رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منى الجهني

[email protected] 

مساحة إعلانية

مقالات

405

منى الجهني

ما بعد الموت.. عودة الروح إلى غزة

15 أكتوبر 2025 , 05:04ص

مشاهد العائدين إلى الشمال وإلى أحياء غزة القديمة تحمل مزيجًا مُربكًا من الفرح الحذر، والحِداد، والخوف، والذهول أمام بقايا البيوت التي كانت يومًا حياةً كاملة. بعد عامين من حربٍ لم تُبقِ على شيء، تعود الحياة إلى غزة ببطءٍ يشبه التنهيدة الأولى بعد الغرق. أرقام الموت تتحدث أكثر من الكلمات، وتحكي فداحة ما جرى. يعود معها نحو نصف مليون من أهل غزة إلى الحياة من تحت الأنقاض والركام، بعد أن أنهكتهم الحرب، وبعد التهجير القسري الذي طال ٩٠٪ من سكان القطاع، في حرب الإبادة التي بدأت منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وراح ضحيتها ستة وسبعون ألف شهيد، بينهم سبعة وعشرون ألف طفل لم يعرفوا من الدنيا سوى الخوف.

منذ الساعات الأولى للأزمة، كانت قطر تقوم بدور الوساطة وتبذل الجهود الحثيثة من أجل وقف الحرب، ليس بدافع سياسي فحسب، بل انطلاقًا من التزامٍ أخلاقي وإنساني راسخ. كما قال سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني: «دورنا في الوساطة واجب إنساني قبل أن يكون سياسيًا، فإطفاء الحرائق خيرٌ من إشعالها».لم يكن ذلك مجرّد تصريح، بل تجسيدٌ لموقفٍ أخلاقيّ ينسجم مع سياسة قطر القائمة على إعلاء قيمة الإنسان وصون كرامته. فكانت الوساطة القطرية خيط الأمل الأخير في ليلٍ عربي طويلٍ أثخنته الجراح.

تضع الحرب أوزارها بعد توقيع إسرائيل على اتفاقٍ لإنهائها. ومن خلال هذه الوساطة التي قادتها قطر بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة وتركيا، تم الوصول إلى اتفاقٍ شاملٍ لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، إضافةً إلى دخول ستمئة شاحنة إغاثة يوميًا عبر المعابر. وبينما كانت الوفود تتجهّز للقمة، فُجعت قطر بنبأ استشهاد ثلاثة من خيرة أبنائها وإصابة اثنين في حادث سير على طريق شرم الشيخ، كانوا يسيرون في طريق السعي للسلام أثناء مهمّةٍ مرتبطة بأعمال القمّة. قضوا شهداء من أجل حقن الدماء في غزة. رحمهم الله، فقد رحلوا وهم يحملون رسالة سلامٍ لا تموت. 

وبحسب الإحصاءات الأممية، فإنّ غزة سجّلت أعلى معدلٍ للضحايا المدنيين في القرن الحادي والعشرين نسبةً لمساحتها وعدد سكانها. إنها المدينة التي دفعت أثمانًا باهظة من أجل أن تظلّ واقفة على قدميها. غزة اليوم لا تطلب الشفقة، بل الدعم المنظّم والإغاثة العاجلة لقطاعها الصحي، الذي يعاني من نقصٍ حادٍ في المستشفيات، والأدوية، والأجهزة، والمستلزمات، والكادر الطبي المنهك. إنّ مشهد الأطباء الذين يواصلون العمل بلا نومٍ ولا كهرباء هو صورة للبطولة في زمنٍ أنهكته القسوة.

أما التعليم، فقد كان أحد أكثر القطاعات تضررًا. مدارس كثيرة تحوّلت إلى ملاجئ أو ركام، وأطفال فقدوا مقاعدهم ومعلميهم وأحلامهم الصغيرة. واليوم، تعود أصوات الطلبة إلى ساحات المدارس المتهالكة، كأنها إعلانٌ جديدٌ للحياة رغم الألم. إنّ إعادة بناء المدارس وتأهيل المعلمين وتوفير الكتب والمناهج تمثّل أولوية إنسانية لا تقلّ أهميةً عن إنقاذ الأرواح. فالمجتمع لا يُشفى جسده دون أن تُعالج روحه، والتعليم هو الطريق الوحيد للشفاء المعنوي والنهضة المستقبلية. ومن هنا تبرز مسؤولية العالم في دعم هذا الحق المقدّس في التعلم، لأنه ضمانةٌ لعدم تكرار المأساة.

إعادة إعمار غزة ليست عملية هندسية فحسب، بل مشروع إنساني شامل لإحياء الذاكرة والهوية. فعودة الحياة ليست بالسهولة التي نتخيلها، بل هي مسار متكامل من العلاج والرعاية والتعليم والإصرار على الحياة والبقاء. إنها عودة إلى الإيمان بأنّ النور ممكن حتى بعد عتمة الدمار، وأنّ روح الإنسان أقوى من كل جدارٍ هُدم.إنّ رحلة العودة ليست رحلة جغرافية من الجنوب إلى الشمال، بل عودة الروح إلى غزة، عودةٌ من الموت إلى الحياة. وبوساطةٍ قطريةٍ لا تعرف الكلل أو التعب، ومع قمة شرم الشيخ التي حملت أرواح شهداء السلام، تُفتح صفحةٌ جديدة من تاريخٍ كُتب بالدم، لكنه لا يزال يصرّ على كتابة الأمل... كل هذا وبيني وبينكم.

اقرأ المزيد

alsharq فن التعامل مع العميل الغاضب

في بيئة العمل، نلتقي يومياً بأشخاص يختلفون عنا في أنماطهم وسلوكياتهم وتوقعاتهم. منهم من يمر مرور النسيم؛ هادئاً،... اقرأ المزيد

234

| 17 أكتوبر 2025

alsharq تحقيق الثروة الاقتصادية عن طريق الموارد البشرية

الرضا الوظيفي له دور كبير فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وقد يعتقد الكثير من الهيكل الوظيفي المسئول... اقرأ المزيد

270

| 17 أكتوبر 2025

alsharq الجدالات التي تسرق أعمارنا

منذ عشر سنوات، كنت أدخل النقاشات كما يدخل أحدهم في معركة مصيرية. جلسة عائلية تبدأ بسؤال عابر عن... اقرأ المزيد

177

| 17 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية