رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مائة يوم بالتمام والكمال مضت على انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير يوم الجمعة الفائت مؤكدة قدرة الشعب المصري على استعادة حيويته التي فقدها على مدى ثلاثين عاما من حكم شديد الاستبداد والعنفوان ضده في عهد مبارك فلم يكن بالإمكان الخروج من هذه السنوات العجاف إلا عبر هذه الثورة التي شكلت تحولا نوعيا في مسار التاريخ المصري الحديث منجزة بذلك أهم ثورة اعتمدت على التحرك الشعبي وفي صدارته شباب الوطن الذين خرجوا في عفوية منظمة إلى حد ما وتمكنوا في ثمانية عشر يوما من إسقاط النظام وتهيئة البلاد لامتلاك ناصية الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهي الشعارات التي رددتها جماهير الثورة مطالبة بالخلاص من القهر والإذلال والفقر والفساد الذي كاد يفرض سطوته على كل شيء في المحروسة وخلال المائة اليوم سعت الثورة خاصة بعد أن تولى رئاسة حكومتها رجل نابع من ميدان التحرير مركزها الرئيسي في مصر هو الدكتور عصام شرف بالتعاون مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى تحقيق جملة من التحولات المهمة في صدارتها تفكيك أسس ومحددات النظام السابق تمهيدا لإعادة بناء نظام جديد يتسق مع أهدافها وهو ما جسدته خطواتها باتجاه صياغة نسق دستوري مغاير أطلق عليه الإعلان بعد إجراء الاستفتاء على التعديلات التي تم إدخالها على الدستور السابق والتي تمثلت في تعديل شروط الترشيح لمنصب الرئاسة وتقليص الفترة الزمنية لتولي هذا المنصب الحساس بأربع سنوات على ألا تجدد إلا لفترة واحدة وإعادة الإشراف القضائي على العملية الانتخابية وغيرها من أسس أعادت الاعتبار لشفافية هذه العملية بعد أن أجهضها تماما زبانية النظام السابق على مدى العقود الثلاثة المنصرمة هذا أولا أما ثانيا فإن الثورة أطلقت حربها المقدسة ضد الفساد وأركانه والذي لم يكن أحد على دراية بحجمه ونوعيته التي طالت كل شيء تقريبا بالرغم مما كانت تكشف عنه وسائط إعلامية في مصر خلال السنوات السابقة بين فترة وأخرى وإن كانت رائحته منتشرة في أرجاء القطر إلى حد يزكم الأنوف لقد خدع الجميع في رموز كانت تحكم مصر إلى جانب مبارك والتي بدا أن أجندتها لم تكن خالصة لوجه الوطن وإنما كانت تنزع فقط للحصول على أكبر قدر من الثروة إلى جانب السلطة من خلال الحصول على أراضي الدولة بثمن بخس وبيعها بأسعار مضاعفة وكذلك الحصول على توكيلات الشركات الأجنبية مما أدى إلى تراكم الثروة في أيديهم على نحو قاد إلى بناء نوع من الطبقية الذي لم تشهده المحروسة في تاريخها تجاوز الحالة الإقطاعية التي شهدتها في ظل نظام أسرة محمد علي قبل ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 بل لقد خدعنا في حسني مبارك نفسه والذي بدأ سنين حكمه الأولى بعد انتخابه رئيسا في 1981 بخطاب يتحدث عن محاربة الفساد والتزام الشفافية والعدالة واستخدامه مفردات من قبيل أن "الكفن ليس له جيوب" وحرصه على إجراء محاكمات لما اعتبرهم من أصحاب الثراء غير المشروع في عهد سلفه أنور السادات وغير ذلك من لمسات أحسنت آلته الإعلامية توظيفها خلال هذه السنوات ولكن مع دخوله فترته الرئاسية الثانية - رغم تصريحاته بأنه لا ينوي الاستمرار في الموقع الأول في مصر- بدت الصورة تأخذ ملامح مغايرة فقد ظهر ولعه بالملابس المصنعة في الخارج وتمسكه بالسلطة ثم دخول حرمه إلى دائرتها عبر بوابة الأنشطة الاجتماعية والتي سرعان ما أصبحت تمتلك سلطة موازية لمبارك وهو ما رصدته شخصيا خلال متابعتي لأنشطة الحزب الوطني والبرلمان بمجلسيه: الشعب والشورى خلال عقد الثمانينات من القرن الفائت قبل أن أتوجه للدوحة في سبتمبر من 1988 وتنقطع صلتي بهذه المؤسسات التي أسهمت بنصيب وافر من إفساد الواقع السياسي المصري بما في ذلك قطاع من العاملين بالصحف والإعلام بمختلف اتجاهاتهما ثالثا: إن إصرار ثوار يناير على محاكمة الرئيس السابق ونجليه ورموز نظامه يعكس حالة التضخم واتساع مساحة الإجرام تجاه الشعب ليس على صعيد الفساد فحسب وإنما على صعيد إفساد الحياة السياسية من خلال الاعتماد على التزوير في تشكيل المجالس البرلمانية والمحلية وغزل القوانين والتشريعات والتعديلات الدستورية على نحو يتناغم مع مشروع التوريث الذي كان يهدف إلى توصيل الابن جمال إلى السلطة خلفا لوالده وقد كشفت الوثائق عن أن شهر مايو الحالي كان هو الشهر الذي سيشهد انطلاقه بعد أن يعلن مبارك الأب رغبته في عدم الترشح للرئاسة في عيد مولده الذي يوافق الرابع من الشهر نفسه واللافت أن أسرارا كثيرة أخذت تتكشف عن أبعاد هذا المشروع الأخطبوطي الذي وظفت كل أجهزة السلطة المصرية خاصة الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام الحكومية والقطاعات المختلفة بالدولة لتنفيذه إلى الحد الذي كان يستعد فيه جمال مبارك للإقدام على انقلاب على المؤسسة العسكرية ذاتها من خلال الإيعاز لوالده بتعيين الفريق حمدي هيبة رئيس هيئة التصنيع الحربي والذي كان رئيسا سابقا لأركان القوات المسلحة وزيرا للدفاع بدلا من المشير حسين طنطاوي وأنس الفقي رئيسا لجهاز المخابرات بدلا من اللواء عمر سليمان وكلاهما كانا يشكلان عقبة أمام مشروع التوريث ووفقا لوثائق ويكليكس فإن المشير بالذات كان مناهضا بقوة لهذا المشروع ولعل ذلك يفسر سرعة الاختيارات التي أقدم عليها المشير وأعضاء المجلس الأعلى العسكري للقوات المسلحة انحيازا لثورة الشعب والتي رأوا فيها إجهاضا عمليا وجماهيريا لهذا المشروع رابعا: أعادت ثورة الخامس والعشرين مصر إلى مسارها القومي الصحيح ودورها الإقليمي الطبيعي بحكم البعد التاريخي وعبقرية موقعها وحجمها الديمغرافي وقوتها الناعمة والتي أهدرت بداية من تولي أنور السادات السلطة خلفا للزعيم الراحل جمال عبد الناصر ثم أجهز عليها حسني مبارك وتجلى ذلك في عودة الدوائر الثلاث للسياسة الخارجية للمحروسة إلى العمل بعد توقف أو جمود وهي الدائرة العربية ثم الإفريقية ثم الإسلامية ولعل إنجاز المصالحة الفلسطينية يشكل القطرة التي تسبق الغيث ومع ذلك فإن مهاما عدة ومتنوعة مازالت مطلوبة من الثورة وبإيقاع أسرع مما يتحقق على أرض الواقع في مقدمتها الانتهاء من بناء منومة أمنية تتوافق مع معادلة الحسم والعدل ضمن محددات احترام حقوق الإنسان تسعى إلى فرض هيبة الدولة وتنحاز إلى ما يسمى بالأمن الاجتماعي بعيدا عن الأمن السياسي والذي استغرق كل طاقة وموازنة المؤسسة الشرطية في مصر خلال الثلاثين عاما الماضية خاصة العقدين الأخيرين منها والتوجه إلى صياغة السياسات والبرامج العملية للعدالة الاجتماعية والمزيد من الانحياز للفقراء والسعي إلى التخلص من رموز النظام السابق خاصة الذين مارسوا الفساد والإفساد في الأرض والسعي بقوة إلى استعادة القدرات الذاتية لبناء مشروع للنهوض الاقتصادي والاجتماعي يعيد مصر إلى سيرتها الأولى عبر مخطط يتكئ إلى القطاع العام ولا يغفل القطاع الخاص الوطني ويتجنب مساوئ الخصخصة والرأسمالية المتوحشة التي طبقتها الحكومات المتعاقبة في زمن مبارك بالطبع المرء يدرك أن المرحلة الراهنة هي مرحلة انتقالية ولعل النهوض الحقيقي مرتقب له بعد أن تسلم القوات المسلحة الحكم لسلطة مدنية بعد إجراء الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في سبتمبر المقبل ثم الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم غير أن ذلك لا يعني التوقف عن الحركة الثورية النشطة التي تعيد مصر إلى عبقرية مكانها ومحورية دورها وقدرتها على الإبداع الحضاري كما كانت على مدى آلاف السنوات.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5205
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
1911
| 05 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
1731
| 02 أكتوبر 2025