رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بعد غد الأربعاء ستكون القاهرة على موعد مع التوقيع النهائي على اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية التي ستنهي أكثر من أربع سنوات من الانقسام والخصومة بين أهم فصيلين وطنيين في فلسطين وهما حركة فتح وحركة حماس وهي لاشك لحظة تاريخية ستعيد الاعتبار للفعل الفلسطيني المؤثر والقادر على استعادة الحقوق المغتصبة كاد اليأس أن يصيب الجميع بعد هذا التنائي بين فتح وحماس والذي صحبه استقطاب وطني وإقليمي وأوشكنا على أن نقذف بالمصالحة بعيدا من فرط ما كنا نشاهده من تناقضات وتباينات وصلت في بعض المراحل إلى حد الاقتتال وحملات الاعتقالات المتبادلة لكوادر من الحركتين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ومع تفاقم الخلافات كانت القضية الفلسطينية تنحدر باتجاه التلاشي فالعدو الصهيوني يستغلها ليفرض شروطه على السلطة الوطنية التي بدت في بعض الأحيان وكأنها استسلمت لهذه الشروط في ظل غياب أوراق القوة التي تمتلكها وفي المقدمة منها الموقف الفلسطيني الموحد بينما تواجه حركة حماس ضغوطا من العدو بلغت أوجها في نهاية 2008 وبدايات 2009 عندما شن على قطاع غزة حربه التي أطلق عليها عملية الرصاص المصبوب فهدم البيوت والمرافق وقتل الشباب والأطفال والنساء والرجال وضاعف من حصاره الظالم على شعبها الذي ما زال مستمرا ولم تكن تداعيات هذا الخلاف بعيدة عن المشهد العربي فقد طالت أطرافا فيه وهو ما أثر سلبا على قوة الموقف العربي وبدا أن هناك فريقين أحدهما يطلق عليه محور الاعتدال والآخر محور الممانعة مما ألقى بظلال من الشك المتبادل بين أطراف كل محور وفجأة أطلت علينا شمس المصالحة الفلسطينية يوم الأربعاء الماضي بعد ليل طويل جثم على النفوس وفرض عتمته الكئيبة على الشارع العربي بعد أن ظننا أن ملفاتها أغلقت بالضبة والمفتاح وفق التعبير الدارج ولاشك أن انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير هي التي أزالت الغيوم والسحب التي كانت تهيمن على الأفق صحيح أن نظام مبارك كان يلعب دورا باتجاه المصالحة الفلسطينية لكنه بدا في كثير من الأحيان انحيازه الواضح لفريق ضد فريق بل إن وسائط إعلامه كانت تصب حممها على حركة حماس إلى الحد الذي وصفه أحد أبواق هذا النظام بأنها أخطر على مصر من الكيان الصهيوني وكان وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط يوجه رسائل تحذير لحماس بحسبانها قوة عظمى ويهدد بقطع أرجلها من جراء بعض تصرفات غير مقبولة كان يقوم بها بعض كوادرها على الحدود مع مصر بينما لم يكن يستخدم هذه اللهجة العنيفة أو لغة التهديد الحاد ضد إسرائيل عندما كانت تقتل جنودا مصريين على الحدود نفسها أو عندما كانت تقوم بشن غارات على الجانب المصري من رفح تحت حجة تدمير الأنفاق التي تربط غزة مع مصر على أية حال فإن الجهد المصري خلال نظام مبارك لم تكن نيته خالصة تماما لإنجاز المصالحة وبدا متصلبا تجاه ملاحظات قدمتها حركة حماس ورفض تغيير نصوص في الورقة التي قدمها في هذا الصدد كان يمكن أن توفر بيئة مواتية للتوصل إلى الاتفاق النهائي وبدلا من ذلك وجهت دوائر فيه اتهامات لقوى إقليمية بأنها تعطل تنفيذ الورقة المصرية والآن تهيأت كل السبل بعدما فتحت القاهرة أبوابها بإخلاص وجدية متخلصة من موروثات النظام السابق وتحفظاته وهواجسه وأوهامه وجمعت