رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

كتابة جديدة لتاريخ المحروسة

بعد غد ستكون المحروسة - وأقصد بها مصر -على موعد مع كتابة جديدة لتاريخها السياسي المعاصر مع انطلاق أول انتخابات رئاسية حقيقية تنهض على أكثر من مرشح من شرائح وتوجهات مختلفة وتلك واحدة من الإفرازات الإيجابية لثورة الخامس والعشرين من يناير التي يحاول البعض إجهاض أهدافها وتقليص تأثيرها في الواقع المصري في عيون المصريين ترصد هذه الأيام ألقا وتوهجا ونورا وعشقا لزمن جديد يحكمهم فيه رئيس طالع من رحم الوطن مسكون بما يقض مضاجعهم وحالم بالخروج من سلسلة من الأزمات التي تحاصرهم بعد أن وهبوا الثورة كل شيء لكن من امتطوا صهوتها كادوا يدفعوها إلى دائرة الخذلان والفشل لولا بقية من إيمان بقيمها هي من تحافظ عليها وتمضي بها إلى الأمام وفق نظرية التسيير الذاتي تتحرك في الشارع في الحارات في أطراف المدن في النجوع والقرى البعيدة في مختلف أنحاء المحروسة لا حديث يعلو على حديث انتخابات الرئاسة والمرشحين والنقاش حول أيهم أجدر بالحصول على المنصب الرفيع المقام وهو ما ينبئ عن حيوية كانت مفتقدة وأحلام كانت مجهضة في شاشات الفضائيات المحلية والعربية تتصدر الانتخابات البرامج والنشرات الإخبارية وبعضها يقيم المناظرات والحوارات التي تكشف عن المستور في توجهات وفكر المرشحين وكثيرا ما يفاجأ المشاهدون بجوانب أخرى في شخصية المرشحين لم تكن واضحة القسمات من قبل لكن الغضب كشف عنها. فبان من يمتلك القدرة على كظم غيظه وظهر من يمتلك الروية والهدوء أو القابلية للاستفزاز. بينما كان مبارك يمتلك دوما القدرة على خداع شعبه سواء من حيث الشكل أو المحتوى والذي لم تنطل عليه حيله في صباغة شعره فكان يدرك أن الشيب لا يسكن مظهره الخارجي وإنما مكوناته الداخلية بكل أبعادها في الانتخابات سيخرج شعب مصر حاملا حلمه في التغيير متطلعا لأن يمتلك ناصية أمور البلاد وقراره الوطني المستقل والبعيد عن تأثيرات القوى الإقليمية أو الدولية بل وبعيد عن هيمنة رأس المال الذي كان في حالة عناق مع السلطة بكل مكوناتها خلال ثلاثين عاما أو قل خلال أربعة عقود فالبداية كانت مع الراحل أنور السادات المؤسس الحقيقي لنظام حسني مبارك لا يمكنك أن تعرف اتجاه الريح رغم الاستطلاعات التي تنظمها صحف قومية خاصة وكل منها يكيف نتائجها مع مصالحه والقوى التي يعبر عنها لكنها جميعا لا تحدد من سيختاره الشعب على وجه اليقين رغم حجم الدعاية الذي لم تشهده المحروسة طوال تاريخها ويتحدث الناس عن ضخ أموال شديدة الضخامة في المعركة الانتخابية ويدللون على ذلك بحجم الإعلانات التي تحملها جدران القاهرة والمحافظات الأخرى وعلى شاشات التليفزيون والتي تعكس قدرا لا بأس به من أموال دفعت لشركات العلاقات العامة والدعاية وثمة من يتخوف من أموال مدفوعة من الخارج لتمويل حملة هذا المرشح أو ذاك وفي المقابل فإن الجميع ينفي حصوله على تمويل من أي دولة بالخارج ويعلن اعتماده على أمواله الخاصة وتبرعات مناصرين وأظن أن التلويح بورقة التمويل الخارجي ينطوي على حرب نفسية ضد مرشحين بأنفسهم بهدف إزاحتهم من المواقع المتقدمة التي باتوا يحتلونها وقد شهدت المعركة الانتخابية في أيامها الأخيرة نوعا من الحروب الثقيلة أو ما يسمى بحرب تكسير العظام وفي مقدمة من طالتهم قذائف هذه الحرب أحمد شفيق والذي تحاصره اتهامات شديدة الوطء في ذمته المالية وقيامه ببيع أراض لنجلي مبارك علاء وجمال بأرخص الأسعار والتي تمت إحالتها إلى النيابة العامة وهو تطور يوشك أن يقضي على البقية الباقية لشفيق الذي يقاتل من أجل البقاء في المشهد الانتخابي. المعركة حامية الوطيس خاصة في ساعاتها الأخيرة والتي تعكس صراعا على السلطة ليس بين أشخاص بعينهم وإنما بين اتجاهات سياسية تتنازعها تباينات وتناقضات عدة يحاول التيار الإسلامي بشقيه: الإخوان والسلفيين أن يتصدر نتائجها مستخدما كل الوسائل بينما يسعى التيار الليبرالي إلى فرض حضوره باعتباره المنقذ في حين يطرح مرشحو التيار الثوري الذين ينتمون إلى ثوار يناير أنفسهم بحسبانهم البديل الحقيقي الذي يحتاجه الوطن الآن. وثمة تهديدات بتفجير ثورة ثانية إن ربح واحد من بقايا النظام في انتخابات الرئاسة ليشتبك الجميع في عراك سياسي قبيل "تشغيل" صناديق الاقتراع أما بعد أن تعطي أكلها فعلى الجميع أن يلتزم بما أٍسفرت عنه وأخشى ما أخشاه أن تحاول قوى وتيارات معينة في حال خسارة مرشحها إلى إثارة الاضطرابات بحجة وقوع تزوير فتقود البلاد إلى حالة من عدم الاستقرار قد تفضي إلى نتائج محفوفة بالمخاطر على أمن الوطن والمعضلة تكمن في أن كل مرشح يزعم أنه المعبر عن الأغلبية وبالتالي فإنه يرجع خسارته من دون تفكير إلى ما يظنه تزويرا بل إن بعض القوى بدأت تتحسب لذلك وثمة مناقشات جرت في مجلس الشعب لكني أجزم بأن التزوير لم يعد له موقع في الأداء الانتخابي في المحروسة بفعل حالة اليقظة التي باتت تسكن الوجدان والعقل المصري والتي لن تسمح على الإطلاق بوقوعه مهما كان الثمن فقد ارتوى المصريون من التزوير على مدى العقود الثلاثة المنصرمة من حكم مبارك ولم يعد بمقدورهم تحمل المزيد من مكابداته ومعاناته ومخاطره هذا أولا أما ثانيا فإن عملية الاقتراع ستخضع لمراقبة محلية ودولية صارمة فضلا عن وجود مندوبي المرشحين أنفسهم ومع ذلك فإن ثمة تكهنات بوقوع تجاوزات من قبل بعض المرشحين أنفسهم في سعيهم المحموم للحصول على الموقع الأول وهو لن يكون على نحو واسع وسيتم احتواؤه فورا في ظل العيون الشاخصة من قبل المناوئين وقد يسألني البعض لمن ستدلي بصوتك في الانتخابات؟ وحتى أكون صادقا وأمينا أقول: إن قلبي مع مرشح أحبه وهو حمدين صباحي لاعتبارات تتعلق بالمنظور المشترك والمتمثل في انتمائنا إلى فكر ثورة يوليو ومفجرها جمال عبدالناصر فضلا عن فترة زمالة أثناء الدراسة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة في النصف الثاني من سبعينيات القرن الفائت والأهم عملي معه بجريدة الطلاب التي كانت تصدر عن الاتحاد العام لطلاب جامعات مصر في النصف الثاني من سبعينيات القرن الفائت والتي كانت واحدة من أهم الحصون المقاومة لنظام الرئيس الراحل أنور السادات كما أن حمدين يمثل الجيل الثوري المتفاعل مع أوجاع الفقراء ولديه مشروع محدد للعدل الاجتماعي واستقلالية القرار الوطني واستعادة الروح القومية للمحروسة ويشهد بيتي كغيره من بيوت المحروسة نقاشات حادة فطالبة كلية الآداب تريد أن تمنح صوتها لمحمد مرسي راغبة في حكم إسلامي وأم البنات تريد عمرو موسى تراه مرشحا ملائما للعبور بالوطن من زمن مبارك إلى الزمان الجديد بحكم خبراته السابقة ودرايته الواسعة بمفردات الدولة المصرية بيد أن تيارا ثالثا تقوده ابنتي الكبرى الفنانة التشكيلية يميل إلى عبدالمنعم أبو الفتوح وقلت لهن: كل واحدة تختار من تريد فقد ولى زمن القهر ولم يعد بمقدور أحد أن يفرض شخصا بعينه وفي تقديري الفائز الأكبر في انتخابات الرئاسة ليس الشخص الذي سيربحها. وإنما الوطن والذي سيستعيد عافيته وحريته وقدرته على فرض ملامحه الخاصة والشعب الذي سيكون قادرا على الاختيار بمنأى عن سيف السلطان أو ذهبه. السطر الأخير: انتبهي وجهك راحل في مدى عشقي مسافر بحدائق القلب يرويها شعرا يمنحها سكنا يضفرها وجدا فكوني سنبلة لتوهجي حقلا لقصائدي هدأة لوجعي صيرورة لبهجتي القديمة لاتستعصي على الألق تزودي بعطر الكتابة تمددي أبنوسة في غاباتي الولهى زخما في فضاء الروح

364

| 20 مايو 2012

"طبلية "و"لاب توب ": إعادة إنتاج نظرية الأصالة والمعاصرة

ليس هذا عنوانا ميتافزيقيا لكنه يعكس واقعة عايشتها بشخصي. وبالتأكيد لا تبدو ثمة علاقة بين "الطبلية" وهي لمن لا يعرف تشبه مائدة الطعام لكنها منخفضة المستوى وبثلاثة أرجل كانت تستخدم في الريف المصري على نطاق واسع في الأزمنة القديمة وعلى نطاق ضيق في هذا الزمان والـ"لاب توب "وهو الكومبيوتر المحمول الذي أضحى سيد العصر والأوان. والواقعة التي عايشتها بشخصي تعود إلى قيام ابنتي الكبرى وهي فنانة تشكيلية وتعمل في مجال الصحافة الإلكترونية من خلال مجلة مصر المحروسة التي يصدرها قطاع الثقافة الجماهيرية بوزارة الثقافة المصرية بشراء "لاب توب" أكثر تطورا وسعة من جهازي الضخم نسبيا الذي أحمله بحقيبتي التي تثقل كاهلي من فرط ثقله وكان ذلك مقبولا بحكم أنني أزعم مواكبتي للمتغيرات الحديثة رغم أنني بلغت من العمر عتيا. وقد أقامت ابنتي ستارا حديديا على الـ"لاب توب " الخاص بها بحيث لا يكون بمقدور أي من أفراد العائلة - والذين دمروا جهازي كومبيوتر عاديين - الاقتراب منه وتقبل الجميع الأمر على مضض وفي حقيقة الأمر شجعتها أنا بشدة على فرض حالة حظر التجوال بالقرب من الـ" لاب توب " ليس لأنني مساهم في كلفة شرائه فهي التي اشترته من حر مالها بعد أن ظلت توفر من مرتبها على مدى أكثر من عشرة أشهر ولكن لقيامي بخطوة استباقية من هذا النوع بعد شرائي لجهاز الـ" لاب توب " الخاصة بي قبل أكثر من ثلاث سنوات خاصة بعد أن رأيت الهجمة التتارية على جهازي الكومبيوتر العاديين في المنزل وتحولهما إلى بقايا حطام تحملان ذكريات حواراتي ومقالاتي وكتاباتي الشعرية. وحرصت ابنتي الكبرى على تخصيص مكان لها ولـ" للاب توب" بعيدا عن الأنظار فأحيانا تستخدم الطاولة الخاصة بتناول الطعام وأحيانا أخرى تجلس بالأنتريه في الصالة الواسعة بالشقة التي لاتطل على النيل رغم أن صاحبها الذي باعها لنا أكد هذه الحقيقة وأشار بإصبع سبابته إلى النهر الذي يبعد عن موقع العمارة التي تحتوي الشقة بحوالي كيلو متر مربع وإن كنا في بعض الأوقات نشعر برائحة النهر الخالد. وأحيانا ثالثة تجلس فوق السرير المخصص للضيوف بالصالة ذاتها ولم يبد أي من سكان الشقة تبرما أو ضجرا من كل هذه الأساليب المتنوعة لاستخدام الـ " لاب توب ". وذات مساء عدت إلى المنزل مبكرا أي في حوالي التاسعة مساء وذلك يعد بالنسبة لي مبكرا فقد اعتدت العودة بعد منتصف الليل أو قبله بقليل وفي معظم الأحيان بعده بكثير. أقول عدت مبكرا ومن فرط بهجتي بهذه العودة المبكرة والاستثنائية حملت معي في هذا المساء كيسا بلاستيكيا من بائع الفواكه الشهير في الشارع الذي يضم العمارة يحمل بضعة كيلوغرامات من فواكه الموسم وتعمدت أن أنوعها وفق رغبات بناتي الخمس لأن أذواقهن نادرا ما تتلاقى على نوع واحد أو نوعين فأضطر إلى انتهاج استراتيجية التنويع مع تقليل الكميات وأظن أنها استراتيجية ناجحة حتى الآن. وبعد أن أفرغت الكيس على مائدة الطعام التي تكون أول ما تشاهدها عيناك بعد دخول الشقة والتفت حولي أربع من البنات وكانت الكبرى غائبة فسألت عنها فلم ينبس أحد ببنت شفة لتقديم إجابة عن مكان وجودها أو سر غيابها عن استقبالي ومشاركتي البهجة الاستثنائية بكيس الفواكه المتعدد الأنواع والقليل الكميات. وهددت بإعلان غضبي فنظرت إلى صغرى البنات بابتسامة تنطوي على معنى لم أسبر غوره ثم صحبتني إلى غرفة البنت الكبرى فشاهدتها منكبة في حالة أشبه بالغياب الصوفي لا تطرف عيناها يمينا أو شمالا شاخصة ببصرها إلى قريب وليس بعيدا وجهاز الـ" لاب توب "يجلس القرفصاء على طبلية تتمدد أمامها ودوت صيحة تلقائية منى: "طبلية "و"لاب توب " وكلاهما يخاصم الآخر وجودا وعدما. لا علاقة حضارية بينهما على وجه الإطلاق. فالطبلية تنتمي إلى قرون فائتة وتجاوزتها معظم القرى والبلاد والبشر والذين استعانوا بطاولات وصوان وأشياء أخرى والـ"لاب توب " ينتمي إلى ثورة المعلومات المتدفقة وإلى عصر مغاير تماما كل شيء يتحرك فيه عبر الضغط على الأزرار. سكنتني الدهشة أو قل الذهول واستعدت على الفور علاقتي الحميمة بالطبلية التي احتوتني بحنوها في منزلنا القديم بقريتي جنوب الأقصر. لم تكن مجرد مائدة للطعام الذي يتكون في معظم الأحيان من طبق واحد وعدة أرغفة أو ما يسمى بالبتاو وهو نوع من الخبز كان يعد من دقيق الذرة أو الشعير وكان ثقيلا على المضغ وعلى المعدة ولكنه لذيذ خاصة عندما يكون الإدام الذي نغسمه فيه ملوخية أو بامية والتي يطلق عليها "ويكا" بجنوب مصر كانت الطبلية تقوم بوظيفة أخرى أكثر أهمية تتمثل في استخدامها كطاولة للمذاكرة وكنت أضع فوقها أوبجوارها اللمبة الجاز رقم 5 في معظم الأوقات أو رقم 10 عندما تتحسن الأحوال المالية للوالد. وذلك كان يتطلب مني تكليف واحدة من شقيقاتي بتنظيفها بعد تناول العشاء عليها خاصة أن الملوخية أو الويكا من الأنواع التي تترك آثارها الواضحة عليها وبالطبع لم يكن هناك مفرش أو يحزنون. وصادقتنى الطبلية طوال سنوات دراستي حتى مرحلة الثانوية العامة التي حصلت على شهادتها بمجموع أهلني للالتحاق بجامعة القاهرة والتي تبعد عن الأقصر بحوالي 700 كيلومتر وعندما وطأت قدماي العاصمة التي كنت أشتهي الإقامة فيها وحلمت بها طويلا حتى أتخلص من الطبلية وأخواتها والتداعيات المحيطة بها فوجئت بها – أى الطبلية- ترافقني في ليلتي الأولى بمنزل عمتي التي استضافتني في عامي الأول وكانت تقطن بإحدى ضواحي العاصمة التي لم تكن الكهرباء قد أدركتها وبات مقدرا على استخدام الطبلية للطعام ثم للمذاكرة وأمامي لمبة جاز وإن كانت من نوع عشرة. ورغم تنقلي في أماكن الإقامة بالقاهرة وفي شقق بالمعادى وقرب الجامعة والزيتون فإن الطبلية لم تغادرني وإن كانت غادرتني اللمبة الجاز وظلت رفيقتي حتى بعد زواجي في شقتي القديمة بمنطقة الزيتون والتي لم تكن غرفها الضيقة تسمح باستضافة مائدة طعام والتي دخلت شقتي التي لا تطل على النيل بعد الزواج بحوالي ربع قرن. ومع ذلك أعادت ابنتي الكبرى الحنين إلى الطبلية وسنينها عندما اشترت واحدة قبل أيام لتكون وسيلتها لتشغيل الـ"لاب توب " والاستمتاع بتحميل البرامج ورسوماتها ومتابعة وقائع ما يجري في المحروسة وغير المحروسة عبر الفيس بوك وجوجل والياهو عليها فتثير فينا البهجة والأشواق لزمن الطبلية الجميل وتعيد إنتاج نظرية الأصالة والمعاصرة التي افتقدناها بعد أن هيمنت على مفردات حياتنا الحداثة وما بعد الحداثة السطر الأخير: ارتميت بدفئك المسافر أدركتك أيتها المنزوية بالروح المتدثرة برحيق الأزمنة الحبلى بالأشواق رمحت بخيلي بطرف الأحداق رسمتك بهجتي المستعادة عنوانا لوجد يتوهج لحلم يقيم في المدينة فكوني موسما للعصافير قمحا يبث رحيقه بالآفاق سألتك عن وجهتي بعينيك ليس عن الغياب وزعت عشقي بين تخومك قرضت الشعر لأنهارك فلمست منك سفرا دون إياب رحيلا في المدى فصولا خاوية في الكتاب

