رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

حين يصبح بيتنا أول غربة لأبنائنا

لنتوقف لحظة عند عتبة بيوتنا في الخليج، ونتأمل ذلك المشهد الذي يمتزج فيه الفخر بالقلق؛ حين نستمع بفخر لطفلنا وهو يتحدث الإنجليزية بطلاقة ولكنة شبه أصيلة، معتبرين ذلك استثمارًا صائبًا في مستقبله. ولكن، يداهمنا القلق حين تنادي الجدة حفيدها بكلمة تراثية دافئة، أو يحاول الجد أن يروي له قصة من قصص الأولين، فيقابلهما الطفل بنظرة حائرة. هذه اللحظة تكشف عن حقيقة جوهرية: أي تنمية لا تنسجم مع الثقافة تخلق شرخًا وعدم توازن سنعاني منه مستقبلًا. إن أخطر أنواع هذا الشرخ هو تنمية عقول أبنائنا مع إهمال قلوبهم وهوياتهم. وهنا يبرز سؤال جوهري: في سعينا لتنمية «لغة العقل» - لغة العلم والوظيفة - هل بدأنا دون قصد في إضعاف «لغة القلب» لديهم؟ لغة الروح والهوية والانتماء. حين نجعل الإنجليزية لغة تواصلنا اليومي مع أبنائنا في المنزل، هل نبني لهم جسرًا نحو العالم، أم أننا نجعل من بيوتنا أول محطة اغتراب في حياتهم؟ إن أكبر خطأ قد نرتكبه هو الاعتقاد بأن اللغة مجرد أداة محايدة، فالحقيقة أن اللغة هي «وعاء الروح»؛ هي الشفرة التي نحمل بها أعمق مشاعرنا وذكرياتنا. عندما يقرر الأبوان، بحسن نية، جعل الإنجليزية لغة الحوار الأساسية، فإنهما يضعان نفسيهما وأطفالهما في حالة «ترجمة» مستمرة للمشاعر. الأم التي تريد أن تعبر عن حبها العميق بكلمات مثل «يا بعد عمري» أو «يا ضناي»، تجد نفسها تستبدلها بكلمة «My dear». الكلمة قد تؤدي المعنى، لكنها تفقد شحنتها العاطفية والثقافية الكاملة. هذا المجهود المستمر في «ترجمة المشاعر» يخلق مسافة خفية، ويجعل العلاقة أقل عفوية وأكثر تصنعًا. إننا نعلمهم لغة العقل، لكننا نفطمهم تدريجيًا عن لغة الوجدان التي تربطهم بنا وبأرضهم. تتعمق هذه المأساة حين تمتد إلى علاقة الطفل بأجداده. هؤلاء الكبار، كنوز الحكمة والذاكرة الحية لثقافتنا، يصبحون عاجزين عن التواصل الحقيقي مع أحفادهم. يقف حاجز اللغة سدًا منيعًا أمام الجد الذي يريد أن يروي قصة بطولة، وأمام الجدة التي ترغب في تعليم حفيدتها أصول الضيافة. تتحول العلاقة التي يجب أن تكون مصدرًا للدفء إلى مجرد ابتسامات ومجاملات سطحية. نحن لا نحرم أطفالنا من أجدادهم فحسب، بل من إرث ثقافي وروحي لا يمكن لأي مدرسة أجنبية أن تقدمه. الحل لا يكمن في رفض اللغات الأخرى، بل في إعادة كل لغة إلى مكانها الصحيح. تنمية أبنائنا مسؤولية تبدأ من البيت. • اجعلوا العربية لغة القلب والبيت: يجب أن يتخذ الأبوان قرارًا واعيًا بأن تكون اللغة العربية، بلهجتنا الخليجية الدافئة، هي لغة المشاعر والنقاشات وقصص ما قبل النوم. لتكن الإنجليزية لغة المهارة في المدرسة، والعربية لغة الهوية في البيت. • كونوا أنتم القدوة: تحدثوا معهم بالعربية، اقرأوا لهم قصصًا عربية، وشاهدوا برامج هادفة بلغتهم. إذا رأى الطفل أن لغته الأم ثانوية في نظر والديه، فلن يحترمها. • أغرقوهم في جمال ثقافتهم: خذوهم إلى الأماكن التراثية، علّموهم عن الأكلات الشعبية ومعنى «القهوة» و»إقلاط الضيف»، واجعلوا ثقافتهم جزءًا حيًا ومحبوبًا من حياتهم. في الختام، هدفنا الأسمى ليس تخريج أجيال تتحدث الإنجليزية بطلاقة، بل تربية أجيال تشعر بعمق بلسانها الأم، وتعبر عن أفكارها الأصيلة بأي لغة أخرى. حين نجعل بيوتنا فضاءات إنجليزية، قد نسلب أطفالنا ميزتهم الأهم: الشعور بالانتماء العميق والجذور الراسخة. الطفل الذي لا يجد هويته في بيته سيظل يبحث عنها طوال حياته. فلنجعل بيوتنا حصونًا لهويتهم، لا أولى محطات غربتهم.

363

| 15 أكتوبر 2025

طوفان الشاشات وقانون التوازن.. كيف نُسخّر العالم الرقمي لخدمة قيمنا؟

يقف الآباء اليوم أمام معضلة كبرى: كيف نمنح أبناءنا «مهارات المستقبل» العالمية، كالبرمجة والذكاء الاصطناعي، دون أن نسلخهم عن «روح هويتهم» وقيمهم وجذورهم الروحية؟ كيف نمنحهم أجنحة يحلقون بها، وجذورًا قوية تشدهم إلى أرضهم؟ إن اكتساب هذه المهارات حتمي لمواكبة العصر، فمن لا يتقن أدوات اليوم يصبح من أميّي الغد. لكن الخطر يكمن في استيرادها كـ «حزمة ثقافية» كاملة تحمل في طياتها قيمًا قد لا تشبهنا، يضاف إلى ذلك المخاطر التقنية الكامنة في طبيعتها إن لم تُحكم بضوابط أخلاقية، مثل «تحيز الخوارزميات»، وقضايا «الخصوصية»، والتأثيرات النفسية للإفراط في استخدام الشاشات. الحل لا يكمن في الرفض أو القبول الأعمى، بل في طريق الحكمة: «توطين المهارات»، أي أن نأخذ الأداة ونستخدمها بوعي لصناعة ما يشبهنا. وهذا يتطلب إعادة تصميم طريقة التعليم نفسها، وذلك عبر: • ربط المهارات بأهداف مجتمعية: كأن نوجه طاقات المبرمجين الشباب لتصميم تطبيقات تخدم كبار السن في الحي، أو منصات تنظم العمل التطوعي. • تأطيرها ببوصلة أخلاقية: كأن نعلّم «التفكير النقدي» كأداة للوصول إلى اليقين «والتبيّن»، لا كأداة للتشكيك العبثي. • ممارستها بروح جماعية: كأن نربي أبناءنا على العمل الجماعي بروح «الشورى» و»التعاون»، لا المنافسة الفردية الشرسة. ويمكن ترجمة هذا الفكر إلى ابتكارات أصيلة في سياقنا الخليجي؛ فتتحول قيمة «الفزعة» إلى «هاكاثون الفزعة» لحل المشكلات الطارئة، ويتطور «الوقف» ليصبح «وقفًا رقميًا» يدعم المحتوى العربي المفتوح المصدر، ويتحول «المجلس» إلى فضاء يجمع العقول الشابة بالمسؤولين لطرح الحلول. إنها دعوة لتحويل مهارات العصر إلى أداة لتقوية نسيجنا الاجتماعي، لا لتفكيكه. إن الهدف النهائي لا ينبغي أن يتوقف عند «حماية الهوية» في موقف دفاعي، بل الارتقاء بها لتصبح مصدر إلهام عالمي. فالعالم الذي يعاني من أزمات المادية المفرطة، قد يكون متعطشًا لنموذجنا الذي يوازن بين النجاح المادي والسكينة الروحية. جيلنا الجديد ليس مكلفًا فقط بتعلم المهارات، بل بتصدير نموذج قيمي جديد للعالم، مغلف بهذه المهارات. إن تحقيق هذا التوازن مسؤولية تكاملية؛ فعلى صناع القرار في التعليم الاستثمار في تصميم مناهجنا الخاصة التي تنبع من بيئتنا. وعلى رواد الأعمال جعل «الأثر المجتمعي» مقياسًا رئيسيًا للنجاح تمامًا مثل «الربح». وعلى الإعلاميين والمؤثرين إبراز النماذج الشبابية التي نجحت في هذا التوازن، لتكون قصصهم الملهمة منارة تضيء الطريق للأجيال القادمة.

213

| 08 أكتوبر 2025

عقد الثقة المفقود.. كيف نصنع توازناً جديداً في مجتمع الشكوك؟

كانت الثقة يوماً ما فطرية، وكانت كلمة الرجل ميثاقاً. لكن الحياة تعقدت، ونشأت بيننا «ثقافة شكوك» لها ما يبررها. فهل نستسلم ونتحسر على الماضي؟ الحل ليس في الحنين، بل في الشجاعة على بناء مستقبل مختلف، عبر الانتقال من «الثقة الفطرية» المتآكلة إلى «الثقة الواعية» التي يجب أن نصنعها بأيدينا صناعةً. هذه الثقة الجديدة لا تُمنح تلقائياً، بل تُكتسب عبر عقد اجتماعي جديد، بنوده مستمدة من عمق ثقافتنا. ما هي بنود هذا العقد؟ بند الوضوح والبيان (لا غرر): الشفافية في ثقافتنا ليست مجرد نشر تقارير، بل هي شرط أخلاقي. فالمشروع الغامض باطل روحانياً قبل أن يكون فاشلاً إدارياً. بند الشورى والأمر الجامع: المشاركة المجتمعية ليست مجرد ممارسة إدارية، بل هي تطبيق لمبدأ «الشورى» القرآني، وتجاهلها خرق للمنهجية الربانية في إدارة الشأن العام. بند الأمانة والمسؤولية («كلكم راعٍ»): هذا الحديث يذكر القائم على أي مشروع بأنه ليس مجرد «مدير»، بل هو «راعٍ» مؤتمن على موارد وطموحات المجتمع. بند تفقُّد الأحوال (صلة الرحم المجتمعية): التواصل الفعال ليس مجرد اجتماعات، بل هو اهتمام شخصي حقيقي، كعاداتنا في العزاء والتهنئة، التي هي غراء يقوي المجتمع. بند حفظ الكرامة (لا منّ ولا أذى): هذا هو البند الجوهري. فطريقة تنفيذ المشروع لا تقل أهمية عن المشروع نفسه. يجب أن يشعر المستفيد بأنه شريك مُكرّم، لا مُتلقٍ للمنة. قد يسأل سائل: ولماذا كل هذا الجهد في عصر الشكوك؟ ألا توجد تكلفة ومخاطرة؟ بلى، فالثقة الواعية لا تعني السذاجة. لكن الحكمة تقتضي ألا نغفل عن التكلفة الباهظة لـ «نظام الشك» نفسه: تآكل العلاقات، موت المبادرات، وتضخم البيروقراطية الخانقة. التكلفة الأعظم للشك هي تفتيت «العصبية المجتمعية» التي هي روح الأمة وصمام أمانها. المطلوب إذن ليس ثقة عمياء ولا شكاً مُقعداً، بل هو التوازن. أن ندرك أن حفظ كيان المجتمع يتطلب منا الشجاعة على إعادة بناء جسور الثقة، لأنها شريان الحياة. إن دعوتنا هذه ليست مجرد دعوة لتحسين إدارة المشاريع، بل هي دعوة إستراتيجية لإعادة بناء «عصبية الأمة» التي تحدث عنها ابن خلدون، حتى نستعيد قدرتنا على التماسك والنهوض الحضاري.

