رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ميسون أبو حمدة

* مدربة معتمدة في التنمية الذاتية

مساحة إعلانية

مقالات

162

ميسون أبو حمدة

الجدالات التي تسرق أعمارنا

17 أكتوبر 2025 , 01:08ص

منذ عشر سنوات، كنت أدخل النقاشات كما يدخل أحدهم في معركة مصيرية. جلسة عائلية تبدأ بسؤال عابر عن خبر في الجريدة، أو لقاء مهني ينحرف فجأة إلى جدل عن الدين أو السياسة أو كرة القدم. الكل يرفع صوته، الكل متأكد أن الحقيقة تعيش عنده وحده، وكأن إقناع الطرف الآخر سيغيّر وجه الأرض.

كنت أخرج من تلك الجلسات كما دخلت: برأيي نفسه. لكنني أعود مثقلة بتوتر داخلي، وصداع مجاني، وشعور غامض أن شيئًا ما قد انكسر بداخلي. وقتها كنت أظن أنني “دافعت عن الحقيقة”. لكن مع الوقت اكتشفت أنني لم أكن أدافع إلا عن غرور صغير في داخلي لا يحتمل أن يخسر. الحقيقة الوحيدة أنني كنت أُهدر وقتي… والوقت ليس ورقة في دفتر المواعيد، بل هو عمري نفسه، إن ذهب فلن يعود.

مع العمر تفهم أن النقاشات العقيمة ليست معارك فكرية ولا فرصًا للوعي، بل هي ببساطة طواحين هواء. تصرخ، تلوّح بيديك، تستشهد بأمثلة… وفي النهاية تكتشف أنك تركض في المكان نفسه. كل ذلك الجهد لا يضيف شيئًا سوى استنزاف مشاعرك ووقتك. ثم تأتي لحظة الإدراك الأوضح: لا أحد أصلًا يملك الحقيقة كاملة. كل ما نملكه مجرد شظايا نراها من زوايانا الخاصة. ثقافتك، قيمك، تربيتك، تجاربك… كلها تلوّن نظرتك. ما يبدو لي بديهيًا قد يراه غيري عبثًا، وما يراه الآخر يقينًا قد لا يتجاوز عندي رأيًا شخصيًا. الحقيقة تشبه لوحة ضخمة، كل واحد يراها من نافذة ضيقة، ولهذا نادرًا ما يقتنع أحدنا برأي الآخر. فنحن لا نتجادل عن “الحقيقة”، بل عن “نسختنا الخاصة” منها.

وأحيانًا يأخذ الحوار شكلاً أقسى، حين يتحول من مجرد اختلاف رأي إلى تجريح في الدين أو الثقافة. عندها لا يعود الأمر مجرد جدل، بل كلمات ثقيلة تترك أثرًا طويلًا. ومع ذلك، يبقى القرار بين يديك: أن ترد وتشرح إذا شعرت أن الآخر صادق ويريد أن يفهم، أو أن تصمت إذا كان يريد فقط أن يجرّك إلى معركة خاسرة غايتها الاستفزاز لا الحقيقة.

ومع السنوات، تعلمت أن النضج لا يعني أن تنتصر في النقاشات، بل أن تختار منذ البداية أيها لا يستحق أن تخوضه أصلًا.

أن تبتسم بدلًا من أن تنفعل.

أن تغيّر الحديث قبل أن يتعقّد.

أن تترك الكلمة تمرّ كأنك لم تسمعها.

ليس ضعفًا، بل ذكاء يهمس لك: «سلامك الداخلي أثمن من أي بطولة كلامية».

اليوم أعرف أن الحياة أقصر من أن نبددها في «مناظرات» لا نتيجة لها. أن العلاقات أغلى من أن تُكسَر بسبب فكرة عابرة، وأن الوقت أثمن من أن يُستنزف في محاولة إقناع إنسان يرى الحقيقة من نافذته وحده. لذلك أسأل نفسي دائمًا قبل أن أفتح فمي: هل يستحق هذا النقاش أن أُعطيه دقيقة من عمري؟ أم الأفضل أن أتركه يتبخر في الهواء، وأمضي لأعيش ما تبقى من وقتي بسلام؟

اقرأ المزيد

alsharq فن التعامل مع العميل الغاضب

في بيئة العمل، نلتقي يومياً بأشخاص يختلفون عنا في أنماطهم وسلوكياتهم وتوقعاتهم. منهم من يمر مرور النسيم؛ هادئاً،... اقرأ المزيد

195

| 17 أكتوبر 2025

alsharq تحقيق الثروة الاقتصادية عن طريق الموارد البشرية

الرضا الوظيفي له دور كبير فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وقد يعتقد الكثير من الهيكل الوظيفي المسئول... اقرأ المزيد

258

| 17 أكتوبر 2025

alsharq الجدالات التي تسرق أعمارنا

منذ عشر سنوات، كنت أدخل النقاشات كما يدخل أحدهم في معركة مصيرية. جلسة عائلية تبدأ بسؤال عابر عن... اقرأ المزيد

162

| 17 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية