رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
العام الذي انصرم منتصف الليلة قبل الماضية – السبت – لم يكن عاما عاديا في تاريخ أمة العرب، كان استثنائيا ومغايرا بكل المقاييس على الأقل على مدى تبلور الدولة العربية الحديثة والتي كانت إطلالتها الأولى في مصر مع تولي الباشا محمد علي حكمها في العام 1805. فقد شهدت ثورات التحرر من نظم الاستبداد والقمع والتخلف الاقتصادي والاجتماعي ودفعت الشعوب إلى تصدر المشهد السياسي بعد أن كانت تقيم في الظل والعتمة تكابد الوجع والركون إلى الإذلال وتعاني شظف العيش وهشاشة الكرامة الإنسانية.
من كان يصدق أن يشهد هذا العام المقدس سقوط أربعة من أسوأ حكام الأمة "بن علي ومبارك والقذافي وصالح" وارتفاع رايات الحرية في تونس ومصر وليبيا واليمن واستمرار ثورة الشعب السوري التي تبدو مصرة على اللحاق بشقيقاتها انتظارا لسقوط مستبد آخر مازال قابضا على مفاصل وطن يمقته ويسعى أهله بقوة لإجباره على الرحيل.
من كان يصدق أن الشعوب أو بالأحرى الشعب العربي يمتلك كل هذه القدرة المدهشة على امتلاك ناصية فعل الثورة والمثابرة والمجاهدة وحمل السلاح في بعض الأحيان للانتصار على القبضة الأمنية والعسكرية المستشرية في مفاصل الأوطان والتي تحاصر العباد وتنهب الثروات وتبدد مقومات العزة والوطنية وتذيب الروح الأصيلة الكامنة في الشعوب.
من كان يصدق أن شبابا كان يوصم العدمية في معظم الأحيان ومجمدة طاقاته ومبعثرة إمكاناته ومعرضا لمتابعة العسس والبصاصين بكل الأصناف هو الذي يقود هذه الثورات التي أزهرت الحدائق بعد أن تيبست وأعادت المياه إلى ضفاف الأنهار بعد أن أصابها الجفاف والضمور.
سأذكر تجربتي الشخصية في مصر فقد كنت واحدا من الموقنين بوقوع الثورة إن عاجلا أو آجلا خاصة بعد عودتي إلى القاهرة في منتصف العام 2008 بعد سنوات عمل بالدوحة المحببة للقلب والروح اقتربت من العشرين.
لقد رصدت الأحوال بعيون عائد من الخارج كانت الدموع مقيمة في المآقي ونبض القلوب يكاد يكون متوقفا بعد أن بلغ الظالمون المدى فثمة مشروع للتوريث يجري تمريره بتؤدة وعبر كل المسارات وثمة سطوة شديدة وقاسية للمال والسلطة في تزاوج مريب وثمة قهر أمني وسلطوي لم يعد بوسع أحد أن يوقفه. تمدد إلى كل مفردات الواقع. والأهم من ذلك أنه لم يعد موقع قدم لفقير أو منتمي للطبقة المتوسطة المجال مفتوح للأغنياء من طبقة رجال الأعمال ونخبة حاكمة تناست أن ثمة شعبا هي في حاجة إليه لكي تمارس عليه شهوة التسلط، التعليم مهمل والثقافة قشرية والإعلام موظف للحاكم ونجله وزوجته والزمرة المحيطة والوطن مستباح للأعداء وحالة تبعية للكيان الصهيوني والولايات المتحدة غير مسبوقة
لقد كانت هناك دوائر عدة تحذر وتبعث بالرسائل من أجل إقناع السلطة بإجراء التغيير وقد أسهمت في هذه الرسائل عبر سلسلة حوارات مع أقطاب في السلطة ومفكرين وهم الدكتور علي الدين هلال مسؤول الإعلام بالحزب الوطني المنحل والرجل الذي يوصف بأنه المربي السياسي لجمال مبارك والدكتور مصطفى الفقي والذي خرج إلى يسار النظام بعد أن تمسك ببعض قناعات قومية مازال يؤمن بها فدفع ثمنها إبعادا من الدائرة الضيقة المحيطة برأس النظام ثم بالكاتب الكبير مكرم محمد أحمد لصحيفة الأهرام ومجلة الأهرام العربي الأسبوعية وكلهم أجمعوا أن ثمة حاجة إلى تغيير وإن تراوحت مستويات التغيير الذي كان يطالب به كل منهم لكنها دعت بشكل واضح إلى الإسراع بالتغيير من داخل النظام قبل أن تهدر الفرص التي كانت تتاح له بين كل وقت وآخر ولم يتردد مكرم في مطالبة مبارك بقيادة هذا التغيير بعيدا عن المجموعة المحيطة به والتي اتهمها بأنها تنافقه ولا تفعل شيئا إلا الدفاع عن مصالحها الهائلة التي تراكمت من فرط بقاء النظام دون تغيير.
لكن النظام كان قد بلغ حالة مفرطة من الجمود والترهل والثقة الزائدة بالذات بل لم يلتفت إلى تقارير لأجهزة تابعة له ومن بينها أجهزة الأمن القومي التي حذرت ووضعت خيارات التحرك للقيام بالتغيير المنشود أو على الأقل تطبيق جزء منه بالرغم مما يبدو على السطح من مؤشرات كانت تحتم ضرورة القيام بخطوات تتفاعل مع متطلبات مشروعة. لكنه كان مصمما على أنه يمضي في الاتجاه الصحيح وأن غيره في الجهة الخاطئة.
وعندما تلقى النظام إشارات الثورة في تونس وهروب بن علي سارع زبانيته إلى القول إن مصر غير تونس وهي نفس المقولة التي كررها القذافي فيما ومازال يرددها بشار الأسد وقد استمعت في هذا السياق إلى المهندس رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة الخارجية المصرية إبان ترؤسه للاجتماعات التمهيدية للقمة العربية الاقتصادية التي عقدت بشرم الشيخ في يناير المنصرم عندما سئل من الصحفيين بخصوص تكرار النموذج التونسي في مصر وهو يقول " إن الحكومة المصرية تقدم دعما لـ60 مليون مواطن عبر البطاقات التموينية" وهو ما يمثل لها صمام أمان من الثورة الشعبية. كان يظن أن الثورة في تونس اندلعت لأسباب اجتماعية فقط بعد أن حرق الشاب البوعزيزي نفسه احتجاجا على ظروف فقره وقمع الشرطة له وهو يبحث عما يسد جوعه لكن رشيد أو غيره من رموز نظام مبارك لم يعر أهمية للأسباب الأخرى الكامنة في طبيعة النظام ذاته والتي من فرط تراكمها وتجذرها باتت سافرة للعيان.
لم يفكر النظام في التعامل السريع مع معطيات الثورة الظاهرة أمامه، تجاهلها دفعها للتبلور أكثر للبروز بشكل واضح فواصل القمع وأعمى الله بصيرته لتتهيأ له أسباب السقوط.
وفي الخامس والعشرين من يناير المنصرم تحركت طليعة الشباب هادرة في شعاراتها مطالبة بكبح جماح القبضة الأمنية ومكافحة الفساد لكن جهاز الأمن الفاسد تعامل معهم بقسوة مفرطة غير أنه بعد ثلاثة أيام انهار على الفور بعد أن صمد الشباب الذين لحقت بهم جحافل الشعب المصري. خرجوا من كل صوب وحدب من الحارات بالمدن والنجوع بالقرى البعيدة وبات مطلب إسقاط النظام هو العنوان الوحيد حتى تحقق في الحادي عشر من فبراير بتنحي مبارك عن الحكم فسقط معه للأبد مشروع التوريث ومعادلة السلطة والمال الفاسد ومشروع القهر وغياب العدالة الاجتماعية.
وعلى مدى شهور العام الفائت دخلت الثورة المصرية منحنيات حادة وتكالبت عليها قوى الثورة المضادة وكادت أن تسقط تحت سنابك جحافلها التي لم تتوقف عن توجيه الضربات إليها بين كل فترة وأخرى تطارد ثوارها وتحاصرهم وتدفعهم إلى الاستشهاد دفاعا عنها في الميادين والشوارع والطرقات وتقدم حرائر مصر الثمن من شرفها جراء تمسكهن بجوهرها والإصرار على بقائها نقية بهية عفية.
إن الثورة المصرية ولدت لتبقى. لتظل إِشعاعا لمحيطها القومي والإقليمي ولتعيد صياغة ملامح الوطن بعيدا عن الخنوع والتبعية والسقوط في مستنقع البلادة السياسية مثلما كان الحال عليه في زمن مبارك.
هي لم تكتمل بعد لكن مشروعها مازال قويا صامدا قادرا على الفعل المؤثر ولعل الإشارات التي تجلت بنهاية العام المنصرم متمثلة في إجراء أول عملية انتخابات وفق المحددات الديمقراطية الصحيحة وقواعد الشفافية والنقاء التي غابت عنا طولا تبعث على الاطمئنان على زمنها الآتي المفعم بالحرية والزاخر بالعدالة الاجتماعية واستقلالية القرار الوطني
وللحديث بقية.
السطر الأخير:
في المدينة الزرقاء
أهيم بالطرقات
أبحث عن صبية عفية
تدفع عنها الخوذات
وركض الجند المبهورين
بأحذيتهم الثقيلة
وعلاماتهم الحمراء
قلت لها: أيتها القيامة
الأيقونة القادمة
امنحينا رائحة عطرك
الطالع من فرط الضربات
اسكني فينا
علمينا وقع الموسيقى
تنبع من دموعك السافرات
كوني وقودا لزمن الثورات
وهدأت غزة، وهذا ما كان مهما لدى الملايين من شعوب وربما حكومات العالم الذين عاشوا عامين من الدمار... اقرأ المزيد
186
| 15 أكتوبر 2025
من نواحي المسؤولية القانونية عمن يتحمل إعمار غزة هو من تسبب بدمارها مباشرة ومن عاونه في ذلك وقدم... اقرأ المزيد
147
| 15 أكتوبر 2025
مشاهد العائدين إلى الشمال وإلى أحياء غزة القديمة تحمل مزيجًا مُربكًا من الفرح الحذر، والحِداد، والخوف، والذهول أمام... اقرأ المزيد
165
| 15 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8859
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5616
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
5199
| 13 أكتوبر 2025