رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تتمدد فينا الأوجاع رغم أنه عام جديد يبدأ خطواته الأولى تتسلل إلى الأوردة والشرايين وأخشى ما أخشاه أن تقترب من القلب لحظتها لن يكون بمقدور الأمة النهوض مجددا تفترسنا الانكسارات تخترق جدراننا ومنازلنا وغرف نومنا تحاصرنا تقض مضاجعنا هو عام جديد يلقي بظلاله لكن خضرة الحقول صارت باهتة خاصمها التوهج فأنبتت فينا الهزيمة والسكون والوقوف بالمحطات الراكدة آه أصرخ من فرط الوجع وهل أملك سوى الصراخ؟ الوطن تسكنه الأشباح تمزقه متوالية الانقسام يعزف الصمت سلاما وطنيا يسكب الجراح عنوانا للمرحلة صرخاتي لا تهدأ ولكن أي جدوى من الصراخ تعلو همهماتي فلسطين تواصل عزف سنونو الاحتلال والقتل والتمزق الداخلي ترتفع هامته رايته لا تنكسر أبداً والعدو رابض بالأرض يشعل نيران كراهيته للإنسان وللزيتون وللقدس ولهامات الرجال ورؤوس النساء الصامدات وقسمات الصبايا التي يقيم فيها الجوع، مصلوبة فلسطين منكوبة ليس بعدوها الغاصب والقاتل والسارق والمستوطن والمستعمر ولكن ببنيها الرافعين أكف الحروب الأهلية والنار الكارهين للتصالح للبقاء في خانة الوطن الموحد المغزول بدمائهم وأرواحهم آه أيا فلسطين الساكنة في ملامحي وذاكرتي وبقايا روحي وجروحي ودمي ما أنا بقادر على أعادتك إلى سيرتك الأولى عفية مزدانة ببيارات البرتقال وشجر الزيتون وليلك المزدهر بالصلوات في القدس بيت لحم يأهل فلسطين عودوا إلى الثورة إلى الحلم إلى الأرض إلى الركض في شوارع القدس العتيقة صلوا من أجلها من أجل أطفالكم ونسائكم وعبق الأزمنة القديمة لا تخلو الميدان أيقظوا البراءة أقيموا صلاة الحضور ولا ترفعوا أصواتكم فوق صوت البندقية دعوني أصلي معكم والسودان وما أدراك ما السودان وجع جديد يتدفق إلينا مع النيل الساكن فينا يتجه إلى غياب الوطن الواحد يكتب رسالته الأخيرة قبل الانقسام خلال ساعات فمن نعزى؟ لمن نوجه صرخاتنا؟ لهؤلاء الذين فرطوا في خصوبة الأرض وصلابة الرحم وعذوبة القلب وبراءة الروح لمن نشير بأًصابع الاتهام؟ لمن يحكمون في الشمال والجنوب؟ لمن يرقصون على جماجم الوطن؟ لمن تركوا السودان وحيدا في مهب رياح التقسيم والانكسار؟ أم لن حرضوا من خارج الحدود بعد أن دفعوا للراغبين ورفعوا العصا على المعترضين فقبل الجميع باستماتة استثنائية تنفصم عرى لوطن ويبقون هم في كراسيهم المهتزة القابلة للسقوط في أي لحظة صلوا معي من أجل السودان الذي لن يبقى وطنا واحدا وإنما أوطان متعددة في الجنوب والغرب والشرق والشمال وفي العراق صوت يدعو في البرية إلى سرقة شماله عازفا أغنية وهمية أو قل عبثية عن تقرير المصير والذي لا يعني سوى الخروج عن سرب الوطن الواحد وما زال الجرح غائرا تمتزج دماؤه النازفة بدجلة والفرات وبغداد تئن تحت سياط القادمين بسيوف الاحتلال القتلة الغزاة الكذابون المخادعون اسأل عن ليلى العراقية فوجدتها قد ارتدت ثوبا أمريكيا وغطت وجهها بمساحيق من واشنطن ولندن وتل أبيب لكنها اكتشفت بعد فوات الأوان انتهاء صلاحيتها وزيفها وفسادها فلم يعد عطرها فواحا ولم يعد عودها صبيا تكالب عليها البصاصون ومصاصو الدماء لكني أراهن على ليلى أخرى ما زالت ترتدي حلة من زمن جعفر المنصور وهارون الرشيد والمعتصم والصومال وطن مدفوع إلى حافة النهاية ودماء بنيه تعانق الطرقات والشوارع والمدن والقرى التي غابت عن الخارطة فسافر عنها الأخضر واليابس لم يعد بلادا للعطور والحنطة واللحوم أنما بلاد للدم والنار والثلج الذي يسكن القلوب والأفئدة ليلك يا صومال لا تبدو نهايته وفجره يخاصم المجيء لأن أهله نسوا لون الفجر استمرأوا العتمة والهجرة إلى القتل اليومي والمجاني وسرقة البهجة من عيون صبايا وأطفال كانوا يحملون بوطن فجاء من يرفع عبثا راية الشريعة ليمزق الوطن ويقتل الصبايا والأطفال ويبيع أعضاءهم في أسواق مقديشيو المسكونة بالجن والشياطين والصمت الرهيب بعد أن غادرتها الملائكة الغاضبة لمن تدق أجراس نهاية العام الراحل وبداية العام الجديد كلاهما مر كلاهما زبد وحرب ودم ولغة النار هي القصيدة المقرر في مناهج الدراسة الفقراء يجوعون وأصحاب الثروات يتكاتفون على وأد البراءة فينا والنخب الحاكمة تدمر بقايا روح الصلابة تريدنا عدما قطيعا عبيدا دون ثمن ثمة أطفال ليس بمقدورهم التعرف على لون الحليب من فرط غيابه ثمة نسوة ورجال يموتون من فرط الألم ومكابدة عذابات البحث عن لقمة خبز وقطعة حرية أقول قطعة حرية وليس مساحة حرية لمن تدق أجراس الأول من يناير؟ للحالمين بقصيدة مغايرة مفرداتها خبز وحرية أم للقاسية قلوبهم سارقي الأوطان وأكباد العباد أم للجالسين على المقاعد الوثيرة وأصحاب الحوانيت والحسابات عابرة الحدود أم للصامتين الجوعى والحيارى الذين تساقطت الخضرة من وجوههم فبدت سوءة القابضين على الأوطان؟ لمن تدق أجراس الأول من يناير؟ للأحلام المجهضة والقلوب التي تجهش بالبكاء في طوابير الصباح والظهيرة والمساء للمكبوتين المقهورين الذين فقدوا القدرة على الحلم لأن ثمة من يحاصر ليلهم ويسد الطرقات أما م انبثاق شمسهم الغائبة دوما أم للشوارع الخالية من المارة والقرى المجردة من الحقول والمدن المسكونة بالوجع أم للموسيقى المدهشة التي غادرتنا ولليالي المغزولة بالطرب الأصيل التي سافرت عن بلادنا فتقوقعنا في هشاشة عظام الكلام والأناشيد ما زلت أصرخ ما زال يتردد صدى صراخي ووجعي وجوع روحي وولعي بالشعر المهاجر والفجر البعيد أنيني عزف يومي وهمسي صلاة مفقودة براءتها وقلبي مزيج من صمت وهجر وثناء وأفق يسأل عن صباح جديد قبل إرسال المقال: أصابتني الفجيعة وأنا أتابع وقائع الهجوم الذي تعرضت له كنيسة الإسكندرية في الساعات الأخيرة من ليلة الجمعة الماضية والتي راح ضحيتها عشرون من الأٌقباط ونفر من المسلمين فضلا عن إصابة 80 شخصا وهو عمل استفزني وأقض مضجعي وأدمى قلوب المصريين جميعا بل وأمة العرب التي سارعت دولها تندد به إلى جانب تنديد دولي واسع ولا يخرج هذا الحادث عن سياق الوجع الذي تتعرض له الأمة مع مقدم العام الجديد خاصة أنه وقع في أول أيامه وثمة قوى خارجية بالتأكيد وراءه ولا أستبعد مع عدد غير قليل من المراقبين الدور الصهيوني وهو الأمر الذي أشار إليه أحد قيادات الموساد السابقين قبل فترة واعترافه بدوره كيانه في محاولات تأجيج الفتنة داخل المحروسة التي استشاطت غضبا لما جرى في الإسكندرية عن بكرة أبيها أن المحروسة أكبر من مؤامرات الذين يسعون إلى إبقائها في خانة الفتنة واللعب بقواعد استقرارها وأحلام شعبها لن يفوزوا مطلقا حتى لو بدا لهم عكس ذلك في المدى القصير السطر الأخير:
داهمتني أشواقي إليك
فأبحرت إلى مدائن العشق بعينيك
فخذيني إلى دفئك
طفلا يتمدد بين ذراعيك
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6735
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6357
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3405
| 12 أكتوبر 2025