قيادات حماس وفتح في لقاء تم التوقيع فيه بالأحرف الأولى على اتفاق المصالحة بعد أن تم التعامل بإيجابية مع تحفظات حماس وملاحظات فتح دون تعسف مع التأكيد وقوف النظام الجديد في مصر بمسافة واحدة من جميع الأطراف الفلسطينية وهو ما كان مفتقدا في السنوات الأخيرة والآن بات من الجميع أن يلتقط هذه اللحظة التاريخية التي ستلتئم بعد غد الأربعاء في القاهرة متمثلة في التوقيع النهائي على اتفاق المصالحة بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وغيرهما من قيادات الفصائل الفلسطينية وذلك يتطلب جملة من الخطوات أولا: أن يتمسك جميع الفرقاء بالصدق والالتزام بحرفية ما يتم التوافق عليه بعيدا عن أجندات لها ارتباطات بقوى إقليمية أو اعتبارات خارجية بحيث لا يكون في الأفق سوى الأجندة الوطنية والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني التي تتطلب استعادة الوحدة والالتئام لمواجهة الاستحقاقات القادمة خاصة في ظل ما بات يتربص به العدو الصهيوني للمصالحة والتي أعلن حتى قبل أن تبدأ رفضه مخيرا أبو مازن بين السلام مع الكيان أو السلام مع حماس وهو ما رفضه الرئيس عباس على الفور في موقف وطني يحسب له معلنا انحيازه لوحدة الوطن ومخيرا نتنياهو بين السلام والاستيطان ووصل الأمر بالأخير إلى وقف تسليم سلطة أبو مازن استحقاقاتها من الضرائب ثانيا: الشعب الفلسطيني مطالب بكل أطيافه واتجاهاته بالدفاع عن المصالحة خاصة أنه هو الذي تظاهر بقوة مطالبا بإنهاء الانقسام في موجة الثورات العربية وبالتالي فإنه من الضروري أن يشكل هيئات شعبية تتولى مراقبة تطبيق الاتفاق ومواجهة أي طرف يحاول عرقلة تطبيقه ثالثا: مسارعة الأطراف العربية إلى تقديم الدعم العاجل للحكومة الفلسطينية بما يجعلها قادرة على القيام بمسؤولياتها بالكفاءة المطلوبة فضلا عن امتلاك القدرة على مواجهة أي تهديدات من طرف العدو الصهيوني للتأثير ماليا عليها إلى جانب قيامها بحملة دبلوماسية نشطة لتسويق اتفاق المصالحة وأنه يصب إيجابيا في خانة تحقيق السلام المنشود في المنطقة خاصة لدى الأمم المتحدة واللجنة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط رابعا: أن كلا من حركتي فتح وحماس مطالبتان بالدرجة الأولى بتجاوز الاستغراق في التفاصيل التي من شأنها أن تقود إلى توسيع قاعدة الخلافات التي تفضي إلى الجمود مثلما حدث في مراحل سابقة وذلك بدوره يستدعي تكليف العناصر ذات الحس الوطني بالإشراف على تطبيق الاتفاق خامسا: أن يلتزم جميع الفرقاء الفلسطينيين بكل بنود الاتفاق خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات التي ستجرى بعد عام من تشكيل حكومة التوافق الوطني وهو ما يؤكد رسوخ الخيار الديمقراطي في المشهد الفلسطيني مما يمثل قيمة مضافة للشعب الفلسطيني في عالم يحترم من يتبنى الخيارات الديمقراطية ويشكل في الوقت نفسه ردا عمليا على العدو الصهيوني الذي يقدم نفسه باعتباره صاحب التجربة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة السطر الأخير:
في عينيك حنو يحتويني
هو قلبك أم تكويني
ممتشقا سيف عشقك
معطرا برائحة الحنطة فيك
تمنحني وجودي وسكوني
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4611
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3504
| 29 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
1638
| 05 أكتوبر 2025