رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أفق الانقسام

من حق كافة القوى التعبير عن نفسها والهيمنة والاستفراد بالمشهد غير مقبول مرة أخرى تتجمع سحب الانقسام في أفق القوى المنتمية لثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر ففي الوقت الذي توافقت فيه قبل يوم الجمعة الأخير – التاسع والعشرين من يوليو – على أن تكون فعاليات هذه الجمعة لوحدة الصف ولم الشمل والتوافق على استكمال مسار الثورة عبر عدد من المطالب المحددة فوجئ العدد الأكبر من الائتلافات والحركات والأحزاب بمسعى القوى التي تعبر عن التيار الإسلامي للهيمنة على المشهد العام لميدان التحرير وغيره من الميادين عبر التدفق المبكر لعناصره خاصة التيار السلفي الذي احتشد على نحو غير مسبوق برموزه وشبابه المعروفين بلحاهم الطويلة وجلابيبهم القصيرة فسيطروا على أغلب مداخل الميدان ومنصاته وساحاته فبدا الأمر وكأنه استعراض للقوة موجه للكافة بل فسره البعض بأنه موجه بشكل خاص إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تسوق نفسها باعتبارها التنظيم الأكثر قوة واتساعا من حيث الجماهيرية حتى تقبل بتوجهات التيار السلفي التي لاتقبل بها الجماعة على نحو مطلق. وليس ثمة شك في أنه من حق جميع القوى والتيارات التعبير عن نفسها وعن توجهاتها وأفكارها وفق المنهجية السلمية التي لا تتقاطع مع أفكار وتوجهات الآخرين لكن في الآن ذاته فإن منطق الهيمنة والاستفراد بالمشهد غير مقبول بالمرة خاصة في ظل تفاعلات ثورة وليدة مازالت تتحسس سبيلها سعيا لتحقيق متطلباتها التي يجمع عليها الشعب حتى وإن اختلفت وسائل قواه الحية وهو ما كان يستوجب على رموز التيار الإسلامي الالتزام بما تم التوافق عليه مع رموز القوى والتيارات الأخرى قبل مليونية الجمعة الأخيرة وأظن أن الوفاء بالمواثيق والعهود واحد من محددات الانتماء إلى الإسلام وشريعته ومنهجه الرباني والتي لا تقصي الآخر أو تهمشه وإنما تحث على التفاعل معه وتوظيف طاقته في خدمة المشروع الإسلامي الذي هو بالأساس مشروع موجه لتلبية مطالب الناس بشقيها المادي والروحي. لقد تبارى رموز التيار السلفي في طرح شعارات إسلامية وهو أمر مقبول من حيث المبدأ لكنه يحمل في الآن ذاته محاولة لاستبعاد شعار الدولة المدنية التي باتت تحظى بالقبول العام حتى من قبل المؤسسة الإسلامية الرسمية – الأزهر- وهو ما عبرت عنه في وثيقتها الشهيرة التي أصدرتها قبل نحو شهرين فضلا عن أن كثيرا من المفكرين الإسلاميين ومنهم الدكتور محمد سليم العوا والدكتور أحمد كمال أبو المجد لا يؤمنون بالدولة الدينية وإنما يدعون إلى دولة وطنية ذات مرجعية إسلامية تقوم على أساس المواطنة للجميع وهو ما نهضت عليه أسس الدولة في التاريخ الإسلامي بمعنى أنه لم يكن ثمة كهنوت يحكم وفق النموذج الذي كان قائما في الغرب قبل الإصلاح الديني الذي طال الكنيسة والذي كان يمنح رجالها كل السلطة في الهيمنة على مقادير البلاد والعباد. لقد ألقت الشعارات واللافتات التي حملت مقولات ذات طابع ديني بميدان التحرير وغيره من الميادين بعض الهواجس لدى أنصار ومؤيدي القوى والتيارات الأخرى فاضطر أغلبهم إلى الانسحاب من المليونية وعاد المشهد السياسي في مصر إلى مربع الانقسام الذي تم تجاوزه قبل ثلاثة أشهر عندما شهدت مصر نوعا من الاستقطاب الحاد بين القوى التي شاركت على نحو أو آخر في الثورة على نحو جعل مصر تعيش ما يمكن وصفه بالفسطاطين الأول يحتوي الجماعات الإسلامية التي دخلت بقوة على خط الثورة سعيا إلى تكريس حضورها ودروها اعتمادا على خطاب يستخدم المفردات الدينية من قبيل الشريعة والحدود دون أن يمتد للأسف إلى الصيغ الدينية التي تعلي من قيمة الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان ومحددات التنمية والتحديث الذي تتطلع إليه مصر وهي قضايا جوهرية في الحراك السياسي المصري الذي قاد إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير بينما يضم الفسطاط الآخر القوى السياسية ذات الصبغة الليبرالية والقومية واليسارية وائتلافات الثوار بتعدد اتجاهاتهم وانقساماتهم الحادة بدورها والتي أبدت انزعاجا من محاولة استغلال الرموز والخطاب الإسلامي في الحركة السياسية ومخاطبة الرأي العام المصري ووصل الأمر إلى حد محاولة التخويف من تداعيات وقوع أي مقاربة قد تفضي إلى تولي الإسلاميين بمختلف توجهاتهم إخوانية أو سلفية أو جماعات أخرى السلطة عقب الانتخابات البرلمانية القادمة. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد من المخاطر فثمة من يحذر من دخول البلاد والعباد أيضاً إلى مستنقع الحرب الأهلية إذا ما أصر الإسلاميون على فرض خياراتهم التي جعلت البعض يخشى من تحول مصر إلى أفغانستان أخرى تحت حكم طالبان خاصة أن الخطاب الذي يسوقه التيار السلفي أقرب إلى خطاب هذه الحركة والذي يتعالى على الأطروحات السياسية والفكرية الحديثة ويعتبرها في حكم البدع وهو ما لا أظن أن مصر قابلة للتفاعل معه بفعل موروثها الحضاري الإسلامي القائم دوما على الوسطية والاعتدال والفهم المستنير لقواعد الشريعة وجعلها بذلك تشكل أنموذجا مقبولا للتعايش بين المواطنين بمختلف انتماءاتهم العرقية والدينية تحت عباءة الإسلام وقد رفض الشارع المصري في حقبة التسعينيات محاولة الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي لفرض رؤية متطرفة طالت مسارات حياته اليومية ولم يبد أي تجاوب معهما بالرغم من الكراهية المبطنة لنظام مبارك الذي كانتا تعلنان أنهما تحاربانه . وفى تقديري فإنه بات مطلوبا من قوى التيار الإسلامي خاصة السلفي أن يتخلص من خطابه المغلق على بعض الشعارات التي تفتقر إلى مضمون ومنهجية وآليات عمل تتماس مع الواقع المباشر وأن ينفتح على كل قوى المجتمع بل ويستفيد من المهارات التي اكتسبها الإخوان المسلمون في التفاعل مع الشارع والتعبير عن أشواقه خاصة على الصعيد الاجتماعي الذي ميز حضورهم خلال العقود الثلاثة الأخيرة وجعلهم في مواجهة مع العديد من المعضلات اليومية التي يسعون إلى تجاوزها فضلا عن خبراتهم السياسية على صعيد المواءمة مع الواقع وعدم الوقوع في فخ الخطابية الضبابية والتكيف مع محددات السياسة المعروفة بعيدا عن " شطط " الخطاب المتشدد الذي ينفر ولا يجذب. وفي المقابل فإنه لا يتعين على القوى والتيارات الأخرى من ليبرالية وقومية وعلمانية أن تتهرب من المواجهة أو تنسحب من الميدان وإنما هي مطالبة بالتوجه نحو القوى الإسلامية وفي مقدمتها السلفيون والاندفاع إلى احتوائهم وإشعارهم بأنهم جزء من المكون الأساسي للأمة والدخول معهم في حوار يحقق مقاربة باتجاه القواسم المشتركة وتجاوز ما يعكر الصفو خاصة على صعيد رفض الشريعة الإسلامية وهو التخوف الذي يسيطر على الإسلاميين بمختلف توجهاتهم وبالذات تجاه المادة الثانية من الدستور والإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى والذي ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع في مصر بحيث يكون هناك إجماع بشأن هذه المادة التي تشكل ضمانة للاستقرار وذلك حتى لا يندفع السلفيون وغيرهم من مكونات التيار الإسلامي نحو المزيد من الانغلاق وربما الانزواء تحت الأرض بعد الخروج إلى سطحها. السطر الأخير: قومي انغرسي جذورا بتكويني احترقي اشتعلي فالعشق سبيلي إليك لغتي في أشواقي بثي دفئك بشراييني أفتح بوابات القلب للنبض الطالع من عينيك يشرق قمرا بأحزاني يخترق الوجع المرسوم بآهاتي يقصي دموعا بمسافاتي فكوني مطرا أو نهرا كوني ضوءا ينهمر بعتباتي (2) جئتك مفتونا أحمل ولعي على ظهري مقسوما بمقاديري فتعالي أبثك وجدي أمرح في أرضك بخيولي أمنحك سر الأقمار تهبيني رقص الأنهار نمتزج كونا ما يفتأ يقص الأشعار [email protected]

518

| 01 أغسطس 2011

ثورة يوليو مرتكز حقيقي لثورة يناير

الليبراليون الجدد يسعون إلى إقصاء ثورة يوليو من مشهد يناير ثمة محاولة من قبل بعض الذين ينتمون إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير إلى نفي وإقصاء ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 التي فجرتها طليعة ثورية من القوات المسلحة المصرية بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر واعتبارها كأن لم تكن وهي حالة من الشطط تلبست هؤلاء النفر الذين رأوا أن ثورة الخامس والعشرين من ينايرهي الثورة الوحيدة في تاريخ مصر الحديث وأن ما عداها لم يكن إلا مجرد انتفاضات أو انقلاب عسكري قاده رجال الجيش وذلك دون قراءة حقيقية لجوهر ثورة يوليو أو مردودها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليس على الواقع المصري فحسب وإنما على مجمل المشهد العربي والعالم الثالث بل أشير هنا إلى أن علم الثورات الذي يدرس في بعض جامعات الغرب بحسبانه علما مستقلا ما زال يدرس ثورة يوليو كنموذج على الثورات الحديثة التي أفضت إلى تغيير حقيقي وشامل في بنية المجتمع المصري. ولاشك أن ثمة حماسا بالغا لدى قطاعات عريضة لثورة الخامس والعشرين والتي هي ثورة الشعب المصري بكل شرائحه واتجاهاته والجميع يدرك مفصليتها في التاريخ المصري المعاصر بل إن مجلة التايم الأمريكية اعتبرتها واحدة من أهم الثورات في العالم على مدى القرون الأربعة المنصرمة بيد أن ذلك لا ينبغي بالضرورة أن يقود إلى وأد ثورة يوليو ومحوها من خارطة الواقع المصري بل يمكنني القول باطمئنان إنها شكلت المرتكز الرئيسي بأفكارها وتوجهاتها لثورة يناير وهو ما تجلى- ليس في رفع صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بشوارع وميادين مصر خلال الثمانية عشر يوما التي أمضتها الجماهير منادية بسقوط مبارك- بل في الشعارات التي تبناها المتظاهرون والتي تمثلت في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتى كانت من أهم الأهداف التى سعت الى تحقيقها ثورة يوليو وإن تفاوتت المعطيات المحيطة بهدف تحقيق الديمقراطية والذي لا يمكن للمرء إلا أن يشير إلى أنه لم يشهد تفعيلا على الصعيد السياسي ربما بفعل حداثة التجرية الحزبية التي شهدتها المحروسة قبل يوليو واتسمت بأداء وفعالية هشة لم تتماس مع مطالب الشعب الذي عانى ثالوث الجهل والمرض والفقر فلم يتمكن من مقاربة الأطروحات الديمقراطية والتعددية الحقيقية والتي ظلت مرهونة بالنخبة الإقطاعية وكبار الملاك ورجال السياسة المصنوعين على عين المستعمر البريطاني صاحب القرار الحقيقي في مصر والقصر الملكي الضعيف مع الاحتلال والمتغرطس مع شعبه. لقد انطلقت ثورة يوليو من واقع شديد السوء وسعت إلى التخلص منه عبر وسائلها المتاحة معتمدة على القدرات الذاتية للشعب المصري واضعة في الاعتبار الكرامة الوطنية التي شهدت انسحاقا في حقب ما قبل يوليو بلا حدود حتى من قبل النخب السياسية التي كانت تتبادل السلطة فيما بينها عبر انتخابات مزورة في أغلبها فضلا عن ترد بالغ في الوضعية الاجتماعية للشعب ووقعت محاولات عديدة لتغييرها لكنها ظلت عصية على التجاوز إلى أن جاءت طليعة القوات المسلحة التي قادت أهم تحول في تاريخ مصر المعاصر في الثالث والعشرين من يوليو 1952 فشكل بتوجهاته واختراقاته الواسعة للواقع ثورة بكل المعايير بالرغم من أنه أطلق عليها في البداية وصف الحركة. وجاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد أن بلغ الظلم مداه في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك والذي لم يتمكن مرة واحدة من قراءة بوصلة الشارع فظل سادرا في غيه ومشروعه الخاص والذي نهض على تقزيم مصر وحصرها في نخبة سياسية زاوجت بين السلطة والثروة دون أي مقاربة حقيقية مع الأغلبية التي ظلت تعاني من القهر السياسي والأمني والاجتماعي بحيث أن تجليات المشهد المصري قبل الخامس والعشرين من يناير كانت متقاربة إلى حد كبير مع ملامح المشهد الذي كان سائدا في نهاية حقبة الأربعينيات وبداية حقبة الخمسينيات من القرن الفائت خاصة بعد التغييب القسري للطبقة المتوسطة والصعود السريع لفئات الطفيليين وسارقي الأموال والجهلة والقريبين من الحلقة الضيقة في الحكم ثم جاء مشروع توريث السلطة لنجل الرئيس السابق ليوسع قاعدة الاحتقان الشعبي وبدا أن المحروسة مجرد مشروع خاص لأسرة مبارك تتحكم فيها كما تشاء لا يعنيها تزايد قطاعات المرضى والفقراء والمناطق العشوائية وغياب الخدمات التي تقدمها الدولة وترك الأمر للقطاع الخاص في تدبير محكم وبمشاركة من رموز السلطة ليتحكم في خارطة هذه الخدمات والتي ظلت بمنأى عن قدرات أغلبية الشعب المصري إذن السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تكاد تكون متقاربة بين الثورتين وإن شهدت قدرا أوسع من التفاقم في حقبة مبارك الذي ظل يحكم الوطن دون أن يشعر بنبض الشعب فكرهه وأصر على خلعه. وثمة قاسم مشترك في الثورتين يتجلى في الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية ففي يوليو كانت هي مفجر الثورة وحاميتها وانحاز إليها الشعب الذي منحها تأييده فسعت إلى تحقيق أشواقه وأحلامه والتي تعرضت مسيرتها إلى بعض الإخفاقات من جراء مؤامرات الخارج الذي سكنته الهواجس حيال توجهات قادة يوليو التي سعت إلى تكريس استقلالية القرار الوطني والاعتماد على القدرة الذاتية لمصر وتبني التوجهات التحررية سواء في الداخل أو في الإقليم أو في العالم. وفي يناير فإن الشعب هو الذي فجر الثورة فانحازت إليه المؤسسة العسكرية معلنة تبنيها لخياراته ومؤكدة حمايتها له في وجه مطالب بإبادته والقضاء على المتظاهرين باستخدام القوة والعنف وبدون هذا الانحياز فإنه لم يكن بمقدور هذه الثورة أن تصمد حتى الآن والملاحظ أن محاولات إجهاضها واحتوائها ما زالت قائمة وهو ما يعني أنها في حاجة إلى إسناد المؤسسة العسكرية بالرغم من كل التفاعلات المحيطة بوقائع المرحلة الراهنة التي تشهد سعيا من قبل بعض الدوائر إلى الدخول في مواجهة مع هذه المؤسسة التي أدركت أنها في حاجة بدورها إلى الشعب حتى يكون بمقدورها وضع المسارات الصحيحة لتطبيق أهداف الثورة وتجاوز بعض ما يبدو أنه نوع من الإخفاق أو الفوضى في بعض الأحيان. إن ثورة الخامس والعشرين من يناير هي بكل تأكيد مقاربة جادة وصادقة لتجديد ثورة الثالث والعشرين من يوليو خاصة أنها جاءت بعد ما يقرب من 59 عاما منذ انبثاقها في العام 1952 وهو ما يستوجب ضخ دماء جديدة في مساراتها ونفخ روح وثابة في جسدها الذي أنهكه النظام الذي نشأ في مصر بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في الثامن والعشرين من سبتمبر 1970 لتخطو بالأهداف التي سعت إلى تطبيقها ولم تكن مطلقا فعلا نقيضا لها. واللافت أن نفرا من الذين يسعون إلى إقصاء يوليو من مشهد يناير هم من الليبراليين الجدد وبعضهم قفز على ثورة يوليو من مظلة صنعت خارج الحدود ويحصل على أموال باتت تتدفق من دوائرمعروفة بكراهيتها التاريخية للمشروع الوطني القومي الذي جسدته ثورة يوليو فضلا عن ارتباطات تداخلت مع النظام السابق الذي عادى مشروع عبد الناصرعلى صعيد المحتوى وإن حاول التمسح بها على مستوى الشكل. إن ثورة الخامس والعشرين من يناير ليست خصما من رصيد ثورة الثالث والعشرين من يوليو التي مر على تفجيرها 59 عاما أمس الأول ولن تكون نقيضا لها على الإطلاق فهي حية في وجدان الشعب المصري بكل منجزها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. السطر الأخير: أستعيد بهجتي القديمة تتشكل قسمات كينونتي أنطلق في فضاءات الروح أيا سيدة الفؤاد والجروح بهاؤك عاد إليّ ارتويت من بئرك المشتهاة من حضورك الذي أقصى الغياب من فتنتك المطرزة بالحدائق عاد لي البحر والنهارات المسافرة سكنت جوارحي [email protected]

