رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الليبراليون الجدد يسعون إلى إقصاء ثورة يوليو من مشهد يناير
ثمة محاولة من قبل بعض الذين ينتمون إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير إلى نفي وإقصاء ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 التي فجرتها طليعة ثورية من القوات المسلحة المصرية بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر واعتبارها كأن لم تكن وهي حالة من الشطط تلبست هؤلاء النفر الذين رأوا أن ثورة الخامس والعشرين من ينايرهي الثورة الوحيدة في تاريخ مصر الحديث وأن ما عداها لم يكن إلا مجرد انتفاضات أو انقلاب عسكري قاده رجال الجيش وذلك دون قراءة حقيقية لجوهر ثورة يوليو أو مردودها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليس على الواقع المصري فحسب وإنما على مجمل المشهد العربي والعالم الثالث بل أشير هنا إلى أن علم الثورات الذي يدرس في بعض جامعات الغرب بحسبانه علما مستقلا ما زال يدرس ثورة يوليو كنموذج على الثورات الحديثة التي أفضت إلى تغيير حقيقي وشامل في بنية المجتمع المصري.
ولاشك أن ثمة حماسا بالغا لدى قطاعات عريضة لثورة الخامس والعشرين والتي هي ثورة الشعب المصري بكل شرائحه واتجاهاته والجميع يدرك مفصليتها في التاريخ المصري المعاصر بل إن مجلة التايم الأمريكية اعتبرتها واحدة من أهم الثورات في العالم على مدى القرون الأربعة المنصرمة بيد أن ذلك لا ينبغي بالضرورة أن يقود إلى وأد ثورة يوليو ومحوها من خارطة الواقع المصري بل يمكنني القول باطمئنان إنها شكلت المرتكز الرئيسي بأفكارها وتوجهاتها لثورة يناير وهو ما تجلى- ليس في رفع صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بشوارع وميادين مصر خلال الثمانية عشر يوما التي أمضتها الجماهير منادية بسقوط مبارك- بل في الشعارات التي تبناها المتظاهرون والتي تمثلت في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتى كانت من أهم الأهداف التى سعت الى تحقيقها ثورة يوليو وإن تفاوتت المعطيات المحيطة بهدف تحقيق الديمقراطية والذي لا يمكن للمرء إلا أن يشير إلى أنه لم يشهد تفعيلا على الصعيد السياسي ربما بفعل حداثة التجرية الحزبية التي شهدتها المحروسة قبل يوليو واتسمت بأداء وفعالية هشة لم تتماس مع مطالب الشعب الذي عانى ثالوث الجهل والمرض والفقر فلم يتمكن من مقاربة الأطروحات الديمقراطية والتعددية الحقيقية والتي ظلت مرهونة بالنخبة الإقطاعية وكبار الملاك ورجال السياسة المصنوعين على عين المستعمر البريطاني صاحب القرار الحقيقي في مصر والقصر الملكي الضعيف مع الاحتلال والمتغرطس مع شعبه.
لقد انطلقت ثورة يوليو من واقع شديد السوء وسعت إلى التخلص منه عبر وسائلها المتاحة معتمدة على القدرات الذاتية للشعب المصري واضعة في الاعتبار الكرامة الوطنية التي شهدت انسحاقا في حقب ما قبل يوليو بلا حدود حتى من قبل النخب السياسية التي كانت تتبادل السلطة فيما بينها عبر انتخابات مزورة في أغلبها فضلا عن ترد بالغ في الوضعية الاجتماعية للشعب ووقعت محاولات عديدة لتغييرها لكنها ظلت عصية على التجاوز إلى أن جاءت طليعة القوات المسلحة التي قادت أهم تحول في تاريخ مصر المعاصر في الثالث والعشرين من يوليو 1952 فشكل بتوجهاته واختراقاته الواسعة للواقع ثورة بكل المعايير بالرغم من أنه أطلق عليها في البداية وصف الحركة.
وجاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد أن بلغ الظلم مداه في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك والذي لم يتمكن مرة واحدة من قراءة بوصلة الشارع فظل سادرا في غيه ومشروعه الخاص والذي نهض على تقزيم مصر وحصرها في نخبة سياسية زاوجت بين السلطة والثروة دون أي مقاربة حقيقية مع الأغلبية التي ظلت تعاني من القهر السياسي والأمني والاجتماعي بحيث أن تجليات المشهد المصري قبل الخامس والعشرين من يناير كانت متقاربة إلى حد كبير مع ملامح المشهد الذي كان سائدا في نهاية حقبة الأربعينيات وبداية حقبة الخمسينيات من القرن الفائت خاصة بعد التغييب القسري للطبقة المتوسطة والصعود السريع لفئات الطفيليين وسارقي الأموال والجهلة والقريبين من الحلقة الضيقة في الحكم ثم جاء مشروع توريث السلطة لنجل الرئيس السابق ليوسع قاعدة الاحتقان الشعبي وبدا أن المحروسة مجرد مشروع خاص لأسرة مبارك تتحكم فيها كما تشاء لا يعنيها تزايد قطاعات المرضى والفقراء والمناطق العشوائية وغياب الخدمات التي تقدمها الدولة وترك الأمر للقطاع الخاص في تدبير محكم وبمشاركة من رموز السلطة ليتحكم في خارطة هذه الخدمات والتي ظلت بمنأى عن قدرات أغلبية الشعب المصري
إذن السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تكاد تكون متقاربة بين الثورتين وإن شهدت قدرا أوسع من التفاقم في حقبة مبارك الذي ظل يحكم الوطن دون أن يشعر بنبض الشعب فكرهه وأصر على خلعه.
وثمة قاسم مشترك في الثورتين يتجلى في الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية ففي يوليو كانت هي مفجر الثورة وحاميتها وانحاز إليها الشعب الذي منحها تأييده فسعت إلى تحقيق أشواقه وأحلامه والتي تعرضت مسيرتها إلى بعض الإخفاقات من جراء مؤامرات الخارج الذي سكنته الهواجس حيال توجهات قادة يوليو التي سعت إلى تكريس استقلالية القرار الوطني والاعتماد على القدرة الذاتية لمصر وتبني التوجهات التحررية سواء في الداخل أو في الإقليم أو في العالم.
وفي يناير فإن الشعب هو الذي فجر الثورة فانحازت إليه المؤسسة العسكرية معلنة تبنيها لخياراته ومؤكدة حمايتها له في وجه مطالب بإبادته والقضاء على المتظاهرين باستخدام القوة والعنف وبدون هذا الانحياز فإنه لم يكن بمقدور هذه الثورة أن تصمد حتى الآن والملاحظ أن محاولات إجهاضها واحتوائها ما زالت قائمة وهو ما يعني أنها في حاجة إلى إسناد المؤسسة العسكرية بالرغم من كل التفاعلات المحيطة بوقائع المرحلة الراهنة التي تشهد سعيا من قبل بعض الدوائر إلى الدخول في مواجهة مع هذه المؤسسة التي أدركت أنها في حاجة بدورها إلى الشعب حتى يكون بمقدورها وضع المسارات الصحيحة لتطبيق أهداف الثورة وتجاوز بعض ما يبدو أنه نوع من الإخفاق أو الفوضى في بعض الأحيان.
إن ثورة الخامس والعشرين من يناير هي بكل تأكيد مقاربة جادة وصادقة لتجديد ثورة الثالث والعشرين من يوليو خاصة أنها جاءت بعد ما يقرب من 59 عاما منذ انبثاقها في العام 1952 وهو ما يستوجب ضخ دماء جديدة في مساراتها ونفخ روح وثابة في جسدها الذي أنهكه النظام الذي نشأ في مصر بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في الثامن والعشرين من سبتمبر 1970 لتخطو بالأهداف التي سعت إلى تطبيقها ولم تكن مطلقا فعلا نقيضا لها.
واللافت أن نفرا من الذين يسعون إلى إقصاء يوليو من مشهد يناير هم من الليبراليين الجدد وبعضهم قفز على ثورة يوليو من مظلة صنعت خارج الحدود ويحصل على أموال باتت تتدفق من دوائرمعروفة بكراهيتها التاريخية للمشروع الوطني القومي الذي جسدته ثورة يوليو فضلا عن ارتباطات تداخلت مع النظام السابق الذي عادى مشروع عبد الناصرعلى صعيد المحتوى وإن حاول التمسح بها على مستوى الشكل.
إن ثورة الخامس والعشرين من يناير ليست خصما من رصيد ثورة الثالث والعشرين من يوليو التي مر على تفجيرها 59 عاما أمس الأول ولن تكون نقيضا لها على الإطلاق فهي حية في وجدان الشعب المصري بكل منجزها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
السطر الأخير:
أستعيد بهجتي القديمة
تتشكل قسمات كينونتي
أنطلق في فضاءات الروح
أيا سيدة الفؤاد والجروح
بهاؤك عاد إليّ
ارتويت من بئرك المشتهاة
من حضورك الذي أقصى الغياب
من فتنتك المطرزة بالحدائق
عاد لي البحر
والنهارات المسافرة
سكنت جوارحي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8409
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5397
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4611
| 05 أكتوبر 2025