156

| 01 أكتوبر 2025

الوقف والزكاة.. إعادة التوازن من الإغاثة العاجلة إلى التمكين المستدام

حين نسمع عن الزكاة والوقف، تتبادر إلى أذهاننا صورة سلة طعام رمضانية أو فاتورة تُسدد. هذه أعمال جليلة، لكنها أشبه بإعطاء ماء بارد لعطشان. السؤال الأهم: ماذا عن اليوم التالي؟ هنا يظهر الخلل في الميزان بين «الإغاثة العاجلة» التي تعالج الأعراض، و»التمكين المستدام» الذي يستأصل جذور المشكلة. لقد شُرعت الزكاة والوقف ليكونا علاجاً شافياً للمرض، لا مجرد مسكن مؤقت للألم. فالزكاة، في تصميمها الأصلي، أداة للقضاء على الفقر لا لإدارته. هدفها النهائي ليس إبقاء الفقير معتمداً على المساعدة، بل انتشاله من دائرة الحاجة ليصبح هو نفسه مزكياً. والوقف، بفكرة «حبس الأصل وتسبيل المنفعة»، هو النسخة الأصلية والأكثر استدامة للاستثمار الاجتماعي، وهو المحرك الذي بنى الجامعات والمستشفيات عبر تاريخنا. لماذا إذن يطغى نموذج الإغاثة؟ لأن أثره فوري وحاجته ملحة. لكن الاعتماد الكلي عليه يخلق ثقافة الاتكالية. المؤسسة الخيرية التي تكتفي بالإغاثة تشبه مستشفى لا يملك إلا غرفة طوارئ؛ يقوم بعمل بطولي، لكنه لا يساهم في رفع المستوى الصحي العام للمجتمع. إن الدعوة هنا ليست لإيقاف الإغاثة، بل لإعادة توجيه الجزء الأكبر من مواردنا نحو «التمكين». هذا التحول ليس مجرد كفاءة اقتصادية، بل هو «جبر للخواطر»؛ فالأرملة التي تبيع أول قطعة من خياطتها لا تحصل على مال فقط، بل تسترد شعوراً بـ «فخر الإنتاج» الذي لا يمكن لأي مبلغ إغاثي أن يمنحه. قد يعترض البعض بأن الفتاوى الغالبة تدفع نحو الإغاثة العاجلة. هذا صحيح، لكنه ليس الصوت الفقهي الوحيد. فهناك مسار فقهي آخر، تبناه علماء أجلاء قديماً وحديثاً، يفتح الباب واسعاً لاستخدام أموال الزكاة في أمور تمكينية تحقق الغنى المستدام، وهو الأقرب لحكمة التشريع الأصيلة. كيف يبدو هذا على أرض الواقع؟ نحو زكاة تمكينية: بدلاً من إعطاء العاطل مبلغاً شهرياً، يمكن تسجيله في دورة تدريب مهني تضمن له وظيفة. وبدلاً من إعطاء الأرملة صدقة، يمكن شراء ماكينة خياطة لها وتدريبها على بدء مشروعها. نحو وقف يصنع الفرص: الوقف أداة بناء حضاري. تخيل «وقفاً للمحتوى العربي الرقمي» يمول إنتاج محتوى علمي لمواجهة التفاهة، أو «وقفاً لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي» لكيلا نكون مجرد مستهلكين سلبيين لتقنيات العصر. ولتحقيق ذلك، يجب أن نغير مقاييس نجاحنا. فبدلاً من قياس «عدد السلال الموزعة»، يجب أن نقيس «عدد الأسر المكتفية» التي لم تعد بحاجة لمساعدتنا. هذا أصعب ويتطلب متابعة، لكنه المقياس الحقيقي للنجاح. إن جوهر هذه الدعوة هو الانتقال من «عطاء الرحمة» الضروري لإطفاء الحرائق، إلى «عطاء الحكمة» الذي يمنع نشوبها مستقبلاً. أن ننتقل من دور «المسعف» إلى دور «البنّاء» الذي يشارك في تشييد مجتمع قوي، منتج، ومعافى.