458

| 25 يوليو 2011

مسافة بين الشعب والجيش

يجب أن يدرك الجميع مخاطر تحدي سلطة المؤسسة العسكرية أو استفزازها لا أظن أن أحدا بوسعه أن يبتهج بهذا القدر – حتى ولو بدا محدودا – من الاحتقان في العلاقة بين نفر من ائتلافات ثورة الخامس والعشرين من يناير والمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر وتلك في تقديري معضلة يتعين الحذر منها بل والسعي بقوة إلى تجاوزها ليس بفعل ما يمتلكه المجلس من قوة لا تجب الاستهانة بها وإنما لمخاطرها الجمة على مقدرات الوطن والشعب. وبلغ هذا الاحتقان المحدود ذروته في جمعة الغضب الثانية التي انطلقت في الثامن من يوليو ثم ما تلاها من اعتصامات بعدد غير قليل من ميادين عواصم المحافظات المصرية ثم في جمعة الإنذار الأخير في الخامس عشر من يوليو متجليا في الهتافات التي طالت قيادة المجلس وبعض رموزه ومنادية بسقوطه على نحو أعاد إلى الأذهان الهتافات المطالبة بسقوط الرئيس السابق حسني مبارك وفي المقابل فإن المجلس أظهر ما يمكن تسميته بالعين الحمراء في البيان الذي تلاه اللواء محسن الفنجري أحد أبرز أعضاء المجلس العسكري والذين اكتسبوا شعبية عالية خاصة بعد توجيهه التحية العسكرية لشهداء الثورة عقب تنحي مبارك عبر شاشات التليفزيون بطريقة انطوت على احترام واسع للثورة وشهدائها وتضمن هذا البيان في مفردات قوية وحركات باليد والأصابع ما ينبئ عن نفاد صبر المجلس وعدم سماحه بأي محاولة للقفز على السلطة أو تجاوز الشرعية فضلا عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمجابهة التهديدات التي تحيط بالوطن وتؤثر على المواطنين والأمن القومي من أي عبث يراد بها وصنعت هذه التجليات مسافة أو بالأحرى فجوة بين بعض الذين يخططون ويدبرون للمظاهرات والاعتصامات وبين المجلس العسكري أسهمت المظاهرة التي خرجت بميدان روكسي يوم الجمعة الفائت رافعة شعارات مؤيدة للمجلس ومنددة بثوار ميدان التحرير في تعميقها على نحو أعاد للأذهان المظاهرات التي خرجت مؤيدة لمبارك ومدافعة عن نظامه في هذا الميدان القريب من القصر الجمهوري والذي يتوسط منطقة مصر الجديدة التي يسكنها أفراد الطبقة الجديدة في مصر من رجال أعمال وكثير من رموز ونخب ارتبطت بالنظام السابق. ولاشك أن الانتقادات التي وجهها البعض من رموز الثوار والقوى السياسية الجديدة لأداء المجلس العسكري لم تتجاوز المألوف خاصة فيما يتعلق بالبطء في تغيير معادلات السلطة وتطبيق أهداف الثورة التي تتمثل في الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية على نحو ينسجم مع قوة الدفع التي توافرت بعد الحادي عشر من فبراير الماضي عقب سقوط رأس النظام السابق بالإضافة إلى ما اعتبره البعض نوعا من التواطؤ في محاكمة مبارك ونجليه وقتلة الثوار والمعتدين على المتظاهرين ولكن في المقابل فإن المنتقدين فاتهم أن عملية إعادة بناء وطن بعد ثلاثة عقود من التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليست بالسهولة بمكان بل تتطلب متسعا من الوقت وموارد مالية وقدرات بشرية غير متاحة على النحو المطلوب في الفترة التي أعقبت سقوط النظام القديم وفي الآن ذاته لم يمتلكوا الوعي والفضاء السياسي الواسع فانبرى بعضهم ساعيا إلى محاولة تهديد مصالح البلاد والعباد من خلال قطع الطرق الرئيسية وإغلاق المصالح الحكومية بل والتهديد بإغلاق قناة السويس وهو ما دفع اللواء محسن الفنجري عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى الإدلاء ببيانه سالف الذكر شديد اللهجة وقام زميله اللواء حسن الرويني قائد المنطقة العسكرية المركزية وعضو المجلس بتفسير هذه اللهجة على نحو يقصد إلى التخفيف من آثارها وطمأنة المعتصمين في ميدان التحرير وغيره من ميادين المحروسة عبر قوله إن هذه اللهجة عكست انزعاج المجلس الأعلى للقوات المسلحة من تهديدات متزامنة بغلق البورصة وطرق ومنشآت حيوية خاصة قناة السويس. مضيفا أن هذه المعطيات أزعجت الجيش "لأنها ارتبط في مخيلتنا بما جرى في 1956 - قبل التدخل الأجنبي لاحتلال قناة السويس- عندما تم الدفع بإسرائيل لمناوشة مصر ومطالبة بريطانيا وفرنسا لمصر بترك حماية وتأمين القناة لهم "مشيراً إلى تفاصيل الساعات التي عاشها المجلس الأعلى للقوات المسلحة والتي سبقت بيان اللواء محسن الفنجري فقد تم ضرب خط الغاز في سيناء للمرة الثالثة وغلق طريق العوجة وحصار مبنى إرشاد قناة السويس واعتقال 4 أجانب يصورون قناة السويس ارتفعوا إلى 7 في عدة مناطق لاحقا أحدهم ضبط وهو يسلم أموالا لعدد من الأشخاص. وفي القاهرة تم غلق مجمع التحرير والتهديد بالعصيان المدني وهددت مجموعة بغلق مترو الإنفاق وأخرى اتجهت للبورصة التي خسرت 7 مليارات جنيه في هذا اليوم، الثلاثاء 12 يوليو. ووفق قول اللواء الرويني فإنه لو تم تجميع كل هذه النقط ستشير إلى أن هناك شيئا غير طبيعي يحدث، وهو ما أزعجنا جدا، مؤكداً أن الجيش لا يزعجه وقوف مجموعة من الشباب تعتصم في التحرير ولكن ما أزعجه هو ما حدث مواكبا للاعتصام من تخريب أو تهديد لمنشآت حيوية - هذا الكلام للمسؤول العسكري الكبير- قررنا أن يخرج اللواء محسن الفنجري بهذا البيان ليقول أمرين، يطمئن الشعب بوجود الجيش حاميا، ويعطي رسالة لمن يفعل هذا ويعبث بأمن مصر مفادها أن القوات المسلحة موجودة مؤكداً أن الحالة الانفعالية التي ظهر بها اللواء الفنجري كانت سارية لدى كل القادة أعضاء المجلس العسكري بسبب توالي الأحداث التي تشير لأمر غير طبيعي يحدث ويهدد أمن مصر والمصريين. ولست في حل من القول إن الإقدام على خطوات وإجراءات من شأنها أن تشكل تحديا للمؤسسة العسكرية وقيادتها التي تدير البلاد حاليا ينطوي على استفزاز لها ودفعها إلى قرارات وخطوات صعبة لأنها ستتعلق عندئذ بمعادلة الأمن والاستقرار الداخلي والخارجي للمحروسة التي لا ولن تسمح المؤسسة العسكرية بمحاولة العبث بها لاسيَّما أن نفرا ممن يحسبون على ائتلافات الثورة من ظنوا أنه بوسعهم الإقدام على تحديها فجاءت الرسالة سريعا في بيان الفنجري بعدم السماح بأي محاولة للقفز على السلطة والشرعية التي تمثلها. ومن ثم فإنه من البديهي أن يدرك ثوار يناير بتعدد ائتلافاتهم وقواهم ومن معهم من قوى سياسية متحالفة معهم أو قريبة منهم مخاطر تحدي سلطة المؤسسة العسكرية ليس من قبيل الخنوع للسلطة القائمة أو القبول الجبري بخياراتها مثلما كان يحدث في عقود مبارك وإنما انطلاقا من أن هذه المؤسسة تمتلك خصوصية في الدور والأداء والمهمات المنوطة بها فهي قد انحازت عن قناعة قوية إلى ثورة الشعب ومن ثم لا يتعين بعد نجاحها محاولة القفز عليها أو تجاوزها فالشعب ما زال في حاجة إلى قوتها وقدراتها وأدائها على أن تحسن من أساليبها وأدواتها على نحو يسارع من وتيرة حركتها وفق الانضباط والمنهج العلمي الذي تتميز به بما يصب في تكريس أهداف ثورة يناير وأشواق شعب تطلع وما زال إلى الديمقراطية والحرية والعدالة والاجتماعية. السطر الأخير: مطاردا في البراري مغيبا في الصمت تسكنني المسافات هو أنت رحلتي للأشواق المسافرة أم خيمة للعشق تحتويني؟ فيك الأمطار أترقبها كي تبثني رحيقها المستور عسجدها الأبدي أيتها الخالصة لي الليل لك والفجر كل الصباحات المتوالية لي أنت بتهدل القصائد من فساتينك وانشطار الياقوت من قسماتك الوضاءة المطرزة بمرجان البحار وعنفوان الوجد الساكن أقمار الكون لك ورقي وشعري عناويني حدائق روحي المترعة بذكرك لك أنهاري ملحي حدود البلاد تضاريس وجعي أحيانا لك أنا عمرا وحقولا عشقا سرمديا ولعا لا ينتهي أيا سر كينونتي ومنتهى صيرورتي [email protected]

726

| 18 يوليو 2011

الثورة متوهجة

الثورة ما زالت متوهجة ولا يمكن احتواؤها أو الدفع بها نحو مسارات معاكسة كان من الضرورة بمكان التحرك باتجاه ميدان التحرير وغيره من ميادين محافظات المحروسة يوم الجمعة الماضي لتوجيه عدة رسائل لكل من يهمه الأمر. أولا: إن الثورة التي انبثقت في الخامس والعشرين من يناير المنصرم ما زالت متوهجة وليس ثمة إمكانية لإجهاضها أو احتوائها أو الدفع بها نحو مسارات تعاكس اتجاهها الصحيح الذي رسمه الثوار على مدى ثمانية عشر يوما من المكابدة والمجاهدة حتى تمكنوا من إسقاط رأس النظام ورموزه واحدا بعد الآخر في متوالية مدهشة. ثانيا: إن الثورة ما زالت رقما مهما في المعادلة السياسية لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه بحيث يمكن للعناصر المناهضة لها من محوها من خارطة الوطن وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء أي إلى ما قبل الحادي عشر من فبراير. ثالثا: لا مجال على الإطلاق للانقسام بين الفصائل والقوى التي قامت الثورة على أكتافها حتى وإن تباينت منطلقاتها الفكرية والثقافية والذين راهنوا على هذا الانقسام الذي كادت نذره تعصف بالثورة وبالثوار بوسعهم الآن بعد الثامن من يوليو أن يناموا قريري العيون فقد ذهبت رياحه – أي الانقسام – إلى غير رجعة. رابعا: لم يعد بمقدور القوى التي امتطت صهوة الثورة أن تقدم نفسها بحسبانها الموجهة الأوحد للأحداث أو التطورات وهو ما يستدعي منها أن تتعامل بمنطق الشريك بعيدا عن الهيمنة التي دفعت بعض الاتجاهات إلى التوجس من هذه القوى التي أظهرت في بعض خطابها نوعا من الاستعلاء على الواقع طرح مفاهيم تتناقض مع السياق الذي يحظى بالقبول أو الرضا العام. خامسا: بات من الملح أن تتعدل السياسات التي انتهجتها النخبة الحاكمة الجديدة منذ أن تولت مقادير أمور الوطن بعد الحادي عشر من فبراير والتي أخذت منحى يخاصم في بعض مساراته ما سعت الثورة إلى تكريسه ولعل في صدارة ذلك الجوانب الاقتصادية وما يتعلق تحديدا بمبدأ العدالة الاجتماعية فالملاحظ أن جملة ما طبق من سياسات حكومية لم يتماس مع قواعد هذه العدالة التي ظلت وما زالت مرتكزا أٍساسيا في توجهات ثوار يناير بمختلف فئاتهم ولعل الموازنة العامة التي تم اعتمادها للعام المالي الجديد 2011 – 2012 وفق رؤية الكثير من الخبراء لا تعدو كونها مجرد إعادة إنتاج لموازنات وزير المالية السابق الهارب يوسف بطرس غالي وكذلك فيما يتعلق بالحد الأدنى من الأجور والذي جعلته الموازنة حوالي 700 جنيه مصري أي ما يزيد على مائة دولار بقليل بينما المطلوب حسب الخبراء أيضاً أن يكون 1200 جنيه مصري أي ما يزيد قليلا عن مائتي دولار وفي الآن ذاته فإن مؤشر البطالة لم ينخفض عما كان سائدا قبل الخامس والعشرين من يناير وهو ما يستوجب وضع آليات فعالة للخروج من مأزق البطالة الذي يؤرق الشباب خاصة الخريجين الجدد. سادسا: الإسراع بوتيرة المحاكمات التي تجرى لرموز النظام السابق وفي مقدمتهم رأسه حسني مبارك والذي يبدو أن وقائع الأشهر الستة المنصرمة منذ قيام الثورة قد أوحت أن ثمة محاولة للتعتيم على هذه المحاكمات أو إجرائها وفق قواعد وآليات تنتهي إلى إصدار أحكام بالبراءة مثلما حدث مؤخرا لنفر من الوزراء السابقين فضلا عن إخلاء سبيل الضباط المتهمين بالقتل والاعتداء على المتظاهرين في محافظة السويس خلال الثورة وهو ما أدى إلى حالة من الاحتقان والتصادم بين أهالي الشهداء والمصابين مع قوات الأمن. وثمة إشكالية تتجلى فيما يتصل بهذه المسألة فأي تدخل سواء من قبل المجلس العسكري أو مجلس الوزراء في السلطة القضائية لن يكون مقبولا لا سياسيا أو مهنيا فضلا عن توجيه رسالة خاطئة للخارج الذي يراقب كل تطورات الحالة المصرية وفي الآن ذاته فإن ما يبدو أنه بطء في إجراءات التقاضي مما يؤخر الفصل في الاتهامات الموجهة لرموز النظام السابق ينطوي على تجاهل لحالة الغليان الشعبي وهو ما أسهم في تنظيم جمعة الثورة أولا وإعلان الاعتصام في ميدان التحرير ومدن أخرى من قبل بعض ائتلافات الثوار وذلك يؤشر بوضوح إلى إبقاء جذوة الشارع في حالة اشتعال أو بالأحرى اشتباك ومن ثم فإن المطلوب هو الإسراع في الإجراءات وفق المحددات القانونية والدستورية التي تنحاز للعدالة على نحو واضح وشفاف. سابعا: حان وقت التغيير في هيكلية النخبة الحاكمة الجديدة خاصة على صعيد الحكومة في ظل ما يبدو من عدم وضوح في رؤيتها وما يتردد عن عجزها عن الحزم فضلا عن العدل وهي المعادلة المطلوبة في الحكم وأظن أن حكومة الدكتور عصام شرف استنفدت رصيدها بعد أن فقدت الإسناد الشعبي الذي ظلت تعتمد عليه منذ تشكيلها والمجيء برئيسها من ميدان التحرير واللافت أن كثيرين راهنوا على أن شرف سيشارك في مظاهرات الجمعة الفائتة ليقدم كشف حساب فترة الأشهر الستة الماضية بل إن ثمة من توقع أن يقدم استقالته وهو ما لم يحدث بالطبع. والأهم من ذلك فإن هناك حوالي 17 وزيرا في حكومة شرف كانوا أعضاء في لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم سابقا والتي كان يرأسها جمال مبارك وذلك يلقي بظلال من الشك على مجمل سياسات الحكومة التي لم يتباين أداؤها كثيرا عن أداء حكومة نظيف في ظل استمرار نفس الآليات والقواعد التي كانت تطبقها، ولعل وزارة الداخلية هي الأكثر استحواذا على الغضب من قبل الثوار وبالذات بعد وقائع يومي 28 و29 يونيو الماضي في ميدان التحرير فرغم كل الملابسات التي أحاطت بهذه الوقائع فإنها أظهرت أن سياسات وزارة الداخلية لم تتغير في العمق وهو ما يرجعه الثوار إلى بقاء قيادات تدين بالولاء لوزير الداخلية السابق حبيب العادلي وللنظام السابق على رأس المواقع المفصلية بها تخطيطا وتدبيرا وتنفيذا وهو ما جعل المتظاهرين في ميدان التحرير وغيره من الميادين يطالبون بقوة بتطهير وزارة الداخلية ووصل الأمر إلى المطالبة بإقالة وزيرها الحالي منصور عيسوي. تاسعا: لم يعد ثمة طريق آخر تنتهجه مصر سوى طريق الديمقراطية بمفهومها الصحيح الذي يعلي من شأن التعددية الحقيقية ويرفع من صوت الحرية لكل الشعب من دون إقصاء أو استئصال مثلما كان يحدث خلال الثلاثين عاما التي هيمن فيها نظام مبارك على مقدرات المحروسة ولكن ذلك يتطلب التوافق على القواعد الحاكمة لتطبيق هذه الديمقراطية وفي مقدمتها النصوص فوق الدستورية وذلك لإنهاء الجدل الذي ساد خلال الأشهر الفائتة حول الدستور أولا أو الانتخابات أولا وأظن أن يوم الجمعة الماضي حسم هذا الجدل لصالح الثورة أولا ولاشك أن هذا التوافق يتطلب يقظة من مختلف القوى السياسية المنتمية للثورة بحيث لا تسمح للخلافات أن تقفز على المشروع الوطني المصري الذي تبلور في الخامس والعشرين من يناير لأن من شأن ذلك أن يدخل الجميع إلى منطقة الخطر ويتيح الفرصة للقوى المناهضة للثورة للعودة مجددا إلى المشهد السياسي وهي كما نعلم تتأهب لمثل هذه الخطوة مستغلة ما يبدو أنه غياب للأمن وللقانون. السطر الأخير: امتطيت صهوة عشقك سافرت إلى تضاريسك ارتميت على حدودك عثرت فيك على فاتحة كتابي وقدس الأقداس ينبع من عينيك فاحتويني في مسافاتك بثي أنهارك في قلبي المسكون بالمكابدة أيتها الياقوتة والزبرجدة ثقي أيتها المسافرة أني مفعم بالعودة إلى حدائق الشعر فيك إلى البحر يغازل نوارسه والنرجس يصوغ ملامحه من وجهك الزاخر بالنور يمزجني أنا المتعب برحيق السوسن فيطل على بهاء وسحر وعشق وحبور [email protected]

366

| 11 يوليو 2011

مشاهدات من مؤتمر أستانة

تغيير المؤتمر الإسلامي إلى التعاون ليس شكليا ويهدف لتطوير المنظمة بقصر الاستقلال المبني على الطرز المعمارية الحديثة التي تعكس حالة الانسجام مع حضارة الحديد والزجاج والتكنولوجيا والزاخر بالغرف والقاعات المجهزة احتضنت عاصمة قازاخستان – أستانة – في الفترة من 28 إلى 30 يونيو الماضي مؤتمر مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي والتي باتت تعرف بهذا الاسم بعد أن قرر المجلس بصورة جماعية تغيير اسمها القديم - منظمة المؤتمر الإسلامي لم يكن المؤتمر- الذي يعقد مرة كل عامين -عاديا فقد تجاوز الملفات والبنود التي اعتاد بحثها واتخاذ قرارات روتينية بشأنها بعد أن فرضت جملة المتغيرات الناتجة عن الثورات والأزمات في المنطقة العربية حضورها القوي على جدول أعماله وهو الأمر الذي جعلها عنوانا رئيسيا لمعظم الجلسات العامة واجتماعات اللجان المتخصصة وإن ألقي الموقف المتحفظ لقازاخستان - الذي ينظر إلى هذه الأحداث بحسبانها تصب في رفع وتيرة الاضطرابات في المنطقة ونتجت عن مجرد الاختلال في منظومة النمو الاقتصادي والاجتماعي في البلاد التي تشهدها عبر عنه رئيسها "نور سلطان نزار باييف "في كلمته في افتتاح المؤتمر أو وزير خارجيته " أرجان قاضي خانوف" في مداخلاته خلال الجلسات ولقاءاته الإعلامية بظلاله على البيان الختامي للمؤتمر الذي صدر باسم إعلان أستانة حيث لم يتضمن سوى التعبير عن القلق تجاه الأحداث في ليبيا دون أن يتطرق إلى تحديد موقف من كل من الأزمة الليبية والأزمة السورية رغم حالة التدهور التي تعيشها البلدان من جراء تفاقم الأوضاع فيهما خاصة في الحالة السورية التي تشهد استمرارا في قيام قوات الجيش والأمن في توجيه الضربات القوية للمحتجين تحت حجة محاربة الجماعات المسلحة والإرهابية مما طرح تساؤلات عدة عن أسباب هذا التجاهل ما زالت دونما إجابات. ولكن للإنصاف فإن الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور أكمل الدين إحسان عبر بصدق في تقريره الشامل في افتتاح عن الرفض القاطع لأي ممارسات سلبية ضد المطالبين بالديمقراطية والعدالة والحرية وعندما سألته شخصيا عن ازدواجية المعايير في التعامل مع الحالة السورية والتي لم يصل الموقف منها إلى حد الموقف الذي تبنته المنظمة وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية تجاه الوضع في ليبيا أجابني بالحرف الواحد: إن المنظمة لا تتبنى سياسة ازدواج المعايير فيما يتعلق بتعاملها مع الأوضاع التي تشهدها كل من سوريا وليبيا واليمن فقد أصدرت ثلاثة بيانات شديدة اللهجة حول هذه الأوضاع تؤكد بشكل قاطع رفض سفك الدماء وقتل المواطنين لكننا ننتهج الدبلوماسية الهادئة في الحديث مع حكومات هذه الدول ونحن نفضل العمل عبر هذا النوع من الدبلوماسية التي من شأنها أن توفر نوعا من الحذر والحيطة والتروي لأن الأمر يتعلق بوقف سفك الدماء وتمهيد الأجواء لقيام الحوار الوطني بما في ذلك البحرين وقد أرسلت مبعوثا خاصا للرئيس السوري بشار الأسد قبل فترة وبحث كما كلفت بعثة من مسؤولي المنظمة بالتوجه إلى طرابلس قبل أيام وسيتوجه إلى بني غازي خلال هذا الأسبوع ليواصل بحث المسألة مع المجلس الانتقالي الذي لم نعترف به لأنه ليس من شأن المنظمة الاعتراف بالدول أو الحكومات بيد أن هناك عددا من الدول الأعضاء فيها قررت من قبل الاعتراف بالمجلس. ويمكن القول إن التحول إلى مسمى منظمة التعاون الإسلامي عوضا عن المؤتمر الإسلامي شكل جانبا مهما من جوانب استثنائية مؤتمر أستانة رغم طابعه الشكلي فهو قد حرر المنظمة من مسمى لم يكن ذي معنى واضح المعالم فمفردة المؤتمر تنطوي على عمومية وتفتقد دفء الخصوصية وكل يوم بل كل ساعة يعقد مؤتمر في منطقة من العالم ومن ثم كان من الضروري التحول عن هذا المسمى الذي ظل سائدا لأربعين عاما ومعبرا عن حالة تجمع نفر من قادة وزعماء الدول الإسلامية في العام 1969 للتصدي لتداعيات الحريق الذي تسبب فيه متطرف صهيوني في هذا العام ضمن المخطط العدواني للدولة العبرية للقضاء على المقدسات الإسلامية خاصة بمدينة القدس وفي الصدارة منها بالطبع المسجد الأقصى وما زالت مصرة على الاستمرار في تنفيذ هذا المخطط على نحو لا يقيم وزنا للكتلة الإسلامية أو العرب أو المنظمات الدولية التي ترفض هذه المخططات على مستوى الخطاب فقط دون أن يمتد تأثيرها إلى منطقة الفعل التي تحتاج إلى إرادة سياسية قوية يبدو أنها لم تتبلور بعد. وتزامنت الموافقة على تغيير مسمى المنظمة قرار تغيير شعارها المكون من خارطة للكرة الأرضية فيها القارات التي تنتمي إليها الدول الأعضاء بالمنظمة وتتوسطها الكعبة المشرفة كدلالة على توحد العالم الإسلامي وقد سألت الدكتور أكمل الدين إحسان أغلو عن دلالات الاسم وأنه مجرد تغيير شكلي دون أن يمتد إلى إحداث تغيير في منهجها فعقب قائلا: هذا كلام يجانبه الصواب، فالشعار والاسم الجديدان لا يعكسان النواحي الشكلية فقط، بل هما امتداد لفلسفة ومفاهيم جرى تطويرها والتباحث في شأنها منذ ست سنوات، وانطلقت بها المنظمة عندما وضعت منهجا فعليا وجادا والذي يتمثل في برنامج العمل العشري الذي تمت المصادقة عليه في قمة مكة الاستثنائية عام 2005، كما ذكرت لك، وهو برنامج يرمي إلى تعزيز التضامن الإسلامي وتحويله من مجرد شعارات إلى خطة عملية ومنهجية يمكن تحقيقها في إطار إنجازات شاملة تضم الجوانب السياسية والتعاون التجاري والاقتصادي، والتنمية، فضلا عن الارتقاء بالجوانب الثقافية.. فضلا عن ذلك فإن تغيير الشعار والاسم يأتي بعد وضع ميثاق جديد يؤسس لمبادئ تتوافق مع متطلبات العصر، والمتغيرات الدولية التي شهدها العالم الإسلامي والعالم أجمع.. إذن تغيير شعار المنظمة واسمها لا يقف عند حدود الشكل، بل هو تطور طبيعي لما آلت إليه المنظمة كونها باتت جهة فاعلة ونشطة على مستوى العالم الإسلامي. وشكل الاتفاق على تأسيس هيئة دائمة ومستقلة لحقوق الإنسان تتبع منظمة التعاون الإسلامي تطورا نوعيا في مسار وأداء المنظمة يجعلها أكثر اقترابا من التعبير عن الشعوب تمكن مؤتمر أستانة من إنهاء الخلافات التي نشأت بين كل من المملكة العربية السعودية وإيران على استضافة مقرها وذلك بعد تدخل الوفد المصري الذي اقترح أن يكون مقر المنظمة مقرا لهذه الهيئة الوليدة. وثمة حرص بدا واضحا لتفعيل كفاءة وحركة المنظمة للانطلاق إلى جوانب عملية تتقاطع مع مصالح الأمة الإسلامية وهو ما تجلى في جملة من الأفكار والمقترحات التي قدمها رئيس قازاخستان نور سلطان نزار باييبف في مداخلته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي والتي يمكن إيجازها فيما يلي: أولا: إن القدرة على مواجهة التحديات الهائلة التي تواجه العالم الإسلامي تتطلب بالدرجة الأولى تحقيق السلام والاستقرار والمضي قدما باتجاه التحديث والتقدم العلمي والتكنولوجي فالأمة الإسلامية تمتلك إمكانات ضخمة لكنها في حاجة إلى استحداث الآليات الفعالة لتوظيفها واستغلالها على نحو يؤدي إلى توسيع الاستثمارات المشتركة والتعاون الكفء في المجال التقني. ثانيا: من الضرورة بمكان استعادة النهضة الحضارية الإسلامية التي شكلت في قرون سابقة أساسا قويا لانطلاق النهضة الأوروبية الحديثة وتساءل عن عدم قدرة الدول الإسلامية على تحقيق مراكز متقدمة في مجال العلوم التطبيقية بينما تمتلك إمكانات بشرية وطبيعية ضخمة. ثالثا: إن الدول الإسلامية تمتلك 70 في المائة من موارد العالم لكنها في المقابل لا تمتلك سوى 7 في المائة من حجم التجارة العالمية وهو وضع غير مقبول ويستوجب تعزيز كفاءة هذه الدول وتطويرها للعمل مع من أجل تحقيق التنمية كما يتطلب توفير البيئة السياسية والفكرية والاجتماعية لتهيئة أفضل الظروف للنهوض مجددا بالعالم الإسلامي. رابعا: إطلاق منتدى للحوار بين أكبر عشر اقتصاديات في العالم الإسلامي وإقامة صندوق إقليمي لتقديم العون في المجال الزراعي والغذائي للدول الأعضاء فالمطلوب هو حوالي تريليون دولار للحفاظ على الموارد الزراعية وتلبية متطلبات الشعوب الإسلامية حتى العام 2030. خامسا: إن هناك إمكانية هائلة للتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي، نظرا لإمكانات دولها الاقتصادية، الأمر الذي يستدعي خلق آليات فعالة للتعاون الاقتصادي، وللدعم المتبادل وتعزيز التنمية فضلا عن اتخاذ التدابير اللازمة من أجل تعزيز المبادئ الأساسية للعمل المصرفي الإسلامي، وإنشاء بورصة إسلامية. السطر الأخير: وجهك لم يغادرني في أستانة رأيتك في النهر الحالم والبنايات الزجاجية وخضرة الحقول الممتدة ولون صبايا المدينة المغزول بالحنطة والرمان شاهدتك شمسا تبث دفئها فتسترخي البلاد بواحة عينيك تبثني أريجا وسفرا للعشق دونما عنوان تنفست براحتيك أيتها النائية القريبة المدهشة الراسمة في الأفق عبيرا لا ينسى متوجة بالياقوت والمرجان [email protected]

