رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لن تنطفئ جذوة ثورة الشعب السوري الصابر والمثابر والصامد رغم فائض القوة الذي يستخدمه بشار وجنوده على مدى أكثر من عام وأفضى إلى قتل وإصابة وتشريد الآلاف بالجملة فما تمتلكه الثورة من وقود مطرز بالإرادة القوية للتخلص من حقب الاستبداد والدموية والقهر أكبر من دباباته وآلياته المسلحة وعنفوان عسسه المدججين بالخزي والعار لأنهم يقتلون شعبهم استجابة لأوامر من قست قلوبهم فسكنتها العتمة ولم تعد تميز بين الحق والباطل بين النور والظلام والولوج إلى منطقة القتل ليحافظ على عرشه الزاخر بالثقوب والآلام والكراهية للإنسان وللحرية.
بغيضة هي السلطة عندما تدفع من يمتطي صهوتها إلى الركض على رمال الدم وجماجم الشعب وصرخات الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل والأطفال اليتامى.
كريهة هي الكراسي التي تجبر الجالسين عليها إلى قذف الشعب بالصواريخ ومحاصرته بالمدرعات وقتله في ساعات الصباح والمساء
ما الذي يريده بشار وزبانيته؟
لقد امتصوا رحيق الشام، جثموا على صدر الوطن، خانوا الأمة بتمزيق أوصالها وعندما انطلق الشعب منتفضا في مارس قبل المنصرم صارخا بالحرية والعدالة والكرامة أطلقوا نيرانهم على الأبرياء الذين صبروا لعقود أربعة مترقبين انبثاق الفجر فهبطت عليهم أمطار السوء من كلاب السلطة وحرس السلطان.
لماذا يعشق بشار السلطة إلى هذا الحد؟
وإذا كان يريد البقاء فيها معززا مكرما محبوبا فلم لم يطلق برامج إصلاح حقيقية تتجاوب مع أشواق الناس فتجهض آلامهم من كبت طال وجوع توحش وقمع هيمن وحرية موءودة وحرمان فرض سطوته؟
جاءته الفرصة تلو الفرصة لكن العسس حاصروه أصحاب النفوذ القابضين على معادلة السلطة والثروة أمسكوا به فسقط صريعا لهواهم كان بوسعه عندما أطل لأول مرة رئيسا بعد أن ورث عرش الجمهورية التي أسسها الآباء وأرادوا منها أن تكون بالانتخاب فكرس التوريث في سابقة غير معهودة وشكلت أنموذجا لحكم مبارك في مصر وصالح في اليمن وإلى حد لزين العابدين في تونس. أقول كان بوسعه أن يقدم البهجة للناس الذين استبشروا به خيرا ليقودهم إلى زمان جديد بعد أن دغدغ مشاعرهم بعبارات محاربة الفساد وتوسيع دائرة الحريات وتحقيق قدر أكبر من الرخاء لكنه سرعان ما دخل نفق السلطة المعتم وغير في الشكل ولم يقارب المحتوى جاء بأشخاص من نفس سلالة الدم والنسب في المواقع المهمة خاصة في الجيش والمخابرات والأمن وتشكل ما يشبه التنظيم العصابي الحاكم وإن أخذ شكلا عصريا ومنحيا تكنولوجيا ينسجم مع ما تلقاه من تعليم في الغرب ثم انغمس في دوائر الاستبداد وممارسة القهر ضد الشعب الذين كان يخدر من منظور المقاومة والممانعة وهو ما صدقناه جميعا وللأسف كنت واحدا ممن صدقوا بشار وأطروحاته والتي ثبت أنها لم تكن سوى واجهة أو غطاء لامتلاك المزيد من القوة والقدرة على الاستبداد والإثراء له ولجنوده وزبانية نظامه وعسس قصره وسلطانه.
ولحظة أن بدأت الانتفاضة أشعرنا بأنه سيتجاوب معها بجملة من الإصلاحات التي لم تكن إلا ذرا للرماد في العيون ومضى هو وجنوده في منهجية القتل المنظم عبر استخدام القوة المفرطة ضد الشعب الأعزل والنساء والأطفال فلطخ صورة الجيش العربي بالعار والذي كان رصيدا في المواجهة مع الكيان فبات ذراعا لحماية الاستبداد.
وتحركت الأمة عبر جامعتها العربية لتقدم حلولا رأت أنها مناسبة تتكئ على الخيار السياسي وليس العسكري وقدمت الخطة تلو الخطة فلم يلتفت إليها وإن قدم تعهدات بالتجاوب معها غير أنه لم يف بأي التزام بل واصل القتل والإصابة والاعتداءات على المدن والأحياء الثائرة دون رحمة في قسوة قاربت قسوة الكيان الصهيوني عندما يقتحم أو يهاجم بلدة فلسطينية.
وأجهض بشار ما أرسلته الجامعة من مراقبين فدفعها إلى سحبهم وتحركت مرة أخرى مع مجلس الأمن متجنبة فيتو روسيا والصين وصيغت خطة جديدة تقوم على مبادراتها السياسية وكلف كوفي عنان بتولي مهمة تطبيقها قبل أكثر من أسبوعين ولكنه تعامل معها بنفس المنطق من خلال الالتزام بالتطبيق وفي الأرض يكون شأنا آخر وحسب آخر الإحصاءات فإن ما يقرب من 500 مدني قتلوا منذ بدء تطبيق خطة عنان وهو ما يعني أن بشار ليس بارا بوعوده وليس قادرا على الوفاء بالتزاماته، ما يستطيعه هو حماية عرشه واستلاب حرية شعبه، أي عرش يمكن أن يبقى والشعب كاره لمن يجلس عليه.
ثمة إجماع عرب على إبقاء الأزمة في منطقة الحل السياسي وهو ما تجلى كل اجتماعات الجامعة العربية سواء على مستوى اللجنة الوزارية المعنية بالأزمة التي يرأسها الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء وزير الخارجية أو على مستوى مجلس الجامعة وكان آخرها في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة يوم الخميس الفائت ولكن يبدو لي أن بشار وجنوده مصرون على دفع الأمور دفعا إلى منطقة الحل العسكري الذي نخشاه جميعا لأنه سيقود إلى تدمير مقدرات الشعب السوري غير أن ثمة من يرى من دوائر المعارضة أن الخيار العسكري هو الوحيد القادر على ردع بشار ونظامه المتوحش وللحرية كلفتها الباهظة حسبما يقولون والشعب بدأ في دفع الثمن عبر تقديمه عشرة آلاف من شهدائه غير عشرات الألوف من الجرحى والمشردين على الحدود مع دول الجوار.
لم يعد أمام بشار خيار آخر فإما أن يقبل بالمضي قدما في التجاوب مع خطة كوفي عنان والتي تهيئ له خروجا آمنا ولسوريا زمنا مغايرا من الحرية والديمقراطية والكرامة من خلال تكرار النموذج اليمني أو أن يلقى مصيره.
وفي هذا السياق ألفت إلى أن تطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والتي تعني في النهاية اللجوء إلى الحل العسكري وفرض قرارات مجلس الأمن بالقوة المسلحة تلوح في الأفق ولعلي أشير هنا إلى تصريح أدلى به الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية أمام مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول الشهر الفائت تحدث فيه عن إمكانية اللجوء إلى هذا البند المخيف كما تحدثت عنه أطراف إقليمية ودولية مؤثرة والأخطر أنه في حالة استخدام الفيتو الروسي أو الصيني في مجلس الأمن لو عرضت عليه المسألة السورية وانتهاكات النظام والتي بدأ كوفي عنان ونبيل العربي يظهران تبرما واضحا منها من فرط تجاهله للخطة العربية الأممية فقد تندفع مجموعة الدول الكبرى من دون موسكو وبكين إلى تشكيل تحالف دولي من خارج مجلس الأمن في إعادة إنتاج للحالة العراقية وحالة كوسوفو وهنا لن تدفع سوريا بمفردها الثمن وإنما المنطقة التي قد تشهد اشتعالا استثنائيا قد يتجاوز بأضعاف مضاعفة اشتعال العراق بعد غزوه في 2003 وهو ما لا يريده أحد لكن يبدو أن بشار وزبانيته يريدونه أو بالأحرى يدفعون الأمور دفعا باتجاهه مؤمنين بمقولة شمشون الجبار "علي وعلى أعدائي " فهم لا يهمهم وطن أو شعب.
السطر الأخير:
لك العشق
ولي البهجة الكامنة
أسرد شعري في ليلك
ينبثق النيل قصيدة لا تنتهي
أحرر وجعي من غيابك
تستعيد الروح بهاءها المغادر
اسكبي بوجهي عطرا
رحيقا ممزوجا بالكتابة
يترجل الحزن عن صهوة جوادي
أسافر إلى عينيك
متكئا على خضرة حقولهما
فاستبيحي مناطق الحرام
سجلي شهادة ميلادي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7884
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6579
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3444
| 12 أكتوبر 2025