339

| 24 سبتمبر 2025

بطة الذهب وثقافة يوم الجمعة.. هل خسارتنا أكبر من أرباحنا؟

بين الحين والآخر، يتجدد في مجتمعاتنا الخليجية نقاش حيوي حول عطلة نهاية الأسبوع. هو نقاش صحي، ولكنه غالبًا ما يُدار من زوايا قاصرة، كل واحدة منها تنظر إلى القضية بعين واحدة، ولا ترى الصورة الكاملة. هناك من يتعامل مع الموضوع من زاوية دينية بحتة، وهذا منهج لا يكفي، لأن إجازة نهاية الأسبوع في الإسلام ليست فريضة شرعية بل هي نظام اجتماعي. وهناك طرف آخر يتعامل معها من زاوية اقتصادية ضيقة، تركز فقط على التوافق مع أسواق المال العالمية، وهي أيضًا زاوية أحادية الجانب. وطرف ثالث ينادي بضرورة الاندماج في المنظومة الدولية حتى لا نبدو في نشاز عنهم، وهي حجة هشة لا تصمد أمام قضايا الهوية الكبرى. لكن هناك منهجية أخرى أكثر صلابة وعمقًا، وهي التي تدرك أن الموضوع ليس في مساحة الدين أو الاقتصاد أو السياسة، ولكنه في المساحة الأوسع والأشمل التي تحتضن كل هذا: مساحة «الثقافة». فكما تعلمنا، إن أي تغيير كبير في توازن المجتمع وتحريك أسسه، ينبغي أن يُدرس بمنهجيات تناسب حجمه وتأثيره. إن قوة «يوم الجمعة» الحقيقية تنبع من كونه مؤسسة ثقافية ودينية راسخة، و»طقسًا اجتماعيًا» له إيقاعه الخاص. هو اليوم الذي نقدس فيه فرض الجمعة كحدث محوري يعيد ضبط بوصلتنا الروحية، واليوم الذي تجتمع فيه الأسرة لتقرأ سورة الكهف، فتُسكب السكينة على البيت. ومن هذا المركز الروحي، تتفرع طقوس صلة الرحم، وغداء الأسرة الممتدة. وتفقد الأحياء، بل وحتى الأموات في المقابر. وهذا التماسك ليس مجرد شعور، بل ظاهرة اجتماعية عميقة، وهو ما يتوافق مع رؤية عالم الاجتماع إميل دوركايم بأن قوة أي مجتمع تكمن في «طقوسه الدورية» التي تجدد الروابط وتؤكد المعتقدات الجماعية. وما «ثقافة يوم الجمعة» إلا تطبيق حي لهذه النظرية، فهي الطقس الأسبوعي الذي يعيد نسج «العصبية المجتمعية». الحجة الأبرز لتغيير النظام هي اقتصادية بحتة: كسب يوم إضافي مع الأسواق العالمية. ولكن الحكمة تقتضي أن نحسب الخسارة غير المنظورة؛ فما سنكسبه من أموال لا يساوي معشار ما سنخسره من بعد ثقافي وقيمي في تفكك هذا الطقس الاجتماعي الذي يمثل شريان الحياة لأسرتنا، أغلى ما نملك. وهنا نصل إلى جوهر القصة: مجتمعاتنا الخليجية، بتماسكها الأسري، تشبه تلك البطة التي تبيض ذهبًا. «البطة» هي هذا الإرث من القيم، و»البيضة الذهبية» هي الاستقرار والأمان الذي تنتجه. والدعوة للتضحية بهذه البنية الثقافية من أجل مكاسب آنية، تشبه تمامًا قصة الطماع الذي ذبح بطته فخسر الأصل والربح معًا، في تدمير استراتيجي لأهم أصولنا. وفي الختام، فإن النقاش حول توقيت الإجازة يجب ألا يحجب عنا التحدي الأكبر. فالعبرة الحقيقية ليست في «متى» نعطل، بل في «كيف» نملأ عطلتنا. فإجازة فارغة من صلة الرحم والراحة المنتجة التي تنمي الإنسان وتعزز الهوية، هي خسارة ثقافية محققة، بغض النظر عن يومها. إن توريثنا أسرة متماسكة عميقة لأجيالنا هو أغلى من كل أموال الأرض.

501

| 17 سبتمبر 2025

من ثقافة الشكوى إلى ثقافة المبادرة.. استعادة التوازن في دور الفرد

في مجالسنا الخليجية ومحادثاتنا اليومية، يتردد صدى مألوف: سيل من الشكاوى حول أداء المؤسسات، أو سلوكيات الشباب، أو غلاء الأسعار. لا شك أن النقد ضرورة، لكن حين يتحول إلى نغمة دائمة، نكون قد وقعنا في فخ «ثقافة الشكوى» الذي يستنزف طاقتنا ويشل قدرتنا على الفعل. إنه خلل في ميزان الفرد الداخلي، حيث يلقي بكل ثقله في كفة «الظروف الخارجية»، ويترك كفة «الإرادة الذاتية» فارغة وخفيفة. لماذا تبدو هذه الثقافة جذابة في بيئتنا تحديداً؟ لعل السببين التاليين يفسران جزءاً من الظاهرة: أولاً، «متلازمة الدولة الراعية»؛ فعقود من الرعاية الحكومية الشاملة، رغم إيجابياتها، قلصت من حجم «عضلة المبادرة» الفردية، وجعلت من الشكوى أداة المطالبة الطبيعية. ثانياً، «رفاهية الشكوى»؛ فالرفاه المادي النسبي قد يحول الشكوى من تعبير عن ألم حقيقي إلى مجرد «فضفضة» في المجالس، مما يجعل الانتقال للمبادرة أكثر صعوبة، لأنه يتطلب «همة» واعية لا «حاجة» ملحة. في المقابل، يقف «صاحب المبادرة». هو ليس شخصاً خارقاً، بل فرد قرر أن يغير زاوية نظره. هو لا ينكر المشكلة، لكنه يرفض أن تكون نهاية القصة. هو يركز طاقته المحدودة على «دائرة تأثيره» المباشرة، مهما صغرت. هذا الشخص يجسد المفهوم القرآني لـ «عمارة الأرض»، فالله «اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»، أي كلفكم بمهمة الإصلاح والبناء. الشكوى هي عكس العمارة، إنها خراب نفسي، أما المبادرة فهي تطبيقها العملي. صاحب المبادرة لا يكتفي بالفعل، بل يسعى لـ»الإحسان» فيه، أي إتقانه وتجويده كأنه يرى الله. هو يرى في مبادرته، مهما صغرت، اقتداءً بأعظم المبادرين في التاريخ: الأنبياء والصالحين. فكيف نزرع بذرة المبادرة في حياتنا؟ -ابدأ بمملكتك الصغيرة: قبل إصلاح العالم، رتب سريرك، بادر بكلمة طيبة في بيتك. التغيير يبدأ من محيطك المباشر. -اختر معركة صغيرة وفز بها: لا تشغل نفسك بالمشكلات الكبرى. ابدأ بقضية صغيرة في حيك (كمنظر القمامة) أو عملك (كتنظيم الملفات). النجاح الصغير يولد دافعاً لنجاح أكبر. -ابحث عن شريك واحد: المبادرة مُعدية. شخصان يعملان أقوى من ألف شخص يشكون. ثم احتفلوا بانتصاركم الصغير، فالإيجابية هي وقود المبادرة. -حوّل المبادرة إلى كيان: بعد النجاح الأول، فكر في الاستدامة. تعلم مهارات «العمل المؤسسي» البسيطة: شكل فريقاً صغيراً، أو اكتب «ميثاق عمل» لمبادرتك. هذا ينقلها من الاعتماد على حماسك الشخصي إلى كيان يمكن أن ينمو ويستمر. إن استعادة التوازن التنموي في مجتمعاتنا ليست مهمة الحكومات وحدها، بل هي مسؤولية تبدأ من كل فرد. تبدأ في اللحظة التي تقرر فيها أن تكون مصدر ضوء، مهما كان خافتاً، بدلاً من أن تلعن الظلام. هذا التحول ليس عبئاً، بل هو تحرر، وهو أن ننتقل من كوننا مجرد نقاد سلبيين لقصة العالم، إلى أن نصبح مشاركين فاعلين في كتابة فصولها الأجمل.

279

| 03 سبتمبر 2025

alsharq
مؤتمر صحفي.. بلا صحافة ومسرح بلا جمهور!

المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...

7902

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
من فاز؟ ومن انتصر؟

انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...

6825

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2838

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

1980

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»

قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....

1578

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1386

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
مواجهة العزيمة واستعادة الكبرياء

الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...

1212

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
العطر الإلكتروني في المساجد.. بين حسن النية وخطر الصحة

لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...

1116

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
قطر تودّع أبناءها الشجعان

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبمشاعر يعتصرها الحزن...

798

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
هل نحن مستعدون للتقدّم في العمر؟

مع أننا نتقدّم في العمر كل يوم قليلاً،...

768

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يحلّق من جديد

في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...

759

| 17 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

738

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية