رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
واحدة من أهم إفرازات ثورة الخامس والعشرين من يناير سقوط الخوف في المحروسة والتي أقصد بها مصر والذي ظل على مدى ثلاثة عقود مهيمنا على مفردات الواقع السياسي فيها وإن كان قد بدأ عمليا في عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي صاغ معزوفة خوف عندما أعلن أن الديمقراطية لها أنياب ثم توج ذلك قبيل رحيله بشهر باعتقال ما يزيد على 1500 شخصية من أهم رموز القوى الوطنية من مختلف ألوان الطيف بالمشهد السياسي المصري.
تجلت ملامح سقوط الخوف في إنهاء أسطورة جهاز أمن الدولة الذي كان يهيمن على كل نشاط الدولة المصرية على نحو مخيف ويرتعد منه عناصر النظام قبل الناس العاديين الذين كان يعد عليهم أنفاسهم لإبلاغها للقيادة السياسية لاستغلالها في الوقت المناسب عندما يتجاوز أحدهم السقف المحدد للحركة والتصريحات والمواقف.
وأذكر أنني توجهت قبل أشهر إلى وكيل وزارة التربية والتعليم بمديرية التعليم بمحافظة الجيزة لحل مشكلة تتعلق بابنتي الطالبة بالمرحلة الثانوية فعرفني على الفور على شخص كان يرتدي زيا مدنيا وقال لي إنه ممثل جهاز أمن الدولة بالمديرية والذي أبلغني أن ثمة ضباطا للجهاز بكل مديريات التربية في المحافظات المصرية وفي كل قطاعات الدولة وهنا تيقنت أن هذا الجهاز متوغل في كل المناحي ويتابع كل خطوة لأي مسؤول ويتدخل في كل قرار يتعلق بالتعيينات في مؤسسات الدولة المختلفة وكثيرا ما دفع شباب مخلص ومجتهد ثمن مواقفهم الحقيقية أو ثمن تقارير ملفقة كتبها مخبرون وعملاء للجهاز وهو في الأساس زملاء لهم فلم يلحقوا بالوظائف التي رشحوا لها.
وبالطبع كان إنهاء دور هذا الجهاز وإلغاؤه تماما من أهم مطالب ثوار الخامس والعشرين من يناير بيد أن حكومة أحمد شفيق سواء في تشكيلها الأول في آخر عهد مبارك أو في تشكيلها بعد سقوطه حاولت بكل قوة الالتفاف على هذا المطلب وإلى حد ما يمكن القول إن وزير الداخلية السابق محمود وجدي تفاعل مع هذا الالتفاف من خلال تعيينه لمدير جديد للجهاز والتأكيد على أنه لن يتم إلغاؤه بل سيتم إعادة هيكلته ومع سقوط حكومة شفيق تحت ضغوط الثوار الذين لم يقبلوا أنصاف الحلول اكتشفوا أن ثمة محاولات للتخلص من وثائق الجهاز عبر عملية منظمة لحرقها وفرمها فسارع نفر من الثوار إلى اقتحام العديد من مقرات الجهاز بالمحافظات المختلفة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوثائق والملفات التي تنطوي على إدانة بعض رموز النظام السابق المفاجأة أن أمر حرق هذه الوثائق والملفات أصدره مدير الجهاز السابق حسن عبد الرحمن الذي أقيل من منصبه قبل عشرة أيام في رسالة سرية بعث بها إلى مسؤولي هذه المقرات.
بيد أنه يمكن القول إن الخطوات الحقيقية لتصفية دولة الخوف إن صح التعبير التي كان يديرها جهاز أمن الدولة جاءت مع تعيين الوزير الجديد للداخلية اللواء منصور عيسوي والذي يستند إلى خلفية أمنية أكثر انفتاحا واستنارة وهو ما دفع السلطة في النصف الأول من تسعينيات القرن الفائت إلى التخلص منه بعد سلسلة من المواقف التي تبناها وأظهر من خلالها نوعا من عدم الانسجام مع توجهاتها خاصة فيما يتعلق برفضه للتورط في قضايا فساد ورفض إطلاق النار عندما كان محافظا للمنيا على المتظاهرين فيها.
وقد حرص عيسوي فور حلفه اليمين الدستورية كوزير للداخلية في حكومة الدكتور عصام شرف على محاورة مجموعة من شباب ثورة الخامس والعشرين وفيه حدد جملة من توجهاته وسياساته التي تنبئ عن رؤية مغايرة للمؤسسة الأمنية المصرية تتقاطع مع أهداف الثورة وأبزر ملامح هذه الرؤية تتمثل فيما يلي:
= أن جهاز الشرطة الجديد أصبح يعمل لصالح الثورة، وهو يحمي الشرعية التي هي الآن مع الثورة ومصر ستتحول من دولة بوليسية إلى دولة القانون ومع عودة الأحوال إلى طبيعتها قريبا فإنه لن يكون ثمة قانون طوارئ ولا محاكم أمن دولة طوارئ ولا محاكمات عسكرية للمدنيين.
= التأكيد على احترام وزارة الداخلية بقطاعاتها المتعددة لشهداء الثورة من المواطنين المتظاهرين والضباط، وإصدار قرار بوقف كل الضباط الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب بعد صدور أحكام ضدهم من القضاء.
= تحديد اختصاص وزارة الداخلية في إطار العمل على تحقيق الأمن فقط وليس لها علاقة بالسياسة والأحزاب والنقابات والانتخابات، واحترام الحق في التظاهر السلمي دون إذن مسبق على أن يكون دور الداخلية في المظاهرات هو تأمينها منذ بدايتها حتى نهايتها وإفساح الطرق لها وتحويل المرور من حولها،مع الطلب ممن يريد أن يتظاهر أو يعتصم أن يخطر القسم أو المديرية التابع لها لكي تقوم بتأمين التظاهرة وليس الإخطار للإذن. =إعادة بناء وهيكلة جهاز أمن الدولة من جديد وتغيير اختصاصاته تماما وأن يعمل على حماية الشعب والوطن وليس النظام، في إطار ضمان الحريات بحيث يقتصر دوره على محاربة الإرهاب ومحاولات التجسس على البلاد.
ولكن سقوط دولة الخوف يتطلب عدة إجراءات أخرى اقترحها شباب الثورة في مقدمتها العمل على إعادة تشكيل وعي ومفاهيم ضباط الشرطة من خلال برامج عدة تنظمها وزارة الداخلية والخطوة الأهم في هذا السياق تكمن في ضرورة إعادة النظر في هيكل مرتبات الضباط وفي عدد ساعات عملهم وأن يكون لأفراد الشرطة صوت في الانتخابات لأنهم جزء من الشعب ولا يجب أن يعيشوا منفصلين عنه كما كان في النظام السابق.
إن الخوف ظل هاجسا جاثما على الصدور والقلوب والعقول منع شباب المحروسة من إطلاق إبداعاتهم ومواهبهم وحبسهم في بؤر من الصمت والتطرف في بعض الأحيان والهجرة غير المشروعة والتضحية بالأرواح والأموال لتحقيق حلم السفر إلى الخارج بحثا عن لقمة خبز شريفة تكفي متطلبات الحياة وتدفع إلى صعود السلم الاجتماعي الذي ظلت تحتكر صدارته طبقات من الأغنياء الجدد الذي حصلوا على ثرواتهم عبر غسيل الأموال والصفقات المشبوهة من بيع أراضي الدولة التي انتهك حرمتها التحالف الرهيب الذي جمع أصحاب السلطة والثروة والذين توغلوا في المواقع المتقدمة سواء بالحزب الحاكم أو الحكومات المتعاقبة التي لم يتبوأ مقاعدها إلا من حظي برضا نجل الرئيس الذي كان موعودا بوراثة والده في رئاسة الجمهورية ليحقق بذلك حلم الأم السيدة الأولى سوزان مبارك التي كانت هي وابنها جمال بمثابة السلطة الموازية لسلطة الرئيس السابق بل هيمنا على صناعة القرار خلال السنوات الخمس الأخيرة برضا منه.
السطر الأخير:
في حضرة عينيك أقيم مملكة عشقي
فأنت وردة التوهج ولغة الأنهار
أغزل من رحيقك ثورتي
فأنشق عطر فجري الآتي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5361
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
4743
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4218
| 05 أكتوبر 2025