رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس ثمة شك في أن أزمة حقيقية تواجه العلاقات بين مصر والولايات المتحدة أخذت تجلياتها في البروز والتصاعد على مدى الأشهر الأخيرة منذ أن أبدت هيلاري كلينتون وزير الخارجية الأمريكية وغيرها من مسؤولي الكونجرس بعض الملاحظات التي لم تتقبلها الحكومة المصرية فيما يتعلق بأسلوب تعامل قوات الجيش وقوات الأمن مع محتجين من شباب مصري مما أسفر عن مقتل بعضهم فضلا عن الإصابات العديدة التي طالتهم بيد أن هذه العلاقات تعرضت لنوع من التردي الفادح في أعقاب قيام السلطات القضائية بما وصف بنه اقتحام لمقار منظمات ومؤسسات المجتمع المدني ثم الإعلان أخيرا عن متهمين أجانب وفيهم أمريكيون إلى جانب نشطاء مصريين متهمين بالحصول على تمويل أجنبي غير مشروع والقيام بنشاطات غير مسموح بها من منظمات أجنبية لم تحصل على التراخيص القانونية لممارسة أنشطتها في الأراضي المصرية ولعل وضع نجل وزير النقل الأمريكي المدعو "صامويل آدم لحود "مدير فروع المعهد الديمقراطي بمصر وغيره من شخصيات أمريكية ضمن قائمة المتهمين في القضية التي كشف النقاب عنها قبل أيام بالأسماء والوقائع والوثائق هو الذي أضفى المزيد من الاحتقان على الأزمة بين القاهرة وواشنطن وذلك رغم أن صامويل وزملاء له سارعوا بالاختباء في المقر المحصن من الداخل والخارج للسفارة الأمريكية بمنطقة جاردن سيتي بوسط العاصمة المصرية مما دفع دوائر في الكونجرس إلى التهديد بقطع المعونات التي تحصل عليها مصر سنويا من الولايات المتحدة وتتجاوز مليارا ونصف المليار دولار أغلبها يوجه لتسليح القوات المسلحة المصرية
واللافت في هذه المسألة أن واشنطن لم تصدق بعد أن مصر باتت تعيش في رحم ثورة منذ تفجرها في الخامس والعشرين والتي حظيت بترحيب واسع داخل الأوساط الأمريكية وعلى أعلى المستويات وفي صدارتهم الرئيس باراك أوباما الذي أدركت إدارته أن نظام مبارك فقد القابلية للحياة مرة أخرى فسارعت بالتخلي عنه رغم أنه كان كنزا استراتيجيا لواشنطن ولحليفتها الاستراتيجية الحقيقية والوحيدة في المنطقة وأعني به الدولة المسماة بإسرائيل وإن كنت أحبذ إطلاق مسمى الكيان الصهيوني عليها.
ولعل المسؤولين الأمريكيين يتذكرون أن تحول بوصلة مصر باتجاه واشنطن بدأ منذ 36 عاما تحديدا بعد حرب أكتوبر عام 1973 والتي جاءت نتائجها السياسية متوافقة بالتمام والكمال مع المتطلبات الاستراتيجية لها في منطقة الشرق الأوسط وللأسف فإن الرئيس الراحل أنور السادات هو الذي قدم مصر المكانة والقيمة والدور على طبق من ذهب للولايات المتحدة عبر إعلانه أن 99 في المائة من أوراق القضية الفلسطينية في أيدي أمريكا ثم تخليه عن الحليف الاستراتيجي لمصر في ذلك الزمان البعيد وهو الاتحاد السوفييتي ووضع مصر في خانة الارتباط بالاستراتيجيات الأمريكية على مختلف الصعد السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية وأظن أن مذكرات مستشاره للأمن القومي حافظ إسماعيل كشفت على وجه اليقين الشروط الأمريكية لإبقاء مصر ضمن المنظومة الأمريكية وكان من بينها التخلي عن كل سياسات سلفه عبد الناصر وهو ما تجلى في بدء سياسة الانفتاح الاقتصادي على أسس فهم مغلوط للتوجه الرأسمالي استند إلى إتاحة بروز طبقة جديدة تؤازر النظام الجديد بتوجهاته المغايرة وهو ما كشف عنه بوضوح أشد الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه الجديد عن مبارك والذي ينشر مسلسلا بصحيفة الشروق المصرية اليومية والذي كشف عن التدخل الأمريكي في أدق تفاصيل السياسات المصرية الداخلية إلى الحد الذي وصل إلى تحديد أسس حماية النظام ورئيسه وهو ما لم يفلح في إنقاذ السادات من الاغتيال في السادس من أكتوبر من عام 1981 الأمر الذي مهد الطريق لنائبه حسني مبارك للوصول إلى مقعد الرجل الأول في مصر مستمرا في تطبيق التوجهات ذاتها على نحو رفع من سقف التخبط والارتباك وتكريس حالة التبعية للولايات المتحدة وللكيان الصهيوني فبدت السياسات المصرية طوال الثلاثين عاما من حكمه باهتة ولم تخرج عن كونها ظلا لما تريده واشنطن ظنا منه أن ذلك يفتح أبواب واشنطن للقبول بنجله وريثا لعرش البلاد غير الملكية ويبدو أن دوائر عدة في كواليس صناعة القرار الأمريكي باتت على قناعة بأهمية استمرار نظام مبارك الأب عبر مجيء مبارك الابن (جمال مبارك) لضمان استمرارية التحالف المصري الأمريكي وفي الوقت نفسه المحافظة على مصالح الكيان الصهيوني.
ويبدو أن النخب السياسية الأمريكية ما زالت تنظر إلى مصر الثورة باعتبارها امتدادا لزمن مبارك وأنه يمكن ابتزازها الآن مثلما كان يتم في الماضي وتتعامل معها باعتبارها مجرد دولة تابعة تتلقى معونات ومنحا ومن ثم فإنه يمكن التأثير على توجهاتها عبر التهديد بقطعها أو تقليصها وبالرغم من خلافي مع بعض سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارته للمرحلة الانتقالية خاصة على صعيد لجوئه إلى العنف مع الثوار سواء من خلال استخدام قوات الجيش أو الشرطة في المواجهات معهم فإنني أحيي خياراته فضلا عن خيارات حكومة الدكتور كمال الجنزوري رئيس حكومة الإنقاذ الوطني في التعامل مع الضغوط والتهديدات الأمريكية لجملة من الاعتبارات:
أولا: أنه يتعين أن تدرك واشنطن أن مصر أضحت دولة مستقلة وليست تابعة أو جمهورية من جمهوريات الموز في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة والتي نهض العديد منها متحديا السياسة الأمريكية.
ثانيا: إن الثورة الشعبية المصرية لن تتنازل عن استعادة دور مصر في المنطقة. وبالضرورة رفض الوصاية أو التبعية التي انحرف إليها النظام السابق الذي أسقطه الشعب المصري وذلك يعني بوضوح أن السياسة الأمريكية ينبغي أن تعدل من آليات تعاطيها مع الشأن المصري فثمة ثورة فرضت حضورها وهي تحقق كل يوم تحولات نوعية رغم محاولات الثورة المضادة التي يقبض بعض رموزها على مفاصل مهمة في الدولة المصرية وكان آخر تجليات محاولاتها ما جرى في مدينة بورسعيد.
ثالثا: إن العلاقات الاستراتيجية مع مصر الثورة لن تكون إلا في إطار المصالح المتبادلة وليست لطرف دون الآخر، ومصر لن تُبتز أو تُذل، فمن يريد صداقتنا طبقاً لأعرافنا وتقاليدنا فأهلاً به، ومن لا يريدها فطبقاً لأخلاقنا أيضاً أهلاً به.. أما الأذرع الخفية فقد بدأت تتساقط ونحن كفيلون بها والنهاية باتت قريبة (اقتباس من بيان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على صفحته بالفيس بوك).
رابعا: لست من الرافضين للعلاقات المصرية الأمريكية ولكن يتعين تطويرها على أسس من الندية بعيدا عن تعالي واشنطن وانسحاق القاهرة غير أن ذلك يتطلب بعد أن تنتهي مصر من استعادة عافيتها الأمنية والسياسية عبر استكمال مؤسسات جمهوريتها الجديدة أن تبدأ في تطبيق سياسات اقتصادية تعظم من قدراتها الإنتاجية بما يوفر إمكانية الاعتماد على نحو أوسع على الذات حتى تمتلك القدرة على استقلالية قرارها الوطني ولا يجعلها عرضة للتهديد أو الضغط أو الابتزاز
السطر الأخير:
في المسافة بين عينيك
تورق شقائق النعمان
تركض الخمائل بين ضفافها
تسكن الحدائق والنخيل وشجر الرمان
يترنح بسواحلها فؤاد الفتى
تطاله سهامها
يتبدد عشقا بين الأفنان
هي – المسافة – قمر
أم فتنة للروح وعناقيد من مرجان
جئتك من أقصى بلاد الشعر
مقدما قرابيني وليلي ونطقي وصمتي
لأبوء بمنازلها
فتحيطني نوارس وغزلان
بوحي بأشواقها الكبرى
اهبطي علي برطبها
كي تنالني حقولها
تغزلني شمسا
ترسل عافيتها تسكبها بهاء في عمري
فتسافر عني جروح وأشجان
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8691
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
6912
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4827
| 05 أكتوبر 2025