رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

م. حسن الراشد

مساحة إعلانية

مقالات

1023

م. حسن الراشد

العدالة المناخية بين الثورة الصناعية والثورة الرقمية

09 أكتوبر 2025 , 06:03ص

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر البيئية الناجمة عن الصناعات الهيدروكربونية، وفي مقدمتها النفط والغاز. وقد تبنّت مؤسسات كبرى، كالأمم المتحدة عبر أهدافها السبعة عشر للتنمية المستدامة و247 مؤشراً لقياسها، ووكالة الطاقة الدولية، والاتحاد الأوروبي وتعقيداته، إشارات تُحمّل دول الخليج العربي، بوصفها من كبار المنتجين والمصدّرين، المسؤوليةَ الرئيسية عن أزمة المناخ.

ونتيجةً لذلك، تُفرض على هذه الدول سياسات وضغوط تحدّ من توسّعها الاستثماري في قطاع الطاقة الأحفورية، وتُلزمها بالتوجّه نحو مصادر الطاقة المتجددة، لتظلّ في موقع الاتهام وتحت ضغوط الاستنزاف المستمرة، في خطابٍ يبدو للوهلة الأولى دعوةً لحماية المناخ، لكنه في جوهره «كلمةُ حقٍّ يُرادُ بها باطل».

غير أنّ هذا الخطاب يخفي تناقضًا واضحًا؛ إذ يتم التغاضي عن الأثر البيئي المتنامي للتقنيات الرقمية الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي (AI)،

 والعملات المشفّرة (Cryptocurrencies)،

 ومراكز البيانات العملاقة (Hyperscale Data Centers)، التي تستهلك مئات «التيراواط ساعة» من الكهرباء سنويًا، معظمها من مصادر هيدروكربونية. ولولا هذه الموارد لما ازدهرت الثورة الرقمية، أو ما يُعرف بـ«الرأسمال السحابي» (Cloud Capital)، الذي أصبح أداةً في الصراع الجيوسياسي بين القوى الكبرى كأمريكا والصين، ضمن ما يُسمّى بـ «حروب التكنولوجيا».

وقد باتت الشركات الرقمية تتصدّر القيم السوقية في البورصات العالمية بفارقٍ شاسع عن قطاعات الطاقة التقليدية. وتشمل هذه الطفرة أيضًا قطاع النقل والسيارات الذكية ذاتية القيادة، بما يعكس التحوّل الجذري نحو الاقتصاد الرقمي. وتشير التقديرات إلى أنّ مراكز البيانات قد تستحوذ على أكثر من 20% من الاستهلاك العالمي للكهرباء بحلول 2030، أي ما يفوق استهلاك دول صناعية كاملة. كما تحتاج هذه البنى إلى مليارات الأمتار المكعّبة من المياه للتبريد.

تطرح هذه الازدواجية تساؤلات جوهرية حول عدالة المعايير: هل الهدف حقًا هو حماية المناخ، أم التحكّم في مسار التنمية والاقتصاد العالمي عبر فرض قيودٍ على الموارد الهيدروكربونية الخليجية التي تمثّل ركيزة استدامة اقتصاداتها؟

لقد تحوّل النقاش من قضية بيئية إلى ورقة ضغط سياسية واقتصادية تستخدمها القوى الصناعية غير المنتجة للطاقة لإعادة رسم خريطة تدفقاتها وأسعارها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.

وفي المقابل، يُمنَح الذكاء الاصطناعي والعملات المشفّرة غطاءً «أخضر» باعتبارهما رمزًا للتفوّق التكنولوجي، رغم بصمتهما الكربونية العالية. وهكذا تُستخدم «العدالة المناخية» شعارًا لتقييد المنتجين الخليجيين والحد من قدرتهم التنافسية في أسواق الطاقة، بينما يُتجاهل الأثر البيئي لشركات التكنولوجيا الكبرى. وربما سنشهد مستقبلاً تصنيف الكربون الناتج عن هذه التقنيات بغطاء «أخضر» أو «أزرق» في تلميعٍ سياسي لا بيئي.

ولا يختلف اثنان على أنّ النفط والغاز شكّلا الأساس الذي قامت عليه الثورة الصناعية الثانية ومهّدا للثورة الرقمية والصناعية الرابعة، وصولًا إلى بروز الذكاء الاصطناعي ذاته. ومع ذلك، يواجه هذا القطاع ضغوطًا متزايدة من منظمات دولية وكيانات أوروبية تسعى لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.

ومن وجهة نظري، فإنّ أغلب الحلول المناخية المطروحة تتركّز على استبدال الطاقة الهيدروكربونية بالطاقة المتجددة دون معالجةٍ حقيقية لجذور الأزمة أو تعزيز كفاءة الاستهلاك وعدالة التحوّل. فالقضية ليست في تبديل مصدرٍ بآخر، بل في بناء منظومةٍ متوازنةٍ ومنصفة، دون إقصاء قطاعٍ لحساب آخر «لحاجةٍ في نفس يعقوب».

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تمضي الاستثمارات الخليجية في الطاقة المتجددة والهيدروجين والتقنيات الرقمية بدافع رؤيةٍ استراتيجيةٍ مدروسة، أم استجابةً لضغوطٍ دولية قد لا تنسجم مع مصالحها الوطنية وثرواتها التي وهبها الله لها؟

مساحة إعلانية