843

| 14 مايو 2012

من يقتل من؟

هذا هو السؤال الأصعب، من يقتل من في المحروسة؟ في مواقع عدة قبل واقعة العباسية الأخيرة قتل واستشهد نفر من شباب ورجالات. كانوا يشاركون في اعتصامات واحتجاجات وحتى هذه اللحظة لم يعرف من القاتل؟ ما هي ملامحه؟ ما أهدافه من القتل الذي يتم بالرصاص الحي وطلقات الخرطوش وبالأسلحة البيضاء من سيوف ومطاوي وسكاكين صغيرة وأشياء أخرى؟ التحقيقات التي تمت لم تتمكن من الإجابة عن السؤال؟ والأجهزة الأمنية سيادية وغير سيادية ربما لديها إجابة لكنها لم تشأ حتى هذه اللحظة البوح بها لاعتبارات تخصها.ثمة حيرة واسعة تنتابني مع غيري من المتابعين للشأن العام إنه غموض موغل وصعب على الكشف مثل السؤال تماما. لكن إلى متى يظل شاهرا سيفه بوجه الجميع. فاتحا أبوابه لمزيد من القتل الذي يؤشر إلى حضور ثقافة مغايرة في الواقع الاجتماعي المصري تتمثل في امتلاك القدرة على التمثيل. ومطاردة الهدف حتى الخلاص منه بالذبح والتشويه وقد شاهدت صورة طالب الطب المذبوح في أحداث ميدان العباسية قبل أن تنشرها "الأهرام "فأصابتني الكآبة على مدى النهار كله يوم الأربعاء المنصرم وسكنتني مساحات من القلق على مسار الثورة والتجربة الجديدة في المحروسة وعلى البشر أيضا. ومبعث قلقي أن تقود متوالية القتل إلى بناء تراكم من ثقافة الانتقام فيتمدد في البلاد طولا وعرضا. مما يدخلها في حقول النار التي لو أضرمت في المحروسة سيكون من الصعب وقفها ولاشك أن ثمة من ينزع إلى تحقيق هذا الهدف الخبيث. والتحريض عليه لم يتوقف منذ انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير. التي شكلت ولا تزال مبعث قلق لدوائر عدة في الداخل أو في الإقليم المحيط بالمحروسة. أعود إلى الجوهر وأتساءل مع نفر غيري من يقتل من في المحروسة؟ وقبل الولوج في تحليل الملابسات المحيطة بالسؤال يجدر بي أن أفكر بصوت عال بعيدا: هل كان من الضروري التوجه من قبل أنصار الشيخ حازم أبو إسماعيل المرشح المستبعد من قائمة المرشحين الرئاسة أو غيرهم من القوى المتحالفة معهم إلى مقر وزارة الدفاع والتي تضم مكتب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والقيادة العامة للجيش ورئاسة الأركان وغرفة العمليات الرئيسية. وهو ما يسمى هنا بقدس الأقداس للقوات المسلحة أي منطق وأي معقولية استند إليها قرار الزحف إلى هذا المقر؟ هل هو للانتقام من استبعاد الشيخ؟ وهل يكون الثمن إدخال المحروسة في دائرة جهنمية؟ لأن الجيش لن يسمح على وجه الإطلاق بسقوط مقر قيادته فذلك أمر يتعلق بشرف العسكرية؟ وهل يسفر ذلك في رأي الشيخ وأنصاره حتى لو اتكأوا على مبررات ثورية إلى إعادته إلى قائمة المرشحين أو فرضه رئيسا بالقوة؟ ومع ذلك لست من أنصار الرد على هؤلاء المعتصمين من أجل الشيخ بالقوة أو قتل نفر من قبل جهات مجهولة حتى الآن. رغم وصفهم بالبلطجية أو اتهام سكان العباسية الذين شعروا بوقف حال منطقتهم من جراء الاعتصام. إن منهجية القتل والمطاردة التي بدأت في واقعة مسرح البالون ثم في ماسبيرو ثم شارع محمد محمود ثم شارع مجلس الوزراء مازالت متواصلة. وهي ليست مبررة مهما كانت مبررات من يمارسونها على نحو مخيف. ولست من المصدقين لمقولة الطرف الثالث فهي مقولة غير واضحة القسمات ولا تنبئ إلا عن الاستهانة بأرواح المصريين وهو ما يستوجب من الأجهزة المسؤولة تقديم تفسير منطقي لها وذلك درءا لما يتردد بين أفواه الناس ويلتفت إليه البعض تلميحا أو تصريحا في الوسائط الإعلامية المتنوعة. وفي صدارته أن ثمة قوى مرتبطة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم والذي تحاول بعض الدوائر أن تصنفه ضمن قوى الثورة المضادة وهو أمر لا أوافق عليه مطلقا لقناعتي بأنه اللاعب الرئيسي الذي انحاز إلى ثورة وثوار الخامس والعشرين من يناير وأعلن بيانه الأول قبل سقوط مبارك مؤكداً مساندته للمطالب المشروعة للشعب المصري ومن دونه بعد توفيق الله سبحانه وتعالى ما كان بمقدور الثورة أن تسقط نظام مبارك العتيد. فضلا عن ذلك فإن ممارسة القتل بتوجيه من المجلس أمر يتعارض مع العقيدة القتالية للجيش المصري التي لا تقوم على توجيه السلاح للشعب وإنما للعدو القادم من وراء الحدود. ومع ذلك لست في حل من توجيه اللوم إلى المجلس لأنه منذ البدء أبدى تراخيا في التعامل مع ظواهر الانفلات الأمني وبروز رقم الخارجين عن القانون أو حسب التعبير المصري الدارج – البلطجية – ولم يتدخل ضدهم بحسم وكان بوسعه أن يتمكن من فرض سطوته في أنحاء المحروسة التي كابدت من انفراط عقد الأمن وسيطرة رجال وفئات على الطرق السريعة والأماكن النائية فأزعجوا الآمنين وروعوا البشر خطفا وقتلا وسرقات مازالت للأسف مستمرة حتى اليوم مع غياب واضح لرجال الشرطة والمرور وقيام أصحاب المحال التجارية بعدم الاكتفاء بالأرصفة وإنما بالتمدد إلى الشوارع بالإضافة إلى استحواذ الباعة الجائلين على أهم شوارع وسط القاهرة كشارعي طلعت حرب و26 يوليو اللذين تحولا إلى بوتيكات تجارية متنقلة ومناطق تحكمها عصابات تتناحر فيما بينها على النفوذ فتوقف حركة المرور لعدة ساعات أو أيام. إن المحروسة مقدمة على تجربة مغايرة تماما تتمثل في اختيار رئيس جمهوريتها من بين مرشحين عدة لأول مرة في تاريخها وهو ما فسر البعض الاعتصام الأخير بأنه يهدف إلى إجهاض هذه التجربة والحيلولة دون إتمامها ولاشك أن هذا البعض مخطئ بشدة إن كان يسعى إلى ذلك لأنه باختصار يجهض الثورة التي حلم الجميع بأن تقودنا إلى هذه المرحلة: رئيس مدني منتخب من الشعب مباشرة وعبر الاقتراع المباشر. ولوثبت ذلك فإنه يتعين معاقبة المحركين والمشاركين في اعتصام وزارة الدفاع بوسائل قانونية لأن ما جرى لولا لطف الله كان بمقدوره أن يدفع المحروسة إلى مذبحة دموية قد تعقبها حرب أهلية لا قدر الخالق ذلك أبدا على مصر وأظن أن القرار الذي اتخذه المجلس العسكري مساء الجمعة الماضي بفرض حظر التجول في ميدان العباسية والمنطقة المحيطة بمقر وزارة الدفاع خطوة صحيحة باتجاه فرض الاستقرار في عاصمة الوطن وإلا لتحولت المنطقة إلى بدايات مخاطر تحدق بكل الوطن وإذا كان الشيخ حازم أبو إسماعيل قد خسر معركة الترشيح لرئاسة الجمهورية هذه المرة. نتيجة عدم توافر الشروط القانونية. فإنه بوسعه أن يخوض معركة تغيير شروط الترشيح للمنصب الرفيع من خلال الوسائط القانونية والتي باتت متاحة على نحو واسع في ظل المساحة الواسعة من الاستقلال التي يتسم بها القضاء المصري لا أن يدفع أنصاره إلى المواجهة والصدام مع رموز المؤسسة العسكرية وفي مقدمتها مقر وزارة الدفاع بالعباسية. إنني أرفض بقوة منطق القتل الذي تعرض له الشباب المعتصمون وهو ما يدعوني إلى مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحسبانه يتحمل المسؤولية السياسية الأولى إلى الكشف بوضوح عن القتلة وهوياتهم وإلى من ينتمون حتى يبرئ ذمته التي يحاول البعض أن ينحي عليها باللائمة وربما التدبير وذلك يتطلب من رجالاته مواصلة الحوار مع مختلف ألوان الطيف السياسي لإنهاء متطلبات المرحلة الانتقالية استنادا إلى الشفافية ولعل الخطوة الأولى- وإن كانت متأخرة نسبيا- تجسدت في عقد ثلاثة من أعضائه لمؤتمر صحفي حاول إلى حد ما توضيح الغامض وتفسير ما جرى ولكنه لم يشف كل الغليل فالشعب مازال في حاجة إلى المزيد حتى يتيقن أن المحروسة بمنأى عن الخطر أو الأخطار التي تسعى قوى عديدة إلى رسمها بوجهها. السطر الأخير: أمطرك شعرا أيا بهية الأماكن ومزدانة بالمرجان والياقوت فيك تكويني براءاتي الأولى رحلتي للوجد. سكن البيوت أقيمي داخلي خيمتك الصوفية انشطري بروحي نصفين: نصف لسواحل الهوى وآخر لعشق لا يموت

687

| 06 مايو 2012

رحيق الشام

لن تنطفئ جذوة ثورة الشعب السوري الصابر والمثابر والصامد رغم فائض القوة الذي يستخدمه بشار وجنوده على مدى أكثر من عام وأفضى إلى قتل وإصابة وتشريد الآلاف بالجملة فما تمتلكه الثورة من وقود مطرز بالإرادة القوية للتخلص من حقب الاستبداد والدموية والقهر أكبر من دباباته وآلياته المسلحة وعنفوان عسسه المدججين بالخزي والعار لأنهم يقتلون شعبهم استجابة لأوامر من قست قلوبهم فسكنتها العتمة ولم تعد تميز بين الحق والباطل بين النور والظلام والولوج إلى منطقة القتل ليحافظ على عرشه الزاخر بالثقوب والآلام والكراهية للإنسان وللحرية. بغيضة هي السلطة عندما تدفع من يمتطي صهوتها إلى الركض على رمال الدم وجماجم الشعب وصرخات الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل والأطفال اليتامى. كريهة هي الكراسي التي تجبر الجالسين عليها إلى قذف الشعب بالصواريخ ومحاصرته بالمدرعات وقتله في ساعات الصباح والمساء ما الذي يريده بشار وزبانيته؟ لقد امتصوا رحيق الشام، جثموا على صدر الوطن، خانوا الأمة بتمزيق أوصالها وعندما انطلق الشعب منتفضا في مارس قبل المنصرم صارخا بالحرية والعدالة والكرامة أطلقوا نيرانهم على الأبرياء الذين صبروا لعقود أربعة مترقبين انبثاق الفجر فهبطت عليهم أمطار السوء من كلاب السلطة وحرس السلطان. لماذا يعشق بشار السلطة إلى هذا الحد؟ وإذا كان يريد البقاء فيها معززا مكرما محبوبا فلم لم يطلق برامج إصلاح حقيقية تتجاوب مع أشواق الناس فتجهض آلامهم من كبت طال وجوع توحش وقمع هيمن وحرية موءودة وحرمان فرض سطوته؟ جاءته الفرصة تلو الفرصة لكن العسس حاصروه أصحاب النفوذ القابضين على معادلة السلطة والثروة أمسكوا به فسقط صريعا لهواهم كان بوسعه عندما أطل لأول مرة رئيسا بعد أن ورث عرش الجمهورية التي أسسها الآباء وأرادوا منها أن تكون بالانتخاب فكرس التوريث في سابقة غير معهودة وشكلت أنموذجا لحكم مبارك في مصر وصالح في اليمن وإلى حد لزين العابدين في تونس. أقول كان بوسعه أن يقدم البهجة للناس الذين استبشروا به خيرا ليقودهم إلى زمان جديد بعد أن دغدغ مشاعرهم بعبارات محاربة الفساد وتوسيع دائرة الحريات وتحقيق قدر أكبر من الرخاء لكنه سرعان ما دخل نفق السلطة المعتم وغير في الشكل ولم يقارب المحتوى جاء بأشخاص من نفس سلالة الدم والنسب في المواقع المهمة خاصة في الجيش والمخابرات والأمن وتشكل ما يشبه التنظيم العصابي الحاكم وإن أخذ شكلا عصريا ومنحيا تكنولوجيا ينسجم مع ما تلقاه من تعليم في الغرب ثم انغمس في دوائر الاستبداد وممارسة القهر ضد الشعب الذين كان يخدر من منظور المقاومة والممانعة وهو ما صدقناه جميعا وللأسف كنت واحدا ممن صدقوا بشار وأطروحاته والتي ثبت أنها لم تكن سوى واجهة أو غطاء لامتلاك المزيد من القوة والقدرة على الاستبداد والإثراء له ولجنوده وزبانية نظامه وعسس قصره وسلطانه. ولحظة أن بدأت الانتفاضة أشعرنا بأنه سيتجاوب معها بجملة من الإصلاحات التي لم تكن إلا ذرا للرماد في العيون ومضى هو وجنوده في منهجية القتل المنظم عبر استخدام القوة المفرطة ضد الشعب الأعزل والنساء والأطفال فلطخ صورة الجيش العربي بالعار والذي كان رصيدا في المواجهة مع الكيان فبات ذراعا لحماية الاستبداد. وتحركت الأمة عبر جامعتها العربية لتقدم حلولا رأت أنها مناسبة تتكئ على الخيار السياسي وليس العسكري وقدمت الخطة تلو الخطة فلم يلتفت إليها وإن قدم تعهدات بالتجاوب معها غير أنه لم يف بأي التزام بل واصل القتل والإصابة والاعتداءات على المدن والأحياء الثائرة دون رحمة في قسوة قاربت قسوة الكيان الصهيوني عندما يقتحم أو يهاجم بلدة فلسطينية. وأجهض بشار ما أرسلته الجامعة من مراقبين فدفعها إلى سحبهم وتحركت مرة أخرى مع مجلس الأمن متجنبة فيتو روسيا والصين وصيغت خطة جديدة تقوم على مبادراتها السياسية وكلف كوفي عنان بتولي مهمة تطبيقها قبل أكثر من أسبوعين ولكنه تعامل معها بنفس المنطق من خلال الالتزام بالتطبيق وفي الأرض يكون شأنا آخر وحسب آخر الإحصاءات فإن ما يقرب من 500 مدني قتلوا منذ بدء تطبيق خطة عنان وهو ما يعني أن بشار ليس بارا بوعوده وليس قادرا على الوفاء بالتزاماته، ما يستطيعه هو حماية عرشه واستلاب حرية شعبه، أي عرش يمكن أن يبقى والشعب كاره لمن يجلس عليه. ثمة إجماع عرب على إبقاء الأزمة في منطقة الحل السياسي وهو ما تجلى كل اجتماعات الجامعة العربية سواء على مستوى اللجنة الوزارية المعنية بالأزمة التي يرأسها الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء وزير الخارجية أو على مستوى مجلس الجامعة وكان آخرها في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة يوم الخميس الفائت ولكن يبدو لي أن بشار وجنوده مصرون على دفع الأمور دفعا إلى منطقة الحل العسكري الذي نخشاه جميعا لأنه سيقود إلى تدمير مقدرات الشعب السوري غير أن ثمة من يرى من دوائر المعارضة أن الخيار العسكري هو الوحيد القادر على ردع بشار ونظامه المتوحش وللحرية كلفتها الباهظة حسبما يقولون والشعب بدأ في دفع الثمن عبر تقديمه عشرة آلاف من شهدائه غير عشرات الألوف من الجرحى والمشردين على الحدود مع دول الجوار. لم يعد أمام بشار خيار آخر فإما أن يقبل بالمضي قدما في التجاوب مع خطة كوفي عنان والتي تهيئ له خروجا آمنا ولسوريا زمنا مغايرا من الحرية والديمقراطية والكرامة من خلال تكرار النموذج اليمني أو أن يلقى مصيره. وفي هذا السياق ألفت إلى أن تطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والتي تعني في النهاية اللجوء إلى الحل العسكري وفرض قرارات مجلس الأمن بالقوة المسلحة تلوح في الأفق ولعلي أشير هنا إلى تصريح أدلى به الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية أمام مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول الشهر الفائت تحدث فيه عن إمكانية اللجوء إلى هذا البند المخيف كما تحدثت عنه أطراف إقليمية ودولية مؤثرة والأخطر أنه في حالة استخدام الفيتو الروسي أو الصيني في مجلس الأمن لو عرضت عليه المسألة السورية وانتهاكات النظام والتي بدأ كوفي عنان ونبيل العربي يظهران تبرما واضحا منها من فرط تجاهله للخطة العربية الأممية فقد تندفع مجموعة الدول الكبرى من دون موسكو وبكين إلى تشكيل تحالف دولي من خارج مجلس الأمن في إعادة إنتاج للحالة العراقية وحالة كوسوفو وهنا لن تدفع سوريا بمفردها الثمن وإنما المنطقة التي قد تشهد اشتعالا استثنائيا قد يتجاوز بأضعاف مضاعفة اشتعال العراق بعد غزوه في 2003 وهو ما لا يريده أحد لكن يبدو أن بشار وزبانيته يريدونه أو بالأحرى يدفعون الأمور دفعا باتجاهه مؤمنين بمقولة شمشون الجبار "علي وعلى أعدائي " فهم لا يهمهم وطن أو شعب. السطر الأخير: لك العشق ولي البهجة الكامنة أسرد شعري في ليلك ينبثق النيل قصيدة لا تنتهي أحرر وجعي من غيابك تستعيد الروح بهاءها المغادر اسكبي بوجهي عطرا رحيقا ممزوجا بالكتابة يترجل الحزن عن صهوة جوادي أسافر إلى عينيك متكئا على خضرة حقولهما فاستبيحي مناطق الحرام سجلي شهادة ميلادي

546

| 30 أبريل 2012

على هامش المشهد السياسي في المحروسة

لاشك أن المحروسة تشهد في الوقت الراهن حالة غير مسبوقة من الحراك الديمقراطي تجاوزت في سيولتها المألوف والمتعارف عليه إلى حد دفع البعض إلى إبداء مخاوف عليها خاصة في ظل تصاعد لغة التهديد من بعض أطرافها نتيجة الإقصاء المستند إلى مبررات قانونية من قائمة مرشحي الرئاسة أو محاولة تصعيد رموز تنتمي إلى النظام السابق إلى صدارة المشهد السياسي وهو أمر أجمعت عليه أغلبية القابضين عليه في مليونية تقرير المصير التي شهدتها ميادين الإقليم المصري يوم الجمعة الفائت على نحو أعاد لغة التوافق التي غابت أو غيبت خاصة بين القوى الإسلامية والقوى الثورية بتجلياتها المتعددة وفي هذا السياق أطرح بعضا من ملاحظاتي على المشهد السائد في المحروسة . أولا: أظن أن قدرا من الفرز بات واضحا الآن بين المتطلعين إلى بناء مصر الجديدة وبين الراغبين في إعادة إنتاج نظام مبارك الذي ثار عليه المصريون بكافة طوائفهم واتجاهاتهم وهو ما يستوجب المسارعة بسد الثغرات التي يحاولون القفز من خلالها إلى المشهد السياسي بيد أن ذلك يتطلب بداية التخلص من شتى ألوان العبث التي سادت خلال الأشهر الأربعة عشرة المنصرمة والتي طالت هيبة الدولة والقانون والتفكير بجدية في رفع سقف القواسم المشتركة بين قوى الثورة التي باتت في مفترق الطرق فإما أن تنهض أو تخضع لقوى لديها أشواقها إلى نظام القهر والسفه والفساد والإفساد الذي هيمن على مقدرات المحروسة خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ثانيا: إن المحروسة في أشد مراحلها حاجة إلى تفاعل حقيقي بين قواها الحيوية لإعادة صياغة مساراتها السياسية والتي من خلالها يتم بناء مفاصل الدولة التي تعرضت للانهيار في زمن مبارك وأولها بالطبع البناء الدستوري الذي تعرض لهزة قوية في الشهرين الماضيين في ضوء ما ظهر تباينات بين هذه القوى لصياغة الدستور الجديد الذي يجسد الزمن الجديد وبعد أن حسم القضاء المصري هذه الخلافات فإنه يتعين أن تتوافق القوى الحيوية على تشكيل جديد للجنة التأسيسية يخاصم المصالح الحزبية والعقائدية والإيديولوجية أيا كانت ويتكئ على الرغبة في أن يكون للمحروسة دستور يتفق مع مكانتها وقامتها وثورتها ومتطلبات شعبها الذي غير في ثورة سلمية نظاما جثم عليه بمحددات دستورية هي في جوهرها صحيحة لكنه كان يتعامل معها وفق ما يحقق أهدافه والتي تمحورت في السنوات العشر الأخيرة في توريث الابن موقع الأب فوقعت الخلخلة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل والأمنية والتي كابد المصريون تداعياتها الشديدة السلبية وبعضها ما زال قائما حتى الآن. ثالثا: إن ما يدفع المرء إلى الشعور بقدر من المرارة ذلك التهافت على المنصب الرفيع المقام وأقصد به منصب رئيس الجمهورية ليس من خلال الأقدام على خطوة الترشح له فذلك طبيعي وإنما اللجوء إلى لغة التهديد ومحاولة فرض الأمر الواقع من بعض الأسماء التي تم استبعادها من قائمة الترشح والتي نهضت في الأساس على محددات قانونية تبدو لي موضوعية طالت الجميع فثمة من لجأ إلى استعراض القوة الجماهيرية عبر الاعتصام بميدان التحرير بل وبدت في خطاباتهم لغة تهديد مخيفة إلى حد التلويح بخيار المبايعة بالمنصب الرفيع في محاولة لاستعادة الفكرة التي كان يتم بها اختيار الخلفاء في الدولة الإسلامية القديمة واللافت أن هناك من يتحدث عن النموذج السوري وذلك في تقديري من الخطورة بمكان خاصة أننا في نهاية المرحلة الانتقالية التي ظلت تتسم بالأداء السلمي في مجملها دون أن ننسى للحظات ما جرى من سفك دماء في مواقع مسرح البالون وماسبيرو وشارع محمد محمود وشارع مجلس الوزراء وما نتج عنها من شهداء ينبغي أن يكونوا دوما في أحداق عيوننا. واستتبع هذا التهافت سواء بقصد أو بدون قصد نوعا من الكذب السياسي من خلال نفي بعض الوقائع التي ثبت عدم صحتها عبر وثائق رسمية وخطورة هذا النوع من الكذب تكمن في أن منبعه شخصيات تنتمي إلى التيار الإسلامي وهو ما يجعلني أتساءل بصوت عال: هل الرغبة في السلطة أو في المنصب الرفيع تستوجب التخلي عن الصدق الذي هو سمة أساسية من سمات المسلم ولعلي أشير في هذا الصدد إلى البرلماني الذي ينتمي إلى حزب النور السلفي والذي صنع تمثيلية بدت له شديدة الإتقان في إخراجها الإعلامي والسياسي ليغطي على عملية جراحية أجراها لتجميل أنفه الطويل نسبيا والذي يبدو أنه كان يشكل له معضلة خاصة بعد أن تحول من سائق ميكروباس ثم داعية إلى برلماني. فزعم أنه تعرض للضرب من قبل مجموعة ملثمين بعد أن حاولوا الاعتداء عليه في سيارته وسرقوا منه مائة ألف جنيه ثم كشف طبيب حقيقة الأمر وبالتأكيد فإن هذا النائب لم يكن في حاجة إلى مثل هذا الكذب فمن حقه أن يجري عملية تجميل رغم خلافات في المنظور الفقهي بشأنها فآثار الكذب هنا لا تنعكس عليه شخصيا وذلك أهون الأضرار ولكن خطورتها تمتد إلى الفكرة الإسلامية التي يتبناها ويتحرك سياسيا وفق محدداتها. رابعا: لم يعد من اللائق الآن خاصة مع اقتراب رحيله عن السلطة هذا الهجوم على المؤسسة العسكرية التي يجسدها المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي يتولى السلطة منذ فبراير 2011 من قبل قوى ظلت على وئام وتناغم إلى الحديث عن صفقات وشهر عسل مع المجلس صحيح أن ثمة أخطاء نتجت عن استعانة المجلس بنفر من المستشارين من مختلف التوجهات وبعضهم لم يكن صادقا في مشورته ونصائحه واستخدمها لغرض في نفس يعقوب ولكن علينا أن ندرك أن المجلس تعامل مع مفردات واقع مغاير لما جبلت عليه المؤسسة العسكرية وأنه انحاز إلى الثورة ولعب الدور الرئيسي في دفع مبارك إلى التخلي عن السلطة وتلك فضيلة لا يجب أن نتناساها ولست من هؤلاء النفر الذين يطالبون بمحاسبة المجلس على هذه الأخطاء في المرحلة التي ستعقب انتخاب رئيس جديد للجمهورية حتى لانفتح ثغرة في جدار الوطنية المصرية التي تجسدها المؤسسة العسكرية ولكن هناك آلية التغيير الضرورية التي تستوجبها إعادة هيكلة الدولة المصرية في الفترة القادمة دون أن ندفع الأمور إلى حافة الصدام. خامسا: إن التركيز يجب أن يكون خلال الأيام القليلة القادمة على إنهاء المرحلة الانتقالية بكل مالها وما عليها حتى تدخل المحروسة زمانها الجديد المرتقب وفق آليات الخيار الديمقراطي الصحيحة التي تدفع الأمور باتجاه تبني قواعد اللعبة السياسية وليس لعبة الدم أو التهديد حتى تتم عملية انتخاب الرئيس القادم على نحو يبهر العالم كما بهرته ثورة الخامس والعشرين من يناير وثقتي شديدة القوة في وعي المواطن المصري مهما تبنى من رؤية سياسية والرهان عليه هو خيارنا الوحيد فهو الذي بمقدوره الحيلولة دون عودة رموز الفساد في زمن مبارك ويفتح فضاء المحروسة للقوى الثورية القادرة على قيادة قاطرة النهوض الحقيقي المنحازة للبسطاء والفقراء سعيا إلى إقامة منظومة متكاملة من الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية فبدون ذلك لن يقبل المواطن والذي يملك أوراق اللعبة بيديه بنسبة مائة في المائة ولو تأملنا وقائع الجمعتين الفائتتين لتيقنا جليا من هذه الحقيقة. السطر الأخير: بسطت يدي لأفتدي عينيك هما مقام العشق سكون الروح إشراقات الوجد فتنة الندى في الفجر رحلة الفتى بساحات الشعر هما الصبح وقوس قزح المساءات وسحابات العصر فيهما تسكن أشواقي تقيم صنوف الحب تصب زخات المطر

334

| 23 أبريل 2012

فتنة سليمان

لم يشأ الجنرال عمر سليمان - رجل نظام الرئيس المصري السابق حسني القوي - إلا أن يشعل أتون فتنة كبرى في المحروسة. وكأنما يرغب في ألا تبقى بمنأى عن النيران من خلال إقدامه على خطوة الترشيح للمنصب الأول الرفيع المقام – رئاسة الجمهورية – بعد تمنع شديد في ظل رغبة مكبوتة لمعاودة ركوب صهوة السلطة بعد أن كابدها سؤولا عن تأمينها. وليس لدي معلومات مؤكدة تحدد من هو وراء إقناع الجنرال سليمان بمقاربة هذه الخطوة. كما أنني لست على يقين من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة صاحب الفكرة والطرح. بيد أن المؤكد أن ثمة من دفعه نحوها رغبة في تحقيق جملة من المكاسب في مقدمتها التأكيد على أن نظام مبارك لم يذهب أدراج الرياح. وأنه متمكن في الأرض حتى رغم تخليه عن السلطة قبل نحو أربعة عشر شهرا والأهم من ذلك إعادة تدوير أسس ومحددات وتوجهات النظام سواء الداخلية أو الإقليمية أو الدولية إرضاء للقوى التي تمثل هذه الدوائر الثلاث وأظنها ليست في حاجة إلى تحديد أو توصيف. وهنا في تقديري مكمن الخطر في خطوة الجنرال سليمان والتي تسعى إلى تكريس الثورة المضادة وتأطير نجاحاتها التي تحققت على مدى الأشهر المنصرمة من عمر الثورة المصرية التي خرجت معبرة عن أشواق الأمة المصرية في الحرية والعدالة والكرامة والعدالة الاجتماعية واللافت أن الخطاب الإعلامي والسياسي المرافق لهذه الخطوة يقدم سليمان بحسبانه المهدي المنتظر الذي سيعين المحروسة وشعبها على الخروج من مكابدات وعذابات الفترة الماضية وتحديدا من الحكم الثيوقراطي ويخلع عنها العمامة وفق تعبيره هو شخصيا وهي نظرية متهافتة تحاول مع صانعيها ومقدميها من رجال في السلطة وفي السياسة وفي الإعلام أن تعيد إنتاج حالة الفزع من التيار الإسلامي خاصة جماعة "الإخوان المسلمين " وهي الحالة ذاتها التي كان يعزف عليها نظام مبارك بتحريك وتدبير من سليمان وجنوده في الأرض. وأخشى ما أخشاه في هذا السياق هو أن تنجح الآلة الإعلامية المصاحبة لحملة الجنرال - وهؤلاء النفر الذين يدافعون عنه لأسباب معروفة تتعلق أساسا بتهم إمكانية أن ينالهم نصيبهم من حظوة السلطة في زمنه المرتقب والذي سيكون رأس المال متحالفا معها من دون شك – في خلق فجوة شديدة الاتساع بين ما يقال على مستوى الخطاب والواقع السياسي فتندفع المحروسة إلى أتون فتنة كبرى وفق ما أشرت إليه في مطلع هذا المقال فالأطراف الأخرى لن ترضى عن أي تقدم يحققه الجنرال على هذا الصعيد وبدأت خطواتها الاستباقية بالفعل من خلال استغلال أغلبيتها أو قل نفوذها في السلطة التشريعية وإصدار ما يعرف بقانون العزل السياسي والذي تم تضمينه لقانون مباشرة الحقوق السياسية والذي يمنع رموز نظام مبارك من الترشح للمناصب العليا خاصة رئيس الجمهورية ونائبه. وفي المقابل فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي يمثل سلطة رئيس الجمهورية قد لا يبادر بالتصديق على القانون. حسبما ينص على ذلك الإعلان الدستوري قبل السادس والعشرين من أبريل الجاري. وهو الموعد المحدد للإعلان الرسمي عن المرشحين للرئاسة من قبل اللجنة القضائية العليا للانتخابات والتي يرأسها واحد من عتاة المساندين لنظام مبارك. والأمر لا يقف عند هذا الحد بل ثمة من يتحدث عن إمكانية القيام بحل مجلس الشعب ردا على هذه الخطوة إذا ما أصدرت المحكمة الدستورية العليات حكما في القضية المرفوعة بخصوص عدم دستورية الانتخابات الأخيرة وهو ما سيترتب عنه عدم دستورية البرلمان الحالي وبالتالي عدم دستورية أي قانون يسنه. وفي مقدمتها بالطبع قانون العزل السياسي أي أن ثمة احتمالات أو بالأحرى مهددات للمعادلة السياسية التي نشأت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. وهو ما لن يقبل به الإسلاميون بمختلف اتجاهاتهم ولعل تنظيمهم مليونية حماية الثورة بميدان التحرير بوسط القاهرة يوم الجمعة الفائت. بعث برسالة واضحة لمن يهمه الأمر. فقد جاءوا بمناصريهم ليس من القاهرة. فحسب بل من كل صوب وحدب. واحتشدت عاصمة المحروسة بالسيارات القادمة من الأقاليم والمحافظات القريبة والنائية فضلا عن انتشارهم الميداني فيها بعناصرهم المحلية. ومن قبل رأينا التهديدات التي أطلقها السلفيون المناصرون للشيخ حازم أبو إسماعيل على خلفية أزمة جنسية والدته. وأضاف الجنرال سليمان المزيد من محفزات الفتنة بإشاراته المتكررة إلى تلقيه تهديدات بالقتل من جماعة الإخوان المسلمين ثم سخطه عليها المتوالي واعتبارها خصمه الرئيس وهو ما نفاه مرشحها للرئاسة خيرت الشاطر والذي كشف في حديثه لفضائية الجزيرة قبل أيام عن سر ترشيح الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للجماعة قائلا أن يأتي تحسبا لتعرضه للاغتيال معتبرا أن إعلان سليمان عن تلقيه تهديدات بالقتل إيذان بحرب اغتيالات متوقعة خلال المعركة الانتخابية وهو منحى خطير في التجربة المصرية التي لم تكن في حالة وئام مع ثقافة التصفية الجسدية بين الخصوم السياسيين ولكن يبدو أن حالة التهافت على السلطة قد تصنع لها أجواء مواتية وهو مالا نتمناه للمحروسة مطلقا وهو ما يحمل الأجهزة الأمنية المسؤولية الكبرى في إجهاض أي محاولة من هذا القبيل. بوضوح أكثر أقول: إن مصر لا يمكنها أن تتحمل حالة من الاضطراب والعنف السياسي تنتج عن أي محاولة لإقصاء التيار الإسلامي عن السلطة أو المشهد السياسي. وهنا أعيد إلى الأذهان التجربة الجزائرية عندما عملت المؤسسة العسكرية على إبعاد الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن السلطة رغم فوزها الساحق في الانتخابات التي جرت في العام 1991 فدفعت الجزائر: الوطن والشعب والمقدرات الكلفة الباهظة حربا أهلية مازالت تداعياتها تقض مضاجعها. وإن كانت جهود الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التصالحية قد قضت على معظم هذه التداعيات وبالتالي فإنه لا ينبغي استئصال التيار الإسلامي من المشهد السياسي في المحروسة وإنما ترشيد أدائه ودفعه إلى تبني سياسات وتوجهات تقوم على تجنب احتكار السلطة مثلما تحاول دوائر مهمة فيه من خلال السعي إلى بناء شراكة وطنية توافقية تنهض على توزيع الأعباء- وإن جاز لي القول -السلطات. بحيث لا تبقى جميعها في خانة واحدة فالوطن زاخر بالقوى التي شاركت في الثورة بكفاءة واقتدار ولديها رموزها وطموحها في أن تكون شريكا في بناء الوطن وفق محددات الثورة وذلك يتطلب قدرا من السعي إلى بناء القواسم المشتركة بين القوى الثورية والإسلامية بمختلف اتجاهاتها لتتمكن من الوقوف كالبنيان المرصوص ضد محاولات إعادة إنتاج نظام مبارك حتى ولو ادعى القائمون عليها أنهم أبرياء منه وأنهم قادمون لإنقاذ البلاد والشعب بينما هم في حقيقة الأمر من تسببوا في مكابدات وقهر هذا الشعب وإفقار الوطن وإهدار قدراته وأدواره وقواه الناعمة والصلبة في آن السطر الأخير: خافتا صوتي أتوكأ على عصاي كي أهش بها شعري أهز جزع النخلة لا يرمي بالرطب أقفز نحو عليائك تزاحمني المسافات الزاخرة بالحقول اليابسة أهرب من عينيك إلى عينيك أتمدد في خاصرة المدن البلهاء أمحو من ذاكرتي كل الأسماء لا يبقى إلا اسمك مسكونا بالعسجد والماء مفتونا بعشقك أمضي في طرقات الوجد أبثك روحي كي يرويها نور من قسماتك وضياء * صحفي عربي من مصر

333

| 16 أبريل 2012

معضلات النخبة المصرية

وقائع ما تتعرض له ثورة الخامس والعشرين من يناير منذ تمكنها التاريخي في إسقاط نظام مبارك يجسد بقوة السمة التي أظنها باتت مرتبطة بالعرب والتي تتجلى في إهدار الإمكانية ولأن المصريين جزء مهم من العرب فإنهم يمارسون هذه الغواية بكفاءة واقتدار باعثين على الدهشة فالثورة تعني بعيدا عن التنظير الفلسفي ومحاورات الفكر الدخول في مرحلة مغايرة لما كان سائدا قبلها لإزالة الأسباب التي أدت إليها ومن ثم إحداث تغيير جذري وشامل في مفردات الواقع على نحو ينسجم مع الأشواق الكبرى للقائمين بها بيد أن ما جرى على مدى الأشهر الأربعة عشرة المنصرمة يكاد يناقض هذا المفهوم تماما إلى حد أقول معه أننا نجحنا في دفع الثورة إلى خندق الكراهية ودائرة المواجهة مع البشر البسطاء الذين تدافعوا للانضمام إليها والمشاركة فيها بفعالية والدفاع عنها خلال الثمانية عشر يوما التي استغرقها الاعتصام والتظاهر بميدان التحرير وغيره من ميادين المدن الكبرى منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتى الحادي عشر من فبراير من العام نفسه وهو ما أرصده بنفسي عندما أستقل تاكسيا أو أركب حافلة عامة أو حتى خلال مناقشات في مقهى أو شارع فعندما انبرى للدفاع عن الثورة يسألني الطرف الآخر في النقاش : مالذي حققته الثورة بعد أن أسقطت مبارك وبعضا من رموز حكمه؟ أين الكرامة وأين الخبز وأين الحرية وأين العدالة الاجتماعية ولا يتوقف عن طرح صيغة الاستفهام التي تبدأ بأين؟ وتلك هي المعضلة الكبرى التي أضحت تفرض سطوتها على فعل الثورة التي عبرت بالمحروسة من منطقة التلاشي - إن لم يكن العدم - إلى منطقة الوجود والحضور والتجلي بحقائقها وطنيا وقوميا وإقليميا أو هكذا من المفترض أن تحققه وتتحمل النخب السياسية سواء تلك التي نهضت بعبء الثورة أو التي استفادت منها المسؤولية الأولى في المضي بها نحو دائرة إهدار الإمكانية وهي دائرة - إن لم تتوافق هذه النخب على الحدود الدنيا من قواعد اللعبة - يمكن أن تتحول إلى دائرة جهنمية لن تقف تداعياتها أو قل نيرانها عند طرف دون آخر بل ستطال الجميع وأخشى ما أخشاه هو أن يصر كل طرف من الأطراف التي تتصدر المشهد السياسي المصري الآن على ما يظن أنه الحقيقة المطلقة ودونه الباطل ومن ثم لا نعثر على ما يطلق عليه القواسم المشتركة وهىي في جوهرها عديدة فتدفع المحروسة الكلفة المرتفعة من مشروع نهوضها الذي يترقبه شعبها والإقليم أو تعيد إنتاج نظام سياسي قد يكون أشد وطأة من نظام مبارك. وما يعنيني بعيدا عن ذكر أسماء أو مسميات معينة هو أن ألفت الانتباه إلى جملة من المعطيات التي يتعين إجهاضها قبل أن تنضج الأمور باتجاه إتاحة الإمكانية أمام الثورة المضادة لتقفز باتجاه الانقضاض الأخير على ثورة يناير بعد أن حققت خلال الأشهر الفائتة بعضا من اختراقات نوعية وأول هذه المعطيات يتمثل في حالة السيولة في المواقف الغير المحددة والسعي إلى الاستحواذ على الحقيقة وامتلاك الأدوات التي تمكن هذه القوة أو تلك من فرض إرادتها على القوى الأخرى بينما قواعد السياسة ترتكز بالدرجة الأولى على بناء قدر من التوافق الوطني سيما في المراحل الانتقالية التي تستوجب حشد طاقات جميع قوى الوطن للإسهام فى عملية إعادة البناء بعد أن أسهمت فى هدم النظام السابق. وفى هذا السياق يقف المرء عند محاولات كل طرف لإقصاء الطرف الآخر بالذات على صعيد القوى التي تتصدر المشهد بتجلياته البرلمانية والتنفيذية وهو ما يعنى على نحو أو آخر الدخول في منطقة صراع فرض الإرادات وهو ما لا يجوز - بل يحرم إن لجأنا إلى مفردات الفقه- في الحالة المصرية التي تتطلب أن يعمل كل طرف على تحقيق قدر من التكامل بين مقومات القوة لديه ولدى الأطراف الأخرى لبناء منظومة سياسية جديدة تحقق قواعد الديمقراطية الصحيحة في إطار شراكة وطنية فيها بدون شك متسع للجميع. ثانيا : ثمة توجه إلى فرض حقائق جديدة على الواقع المصري من خلال الشعور بامتلاك قوة الشارع أو قوة الأغلبية وذلك دون قراءة حقيقية لمفردات هذا الواقع والتي لا تقبل باحتكار جديد للسلطة حتى لو ارتدى عباءة الدين وهو ما يتجلى في مسعى جماعة الإخوان المسلمين إلى الاستحواذ على كل السلطات ومع تسليمنا بحقها القانوني في ذلك ما دامت تمتلك الأكثرية النيابية لكنها في المقابل عليها أن تقرأ بعمق تجربة نظام مبارك في احتكار السلطة رغم كل الشعارات الوطنية التي كان يتبناها والتي قادته في النهاية إلى الانهيار وهو ما يجعلني أتفق مع ما طرحه المفكر فهمي هويدي في مقال له مؤخرا بضرورة أن تتجنب الجماعة فتنة السلطة فهي في ظل تمددها إلى كافة الجوانب ستتحول إلى سلطة مطلقة وبالتالي ستكون مفسدة مطلقة حتى لو ارتدت كما قلت سابقا عباءة الدين وحوادث التاريخ الإسلامي زاخرة بنماذج من هذا القبيل وجاءت نتائجها مخاصمة لمحددات المشروع الحضاري الإسلامي الذي يقوم على التوافق والعدل والحرية والبناء ما علمته هو أن الجماعة تسعى إلى امتلاك أدوات السلطة بقضها وقضيضها بهدف تطبيق مشروعها السياسي وبرنامجها الانقاذي على حد قول أحد نوابهم في البرلمان خلال حلقة نقاش بالتلفزيون المصري جمعتني به قبل أيام غير أن حقائق السياسة تؤكد أنه ليس بمقدور أي قوى سياسية مهما امتلكت من حشد جماهيري أو استندت إلى أغلبية برلمانية أن تحقق برنامجها من دون التوافق والاحتشاد مع القوى الأخرى والتي تمتلك قدرة تعطيل هذا البرنامج. ثالثا : وتكمن المعضلة الأشد خطورة على بنية ثورة يناير في القوى التي تحملت العبء الأكبر في إشعال جذوتها المتقدة حتى اليوم رغم كل محاولات هدر إمكانيتها فهذه القوى وأغلبيتها من طلائع الشباب مزقتها الانشطارات وحالات التشظي التي جعلت كل فريق يصاب بغرور الثورة - إن صح هذا التوصيف- فتراجعت قوتهم وهو ما تجلى في الانتخابات البرلمانية التي لم تفرز إلا بعضا من رموز الثورة يعدون على أصابع اليد الواحدة وليس اليدين للأسف فيما انزوى البعض من شباب الثورة الذين توزعوا على ما يسمى بالائتلافات المتعددة في خانات المواجهة مع الأطراف الأخرى وفي مقدمتها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي بالرغم من أخطائه إلى حد التجاوز في بعض المراحل لايمكن إنكار حقيقة انحيازه لخيار الثورة والوقوف إلى جانبها ملتزما بتسليم السلطة إلى سلطة مدنية مع نهاية يونيو المقبل. في حين انهمكت فئات من شباب الثورة في الدخول في اشتباكات سياسية وإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع قوى مدنية وثورية أخرى مما أهدر إمكانات الجميع فوقع ما يشبه الترهل الذي أصاب حيوية الشباب وأفقدهم القدرة على الفعل المؤثر الذي لاينتج إلا من وحدة الصفوف لا من تمزقها وانشطارها في متوالية مخيفة رابعا : لم يفت الوقت بعد فبوسع جميع أطراف المعادلة السياسية في المحروسة استعادة فعالية الحركة وعافية الرؤية وامتلاك القدرة على ترتيب الأوراق والأولويات التي تحتاجها عملية بناء المنظومة الجديدة للوطن وأولها التوافق على اللجنة الدستورية بعيدا عن الشطط وتجنب السعي إلى احتكار السلطات والحقيقة في آن فالشعب المصري لن يرحم من يجهضون ثورته أيا كانت ألوانهم أو أفكارهم فليسارع الجميع إلى الوقوف إلى جانب هذا الشعب الصابر والمثابر والمستعصي على الاستكانة أو الخضوع لأي سلطة لاتنحاز إلى خياراته في الحرية والخبز والعدالة. السطر الأخير : ماذ جنيت لكي تكفي عن قول الشعر أو البوح بأعاصيرالقصائد كوني سيفا للكتابة لاجمرا يحتوينى كوني حديقة تهدهد روحي لاتسلك بي دروب غابات ورحيق بائد فيك سطرت حقول حنطتي رسمت بعينيك أشواقي كابدت الصبار عانقت العتمة دون أنيس فجئتك باحثا عن ندى فجر عائد

357

| 09 أبريل 2012

قبل أن تنطلق قمة بغداد

بغداد من المدن التي تسكن ذاكرتي زرتها مرتين خلال فترة الحصار الدولي في تسعينيات القرن المنصرم وبالرغم من تداعياته التي فرضت سطوتها القاسية على عاصمة الرشيد إلا أنها كانت مسكونة دوما بتوهج أزمنتها القديمة والحديثة تعانقك فور الوصول إليها تصب فيك أشهى ما فيها فتبادلها بعشق لها يتمدد فيك أبداً. وبحول الله سبحانه وتعالى سأعيد كتابة عشقي على صدر بغداد خلال الأسبوع المقبل ,إن طال العمر ,خلال مشاركتي مع المئات من صحفيي العرب والعالم في متابعة وقائع القمة العربية التي ستحتضنها بعد عشرة أيام والتي انتظرها العراقيون طويلا سعيا إلى استعادة دفء الحضن العربي وفق تعبير الدكتور قيس العزاوي الباحث والمفكر العراقي والذي يعمل حاليا مندوبا دائما لبلاده لدى الجامعة العربية مانحا المنصب الكثير من العمق المغزول جعلته واحدا من المندوبين المميزين في القاهرة. ولا أخفي أنني عبرت عن ارتياحي لتأجيل استضافة بغداد للقمة خلال العام المنصرم نتيجة ثورات الربيع العربي التي اشتعلت قبل موعد القمة بأيام قليلة , فلم أكن مؤيدا لفكرة اجتماع قادة العرب وجند الاحتلال الأمريكي قريبون من مقار إقامتهم ومسؤولون عن تأمينهم وحمايتهم بفعل قبضهم على مفاصل العملية الأمنية ولكن هذا العام اختلف الأمر بعد أن انسحب هؤلاء الجند إلا قليلا وبات أمر التأمين والحماية للمشاركين في القمة من نصيب جند العراق. وليس ثمة شك في أن استعادة العراق لعافيته القومية- جنبا إلى جنب عافيته الوطنية - من شأنها أن تصب في تمتين النظام الإقليمي العربي الذي يتعرض لاختلالات عدة سواء من الخارج أو بفعل عوامل داخلية ومن ثم فإن التئام القمة العربية في بلاد الرافدين خاصة بعد غياب طال عامين سيدفع إلى ضخ دماء جديدة في هيكل هذا النظام لتمكنه من إعادة إنتاج حيويته الحضارية خاصة بعد أن تحققت تحولات نوعية على صعيد التخلص من السمة الاستبدادية التي ظلت خلال العقود الأخيرة تهيمن على وحداته وهو ما أسهم- إلى جانب عوامل أخرى- في بروز حالة التردي التي تمددت في أكثر من منحى في الواقع العربي بتجلياته المختلفة. ولاشك أن ذلك يستوجب من القادة العرب بداية الحرص على المشاركة الفاعلة في قمة بغداد وعدم الارتكان إلى أي مبررات للغياب حتى ولو استندت إلى الأبعاد الأمنية وبهذه المناسبة ما زالت تصيبني الدهشة من إصرار البعض من قادتنا على التعالي عن مؤسسة القمة بينما يركضون باتجاه أي لقاء مع مسؤولين من دول الغرب وبالذات إذا كانوا من الولايات المتحدة وليس شرطا أن يكونوا على نفس المستوى وكان على رأس هؤلاء الرئيس المصري السابق حسني مبارك فكثيرا ما غيب نفسه أو غيب عن قمم عربية عديدة وهو ما أسهم بدون شك في تقليص فعالية الدور المركزي للدولة المصرية في محيطها العربي والإقليمي غير أن ثمة نفرا من القادة العرب غير مبارك ما زالوا يتعمدون النهج نفسه. هذا أولا أما ثانيا فإنه من الضروري أن تنزع القمة هذا العام إلى بلورة قضايا وملفات محددة تركز عليها بدلا من حالة السيولة التي تحيط في العادة بجدول أعمالها مما يفقدها القدرة على تحقيق الحسم في معظم القضايا والملفات وهو ما تسبب في خلق حالة من انعدام الثقة في مؤسسة القمة وهو ما يتجلى في تساؤل الشارع عن جدواها وأهميتها ولدي ثقة في أن يتبنى الأمين العام الحالي للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي صاحب الخبرة الدبلوماسية والقانونية الطويلة فضلا عن قامته القومية العالية رؤية مغايرة في هذا الاتجاه حتى تخرج قمة بغداد بنتائح واضحة المعالم خاصة بالنسبة للمواطن العربي العادي بحيث يشعر أن قادته يتماسون مع أشواقه الكبرى في العدالة والتنمية والتقدم عبر مشروعات محددة تطال مختلف مناحي حياته اليومية فضلا عن تعميق شعوره بالحرية واحترام حقوقه كإنسان في ظل ثورات عربية غيرت ملامح النظام الإقليمي العربي بقوة. لا أود أن أحمل قمة بغداد بسقف طموحات قد يتجاوز الواقع العربي الراهن بكل ما ينطوي عليه من اختلالات وتحولات وتغييرات كبرى وتحديات إقليمية ما زالت تواجهه من سنوات لكنى أتطلع إلى أن تفضي جملة من القرارات التي تجسد قناعات وإيمان القادة العرب بإمكانيات شعوبهم وهو ما قدمت ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا أكبر البراهين على حيوية هذه الشعوب ومن ثم فلا ينبغي لهؤلاء القادة أن يراهنوا على صمت مؤقت لألسنة وأفئدة البشر أو على حالة تبلد قد تبدو على السطح وإنما يتعين عليهم أن يتعاملوا معهم بحسبانهم أرقاما مهمة في معادلة الحكم تقوم على ضرورة تقديم كل ما يفضي إلى حالة القبول والرضا العام بأنظمة الحكم متكئين في ذلك على قواعد باتت من ثوابت الفكر السياسي الراهن وأهمها التعددية والقبول بالآخر وتداول السلطة وتجنب الهيمنة الأبدية على مفرداتها فضلا عن الشفافية واحترام مبدأ المواطنة في ظل مناخ تنموي ينهض على العدالة الاجتماعية. أتطلع إلى أن يتعهد القادة العرب بكتابة عقد جديد مع شعوبهم التي لم يعد بمقدور أحد أن يحكمها بالحديد والنار أو من خلال منهجية الاستبداد والقمع بل عبر آليات الاقتراع ووفق محددات النزاهة والشفافية والانحياز لمصالحها. في ضوء ذلك فإن القادة العرب مطالبون بالمصارحة فيما بينهم على أن النظام الإقليمي العربي لم يعد نظاما للحكام ولكن يتعين بالضرورة أن يكون نظاما للشعوب التي بوسعها هي فقط أن تمنح التفويض لمن يحكمها وفقا لشروطها التي تخاصم ما جرى في العقود الأخيرة والتي خضعت فيها لأنظمة حكم تعاملت مع المواطن باعتباره عبدا للرئيس ولبطانته وأسرته فضلا المتحالفين معه من رجال الثروة. وفي يقيني إذا نجحت قمة بغداد في بلورة هذه التصورات التي من شأنها أن تفضي إلى المصالحة بين الحكام والشعوب فستكون قد حققت اختراقا جوهريا ونوعيا نحن في أمس الحاجة إليه حتى يترسخ الربيع العربي وعندئذ فقط سنستعيد بقوة الثقة في مؤسسة القمة وهي بداية للدخول فيما بعد في مقاربات تدفع بالأمة إلى موقعها الصحيح إقليميا وعالميا. هل أحلم؟ ربما لكن ما الذي يمنعني من الحلم؟ السطر الأخير: فى ملكوت عينيك أحمل زادي طالعا من وهج النور بعناقيدهما تهمس لي طيورهما: بث صبابتك فيهما لا تصالح الغياب عنهما ارسم عشقك للمسافة بينهما لا تستدر اكتب قصيدتك ارمح بخيلك اركض قم فانهض احبس وجعك اشعل نورك سطر نارك قبل الحنطة في الأهداب مزق الحزن بالأحداق ارتو من دفء صاف رقراق تدثر بأشواقك تخندق بأمطارك قل: شعري لهما افتح الأبواب يتهيأ لك الياقوت تتفتح الشموس تنعقد الأسباب

288

| 19 مارس 2012

البدء في الكتابة قبل أن تنطلق قمة بغداد

بغداد من المدن التي تسكن ذاكرتي زرتها مرتين خلال فترة الحصار الدولي في تسعينيات القرن المنصرم وبالرغم من تداعياته التي فرضت سطوتها القاسية على عاصمة الرشيد إلا أنها كانت مسكونة دوما بتوهج أزمنتها القديمة والحديثة تعانقك فور الوصول إليها تصب فيك أشهى ما فيها فتبادلها بعشق لها يتمدد فيك أبداً. وبحول الله سبحانه وتعالى سأعيد كتابة عشقي على صدر بغداد خلال الأسبوع المقبل ,إن طال العمر ,خلال مشاركتي مع المئات من صحفيي العرب والعالم في متابعة وقائع القمة العربية التي ستحتضنها بعد عشرة أيام والتي انتظرها العراقيون طويلا سعيا إلى استعادة دفء الحضن العربي وفق تعبير الدكتور قيس العزاوي الباحث والمفكر العراقي والذي يعمل حاليا مندوبا دائما لبلاده لدى الجامعة العربية مانحا المنصب الكثير من العمق المغزول جعلته واحدا من المندوبين المميزين في القاهرة. ولا أخفي أنني عبرت عن ارتياحي لتأجيل استضافة بغداد للقمة خلال العام المنصرم نتيجة ثورات الربيع العربي التي اشتعلت قبل موعد القمة بأيام قليلة , فلم أكن مؤيدا لفكرة اجتماع قادة العرب وجند الاحتلال الأمريكي قريبون من مقار إقامتهم ومسؤولون عن تأمينهم وحمايتهم بفعل قبضهم على مفاصل العملية الأمنية ولكن هذا العام اختلف الأمر بعد أن انسحب هؤلاء الجند إلا قليلا وبات أمر التأمين والحماية للمشاركين في القمة من نصيب جند العراق. وليس ثمة شك في أن استعادة العراق لعافيته القومية- جنبا إلى جنب عافيته الوطنية - من شأنها أن تصب في تمتين النظام الإقليمي العربي الذي يتعرض لاختلالات عدة سواء من الخارج أو بفعل عوامل داخلية ومن ثم فإن التئام القمة العربية في بلاد الرافدين خاصة بعد غياب طال عامين سيدفع إلى ضخ دماء جديدة في هيكل هذا النظام لتمكنه من إعادة إنتاج حيويته الحضارية خاصة بعد أن تحققت تحولات نوعية على صعيد التخلص من السمة الاستبدادية التي ظلت خلال العقود الأخيرة تهيمن على وحداته وهو ما أسهم- إلى جانب عوامل أخرى- في بروز حالة التردي التي تمددت في أكثر من منحى في الواقع العربي بتجلياته المختلفة. ولاشك أن ذلك يستوجب من القادة العرب بداية الحرص على المشاركة الفاعلة في قمة بغداد وعدم الارتكان إلى أي مبررات للغياب حتى ولو استندت إلى الأبعاد الأمنية وبهذه المناسبة ما زالت تصيبني الدهشة من إصرار البعض من قادتنا على التعالي عن مؤسسة القمة بينما يركضون باتجاه أي لقاء مع مسؤولين من دول الغرب وبالذات إذا كانوا من الولايات المتحدة وليس شرطا أن يكونوا على نفس المستوى وكان على رأس هؤلاء الرئيس المصري السابق حسني مبارك فكثيرا ما غيب نفسه أو غيب عن قمم عربية عديدة وهو ما أسهم بدون شك في تقليص فعالية الدور المركزي للدولة المصرية في محيطها العربي والإقليمي غير أن ثمة نفرا من القادة العرب غير مبارك ما زالوا يتعمدون النهج نفسه. هذا أولا أما ثانيا فإنه من الضروري أن تنزع القمة هذا العام إلى بلورة قضايا وملفات محددة تركز عليها بدلا من حالة السيولة التي تحيط في العادة بجدول أعمالها مما يفقدها القدرة على تحقيق الحسم في معظم القضايا والملفات وهو ما تسبب في خلق حالة من انعدام الثقة في مؤسسة القمة وهو ما يتجلى في تساؤل الشارع عن جدواها وأهميتها ولدي ثقة في أن يتبنى الأمين العام الحالي للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي صاحب الخبرة الدبلوماسية والقانونية الطويلة فضلا عن قامته القومية العالية رؤية مغايرة في هذا الاتجاه حتى تخرج قمة بغداد بنتائح واضحة المعالم خاصة بالنسبة للمواطن العربي العادي بحيث يشعر أن قادته يتماسون مع أشواقه الكبرى في العدالة والتنمية والتقدم عبر مشروعات محددة تطال مختلف مناحي حياته اليومية فضلا عن تعميق شعوره بالحرية واحترام حقوقه كإنسان في ظل ثورات عربية غيرت ملامح النظام الإقليمي العربي بقوة. لا أود أن أحمل قمة بغداد بسقف طموحات قد يتجاوز الواقع العربي الراهن بكل ما ينطوي عليه من اختلالات وتحولات وتغييرات كبرى وتحديات إقليمية ما زالت تواجهه من سنوات لكنى أتطلع إلى أن تفضي جملة من القرارات التي تجسد قناعات وإيمان القادة العرب بإمكانيات شعوبهم وهو ما قدمت ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا أكبر البراهين على حيوية هذه الشعوب ومن ثم فلا ينبغي لهؤلاء القادة أن يراهنوا على صمت مؤقت لألسنة وأفئدة البشر أو على حالة تبلد قد تبدو على السطح وإنما يتعين عليهم أن يتعاملوا معهم بحسبانهم أرقاما مهمة في معادلة الحكم تقوم على ضرورة تقديم كل ما يفضي إلى حالة القبول والرضا العام بأنظمة الحكم متكئين في ذلك على قواعد باتت من ثوابت الفكر السياسي الراهن وأهمها التعددية والقبول بالآخر وتداول السلطة وتجنب الهيمنة الأبدية على مفرداتها فضلا عن الشفافية واحترام مبدأ المواطنة في ظل مناخ تنموي ينهض على العدالة الاجتماعية. أتطلع إلى أن يتعهد القادة العرب بكتابة عقد جديد مع شعوبهم التي لم يعد بمقدور أحد أن يحكمها بالحديد والنار أو من خلال منهجية الاستبداد والقمع بل عبر آليات الاقتراع ووفق محددات النزاهة والشفافية والانحياز لمصالحها. في ضوء ذلك فإن القادة العرب مطالبون بالمصارحة فيما بينهم على أن النظام الإقليمي العربي لم يعد نظاما للحكام ولكن يتعين بالضرورة أن يكون نظاما للشعوب التي بوسعها هي فقط أن تمنح التفويض لمن يحكمها وفقا لشروطها التي تخاصم ما جرى في العقود الأخيرة والتي خضعت فيها لأنظمة حكم تعاملت مع المواطن باعتباره عبدا للرئيس ولبطانته وأسرته فضلا المتحالفين معه من رجال الثروة. وفي يقيني إذا نجحت قمة بغداد في بلورة هذه التصورات التي من شأنها أن تفضي إلى المصالحة بين الحكام والشعوب فستكون قد حققت اختراقا جوهريا ونوعيا نحن في أمس الحاجة إليه حتى يترسخ الربيع العربي وعندئذ فقط سنستعيد بقوة الثقة في مؤسسة القمة وهي بداية للدخول فيما بعد في مقاربات تدفع بالأمة إلى موقعها الصحيح إقليميا وعالميا. هل أحلم؟ ربما لكن ما الذي يمنعني من الحلم؟ السطر الأخير: فى ملكوت عينيك أحمل زادي طالعا من وهج النور بعناقيدهما تهمس لي طيورهما: بث صبابتك فيهما لا تصالح الغياب عنهما ارسم عشقك للمسافة بينهما لا تستدر اكتب قصيدتك ارمح بخيلك اركض قم فانهض احبس وجعك اشعل نورك سطر نارك قبل الحنطة في الأهداب مزق الحزن بالأحداق ارتو من دفء صاف رقراق تدثر بأشواقك تخندق بأمطارك قل: شعري لهما افتح الأبواب يتهيأ لك الياقوت تتفتح الشموس تنعقد الأسباب

398

| 18 مارس 2012

لقاء مع قطري رفيع المقام

عرفت ناصر عبدالعزيز النصر قبل سنوات عدة خلال فترة عملي بالدوحة والتي أعتبرها فترة توهجي المهني وهو من هؤلاء النفر من الدبلوماسيين القطريين الذين امتلكوا ناصية الأداء الشديد التميز من حيث التقنية والشديد الإخلاص من حيث خدمة مصالح الوطن لم يكن يبخل علي بمعلومة أو رؤية أطلبها خلال إِشرافه على مؤتمرات دولية بقطر وكنت أتواصل معه عبر الهاتف في مقر عمله بنيويوك مندوبا دائما لبلاده في الأمم المتحدة وهي الفترة التي امتدت نحو ثلاثة عشر عاما دفعت به من فرط جودته في الأداء والإخلاص في المهمة إلى أن يصبح رئيسا للدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن تم انتخابه في الثاني والعشرين من شهر يونيو المنصرم لهذا المنصب الرفيع المقام من أغلبية دول العالم التي تابعت مواقفه وحركته الدؤوبة في المنظمة الدولية وقد أسهم النصر على امتداد أربعة عقود من حياته الوظيفية في النهوض ببرنامج العمل الدولي المتعدد الأطراف في مجالات إحلال السلام وبسط الأمن والتنمية المستدامة والتعاون بين بلدان الجنوب وعلى مدار الثلاث عشرة سنة الأخيرة أي في الفترة من 1998 حتى 2011 عمل سفيرا لبلاده وممثلا دائما لها لدى الأمم المتحدة واضطلع خلالها بأدوار قيادية بصفته رئيسا للجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار الرابعة التابعة للجمعية العامة (من 2009 حتى 2010) ورئيسا للجنة الرفيعة المستوى المعنية بالتعاون بين بلدان الجنوب (2007 حتى 2009) كما ترأس مجموعة الـ77 والصين لدى الأمم المتحدة 2004 ومثل بلاده في مجلس الأمن خلال فترة عضويتها فيه لمدة عامين كعضو غير دائم (2006 حتى 2007) وعين رئيسا لمجلس الأمن لشهر ديسمبر 2006 وهي الفترة التي اتخذ المجلس خلالها إجراءات بشأن طائفة من المسائل المعقدة في مجالي الأمن والسلام ومكافحة الإرهاب وخلال تعاملي معه شخصيا وعن كثب توقفت على مميزات عديدة يتسم بها فهو لديه قدرات جيدة في التواصل مع رجال الإعلام والصحافة فضلا عن كونه متحدثا جيدا ويحمل رؤية واضحة وصريحة لما يرغب في قوله وفعله. وأثناء زيارته الأخيرة للقاهرة كان موضع ترحيب اتسم بالدفء والحميمية من قبل وزير الخارجية المصري محمد عمرو والأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي فضلا عن الوسط الدبلوماسي بالعاصمة المصرية عربيا وأجنبيا بالإضافة إلى الوسط الإعلامي. وفي الطابق الثامن عشر بمقر إقامته بفندق ضخم مطل على النيل المدهش جلست إليه وبادرني متسائلا عن سبب عودتي للقاهرة وتبادلنا بعضا من ذكريات زمن الدوحة ولم أشأ أن أطل المكوث معه لإدراكي أن برنامجه محتشد بالعديد من الاجتماعات وكان الحديث معه محاولة للفهم مني أكثر من مجرد الحصول على إجابات عن أسئلة مطروحة خاصة أن ملفات الدنيا باتت بيديه. وجاءت زيارة النصر للقاهرة كما قال لي تلبية لدعوة رسمية من وزير الخارجية المصري محمد عمرو فمصر دولة محورية في العالم العربي والأمم المتحدة ممثلة في الجمعية العامة تدرك هذا البعد وعندما سألته عما إذا كان بمقدور المنظمة الدولية مساعدة مصر في بناء نسقها الديمقراطي الجديد وأكد على الفور استعداد خاصة الجمعية العامة لتلبية أي مطالب للمحروسة على صعيد مساعدتها في بناء مؤسساتها الديمقراطية مردفا القول: خلال زيارتي للقاهرة تيقنت أن الأمور في هذا الشأن تمضي في الاتجاه الصحيح وأن هناك حرصا حقيقيا على بناء عملية التحول الديمقراطي بكفاءة عالية وفق القواعد العالمية وأنا على ثقة كبيرة في قدرة الشعب المصري على تجاوز تحديات المرحلة الانتقالية بامتياز ولاشك أن الثورة المصرية قدمت نموذجا رائدا من خلال طابعها السلمي وتبنت قيما عالمية تتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان. هذا جانب من أهداف زيارتي أما الجانب الآخر – كما يضيف- فقد استمعت خلال لقائي مع وزير الخارجية للرؤية المصرية فيما يتعلق بمستجدات المنطقة العربية وفي صدارتها الأزمة السورية والتي باتت تمثل أهم الملفات المطروحة على الأجندة الإقليمية بالإضافة إلى المسألة الفلسطينية على ضوء اتفاق الدوحة لإنجاز المصالحة بين فتح وحماس في ضوء اتفاق القاهرة الموقع في مايو الماضي وغيرها من القضايا الإقليمية والدولية وقد أطلعت وزير الخارجية على الاجتماعات رفيعة المستوى التي ستعقدها الجمعية العامة في مايو المقبل والتي تشمل اجتماعا رفيعا عن الوضع الاقتصادي العالمي واجتماعا رفيعا آخر عن الوساطة لحل المنازعات بالطرق السلمية. وبالطبع كانت الأزمة السورية بما تشهده من استمرارية لمنهجية القتل من قبل قوات النظام سواء الجيش أو الأمن ضد المدنيين على نحو تجاوز ضمن مفردات زيارة النصر في القاهرة وقد سألته عن تقييمه لتطوراتها الأخيرة فعلق قائلا: بداية تجدر الإِشارة إلى أنه من الضروري تكثيف جهود المجتمع الدولي لوقف العنف المشتعل في سوريا وهو ما يدعوني إلى القول بأنه لا يتعين علينا أن نقف صامتين حيال ممارسات الحكومة السورية ضد مواطنيها بل يجب بذل كل الجهود لإقناع دمشق بتنفيذ ما اتفقت عليه مع الجامعة العربية وحث مجلس الأمن للتعامل بفعالية أكثر مع هذا الموضوع الخطير وفي هذا السياق فإن الجمعية العامة صوتت مؤخرا بالموافقة على قرار يدعم جهود جامعة الدول العربية، وتنفيذ مبادرتها السياسية الأخيرة لحل الأزمة السورية. غير أن التطور الأكثر أهمية الذي أقدمت عليه الجمعية العامة يتمثل في عقد جلسة بناء على دعوة مني كرئيس لها للاستماع إلى إحاطة المفوضة السامية لحقوق الإنسان" نافى بيلاي" قدمت فيها شرحا وافيا للدول الأعضاء في الأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان في سوريا وحجم الانتهاكات التي تقوم بها السلطات الحكومية وقد طلبت من المجتمع الدولي وقف نزيف الدم نظرا لأن هناك انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في سوريا وسوف يصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقريره النهائي في هذا الشأن -اليوم 12 من مارس - بعد الجلسة التي صوتت فيها أغلبية الدول الأعضاء بالمجلس لصالح تجريم انتهاكات الحكومة والقيادات السورية ضد حقوق الإنسان وأتوقع أن يكون هذا التقرير قاسيا وقويا وأظن أن ما طرحته المفوضية السامية لحقوق الإنسان من الأهمية بمكان فهو يدفع باتجاه إحالة المسؤولين السوريين عن أعمال القمع وممارسة الانتهاكات إلى المحكمة الجنائية الدولية وهو ما كشف عنه النقاب بالفعل مؤخرا. ولاشك أن عرض الأزمة السورية على الجمعية العامة جاء بعد ما بدا أن ثمة مشكلة يعانى منها مجلس الأمن الدولي في ضوء استخدام الفيتو الروسي والصيني مرتين خلال الفترة الماضية للحيلولة دون الموافقة على مشروعي قرارين كانا ينددان بالعنف في سوريا ويفرضان عقوبات على الحكومة ويطالبان بتطبيق المبادرة العربية القاضية بإرسال قوات حفظ سلام مشتركة بين الجامعة العربية والأمم المتحدة وهو ما جعل المجتمع الدولي يقف عاجزا عن أي إجراء تجاه هذه الأزمة، ومع ذلك فإن ذلك لا ينبغى أن يدفعنا إلى التوقف عن ممارسة كل الضغوط للتوصل إلى حل وكلي أمل في أن تتمخض الجهود الحالية من قبل المجتمع الدولي والجامعة العربية خاصة بعد تعيين السيد كوفي عنان مبعوثا مشتركا -عن حل سلمي وإعادة ملف الأزمة إلى مجلس الأمن ليصدر قرارا يسهم بفعالية وجدية في تحقيق هذا الهدف بما يؤدي إلى وقف أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. فللأسف فإن النظام الدولي المعاصر يضع كل السلطات في مجلس الأمن وهو ما يعني أن أي قرار بوقف إطلاق النار ووقف العنف في سوريا لابد أن يصدر عن المجلس والنصر مشغول خلال ترؤسه للدورة الحالية للجمعية العامة بمسألتين مهتمين الأولى تتعلق بضرورة إعادة النظر في هيكلية مجلس لإصلاحه وقد وضع هذه المسألة بالذات- كما أبلغني - على رأس أولوياته وثمة لقاءات واتصالات بما في ذلك خارج الأمم المتحدة واجتماعات داخلها للتوصل إلى رؤية موحدة للتعامل معها ويضيف: أمامنا عدة أشهر خلال الدورة الحالية للجمعية العامة التي ستنتهي في سبتمبر المقبل لبلورة هذه الرؤية التي أتطلع إلى أن تحظى بتوافق وزخم دوليين وذلك بصرف النظر عما تبديه الدول الدائمة العضوية في المنظمة الدولية ولكني بوضوح لدي قناعة قوية بأنه حان الوقت لإعادة النظر في تكوين مجلس الأمن حتى يكون قادرا على التعامل على نحو أكثر فعالية مع القضايا والأزمات الدولية الشائكة ونأمل في تحقيق تقدم ولو كان مجرد خطوة واحدة بهذا الاتجاه. أما المسألة الثانية التي تسكن حركته فتتمثل في تبنيه لمبادرة خاصة تتعلق بتسوية النزاعات بالطرق السلمية والتي تقدم بها بعد استلامه رئاسة الجمعية العامة في سبتمبر الماضي وهي تقوم على تفعيل دور الجمعية العامة في القيام بوساطات لحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية وهو موضوع يبحث على نطاق واسع الآن خاصة أن موضوع الوساطة أضحى إلى جانب بقية وسائل العمل السلمية الأخرى من صميم عمل الأمم المتحدة . ولاشك أن العالم - الكلام لرئيس الجمعية العامة - يمر الآن بمرحلة انتقالية صعبة مما يحتم على الأمم المتحدة الاضطلاع بدور مهم في حل الصراعات والنزاعات المندلعة في عدد من مناطق العالم لاسيَّما أنها توفر شرعية دولية لسير عملية الوساطة . وشخصيا ملتزم أنا وفريقي في الجمعية العامة بشكل كامل بالعمل على تعزيز مفهوم الوساطة في إطار الأمم المتحدة. وفي نهاية الأمر فإنه من الضروري الاتفاق على آلية واضحة للتعامل مع الخلافات والنزاعات بالطرق السلمية وهو ما سوف يصب إيجابيا في دعم وتعزيز كفاءة وفعالية مجلس الأمن المنوط به حفظ السلام والأمن في العالم وألفت في هذا السياق إلى أنه سوف يعقد اجتماع رفيع المستوى في شهر مايو المقبل في الأمم المتحدة للوصول إلى تصور وآلية لتفعيل دور المنظمة الدولية في حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية من قبل رئاسة الجمعية العامة. السطر الأخير: مندفعا إليك حاملا أشواقي الكبرى للدفء وأبدية الانصهار فكوني منتهى عشقي رحلتي للشمس ديمومة فتنة النهار

324

| 12 مارس 2012

لمن يقتل بشار شعبه

أخذت أتأمل طويلا في عملية القتل الممنهج التي استعرت في سوريا من قبل قوات الجيش والأمن التابعة لبشار الأسد خاصة في الأيام الأخيرة تحت زعم حسم الأمور لصالح نظامه وظل السؤال يلح عليّ كلما قرأت أو شاهدت هذا القدر من البشاعة في القصف ودك الأحياء والمنازل على ساكنيها خاصة في حمص وحماة وريف دمشق وإدلب وغيرها من مدن ومناطق صامدة ومثابرة: لمن يقتل بشار شعبه؟هل ينزع إلى تثبيت مرتكزات حكمه ونظامه؟ أم يريد أن يدخل التاريخ كرئيس لم يسقط تحت سنابك ثورة شعب؟أظن أنه يريد إنجاز الأمرين معا بيد أن الحقيقة تشير إلى أن بشار يستجيب لحتمية التغيير والركض بسرعة نحو دائرة السقوط فدماء الشعب السوري ليست بهذا القدر الذي يتصوره هو وأركان حكمه -رجال الأمن والاستخبارات والحزب وطبقة رجال أعمال ومهربين -من السهولة بحيث يتم القفز عليها وتجاوزها ليتمكن من تكريس نظامه الذي فقد شرعيته عندما أطلق أول رصاصة ضد الثائرين عليه. كان بوسع بشار أن يفتح الباب لحوار حقيقي وجاد ودون مشروطية عوضا عن إطلاق الهراوات وفوهات البنادق وتحريك جنازير الدبابات والمدرعات في مهمات تتناقض مع مهمتها الرئيسية والمركزية والمتمثلة في الاستعداد لحرب العدو الذي ترابط قواته على مسافة بضعة كيلو مترات محتلة الأرض وجاثمة على أنفاس الوطن دون أن يحرك ساكنا منذ أكثر من أربعين عاما بل إن أحدا لا يتذكر أن هذا الجيش أطلق رصاصة واحدة على هذا العدو طوال هذه المدة بينما- وتلك هي المفارقة - لديه قدرة فائقة على محاربة الأشقاء في لبنان وأبناء الوطن في الشام. وكلما شاهدت هذه الطوابير الممتدة من دروع ودبابات ورجال الجيش وهي تجوب المدن والأحياء والمناطق المختلفة وتفتك بالبشر من رجال وأطفال ونساء نراهم على الشاشات جاثمين بأجسادهم على الأرض سواء قتلا أو إصابة يجتاحني الألم ويسكنني الوجع فهذا جيش كابد الشعب السوري من أجل بنائه وتسليحه وتحديثه دوما ولم يبخل عليه خاصة بعد سقوط الجولان في قبضة العدو ومع ذلك لم يدفع باتجاه تحرير الهضبة وأظن أن ذلك هو السر وراء الانشقاقات المتزايدة من ضباط وجنود فهم يكرهون أن يكونوا أداة طيعة في نظام لا يرغب في تحرير التراب الوطني المحتل ولكنه يمعن في قتل شعبه بوتيرة تنطوي على نوع استثنائي من الحق من النخبة الحاكمة على هذا الشعب الذي تجرأ وأعلن رفضه لاستمرار الاستبداد والقمع وغياب الحرية وانزواء العدالة الاجتماعية. وإذا استمر بشار في قتل شعبه على هذا النحو من الهمجية تحت زعم أنه يحارب الجماعات المسلحة والإرهابيين (وهي نفس العبارات التي استخدمها من قبله كل هؤلاء المستبدين الذين رحلوا إما بقوة السلاح أو بقوة هدير الجماهير أو بقوة السياسة) فهل يمتلك القدرة على الاستمرار في حكمه؟ وأتساءل مرة أخرى: أي ضمير يسكنه وهو يجلس على عرش الشام خلفا لوالده سامحه الله على تدشينه أسوأ تقليد يتمثل في توريث الابن لسلطة الأب في ظل نظام جمهوري؟ ألم يقرأ بشار وقائع التاريخ والمفروض أنه قارئ جيد أم المقربون منه يجنبونه الكتب التي تتناول هذا النوع من الأحوال؟ ومتى كانت الرغبة في البقاء في السلطة والركض خلف مميزاتها وامتلاك ناصيتها قادرة على تغييب الضمير الإنساني وممارسة الإبادة الجماعية ضد الشعب وأظن أن تقريرا داخل مجلس حقوق الإنسان الدولي يعد الآن وسيصدر وفق معلوماتي في شهر مارس الجاري ليكشف حقائق الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان التي مارسها بشار وزبانية نظامه والذي يبدو أنهم يتأسون بالإرهابي الصهيوني العائش في الغيبوية منذ سنوات خلال عدوانه على الضفة الغربية ردا على انتفاضة الشعب الفلسطيني على اقتحامه هو وجنده المسجد الأقصى ليس ثمة فوارق بين المنهجين قتل واقتحام ودك للمنازل والأحياء ومطاردة للسكان دون حرمة لعجوز أو طفل أو امرأة فضلا عن فرض الحصار على الأماكن ومنع كل ما ييسر الحياة ويداوي جرحا، ولا تتورع قوات الأسد عن قتل الناس خلال تشييع الجنازات أي قسوة وغياب لكل المحددات الدينية والقيمية التي تكرست عبر التاريخ الإنساني. هل يعيد بشار نفس أساليب بعض خلفاء الدولة الأموية والذين كانوا يحكمون المسلمين من دمشق ولم يتورعوا عن حصار الكعبة المشرفة وقصفها والاعتداء على حرمتها التي قررها الله في كتابه العزيز وقتل وسحل المعارضين سواء في المدينة المنورة أو في العراق خاصة في كربلاء عندما هجمت القوات التابعة للخليفة يزيد بن معاوية على المجموعة المنضوية تحت قيادة حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما فأبادت أفرادها جميعا في موقعة كربلاء الشهيرة سوى طفل صغير هو زين العابدين حفيد الحسين ودون ذلك لما بقي من ذرية الرسول أحد وقامت بسبي نساء من آل البيت وفي مقدمتهن زينب بنت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم والاستيلاء على ممتلكاتهن. لقد قرأت كتابا مؤخرا عن هذه الفترة وهو ما يجعلني أقول إن بعضا من تاريخ بني أمية يعود من جديد وليته يعود عبر المحافظة على الثغور وفتح الأمصار الجديدة وتمديد الحضارة الإسلامية وذلك هو الشق المشرق في سيرة نخب بني أمية الحاكمة لكنه يعود من بوابة الدم والقتل وانتهاك الحرمات والفتك بالمعارضين بأشد أنماط القسوة والجبروت. لم يعد أمام بشار سوى الرحيل لأنه لن يكون بمقدوره أن يتواصل حاكما على شعب يقتله، فهو – أي هذا الشعب- قرر الثورة ضده والثبات في الميدان رغم الجوع وسطوة الشتاء وقسوة الضربات المتتالية في الصباحات والمساءات واستخدام كل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة ضد الأطفال والنساء القابعين في الحجرات المعتمة بلا طعام أو دواء. هذا الشعب لن يغفر لبشار صناعة مدن الدم في أنحاء الوطن الجريح ومن ثم فإنه من الحري به أن يبادر بالمغادرة عبر قبوله بالمبادرة العربية الأخيرة التي تقترب من النموذج اليمني التي حققت تحولا مهما على الأرض يتمثل في غياب الرئيس الذي ظل جاثما على عرش سبأ منذ العام الذي تخرجت فيه من الجامعة – العام 1978 - ورغم التحفظات المتعلقة بمنح صالح الضمانات ضد الملاحقة الأمنية فإن هذا النموذج شكل البداية لتحقيق أهم مطالب ثورة شباب اليمن والمتمثلة في إسقاط النظام ولا أشك أن الرئيس الجديد الطالع من رحم النظام السابق سوف يقدم على تبني سياسات مغايرة بل ومناقضة لسياسات سلفه لإعادة بناء وطن ظل خاضعا لهيمنة آل صالح التي كانت قائمة على ثنائية السلطة والثروة وهي الثنائية ذاتها التي نهض عليها نظام مبارك ومن قبل بن علي ومن بعد معمر القذافي وما زالت قائمة في الشام. إن الشعوب لم تعد مهيأة للقبول بهذه الثنائية التي تخصم من حضورها وحظوظ حياتها وأشواقها الكبرى للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وبالتالي فإن بشار مطالب بالإسراع بالرحيل لأن قرار الشعب صدر ولا نقض له ولا يظنن أن فيتو تمارسه دولة أو أخرى لحمايته أو موقفا من هنا أو هناك أو حتى تقديم إسناد له بالسلاح والمال من هذا الطرف أو تلك الجماعة سيجديه نفعا. المجدي الحقيقي هو أن ينحني لثورة شعب لم يعد يهمه أن يقتل أو يصلب أو تدمر مقدراته فهو مدرك أن للانتصار أثمانا باهظة هو يدفعها بالفعل عبر أرواح شهدائه البررة الذين تجاوزت أعدادهم أكثر من ثمانية آلاف شخص أو عشرات الألوف من الجرحى والمئات من البيوت المهدمة وأشجار الكرز والزيتون المصلوبة بحدائق الشام. السطر الأخير: تمادت حروف الكتابة تصلبت بأصابعي قلت لها: شاعر أنا فكوني طيعة لإلهامي سكتت تمددت أمامي صرخت في وجهي: اكتب عن العشق عن طوابير الواقفين ببوابات الشام حالمين بالطهر والياسمين لبردى والسكينة والعدل لبلاد تحلم بالحرية وعزف الأنغام

390

| 05 مارس 2012

تعليقا على مقال "في المسألة المصرية-الأمريكية"

تلقيت من الأستاذ وليد الراشد أحد مؤسسي حركة السادس من أبريل المصرية والتي شكلت إلى جانب كيانات أخرى أحد المرتكزات المهمة والحيوية في إنجاز ثورة الخامس والعشرين من يناير مقالا مهما يعلق فيه على مقالي الذي نشر في هذه الزاوية الاثنين الماضي بعنوان "في المسألة المصرية الأمريكية "ولأنه يحتوي على رؤية أخرى رأيت نشر بعض من محتوياته إيمانا بمنظور الرأي والرأي الآخر خاصة أنه دارس للعلوم السياسية ويقوم بتحضير لأطروحة الماجستير فيها - كما أبلغني في رسالته الإلكترونية - فليشاركني القارئ المحترم في قراءة أهم ما في هذا التعليق نظرا لمقتضيات المساحة. يقول وليد: لا الذي رفض ديمقراطية العالم حين صوتوا لصالح عضوية كاملة لفلسطين في اليونسكو وعلى أساسها عاقب دول العالم الفقيرة بوقف تمويله مشروعات اليونسكو الإنسانية يشجع حقوق الإنسان ويدعم الديمقراطية.... ولا الذي يتلقى تمويلا سنويا معلنا منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد وقبل 30 عاما من أمريكا وقدرة 2.1 مليار دولار لمصر، (منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية) يخشى تدخلها في الشؤون الداخلية لمصر. فمن السذاجة بمكان أن تخيل لنفسك ولشعبك أن المساعدات والمعونات الاقتصادية التي تتلقاها ليست مرتبطة بقرارات ومواقفك السياسية لا الذي رفض ديمقراطية أتت بحماس على رأس السلطة في فلسطين يشجع الديمقراطية ويدعمها ولا الذي يتسول المساعدات الاقتصادية من البنك الدولي والدول الثماني العظمي ودول الخليج العربي يحق له أن يستخدم كلمات رنانة طال عليها الزمن وعفى من نوعية لن نركع ولن نستسلم ونرفض التدخل الاجنبي فلم تعد علاقات الدول ببعضها تقوم على غير المصالح المتبادلة والمشتركة. تعريف الديمقراطية في أعين الإدارة الأمريكية لخصها (دينيس روس) - الذي كان مبعوثا خاصا للسلام الشرق الأوسط – بقوله بعدما فازت حماس في الانتخابات الفلسطينية " من حق الناخبين (في الشرق الأوسط) أن يختاروا من يشاءون، ومن حقنا أن نتعامل مع من نشاء، فالانتخابات لا تصنع ديمقراطية، وليس علينا أن ندعم من يرفضون معتقداتنا " ديمقراطية أمريكا نعرفها نحن من تهديدها أناء الليل وأطراف النهار باستخدام الفيتو حال صوتت دول الأمم المتحدة لصالح عضوية كاملة لفلسطين في مجلسهم الموقر... فكيف لهم أن يتحدثوا عن دعم الديمقراطية؟ وهل يعني المجلس العسكري أن تدين دول أجنبية اعتداءات وحشية مصورة صوت وصورة لجنوده البواسل على مواطنين عزل أم يعني أن تتوقف بالأساس تلك الممارسات ولا تسمع شجبا ولا إدانة؟ لا الذي دعم ومازال يدعم أعتى الأنظمة الديكتاتورية والشمولية في العالم وآخرها نظام مبارك وبن علي وعلي عبد الله صالح وإلى آخر القائمة المفتوحة يشجع الديمقراطية وحقوق الإنسان ولا المجلس العسكري الذي يمتاز بعلاقات تاريخية مديدة وقوية مع الإدارة الأمريكية زينتها صور لقاء المشير طنطاوي مع رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مارتن ديمبسي قبل أيام بالقاهرة تعكس مدى التقارب والود.. جاد في اتهامه لأمريكا بأنها تسعى لأعمال تخريبية في مصر. كلاهما ببساطة وبصراحة مطلقة محتال بامتياز ويخدع شعبه.. وكلاهما يريد لنا دائما أن نفهم غير الذي نرى وأن نصدق غير الذي نسمع. فعلى أمريكا أن تفهم وعلى المجلس العسكري أيضاً أن يفهم أنه ولد في مصر جيل جديد يفهم ويقرأ ويفكر ويحلل... يسمع ويرى... حقق ثورة حين كانت الإدارة الأمريكية ومعها المجلس العسكري يدعمان مبارك ويشجعانه على فساده وانتهاكه لأبسط معاني حقوق الإنسان إذا كانت أمريكا حقا تدعم الديمقراطية ويشغلها الإنسان وحقوقه في مصر فإنه يتعين عليها فورا وقف تصدير شحنات القنابل المسيلة للدموع التي خنقت وقتلت ومازالت تقتل المتظاهرين السلميين في مصر وغيرها من الدول. وإذا كان المجلس العسكري بحق يرى في تدخل أمريكا وزرعها منظمات مجتمع مدني يرى في أعمالها شبهات تصل إلى حد التجسس وتخريب البلد كما ينشرون في أبواق إعلامهم صباحا ومساء فهل هذه اتهامات تعالجها حوارات السياسة واللقاءات المشتركة والصور الودودة؟ ما هي قرارتك التي اتخذتها ضد أمريكا أيها المجلس الوطني العظيم؟ هل سحبت سفيرنا في واشنطن مثلا؟ هل استدعيت السفيرة الأمريكية في مصر لإبلاغها تهديد شديد اللهجة بانتهاك إدارتها لسيادة الدولة المصرية؟ هل مثلا حتى عدلت في قوانين منظمات المجتمع المدني داخليا وأعلنت أنه لا تمويل خارجيا بعد اليوم في مصر؟ الإجابة على كل الأسئلة (لاشيء) لم تفعل ولن تفعل شيئا. بل على العكس تماما فالسيدة فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي لا تكف عن ملء آذاننا بأن العلاقات المصرية الأمريكية استراتيجية وأن أزمة منظمات المجتمع المدني لن تؤثر على علاقات البلدين. نعم هناك أزمة وعدم ارتياح فاحت رائحته بين الإدارتين: المصرية والأمريكية.. لكن الأزمة الحالية المعلنة ما هي إلا غطاء يلعب من خلفه الطرفان سياسة. وستستمر الأزمة هكذا طالما لم يصرح الطرفان بماذا يريد كلاهما من الآخر وستستمر الأزمة طالما لبست أمريكا قناع دعم الديمقراطية ولبس أمامها المجلس العسكري قناع محاربة التدخل الأجنبي... وستنتهي الأزمة في أقرب فرصة وعلى حين فجأة ودون مقدمات أو سابق إنذار حين يأخذ كل طرف من الآخر من يريد... قد تنتهي اليوم أو ربما غدا... هي فقط مسألة وقت. أمريكا لا تستطيع أن تعيش أو تتنفس دون أن تزرع أنفها في كل شيء يدور حولها ظنا منها أن العالم يتآمر عليها وعليها حماية نفسها وما يعنيها الآن أن تضمن تعاونا وشكلا للعلاقة مع الإدارة المصرية الجديدة لا يختلف كثيرا عن إدارة مبارك. ولا المجلس العسكري يستطيع أن يعيش دون أن يرسم سيناريوهات ويطلق الفزاعات في أوجه المصريين من قبيل أن مصر مستهدفة وثمة مخططات لتقسيمها وكأننا تلك القطعة التي لا يفكر العالم في شيء غير التآمر عليها. فالمجلس العسكري أضاع على نفسه فرصة تاريخيه في مصر بسوء إدارته التي لم يسبق لها مثيل للفترة الانتقالية منذ رحيل مبارك انعكس مما أدى إلى انخفاض شعبيته لأدنى مستوياتها بدءا من (الجيش والشعب ايد واحدة) ووصلت الآن إلى (يسقط يسقط حكم العسكر) وقالوا قديما إن هاجمك معارضوك فاتهمهم بأنهم أصدقاء الأمريكان حتى وإن كنت أنت نفسك أشد أصدقاء الأمريكان. أسلوب قديم مكرر استهلك يوضح أنه لم يحدث أي تطور في عقول من يحكموننا وأن الفلسفة مازالت هي نفسها لكن هذه المرة يعتقد المجلس العسكري أنه الطرف الأقوى حاليا في هذه الأزمة ورأيي كذلك – فقد هزم الحليف الاستراتيجي لأمريكا شر هزيمة وعليه فالطبيعي أن تأتي أمريكا لخليفة مبارك لبناء شكل العلاقة الجديدة واعتقاده أيضا مفاده أن أمريكا لا يمكنها الاستغناء عن حليف استراتيجي قوي متمركز في أهم مناطق العالم (الشرق الأوسط) طالما دعمت علاقتها بة منذ 1973.... وهنا يعتقد الطرف الأقوى أن عليه أن يملي شروطه ويفرض حدود وشكل ونوع العلاقة الجديدة.. وهنا أيضا ذهب معظم المحللين السياسيين على أنه (ينبغي على أمريكا أن تفهم أن كنزها الاستراتيجي مبارك لم يعد على رأس السلطة في القاهرة وأن تغير من شكل علاقتها مع النظام الجديد بعد مبارك)... لكن هل المجلس العسكري هو النظام الجديد أو حتى النظام القادم في مصر؟ كلام المجلس نفسه يؤكد عكس ذلك فهو لن يكون في السلطة بعد يونيو القادم. وعليه فالمجلس العسكري سيضغط على الإدارة الأمريكية قدر استطاعته ليحقق أعلى مكاسب تحقق مصلحته وفي أقرب وقت باعتباره سيرحل في يونيو القادم. أول المكاسب حققها بالفعل داخليا من اكتسابه شعبية محلية بهجومه على أمريكا. وثانيها ستكون مكاسب في منطقة إدارته وعمله - أقصد العسكرية... قد تكون الحصول على صفقات أسلحة جديدة مثلا!! أو ورقة ضغط قد تأخذ شكل أجراء تعديلات في اتفاقية كامب ديفيد يسعى المجلس العسكري من خلالها لتعديل بعض البنود الخاصة بانتشار الجنود المصريين في سيناء؟ كلها بالتأكيد مكاسب. أو يسعى المجلس العسكري باستبدال المواطنين الأمريكان المعتقلين في مصر على ذمة قضية منظمات المجتمع المدني الغير شرعية مثلما انتهت علية قضية الجاسوس الإسرائيلي من أصل أمريكي آلان جراييل؟ لكن بمن تستبدلهم هذه المرة؟ قد يكون الشيخ عمر عبد الرحمن المعتقل حاليًا بالسجون الأمريكية والصادر في حقه حكما بالسجن مدى الحياة بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك عام 1993... وهنا يتحقق مكسب جديد للإسلاميين الذين ينتمي لهم الشيخ عمر عبد الرحمن؟ يجوز... أو مقابل الحصول على عمر عفيفي المعارض المصري والحاصل على حق اللجوء السياسي في أمريكا والذي يرى فيه المجلس العسكري أحد أسباب إشعال الأزمات الأخيرة في مصر؟ ربما... جميعها مكاسب شعبية.

285

| 20 فبراير 2012

alsharq
العدالة التحفيزية لقانون الموارد البشرية

حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...

8853

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
من فاز؟ ومن انتصر؟

انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...

5397

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
مؤتمر صحفي.. بلا صحافة ومسرح بلا جمهور!

المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...

4995

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
مكافأة السنوات الزائدة.. مطلب للإنصاف

منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...

2613

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
تعديلات قانون الموارد البشرية.. الأسرة المحور الرئيسي

في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...

2508

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
دور قطر التاريخى فى إنهاء حرب غزة

مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...

1785

| 10 أكتوبر 2025

1737

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...

1716

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»

قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....

1413

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
العدالة المناخية بين الثورة الصناعية والثورة الرقمية

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...

1110

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
هل تعرف حقاً من يصنع سمعة شركتك؟ الجواب قد يفاجئك

حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...

966

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
فلنكافئ طلاب الشهادة الثانوية

سنغافورة بلد آسيوي وضع له تعليماً خاصاً يليق...

954

| 09 أكتوبر 2025

أخبار محلية