رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بعد ثورة الخامس والعشرين صدرت في المحروسة العديد من الوثائق ذات الطابع السياسي بهدف بلورة تصورات التعامل مع الزمن الآتي في مصر خاصة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية والتي تشهد فيها الدولة عملية إعادة بناء لهياكلها ومؤسساتها على نحو مغاير لما كان سائدا خلال العقود الثلاثة التي حكم فيها حسني مبارك مصر لكنها جميعا شهدت تباينات فيما تبنته من طروحات ورؤى وقواعد ولم تحظ بالتوافق إلا وثيقة الأزهر الشريف التي صدرت يوم الأربعاء المنصرم مبلورة الموقف من الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والتي بدا لي أنها تجسد بعمق وإخلاص وشفافية حالة الإجماع الوطني التي ظلت غائبة ومتفقدة خلال الأشهر العشرة الماضية بين القوى السياسية والثورية ومؤسسات الدولة المؤقتة
وفي يقيني إن نجاح الدكتور أحمد محمد الطيب الإمام الأكبر شيخ الأزهر في حشد كافة رموز القوى السياسية والدينية في المحروسة يمثل تطورا نوعيا في أداء هذه المؤسسة التي يقودها منذ حوالي ثلاث سنوات باتجاه بلورة وعي وطني يقوم على النظر إلى المصلحة العليا للبلاد وليس لصالح هذه القوى أو المؤسسات فرادى وبعيدا عن الشطط في المنظور أو الفكر ويسعى إلى تكريس مرجعية يرضي بها الجميع على تباين مواقفهم السياسية وانتماءاتهم الدينية وتجلى ذلك في حضور إعلان الوثيقة بمقر مشيخة الأزهر في مشهد نادر قيادات المؤسسة الدينية بشقيها المسلم والمسيحي وعلى أعلى المستويات بما في ذلك الأنبا شنودة والذي كان لا يشارك في مناسبات علنية في السابق ربما لأسباب صحية تعبيرا عن احتجاج صامت فضلا عن مشاركة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع وقيادات حزب الحرية والعدالة والقيادات السلفية بمختلف تنويعاتها إلى جانب رئيس حكومة الإنقاذ الوطني الدكتور كمال الجنزوري ورؤساء الأحزاب السياسية المؤثرة في المشهد المصري ومفكرون ومرشحون محتملون لانتخابات الرئاسة الجمهورية.
ومن المقرر الإعلان عن تفاصيل بنود وثيقة الأزهر في ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير الحالي تزامنا مع الذكرى الأولى للثورة التي انطلقت في هذا اليوم من العام المنصرم منقذة المحروسة من دمار مهلك كاد أن يحيق بها من فرط تحالف رموز الثروة والسلطة الفاسدة ومشروع توريث البلاد لنجل مبارك الذي كان يعد في أحضان النظام تحنو عليه كل رموزه وتتعامل معه باعتباره الرئيس القادم وأظن أن هذا السلوك يعكس توجها صادقا من قبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور الطيب للتفاعل مع صناع ثورة يناير الحقيقيين وهو طليعة شباب المحروسة الذين خرجوا في الخامس والعشرين من يناير المنصرم حاملين أشواق العباد وأحلامهم إلى الحرية والعدالة والكرامة ليؤكد لهم أن المؤسسة الدينية بكل تاريخها وحاضرها وما تنطوي عليه من رمزية ليست في تناقض مع هذه الأشواق والأحلام والتي لم تكن تجد مناصرا يدافع عنها ويبلورها على أرض الواقع وأنها عبر هذه الوثيقة تكرس قواعد الحريات الأساسية التي هفت لها الأفئدة والعقول لتشكل الأرضية التي تنهض عليها القواعد التي ينبغي أن يتأسس عليها الدستور القادم وهي حرية الاعتقاد الديني وحرية الرأي والتعبير وحرية الأدب والإبداع وحرية البحث العلمي والتي لا يمكن أن يتباين طرف مع آخر بشأنها مهما كان انتماؤه أو معتقده