425

| 04 يوليو 2011

هواجس على متن الثورة

معركة الدستور تعكس تجذر حالة الانقسام و تهدد مسار الثورة ثمة هواجس باتت تطغى على وجدان الشارع في المحروسة أو بالأحرى قل ثمة مخاوف بعد مضي أكثر من نصف العام على انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير التي حشدت النفوس والعقول والأفئدة باتجاه التخلص من نظام الطغيان والاستبداد الذي جثم عليها على مدى ثلاثين عاما، ويمكن تحديد مصادر هذه الهواجس والمخاوف حسب متابعتي لمفردات الواقع المصري بالذات خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة فيما يلي أولا: بروز حالة استقطاب حاد بين القوى التي شاركت على نحو أو آخر في الثورة على نحو جعل مصر تعيش ما يمكن وصفه بالفسطاطين؛ الأول يحتوي الجماعات الإسلامية التي دخلت بقوة على خط الثورة سعيا إلى تكريس حضورها ودورها اعتمادا على خطاب يستخدم المفردات الدينية من قبيل الشريعة والحدود دون أن يمتد -للأسف- إلى الصيغ الدينية التي تعلي من قيمة الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان، ومحددات التنمية والتحديث إلى ما تتطلع إليه مصر وهي قضايا جوهرية في الحراك السياسي المصري الذي قاد إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير، بينما يضم الفسطاط الآخر القوى السياسية ذات الصبغة الليبرالية والقومية واليسارية وائتلافات الثوار بتعدد اتجاهاتهم وانقساماتهم الحادة بدورها والتي أبدت انزعاجا من محاولة استغلال الرموز والخطاب الإسلامي في الحركة السياسية ومخاطبة الرأي العام المصري ووصل الأمر إلى حد محاولة التخويف من تداعيات وقوع أي مقاربة قد تفضي إلى تولي الإسلاميين بمختلف توجهاتهم إخوانية أو سلفية أو جماعات أخرى السلطة عقب الانتخابات البرلمانية القادمة. ثانيا: اشتداد المعركة على الدستور القادم والتي تعكس تجذر حالة الانقسام التي تهدد مسار الثورة حيث تتخندق القوى السياسية وائتلافات الثوار خلف مطلب الدستور أولا أي السعي إلى إعداد الدستور المصري الجديد قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر المقبل وتأجيلها إلى وقت لاحق بعد الانتهاء من إقرار هذا الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وهو ما قوبل برد فعل شديد من قبل الإسلاميين مدعومين من قوى نافذة الذين اعتبروا المسألة بمثابة انقلاب على الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بل إن الدكتور محمد سليم العوا المفكر الإسلامي ذي الميول الإسلامية والأقرب لحزب الوسط المنبثق بدوره عن عباءة الإخوان المسلمين رأى أن هذا التوجه يمثل عبثا واستخفافا بعقول 14 مليون مصري قالوا نعم للتعديلات الدستورية التي أقرت في الاستفتاء الذي جرى تنظيمه في مارس الماضي، واللافت أن الخلاف تجاوز البعد النظري والتصريحات الإعلامية إلى التلويح باللجوء إلى الشارع من قبل الفريقين فقد أعلن أصحاب خيار الدستور أولا عن تنظيم مليونية يوم الجمعة الموافق الثامن من يوليو للحصول على الإسناد الشعبي لمطلبهم وهو ما سيجعل أصحاب الاتجاه الآخر إلى الرد عليهم بمليونية أخرى يملكون من دون شك القدرة على تنظيمها وفرض حضورها في الشارع. وفي الوقت نفسه برز تيار وسطي بين هاتين الرؤيتين مثله بعض المنتمين إلى التيار الليبرالي وفي مقدمتهم الدكتور عمرو حمزاوي الناشط السياسي، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والذي أعلن رفضه لدعوة الدستور أولا، ورأى أنها تعد بمثابة انقلاب على أول تجربة ديمقراطية نزيهة جسدها استفتاء مارس الماضي معتبرا أن من يروجون لهذه الدعوة يتغاضون عن إرادة الشعب التي تحققت عبر هذا الاستفتاء لكنه في المقابل يؤيد تأجيل الانتخابات البرلمانية القادمة حتى تكون الأحزاب السياسية مستعدة لخوضها علي نفس القوة. ثالثا: هناك قدر من الغموض في الأداء الحكومي تجاه التعامل مع مطالب جماهيرية على نحو جعل فئات عديدة تبدي استياءها؛ نظرا لعدم وفاء حكومة الدكتور عصام شرف ببعض الوعود التي قدمتها في بداية تشكيلها، خاصة أن رئيسها استند إلى شرعية ميدان التحرير فضلا عن استمرار البيروقراطية التي تعطل الاستجابة السريعة لبعض المطالب الآنية من قبيل تعويضات مصابي وشهداء الثورة، والأهم من ذلك ما احتوت عليه الموازنة الجديدة للدولة التي سيبدأ تطبيقها الأول من يوليو المقبل، والتي اعتبرها نفر من الخبراء مجرد إعادة إنتاج لموازنات سابقة في زمن مبارك والتي لم تتجاوب مع أشواق الأغلبية والفقراء وبالذات على صعيد تحقيق العدالة الاجتماعية وهو أحد مطالب ثورة الخامس والعشرين من يناير مع تباينات بسيطة للغاية مما لا يجعل للتغيير الذي أحدثته قيمة حقيقية في حياة الناس، فالأسعار في السلع الأٍساسية تشهد تزايدا لا انخفاضا، والزيادة في الدخول محدودة حيث لم تتجاوز نسبة الـ15 في المائة، وما تم الإعلان عنه من حد أدنى للأجور لم يشبع الأشواق المتوهجة لتحسين دخول موظفي الدولة والقطاع العام منذ سنوات خاصة مع بقاء التفاوت مع الحدود القصوى للأجور التي لا تحكمها قاعدة رغم حديث متواتر في وسائط الإعلام عن تحديد مرتقب لها إلى جانب استمرار الكثير من طبقة المستشارين الذين كانوا يحصلون على مرتبات خيالية من عهد الحكومة السابقة في كثير من المواقع. رابعا: ما يسمى بالانفلات الأمني ما زال حالة قائمة بذاتها على نحو يبعث على قلق العائلات المصرية صحيح أن ثمة جهود مقدرة تبذلها وزارة الداخلية بالتعاون مع الجيش لكن ما تنشره الصحف عن تفاقم محاولات سيطرة من يوصفون بالبلطجية وتكرار حوادث الهجوم على رجال الشرطة من قبلهم فضلا عن بقاء بعض الأماكن بعيدة عن السيطرة الأمنية والمرورية يفرض ضرورة البحث عن بدائل تعيد للقانون هيبته وسطوته المفقودة منذ سنوات مبارك وأظن -وليس كل الظن إثما- أن هناك دوائر ربما داخل المؤسسة الأمنية التي مازالت تخضع لهيمنة بعض قيادات كانت قريبة من وزير الداخلية السابق وتدين بالولاء لنظام مبارك -الذي كان كريما معهم على نحو مبالغ فيه- تسعى من خلال بقاء حالة الانفلات الأمني إلى محاولة دفع المواطنين إلى الكفر بثورة الخامس والعشرين من يناير والتحسر على عصر الرئيس الراحل فضلا عن جهات أخرى ما زالت تعبث بمقادير الثورة. خامسا: بطء التغيير في الأجهزة الحكومية والمؤسسات التي تقود البلاد فأغلبها ما زال يدار بنفس الأشخاص الذين عينهم نظام مبارك واللافت أن كثيرين منهم حولوا ولاءهم إلى الثورة، وباتوا يتحدثون عما أحدثته من تحولات في الواقع المصري بشكل يتجاوز من أشعلوها وأصبحوا نجوما في الفضائيات متخصصين في التنظير لفضائلها وهذا البطء في التغيير بالذات بعث برسالة شديدة السلبية للمواطنين الذين حلموا بالثورة وشاركوا فيها، مما جعل البعض يفقد حماسه، ويستسلم لحالة من الإحباط دفعت البعض إلى صب جام غضبه على الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء، والمطالبة بتغيير حكومته رغم أن الرجل يحاول أن يدفع الأمور باتجاه إيجابي، وقدم كشف حساب لحكومته يوم الخميس الفائت بعد مرور مائة يوم عليها، لكنه لم يشبع نهم الناس التي تتطلع إلى المزيد والمزيد من الأفعال على الأرض التي تتماس مع متطلباتهم اليومية. سادسا: ركود المتابعات القضائية لرأس النظام السابق ورموزه، فرغم دخولهم السجون على ذمة التحقيقات بالذات مبارك ونجلاه وكبار مساعديه إلا أن ثمة شكا يسكن الكثير من الدوائر الشعبية والإعلامية باتجاه حسم الأمور، خاصة مع بروز دعوات بالعفو عن مبارك وهو ما أثار جدلا واسعا في الشارع المصري رفض في اتجاهه العام فكرة العفو، بالإضافة إلى ذلك، فإن إجراءات التقاضي تتسم بالبطء مع هروب عدد من كبار رجال الأعمال والوزراء السابقين إلى الخارج إلى دول لا ترتبط بمصر باتفاقيات لتبادل المجرمين مما يعني بقاء أموالهم بعيدة عن إمكانية استعادتها. السطر الأخير: تسكنين وحدك مسافة الروح تبثين فيض عنفوانك السرمدي بالقلب الذي يرقب هطول مطرك لا تعبثي بقصائدي فيك لا تسطري بدفاتري وجعا أو وهما لا تفجري عواصف من ريح خافتة لا تشعلي نارا مطفأة أنت من رسمتك عنواني بهجة لطفولتي سكنا لعصافيري عشقي يسافر فيك ينتظر رحيق الوجد يطلع من عينيك يحتويني يعيدني إلى سيرتي الأولى

593

| 27 يونيو 2011

روح التغيير في الخارجية المصرية

العربي بحكم منطلقاته الفكرية وخبرته تبنى توجهات حادة تجاه إسرائيل ثمة من يعتقد أن السياسة الخارجية لمصر قد تتعرض لبعض التغيير في التوجهات بعد مغادرة الدكتور نبيل العربي لمنصبه الحالي إلى منصبه الجديد أمينا عاما للجامعة العربية بداية من الخميس المقبل وذلك انطلاقا من أن وزير الخارجية الجديد قد لا يحمل روح التغيير والرغبة في رسم ملامح مغايرة للدبلوماسية المصرية التي يحملها رجل مثل العربي صاحب الخبرة الطويلة على الصعيدين الدبلوماسي والقانوني فضلا عن رؤية واضحة لدور مصر القومي والأقليمي ليس من منظور متعال وإنما وفق محددات التعاون والشراكة والتأثير في الأحداث والتطورات صناعة وفعلا عوضا عن تبني منهجية رد الفعل التي كانت سائدة على مدى ثلاثين عاما وربما قبل ذلك بسنوات والملاحظ أن الدبلوماسية المصرية خلال الأشهر القليلة المنصرمة التي تولى فيها العربي رئاستها حققت جملة من التحولات التي أعادتها إلى تفعيل الدوائر الرئيسة التي تشكل مجالا حيويا لها منذ الحقبة الناصرية التي توهج فيها الدور المصري وتمثل ذلك بدرجة رئيسة في الدائرة العربية ثم الإفريقية وعلى نحو ما الدائرة الإسلامية متكئة في ذلك على المنجز الأساس المتمثل في نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير التي رغم عدم تبنيها شعارات واضحة ومحددة على الصعيد الخارجي والعربي إلا أنها كانت تحمل ضمنيا دعوة إلى تغيير مضمون ومحددات وأهداف السياسة الخارجية التي تأثرت من دون شك بحالة التردي والترهل التي أصابت الداخل على نحو عجز معه النظام السابق على أن يكون رقما مهما في المعادلة الإقليمية بل إنه في بعض المراحل والسنوات الأخيرة تحول إلى مجرد منفذ لسياسات الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية خاصة على صعيد القضية الفلسطينية وبات دوره يتمثل في القيام بوساطة بين السلطة الوطنية في رام الله وحكومة الكيان واتهم بالتواطؤ معها في عدوانها على قطاع غزة في نهاية 2008 وبداية 2009 ولو توقفنا عند بعض الإشارات على التحولات التي طالت الدبلوماسية المصرية خلال الأشهر التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير يمكن رصد التالي: أولا: تحقيق اختراق لبعض العلاقات المتأزمة مع أطراف عربية سواء أكان ذلك على نحو علني أو مسكوت عنه مثلما حدث مع السودان بشقيه الشمالي والجنوبي متجليا ذلك في القيام بزيارة على مستوى رفيع قام بها رئيس الوزراء المصري عصام شرف بصحبة العربي وعدد من أصحاب الحقائب الوزارية المعنية لكل من الخرطوم وجوبا الأمر الذي أسهم في تهدئة الخواطر واستعادة عافية العلاقات مع هذا الجار الجنوبي الشديد الأهمية على صعيد الأمن القومي لمصر وكذلك على صعيد تلبية بعض الاحتياجات التنموية المهمة لها ثانيا: السعي إلى تأمين الحدود الشرقية لمصر والمتمثلة في فلسطين وذلك من خلال تهيئة ظروف ومناخات أكثر حيوية لاستعادة فعل المصالحة الوطنية بين الفصائل والتنظيمات التي ظلت في حالة خصومة وفي بعض المراحل عداء مستحكم وفي صدارتها حركتا فتح وحماس الأمر الذي انتهى إلى التوقيع على اتفاق المصالحة والملاحق الجديدة التي أنهت أسباب الاحتقان الداخلي وأحدثت معادلة جديدة في المشهد الفلسطيني دفعته لمنطقة القوة خاصة فيما يتعلق بمواجهة الاستحقاقات المرتقبة مع حكومة بنيامين نيتانياهو التي أخذت تتحرك وفق منطق رد الفعل بعد أن باغتتها التحولات المصرية التي وصلت ذروتها إلى فتح معبر رفح بشكل دائم على نحو يوفر منفذا أمام فلسطينيي قطاع غزة من شأنه أن يكسر حدة القيود والحصار الصهيوني وذلك بعد أن ظلت مصر في دائرة الاتهام بالتواطؤ في المساهمة في استمرار هذا الحصار على مدى العامين والنصف الماضيين ثالثا: إحداث مقاربة عربية بداية من منطقة الخليج عبر ترتيب جولة لرئيس الوزراء المصري إلى ثلاث من دول مجلس التعاون هي السعودية والكويت وقطر خلال شهر مايو الماضي ومشاركته فيها وهى الجولة التي أكدت حضور الرقم المصري في معادلة الاستقرار الإقليمي في المنطقة بعد أن ظل غائبا أو مغيبا وفق محددات الدور القومي المصري التقليدي وإن كان قائما على نحو ملتبس أدى في بعض الأحيان إلى نشوب تناقضات مع بعض دول المنطقة مثل قطر التي كشفت وثائق ويكيلكس أن وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط يخطط ويعمل وبتعليمات من مبارك شخصيا على إجهاض تحركاتها خلال ترؤسها للقمة العربية والتي بدأت في مارس 2009 حتى ولو كانت تصب في مصلحة مصر وقد حرص كل من شرف والعربي خلال هذه الجولة على إبراز المساندة القوية لأمن دول مجلس التعاون بحسبانه يمثل جزءا من الأمن القومي لمصر وأنه بمثابة خط أحمر لا تقبل مصر تجاوزه على أي نحو وهو ما أكده العربي بنفس المعنى تقريبا في حديث تلفزيوني قبل أيام رابعا: في المقابل تمكن العربي من تحريك المياه الآسنة في العلاقات المصرية الإيرانية على نحو ينقل هذه العلاقات من دائرة العداء إلى دائرة العلاقات الطبيعية في سياق ما وصفه بعد توليه منصب الخارجية بأيام بفتح صفحة جديدة مع جميع الدول المجاورة منها والبعيدة بشرط ألا تتدخل أية دولة في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى وهو ما أدى إلى ارتفاع أصوات في المنطقة مبدية مخاوفها من هذا التوجه الجديد للدبلوماسية المصرية من أن يكون خصما من رصيد علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي تحديدا وتعرض العربي لبعض الانتقادات من بعض الكتاب المصريين والخليجيين ولكن التصريحات المصرية المتكررة الخاصة بأمن الخليج ردت المنتقدين على أعقابهم وفي المقابل فإنها بددت مخاوف بعض الدوائر الخليجية وقد سألت في هذا السياق مسؤولا خليجيا هو الشيخ فواز محمد آل خليفة رئيس هيئة الإعلام بمملكة البحرين وأكثر دول المنطقة التي تتعرض لضغوط إيران خلال زيارته الأخيرة للقاهرة عن قراءته لهذا التوجه في علاقات مصر بإيران فأبدى رؤية عقلانية واقعية مؤكداً فيها أن بلاده وكل دول مجلس التعاون لا تشعر بالقلق من التقارب المصري الإيراني بل تراه شأنا داخليا ومن قبل عبر الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري عن تصور إيجابي لهذا التقارب عندما سئل عن موقف بلاده منه خلال زيارة رئيس الوزراء المصري للدوحة فأشار إلى أنه يراه عنصرا داعما لأمن واستقرار الخليج خامسا: استعادة الحركة النشطة تجاه إفريقيا وبالذات دول حوض النيل التي تأزمت علاقاتها مع مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة على نحو كاد أن يؤثر على حصة مصر من مياه النيل وتمثلت هذه الحركة في جولة إفريقية بعدد من دول الحوض المؤثرة انتهت بالتوافق على إعادة النظر في الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل بعد أن كادت أغلب هذه الدول توقع عليها وهو ما كان سوف يعطيها صلاحية السريان رغم الإرادة المصرية والأهم من ذلك أن إثيوبيا قدمت كل الأوراق والدراسات الخاصة بمشروع سد الألفية التي تزمع بناءه على النيل في أراضيها مما خفف من درجة الاحتقان التي سادت العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا في السنوات الأخيرة من حكم مبارك الذي كان هو ورموز نظامه يتعالون على القادة الأفارقة وفق ما كشف عنه محمود أبو زيد وزير الموارد والري المصري السابق سادسا: شهد عهد العربي تفعيل ما أطلق عليه الدبلوماسية الشعبية وهي مجموعات من الناشطين السياسيين ومن ممثلي بعض الأحزاب والجماعات المصرية المدنية للتحرك باتجاه مناطق الأزمات مع مصر وقد حققت نجاحات طيبة في زيارات قامت بها لكل من أوغندا وإثيوبيا مهدت فيما بعد لجولة شرف التي تلتها بأيام قليلة ثم أعقبتها بزيارة لطهران في مطلع الشهر الحالي حملت تباشير جديدة في العلاقات المصرية الإيرانية رغم قضية الدبلوماسي الإيراني الذي اتهم بالتجسس في القاهرة والتي تجاوزها الطرفان سريعا. في ضوء هذه المعطيات يمكن القول إن توجهات السياسة الخارجية لن تتأثر سلبا أو يقل منسوبها مع غياب الدكتور نبيل العربي عن وزارة الخارجية في ظل حقيقة مؤداها أن صناعة ملامح السياسة الخارجية ليست مسؤولية الوزير فحسب وإنما هي صناعة مشتركة لمؤسسات عدة من بينها أجهزة الأمن القومي وقبل ذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يشكل السلطة العليا في البلاد والذي اختار العربي ورسم بالتوافق معه هذه الملامح ومجلس الوزراء الذي جاء رئيسه من ميدان التحرير مرتكز ثورة الخامس والعشرين من يناير بدليل أن خطوة التوقيع على اتفاقية المصالحة الفلسطينية أشرف عليها جهاز المخابرات العامة وما زال هو القابض على الملف الفلسطيني لأهميته على هذا الصعيد وبالتالي فإنه ليس من المتوقع أن يطرأ أي تغيير على التوجهات الخارجية ولكن بالتأكيد ستكون للوزير الجديد بصماته الشخصية على أسلوب التنفيذ وذلك أمر بديهي فالعربي بحكم منطلقاته الفكرية وخبرته الشديدة الاتساع جعلته يتبنى توجهاته الجديدة ربما على نحو حاد تجاه الكيان الصهيوني وهو ما تجلى في رفضه مقابلة سفيره بالقاهرة على خلفية قضية الجاسوس الذي اعتقل مؤخرا وأوكل هذه المهمة للدبلوماسي المسؤول عن إدارة إسرائيل بالخارجية وتصريحاته التي اتسمت بالقوة في مواجهة مواقف حكومة بنيامين المتطرفة ودعوته إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لإنهاء الصراع وليس مجرد إدارته عبر آلية المفاوضات التي أثبتت عدم جدواها خلال العقدين الأخيرين بل حققت مكتسبات للكيان على حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ولاشك أن الوزير الجديد سيقابله إرث إيجابي ورصيد قوى سيمكنه من الارتكاز عليه ولن يكون مطلوبا منه سوى متابعة الملفات التي فتحها العربي والمبادرة بفتح ملفاته الخاصة التي تشكل قيمة مضافة للدبلوماسية المصرية التي لم يعد منطق رد الفعل ملبيا لحاجاتها بل ستكون مبادرة بالفعل والإسهام في صناعة الأحداث وتوجيهها على النحو الذي يحقق المصالح الوطنية والقومية لمصر التي غابت طويلا عن أجندتها في العقود الثلاثة الأخيرة. السطر الأخير: ارتميت بمسافاتك باحثا عن خضرة حقولك فكوني الحنطة المشتهاة الياقوت الذي يسكن قلبي أريحينى [email protected]

607

| 20 يونيو 2011

تنحي ناصر وتخلي مبارك

مبارك اتسم بالعناد وقراراته اعتمدت على الانطباع الشخصي والمحيطين به في التاسع من شهر يونيو من العام 1967 أعلن الزعيم الخالد جمال عبدالناصر تنحيه عن السلطة في بيان طويل متحملا بذلك مسؤولية النكسة أو الهزيمة التي نتجت عن العدوان الصهيوني في الخامس من الشهر ذاته مما أسفر عن تدمير المطارات المصرية والطائرات التي كانت رابضة على مدرجاتها وهو ما أدى بالتالي إلى احتلال سيناء بالكامل مع الضفة الغربية التي كانت تتبع إداريا الأردن والجولان السورية وفي الحادي عشر من شهر نوفمبر 2011 أعلن اللواء عمر سليمان نائب الرئيس المصري السابق في بيان مقتضب لم يستغرق سوى نصف دقيقة تخلي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن الحكم دون شروح لأسباب القرار وإن كانت واضحة للعيان وبالتأكيد ثمة فوارق بين القرارين أولها أن ناصر هو الذي بادر بنفسه إلى مخاطبة شعبه بعد أن تيقن من حجم الكارثة على مصر وعلى الأمة العربية من جراء اشتداد العدوانية الصهيونية لكنه لم يدفن رأسه في الرمال أو يغمض عينيه وطلب منه أن يساعده في اتخاذ قرار مغادرة موقع السلطة والانخراط في صفوف الجماهير وفي الوقت ذاته يؤكد مسؤوليته عما جرى نتيجة ما اعتبره سوء تقدير للموقف وليس عملا مقصودا لإغراق الوطن والأمة في مستنقع الهزيمة أو النكسة وهو التعبير الذي انحاز إلى استخدامه لأن العدو لم يتمكن رغم ضربته القاصمة من التأثير على الإرادة السياسية لمصر ومن ثم تسارع إلى إعلان خضوعها لنتائج الحرب وهو ما كان يترقبه قادة الكيان الصهيوني وفق ما ذكره وزير حربه موشى ديان في مذكراته من أنه كان ينتظر مكالمة هاتفية من ناصر يبلغه فيها استسلامه أما في حالة مبارك فإنه أجبر وفق ما توافر من معلومات على قرار التخلي عن السلطة بعد ما ظل يراوغ ويناور هو والمجموعة الضيقة المحيطة به خاصة نجله جمال وزوجته سوزان ورئيس ديوانه زكريا عزمي ووزير إعلامه أنس الفقي رغم المطالبات المدوية في ميدان التحرير وغيره من ميادين المحروسة بضرورة رحيله وإنهاء سنوات حكمه الثلاثين التي تجاوز فيها استبداده المدى. ثانيا: يبدو أن القدرات والمهارات- بين الرجلين - خاصة فيما يتعلق بالتجاوب مع الحراك السياسي والشعبي - كانت بدورها متفاوتة على نحو أنعكس في نوعية وصياغة وطبيعة قرار التنحي بالنسبة لناصر والتخلي بالنسبة لمبارك فالأول كان معنيا بالدرجة الأولى أن يصارح جماهيره التي آمنت به ومنحته ثقة بلا حدود على مدى 15 عاما منذ انبثاق ثورة يوليو 1952 بحقائق الموقف وطريقة تعاطيه معها فسارعت بدورها برفض قراره وحثه وهو الزعيم الخارج لتوه من هزيمة قاسية على الاستمرار في قيادة مسيرة الوطن والأمة لتجاوز نتائجها والتوجه نحو صباح الانتصار وهو ما تجلى في خروج الملايين في أنحاء المحروسة وعواصم بلاد العرب رافضة تنحيه على مدى يومين أظهرت خلالهما صدقية عالية فرأى أن الوفاء لها يستوجب العدول عن التنحي. والعودة إلى موقع القيادة والبدء فورا في صياغة منظومة الوطن متثملا ذلك في الإسراع في بناء القوات المسلحة وإعدادها للمواجهة بعد إجراء تعديلات شاملة على قيادتها التي وضعت نصب عينيها استعادة ثقة الشعب في قواته المسلحة مما أثمر صمودا مدهشا لقوة عسكرية مكونة من 30 مقاتلا من قوات الصاعقة في منطقة رأس العش جنوب مدينة بور فؤاد المقابلة لمدينة بورسعيد في الضفة الغربية لقناة السويس في مواجهة قوة إسرائيلية مدججة بالأسلحة والدبابات والعتاد والأفراد والتي فوجئت بالمقاومة العنيفة للقوة المصرية التي أنزلت بها خسائر كبيرة في المعدات والأفراد أجبرتها على التراجع وكان ذلك بعد الهزيمة بشهر واحد تقريبا وعندما عاودت هذه القوة الهجوم مرة أخرى، فشلت في اقتحام موقع القوة المصرية المحدودة العدد والعدة وكانت النتيجة بعد الخسائر في معدات وأفراد القوة الإسرائيلية الانسحاب وظلت المنطقة في أيدي القوات المصرية حتى قيام حرب أكتوبر 1973. وعلى صعيد البناء الداخلي وضع ناصر برنامج 30 مارس 1968 والذي بمقتضاه تم التأسيس لمرحلة مغايرة في العمل الوطني تنهض على توجيه كل الموارد وحشد كل الطاقات باتجاه المعركة رافعا عنوان: " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع إجراء تغييرات جذرية في بنية الحكومة والتنظيم السياسي والحوار مع الطلاب بعد رفضهم للأحكام القضائية التي صدرت بحق القيادات العسكرية التي أدى ارتباكها المهني وتخبطها العسكري إلى الهزيمة رغم أن ناصر نفسه كان قد أحاطهم علما بتوقيت وطبيعة الهجوم الصهيوني قبل شنه في الخامس من يونيو1967 بأقل من أسبوع وفق المعلومات التي وفرها للقيادة المصرية جاسوسها النشط داخل الكيان في ذلك الوقت رأفت الهجان وسرعان ما انطلقت سواعد الرجال تبني وتغزل خيوط الانتصار القادم على مختلف الأصعدة وإذا توقف المرء عند مبارك فإنه كان يتسم بنوع غريب من العناد الذي لم يكن ناجما عن تقدير علمي ومنهجي للموقف وإنما كان نتيجة انطباعات شخصية أو استشارات المجموعة المحيطة به والتي كانت تتحرك وفق أهواء خاصة لتحقيق هدف جوهري وهو الدفع بجمال مبارك إلى السلطة خلفا لوالده ولو تطلب الأمر أن يتحقق ذلك فوق جماجم الشهداء ودماء المصابين وانهيار منظومة الوطن والذي اختزل في مبارك وعائلته وهؤلاء النفر الضالعين في معادلة الثروة والسلطة والتي ظلت سائدة على مدى ثلاثة عقود هي فترة حكمه ولقد أفضى به هذا العناد إلى رفض التجاوب مع مطالب المتظاهرين في بداية الاحتجاجات في الخامس والعشرين والتي لم تتعد إقالة وزير الداخلية حبيب العادلي ورفع قانون الطوارئ وتحسين بعض الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتي لو استجاب لها آنذاك لظل في الحكم المدة المتبقية له حتى أكتوبر المقبل لكن ظن الأمر محض تحركات شعبية محدودة بناء على تقارير وزير الداخلية وباقي الأجهزة المعنية التي لم تتوقع بدورها آفاق هذه الاحتجاجات والمدى التي يمكن أن تبلغه ولم يدر بخلدها أبدا أن يصل إلى حد المطالبة بإسقاط مبارك نفسه وزمرته بل وإسقاط مشروع التوريث الذي كان يحلم به جمال والسيدة والدته وزكريا عزمي وأنس الفقي والذين أسهموا في تضليل مبارك حتى الساعات الأخيرة قبل قرار التخلي عن الحكم وكانوا من قبل مع مجموعات أخرى من قيادات الحزب الوطني قد حاولوا إجهاض مظاهرات ميدان التحرير ودبروا لواقعة الجمل التي استمرت أكثر من عشرين ساعة من قبل ما يطلق عليهم البلطجية جنبا إلى جنب رجال الأمن السري وعناصر جهاز أمن الدولة الموالي لمبارك والعادلي ولكن التدبير فشل بفعل شجاعة الثوار الذين واجهوا كل صنوف القتل والهجوم عبر الخيول والبغال والجمال وقطع الرخام المجهزة بالليل وفق ما أثبتته لجنة التحقيق الخاصة لقد اتسم أداء مبارك في مواجهة الاحتجاجات والتظاهرات التي انطلقت في سائر مصر بنوع من اللامبالاة وضيق الأفق ولو صح في هذا السياق ما رددته بعض وسائط أعلام صهيونية بخصوص محاولته الاستعانة بنتنياهو وأصدقائه من الوزراء الآخرين في حكومة الكيان للقضاء عليها فإنه بذلك يكون قد بلغ مرتبة الخيانة العظمى بحق دون الحاجة إلى أي تهم أخرى واللافت أن مبارك لم يحظ بخروج ملايين المصريين ليدافعوا عنه ويحملوا صورته ويحموا مشروع التوريث الذي كان يتبناه بشكل منهجي واضح الإشارات والخطوات رغم نفيه علنا فنسبة من خرجوا بتحريض من زمرته وأركان حكمه المتهاوي في بعض ميادين القاهرة كميدان مصطفى محمود لم يتجاوزا بضع مئات أو آلاف وهو ما يعني أنه لم يكن يمتلك المساحة التي تتيح له البقاء في الحكم في حالة من الرضا أو القبول العام ومع ذلك كان مريدوه يصورون الأمر له بحسبانه عنصر ترجيح لرفض الاستجابة لمطلب الرحيل الذي كانت تهدر به الملايين ووصل إلى ذروته بعد خطابه الأخير مساء الخميس العاشر من فبراير والذي أظهر فيه مماطلة ممجوجة وبدا مفتقرا لأي حس سياسي وقراءة حقيقية لمفردات الواقع المحيط به فقررت الجماهير الزحف إلى قصر الرئاسة لتجبره على المغادرة أو التخلي عن رئاسة الجمهورية بينما التفت الملايين حول مقر إقامة ناصر بمنشية البكري لتطالبه بالبقاء قبل ذلك بنحو أربعة وأربعين عاما السطر الأخير. مفتونا بوجهك أمضي صباحاتي أرسم عنفوان عشقي أكابد شمسك المسافرة أحلم بطيورك تسبح في بحاري فعودي إلى مسافاتي دبري أمر رجوعي لمشهد الشعر بعينيك كوني فاكهة الكتابة في مقدمي وإدباري في توحدي وانشطاري فأنت براءة السنوات القديمة وحصني في الزمن الآتي [email protected]

1118

| 13 يونيو 2011

العودة إلى مربع الميدان

القوى السياسية المصرية ليس أمامها سوى التوافق والبحث عن المشترك ليس بمقدور المراقب أن يتجاهل تجليات الانقسام التي بدت تسود ما يمكن تسميته بنخب ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي باتت تهدد على نحو أو آخر مسار هذه الثورة من خلال إتاحتها لثغرات في جدارها قد تسمح بنفاذ القوى المناهضة لها والتي ما زالت تمسك ببعض مفاصل مؤسسات الدولة المصرية وهو مايستوجب ضرورة العودة إلى مربع ميدان التحرير وأقصد بذلك حالة الانصهار التي اتسم بها المشاركون في فعل الثورة والذين جاءوا من كل صوب وحدب إلى ليس القاهرة فحسب وانما احتشدوا في كل الميادين المهمة بمحافظات المحروسة ومن كل فئات وشرائح واتجاهات الشعب , وقد تجسدت بدايات الانقسام في الموقف من الاستفتاء الذي نظم خلال شهر مارس المنصرم والذي أخذ فيه جماعة الإخوان المسلمين مدعومين بالقوى السلفية الصاعدة جانب التأييد للتعديلات الدستورية رافعين شعارات دينية لحشد التأييد لها في حين قررت العديد من القوى الليبرالية والقومية واليسارية والمستقلين وائتلافات الثوار المتعددة رفض هذه التعديلات بحسبانها تكرس وضعية القوة الأحادية التي بوسعها أن تهيمن على الوضع السياسي بحيث تتيح للإخوان المسلمين إلى جانب التيارات الإسلامية الأخرى القريبة منها التفرد بالبرلمان القادم ومن ثم التحكم في السلطة السياسية , وهو ما يعيد إنتاج صورة الحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك وإن كان تحت مسمى الإخوان. صحيح أنه بعد ظهور نتائج الاستفتاء والتي جاءت مؤيدة لإجراء التعديلات الدستورية بدا أن ثمة نوعا من التصالح والقبول بما أفرزه التصويت الشعبي , خاصة في ظل ما اتسمت به عملية الاقتراع من شفافية وعدم تدخل حكومي أو غير حكومي , وإن كان صاحبها بالطبع حشد وتعبئة سياسية وإعلامية من قبل الإخوان والسلفيين , بيد أن هذا التصالح لم يصمد طويلا أمام تسارع الأحداث والتطورات ورغبة كل فريق بأن يثبت أنه الأقوى في الساحة وأنه صاحب الحق في توجيه مسار ثورة الخامس والعشرين بما يحقق متطلباته وأهدافه , وبدا أن هناك تيارين أو عدة تيارات تتطلع إلى صياغة هذا المسار على نحو يدفع بالثورة إلى الاقتراب من توجهاتها , فالإسلاميون يريدونها أن تفضي إلى بناء دولة دينية تقوم على التمكين للإسلام في الأرض وبلغ الأمر بالبعض إلى الدعوة لضرورة تطبيق الحدود وهو ما ظهر في غير حديث لقيادات من الإخوان المسلمين والتيار السفلي بتجلياته المختلفة , ووصل الشطط إلى حد الحديث عن تحريم زواج الإخواني من غير الإخوانية , فضلا عن الدخول في معارك جانبية تتصل ببعض سيدات مسيحيات قيل أنهن اتجهن للإسلام دينا لكنهن تعرضن للاختطاف من قبل رجال الكنيسة فقامت الدنيا غير مرة وكان آخرها حادثة عبير التي فجرت منطقة إمبابة بعد تعبئة واسعة ممن وصفوا بأنهم سلفيون. في المقابل فإن من يطلقون على أنفسهم "القوى المدنية "- أي الليبراليين واليساريين والقوميين وناشطي منظمات المجتمع المدني - يشددون على ضرورة أن تتجه مصر بعد ثورة 25 يناير إلى بناء الدولة المدنية التي تقوم على أساس المواطنة وليس الانتماء الديني , وأن الإسلام كدين يوفر هذه الإمكانية سواء اعتمادا على مبادئه أو تراثه الطويل والذي كانت فيه دولته بداية من دولة المدينة التي أسسها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قبل 1400 عام ووصولا إلى دولة الخلافة العثمانية تتيح منظومة مدهشة من تعددية الثقافات والأديان في ضمن سياق يؤكد حق الجميع في الحياة الكريمة والالتزام بالحقوق والواجبات المحددة للجميع , لكن الأحداث الأخيرة التي صاحبت ما أطلق عليه جمعة حماية الثورة والإنقاذ في السابع والعشرين من مايو الماضي كشفت عن تجذر تجليات الانقسام وهو ما بدا واضحا في رفض جماعة الإخوان المسلمين ومعها 12 حركة وتيارا من جماعات السلفيين المشاركة في تظاهرات هذه الجمعة التي حشدت لها القوى المدنية المنضوية تحت الهيئة التنسيقية لائتلافات ثورة الخامس والعشرين وتضم 16 تيارا فضلا عن 18 حزبا وتحالفا منضوية تحت عباءة الجمعية الوطنية للتغيير أكثر من مليون للمشاركة في تظاهرات امتدت إلى ميدان التحرير بالقاهرة والمحافظات المصرية الأخرى. واللافت أن رفض الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى لهذه الجمعة استند إلى اعتبار الدعوة لثورة الغضب الثانية " ثورة ضد الشعب المصري " ويتساءلون: لمَن يوجّه الغضب الآن؟ ومَن يتم تثوير الشعب ضده الآن؟ بل إن الدكتور عصام العريان القيادي بالجماعة رأى أن هذه التظاهرات لم تعبر إلا عن وجهة نظر قلة من الناشطين السياسيين الذين يسعون إلى محاولة ديكتاتورية لفرض وجهة نظر بعض شباب الثورة على الغالبية الساحقة من المصريين وأنها لاتعدو كونها انقلابا على الثورة ذاتها والمدهش أن الانقسام طال جماعة الإخوان المسلمين ذاتها خاصة بين شيوخها وقياداتها في الصفوف الأولى وشبابها الذين أعلنوا تمردهم على قرارات الكبار وكانت آخر مظاهر هذا التمرد هو رفضهم الاستجابة لعدم المشاركة في جمعة الغضب الثانية بل وشاركوا فيها جنبا إلى جنب القوى المدنية الأخرى , مما أدى إلى اتخاذ قيادة الجماعية إجراءات عقابية ضد هؤلاء الشباب تمثلت في إلغاء تمثيلهم في ائتلافات الثورة. وأخطر ما يبدو من تجليات الانقسام في المشهد المصري الآن هو ما يسعى إليه البعض من محاولة تكريس حالة من الانقسام بين القوى المدنية من جهة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم خاصة في ظل انتقادات توجه لأدائه في بعض جوانب الحكم وبالذات إصداره سلسلة من القوانين دون مشاركة القوى السياسية في صياغتها , الأمر الذي تراجع عنه المجلس الأعلى , وقرر أن كون الحوار الوطني والذي يرأسه الدكتور عبدالعزيز حجازي رئيس الوزراء الأسبق والتوافق الوطني برئاسة الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء المصري -مجالا لمناقشة مثل هذه القوانين وفي صدارتها قانون انتخابات مجلس الشعب وغيره , ولكن المعضلة أن هذه المنتديات الحوارية المشكلة من قوى سياسية عدة لم تخل من خلافات وانقسامات , وهو ما ظهر في أول جلساتها قبل حوالي أسبوعين ووصل إلى حد الفوضى والاشتباك اللفظي وهو ما انعكس على صدقيتها رغم تمسك القائمين بصيغتها بحسبانها الطريق إلى حشد القوى الوطنية سعيا إلى تحقيق قدر من التوافق يهيئ البلاد إلى التعامل بكفاءة مع استحقاقات المرحلة الانتقالية , والتي بدورها طالها الانقسام بين فقهاء القانون الدستوري ورجال السياسية , بين مؤيد لإجراء الانتخابات البرلمانية في الموعد الذي حدده المجلس الأعلى للقوات المسلحة في سبتمبر المقبل ثم الانتخابات الرئاسية بعد ذلك بشهرين , ورافض لذلك باتجاه إجراء الانتخابات الرئاسية أولا على أن يناط بالرئيس الجديد مهمة تشكيل جمعية تأسيسية تتولى إعداد الدستور الجديد ثم إجراء الانتخابات البرلمانية فيما بعد وذلك لإتاحة الوقت أمام القوى السياسية خاصة الجديدة لترتيب أوراقها والدخول بقوة في العملية السياسية , في حين يرون أن الإسراع بإجراء الانتخابات التشريعية سيقود الإخوان المسلمين ومعهم مجموعات رجال الأعمال , وما يسمى بفلول الحزب الوطني إلى العودة مجددا لتصدر الأغلبية البرلمانية ويقزم القوى الجديدة. ومع ذلك يمكن القول أنه ليس أمام القوى السياسية في مصر سواء تقليدية - إن صح التعبير - أو جديدة إلى البحث بقوة في صيغة تهيئ الحد الأدنى من التوافق بعيدا عن الاتهامات المتبادلة ومحاولات الإقصاء أو الاستئصال من المشهد والقادر على احتواء الجميع إن آمنوا بالديموقراطية والتعددية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع ضمن قواعد النزاهة والشفافية واحترام القانون السطر الأخير: من أي بلاد انبثقت من أي شرنقة حط حريرك على وسادتي فأيقظ خمولي وغزل صهوة خيولي تدافعت لأشهر قصيدتي هي ليست كلمات وحروفا هي حالة عشق أحملها بميدانك هي صلاة تسكب البهاء بروحي تمطرني بهجة وسكونا وسيوفا

326

| 06 يونيو 2011

من ميدان القلب

موجوع على الوطن، أمضي مغزولا بالحزن، أتوكأ على عصاي، أبحث عن غنمي كي أهشه بها، لكن الذئاب سرعان ما تقفز على بعض منه، بقيت ساكنا غير قادر على الحركة كي أحمي بقية غنمي من بعيد، تراءت لي طيورا وعصافير تغني، فارتميت على ظلالها، سعيت للحاق بها، باغتتني بالحضور، عزفت لها نشيد الإنشاد، قبلت وجناتها، فتدافعت نحو غنمي أهشه بعصاي، استعدت بعضا من عافيتي، هي الثورة إذن تحرك أشواقي لامتلاك ناصيتي ومقاديري بعد أن غنيت مع رموز البراءة نحتاج إلى ثورة مبرأة من القهر ومن الغناء المتعدد الأصوات، من ميدان القلب أتحدث عن ثورتي ثورة البسطاء والشعراء والمغنيين للوطن والراحلين في مدى البلاد، بعيدا عن الأنا المتضخمة وسطوة الشعور المفرط بالذات، فالأمة تنادينا والسماء تهب أمطارها لمن يلبي النداء، والماء يتدفق من الأراضي اليابسة إذا ما قررنا الدخول في دائرة الفعل وغادرنا منطقة الكلام المكرور والممتزج بمرارة أسى السنوات الفائتة من ميدان الروح، أناديكم أمد يدي إلى من يقبل تميمة العزة ويصاهر قامات الرجال المنتفضة بحثا عن جوهر المحروسة الذي سكب عليه البعض طوال ثلاثين عاما زيت العتمة فاحتشد بأحشائه الرماد وسكنته بقايا ذئاب مفترسة رغم ملامحها التي تشبهنا لكنها كانت سادرة في غيها ساعية لفرض الجوع علينا ورسم ملامح العجز على وجوهنا التي غادرتها الابتسامات، فباتت مجرد لوحات غير قابلة للذوبان في نهر الحياة المفعم بالبهجة المستدامة شملنا العسس والبصاصون برعايتهم، أشبعونا من رائحة الدماء المستباحة والصمت الرهيب والأغاني المفروضة قسرا، ورياح الجوع التي تعصف بالبطون والأرواح والأفئدة، حاصرونا في الأزمنة والأمكنة، لم تكن ثمة منافذ سوى ما يغزلونه بخيوطهم الواهية فيصدقهم البعض، بيد أن سرعان ما تنهار نتيجة الحمل الكاذب، سكبت الدماء وحفرت القبور وهدمت منازل ومعابد وساحات خضرة، وانتشر اليابس، وتدافعت الأنفس بحثا عن قطعة خبز ونافذة حرية، لكن السلطان كان بالمرصاد كبتا وقهرا وسجنا وقتلا ومسخا ورفضا للشعر وخنقا للطيور التي قررت الهجرة للشمال وللجنوب لكل الجهات، من منا امتلك القدرة على الإبحار بعيدا لاحقه حرس الحدود وقتلته رصاصة طائشة وخطفه رجال سريون عبثوا بكينونته وبعزه وأذلوا رجولته في الغرف المغلقة وفي الصحاري حتى لا ينبس ببنت شفة عن سيد البلاد المبهور بالسلطة ومجد الزمن الآتي، من حاول الاقتراب من أسوار قصور السيدة باغتته الأسود والفهود والنمور المهيأة في كل وقت لتمزيق جثث وقلوب وعقول أصحاب المحاولة كان الوطن نهشا للسيد والسيدة والقادم الجديد من بلاد الفرنجة حاملا حاسوبه ووجهه الزجاجي وصحبته من رفاق المال والجاه، من أين جاءوا إلى البلاد؟ وكيف ولدتهم أمهاتهم؟ وهل كان لهم أب يهدهدهم ويدفع بهم إلى مناطق الحنو يصحبهم إلى ضفاف النيل أو شواطئ البحار القريبة أو الحدائق المحملة بالخضرة والورود ورائحة الياسمين؟ هل كانت لهم شقيقات وأشقاء يتبادلون معهم الأحلام وينظرون معا إلى قمر الصيف ونجوم الشتاء وهدنة طقس الربيع ودهشة الخريف فتترطب قلوبهم وتتجرد من القساوة وتقترب من رائحة البراءة وتغني للسماء والشمس عندما تصيب البشر بدفئها، هل كانت لهم قلوب في الأصل؟ وأين سافرت بعد أن اقتربوا من دائرة السلطة؟ كيف كان قلب السيد الكبير والسيدة والسيد الصغير الذي حلم بأن يكون كبيرا؟ هل كانت هذه القلوب على دراية بمعنى النبض بحقيقة الدقات المتواليات وهل كانت على معرفة بفيض المشاعر التي تنتاب البشر؟ وهل أدركت الجوهر الإنساني؟ ألم تقض مضاجعها صور الجوعى والحيارى والباحثين عن الرغيف وقطرة الماء والراقدين على الأسرة البيضاء في انتظار حبة دواء أو عملية جراحية تستعصى على إمكاناتهم؟ غابت الرأفة عن هذه القلوب التي سكنتها رغبة واحدة في امتلاك الوطن وسحق البشر والارتواء حتى الثمالة من كل شيء دون أن يتركوا ولو بقايا لمن كانوا يبيتون ليلهم ببطون فارغة بعد أن ضاقت بهم السبل بحثا في أكوام قمامة أصحاب القامات العالية في شوارع المدن المغلقة عليهم والقصور الفارهة المدججة بالسلاح والذئاب البلاد كانت مستباحة لهم ولأعوانهم من رفاق الليل وندماء الكؤوس وحاملي حقائب المال الحرام وسارقي الحدائق وقاطعي الطرق وناهبي البنوك وبائعي كنوز الوطن للأعداء جاء أوانهم الآن كي يكتبوا شهادة نهايتهم ويتفرغ الوطن لصياغة روزنامة أحلامه ورسم انبثاق شمسه الجديدة وأفقه المغاير ورائحته المختلفة المغزولة بدم شهدائه وأحراره، حان زمان رحيلهم لم يعد بكاؤهم العبثي قادرا على أن يغرينا بالعفو أو المسامحة فشيمتهم كانت الغدر، لم يعد بوسع بقاياهم بث الرعب فينا أو إغلاق النوافذ وسد الطرق وامتهان الكرامة رغم سطوتهم المستورة وصورتهم المستوحاة من زمن غابر بائد، هم إلى هلاك وزوال ورحلة نسيان وصفحة سيغلقها التاريخ للأبد، هم كانوا في الواجهة صورا مذمومة حالكة معتمة ودخلوا الآن كهوفا لن يخرجوا منها أبدا لن يخرجوا منها. السطر الأخير: راحلا في مداك هو سر انبثاق الشمس مفصل وجودي باعثا لحضوري معتما لغيابي قوميني أيا رحلة تكويني في غيابات جبك في قمرك المغزول بعينيك يمنحني هدأتي وسكوني (2) في البحر عثرت عليك وفي النهر رسمت عناوينك حططت رحجالي بقدسك تلبستني حقولك تهيأت لرياحك أفردت أشرعتي ضفافك تناثرت اقتربت فغادرنا الرحيل تهاوى السفر عاد السندس تبوأت وجه المدينة فسرى فيضك بالروح انهمر (3) عانقتني بهجتك القديمة ارتويت لكنني أيا سيدة القلب ما زلت عالقا بجبك أترقب طلوعك سحابة تغزل حزني بالمطر (4) في البلاد \\ المطارات \\ الموانئ \\ الشوارع \\ الحارات \\ متاجر المدن \\ وجهك وشم اسمك قصيدة لم تغادرني في الصباحات \\المساءات الصحو \\ السبات في حروف الجريدة في عنفوان الجبهات مراسيلي إليك في كل الجهات رسمتك -وما زلت - حلمي بكل اللغات.

582

| 30 مايو 2011

فتنة العفو عن مبارك

هي فتنة تكاد تنتشر في أنحاء المحروسة ضمن سياق محاولات عديدة لإجهاض ثورة الخامس والعشرين من يناير في صدارتها إثارة الاحتقان الطائفي على نحو غير مسبوق من جراء الشحن العاطفي باتجاه تفجيره بشكل يومي خاصة أن الأنفس قابلة للاختراق على هذا الصعيد بفعل عوامل كامنة منذ أن كان النظام السابق يحركها. وتأتي فتنة العفو عن حسني مبارك مقابل التنازل عن ثروته وممتلكاته كدلالة أخرى على أن ما يطلق عليه "فلول النظام السابق" لا تفتر همتها في سبيل تبرئة الرجل عن كل ما ارتكبه على مدى ثلاثين عاما من حكم مطلق شديد الاستبداد بصورة لم تحدث في التاريخ المصري منذ إنشاء الدولة المصرية القديمة في العصر الفرعوني. والبداية كانت في حوار للمستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض مع أحد البرامج التلفزيونية "فَهِم على سبيل الخطأ في حين أنه لم يكن يقصد من ورائه" كما أكد في لقاء آخر إثارة "حديث العفو عن مبارك" وأنه كان فقط يتحدث عن أنواعه ومحدداته القانونية. واللافت أن إحدى الصحف اليومية الحديثة الإصدار في مصر كشفت عما اعتبرته سبقا صحفيا ويتعلق باستعداد مبارك لإلقاء خطاب اعتذار للشعب طلبا للعفو وهو ما تناقلته وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية على نحو واسع مما أثار ما وصفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالكثير من البلبلة في الشارع المصري واتهم مسربي هذه الأخبار بالكذب ونشر الشائعات بهدف الوقيعة بين الجيش والشعب رافضا أسلوب الاعتماد على مصادر مجهولة المصدر مؤكداً أنه لا يتدخل في الإجراءات القضائية ووصل الأمر باللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع المصري للشؤون القانونية وعضو المجلس الأعلى إلى التهديد باللجوء إلى المادة 13 من قانون العقوبات التي تتيح تقييد وسائل الإعلام والصحف في حال نشرت أو عرضت مواد تخل بالأمن القومي للبلاد بشكل استثنائي وقد تم بالفعل استدعاء رئيس تحرير الصحيفة ومحرري التقرير للتحقيق في النيابة العسكرية التي أمرت بإخلاء سبيلهما بعد تعهد بعدم نشر أي أخبار أو تقارير تتعلق بالقوات المسلحة إلا بعد العودة إلى الجهات المعنية فيها. ولاشك أن إثارة حديث العفو عن مبارك الآن ينبئ عن محاولة للالتفاف على ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي نجحت في الإطاحة بالرئيس السابق مما يمهد لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انبثاق الثورة خاصة أن العفو عنه قد يفتح الباب للعفو عن رموز نظامه وأغلبهم من كبار السن ومصابين بأمراض الشيخوخة وهي المبررات التي يتكئ عليها أصحاب الدعوة إلى العفو عن مبارك الرجل المسن وصاحب الأمراض العديدة والاهم من ذلك أنه صاحب الضربة الجوية في حرب أكتوبر من العام 1973 ولكن هذه المبررات كما يرى الكثير من المختصين لا تخضع للمنطق القانوني أو السياسي وإن كان البعض يرى إمكانية أن يتم مناقشة الفكرة من خلال حوار وطني شامل بمشاركة كافة القوى السياسية التي تقرر ما إذا كان بالوسع العفو عن مبارك من عدمه في ظل توافر شروط معينة من أهمها عدم شموله نجليه أو أي من أركان نظامه الذين ارتكبوا جرائم سياسية وجرائم الفساد المالي، والذين يرفضون العفو عن مبارك وهم يمثلون تيار الأغلبية في مصر يستندون في موقفهم على المعطيات التالية: أولا: إن جم ثروة مبارك لم يتحدد بعد، فكل يوم تكشف تقارير الجهات الرقابية عن مصادر جديدة في هذه الثروة سواء بالداخل أو بالخارج وذلك رغم محاولة نفي تضخم هذه الثروة والتي جاءت على لسان محاميه فريد الديب مشيراً - بعد أن نفى واقعة تسجيل مبارك كلمة لبثها عن طريق قنوات مصرية وعربية. يعتذر فيها للشعب ويطالب بالعفو والصفح عنه، مع التنازل عن كل ممتلكاته وأمواله - إلى أن كل ما لديه عبارة عن فيلا اشتراها عام1997 بمبلغ نصف مليون جنيه في شرم الشيخ. ورصيده في البنك الأهلي لا يتجاوز مبلغ الستة ملايين جنيه. هي حصيلة خدمته في القوات المسلحة والرئاسة على مدى 62 عاما لافتا إلى أنه لا يمتلك أي حسابات خارج مصر أو عقارات أو قصورا في أي مكان داخل مصر أو خارجها سوى فيلا شرم الشيخ معتبرا أن الحديث عن وجود أرقام مبالغ فيها تهدف إلى تشويه صورة مبارك. غير أن ما كشف عنه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في حديثه لـ" الأهرام" مؤخرا يصب في منحى يؤكد أن ثروة مبارك من الضخامة بمكان رغم أنه بدوره يرفض منطق المبالغة الذي سعى إليه البعض في الحديث عن هذه الثورة فهيكل – اعتمادا على تقارير للبنك الدولي مدعومة بتقارير من المخابرات الأمريكية - يقدر هذه الثروة بالخارج بين 9 و11 مليار دولار وذلك رقم في حد ذاته مهول وفق تعبيره ومن قبل قدرت صحيفة الجارديان البريطانية ثروة مبارك بحوالي 5ر4 مليار دولار وذلك كله يعني أن الرأي العام المصري لن يسمح بمنطق العفو في ظل حالة الحرمان التي عاشتها الأغلبية خلال الثلاثين عاما من حكمه وأضافت بها السبل مما أدى إلى دخول أكثر من 40 % من الشعب المصري منطقة تحت خط الفقر وغياب الخدمات الرئيسية والتي كانت مخصصة للأغنياء فحسب أما هم فكانوا يحصلون عليها بصعوبة شديدة في ظل تدني مستوى الدخول إلى حدودها الدنيا وصعود معدل الأسعار على نحو لا يتسق مع الأجور فانتشرت العشوائيات والحالات المرضية التي لم يكن بمقدور أصحابها الحصول على علاجها بفعل تدهور المستشفيات العامة وارتفاع كلفة المستشفيات والعيادات الخاصة. ثانيا: إن إعفاء مبارك من المحاكمة، يتعارض مع نصوص القانون، ويجب التعامل مع الأمر في إطاره الطبيعي باعتباره مواطنا عاديا يجب محاكمته دون تهويل أو تهوين، فالحكم في النهاية هو القانون ووفق رؤية كل من المستشار محمود الخضيري رئيس نادي القضاء السابق بالإسكندرية فإنه من الناحية القانونية يجوز للرئيس السابق رد الأموال بالكامل أمام جهاز الكسب غير المشروع وسيكون المقابل عدم محاكمته والاكتفاء برجوع الأموال للشعب المصري. أما عن قضية القتل العمد للمتظاهرين فلابد أن يحاكم لأنه المسؤول الأول والأخير في القضية باعتباره رئيس الدولة في ذلك الوقت قائلا " ستكون عقوبة مخففة". ثالثا: ثمة اتجاه عام يرى أن مبارك ينبغي أن يخضع لمحاكمة سياسية وشعبية دون أن يقتصر الأمر على مجرد محاكمة تتعلق بفساده المالي فوفقا لأصحاب هذا الاتجاه فإن الأوراق والحيل القانونية التي يلجأ إليها بعض المحامين يمكن أن توفر مساحة لبراءة مبارك منها لكن الانتهاكات والجرائم التي وقعت طوال مدة حكمه التي اقتربت من الثلاثين عام يمكن أن توفر ذرائع واضحة وسافرة لمحاكمته سياسيا وقد حددها "هيكل" في العدوان على روح النظام الجمهوري والبقاء في الرئاسة30 سنة وتعديل الدستور للسماح بتوريث السلطة والتصرف في موارد البلد وثرواته كما لو كانت ملكا شخصيا، كما أن النظام السابق أهمل إهمالا جسيما في قضايا لا تحتمل الإهمال مثل قضية مياه النيل والفتنة الطائفية والتعاون مع إسرائيل. مما جعل أحد وزرائها يصفه بأنه كنز استراتيجي لها وتزييف إرادة الشعب وانتهاك حقوق الإنسان والتواطؤ في أعمال سرية لتحقيق غايات سياسية ومالية، فضلا عن جرائم تزوير الانتخابات لصالح الحزب الوطني وإقصاء القوى السياسية والحزبية الأخرى وهي كلها -كما يقول هيكل - تهم سياسية وليست تهما قانونية والتعامل حيال هذه الجرائم لابد أن يكون سياسيا مما يستوجب الأمر معها أجراء محاكمة برلمانية بعد تشكيل مجلس الشعب المقبل وهو ما حظي بالتأييد من دوائر قانونية وسياسية عدة في مصر غير أن المجلس العسكري وأركان حكومة الدكتور عصام شرف خاصة المستشار محمد عبد العزير الجندي ما زالوا متسمكين بالقانون الطبيعي لمحاكمة مبارك ورموز نظامه وإن كان دوائر شباب الثورة يرون أن البلاد من المفترض أن تخضع لمحددات الشرعية الثورية التي توفر- في ظل ادعاءات البعض بعدم وجود نصوص في القوانين الحالية تجرم الفساد السياسي – الآليات المطلوبة لأي محاكمة سياسية مرتقبة في المستقبل. على أي حال يمكن القول إن مصير مبارك ما زال معلقا سواء فيما يتعلق بمحاكمته قانونيا أو سياسيا خاصة أن الملابسات الصحية المحيطة به ما زالت تخضع للرأي الطبي الذي لم يحسم بعد موقفه من إخراجه من مقر حبسه الاحتياطي بمستشفى شرم الشيخ الدولي وتحويله إلى سجن طره إلى جانب نجليه ورموز نظامه الكبار وهو ما دفع النائب العام إلى تشكيل لجنة طبية جديدة للبت في أمره السطر الأخير: أقيم ممالكي بعينيك فأنت بوابة تكويني سر عشقي ولعي بالشعر القابع فيك فيض محبتي سفر حضوري بجناتك يهيئ عناوين البهجة بقصائدي يزيح وجعي وأنيني [email protected]

382

| 23 مايو 2011

من هو عدونا؟

أطرح هذا التساؤل في ضوء ملاحظة شديدة الوضوح وتتمثل في أن بعضا من أطراف عربية وجهت قوتها العسكرية بشرا وعتادا نحو شعوبها التي انتهجت التظاهر السلمي طريقا للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بينما لم تحرك هذه القوة أبداً باتجاه العدو الحقيقي والذي أعرفه أنا وتعرفه أنت وهو الكيان الصهيوني الذي ما زال مستوطنا الأرض وغاصبا للحقوق ومتعسفا في النظر إلينا مدعوما بالولايات المتحدة وبعض أطراف في الغرب وبوسعي أن أزعم أن العتاد الذي خسره العقيد معمر القذافي في قتل شعبه ومطاردة الثوار على نحو عشوائي في كل موقع في ليبيا كان بمقدوره أن يشكل رقما مهما في أي مواجهة قادمة مع العدو الحقيقي والتي أتوقع حدوثها رغم كل اتفاقيات السلام معه خاصة أنه ظل منذ قيامه بثورة الفاتح من سبتمبر 1969 والتي تفاءلت بها الشعوب العربية بحسبانها قيمة مضافة لحركة التحرر الوطني العربية ودعم لخيارات الشعوب يعقد صفقات التسليح بمئات المليارات من الدولارات وظلت مخزنة في مستودعاتها حتى حانت لحظة استخدامها في المواجهة مع الشعب الذي سانده وحلم معه بالحرية وبالسيادة ولكنه حول هذه الأحلام إلى كوابيس مزعجة جعلت ليبيا والليبيين في مؤخرة الشعوب العربية على صعيد التنمية والتقدم والحراك السياسي وجعل من الوطن مملكة خاصة له ولأفراد أسرته الذين وزعهم قادة لكتائبه الأمنية وبوسعي أن أزعم أيضاً أن الجهد الذي بذله الجيش السوري أفرادا ودبابات ومدرعات على نحو بدا أنه يخوض معارك حربية حقيقية كان يمكن أن يشكل قوة ضاربة في حرب تحرير أو حتى حرب عصابات يمكن أن يشنها ضد العدو الذي ما زال يحتل الجولان منذ أكثر من 43 عاما لم يطلق خلالها رصاصة واحدة باتجاه موقع لهذا العدو وحتى أكون منصفا فيما أطرحه فإن سوريا ظلت رقما مهما على مدى هذه السنوات في المواجهة مع العدو وإن كان على نحو غير مباشر عبر تقديم الدعم اللوجستي لأطراف وحركات مقاومة عربية وقادت بجدارة ما يسمى بمحور الممانعة العربية لكن ذلك لا ينبغي- تحت أي عنوان أو مبرر- أن يدفع قيادتها إلى توجيه القوات المسلحة لقتل ومطاردة المواطنين الذين أعلنوا أنهم يطالبون بحقوقهم في الحرية والعدالة والإصلاح عبر المنهج السلمي وقد حاولت عبثا أن أقنع نفسي بقصة العناصر المندسة والفئات الإرهابية والمسلحة وهي حجة مكررة تلجأ إليها النظم العربية الحاكمة وآخرها نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي سعت آلته الإعلامية الضخمة إلى تلطيخ سمعة الثوار وأنهم مجرد أداة لأطراف خارجية بينما كان النظام ذاته هو الأداة الأكبر لهذه الأطراف عبر ثلاثين عاما ظل فيها جاثما على أنفاس الشعب والوطن ويبدو أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أراد أن يوظف النجاحات التي حققها كل من الرئيس بشار الأسد والعقيد معمر القذافي فزج بالمؤسسة العسكرية كعنصر في حسم المواجهة مع الجماهير الثائرة ضده دون إدراك لمخاطر ذلك وهو من قبل استخدم هذه المؤسسة بل وأنهكها في حرب عصابات مع الحوثيين رغم أنه كان بإمكانه اللجوء إلى خيار الحوار السياسي وهي الآلية التي يتعين الاستناد إليها في التعامل مع القوى الداخلية لا أن يتم حشد طاقة المؤسسة العسكرية في المواجهة الأمر الذي ينهك قدرتها على التعامل مع الأخطار الخارجية وهنا تكمن المعضلة خاصة بالنسبة للحالة السورية فهي واقعيا في حالة حرب مع العدو الحقيقي الكيان الصهيوني والذي يتربص لها أي فرصة للوقوع في براثنه ومن ثم كان من الأجدر ألا يتم إهدار قوتها وطاقتها ومعنوياتها في قتل نفر من أفراد الشعب بل السعي بقوة إلى توفير كل الظروف للاستعداد ليوم آت - ليس بعيدا- لاستعادة الجولان لأن كل خيارات السلام التي لجأت إليها القيادة السورية الحالية أو السابقة لم تفلح في تحقيق هذا الهدف الوطني وثمة بعد آخر في المسألة فإن أي جيش في مواجهة مع العدو هو في أشد الحاجة إلى الإسناد الشعبي فكيف يكون بمقدور الشعب السوري أن يقدم هذا الإسناد بعد أن قتل الجيش الكثير من أبنائه صحيح أن عددا من ضباط هذا الجيش قد قتلوا أيضا ولكن ذلك يستوجب تعقب القتلة وليس توجيه كل هذا الحجم من الأفراد والعتاد لمحاصرة المدن والبلدات السورية على نحو يشبه في بعض الأحيان الأساليب الصهيونية مع الفلسطينيين وهنا ألفت إلى التصريح الذي أدلى به ابن خالة الرئيس بشار - رامي مخلوف- قبل أيام والذي تعادل حالته حالة رجل الأعمال الشهير في مصر أحمد عز من حيث النفوذ المالي والاقتصادي والسياسي والذي ربط فيه بين أمن سوريا وأمن الكيان الصهيوني والذي اعتبره وزير الإعلام في الحكومة السورية عاكسا لرؤيته الشخصية والمرء يتساءل: متى يكون لهذه النوعية من النافذين والقابضين على معادلة الثروة والسلطة رأي خاص الأمر في تقديري لا يعدو كونه مغازلة للكيان وبضوء أخضر من أعلى المستويات حتى لا يسقط النظام وهي محاولة لم تفلح في إنقاذ نظام العقيد القذافي عندما لجأ إليها مع بداية انبثاق ثورة السابع من فبراير وما يبعث على الدهشة هو أن الرئيس بشار الأسد أصدر منذ الأيام الأولى لتفجر الأحداث تعليمات صارمة بمنع إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وكرر هذه التعليمات قبل ثلاثة أيام ومع ذلك فإن الرصاص الحي يحصد كل يوم أفرادا من الشعب بل إن بعض الإحصاءات التي تنسب لمنظمات حقوقية سورية ترتفع بأعداد القتلى إلى أكثر من ألف شخص وهو ما يعني أن ثمة أطرافا داخل الدائرة الضيفة في الحكم لا تنفذ تعليمات الرئيس وهو ما ينطبق على الإصلاحات السياسية التي أعلنها قبل أكثر من شهر ما زالت تراوح مكانها رغم إلغاء حالة الطوارئ لقد قدمت المؤسسة العسكرية المصرية الأنموذج الأمثل في التعامل مع الحالة الثورية للشعب والتي لم يصل إليها الأبعد أن تفاقمت الأوضاع الداخلية فقرر الانحياز إليها لا إلى النظام الذي كان يدرك من خلال مقارباته مع معطياته الداخلية أنه بلغ مرحلة النهاية والترهل التي يتعين معها أن يغادر مقاليد الأمور فأعلن منذ اليوم الأول لنزوله إلى الشارع انحيازه لمطالب الشعب في التظاهر السلمي ثم حسم الأمر لصالح الوطن بعد خروج الملايين التي احتشدت في ميدان التحرير وغيرها من الميادين بمحافظات مصر رافضا الاستجابة لأوامر تلقاها من مبارك باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة بتفرقة المتظاهرين بالقوة وهو بذلك يرد الجميل للشعب وفق تعبير المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي وقف إلى جانب مؤسسته العسكرية في كل مراحلها سواء في ثورة يوليو 1952 أو خلال إعداد القوات المسلحة للحرب بعد هزيمة يونيو 1967 أو خلال حرب أكتوبر المجيدة إن هذا الدرس يتعين استيعابه بعمق من قبل كل من القيادة السورية والليبية واليمنية بحيث توقف على الفور استخدام المؤسسة العسكرية في المواجهة مع الشعب والأهم من ذلك أن توقف هذا التداخل غير المفهوم بين الوطن والزعيم بالبقاء يتعين أن يكون للوطن وليس للزعيم على جماجم الشعوب السطر الأخير: إن غادرت وسديني بمقام العشق فأنا طفلك الذي عاش مسكونا بقصائدك مختبئا بضفائرك مطاردا بين حدائق الياقوت والمرجان في المسافة بين العينين [email protected]

774

| 16 مايو 2011

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4557

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3387

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1356

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1197

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1095

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

762

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

678

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

627

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

615

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية