رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

العلاقات القطرية السعودية.. شراكة تتجدد ومشاريع تصنع المستقبل

تشهد العلاقات القطرية السعودية اليوم مرحلة متقدمة من النضج السياسي، تعكس إدراكًا عميقًا لدى البلدين لأهمية التعاون والتكامل في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة. فالعلاقة بين الدوحة والرياض لم تعد تقتصر على التنسيق السياسي التقليدي، بل تطورت لتأخذ بعدًا استراتيجيًا تُترجم فيه الإرادة السياسية إلى شراكات عملية ومشاريع مستقبلية تخدم مصالح الشعبين والمنطقة بأسرها. وترتكز العلاقات بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية على أسس ثابتة من الجغرافيا المشتركة، والعمق الاجتماعي، والمصالح المتبادلة، وهي عوامل رسخت عبر عقود من التفاعل والتواصل. وقد أثبتت هذه الأسس قدرتها على الصمود أمام مختلف المتغيرات، لتعود العلاقة اليوم أكثر توازنًا ونضجًا، قائمة على احترام الخصوصية الوطنية، وتغليب لغة الحوار، والسعي إلى بناء مستقبل مشترك. واعتمد البلدان خلال المرحلة الماضية نهجًا دبلوماسيًا هادئًا اتسم بالحكمة وضبط الخطاب، الأمر الذي أسهم في تهيئة بيئة سياسية مستقرة، وانتقال العلاقة من مرحلة التفاهم إلى مرحلة التنفيذ الفعلي. هذا النهج عزز الثقة المتبادلة، وفتح المجال أمام معالجة الملفات المختلفة بروح مسؤولة بعيدة عن الضغوط الإعلامية أو الحسابات الآنية. ولا تقتصر أهمية التقارب القطري السعودي على الإطار الثنائي فحسب، بل تمتد لتشمل منظومة مجلس التعاون الخليجي ككل. فالتفاهم بين دولتين محوريتين يعزز من تماسك البيت الخليجي، ويدعم قدرة المجلس على التعامل مع القضايا الإقليمية، ويمنح المنطقة مساحة أوسع للاستقرار في ظل عالم تتزايد فيه الأزمات والتحديات. كما أظهرت مواقف البلدين تقاربًا واضحًا في الرؤى تجاه عدد من الملفات الإقليمية، مع ميل صريح لدعم الحلول السياسية، وتهدئة التوترات، وتغليب الدبلوماسية على التصعيد، إدراكًا لكلفة عدم الاستقرار على الأمن والتنمية في المنطقة. وعلى الصعيد الاقتصادي، تشهد العلاقات مرحلة متقدمة عنوانها التكامل وبناء المصالح المشتركة. فالتنسيق الاقتصادي بين الدوحة والرياض يفتح آفاقًا واسعة في مجالات الطاقة، والاستثمار، والتجارة، والنقل، ويسهم في تعزيز قدرة البلدين على مواجهة التحديات العالمية، خاصة في ظل ما يشهده الاقتصاد الدولي من تقلبات وتسييس متزايد. ويأتي في مقدمة هذه المرحلة الحدث البارز الذي شهده أمس الاول في مدينة الرياض، حيث وقَّع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد، مشروع إنشاء القطار المشترك بين الدوحة والرياض، في خطوة تاريخية تمثل نقلة نوعية في مسار العلاقات بين البلدين. ولا يقتصر مشروع القطار المشترك على كونه وسيلة نقل حديثة، بل يحمل أبعادًا استراتيجية واقتصادية واجتماعية عميقة. فهو يعزز الربط بين عاصمتين محوريتين في الخليج، ويسهم في تسهيل حركة التنقل، وتنشيط التبادل التجاري والسياحي، ويدعم التكامل الاقتصادي بين البلدين، بما ينعكس إيجابًا على التنمية المستدامة. كما يجسد المشروع رؤية مشتركة للاستثمار في بنية تحتية متطورة عابرة للحدود، تتماشى مع الخطط التنموية الطموحة في كلا البلدين، وتسهم في تنويع مصادر الدخل، ورفع كفاءة النقل، وتحسين جودة الحياة، وترسيخ مفهوم الترابط الخليجي على أرض الواقع. وتكتسب هذه الشراكة أهمية مضاعفة في ظل محيط إقليمي يمر بمرحلة دقيقة، تتطلب من دوله بناء نماذج تعاون متوازن وقادر على الصمود. فالتفاهم القطري السعودي يشكل عامل توازن واستقرار، ويسهم في تقليل حدة الاستقطاب، ويعزز من قدرة المنطقة على إدارة شؤونها بعيدًا عن الضغوط الخارجية. إن العلاقات القطرية السعودية اليوم علاقات رؤية مستقبلية تقوم على تحويل الإرادة السياسية إلى مشاريع ملموسة، وفي مقدمتها مشروع القطار المشترك، الذي يمثل رمزًا لمرحلة جديدة من العمل الخليجي المشترك، قوامها الشراكة، والتكامل، والعمل من أجل مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. وحين تتحول الرؤى إلى مشاريع تخدم الإنسان وتعزز الاستقرار، يصبح التعاون خيارًا استراتيجيًا راسخًا، ويغدو المستقبل أكثر وضوحًا وثقة.

144

| 10 ديسمبر 2025

باستقامة العدالة.. تستقيم مسارات السلام

افتتح حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى – حفظه الله – منتدى الدوحة السبت 6 ديسمبر، في توقيت إقليمي ودولي بالغ الحساسية، تتكاثف فيه الأزمات وتتسارع التحديات، وتبرز فيه الحاجة إلى خطاب عقلاني يعيد الاعتبار لقيم العدالة والسلام في عالم أنهكته الصراعات. وجاء انعقاد المنتدى ليؤكد مكانة الدوحة كمنصة دولية للحوار، لا تكتفي بطرح القضايا، بل تسعى إلى مقاربة جذورها بعيدًا عن منطق الاستقطاب والحلول المؤقتة. ولا يمكن النظر إلى منتدى الدوحة بوصفه ملتقى تقليديًا للنقاش السياسي أو الفكري، بل باعتباره مساحة لإعادة التفكير في المفاهيم الكبرى التي تحكم العلاقات الدولية، وفي مقدمتها مفهوم السلام، الذي لم يعد ممكنًا عزله عن العدالة. فالسلام المنشود في المنطقة لا يمكن أن يُبنى على تفاهمات هشة أو تسويات مرحلية لا تلامس جوهر الأزمات، بل يحتاج إلى أساس راسخ يقوم على الإنصاف واحترام الحقوق ومعالجة المظالم المتراكمة. لقد أثبتت التجارب أن غياب العدالة شكّل العامل المشترك في معظم النزاعات التي شهدتها المنطقة على مدى عقود. فحين تُهمَّش الحقوق، ويُتجاوز القانون، وتُفرض الحلول بالقوة أو وفق موازين الأمر الواقع، يتحول السلام إلى هدنة مؤقتة سرعان ما تنهار. أما حين تُتخذ العدالة مرجعية للقرار السياسي، فإن فرص الاستقرار الحقيقي تتعزز، وتغدو مسارات السلام أكثر وضوحًا وقابلية للاستمرار. ومن هنا تبرز أهمية الطرح الذي يتبناه منتدى الدوحة، حيث يتم الربط بوضوح بين العدالة والسلام باعتبارهما مسارين متلازمين لا ينفصل أحدهما عن الآخر. فالمنتدى يسلط الضوء على حقيقة جوهرية مفادها أن إدارة الأزمات لا تعني حلها، وأن الاكتفاء باحتواء النزاعات دون معالجة أسبابها العميقة لا يصنع أمنًا ولا استقرارًا طويل الأمد. وهو طرح يعكس وعيًا متقدمًا بأن جذور الأزمات في المنطقة غالبًا ما تكون سياسية وقانونية وإنسانية قبل أن تكون أمنية. وتتجاوز العدالة في هذا السياق معناها القانوني الضيق، لتشمل العدالة السياسية التي تضمن احترام إرادة الشعوب، والعدالة الاقتصادية التي تقلص الفجوات وتحد من التهميش، والعدالة الاجتماعية التي تعزز التماسك المجتمعي وتحد من الاحتقان. وعندما تغيب هذه الأبعاد، يتولد شعور عام بالظلم والإقصاء، يتحول بمرور الوقت إلى بيئة خصبة للصراع وعدم الاستقرار. كما أن ترسيخ العدالة يسهم في بناء الثقة، سواء بين الدول بعضها البعض، أو بين الشعوب ومؤسسات النظام الدولي. فالشعوب التي تشعر بأن قضاياها تُناقش بإنصاف، وأن حقوقها لا تخضع لمعايير مزدوجة، تكون أكثر استعدادًا للانخراط في مسارات السلام والتعايش. أما حين يسود الشعور بالكيل بمكيالين، فإن الخطاب الداعي إلى السلام يفقد مصداقيته، ويتحول إلى مجرد شعارات لا صدى لها على أرض الواقع. ويبعث انعقاد منتدى الدوحة في هذا التوقيت برسالة واضحة مفادها أن السلام ليس نتاج صفقات عابرة، بل ثمرة مسار طويل يتطلب شجاعة سياسية، واحترامًا للقانون الدولي، والتزامًا أخلاقيًا تجاه الإنسان وحقوقه. وهي رسالة تتجاوز الإطار الإقليمي لتؤكد أن الاستقرار الحقيقي يبدأ من العدالة، لا من موازين القوة أو من فرض الأمر الواقع. وفي عالم تتراجع فيه الثقة بالنظام الدولي، وتتصاعد فيه الأزمات، تبرز الحاجة إلى منصات حوار مسؤولة تُعيد الاعتبار للقيم الإنسانية في العمل السياسي. ومن هذا المنطلق، يشكل منتدى الدوحة نموذجًا لخطاب متزن يسعى إلى تقريب وجهات النظر، وطرح الأسئلة الصعبة، والبحث عن حلول تقوم على الحق والإنصاف. وخلاصة القول، إن السلام الذي لا تحرسه العدالة يظل سلامًا هشًا، والاستقرار الذي يتجاهل الحقوق يبقى استقرارًا مؤقتًا. أما حين تستقيم العدالة، فإن مسارات السلام لا تعود شعارات أو أمنيات، بل تتحول إلى واقع ممكن، ومستقبل يمكن البناء عليه بثقة. فالعدالة ليست مطلبًا أخلاقيًا فحسب… بل هي الشرط الوحيد لسلام لا ينكسر.

81

| 08 ديسمبر 2025

قانون الموارد البشرية.. إنصاف للموظف وتطلعات للمتقاعد

يشكّل قانون الموارد البشرية بتعديلاته الأخيرة علامة فارقة في مسار تطوير الجهاز الإداري للدولة، فقد جاء ليعالج العديد من التحديات التي كانت تواجه شريحة واسعة من الموظفين، وليعزز مبدأ العدالة في توزيع الرواتب والعلاوات بطريقة أكثر توازنًا وشفافية. وقد استطاعت التعديلات أن تضع العامل في بيئة أكثر استقرارًا، عبر اعتماد منظومة واضحة تستجيب للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتواكب متطلبات العمل الحكومي الحديث. وقد شعر الموظفون بالفعل أن القانون منحهم مساحة أكبر من الطمأنينة، من خلال إعادة هيكلة المزايا وتحديد المسارات الوظيفية بشكل أكثر دقة، بما يضمن لهم مستقبلًا مهنيًا واضحًا ويشجعهم على العطاء والالتزام. وقد انعكس تطبيق القانون على جودة الأداء العام، حيث ساهم في رفع مستوى الإنتاجية وأوجد مناخًا من الثقة بين الموظف وجهة عمله، خصوصًا بعد إعادة تقييم العلاوات وربطها بطبيعة العمل الفعلي والتخصصات المطلوبة. هذا التوجه عزز مفهوم العدالة الوظيفية، وحقق التوازن بين الجهد المبذول والمكافأة المستحقة، مما جعل الموظف أكثر شعورًا بالتقدير والإنصاف. ومن الطبيعي أن يُشكر هذا التوجه الإصلاحي الذي يتماشى مع رؤية الدولة في بناء جهاز حكومي فعّال يعتمد على الكفاءة والجدارة ويضع المواطن في مقدمة أولوياته. ومع هذا النجاح الذي حققه القانون في إنصاف الموظفين، تبرز الحاجة لأن يمتد أثر هذه الإصلاحات إلى شريحة المتقاعدين، الذين أفنوا سنوات طويلة في خدمة الوطن، وكان لهم دور أساسي في بناء المؤسسات وتطويرها. فالمتقاعد الذي خرج من العمل بعد رحلة طويلة من العطاء، ينتظر اليوم منظومة مزايا تمنحه الاستقرار ذاته الذي يتمتع به الموظف الذي في الخدمة، وتعكس تقدير الدولة لسنوات خدمته. ومع التغيرات المستمرة في تكاليف المعيشة وارتفاع الأسعار، بات من الضروري أن يحظى المتقاعد بمزايا إضافية تتناسب مع ظروف حياته، وتضمن له مستوى معيشيًا كريمًا يتماشى مع مكانته ودوره السابق. وانطلاقًا من التجارب الخليجية الناجحة، ومع مراعاة خصوصية المجتمع القطري، و الحاجة الفعلية للمحافظة على جودة حياة المتقاعد، تبرز ثلاثة بدلات أساسية تواكب احتياجات المتقاعدين وتعزز استقرارهم المعيشي وهي بدلات تتسم بالواقعية: اولاً: بدل غلاء المعيشة هذا البدل يُعد من أهم الأدوات التي تساعد المتقاعد على مواجهة الارتفاع المستمر في تكاليف السكن والغذاء والخدمات الأساسية. فمعاش التقاعد ثابت بطبيعته، بينما ترتفع الأسعار سنويًا، مما يجعل المتقاعد في مواجهة مباشرة مع تحديات مالية قد تتجاوز قدرته. وإقرار هذا البدل سيخفف عنه الضغوط اليومية، ويعيد التوازن بين دخله ومتطلبات الحياة. ثانياً: بدل حافز الزواج ينسجم هذا الحافز مع سياسة الدولة في تعزيز الاستقرار الاسري والاجتماعي وطلب صرفه للمتقاعدين اسوة بالموظفين العاملين، فالإنصاف يقتضي أن يشمل هذا الامتياز جميع المواطنين دون استثناء خاصة فئة المتقاعدين الذين اسهموا في بناء الوطن وقدموا زهرة أعمارهم في خدمة مؤسساته. ثالثاً: المكافأة السنوية للمتقاعدين تُمنح المكافأة السنوية للموظفين العاملين تقديرًا لجهودهم، ومن باب أولى أن يحصل المتقاعد على مكافأة تُعبّر عن التقدير المتواصل لعطائه السابق. فهذه المكافأة ليست مجرد مبلغ مالي، بل رسالة معنوية تؤكد أن دوره ما زال محل تقدير، وأن خدمته الطويلة لم تُنسَ بمجرد انتهاء علاقته الوظيفية. ومن شأن هذه المكافأة أن تعزز دخله السنوي وتخفف التقلبات التي قد تطرأ على التزامات الحياة. وإن كانت التعديلات على قانون الموارد البشرية قد نجحت في تحسين واقع الموظف العامل، فإن استكمال هذا الإنجاز لا يكتمل إلا بالنظر إلى حقوق المتقاعدين بصورة أوسع. فالموظف الذي حصل على إنصاف أثناء عمله ينتظر عند تقاعده مظلة عادلة تحميه من تقلبات الظروف الاقتصادية، وتمنحه الحياة الكريمة التي يستحقها. وإضافة هذه البدلات الثلاثة سيجعل منظومة التقاعد أكثر شمولًا، ويحقق التكامل المنشود بين مراحل العمل المختلفة. إن الدولة التي أنصفت الموظف تستحق الشكر، والمتقاعد الذي خدم الوطن يستحق أن ينال نصيبه من التقدير في مرحلة ما بعد العمل. لذلك فإن المطالبة بإضافة هذه البدلات ليست مطلبًا ماليًا فحسب، بل استكمال لمسار إصلاحي بدأ بالفعل، ويحتاج إلى خطوة جديدة تُسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي لجميع المواطنين. وفي هذا الإطار، يبرز الدور التشريعي المهم لمجلس الشورى الموقر باعتباره الجهة التي تمثل صوت المواطنين وتتابع احتياجاتهم الواقعية. ومن هذا المنطلق، نأمل أن ينظر المجلس بعين الاهتمام والمسؤولية إلى مقترح إضافة هذه البدلات للمتقاعدين، وأن يعمل على مناقشتها ودراسة إمكانية تضمينها ضمن التشريعات وإقرار ما يراه مناسبًا الأمر الذي سيعزز العدالة الاجتماعية ويدعم جهود الدولة في تحسين مستوى المعيشة، إن تضمين هذه البدلات في منظومة التقاعد لن يكون مجرد إجراء مالي، بل خطوة حضارية تؤكد اهتمام الدولة بمواطنيها وتعزز الاستقرار الاجتماعي والأسري. إن الإشادة بقانون الموارد البشرية وتعديلاته ولما أحدثه من تغيير ملموس في حياة الموظفين، واستكمالاً لهذا المسار بات من الضروري النظر في دعم المتقاعدين ببدلات إضافية تجسد رؤية الدولة في كل جهد بذل في خدمة الوطن هو قيمة يجب احترامها وتعزيزها. فالوطن لا ينهض إلا بأبنائه، والوفاء للمتقاعدين هو أحد أرقى صور هذا النهج الإنساني النبيل.

168

| 07 ديسمبر 2025

شراكة وطنية لتعزيز البنية التحتية وتمكين الشركات القطرية

تسير دولة قطر بخطى ثابتة نحو ترسيخ نموذج اقتصادي متقدم يقوم على الكفاءة والاستدامة وتعزيز دور الإنسان والابتكار في صناعة المستقبل، وتعد رؤية قطر الوطنية 2030 المرجع الاستراتيجي الذي يحدد ملامح التنمية الشاملة للدولة، حيث ترتكز على بناء اقتصاد متنوع يقل اعتماده على المصادر التقليدية للطاقة ويعتمد على المعرفة والتكنولوجيا والكوادر الوطنية المؤهلة، وفي سياق تنفيذ هذه الرؤية تتصدر قضية تمكين الشركات الوطنية من المشاركة في تنفيذ مشاريع الخدمات والبنية التحتية موقعًا محوريًا في أجندة الدولة، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من السيادة الاقتصادية والقدرة على بناء وطن يعتمد على أبنائه وشركاته ومؤسساته الوطنية. لقد أثبتت التجارب العالمية أن الدول التي تمنح شركاتها المحلية دورًا قياديًا في المشاريع الكبرى تصبح أكثر قدرة على التحكم في مسارها الاقتصادي، وأكثر قوة في مواجهة التحديات العالمية، وأكثر استقلالية في قراراتها التنموية، ومن هنا يظهر التوجه القطري نحو تعزيز مكانة الشركات المحلية الكبرى والناشئة على حد سواء، بحيث تكون جزءًا من حركة البناء والتنمية التي تشهدها الدولة في جميع القطاعات، خصوصًا في قطاعات البنية التحتية والطرق والمشاريع العمرانية والإسكان والمدن الذكية والمرافق العامة والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية. وتمثل الشركات الوطنية الكبرى مثل «بروة» و«الديار القطرية» وغيرهما من المؤسسات المحلية مثالًا واضحًا لقدرات الشركات القطرية على قيادة مشاريع استراتيجية عالمية المستوى، سواء داخل الدولة أو خارجها، فقد أصبحت هذه الكيانات الوطنية نموذجًا في الإدارة والتطوير والهندسة والتخطيط الحضري الحديث، كما ساهمت في خلق منظومة اقتصادية داعمة لقطاع المقاولات والمكاتب الاستشارية المحلية والموردين والمصانع الوطنية، وبذلك أصبحت هذه الشركات قاطرة تنموية تدفع بقدرات الاقتصاد القطري إلى مستويات أعلى من التنافسية والابتكار. إن تعزيز دور الشركات الوطنية في مشاريع الدولة ليس مجرد توجه اقتصادي عابر، بل هو مشروع وطني مستدام يهدف إلى بناء اقتصاد قوي وراسخ بقدرات قطرية، وهو ما يجعل الدولة تتجه نحو سياسات عملية تشمل تخصيص نسبة من المشاريع الحكومية للشركات الوطنية المؤهلة، وتطوير أنظمة تصنيف المقاولين، وتحفيز الشراكات بين الشركات المحلية والشركات العالمية لنقل المعرفة والتكنولوجيا، وتوفير تمويل ودعم فني للشركات الصغيرة والمتوسطة حتى تكون جزءًا من سلسلة الإمداد الوطنية. كما أن الدور الحكومي في هذا السياق يتمثل في تهيئة بيئة تشريعية مرنة وشفافة، وتبسيط إجراءات المناقصات، وتعزيز الحوكمة، وإطلاق مبادرات تكنولوجية تربط بين مؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص من خلال منصات رقمية متطورة، بما يضمن عدالة الفرص ووضوح المعايير وسرعة الإجراءات، وهو ما يزيد من جودة تنفيذ المشاريع ويدعم تحقيق أفضل النتائج بأقل تكلفة وأعلى كفاءة. وفي الوقت نفسه لا يمكن إغفال جانب التنمية البشرية الذي يمثل أساس نجاح أي مشروع اقتصادي، ولذلك يأتي دور إعداد الكوادر القطرية في مجالات الهندسة وإدارة المشاريع والذكاء الاصطناعي والتخطيط الحضري وإدارة البنى التحتية والنقل واللوجستيات، حيث إن وجود شباب قطري مؤهل علميًا وعمليًا هو الضمان الحقيقي لاستدامة نجاح الشركات الوطنية وقدرتها على المنافسة محليًا وإقليميًا. كما أن إشراك الشركات الوطنية في مشاريع الدولة يمثل عنصرًا أساسيًا في تعزيز الدورة الاقتصادية الداخلية، فمن خلال الاعتماد على الشركات المحلية يتم خلق آلاف الفرص الوظيفية للمواطنين، وتمكين رواد الأعمال، ودعم الشركات الناشئة، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وتوطين المعرفة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وهذا بدوره يسهم في استقرار المجتمع ويعزز ثقافة الإنتاج والابتكار لدى الأجيال القادمة. ولا شك أن المنافسة مع الشركات الدولية الكبرى تطرح تحديات، إلا أن هذه التحديات يجب أن تُرى كفرص لتحسين الأداء وتطوير المعايير ورفع مستوى الاحترافية، فالدولة تمتلك الإمكانات، والشباب القطري يمتلك الطموح والقدرة، والشركات الوطنية تمتلك الخبرة والمكانة، وما تحتاجه المرحلة هو برنامج وطني شامل يدفع هذه القدرات نحو التكامل والتعاون مع الجهات الحكومية لتحويل هذه الرؤية إلى حقيقة ملموسة. وفي هذا السياق، فإن نجاح الشركات الوطنية ليس نجاحًا اقتصاديًا فقط، بل هو نجاح وطني يعكس قدرة قطر على قيادة مسيرتها التنموية بنفسها، ويؤكد أن الاعتماد على القدرات المحلية هو الطريق الأكثر استدامة والأكثر ضمانًا للحفاظ على مكتسبات الدولة وتعزيز قوتها الاقتصادية، كما يعكس هذا النجاح ثقة القيادة الحكيمة في أبناء الوطن وقدرتهم على بناء دولة مزدهرة يُشاد بها عالميًا. إن قطر اليوم أمام مرحلة جديدة تتطلب توسيع دور القطاع الخاص وترسيخ الشراكات الفاعلة بين الدولة وشركاتها المحلية، ليس فقط لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، بل للاستثمار في المستقبل، وتطوير الصناعات الوطنية، وتعزيز الابتكار، ودعم الاقتصاد الرقمي، وتوسيع الدور الإقليمي للشركات القطرية، وبذلك تستمر قطر في بناء نموذج اقتصادي متكامل أساسه الاعتماد على الذات، وشراكته بين الدولة والمواطن، وهدفه تنمية مستدامة تحفظ الحاضر وتبني المستقبل بثقة وعزيمة. وهكذا تمضي الدولة في مشروعها لإشراك الشركات الوطنية بوصفها شريكًا رئيسيًا في مسيرة التنمية، ليس فقط لبناء منشآت وطرق ومرافق، وإنما لبناء اقتصاد ومجتمع وثقة وطنية راسخة تؤمن بأن مستقبل قطر يُصنع بأيدي أبنائها وشركاتها ومؤسساتها الوطنية القادرة على الإبداع والتغيير وتحقيق الريادة في جميع المجالات.

333

| 04 ديسمبر 2025

المتقاعدون بين التسمية والواقع

يقول المثل الشعبي «يِبِي يكحّلها عماها» وهي عبارة تُقال حين تكون النية صادقة والهدف نبيلا، ولكن النتيجة تأتي بغير المقصود، لا انتقاصًا ولا تجريحًا وإنما تنبيه لطيف بأن حسن النية قد يحتاج إلى حسن اختيار التعبير حتى يصل المعنى كما يجب، ومؤخرًا شاع إطلاق مسمى «أصحاب القدر» على المتقاعدين بحسن نية ورغبة في تكريمهم وتعزيز مكانتهم واحترام دورهم، إلا أن هذه التسمية رغم رقتها ومقصدها الطيب حملت في طياتها ما قد لا يعكس حقيقة واقع فئة كبيرة منهم، فالمتقاعد ليس بالضرورة كبيرًا في السن عاجزًا عن العطاء بل قد يكون في مرحلة قوة وخبرة ونضج فكري تجعله في موقع أعلى من مجرد توصيف يرتبط بالعمر أو الضعف، خصوصًا أن شريحة واسعة من المتقاعدين اليوم لم تتجاوز الخمسينيات والكثير منهم ما زال قادرًا على الإنتاج والإبداع وبإمكانه أن يضيف للوطن خبرات لا تقدر بثمن، والمتقاعدون في مجتمعنا ليسوا فئة خارجة عن مسار الحياة بل هم جزء أصيل من نسيج الدولة ومساهم مهم في بناء حاضرها ومستقبلها فقد قدموا سنوات طويلة من العمل وخدمة المؤسسات والقطاعات وشاركوا في رسم خطط التنمية وبناء الإنسان والمجتمع، والتقاعد اليوم ليس نهاية العطاء بل بداية مرحلة جديدة تعيد تشكيل مسار الفرد وتفتح أمامه أبوابًا مختلفة للإنجاز، فمنهم من دخل عالم الأعمال الحرة ومنهم من اتجه للاستشارات والتدريب ومنهم من اختار التطوع وخدمة المجتمع بل إن بعضهم واصل دراساته العليا وشارك في المبادرات والمجالس الوطنية والأنشطة العامة ما يؤكد أن المتقاعد لا ينبغي النظر إليه على أنه انتهى دوره بل هو في طور مختلف من العطاء وربما أكثر نضجًا واتساعًا، ومن هنا تأتي أهمية استخدام المصطلحات بعناية، فالكلمة ليست مجرد صوت أو كتابة بل رسالة وصورة ذهنية وانطباع اجتماعي قد يرفع من شأن الفرد أو يقلل من حضوره دون قصد، فحين نقول «أصحاب القدر» بنية التكريم قد نفهمها بمعنى المكانة والهيبة لكن الكثيرين قد يستقبلونها بمعنى آخر يرتبط بالعمر والشيخوخة والضعف وهذا يتعارض مع حقيقة المتقاعدين الشباب الذين كانوا ولا يزالون جزءًا من قوة المجتمع الفاعلة، ومن الواجب أن ننوّه هنا بأن النقد ليس موجّهًا لمن أطلق هذه التسمية فالنية بلا شك طيبة والمقصد كريم ولكن واجبنا أن نتحدث برؤية أكثر شمولًا تليق بجميع المتقاعدين كبارًا وشبابًا وأن نؤكد أن التكريم اللغوي والمعنوي ينبغي أن يكون متوازنًا وواعيًا بتنوع الفئات والقدرات، وفي هذا السياق لا بد من الإشادة بمبادرة مركز إحسان في افتتاح «مجلس كبار القدر» في كتارا وهي خطوة رائدة تعكس قيم المجتمع القطري ورؤيته الإنسانية وحرصه على رعاية كبار السن والمتقاعدين وتوفير بيئة لهم للتواصل وتبادل الخبرات والاستمتاع بوقتهم في مكان جميل وراقٍ يعزز قيم الاحترام الاجتماعي والترابط الإنساني، فكل الشكر لهم على هذه المبادرة الراقية، ونتطلع لأن تتوسع مثل هذه المبادرات لتشمل برامج وأنشطة تستثمر خبرات المتقاعدين وتمنحهم الفرصة للمشاركة في التنمية الوطنية المستمرة، فالمجتمع الذي يحترم أبناءه هو الذي يعرف أن القيمة ليست في العمر بل في التجربة وأن الخبرة رأس مال لا يفنى وأن الوطن لا يُبنى بالطاقات الشابة فقط بل يتقدم حين تتكامل حكمة الكبار مع حماس الشباب، فالمتقاعد الذي قدم زهرة عمره في الخدمة العامة يستحق أن يشعر بأنه ما زال جزءًا حيًا من مسيرة البناء وأن مكانته لا تُختزل في لقب أو توصيف بل تُترجم في الفرص التي تمنح له والتقدير العملي قبل اللفظي، وعندما نمنح المتقاعد دورًا في اللجان والاستشارات والأعمال المجتمعية ونفتح له أبواب التدريب والتوجيه فإننا نرسخ ثقافة الوفاء ونستثمر عقلًا وتجربة لا تأتي من الكتب بل من سنوات طويلة في الميدان، إن تغيير المصطلحات ليس هدفًا في حد ذاته وإنما وسيلة لتعزيز صورة إيجابية تحفظ للمتقاعد احترامه وتعكس حقيقة دوره لذلك فإننا ندعو إلى أن تكون التسمية أكثر شمولية وواقعية وأن نختار مفردات تعبر عن العطاء المستمر والخبرة المتراكمة لا عن العمر وحده، فالمتقاعدون أصحاب قيمة وليسوا مجرد أصحاب قدر وهم شركاء الوطن في أمسه ويومه وغده، وما نقدمه لهم اليوم هو انعكاس لما نتمنى أن يُقدم لنا حين نبلغ مواقعهم ومن زرع عمره في خدمة وطنه يستحق أن يبقى مكرمًا فاعلًا حاضرًا في مشهد العطاء.

441

| 30 نوفمبر 2025

حرمة الميت بين توجيه السنة وخطاب الإعلام

في زمن تعددت فيه وسائل الإعلام وتنوعت فيه المنابر الإذاعية والتلفزيونية والرقمية أصبحت قصص الموتى تُروى على الهواء دون تدقيق أو مراعاة لمعاني الحديث الشريف “اذكروا محاسن موتاكم” الذي جاء توجيهاً نبوياً واضحاً يرسم للناس منهجاً أخلاقياً رفيعاً في التعامل مع من غادروا الدنيا، فهذا الحديث ليس مجرد عبارة تتردد أو حكمة تُذكر في مجالس العزاء، بل هو مبدأ شرعي يقوم على حفظ حرمة الميت وصيانة عرضه وحماية مشاعر أهله وذويه. والإنسان بعد رحيله يصبح عاجزاً عن الدفاع عن نفسه، ويكون ذكره أمانة في أعناق من بقي من قومه، ولذلك فإن أي كلمة تقال عنه يجب أن تكون بقدر المسؤولية والاحترام اللذين يليقان بإنسان رحل إلى ربه. ومع تزايد البرامج الإذاعية التي تستضيف قريباً أو صديقاً أو زميلاً للمتوفى نجد أن بعض هذه اللقاءات – دون قصد أحياناً – تتحول إلى مساحة مفتوحة لاسترجاع تفاصيل شخصية أو ذكر مواقف قد تحمل شيئاً من العيوب أو الزلات التي كان يجدر سترها لا نشرها، فبدلاً من أن تكون الإطلالة الإعلامية باباً للدعاء للميت وذكر ما يحبه الله ورسوله من مكارم الأخلاق تتحول إلى سرد قصص لا فائدة منها إلا إثارة الجدل أو زيادة المشاهدات، وكأن الموت أصبح مادة من مواد التسويق الإعلامي والصخب الذي لا يناسب قدسية الموت ولا حرمة من غادر الدنيا. إن الحديث الشريف يعلّمنا أن ستر الإنسان بعد وفاته أحق وأوجب من ستره في حياته، فالميت لا ذنب له بعد أن يغادر هذه الدنيا ولا ينتفع من مدح مادح ولا يتضرر من ذمّ ذام، لكن الذكر الحسن صدقة جارية على لسان الناس، أما كشف العيوب فليس فيه إلا أذى للميت وإساءة لأهله الذين يكفيهم ما هم فيه من حزن وفقد، وما من إنسان إلا وله لحظات ضعف وزلات سترها الله عنه في حياته، فكيف تُكشف بعد موته وهو بين يدي ربه؟ وإن من أعظم الوفاء أن يُترك ما ستره الله وأن يُقال الخير الذي يرفع قدره ويجبر خاطر أهله في مصابهم. ولأن الإعلام مسؤولية قبل أن يكون مهنة فإنه مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يلتزم بالضوابط الأخلاقية المستمدة من ثقافتنا وديننا، وأول تلك الضوابط أن نُحسن الحديث عن موتانا وأن نبتعد عن تحويل سيرتهم إلى مادة للتحليل أو السرد أو الاستجواب الذي لا يليق، فالموت ليس مناسبة لتصفية الحسابات ولا فرصة لنبش الخصومات ولا مساحة لاستعراض ما طواه الزمن، بل هو لحظة اعتبار وتذكير، ولحظة رحمة ودعاء، ومحطة يتوقف عندها الإنسان متأملاً حاله وحال من حوله. ومن الواجب على الضيوف الذين تتم دعوتهم للحديث عن المتوفى أن يدركوا أن كلماتهم تُوثَّق وتُعاد وتُستمع من آلاف المتابعين، وأنها قد تبقى محفوظة ما بقيت المنصات الرقمية، فكل كلمة تُقال ستكون لها آثار تمتد طويلاً وقد تجرح أبناء المتوفى أو تسيء إلى سمعته وهو بين يدي رب العالمين. ولقد كان السلف الصالح يحرصون على ألا يذكروا عن الميت إلا خيراً ويعدّون ذكر عيوبه نوعاً من الغيبة المحرمة التي لا تجوز، حتى قال بعضهم: “الميت لا يملك أن يرد عن نفسه فمن ذكره بسوء فقد ظلمه مرتين”، وهذا مبدأ يُفترض أن يكون حاضراً بقوة في كل منصة إعلامية تستضيف أحداً للحديث عن الموتى. إن الوفاء الحقيقي للميت يكون بالدعاء له والتصدق عنه وذكر فضائله وما كان يقدمه من خير لا بذكر زلاته أو كشف خصوصياته التي سترها الله عليه، ولذلك فإن الأصل في الحديث الإعلامي أن يلتزم بالحديث النبوي الشريف وأن يكتفي بالدعاء والذكر الحسن وأن يتجنب الإسهاب في السرد الذي لا يعود بنفع على أحد. إن احترام الميت هو احترام لأنفسنا ولثقافتنا ولأخلاق ديننا، وكل مجتمع يعظم حرمة الموتى هو مجتمع يحفظ كرامة الأحياء أيضاً، فكم من كلمة غير محسوبة تحدثت عن عيب دفين فسببت ألماً كبيراً وأسهمت في خلق صور غير عادلة عن ذلك الراحل، وهنا تتأكد الحاجة إلى توعية الإعلاميين والضيوف معاً بضرورة تحري الدقة والتثبت والالتزام بقاعدة “اذكروا محاسن موتاكم” لأنها ليست مجرد عبارة بل هي منهج حياة وضابط أخلاقي يحمي العلاقات ويصون المجتمع من التراشق والكراهية. وفي زمن تتسع فيه المنصات لكل رأي يصبح التمسك بالأخلاق الشرعية ضرورة لا رفاهية، فالميت بين يدي ربه ينتظر دعوة صادقة أو كلمة خير لا حديثاً يعيد نبش ما طواه الزمن، ولذلك فإن السلوك الإعلامي الرشيد هو أن يكون الحديث عن الميت حديث رحمة وسكينة، وأن تُروى محاسنه ليكون ذلك عزاءً لأهله وصدقة جارية له، وأن يُترك الحديث عن العيوب لأنها لم تعد تُصلح شيئاً بعد أن انتهت حياته، فذكر العيب لا يغير الماضي ولكنه يجرح الحاضر ويظلم المستقبل. وهكذا يبقى الأصل أن الموت موطن رحمة لا موطن كشف، ومناسبة دعاء لا مناسبة حديث عن الزلات، وأن الوفاء الحقيقي هو أن نصون ذكرى الراحل وأن نترك للناس ما يطمئن أنفسهم ويجبر خواطر أهله، وأن يكون الإعلام باب خير لا باب تشهير، وأن تكون الكلمة التي نؤديها عنه صدقة ننال بها الأجر لا وزراً نحاسب عليه.

198

| 27 نوفمبر 2025

ارتفاع الإيجارات.. أزمة متنامية تستدعي حلولًا واقعية

يشهد سوق العقارات في دولة قطر ارتفاعاً متواصلاً في الإيجارات السكنية والتجارية على حد سواء، حتى أصبحت الإيجارات تشكّل عبئاً ثقيلاً على شريحة واسعة من الأسر وأصحاب الأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة، في ظل حقيقة باتت واضحة وهي أن قطر تُعدّ من أعلى الدول بالمنطقة في متوسط أسعار الإيجار رغم توفر البنية التحتية الحديثة والمشاريع العمرانية الضخمة وتنوع المعروض العقاري، وعلى الرغم من أن الزيادة السكانية السريعة خلال العقد الأخير وتوسع المشاريع التنموية والاقتصادية تمثل جزءاً من عوامل ضغط الطلب على الوحدات السكنية والتجارية، إلا أن مستوى الارتفاع في الإيجارات يتجاوز في بعض الأحيان المنطق الاقتصادي، خاصة عندما تكون الزيادات غير مصحوبة بتحسينات فعلية في العقار أو في الخدمات المحيطة به، مما يجعل هذه الظاهرة محل نقاش دائم لدى السكان والمختصين، وتنعكس هذه الزيادات على حياة الأسر بصورة مباشرة إذ أصبحت شريحة واسعة منها تضطر للانتقال المتكرر بحثاً عن إيجار أقل أو تقليص مساحة السكن أو الاستغناء عن بعض المرافق للتخفيف من الأعباء المالية المتزايدة، فيما تجد أسر أخرى نفسها وإلى جانب البعد الاجتماعي لهذه الظاهرة، فإن استمرارها يخلق بيئة سكنية غير مستقرة، ويؤثر كذلك على الأمن والسلامة والمظهر الحضاري للمناطق السكنية، ويضع الجهات الرقابية أمام مهمة معقدة للحد من التجمعات السكنية غير المنظمة، خصوصًا في المناطق التي تشهد كثافة سكانية عالية. ومن هنا تبرز أهمية إيجاد حلول جذرية لأزمة الإيجارات حتى لا تتفاقم الظواهر المصاحبة لها، وكي يستعيد السوق توازنه الطبيعي بما يضمن العدالة لجميع الأطراف وقد انعكست هذه الارتفاعات بشكل مباشر على نمط معيشة المقيمين في الدولة، حيث أصبح العديد من الوافدين غير قادرين على تحمل كلفة الإيجارات المرتفعة للوحدات السكنية المستقلة، ما دفعهم إلى السكن في أجزاء من مساكن تشترك فيها أكثر من عائلة داخل الوحدة الواحدة. هذا الوضع الذي يتعارض مع نظام السكن المعمول به أدى إلى نشوء ظاهرة يصعب على الجهات المعنية السيطرة عليها بالكامل، وتسببت في الكثير من الإشكاليات داخل المناطق السكنية التي يفترض أن تكون مخصصة للعائلات. الازدحام داخل المباني، وضيق المرافق المشتركة، وتغير الطابع الهادئ للأحياء، وازدياد الضوضاء، والضغط على مواقف السيارات والخدمات العامة، كلها نتائج باتت تشكل مصدر إزعاج وقلق لسكان تلك المناطق من العائلات، وتؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة داخل الأحياء السكنية. وفي الجانب التجاري يعاني الكثير من أصحاب المحلات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة من ارتفاع الإيجارات بشكل يؤثر على استمرارية أعمالهم، لا سيما تلك التي تعتمد على هوامش ربح محدودة، فقد اضطرت العديد من الأنشطة إلى الإغلاق أو الانتقال إلى مناطق أقل تكلفة، الأمر الذي يؤثر على تنوع السوق وجودة الخدمات المتاحة للمستهلك، وتزداد حدة الظاهرة بالنظر إلى أن معظم عقود الإيجار تتم بشكل سنوي، وهو ما يمنح المالك حرية زيادة الإيجار عند كل تجديد مما يؤدي إلى موجات ارتفاع سريعة ومتلاحقة، كما أن تركّز التطوير العقاري خلال السنوات الماضية على المجمعات السكنية الراقية والوحدات عالية الجودة أدى إلى نقص المعروض السكني المناسب للطبقة المتوسطة مما رفع الطلب على العقارات الاقتصادية وزاد من قيمتها، ومن الجوانب المهمة أن الدولة تحرص على توفير حلول عملية تضمن استقرار سوق الإيجارات وذلك بدعمها للمواد الأساسية للبناء مثل الحديد والإسمنت والحجارة والرمال، وتُباع هذه المواد بأسعار مدروسة مقارنة بالأسواق الإقليمية ما يجعل تكلفة البناء الفعلية أقل بكثير من الدول المجاورة، ورغم ذلك لا تنعكس هذه الميزة على الإيجارات التي تبقى مرتفعة بشكل لا يتناسب مع تكلفة الإنشاء، مما يبرز فجوة واضحة بين كلفة التطوير العقاري وسعر الإيجار النهائي، كما أن الاستثمار العقاري يعد من أكثر القطاعات جذباً للمستثمرين في ظل الاستقرار الاقتصادي ونمو العائدات، ما أدى إلى دخول رؤوس أموال كبيرة للسوق وارتفاع الطلب على الوحدات المخصصة للتأجير بدلاً من البيع. وفي إطار البحث عن أفضل الممارسات في تنظيم الإيجارات، يمكن الاستفادة من مجموعة من الأنظمة المتبعة عالمياً والتي أثبتت نجاحها في تحقيق التوازن بين حقوق المؤجرين وحماية المستأجرين من الزيادات غير المبررة، إذ تعتمد بعض التشريعات على وضع سقوف محددة للزيادة السنوية وفق مؤشرات رسمية لضبط السوق، بحيث لا يتم رفع الإيجار إلا ضمن نسب واضحة ترتبط بعمر العقار ومستوى صيانته وجودة الخدمات المحيطة به، كما تطبّق أنظمة أخرى مبدأ العقود طويلة الأمد التي تمتد لثلاث أو خمس سنوات وتمنح المستأجر استقراراً مالياً وتوفر للمالك عائداً ثابتاً بعيداً عن تقلبات السوق، وتستند جهات تنظيمية في تجارب أخرى إلى وجود لجان مختصة تفصل في المنازعات الإيجارية وتمنع الزيادات غير المبررة، ولا تقرّ أي رفع إلا بعد التأكد من وجود تحسينات حقيقية في العقار أو المنطقة المحيطة به، وفي نماذج إضافية يلتزم المؤجر بتوفير مستوى معين من الصيانة والخدمات قبل النظر في أي زيادة، بحيث تصبح العلاقة الإيجارية مبنية على التزام واضح وليس على تقديرات فردية. وإلى جانب تنظيم الإيجارات تتجه بعض التجارب العالمية إلى توفير سكن اقتصادي مخصص للعمالة الوافدة المصحوبة بعائلاتهم، وذلك من خلال إنشاء مجمعات سكنية منخفضة التكلفة ومتكاملة الخدمات، وتخصيص أراضٍ بأسعار مناسبة لتشييد وحدات اقتصادية تُدار بالشراكة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، أو تشجيع تطوير مبانٍ سكنية ذات تكلفة تشغيلية منخفضة تلتزم بمعايير السلامة والبنية التحتية، مما يتيح خيارات سكنية مناسبة للأسر ذات الدخل المحدود دون الإخلال بالتوازن العمراني أو الخدمات الأساسية، وتظهر هذه النماذج أن توفير السكن الاقتصادي وتنظيم الإيجارات وفق آليات واضحة يسهمان في استقرار السوق وتعزيز الاندماج الاجتماعي ويشكّلان أساساً صحياً لأي سياسة إسكانية متوازنة. ومن هنا تأتي أهمية طرح حلول متوازنة تساعد على إعادة الاستقرار للسوق المحلي، ويبدأ ذلك بزيادة المعروض السكني الاقتصادي من خلال مشاريع جديدة تستهدف الفئات المتوسطة، وتعزيز الضوابط المتعلقة بالزيادات السنوية وفق معايير واضحة مثل عمر العقار ومستوى الصيانة والموقع، وتشجيع العقود طويلة الأمد الممتدة لثلاث أو خمس سنوات التي تضمن استقرار المستأجر وتحقق عائداً ثابتاً للمالك، إضافة إلى ربط الزيادة الإيجارية بمستوى الصيانة الفعلية بحيث لا ترتفع الإيجارات إلا مقابل تحسينات واقعية في المبنى أو المنطقة المحيطة، وكذلك تطوير مناطق تجارية بأسعار مدروسة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وفتح المجال أمام شركات تطوير جديدة لبناء مجمعات خارج المناطق المكتظة لإعادة التوازن للسوق، وأخيراً يمكن للدولة تقديم حوافز للمشاريع السكنية الاقتصادية مثل تخفيض بعض الرسوم أو تسهيل تخصيص الأراضي بما يتيح توفير سكن ملائم بأسعار معقولة، وعند تطبيق هذه السياسات المتوازنة التي تجمع بين زيادة المعروض وتنظيم الزيادات وتحفيز المنافسة وتوفير بدائل اقتصادية حقيقية.

393

| 25 نوفمبر 2025

جاهزية القطاع الخاص لمنظومة التأمين الصحي في قطر

تستعد قطر لدخول مرحلة صحية جديدة مع اقتراب تطبيق منظومة التأمين الصحي الجديدة، وهي خطوة أراها مفصلية في تطوير القطاع الصحي وتعزيز جودة الخدمات، وتحقيق توازن أكبر بين كفاءة التمويل وسهولة الوصول إلى الرعاية. فقد أصبحت المنظومة الحديثة ضرورة وطنية، وليست مجرد خيار تنظيمي، خاصة في ظل التوسع السكاني وتزايد الاعتماد على القطاع الصحي الخاص الذي يشكل اليوم ركيزة مهمة في تقديم خدمات العلاج والتشخيص والرعاية المتقدمة. ومن هنا تأتي أهمية تقييم مدى جاهزية القطاع الخاص لاستقبال هذه المنظومة، واستيعاب حجم الطلب المتوقع، وتطوير قدراته التشغيلية والفنية، وضمان قدرته على الالتزام بمعايير الرقابة والشفافية. إن التأمين الصحي، بأي نموذج يُطبَّق، لا يُقاس نجاحه فقط ببدء العمل به، بل بقدرته على الصمود أمام التحديات التي تبرز في المراحل الأولى، وفي مقدمتها ضبط الممارسات الطبية، وإدارة المطالبات، ومنع تضخم الفواتير أو تكرار الإجراءات، وهي أمور شهدتها دول عديدة عند الانتقال إلى التأمين الإلزامي. ولذلك أرى أنّ الرقابة الصارمة على تعامل المرافق الصحية الخاصة وشركات التأمين أصبحت جزءًا جوهريًا من نجاح المنظومة، بحيث تكون هناك محاسبة واضحة لمن يبالغ في الأسعار أو يقدّم خدمات غير ضرورية أو يحاول الالتفاف على متطلبات النظام. فالشأن الصحي لا يحتمل المجاملة، ولا يمكن تركه دون ضوابط دقيقة تحفظ المال العام وتضمن العدالة للمريض. وتبرز أهمية إدراج معلومات التأمين الصحي داخل البطاقة الشخصية، وهو اقتراح مهم يسهم في الحد من التلاعب، ويضمن سرعة التحقق من حالة المؤمن عليه، ويحمي النظام من استخدام البطاقات بطرق غير قانونية. هذه الخطوة، إن طُبقت بشكل محكم، ستشكل نقلة نوعية في سهولة تقديم الخدمة داخل المستشفيات والعيادات، وتختصر إجراءات التسجيل والتحقق، وتسد باب التزوير أو الاستغلال الذي قد يحدث في أي نظام تأميني. كما أنها تتماشى مع رؤية قطر في التحول الرقمي وربط الجهات الحكومية والخدمية ببنية موحدة ترفع من كفاءة الأداء وتقلل الأخطاء البشرية. ومن مؤشرات النجاح التي يمكن البناء عليها أن قطر اليوم تمتلك منظومة طبية متقدمة تتوزع بين مرافق حكومية بمستوى عالمي، وقطاع خاص نشط قادر على التوسع والاستثمار، وهو ما يجعل مشروع السياحة العلاجية خطوة طبيعية في هذا التطور الصحي. فتأشيرة السياحة العلاجية ليست مجرد مبادرة سياحية، بل مشروع اقتصادي وصحي يعكس ثقة الدولة في قدرات قطاعها الطبي، وقدرته على استقبال المرضى من الخارج دون التأثير على جودة الخدمة المقدمة للمواطنين والمقيمين. قد يتساءل البعض عن مدى جاهزية القطاع الخاص لهذا الدور، لكن المؤشرات الحالية — من توسعات مبانٍ جديدة، وزيادة في عدد الأطباء والاستشاريين، وتحسين الخدمات الفندقية الطبية — تدل على التوجه الصحيح في هذا المجال. وبرغم ذلك، تظل مسألة المواعيد وتدفق المرضى من أهم التحديات التي ستواجه المؤسسات الخاصة. فالضغط المتوقع بعد تطبيق النظام الجديد قد يؤدي إلى ازدحام، وهو ما يستدعي رفع الجاهزية التشغيلية، وزيادة الطاقة الاستيعابية للعيادات، وإعادة تنظيم الجداول بطريقة تضمن سرعة الخدمة دون التأثير على الجودة. على المستشفيات والمراكز الخاصة أن توازن بين الربحية والواجب المهني، وأن تستثمر في تحسين إدارة الوقت، وتطوير أنظمة الحجز عن بُعد، واستخدام برامج الفرز الذكي لتحديد الحالات الطارئة وغير الطارئة. كما أرى أن من الواجب الأخلاقي والإنساني أن تراعي منظومة التأمين الجديدة احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال منحهم تغطيات خاصة وتسهيلات حقيقية في الخدمة دون إرهاقهم بالإجراءات أو التكاليف. فهذه الفئة تُعد الأكثر احتياجًا للعلاج الدوري والمتابعة المستمرة، وأي نظام صحي ناجح يجب أن يضعها في صدارة أولوياته، وأن يضمن لهم مسارات علاجية ميسرة تحميهم من التعقيد وترفع جودة حياتهم. وهذا جزء من التزام قطر تجاه مبادئ العدالة الاجتماعية ودعم الفئات التي تحتاج إلى رعاية مضاعفة. ولا يقلّ عن ذلك أهمية ضبط الأسعار، فنجاح التأمين الصحي مرهون بوجود أسعار عادلة وشفافة، تمنع المغالاة التي قد يمارسها البعض عند وجود جهة تأمين. فالتجارب السابقة أثبتت أن رفع الأسعار في بعض الخدمات مثل الأشعة والعمليات البسيطة قد يرهق النظام ويؤدي إلى خسائر مالية كبيرة. ومن هنا تأتي ضرورة وضع تسعيرة واضحة تستند إلى معايير طبية دقيقة، وتمنع الانحراف، وتحمي المريض من استغلال لا مبرر له. كما أنّ وجود آليات تدقيق إلكترونية يمنع مضاعفة الفواتير أو إدخال خدمات غير مطلوبة، وهو ما يسهم في الحفاظ على استدامة النظام وموثوقيته. ولا بد من التأكيد على أن الوعي المجتمعي عنصر رئيسي في إنجاح المنظومة. فالمريض يجب أن يعرف حدود تغطيته، وخطوات تقديم المطالبات، وما له وما عليه، وكيفية التصرف عند وقوع مشكلة أو رفض مطالبة. كثير من مشكلات الأنظمة التأمينية في العالم جاءت من جهل المستفيدين بحقوقهم أو سوء التعامل مع شركات التأمين. ولذلك فإن إطلاق حملات توعوية واسعة أمر لا بد منه قبل التطبيق وبعده، حتى لا يحدث ارتباك أو سوء فهم يؤدي إلى تذمر الناس، بينما النظام نفسه قد يكون جيدًا لكن طريقة الاستفادة منه غير واضحة. إن قطر تتجه بثقة نحو بناء نموذج صحي أكثر حداثة واستدامة، ويأتي التأمين الصحي الجديد ليؤكد أن الدولة ماضية في تطوير خدماتها، ورفع جودة الرعاية، وتمكين القطاع الخاص ليكون شريكًا حقيقيًا في بناء منظومة صحية متكاملة. ومع التطور الرقمي، والرقابة الصارمة، والتحسين المستمر، سيكون هذا النظام خطوة راسخة نحو مستقبل صحي يليق بقطر وأهلها وكل من يعيش على أرضها.

168

| 23 نوفمبر 2025

ملتقى التنمية الوطنية.. رؤية وعائد

جاء انعقاد ملتقى التنمية الوطنية تحت رعاية معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية ورئيس مجلس التخطيط الوطني ليكون منصة مرجعية مهمة لعرض اتجاهات العمل الحكومي وتقديم قراءة صريحة للتقدم المحرز في مجالات التنمية المختلفة، وقد حمل الملتقى هذا العام طابعًا عمليًا يعكس وضوح الرؤية الحكومية وتصميمها على تعزيز جودة الحياة والاستدامة ضمن إطار وطني متكامل، وقد استعرض الملتقى محاور عدة، كان أبرزها القطاع الصحي الذي حظي باهتمام واسع لكونه يمثل القاعدة الأساسية لأي تنمية بشرية، وقد شمل العرض الصحي رؤية واضحة لما يعمل عليه القطاع من تحول جذري، حيث بات النهج الصحي قائمًا على الاستباقية والوقاية بدلاً من ردود الفعل التقليدية، مع التركيز على خفض معدلات الأمراض المزمنة وتعزيز الوعي الصحي المجتمعي، وتمت الإشارة إلى أن المنظومة الصحية تتجه نحو التوسع في البنية التحتية عبر إنشاء مرافق جديدة وتحديث المستشفيات وتوسيع القدرة الاستيعابية في مختلف المستويات العلاجية، إضافة إلى تحسين خدمات الطوارئ وتطوير آليات التدخل السريع بما يضمن جاهزية أعلى وقدرة أفضل على الاستجابة للحالات الحرجة، كما تناول العرض تعزيز دور التكنولوجيا الحديثة في تطوير القطاع، حيث تم التأكيد على إدخال نظم الذكاء الاصطناعي في مجالات التشخيص المبكر وتحليل البيانات الطبية الكبيرة، مما يسهم في رفع دقة التشخيص وتقليل الأخطاء الطبية وتحسين تجربة المستفيد، وتم كذلك التأكيد على أن التحول الرقمي في الصحة ليس خيارًا بل ضرورة، ولذلك يجري العمل على تطوير نظام إلكتروني موحد يربط بين المراكز الصحية والمستشفيات ويُمكّن من إدارة الملفات الطبية بشكل آمن وفعّال، ومن أهم ما جاء في الجلسة الصحية إعلان البدء في تطبيق نظام التأمين الصحي في مطلع العام القادم، وهو ما يعد خطوة نوعية من شأنها تنظيم العلاقة بين مقدمي الخدمات والمستفيدين وتعزيز القدرة على التخطيط المالي الصحي بشكل أكثر كفاءة، وقد أوضح العرض أن النظام الجديد سيتيح خيارات واسعة للمستفيدين، ويخلق بيئة تنافسية إيجابية بين مزودي الخدمة الصحية، مما يرفع مستوى الجودة ويضمن وصول الخدمات بشكل منصف، كما تمت الإشارة إلى أن النظام الصحي الجديد سيشمل آليات للرقابة الصارمة على جودة الخدمات، وأن المرحلة المقبلة ستشهد تعاونًا أوسع بين القطاعين العام والخاص لتطوير نموذج صحي مستدام وشامل، وعلى المستوى الاجتماعي أبرز الملتقى أن التنمية الاجتماعية أصبحت محورًا جوهريًا في رؤية الدولة، حيث تم استعراض برامج تدعم الاستقرار الأسري بوصفه أساس المجتمع، إضافة إلى جهود تمكين المرأة والشباب وتوسيع برامج الدمج لذوي الإعاقة في التعليم والعمل، مع التركيز على بناء منظومة حماية اجتماعية حديثة وشاملة تستجيب لمتطلبات المجتمع وتحدياته، كما عُرضت مبادرات تتعلق بدعم الوالدين وتعزيز دور الأسرة في بناء القيم وتنمية الوعي المجتمعي، في إشارة واضحة إلى أن المجتمع هو المحور الأول للتنمية، وفي الجانب الثقافي تناول الملتقى رؤية تعتبر الثقافة مكونًا أساسيًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ تم استعراض خطط تطوير الصناعات الإبداعية ودعم المواهب الوطنية وتحديث الفضاءات الثقافية مثل المتاحف والمراكز الفنية، إلى جانب تشجيع الفنون الرقمية والمحتوى الإبداعي الجديد وربط الثقافة بمجالات التعليم والسياحة والتكنولوجيا لتعزيز الهوية الوطنية وتجديد أدوات التعبير الثقافي، أما على صعيد السياحة فقد تم تقديم رؤية متكاملة لتطوير القطاع بما يجعله رافدًا اقتصاديًا مستدامًا، حيث شملت الخطة تنويع المنتج السياحي عبر السياحة التراثية والعائلية والتعليمية والرياضية والعلاجية، إضافة إلى تطوير الفعاليات الكبرى والمهرجانات واستهداف أسواق عالمية متعددة، كما تمت الإشارة إلى مشاريع تطوير المرافق الساحلية والواجهات البحرية والبنية التحتية الترفيهية بما يخلق تجربة سياحية متكاملة تجمع بين الأصالة والحداثة وتعزز مكانة الدولة كوجهة نوعية في المنطقة والعالم، وقد حملت جلسات الملتقى توصيات ضمنية متعددة منها تعزيز التكامل بين الوزارات باعتبار أن التنمية نظام مترابط لا يقوم على جهود منفصلة، وتسريع التحول الرقمي للخدمات الحكومية، وإشراك المجتمع والقطاع الخاص كشركاء حقيقيين في التنمية، وتعميق الشفافية في طرح المشروعات والتحديات، وتعزيز الاستثمار في الإنسان بوصفه أساس التنمية، ومن مجمل ما عُرض يمكن استخلاص أن الدولة تسير وفق رؤية واضحة تقوم على التخطيط العميق والتحليل العلمي، وأن الخدمات الأساسية تشهد تحديثًا مستمرًا يعكس جدية في التطوير، وأن السياسات تُطرح أمام المجتمع بوضوح يعزز الثقة ويقوي الوعي العام، أما العائد الحقيقي من الملتقى فهو توحيد الرؤية بين الجهات الحكومية، وطمأنة المجتمع بأن مسار التنمية يسير بثبات، وتحفيز الجهات التنفيذية لتسريع الإنجاز، وترسيخ توجه وطني يضع الإنسان في مركز التنمية، ويعزز استدامة العمل الحكومي ومسار التطور، وبذلك يؤكد الملتقى أن مستقبل الدولة يُصنع من خلال رؤية متكاملة وسياسات متناسقة واستمرار في التحديث بما يضمن جودة حياة مستدامة وتنمية تمتد أثرها لسنوات طويلة.

93

| 20 نوفمبر 2025

البيروقراطية.. بين النظام والجمود

الكثير منّا يعرف ما تعني البيروقراطية في العمل، وكيف أنها سلاح ذو حدّين؛ فهي من جهة تمثل النظام والانضباط وحفظ الحقوق، ومن جهة أخرى قد تتحول إلى روتينٍ قاتل يعوق الإنجاز ويشلّ الحركة. وفي زمن تتسارع فيه وتيرة التطور الإداري والرقمي، بات من الضروري فهم هذا المصطلح الذي يلامس حياة الموظف والمراجع والمؤسسة على حد سواء. أصل المصطلح ومعناه: ترجع كلمة بيروقراطية إلى اللغة الفرنسية، وتتكون من جزأين: Bureau أي المكتب، و Cratie أي الحكم أو السلطة، والمعنى الحرفي هو “حكم المكاتب”. أي أن السلطة الإدارية تُمارس من خلال المكاتب والقواعد والإجراءات الرسمية. وقد استخدمها عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر لوصف النظام الإداري المثالي الذي يقوم على القواعد الثابتة والتسلسل الهرمي وتوزيع المهام بوضوح، بهدف ضمان العدالة والمساواة في تطبيق القوانين. ومع مرور الوقت، اكتسب المصطلح معاني متناقضة بين التنظيم والجمود. ورغم الانتقادات الكثيرة، إلا أن البيروقراطية تحمل العديد من المزايا التي لا يمكن تجاهلها، ومنها: • الانضباط والوضوح في العمل: النظام البيروقراطي يعتمد على قواعد مكتوبة، ما يجعل سير العمل منظمًا ويمنع القرارات العشوائية أو المزاجية. • العدالة والمساواة: تطبيق القوانين على الجميع دون استثناء يُحقق مبدأ العدالة ويقلل من المحاباة والوساطات. • تحديد المسؤوليات: تقسيم العمل إلى مهام محددة يجعل كل موظف يعرف دوره وصلاحياته، مما يسهل المحاسبة ويمنع التداخل بين الاختصاصات. • الاستقرار المؤسسي: استمرارية الأنظمة والإجراءات تضمن بقاء المؤسسة فاعلة حتى عند تغيّر الأشخاص، لأن الأداء يعتمد على النظام لا على الأفراد. • الشفافية والتوثيق: توثيق المعاملات والمكاتبات الإدارية يعزز من الشفافية، ويتيح الرجوع إليها عند الحاجة أو عند التحقيق في الأخطاء. في المقابل، فإن البيروقراطية عندما تُمارس بشكل مفرط قد تصبح عائقًا أمام التطور وتقتل روح الإبداع داخل المؤسسات، ومن أبرز سلبياتها: • الجمود وضعف المرونة: الالتزام الصارم بالقوانين يجعل البيروقراطية عاجزة عن التكيف مع الحالات الاستثنائية أو الأوضاع الطارئة، ما يؤدي إلى بطء القرار. • الروتين الممل: تعدد التواقيع والموافقات يُرهق الموظفين ويُعطل مصالح المواطنين، فيصبح الإنجاز رهين الورق والتواقيع بدل الكفاءة. • تضخم الجهاز الإداري: تميل المؤسسات البيروقراطية إلى التوسع غير المبرر في الأقسام والموظفين، مما يؤدي إلى الهدر المالي وضعف الإنتاجية. • ضعف المبادرة والإبداع: الخوف من مخالفة القواعد يجعل الموظف ينفذ الأوامر دون تفكير أو اقتراح حلول جديدة، فتنطفئ روح الابتكار تدريجيًا. • فقدان ثقة المواطن بالمؤسسة: حين تطول المعاملات وتتعقد الإجراءات، يشعر المواطن بأن الإدارة وُجدت لتعقيده لا لخدمته، فتضعف العلاقة بينه وبين الجهاز الحكومي. إنّ التحدي الحقيقي لا يكمن في القضاء على البيروقراطية، بل في إصلاحها وتطويرها. فالنظام ضروري لضمان العدالة، لكن الإفراط في تطبيقه دون مرونة يؤدي إلى الجمود. ولهذا اتجهت الدول الحديثة إلى اعتماد مفاهيم مثل الإدارة الذكية والحكومة الإلكترونية لتقليل الورق والروتين وتحقيق الكفاءة. فالتحول الرقمي في المؤسسات الحكومية اليوم يُعد الحل الأمثل للتخفيف من آثار البيروقراطية، من خلال تقديم الخدمات إلكترونيًا وربط الإدارات بنظام موحد يختصر الوقت والجهد ويمنح المواطن تجربة أكثر مرونة وعدالة. في النهاية، تبقى البيروقراطية سيفًا ذا حدين: يمكن أن تكون وسيلة لتنظيم العمل وضبطه، كما يمكن أن تتحول إلى جدارٍ يمنع التقدم ويخنق الإبداع. ولذا يجب على الإدارات الحديثة أن تُوازن بين القانون والمرونة، وبين النظام والإنجاز. فالبيروقراطية إذا أُديرت بحكمة تصبح ركيزة للعدالة، أما إذا تُركت دون إصلاح فستكون عبئًا يُثقِل كاهل المجتمع ويُبطئ حركة التطوير.

243

| 18 نوفمبر 2025

الوظيفة بين المقابلات والانتظار.. متى تنتهي رحلة البحث؟

يواجه العديد من القطريين والقطريات الراغبين في العمل بالوزارات والمؤسسات الحكومية عقبة متكررة لا تزال تشكل هاجسًا اجتماعيًا واقتصاديًا مؤرقًا، وهي طول الانتظار وكثرة المقابلات دون نتائج واضحة أو تعيين فعلي، فعلى الرغم من التطور الكبير في آليات التوظيف وتبني الدولة لمنصات إلكترونية حديثة، ما زال كثير من الشباب القطري يعيش حالة من الترقب والإحباط، منتظرًا فرصة عمل تتناسب مع مؤهلاته وطموحاته. نظام التوظيف بين التنظيم والبيروقراطية: يتولى ديوان الخدمة المدنية والتطوير الحكومي مسؤولية التعيين في الوزارات والجهات الحكومية عبر منصة “كوادر” الإلكترونية، وهي المنصة الرسمية التي تهدف إلى ربط الباحثين عن عمل بالوظائف الحكومية الشاغرة بشفافية وتنظيم، إلا أن الواقع العملي يطرح تساؤلات حول فعالية النظام، إذ إن معظم المتقدمين يجتازون مراحل التسجيل والمقابلات والتحديثات الدورية، لكنهم لا يتلقون ردودًا حاسمة أو مواعيد دقيقة للتعيين، مما يجعل النظام يبدو وكأنه دائرة انتظار طويلة بلا مخرجات ملموسة. رحلة الباحث عن عمل عبر منصة “كوادر” تمر عملية التوظيف بعدة خطوات تبدأ بإنشاء حساب إلكتروني على الموقع الرسمي www.kawader.gov.qa، وتعبئة السيرة الذاتية ورفع الشهادات والخبرات، ثم البحث عن الوظائف المناسبة والتقديم عليها إلكترونيًا، بعد ذلك يُفترض أن يتلقى المتقدم إشعارًا من ديوان الخدمة المدنية في حال ترشيحه للمقابلة، لتتم بعد ذلك الخطوات اللاحقة من فحص طبي وتوقيع قرار التعيين بالتنسيق مع الجهة الحكومية المعنية. إجراء يبدو منظمًا على الورق، لكنه في الواقع قد يستغرق وقتاً طويلاً دون نتيجة واضحة، ما يدفع الكثيرين للتساؤل: أين تكمن المشكلة؟ هل في ضعف المتابعة؟ أم في تأخر الجهات في اعتماد الترشيحات النهائية؟ المشكلة ليست في النظام بل في التطبيق الخلل لا يكمن في وجود منصة “كوادر” ولا في القوانين المنظمة، بل في الإجراءات البيروقراطية وتعدد الجهات المعنية بالتوظيف، حيث تتردد الملفات بين الديوان والمؤسسات المستفيدة دون جدول زمني محدد، مما يخلق فجوة بين حاجات السوق الفعلية ورغبة الشباب في العمل. ولعل الأكثر إرباكًا أن بعض المؤسسات الحكومية ترفض قبول المتقدمين الذين سبق لهم العمل في جهة حكومية أخرى، بحجة أنه “انتقل من عمل سابق”، وكأن الانتقال لتحسين الوضع المهني أو المعيشي جريمة، بينما الأصل أن يُشجع الطموح والتطور الوظيفي الى جانب الاستفادة من خبرات المتقدم لا أن يُعاقب عليه. تحديات تتجاوز الوظيفة نفسها الأزمة لا تقف عند طول الانتظار، بل تمتد إلى عدم توازن العرض والطلب في التخصصات، فهناك مئات الخريجين من الجامعات داخل قطر وخارجها في تخصصات متعددة، يقابلهم عدد محدود من الوظائف الحكومية. ومع دخول دفعات جديدة من الخريجين كل عام، تتضاعف الأعداد في قوائم الانتظار، ما يجعل السؤال أكثر إلحاحًا: إلى متى يستمر هذا الوضع؟ وكيف يمكن تحقيق العدالة في التعيين بعيدًا عن الانتقائية أو المحسوبية؟ القطاع الخاص شريك لا بد منه لم يعد من الممكن الاعتماد على التوظيف الحكومي وحده كحل دائم، فالدولة اليوم تتجه بخطوات مدروسة نحو تفعيل دور القطاع الخاص واستيعاب الكفاءات الوطنية فيه، غير أن ذلك لن يتحقق ما لم يشعر الموظف القطري في هذا القطاع بالأمان والاستقرار الوظيفي نفسه الذي يتمتع به نظيره في الوزارات والمؤسسات الحكومية. ومن هنا تأتي الدعوة إلى أن تساهم الدولة في منح الامتيازات للموظف القطري في القطاع الخاص أسوة بما تمنحه للموظف الحكومي سواء من حيث الراتب والعلاوات والسكن وقرض البناء ونظام التقاعد ومزايا أخرى، بهذا التوجه يصبح القطاع الخاص جاذبًا للكفاءات الوطنية لا طارداً لها، ويكون المواطن أمام خيارات متوازنة بين العمل في الحكومة أو في الشركات الوطنية دون أن يفقد المزايا التي يستحقها. رؤية إصلاحية مطلوبة تحتاج المنظومة إلى مراجعة شاملة، تبدأ من تحديد احتياجات كل وزارة أو مؤسسة حكومية بدقة، مرورًا بربطها إلكترونيًا بمنصة “كوادر”، وانتهاءً بتحديد مدة زمنية لا تتجاوز شهرين بين المقابلة وإصدار قرار التعيين، كما يجب أن تكون هناك شفافية في إعلان النتائج، وتوضيح أسباب الرفض أو التأجيل، إن ما تبذله الدولة من جهود كبيرة في تطوير الأنظمة الإلكترونية والتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية، فإن المطلوب اليوم هو تفعيل هذه الأنظمة عمليًا وتقصير دورة الإجراءات البيروقراطية التي تطيل انتظار المواطنين. فليس من المنطقي أن تبقى الكفاءات الوطنية معلقة في طوابير الانتظار والمقابلات الشكلية، بينما تمتلك الدولة من الإمكانات والموارد ما يؤهلها لتكون نموذجًا في كفاءة إدارة الموارد البشرية الوطنية. لقد آن الأوان لإعادة النظر في منظومة التوظيف لتصبح أكثر سرعة وشفافية وعدالة، قائمة على مبدأ الكفاءة، تعيد الثقة بين المواطن ومؤسساته، وتترجم عمليًا أهداف رؤية قطر الوطنية 2030 التي تضع الإنسان في صميم التنمية، وتؤكد أن القطري هو الثروة الحقيقية للوطن.

198

| 16 نوفمبر 2025

حفريات لا تنتهي.. مشاريع بين التخطيط والتعطيل

منذ انطلاقة مشاريع البنية التحتية الكبرى التي ترافقت مع التحضيرات لكأس العالم، شهدت المدن القطرية طفرة في أعمال الحفر المرتبطة بمشاريع الصرف الصحي وشبكات المياه الجوفية، وهي مشاريع لا شكّ أنها حيوية وضرورية، تهدف لتحسين جودة الحياة ومعالجة تراكمات قديمة في أنظمة التصريف والتغذية الأرضية. لكن، ما إن انتهى المونديال حتى بقيت كثير من هذه المشاريع عالقة في منتصف الطريق، فتحوّلت من رموز للتطوير إلى مشهد يومي من المعاناة. حفريات في كل مكان، شوارع مغلقة أو نصف مغلقة، طرق تحولت إلى ممرات ترابية، ومواقع تحوي أكوام الأنابيب والمعدات التي لا تتحرك لأسابيع. مشهد يراه المواطن كل صباح وهو يقود سيارته بين الأحياء السكنية، محاولًا تجنّب الحواجز المعدنية والمطبات الترابية التي باتت جزءًا من ملامح الطريق. لا أحد ينكر أهمية هذه المشاريع، لكن الإشكال الحقيقي هو في إدارة التنفيذ والمتابعة والجدول الزمني الذي يبدو أنه غائب عن بعض المقاولين. كثير من الأحياء السكنية تحوّلت إلى ورش مفتوحة، خاصة في المناطق التي تتوسطها المدارس أو المراكز الخدمية، ما زاد من معاناة السكان، وأثّر على حركة المركبات، بل وتتسبب أحيانًا في حوادث بسبب ضيق المسارات أو ضعف الإنارة حول مواقع الحفر. في بعض المناطق، أصبحت الحفريات قريبة جدًا من منازل السكان، حتى أن أصوات المعدات الثقيلة لا تتوقف ليلاً، والغبار يغطي النوافذ والسيارات. وتزداد المفارقة حين نعلم أن بعض المناطق السكنية ما زالت حتى اليوم تفتقر كليًا إلى شبكات صرف صحي متكاملة، رغم مضيّ سنوات على بدء المشاريع. فبينما تُحفر الشوارع في مواقع متكررة لإعادة الصيانة أو التمديد، هناك أحياء أخرى في أطراف المدن والضواحي تعتمد حتى الآن على خزانات الصرف التقليدية، ما يثير تساؤلات السكان عن أولويات التنفيذ وتوزيع المشاريع. المواطن يتساءل بحق: كيف تُصرف الملايين في الحفريات المتكررة في بعض المناطق، بينما مناطق أخرى ما زالت تنتظر شبكات الصرف منذ سنوات؟ المشكلة لا تتوقف عند الإزعاج فحسب، بل تمتد إلى الخطورة الفعلية لتلك الحفريات المكشوفة التي تُترك أحيانًا دون حواجز كافية، ما يعرّض المارة، خصوصًا الأطفال وكبار السن، لخطر السقوط أو الإصابة. كما أن تأخر ردم بعض المواقع بعد انتهاء العمل يؤدي إلى تجمع مياه جوفية أو أمطار، فتتحول الحفرة إلى بركة راكدة تجذب الحشرات وتشكل خطرًا بيئيًا وصحيًا. المطلوب اليوم ليس وقف هذه المشاريع، بل إعادة تنظيمها بجدول واضح ومسؤولية متابعة صارمة، فالمواطن لا يرفض التطوير، لكنه يرفض أن يتحول التطوير إلى معاناة يومية بلا نهاية. من حق السكان أن يعرفوا متى يبدأ المشروع ومتى ينتهي، وأن تُلزم الشركات المنفذة بمعايير السلامة ومواعيد الإنجاز. كما يجب أن تتدخل الجهات الرقابية لتقييم مستوى الإنجاز، ومعاقبة من يتقاعس أو يترك مواقع الحفر مفتوحة لفترات طويلة. لقد أثبتت التجربة أن المشكلة ليست في حجم المشروع، بل في إدارة الوقت والرقابة الميدانية. فهناك مشاريع مماثلة في دول أخرى تُنجز في أسابيع، بينما نرى عندنا أعمالاً تمتد لأشهر دون تغيير يُذكر. المواطن يريد حلولًا عملية لا وعودًا متكررة، ويريد أن يرى نهاية واضحة للحفر والازدحام الذي يعطل حياته اليومية. إن تطوير البنية التحتية هدف وطني لا يختلف عليه اثنان، ولكن النجاح الحقيقي يُقاس بمدى التوازن بين التطوير وراحة الناس. وما لم تُوضع آلية تنسيق فعالة بين الجهات المنفذة والبلديات وإدارة المرور، فستبقى هذه الحفريات علامة استفهام معلقة في كل شارع، وعنوانًا لمعاناةٍ لا تنتهي. فلنحوّل هذه المشاريع من مصدر ضيقٍ إلى مصدر فخرٍ، ولنثبت أن التخطيط الحضري في قطر قادر على الجمع بين التقدّم والإنجاز والاحترام الكامل لراحة المواطن وكرامته، فالمشاريع الكبرى لا تُقاس بعدد الحفريات، بل بسرعة إنجازها وجودة تنفيذها وعدالتها في الوصول إلى كل منطقة دون استثناء. نُثني على الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة الأشغال العامة (أشغال) في تنفيذ مشاريع البنية التحتية وتوسعة شبكات الصرف والمياه، رغم التحديات الفنية والميدانية، إلا أننا نود أن نتقدم ببعض التوصيات والمقترحات التي من شأنها تسريع وتيرة العمل وتحسين التنسيق بين الجهات المعنية. توصيات ومقترحات -1 تسريع استكمال شبكات الصرف الصحي في المناطق التي ما زالت تعتمد على الخزانات التقليدية، وتحديد جدول زمني معلن أمام الجمهور. -2 إلزام الشركات المنفذة بوضع لوحات توضيحية في كل موقع حفر تبين مدة المشروع ومراحل التنفيذ ومعلومات التواصل في حال الشكاوى. -3 تنسيق العمل بين الجهات المنفذة والبلديات وإدارة المرور لضمان عدم تعارض المشاريع أو تعطيل الطرق الحيوية لفترات طويلة. -4 تفعيل فرق رقابية ميدانية يومية لمتابعة سير العمل وضمان تطبيق معايير السلامة وحماية السكان. -5 نشر تقارير دورية من الجهات المختصة توضح نسب الإنجاز في مشاريع البنية التحتية لتعزيز الشفافية والمساءلة. -6 تحفيز المقاولين الملتزمين بإنجازاتهم ومنحهم الأولوية في المشاريع المستقبلية، مقابل محاسبة المتأخرين أو المقصرين. المواطن لا يطلب المستحيل، بل يريد عملاً منظمًا يوازي طموحات الدولة ويعكس صورتها الحضارية في إدارة المشاريع الكبرى، لتبقى قطر دائمًا نموذجًا في التخطيط والإنجاز والمواطنة المسؤولة.

441

| 13 نوفمبر 2025

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4302

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

2064

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1788

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1455

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

1383

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1173

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

921

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

669

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

645

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

639

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

627

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

567

| 07 ديسمبر 2025

أخبار محلية