رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس هذا عنوانا ميتافزيقيا لكنه يعكس واقعة عايشتها بشخصي. وبالتأكيد لا تبدو ثمة علاقة بين "الطبلية" وهي لمن لا يعرف تشبه مائدة الطعام لكنها منخفضة المستوى وبثلاثة أرجل كانت تستخدم في الريف المصري على نطاق واسع في الأزمنة القديمة وعلى نطاق ضيق في هذا الزمان والـ"لاب توب "وهو الكومبيوتر المحمول الذي أضحى سيد العصر والأوان.
والواقعة التي عايشتها بشخصي تعود إلى قيام ابنتي الكبرى وهي فنانة تشكيلية وتعمل في مجال الصحافة الإلكترونية من خلال مجلة مصر المحروسة التي يصدرها قطاع الثقافة الجماهيرية بوزارة الثقافة المصرية بشراء "لاب توب" أكثر تطورا وسعة من جهازي الضخم نسبيا الذي أحمله بحقيبتي التي تثقل كاهلي من فرط ثقله وكان ذلك مقبولا بحكم أنني أزعم مواكبتي للمتغيرات الحديثة رغم أنني بلغت من العمر عتيا.
وقد أقامت ابنتي ستارا حديديا على الـ"لاب توب " الخاص بها بحيث لا يكون بمقدور أي من أفراد العائلة - والذين دمروا جهازي كومبيوتر عاديين - الاقتراب منه وتقبل الجميع الأمر على مضض وفي حقيقة الأمر شجعتها أنا بشدة على فرض حالة حظر التجوال بالقرب من الـ" لاب توب " ليس لأنني مساهم في كلفة شرائه فهي التي اشترته من حر مالها بعد أن ظلت توفر من مرتبها على مدى أكثر من عشرة أشهر ولكن لقيامي بخطوة استباقية من هذا النوع بعد شرائي لجهاز الـ" لاب توب " الخاصة بي قبل أكثر من ثلاث سنوات خاصة بعد أن رأيت الهجمة التتارية على جهازي الكومبيوتر العاديين في المنزل وتحولهما إلى بقايا حطام تحملان ذكريات حواراتي ومقالاتي وكتاباتي الشعرية.
وحرصت ابنتي الكبرى على تخصيص مكان لها ولـ" للاب توب" بعيدا عن الأنظار فأحيانا تستخدم الطاولة الخاصة بتناول الطعام وأحيانا أخرى تجلس بالأنتريه في الصالة الواسعة بالشقة التي لاتطل على النيل رغم أن صاحبها الذي باعها لنا أكد هذه الحقيقة وأشار بإصبع سبابته إلى النهر الذي يبعد عن موقع العمارة التي تحتوي الشقة بحوالي كيلو متر مربع وإن كنا في بعض الأوقات نشعر برائحة النهر الخالد.
وأحيانا ثالثة تجلس فوق السرير المخصص للضيوف بالصالة ذاتها ولم يبد أي من سكان الشقة تبرما أو ضجرا من كل هذه الأساليب المتنوعة لاستخدام الـ " لاب توب ".
وذات مساء عدت إلى المنزل مبكرا أي في حوالي التاسعة مساء وذلك يعد بالنسبة لي مبكرا فقد اعتدت العودة بعد منتصف الليل أو قبله بقليل وفي معظم الأحيان بعده بكثير. أقول عدت مبكرا ومن فرط بهجتي بهذه العودة المبكرة والاستثنائية حملت معي في هذا المساء كيسا بلاستيكيا من بائع الفواكه الشهير في الشارع الذي يضم العمارة يحمل بضعة كيلوغرامات من فواكه الموسم وتعمدت أن أنوعها وفق رغبات بناتي الخمس لأن أذواقهن نادرا ما تتلاقى على نوع واحد أو نوعين فأضطر إلى انتهاج استراتيجية التنويع مع تقليل الكميات وأظن أنها استراتيجية ناجحة حتى الآن.
وبعد أن أفرغت الكيس على مائدة الطعام التي تكون أول ما تشاهدها عيناك بعد دخول الشقة والتفت حولي أربع من البنات وكانت الكبرى غائبة فسألت عنها فلم ينبس أحد ببنت شفة لتقديم إجابة عن مكان وجودها أو سر غيابها عن استقبالي ومشاركتي البهجة الاستثنائية بكيس الفواكه المتعدد الأنواع والقليل الكميات. وهددت بإعلان غضبي فنظرت إلى صغرى البنات بابتسامة تنطوي على معنى لم أسبر غوره ثم صحبتني إلى غرفة البنت الكبرى فشاهدتها منكبة في حالة أشبه بالغياب الصوفي لا تطرف عيناها يمينا أو شمالا شاخصة ببصرها إلى قريب وليس بعيدا وجهاز الـ" لاب توب "يجلس القرفصاء على طبلية تتمدد أمامها ودوت صيحة تلقائية منى: "طبلية "و"لاب توب " وكلاهما يخاصم الآخر وجودا وعدما. لا علاقة حضارية بينهما على وجه الإطلاق. فالطبلية تنتمي إلى قرون فائتة وتجاوزتها معظم القرى والبلاد والبشر والذين استعانوا بطاولات وصوان وأشياء أخرى والـ"لاب توب " ينتمي إلى ثورة المعلومات المتدفقة وإلى عصر مغاير تماما كل شيء يتحرك فيه عبر الضغط على الأزرار.
سكنتني الدهشة أو قل الذهول واستعدت على الفور علاقتي الحميمة بالطبلية التي احتوتني بحنوها في منزلنا القديم بقريتي جنوب الأقصر. لم تكن مجرد مائدة للطعام الذي يتكون في معظم الأحيان من طبق واحد وعدة أرغفة أو ما يسمى بالبتاو وهو نوع من الخبز كان يعد من دقيق الذرة أو الشعير وكان ثقيلا على المضغ وعلى المعدة ولكنه لذيذ خاصة عندما يكون الإدام الذي نغسمه فيه ملوخية أو بامية والتي يطلق عليها "ويكا" بجنوب مصر
كانت الطبلية تقوم بوظيفة أخرى أكثر أهمية تتمثل في استخدامها كطاولة للمذاكرة وكنت أضع فوقها أوبجوارها اللمبة الجاز رقم 5 في معظم الأوقات أو رقم 10 عندما تتحسن الأحوال المالية للوالد. وذلك كان يتطلب مني تكليف واحدة من شقيقاتي بتنظيفها بعد تناول العشاء عليها خاصة أن الملوخية أو الويكا من الأنواع التي تترك آثارها الواضحة عليها وبالطبع لم يكن هناك مفرش أو يحزنون.
وصادقتنى الطبلية طوال سنوات دراستي حتى مرحلة الثانوية العامة التي حصلت على شهادتها بمجموع أهلني للالتحاق بجامعة القاهرة والتي تبعد عن الأقصر بحوالي 700 كيلومتر وعندما وطأت قدماي العاصمة التي كنت أشتهي الإقامة فيها وحلمت بها طويلا حتى أتخلص من الطبلية وأخواتها والتداعيات المحيطة بها فوجئت بها – أى الطبلية- ترافقني في ليلتي الأولى بمنزل عمتي التي استضافتني في عامي الأول وكانت تقطن بإحدى ضواحي العاصمة التي لم تكن الكهرباء قد أدركتها وبات مقدرا على استخدام الطبلية للطعام ثم للمذاكرة وأمامي لمبة جاز وإن كانت من نوع عشرة.
ورغم تنقلي في أماكن الإقامة بالقاهرة وفي شقق بالمعادى وقرب الجامعة والزيتون فإن الطبلية لم تغادرني وإن كانت غادرتني اللمبة الجاز وظلت رفيقتي حتى بعد زواجي في شقتي القديمة بمنطقة الزيتون والتي لم تكن غرفها الضيقة تسمح باستضافة مائدة طعام والتي دخلت شقتي التي لا تطل على النيل بعد الزواج بحوالي ربع قرن. ومع ذلك أعادت ابنتي الكبرى الحنين إلى الطبلية وسنينها عندما اشترت واحدة قبل أيام لتكون وسيلتها لتشغيل الـ"لاب توب " والاستمتاع بتحميل البرامج ورسوماتها ومتابعة وقائع ما يجري في المحروسة وغير المحروسة عبر الفيس بوك وجوجل والياهو عليها فتثير فينا البهجة والأشواق لزمن الطبلية الجميل وتعيد إنتاج نظرية الأصالة والمعاصرة التي افتقدناها بعد أن هيمنت على مفردات حياتنا الحداثة وما بعد الحداثة
السطر الأخير:
ارتميت بدفئك المسافر
أدركتك أيتها المنزوية بالروح
المتدثرة برحيق الأزمنة الحبلى بالأشواق
رمحت بخيلي بطرف الأحداق
رسمتك بهجتي المستعادة
عنوانا لوجد يتوهج
لحلم يقيم في المدينة
فكوني موسما للعصافير
قمحا يبث رحيقه بالآفاق
سألتك عن وجهتي بعينيك
ليس عن الغياب
وزعت عشقي بين تخومك
قرضت الشعر لأنهارك
فلمست منك سفرا دون إياب
رحيلا في المدى
فصولا خاوية في الكتاب
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
7002
| 14 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2853
| 16 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
2430
| 20 أكتوبر 2025