ولعل الأهمية أو بالأحرى الميزة النسبية لهذه الوثيقة - إن جاز لي القول – تكمن في أنها تنطوي على رسائل اطمئنان لجميع أرقام المعادلة السياسية والدينية في المحروسة خاصة مع صعود التيار الإسلامي بشقيه الإخوان المسلمون والسلفيين إلى صدارة المشهد السياسي في ضوء النسب العالية التي حققها مرشحوه في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة بمراحلها الثلاث فقد خشت قطاعات واسعة من أبناء الشعب المصري بمسلميه ومسيحييه من هذا الصعود للتيار الإسلامي السياسي وبالذات على ما يمس الحريات الأساسية المعاملات خاصة في قطاع السياحة والمصارف فضلا عن ممارسات الواقع اليومية وهو ما برز في الإعلان عما يسمى بجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتي تشكل سلطة موازية تحاسب الناس في الطرقات والشوارع وفي مواقع العمل مثلما يحدث في النموذج السعودي فضلا عن تخوفات طالت الجزء المسيحي من الشعب المصري والذي ترددت أقاويل هجرة البعض منه للخارج أو الاستعداد لهذه الهجرة
ولكن الوثيقة في ظل ما حشدته من إجماع تقدم تطمينات واضحة والتزامات مؤكدة بأنه لن يمس أحد حرية المعتقد الديني ووفقا للدكتور الطيب نفسه فإن ثمة نصوص دينية قطعية وأصول دستورية وقانونية تكفل حرية العقيدة وما يرتبط بها من حق المواطنة الكاملة للجميع دون أن يمس ذلك الحق في الحفاظ على العقائد السماوية وقداستها بالإضافة إلى إقرار حرية إقامة الشعائر الدينية دون عدوان على المشاعر أو المساس بحرمتها قولا أو فعلا ودون خلل بالنظام العام مؤكداً حق حرية الاعتقاد والتسليم بمشروعية التعدد ورعاية حق الاختلاف ووجوب مراعاة كل مواطن مشاعر الآخرين والمساواة بينهم على أساس متين من المواطنة والشراكة وتكافؤ الفرص وجمع الحقوق والواجبات مشددا على أن حرية الاعتقاد ترفض نزعات الإقصاء والتكفير ورفض التوجهات التي تدين عقائد الآخرين ومحاولات التفتيش في ضمائر المؤمنين.
وفيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير فإن فضيلة الإمام الأكبر يعتبرها أم الحريات كلها فضلا عن كفالة حق التعبير عن الرأي بمختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بالإضافة إلى الحق في تكوين الأحزاب وإبداء منظمات المجتمع المدني لرأيها
ومن الأهمية بمكان أن يتم التشديد على هذه القواعد الحاكمة والضرورية في الدستور المقبل حتى لا يكون من حق طرف ما إن يتشكك في منظومة القواعد السياسية والوطنية الجامعة للأمة بكل مكوناتها وبالتالي لا يثير مخاوف غير حقيقية تتسبب في هز أركان السلام الاجتماعي الذي بات مطلوبا بإلحاح في مرحلة إعادة بناء المحروسة التي تعرضت خلال الثلاثين الأخيرة لعملية هدم منظم ومبرمج لصالح عائلة مبارك والطبقة الجديدة التي تحالفت معها
وما يهمني قوله هو أن وثيقة الأزهر الجديدة فضلا عن الوثيقة التي أعلنت قبل أشهر تمثل بنيانا قويا في مشروع النهضة الذي يتعين أن تخطط له السلطة القادمة في المحروسة وهو ما تجلى بشكل واضح ربما للمرة الأولى من قبل هذه المؤسسة التي تقود تيار الاستنارة والوسطية في مصر والعالم الإسلامي فيما حملته من دعوة إلى حرية الفن لترقية الإحساس وتنمية الوعي بالواقع وتثقيف الحواس الإنسانية وتعميق خبرتها بالمجتمع والأشخاص بالإضافة إلى نقد المجتمع من أجل الأفضل ولكن بما لا يتعرض للمشاعر الدينية أو القيم الأخلاقية المستقرة إلى جانب تأكيدها على حرية البحث العلمي باعتباره قاطرة التقدم البشري واكتشاف الكون ودعوتها إلى ضرورة حشد طاقة الأمة وإمكاناتها للبحث العلمي وهو ما أكد عليه القرآن في الحث على التفكير والقياس والتأمل في الظواهر الكونية واعتبار ذلك فريضة إسلامية في مختلف الشرائع. ولفت انبتاهي هذه المناشدة الصادقة التي وجهها الإمام الأكبر للأمة الإسلامية والعربية بالعودة لسباق القوة وعصر المعرفة بسلاح العلم والبحث العلمي لنهضة المجتمع وتطوير مراكز البحث والإنتاج العلمي مع ضمان سقف للبحث العلمي والإنساني والقضاء على احتكار الغرب للتقدم العلمي وهو ما يؤكد انحياز الأزهر وشيخه لمشروع النهوض المطلوب بقوة لمصر وللأمة العربية والإسلامية فهل نتحرك الآن جميعا لمقاربة مبادئ وقواعد هذه الوثيقة باتجاه معانقتها لمفردات الواقع اليومي؟
مع أننا نتقدّم في العمر كل يوم قليلاً، إلا أن أحداً منا لا يرغب في الشيخوخة. فالإنسان بطبيعته... اقرأ المزيد
120
| 13 أكتوبر 2025
عامان من الفقد والدمار عامان من الإنهاك والبكاء عامان من القهر والكمد عامان من الحرمان والوجع عامان من... اقرأ المزيد
126
| 13 أكتوبر 2025
ما أجمل الحياة حين ننظر إليها من زوايا واسعة، فنكتشف ما يُسعدنا فيها، حتى لو كان بسيطًا وصغيرًا.... اقرأ المزيد
81
| 13 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8751
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
6921
| 06 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها الوطنية، يقف الأرشيف القطري أمام تحدٍّ كبيرٍ بين نار الإهمال الورقي وجدار الحوسبة المغلقة. فبين رفوف مملوءة بالوثائق القديمة، وخوادم رقمية لا يعرف طريقها الباحثون، تضيع أحيانًا ملامح تاريخنا الذي يستحق أن يُروى كما يجب وتتعثر محاولات الذكاء الاصطناعي في استيعاب هويتنا وتاريخنا بالشكل الصحيح. فلا يمكن لأي دولة أن تبني مستقبلها دون أن تحفظ ماضيها. لكن جزءًا كبيراً من الأرشيف القطري ما زال يعيش في الظل، متناثرًا بين المؤسسات، بلا تصنيف موحّد أو نظام حديث للبحث والاسترجاع. الكثير من الوثائق التاريخية المهمة محفوظة في أدراج المؤسسات، أو ضمن أنظمة إلكترونية لا يستطيع الباحث الوصول إليها بسهولة. هذا الواقع يجعل من الصعب تحويل الأرشيف إلى مصدر مفتوح للمعرفة الوطنية، ويهدد باندثار تفاصيل دقيقة من تاريخ قطر الحديث. في المقابل، تمتلك الدولة الإمكانيات والكوادر التي تؤهلها لإطلاق مشروع وطني شامل للأرشفة الذكية، يعتمد على الذكاء الاصطناعي في فهرسة الوثائق، وتحليل الصور القديمة، وربط الأحداث بالأزمنة والأماكن. فبهذه الخطوة يمكن تحويل الأرشيف إلى ذاكرة رقمية حيّة، متاحة للباحثين والجمهور والطلبة بسهولة وموثوقية. فبعض الوثائق تُحفظ بلا فهرسة دقيقة، وأخرى تُخزَّن في أنظمة مغلقة تمنع الوصول إليها إلا بإجراءاتٍ معقدة. والنتيجة: ذاكرة وطنية غنية، لكنها مقيّدة. الذكاء الاصطناعي... فرصة الإنقاذ، فالذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإحياء الأرشيف الوطني. فالتقنيات الحديثة اليوم قادرة على قراءة الوثائق القديمة، وتحليل النصوص، والتعرّف على الصور والمخطوطات، وربط الأحداث ببعضها زمنياً وجغرافياً. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحوّل ملايين الصفحات التاريخية إلى ذاكرة رقمية ذكية، متاحة للباحثين والطلاب والإعلاميين بضغطة زر. غير أن المشكلة لا تتوقف عند الأرشيف، بل تمتد إلى الفضاء الرقمي. فعلى الرغم من التطور الكبير في البنية التحتية التقنية، إلا أن الإنترنت لا يزال يفتقر إلى محتوى قطري كافٍ ومنظم في مجالات التاريخ والثقافة والمجتمع. وحين يحاول الذكاء الاصطناعي تحليل الواقع القطري، يجد أمامه فراغًا معرفيًا كبيرًا، لأن المعلومة ببساطة غير متاحة أو غير قابلة للقراءة الآلية. الذكاء الاصطناعي لا يخلق المعرفة من العدم، بل يتعلم منها. وعندما تكون المعلومات المحلية غائبة، تكون الصورة التي يقدمها عن قطر مشوشة وغير مكتملة، ما يقلل من فرص إبراز الهوية القطرية رقمياً أمام العالم. فراغ رقمي في عالم متخم بالمعلومات.....حين يكتب الباحث أو الصحفي أو حتى الذكاء الاصطناعي عن موضوع يتعلق بتاريخ قطر، أو بأحد رموزها الثقافية أو أحداثها القديمة، يجد أمامه فراغًا معلوماتيًا واسعًا. مثالنا الواقعي كان عند سؤالنا لإحدى منصات الذكاء الاصطناعي عن رأيه بكأس العالم قطر2022 كان رأيه سلبياً نظراً لاعتماده بشكل كبير على المعلومات والحملات الغربية المحرضة وذلك لافتقار المنصات الوطنية والعربية للمعلومات الدقيقة والصحيحة فكثير من الأرشيفات محفوظة داخل المؤسسات ولا تُتاح للعامة، والمواقع الحكومية تفتقر أحيانًا إلى أرشفة رقمية مفتوحة أو واجهات بحث متطورة، فيما تبقى المواد المحلية مشتتة بين ملفات PDF مغلقة أو صور لا يمكن تحليلها والنتيجة: كمٌّ هائل من المعرفة غير قابل للقراءة الآلية، وبالتالي خارج نطاق استفادة الذكاء الاصطناعي منها. المسؤولية الوطنية والمجتمعية تتطلب اليوم ليس فقط مشروعاً تقنياً، بل مشروعاً وطنياً شاملًا للأرشفة الذكية، تشارك فيه الوزارات والجامعات والمراكز البحثية والإعلامية. كما يجب إطلاق حملات توعوية ومجتمعية تزرع في الأجيال الجديدة فكرة أن الأرشيف ليس مجرد أوراق قديمة، بل هو هوية وطنية وسرد إنساني لا يُقدّر بثمن. فالحفاظ على الأرشيف هو حفاظ على الذاكرة، والذاكرة هي التي تصنع الوعي بالماضي والرؤية للمستقبل، يجب أن تتعاون الوزارات، والجامعات، والمراكز الثقافية والإعلامية والصحف الرسمية والمكتبات الوطنية في نشر محتواها وأرشيفها رقمياً، بلغتين على الأقل، مع الالتزام بمعايير التوثيق والشفافية. كما يمكن إطلاق حملات مجتمعية لتشجيع المواطنين على المساهمة في حفظ التاريخ المحلي، من صور ومذكرات ووثائق، ضمن منصات رقمية وطنية. قد يكون الطريق طويلاً، لكن البداية تبدأ بقرار: أن نفتح الأبواب أمام المعرفة، وأن نثق بأن التاريخ حين يُفتح للعقول، يزدهر أكثر. الأرشيف القطري لا يستحق أن يُدفن في الأنظمة المغلقة، بل أن يُعاد تقديمه للعالم كصفحات مضيئة من قصة قطر... فحين نفتح الأرشيف ونغذي الإنترنت بالمحتوى المحلي الموثق، نصنع جسرًا بين الماضي والمستقبل، ونمنح الذكاء الاصطناعي القدرة على رواية قصة قطر كما يجب أن تُروى. فالذاكرة الوطنية ليست مجرد وثائق، بل هويةٌ حيّة تُكتب كل يوم... وتُروى للأجيال القادمة.
2340
| 07 أكتوبر 2025