميد رئيسها في شهر مارس المنصرم قبل أن يبدأ مشاوراته لتشكيلها ولكنها بدت تتحرك وكأنها بطة عرجاء غير قادرة على تحقيق اختراقات جوهرية تترجم من خلالها الأحلام التي صاغتها لنفسها بعد حلف وزرائها اليمين الدستورية وكانت تصب في منحى يقود إلى أن يقيل المواطن من عثراته الاجتماعية والاقتصادية والتي للأسف تفاقمت على نحو أكثر وطأة في حياته اليومية عما كان سائدا قبل ثورة يناير مما جعل الكثيرين يعلنون كفرهم بالثورة وقد استمعت شخصيا لكثير من التعليقات الحادة التي تؤكد هذا المعنى من فئات شعبية عديدة رحبت في البداية بالثورة وكانت تنتظر من حكومتها الانحياز لمتطلباتها لكن حكومة شرف بدت عاجزة عن تلبية هذه المتطلبات بل أسهمت بسياساتها غير الواضحة والمرتبكة والمرتعشة في تفاقم الواقع الاجتماعي للمواطن المصري خاصة الشباب الذي ارتفعت معدلات البطالة في أوساطه, ولم تنجح في هيكلة الأجور والمرتبات وفرض ضرائب تصاعدية على أصحاب الثروات يعيد التوازن إلى الواقع الاجتماعي والذي اهتز واهترأ خلال الأربعين عاما المنصرمة. ويمكن القول إن عجز حكومة شرف عن تحقيق معادلة العدل والحزم أفقدها الكثير من التعاطف الشعبي خاصة مع الخطاب الرخو لرئيسها الدكتور عصام شرف بالرغم مما يتسم به من طيبة قلب وصفاء نية وبشاشة وجه لكن السلطة تتطلب قدرا من الحزم والقدرة على الحسم وإصدار القرار المناسب في الوقت المناسب صحيح أن الصلاحيات التي منحت لشرف وحكومته اتسمت بالهشاشة وهو ما كان يشكو منه لبعض المقربين منه بيد أنه كان بوسعه أن يعود إلى ميدان التحرير- حسبما وعد يوم أن توجه إليه لأول مرة - ليعلن عدم قدرته على الانجاز لأنه مكبل لكنه يبدو لي أن شرف قبل بالمنصب وابتهج لأن يكون أول رئيس وزراء لحكومة الثورة دون أن يفكر في جوهر المهمة الوطنية التي أوكلت إليه وتعامل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم على نحو أعاد للأذهان وضعية "السكرتارية" التي كانت تتعامل بها الحكومات السابقة مع الرئيس السابق حسنى مبارك. أما القوى السياسية فإن أبرز أخطائها يتجسد في دخولها بوتيرة متسارعة دائرة الانقسام والتشظي الأمر الذي أضفى عليها حالة من الوهن وضعف القدرة على التأثير في مسار التطورات فضلا عن التحرك ليس باتجاه المصلحة العامة وإنما في اتجاه يخدم المصالح الخاصة وفي مقدمتها السعي بكل قوة لامتلاك ناصية السلطة في المحروسة وهو وإن كان سلوكا مشروعا يتطلب بداية التوافق أو الحد الأدنى منه لإخراجها من سلسلة من المعضلات التي تراكمت وأدت إلى الانفجار الأخير. أما الثوار فلهم المجد كل المجد بيد أنهم مطالبون بقدر من العقلانية التي يتعين أن تحكم فعلهم الثوري المطلوب في المرحلة الراهنة حتى لا يبدو أنهم حريصون على الدخول في مواجهات وصدامات مع الجميع ورفض الجميع صحيح أن صوتهم يجب أن يبقى في الدائرة العليا لكن ثمة أصواتا أخرى في المحروسة لا ينبغي تجاوزها أو إهدار إمكاناتها وفي صدارتها المؤسسة العسكرية التي انحازت لثورة الشعب وحمتها من جلادي مبارك وبدلا من التعرض لها على نحو مكشوف فإنه يمكن محاورتها ومطالبتها بتصحيح سلوكها وتصرفاتها وقراراتها وهى بدورها مطالبة بالاستماع إلى صوت شباب المحروسة الثائر وإعلاء قيمتهم والتخلص من حالة البطء التي تسود قراراتها والتي تأتي متأخرة عن استحقاقاتها في بعض الأحيان وفي مقدمة ما يتعين أن تبادر المؤسسة العسكرية به هو محاكمة المسؤولين عن مقتل عشرات شباب المحروسة في الأحداث الأخير وأن تعلن أسماء من أصدر أوامر التعامل بالقوة المفرطة في بعض الأحيان مع الثوار والمعتصمين وفي تقديري أيضا هي مطالبة بتقصيره الفترة الزمنية المحددة لانتقال السلطة إلى المدنيين فلماذا الإصرار على الثلاثين من يونيو فألا يمكن تقديمها إلى مارس مثلا, إنني أدرك أن ثمة معوقات متصلة بالإجراءات الدستورية وضرورة توافر الحد الأدنى من البيئة القانونية والسياسية المواتية, لكن بالإمكان امتصاص غضب وثورة الشباب والإسراع بنقل السلطة إلى الحكم المدني اعتمادا على صناديق الاقتراع والتي ستبدأ أولى مراحلها اليوم السطر الأخير: المدينة مشتاقة لـ "الحلم والقيامة سرابيل بنيها مزدانة بالمطر أسوارها راحت تدكها العصافير فانبجست عتمتها غادرتها إلى القمر [email protected]

312

| 28 نوفمبر 2011

الأسد والأرنب

ثمة فرصة أهدرها النظام السوري بعجزه عن التجاوب الحقيقي مع المبادرة العربية أو بالأحرى خطة العمل العربية التي تم إقرارها قبل حوالي الأسبوعين من قبل وزراء الخارجية العرب فضلا عن سعيه الدؤوب إلى تجريدها من جوهرها على نحو يجيرها لخدمة توجهاته الرامية إلى استمرار آلة القتل للشعب والتدمير لبنيته التحتية في العديد من المدن التي صارت رمزا للمثابرة والمكابدة. كان بوسع رموز النظام القبول بهذه الخطة على نحو يكفل انتقالا آمنا للسلطة ويحافظ على وحدة سوريا أرضا وشعبا خاصة أنها طرحت بنودا من شأنها أن تسهم في احتواء الأزمة المتصاعدة منذ أكثر من ثمانية أشهر بيد أنهم من فرط ثقتهم في الذات المتضخمة من الأساس لم تتوافر لديهم الرغبة الحقيقية في التعامل مع مفرداتها رغم الإعلان الرسمي بقبولها والحرص على تطبيقها فمضوا في غيهم سادرين نحو المناورة والالتفاف على بنودها وهو ما يعني عمليا إجهاضها. أظن أنه كان بمقدور القيادة السورية على الأقل أن تطرح جدولا زمنيا لتطبيق بنود الخطة العربية خاصة فيما يتعلق ببدء الحوار الوطني مع قوى المعارضة والإسراع بسحب الآليات العسكرية من المدن والأحياء التي انتهكت حرماتها وإطلاق سراح آلاف المعتقلين والاستجابة السريعة لنفر من المراقبين لمتابعة تنفيذ هذه الخطوات وذلك كان يمكن أن يشكل مدخلا لتغيير حقيقي ينهض على مرتكزات سلمية من خلال فتح الباب أمام إجراء انتخابات برلمانية ثم رئاسية بعد مرحلة انتقالية تدار بحكومة مؤقتة من كافة التيارات السياسية بدلا من أن تتجه الأمور قسرا إلى إعادة إنتاج الأسلوب الليبي الذي انتهى إلى مقتل القذافي بطريقة عكست حالة الكراهية والرغبة في الانتقام من تراكم ممارساته القمعية رغم اختلاف ملابسات الحالة السورية. إن الرئيس بشار الأسد أبدى قدرا من الذكاء في بداية توليه السلطة وفق نظرية التوريث والتي فرضت عبر منطق العصا والجزرة من قبل والده الرئيس الراحل حافظ الأسد عندما أعلن أنه بصدد الدخول في العصر الديمقراطي والتغيير ومحاربة الفساد ولكنه سرعان ما استجاب لضغوط أركان الأسرة والنظام الذي صنعه والده على جماجم السوريين فأخفق في تحقيق تحولات نوعية على صعيد بناء نسق مغاير في العلاقة مع الشعب واحترام حقوق الإنسان والانتصار للحرية والعدالة والكرامة ولم يستجب مطلقا لنداءات من الداخل والخارج كانت تحثه على قيادة تحولات حقيقية في سوريا وتجلت رغبته في القطيعة مع هذه التحولات بعد أن تفجرت ثورة الشعب السوري والتي لم يلامس مطالبها بل بدا وكأنه لا يستمع إلى صرخات الحرية والكرامة التي خرج يعبر عنها هذا الشعب بكل أطيافه وسعت آلته الإعلامية إلى إعادة إنتاج خطاب المؤامرة الخارجية الصهيونية والإمبريالية. كان بإمكانه أن يتجاوب مع هذه الصرخات والتأوهات التي طلعت من قلوب ووجدانات وعذابات الناس التي انتظرت أن يقودها بشار إلى زمن مغاير. غير أنه التفت عنها وصادرها وبعث بعسسه وبصاصيه ليقتلوا الناس في مدنهم وقراهم وليس ثمة ما يمنع من فقء عين شاعر أو سحب حنجرة مغن أو قطع يد رسام أو تغييب ناشط إلى الأبد عن ذويه. ولحظة أن جاء الخلاص إلى بشار ورموز حكمه على يد الأشقاء العرب الذين تجاوبوا مع صيحات أبناء سوريا التي كانت تتساءل دوما: أين العرب لم يستوعب الرسالة وبدا لي الأسد أشبه بأرنب تتجه بمحض إرادتها إلى فوهة بندقية الصياد المرابض بالغابة انتظارا للحظة المواتية. وما أقصده بالصياد هنا هو عامل التدخل الدولي أو التدخل الإقليمي أو الانقلاب العسكري فمع تفاقم الأمور في سوريا من جراء تواصل عمليات القتل والذبح ضد الشعب ومع عجز النظام الإقليمي العربي عن القيام بخطوات حقيقية للضغط على نظام بشار فإن الخيار الدولي قد يصبح متاحا عبر مجلس الأمن الدولى وقد لا يترك لمؤيديه في موسكو وبكين المجال للاستمرار في الدفاع عنه وحمايته وفي الآن ذاته فإن تركيا قد تفتح الباب أمام الجيش الحر المنشق عن الجيش الرسمي لتشكيل منطقة عازلة على الحدود مع البلدين يتخذ منها نقطة انطلاق لهجمات يوجهها نحو أهداف حيوية في النظام مثلما حدث يوم الأربعاء الماضي عندما هاجمت جماعات تنتمي للجيش الحر تجمعا للمخابرات في دمشق في تطور نوعي لهجمات هذا الجيش أو قد يشعر بعض الضباط الكبار بوخز من الضمير بعد كل هذه الدماء التي تسبب فيها استخدام الجيش في مهمة حماية النظام بدلا من قيامه بمهمته الحقيقية في تحرير الجولان المحتلة منذ ما يقرب من ثلاثة وأربعين عاما فيسارعون إلى حسم الأمر من خلال انقلاب عسكري ينهي حكم بشار للأبد بل وقد يحاكمونه مع رموزه. وكل هذه الاحتمالات تشكل على نحو أو آخر مخاطر جمة على سوريا لا نحبذ أحدا منها ومن ثم فإن الخيار الأمثل يكمن في الإسراع إلى التجاوب مع الخطة العربية ولكن هل فات أوان ذلك؟ لا أظن رغم أن الفترات الزمنية التي حددها وزراء الخارجية العرب لاستجابة دمشق لمحددات هذه الخطة أوشكت على النفاد إن لم تكن قد نفدت بالفعل فثمة مرونة يتسم بها النظام العربي فهو يتعامل في هذه الحالة مع دولة وشعب عربي ومن ثم فإن النظام مطالب بالإسراع في القبول بآلية حماية المدنيين السورية التي قررت الجامعة العربية إرسالها لمراقبة الأوضاع ميدانيا وعلى الأرض والالتزام بكل الضمانات التي طلبتها الجامعة العربية لحماية العناصر التي تتكون منها هذه الآلية والذين يقدر عددهم بنحو 500 شخص من ممثلي منظمات المجتمع المدني والعسكريين والإعلاميين. إن النظام الإقليمي العربي يبدي حرصا حتى الآن على ممارسة الضغوط السياسية والدبلوماسية ضد النظام السوري من قبيل تعليق مشاركة وفوده في اجتماعات الجامعة العربية ومؤسساتها وسحب السفراء من دمشق فضلا عن حزمة من الإجراءات العقابية على الصعيد الاقتصادي والاستثماري لكن صبره قد ينفد مع ضغوط الشارع السوري سواء في دمشق أو في القاهرة حيث يحاصر المعتصمون مقر الجامعة العربية ولا تتوقف هتافاتهم المطالبة بالتدخل لحماية المدنيين لحظة واحدة. وفي هذه الحالة فإن النظام في دمشق سيكون وحده مسؤولا عن التداعيات الخطيرة والتي ستنتهي حتما بسقوطه بطريقة غير سلمية فهل يفتح بشار عينيه ويدقق في المعطيات المحيطة به وأهمها أن الشعب تخلى عنه وأن من يزعمون أنه يناصرونه فهم لا يفعلون ذلك إلا تحت وطأة عسسه وبصاصيه الذين يحكمون البلاد بالحديد والنار السطر الأخير: أخذتني ريحك إلى بلاد مغزولة بالياقوت والمرجان مدنها لؤلؤ قراها استبرق حدائقها سندس فتان سكنتني براءتها ارتميت بدفئها المعهود عانقت حنطتها اكتتب بأسهم عينيها فخاصمني الخسران [email protected]

579

| 21 نوفمبر 2011

محاولة لفهم مفردات المشهد البحريني

كنت حائرا في محاولة فهم الحالة البحرينية بعد أحداث الرابع عشر من فبراير الماضي والتي نظر إليها البعض بحسبانها جزءا من مفردات الربيع العربي بينما نظر إليها البعض الآخر ضمن سياق الصراع الطائفي الداخلي والتدخل الإقليمي ولم أكن – بصراحة – قادرا على تحديد رؤية خاصة لي تجاه هذه الأحداث غير أنني التقيت بالقاهرة قبل أيام مع الدكتور حسن موسى الشفيعي رئيس مرصد حقوق الإنسان في البحرين، زودني بمعطيات مكنتني من تكوين قسمات وملامح يمكن اعتبارها موضوعية نزيهة وشفافة حول المشهد البحريني وما زالت تداعياته مستمرة. وقد سألته في البداية عن تقييمه لأحداث الرابع عشر من فبراير في ضوء قراءته لمجرياتها حتى الآن فسارع إلى القول الأمر بات يستوجب من كل اللاعبين السياسيين بالمملكة اتخاذ خطوات جريئة باتجاه تقييم مواقفهم وخطابهم السياسي وهو يعني بهم كل الأطراف وفي مقدمتهم السلطة وقوى المعارضة والقوى التي تمثل الأغلبية السنية والتي تتمثل في تجمع الوحدة الوطنية ووفق تقديره الشخصي فإن كل هؤلاء أخطأوا على نحو أو آخر. فالسلطة أخطأت عندما تعاملت مع المسيرات والتظاهرات بدرجة عالية من القسوة وهو ما تسبب في سقوط ضحايا وبهذا الخطأ فإن السلطة خدمت أغراض القوى المتشددة في المعارضة . وبدورها أخطأت المعارضة المتمثلة أساسا في جمعية الوفاق الوطني من خلال رفضها لمشروع ولي العهد بالحوار الوطني مع بداية الأحداث بعد أن عرض عليهم مجموعة مبادئ تتجاوب مع أغلبية المطالب الشعبية ومطالب قوى المعارضة غير أنها للأسف تلكأت ولم تقبل الدخول في الحوار المباشر مع ولي العهد. كما أخطأت المعارضة عندما فقدت قيادة الشارع وانساقت معه فعوضا عن أن تقوم بقيادته أصبح هو يقودها إلى درجة أنها لم تقف ضد المطالب التي تبنتها بعض التيارات المتشددة المحسوبة عليها من قبيل إسقاط النظام الملكي وإقامة نظام جمهوري. ثم أخطأت المعارضة من جديد عندما لم تندد بالعنف وأحداث الشغب والمواجهات التي كانت تجري في بعض مناطقها تحديدا المناطق الشيعية ضد قوى الأمن كما ارتكبت المعارضة خطأ استراتيجيا عندما انساقت مع تظاهرات الأجنحة المنتشرة في المعارضة حيث قادت تظاهرات شيعية نحو القصر الملكي ومنطقة الحكم المعروفة بقصر"الصافرية" وأظن أن هذا المشهد بالذات بعث برسائل إلى القوى السنية بأن ثمة تهديدا حقيقيا وجديا ضد النظام السياسي في البحرين والاستقرار والعائلة المالكة مما دفعها إلى القيام بانتفاضة شعبية ضخمة كبرى لكي تجهض هذا التهديد وتمثلت هذه الانتفاضة في ظهور قوى سياسية جديدة في المشهد البحريني تتمثل في تجمع الوحدة الوطنية. وأخطأت المعارضة من جديد عندما انسحبت من العملية السياسية برمتها وأخرجت ممثلها من البرلمان ومن هنا انقطعت كل وسائل التواصل بينها وبين السلطة وهى بذلك تبدو وكأنها تريد أن تقول للسلطة نحن مع تغيير النظام وليس إصلاحه وقد قادت هذه المعطيات كما يقول الدكتور الشفيعي إلى انقسام الشارع البحريني إلى سني وشيعي وهذا خطأ آخر ساهمت فيه كل الأطراف السياسية مما أدى إلى تمزق النسيج الوطني وأدخل البلاد في نفق الطائفية وهو ما تجلى في خطاب كل من المعارضة الشيعية والقوى السنية التي ظهرت في الساحة وحدث هذا عندما لم تبذل المعارضة أي جهد من أجل خلق توافق وطني مع القوى السنية على المطالب السياسية وكانت تعتقد هذه القوى بأنها قادرة على ممارسة الضغط على الشارع لإجبار النظام على تقديم تنازلات بما يؤهلها لفرض مطالبها على السنة وفي الوقت نفسه ساهم التحريض الإعلامي الخارجي وبالتحديد من القنوات الفضائية الشيعية. ولكن لماذا تبدو بعض ملامح المشهد وكأن ثمة انسدادا في الأفق في العلاقة بين السلطة والمعارضة؟ متحدثي يرى أن هناك عدة أسباب لعدم توافق قوى المعارضة على خلق إجماع وطني على مطالبها السياسية مع القوى الأخرى وهو ما أدى إلى تداعيات العنف والتخريب والشغب فضلا عن تمزق الجسم الوطني البحريني ودخول الطائفية المذهبية في المشهد السياسي في المقابل فإن القوى السنية لم تسع للتقارب مع الشيعة وهو ما أظهره في الوحدة الوطنية المتمثلة في صورة اللامهتم بالتداعيات الناتجة عن أحداث الرابع عشر من فبراير تتصل بانتهاكات حقوق الإنسان مثل وفاة عدد من المحتجزين الشيعة في المعتقلات والذين نشرت صور واضحة تؤكد تعرضهم لسوء معاملة وتعذيب شديد القسوة فضلا عن عدم الدفاع عن الأخطاء التي وقعت كفصل مئات من الشباب الموظفين والعمال بالقطاعين العام والخاص بتهم مشاركتهم في التظاهرات وإلغاء بعثات التعليم لعدد آخر من الشباب وهذه الاخطاء والتي تعد وفقا لدستور البحرين والقانون الدولي الإنساني انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان أشعرت الضحايا بأن تجمع الوحدة الوطنية غير معني بها مما كرس الانقسام الوطني في المشهد السياسي البحريني. وفى تقديره أنه كان يتعين على التجمع بصفته ممثلا للسنة أن يتبنى موقفا محددا ضد تلك الانتهاكات التي وقعت ويدافع عن الضحايا الذين سقطوا وهي أخطاء باتت معروفة وواضحة خاصة أن الملك حمد بن عيسى عاهل البحرين أعلن عنها في عدة خطابات موجهة للشعب كان آخرها في أغسطس الماضي عندما ذكر بأن هناك أخطاء ارتكبت، ووجه الدولة والحكومة بالقيام بالخطوات القانونية واتخاذ الإجراءات الضرورية بتحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ وتعويض الضحايا بما يلزم وفق القانون، كما اعترف الملك بهذه الأخطاء عندما قرر تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق في شأن أحداث البحرين برئاسة الخبير القانوني الدولي الدكتور محمد شريف بسيوني ومنحها صلاحيات واسعة وحدد لها مجالات عديدة لكي تقوم بمهامها وفي الوقت نفسه فإن الملك أمر بتشكيل صندوق وطني بتعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الذين سقطوا منذ 14 فبراير وحسب قناعتي فإن النظام عبر هذه الخطوات يبدو وكأنه أجرى عملية تقييم للأخطاء التي ارتكبت من قبل بعض الأجهزة الرسمية وتحملت الدولة المسؤولية وهي رسالة في الآن ذاته للمعارضة وغيرها بأن تقوم بدورها بتقييم خطواتها ومراجعة الأخطاء التي ارتكبتها في إدارتها للأزمة سواء أكانت قوى المعارضة الشيعية أو السنية. ويلفت الدكتور الشفيعي في ختام قراءته إلى أن ثمة إمكانية متوافرة لتجاوز الأزمة البحرينية لكن من الضروري أن يتم تنفيذ عدد من الخطوات الضرورية في صدارتها العمل على تعزيز الثقة المفقودة بين قوى المعارضة والسلطة وذلك بدوره يتطلب القيام بإجراءات وتوجيه رسائل واضحة من قوى المعارضة أولها ألا تسعى لإسقاط النظام وإنما إصلاحه والحفاظ على استقرار البحرين وثانيا الوقوف ضد كل من يسعى أو يحاول أو يخطط أو يحرض على النظام وثالثا أن ترفض كل التدخلات الخارجية السلبية والتحريضية ضد الاستقرار السياسي وعدم الاستقواء بالخارج سواء على الصعيد السياسي أو الإعلامي ورابعا أن تسعى بجدية لخلق توافق وطني على جميع المطالب السياسية لأنه من دون التوافق الوطني لا يمكن تحقيق تقدم جوهري في المشهد السياسي البحريني بحيث لا يسعى أي طرف إلى فرض مطالبه أو مواقفه على الآخر خامسا أن تسعى قوى المعارضة نحو تعزيز الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية واعتماد خطاب وطني بما يعزز من ترابط كل فئات الشعب البحريني وسادسا ألا تقطع قوى المعارضة تواصلها مع السلطة والقوى الأخرى وتعمل على الدخول في العملية السياسية من خلال عملها ضمن المؤسسات الدستورية القائمة لأن المقاطعة لا تخدم أي طرف. هذا على مستوى قوى المعارضة أما بالنسبة للحكومة فهي مطالبة أولا بأن تسعى إلى تعزيز الثقة فيها عبر معالجة الأخطاء التي ارتكبت والمتعلقة بحقوق الإنسان من قبل الأجهزة التنفيذية وذلك من شأنه أن يترك تأثيرا إيجابيا على عوائل الضحايا ويساهم في تطييب الخواطر. وثانيا: أن تعمل على استيعاب قوى المعارضة في الجسم الرسمي لأن النظام السياسي الواثق من نفسه لا يخشى من التقارب مع الطرف المختلف معه وهذه الخطوة بالذات ستعمق من فهم السلطة لقوى المعارضة وثالثا الحكومة مطالبة بالسعي إلى فتح حوار مع القوى المعارضة المتشددة التي تطالب بإسقاط النظام وأظن أن هذه الخطوة من الضرورة بمكان من أجل استقرار البحرين على المدى البعيد لأنه ليس من صالح البلاد. [email protected]

