رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من حق كافة القوى التعبير عن نفسها والهيمنة والاستفراد بالمشهد غير مقبول
مرة أخرى تتجمع سحب الانقسام في أفق القوى المنتمية لثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر ففي الوقت الذي توافقت فيه قبل يوم الجمعة الأخير – التاسع والعشرين من يوليو – على أن تكون فعاليات هذه الجمعة لوحدة الصف ولم الشمل والتوافق على استكمال مسار الثورة عبر عدد من المطالب المحددة فوجئ العدد الأكبر من الائتلافات والحركات والأحزاب بمسعى القوى التي تعبر عن التيار الإسلامي للهيمنة على المشهد العام لميدان التحرير وغيره من الميادين عبر التدفق المبكر لعناصره خاصة التيار السلفي الذي احتشد على نحو غير مسبوق برموزه وشبابه المعروفين بلحاهم الطويلة وجلابيبهم القصيرة فسيطروا على أغلب مداخل الميدان ومنصاته وساحاته فبدا الأمر وكأنه استعراض للقوة موجه للكافة بل فسره البعض بأنه موجه بشكل خاص إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تسوق نفسها باعتبارها التنظيم الأكثر قوة واتساعا من حيث الجماهيرية حتى تقبل بتوجهات التيار السلفي التي لاتقبل بها الجماعة على نحو مطلق.
وليس ثمة شك في أنه من حق جميع القوى والتيارات التعبير عن نفسها وعن توجهاتها وأفكارها وفق المنهجية السلمية التي لا تتقاطع مع أفكار وتوجهات الآخرين لكن في الآن ذاته فإن منطق الهيمنة والاستفراد بالمشهد غير مقبول بالمرة خاصة في ظل تفاعلات ثورة وليدة مازالت تتحسس سبيلها سعيا لتحقيق متطلباتها التي يجمع عليها الشعب حتى وإن اختلفت وسائل قواه الحية وهو ما كان يستوجب على رموز التيار الإسلامي الالتزام بما تم التوافق عليه مع رموز القوى والتيارات الأخرى قبل مليونية الجمعة الأخيرة وأظن أن الوفاء بالمواثيق والعهود واحد من محددات الانتماء إلى الإسلام وشريعته ومنهجه الرباني والتي لا تقصي الآخر أو تهمشه وإنما تحث على التفاعل معه وتوظيف طاقته في خدمة المشروع الإسلامي الذي هو بالأساس مشروع موجه لتلبية مطالب الناس بشقيها المادي والروحي.
لقد تبارى رموز التيار السلفي في طرح شعارات إسلامية وهو أمر مقبول من حيث المبدأ لكنه يحمل في الآن ذاته محاولة لاستبعاد شعار الدولة المدنية التي باتت تحظى بالقبول العام حتى من قبل المؤسسة الإسلامية الرسمية – الأزهر- وهو ما عبرت عنه في وثيقتها الشهيرة التي أصدرتها قبل نحو شهرين فضلا عن أن كثيرا من المفكرين الإسلاميين ومنهم الدكتور محمد سليم العوا والدكتور أحمد كمال أبو المجد لا يؤمنون بالدولة الدينية وإنما يدعون إلى دولة وطنية ذات مرجعية إسلامية تقوم على أساس المواطنة للجميع وهو ما نهضت عليه أسس الدولة في التاريخ الإسلامي بمعنى أنه لم يكن ثمة كهنوت يحكم وفق النموذج الذي كان قائما في الغرب قبل الإصلاح الديني الذي طال الكنيسة والذي كان يمنح رجالها كل السلطة في الهيمنة على مقادير البلاد والعباد.
لقد ألقت الشعارات واللافتات التي حملت مقولات ذات طابع ديني بميدان التحرير وغيره من الميادين بعض الهواجس لدى أنصار ومؤيدي القوى والتيارات الأخرى فاضطر أغلبهم إلى الانسحاب من المليونية وعاد المشهد السياسي في مصر إلى مربع الانقسام الذي تم تجاوزه قبل ثلاثة أشهر عندما شهدت مصر نوعا من الاستقطاب الحاد بين القوى التي شاركت على نحو أو آخر في الثورة على نحو جعل مصر تعيش ما يمكن وصفه بالفسطاطين الأول يحتوي الجماعات الإسلامية التي دخلت بقوة على خط الثورة سعيا إلى تكريس حضورها ودروها اعتمادا على خطاب يستخدم المفردات الدينية من قبيل الشريعة والحدود دون أن يمتد للأسف إلى الصيغ الدينية التي تعلي من قيمة الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان ومحددات التنمية والتحديث الذي تتطلع إليه مصر وهي قضايا جوهرية في الحراك السياسي المصري الذي قاد إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير بينما يضم الفسطاط الآخر القوى السياسية ذات الصبغة الليبرالية والقومية واليسارية وائتلافات الثوار بتعدد اتجاهاتهم وانقساماتهم الحادة بدورها والتي أبدت انزعاجا من محاولة استغلال الرموز والخطاب الإسلامي في الحركة السياسية ومخاطبة الرأي العام المصري ووصل الأمر إلى حد محاولة التخويف من تداعيات وقوع أي مقاربة قد تفضي إلى تولي الإسلاميين بمختلف توجهاتهم إخوانية أو سلفية أو جماعات أخرى السلطة عقب الانتخابات البرلمانية القادمة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد من المخاطر فثمة من يحذر من دخول البلاد والعباد أيضاً إلى مستنقع الحرب الأهلية إذا ما أصر الإسلاميون على فرض خياراتهم التي جعلت البعض يخشى من تحول مصر إلى أفغانستان أخرى تحت حكم طالبان خاصة أن الخطاب الذي يسوقه التيار السلفي أقرب إلى خطاب هذه الحركة والذي يتعالى على الأطروحات السياسية والفكرية الحديثة ويعتبرها في حكم البدع وهو ما لا أظن أن مصر قابلة للتفاعل معه بفعل موروثها الحضاري الإسلامي القائم دوما على الوسطية والاعتدال والفهم المستنير لقواعد الشريعة وجعلها بذلك تشكل أنموذجا مقبولا للتعايش بين المواطنين بمختلف انتماءاتهم العرقية والدينية تحت عباءة الإسلام وقد رفض الشارع المصري في حقبة التسعينيات محاولة الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي لفرض رؤية متطرفة طالت مسارات حياته اليومية ولم يبد أي تجاوب معهما بالرغم من الكراهية المبطنة لنظام مبارك الذي كانتا تعلنان أنهما تحاربانه .
وفى تقديري فإنه بات مطلوبا من قوى التيار الإسلامي خاصة السلفي أن يتخلص من خطابه المغلق على بعض الشعارات التي تفتقر إلى مضمون ومنهجية وآليات عمل تتماس مع الواقع المباشر وأن ينفتح على كل قوى المجتمع بل ويستفيد من المهارات التي اكتسبها الإخوان المسلمون في التفاعل مع الشارع والتعبير عن أشواقه خاصة على الصعيد الاجتماعي الذي ميز حضورهم خلال العقود الثلاثة الأخيرة وجعلهم في مواجهة مع العديد من المعضلات اليومية التي يسعون إلى تجاوزها فضلا عن خبراتهم السياسية على صعيد المواءمة مع الواقع وعدم الوقوع في فخ الخطابية الضبابية والتكيف مع محددات السياسة المعروفة بعيدا عن " شطط " الخطاب المتشدد الذي ينفر ولا يجذب.
وفي المقابل فإنه لا يتعين على القوى والتيارات الأخرى من ليبرالية وقومية وعلمانية أن تتهرب من المواجهة أو تنسحب من الميدان وإنما هي مطالبة بالتوجه نحو القوى الإسلامية وفي مقدمتها السلفيون والاندفاع إلى احتوائهم وإشعارهم بأنهم جزء من المكون الأساسي للأمة والدخول معهم في حوار يحقق مقاربة باتجاه القواسم المشتركة وتجاوز ما يعكر الصفو خاصة على صعيد رفض الشريعة الإسلامية وهو التخوف الذي يسيطر على الإسلاميين بمختلف توجهاتهم وبالذات تجاه المادة الثانية من الدستور والإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى والذي ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع في مصر بحيث يكون هناك إجماع بشأن هذه المادة التي تشكل ضمانة للاستقرار وذلك حتى لا يندفع السلفيون وغيرهم من مكونات التيار الإسلامي نحو المزيد من الانغلاق وربما الانزواء تحت الأرض بعد الخروج إلى سطحها.
السطر الأخير:
قومي
انغرسي جذورا بتكويني
احترقي
اشتعلي
فالعشق سبيلي إليك
لغتي في أشواقي
بثي دفئك بشراييني
أفتح بوابات القلب للنبض الطالع من عينيك
يشرق قمرا بأحزاني
يخترق الوجع المرسوم بآهاتي
يقصي دموعا بمسافاتي
فكوني مطرا
أو نهرا
كوني ضوءا ينهمر بعتباتي
(2)
جئتك مفتونا
أحمل ولعي على ظهري
مقسوما بمقاديري
فتعالي أبثك وجدي
أمرح في أرضك بخيولي
أمنحك سر الأقمار
تهبيني رقص الأنهار
نمتزج كونا ما يفتأ يقص الأشعار
أصدر حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، القانون رقم (22) لسنة 2025... اقرأ المزيد
72
| 08 أكتوبر 2025
لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة التنمية، بل كان دائماً هو الأصل والجوهر، فهو الخليفة في... اقرأ المزيد
102
| 08 أكتوبر 2025
بعد عامين تنفست غزة فيها الصعداء مع الاعلان الأمريكي عن اتفاق بين حماس واسرائيل، ليكسر دوامة الحرب التي... اقرأ المزيد
87
| 08 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5298
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
3789
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
3381
| 05 أكتوبر 2025