533

| 14 نوفمبر 2011

من منا لا يعشق سوريا ؟!

أذكر أنني في أول زيارة لي للشام في يونيو من العام 1991 وقعت في غرامها فور أن وطأت قدماي أرضها وما كتبته في الزميلة الراية آنذاك شاهد على هذا الغرام الذي بدأ بالقراءة والمتابعة وانتهى برؤية العين المجردة وهو ما منحه التوهج لعشقي لها والذي ما زال يرافقني حتى اللحظة وأظنه أنه لن يغادرني . بيد أن سوريا الوطن الشعب ليست هي سوريا النظام وإن كنت لم أختلف معه قبل تفجر ثورة الشعب قبل ثمانية أشهر بسبب توجهاته القومية ووجوده على خط المواجهة الأول مع الكيان الصهيوني وقيادته لتيار المقاومة أو بالأحرى الممانعة على مدى العقود الأخيرة وإن لم يشارك على نحو مباشر في أي مواجهة مع الكيان وبالذات في مرتفعات الجولان التي ما زالت خاضعة للاحتلال منذ يونيو في العام 1967 ومن ثم فإن الخلاف مع النظام - لاسيما نظام بشار الأسد - لا يعني مناهضة سوريا المكان والمكانة الشعب والوطن وهو ما يعني أنها تتربع في قلوب أبناء العروبة جيمعا وأظن أن ذلك هو السر في الحرص عليها من قبل أشقائها العرب واندفاعهم في حميمية لمساعدة الحكم على التخلص من ورطته التي أدخل نفسه فيها منذ إعلانه المواجهة مع شعبه الذي ثار مثله مثل شعوب المنطقة مطالبا بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية عبر تظاهرات سلمية اجتاحت مختلف المدن لكن بشار وبطانته رأوا أن ذلك لا يبنغي فليس من حق الشعب أن يطالب وإنما عليه أن يتلقى هبات الحكم ويتنفس من هوائه ولا يخرج أبدا عن النص المحدد له من قبل بشار وزبانيته من أشقاء وأصهار ورجال أعمال يمسكون بمفاصل الوطن ورقاب العباد وليس ثمة ما يمنع من خروج نفر يمارسون غواية. الهتاف للزعيم الذي لم يعد شابا بعد أن أصابته لعنة السلطة والاستمساك بها بل القبض عليها بالحديد والنار. لقد حدد الأشقاء العرب مبكرا جملة من الخطوات التسي رأوا أنها تمثل إنقاذا لسوريا من براثن السقوط فى هاوية الفوضى والاحتراب الداخلى وطلبوا عبر مبادرة أقرت فى اجتماع وزاري طارئ في شهر أكتوبر الماضى وتوجه الأمين العام للجامعة العربية إلى دمشق وقابل بشار الذي قدم له وعودا باتجاه حلحلة الأزمة لكن سرعان ما لفظ الواقع هذه الوعود واستمر النظام مطلقا قوات الجيش المعدة في الأساس لمواجهة الكيان وتحرير الأرض المحتلة ومعها قوات الأمن في مواجهة مع المتظاهرين السلميين فسقط الآلاف شهداء وجرحى ومقعدين فضلا عن الدمار الذي لحق بمنازلهم وممتلكاتهم وإصابة الوطن بحالة من الكآبة والاحتقان والبلادة وكرات النار التي لاتكف عن ملاحقة الأرض والعباد. ومع ذلك فإن العرب لم يسكنهم القنوط فقرروا تشكيل لجنة وزارية برئاسة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وتضم في عضويته وزراء خارجية مصر والسودان والجزائر والسودان وسلطنة عمان وتوجهت بعد فترة عناد وتحفظ إلى دمشق - يوم الأربعاء قبل الماضي - وخرج رئيس اللجنة ليقدم البشارة بأن ثمة أجواء ودية وصريحة سادت اللقاء مع الرئيس بشار وهو ما منح بعض الأمل فى مقاربة سورية لطروحات ومحددات المبادرة التي حملتها اللجنة والتي سرعان ما استكملت مداخلاتها بالدوحة يوم الأحد قبل الماضي . وجاء مساء الأربعاء الماضي محملا بعبير موافقة سورية على خطة العمل العربية التي تتضمن أربعة بنود رئيسية هي : وقف العنف ضد المحتجين وسحب الآليات العسكرية من الشوارع والإفراج عن المعتقلين والبدء في الإعداد لمؤتمر الحوار الوطني بين الحكومة ومكونات المعارضة السورية وسادت القاهرة في ذلك المساء الذي اتسم بطقس لطيف مناخات من التفاؤل الرسمي بيد أنه على المستوى الشعبي خاصة من قبل المعتصمين من أبناء الجالية السورية على الرصيف الملاصق لمبنى الجامعة كان الطقس ملبدا بالغيوم وسحب الغضب الذي ارتفعت صيحاته بعد الانتهاء من القاء بيان الاجتماع الوزراى منددة بما أسمته بصمت الجامعة العربية تجاه جرائم بشار ومطالبتها بإقصائه عن السلطة وإغلاق باب الحوار معه فلم يعم ثمة جدوى من الحوار ولكن يمكن التفاوض مع نظامه لتسليم السلطة وبحث ترتيبات رحيلهز صحيح أن ثمة أنباء وردت من دمشق عن بدء الجيش السوري في الاستعداد للانسحاب من المدن والبلدات وأن هناك خطة متدرجة للإفراج عن المسلحين لكن المعضلة تكمن في أن ثمة انعدام ثقة في طروحات النظام التى يمكن اعتبارها - وفق رؤية دوائر معارضة ومحللين سياسيين – محاولة لكسب الوقت ونوعا من المناورة الالتفافية واستجابة مؤقتة للضغوط العربية والإقليمية والدولية لكن جوهر استراتيجية النظام يظل كما هو بعيدا عن أي مقاربة للتبديل والتغيير وهنا تتجلى ملامح الخطر لأن الخطة العربية غير قابلة ل "اللف والدوران "والتعبير للشيخ حمد بن جاسم الذي دعا إلى التطبيق الجاد والفوري لبنودها وذلك ليس من باب الأوامر -كما يقول – وإنما من منظور الحرص على استقرار سوريا وشعبها. وأظن أن هذه الخطة بعناصرها التى قوبلت بالارتياح العربي فضلا عن الارتياح الاقليمى والدولي وهو ما جسدته سلسلة البيانات من مختلف الدول الكبرى والمؤثرة بما في ذلك روسيا والصين اللتان تقدمان الإسناد السياسي واللوجستي لدمشق تمثل الفرصة الأخيرة أمام بشار ورجاله والذين بات عليهم أن يضعوا فى حساباتهم أن معادلة الاستبداد والقمع والاستمرار فى السلطة لم تعد قابلة للتمدد زمينا أو القبول بها شعبيا فالشعوب العربية بدأت في تذوق طعم الربيع المدهش والممتع بعد أن ظلت تتذوق على مدى عقود حكم النار, فما الذي يدفعها إلى القبول به وما الذي يمنعها من الاستمرار في المواجهة مع النظام حتى لو أدى الأمر إلى حمل السلاح وإعلان القتال والمقاومة مثلما حدث مع نظام العقيد القذافي في ليبيا فانتهى به الأمر إلى القتل والسحل تنفيسا لغضب وقهر أكثر من أربعة عقود . فهل يدرك بشار ورجاله من زمرة السلطة الجنهمية في سوريا والمعروف عنها قساوة القلب أن تطبيق الخطة العربية هو إنقاذ له من حبل مشنقة الشعب والتاريخ معا ؟ فبوسعه أن يستوعب دروس مبارك وبن علي والقذافي ويسارع إلى التصالح مع شعبه من خلال القيام بإصلاحات جوهرية تطال هيكلية النظام الذي كرسه والده حافظ الأسد بما يحقق انتقالا سلميا للسلطة عبر آلية الاقتراع المباشر وتحت رقابة القضاء والعالم وفتح أبواب الحرية والعدالة الاجتماعية الحقيقية. إنني لا أتمنى لبشار مصيرا مماثلا للقذافي فهو أكثر ذكاء منه لكن ما أخشى عليه هو وقوعه تحت فخ التقارير التي تؤكد له أنه ليس مبارك أو بن على أو القذافى وان سوريا ليست مصر أو تونس او ليبيا فقد ثبت أن من يردد مثل الأقاويل لا يدرك إرادة الشعوب وقدراتها وإمكاناتها التي تستمدها من الخالق الأعظم الله سبحانه وتعالى والذي لا يبخل عليها بالعون والإسناد العلني والخفى مثلما مع حدث مع شعوب مصر وتونس وليبيا والتي انتصرت على مستنقعات حكم فاسدة وأشد استبدادا وقدرة على امتلاك القمع من نظام بشار . ما أخلص إليه ,أنه على بشار أن يتجاوب مع عقلانية الطرح العربي ولا يصير رهينة لأصوات داخل الحلقة الضيقة المحيطة به وتظهره بأنه مختلف عن غيره من الحكام , ليتعامل فحسب مع الحقائق التي تواجهه ,وفي مقدمتها أن ثمة شعبا انخرط في الثورة وقدم الشهداء ولن يوقفه إلا التسليم بمطالبه التي تصب في إعادة المياه إلى بردي وتتويج الشام على عروش الجمال والغبطة والسكن والحرية في أمة استيقظت فيها صحوة لن تكف عن معانقة البشر والأوطان. السطر الأخير: هو البحر يسكنني أم أسكنه مقيم في الوجدان أم قابض على الروح استعدت في حضرته براءتي القديمة جروحي المسافرات عنفوان عشقى نوارسه اللائي يرسمن البهجة المستدامة وجهى الذي غابت ملامحه فاستنار في غمضة عين بانت أشواقه اندثر وجعه لم يعد جوع بالسواحل استيقظت زرقاء اليمامة اجتاحتنى نذر القيامة غاب البكاء عن صباحاتى صار الياقوت بهجة لمساءاتي [email protected]

706

| 07 نوفمبر 2011

في مديح الثورة

ممتعضا أمضي في سبيلي. أركض باتجاه محاولة امتلاك الحكمة. لكنها بعيدة بعيدة. أحاول مجددا. بيد أن المطر توقف عن معانقة الأرض اليابسة. السحاب سافر إلى بلاد أخرى. استغرقتني المدن الصامتة. بكيت بأطرافها. صارت دموعي أنهارا لم يبد أحد ممن شاهدها اكتراثا بوطأة انسكابها وفرط غزارتها. ليس ثمة من يكترث للدموع الآن. هي دموع أم جروح؟ سألتني صبية ترتدي قناعا فوق وجهها، قلت لها ما سر القناع؟ قالت هي دموع من نوع آخر. دموع أم دماء؟ سألني يافع لا يرتدي سوى صمته، قلت له ما سر الصمت؟ قال هو دم مسكوب في القلب. رحت أدور في الطرقات أقفز بين نقاط التفتيش والعسس يراقبونني قلت أين هي الثورة؟ التفوا حولي يسكنهم الذهول: أي ثورة، بدت الوجوه على حقيقتها سطعت شمس الصمت سقطت الأقنعة قلت: هي ثورة غير أن الصمت فرض سطوته على المدن هذه المرة لم استجب للبكاء شرعت سيفي لأقطع رقاب الصمت أطارد البصاصين الذين ما زالوا يمارسون غواية القهر لن تنكفئ الثورة لن تكف عن إرسال صيحاتها وإطلاق أناشيدها وكتابة قصائد العشق للبلاد. لن يلتفت العسس إلى المدن كأكوام حجارة والبشر عبيدا للسادة الذين يرسلونهم صباحا ومساء لأطرافها فالقيامة صارت عنوانا للقصائد التي تراق على الطرقات والميادين والحارات والزنقات تعانق النفوس والأحلام والأشواق. لن يبقى سوى الثورة المادة الرئيسية في مناهج الدراسة وكتب الشيوخ ودروس وعاظ الأحد فعار على المدن أن تصبح بلا ثورة، عار على النفوس أن تنزوي في أركان الجمود والاستلاب، عار على الثورة أن يسرقها لصوص السلطة والمال. كتبت في دفتري السري: مذهولا من فعل من صنعوا الثورة ثم نسوها في مهرجانات العواصم والأقاليم وراحوا يلقون قصائدهم العبثية أمامها قلت: هم سارقوها منتهكو حرماتها شاربو دماء شهدائها هل أصابتهم غواية الحضور والظهور ؟ أين الإقامة في الميدان؟ هو سحر أم سجن أم سجان؟ (2) البراءة تغادرنا صيد الغزلان يستهوينا، نترك الذئاب فتصر على افتراسنا. أداعب النهر الخالد النبيل: أي أشواق اجتاحتك لحظة الثورة لم يطل في صمته: أن تخفق راية المحروسة أن تستعيد غزلانها وبراءتنا القديمة فيتدفق الماء صافيا بين ضفافي فتصفوا الوجدانات المحتقنة والقلوب الوجلة والنفوس المشتعلة من فرط قهر السنوات الثلاثين. أن تستطيل قامة الحق. يكف الزبد عن تسميم رحيق الأمواج أن تشرق شمس الثورة. تعم أشعتها كل الأرجاء لا تتوقف عند حد أن تبث صيروتها في صدور الأمهات اللائي أوجعهن فقد الأحبة استشهادا أو قعودا. لن تصيب الثورة. الغيبوبة أو فقدان الذاكرة رغم هول هجمات الخصوم والقتلة ومصاصي الدماء والجالسين في المواقع العلنية والسرية يقودون الحرب ضد 25 يناير ومشعلي النور في المحروسة. هي ممتنة للثوار لقصائدهم البطولية في التغني بالمحبوبة الوحيدة التي يحاول المتقاعسون إحالتها إلى التقاعد مبكرا. (3) الزمن الآتي في زمنك الآتي أبحر نحو الشمس. هي رمز للتوهج واستعادة البراءة الغائبة فعل الثورة كينونتي وخياري الأوحد لن يكون بمقدور الأفاقين والآكلين على كل الموائد وأنصار الذوبان في حاكم المدينة أيا كان لونه أن يحجبوا هذا الفعل المتوغل فينا المختبئ بأحداق عيوننا المسافر أبدا إلينا لن يكون بوسعهم التهام حدائقها التي أورقت في بر المحروسة عصية هي عليهم. عصية دونما حدود لن يستطيعوا تسلق أسوارها أو القفز على جدرانها أو خدش حيائها هي صلبة وقوية وعفية وبهية وصابرة الثورة بيتي شارعي عنواني خبزي مائي ناري ثلجي رحيق عمري نبض الفؤاد وبهجة الروح المستعادة أصب النيل بفنجانك ثورة يداعبني بردى تشاغبني حنطة صنعاء ويلاحقني دجلة والفرات ومن قبل ارتويت من خضرة تونس وعزفت الألحان القادمة من طرابلس ومصراتة وبني غازي وسرت تيبست الوجوه الباهتة فطلعت قناديل الشعوب تصيبني بعشق غير مسبوق وغير منهي عنه هو عشق الحروف الأربعة:" ثاء واو راء تاء مربوطة" في المحروسة عشق هذه الحروف مدعاة للمديح. في مديح الثورة أصحو. أنشق عطر شقائق النعمان. أتلو فاتحة كتابها. أُصلي في محرابها. يأتيني الرزق الوفير بلا حساب يتمدد في البلاد ينهي جوع الفقراء. يمطر القبلات للمحرومين من نسائم الحنو ومن خفق القلوب ومن إشراقة شمس حقيقية تمنح الدفء للثكالى وفاقدي حريتهم. (4) جثوت على رملك أيتها الثورة البيضاء أيتها الأيقونة الأزلية فقأت عيون الصمت مددت يدي لأول مرة طالبا العفو من عينيك فقومي أيتها المسكونة بالعشق الأبدي انهضي من سباتك من عتمة عبثية يحاولون إلصاقها بك ومن فجر كاذب يلحقونه بأهدابك قومي أيا ثورة المحروسة أركلي المعاندين مزقي دفاترهم الماكرة وخبث نواياهم البين وسخطهم المبين عليك واجلدي الكذابين والدجالين وحاملي مباخر كل عصر قومي فالكتابة لك والأنهار لك والحقول لك والعشق لك قومي فاللوح المحفوط يبارك فعلك الأسطوري حددي مسارك جددي لغتك استعيدي توهجك اكتبي أشعارك من جديد لن يتخلى عنك الخلق لن تمضي في الدرب وحدك فكوني الضوء والفرقان بين حال وحال بين العتمة والنهار. الهدى والضلال الحرور والظلال كوني نوري الآتي فيض محبتي القادم فعشقك مغزول بالروح أيا ثورة الشعب الأبي elazab1 @gmail.com

587

| 31 أكتوبر 2011

alsharq
العدالة التحفيزية لقانون الموارد البشرية

حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...

8583

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

5469

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

4809

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
الذاكرة الرقمية القطرية.. بين الأرشفة والذكاء الاصطناعي

في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...

2190

| 07 أكتوبر 2025

alsharq
بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...

1656

| 08 أكتوبر 2025

1533

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
دور قطر التاريخى فى إنهاء حرب غزة

مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...

1401

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
العدالة المناخية بين الثورة الصناعية والثورة الرقمية

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...

1083

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

1056

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
هل قوانين العمل الخاصة بالقطريين في القطاعين العام والخاص متوافقة؟

التوطين بحاجة لمراجعة القوانين في القطــــاع الخـــــاص.. هل...

903

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
فلنكافئ طلاب الشهادة الثانوية

سنغافورة بلد آسيوي وضع له تعليماً خاصاً يليق...

897

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
لا يستحق منك دقيقة واحدة

المحاولات التي تتكرر؛ بحثا عن نتيجة مُرضية تُسعد...

831

| 07 أكتوبر 2025

أخبار محلية