رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ملاحظات أساسية في مسألة العدوان على غزة

لم يضف العدوان على قطاع غزة جديدا على صعيد تأكيد الطبيعة الهمجية لقطعان بني صهيون منذ وطأت أقدامهم أراضي فلسطين مع بدايات القرن الفائت والتي ترسخت في حرب 1948 وما تلاها من حروب شاملة على الأمة كلها أو جزئية غير أن ثمة ملاحظات أساسية بوسعي الإشارة إليها في ظل العدوان الأخير والذي بدأ في الثامن من شهر يوليو الجاري، أولى هذه الملاحظات أن الكيان الصهيوني بات أكثر نزوعا للحل العسكري من خلال الاعتماد على آلته الحربية وترسانته من العتاد وأحدث الأسلحة التي جاءت في جلها من الحليف الاستراتيجي الأكبر والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وهو مؤشر على أنه مازال يحتفظ بالعقلية الاستعمارية الاستيطانية التي كانت سائدة خلال القرن التاسع عشر ثم القرن العشرين وأنه لم ينسجم بعد مع التطورات التي طرأت على كيفية التعامل مع النزاعات والصراعات بدليل رفضه التجاوب مع الطروحات الرامية لإيجاد حل للصراع العربي الصهيوني على أساس حل الدولتين والذي بات مقبولا على المستويين الإقليمي والدولي وهو ما يفرض على الطرف العربي بالذات الفلسطيني التفكير في إعادة صياغة مساراته في التعامل مع احتلال يتسم بهذه الطبيعة العدوانية الشرسة التي تابعنا آخر تجلياتها في غزة والتي استندت على القتل العشوائي وبالجملة خاصة في أوساط المدنيين وبشكل خاص الأطفال الذين حظوا بالنسبة الأكبر من ضحايا العدوان الأخير فضلا عن الحرص على تدمير المنازل والمستشفيات والبنية التحتية الهشة بالأساس في القطاع المنكوب، ثانيا: إن العدو الصهيوني لا يقيم وزنا أو اعتبارا لأي تدخلات أو مناشدات للتوقف عن العدوان والقتل فرغم كل المبادرات والمطالب الإقليمية والدولية التي دعته للكف عن توجيه قذائفه سواء من طيرانه أو دباباته أو مدافعه المسددة بغباء على شعب القطاع فإنه لم يتجاوب معها متكئا في ذلك على إسناد سياسي للحليف الاستراتيجي وغيره من الأطراف الغربية التي لم تكن تميز في مواقفها تجاه العدوان بين الجلاد والضحية وهو ما كان – ومازال – يظهر في التصريحات التي تطالب بوقف إطلاق الصواريخ من غزة بالتزامن مع وقف الآلة العسكرية للكيان على نحو ينم عن تهافت في الفكر السياسي الغربي بالذات عندما يتعلق الأمر بهذا الكيان وكأنه خارج سياقات القانون الدولي وحتى عندما استجاب لهدنة وصفت بالإنسانية لمدة 12 ساعة أمس الأول فإنه لم يتوقف خلالها عما أسماه بالأنشطة العملياتية لجيش الاحتلال بل وأصر على الاستمرار في القتل حتى قبيل بدء سريان الهدنة بدقائق ونتج عن ذلك استشهاد أكثر من 35 فلسطينيا من بينهم عائلة بأكملها في منطقة الشجاعية بالقطاع صاحبة النصيب الأكبر من قذائف ورصاص قطعان بني صهيون.ثالثا: إن هذا العدوان أظهر القدرات النوعية العسكرية التي أضحت تتسم بها فصائل المقاومة وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام وسرايا الجهاد خاصة على صعيد امتلاك صواريخ متوسطة وطويلة المدى والتي وصلت إلى مدن ومناطق في فلسطين المحتلة في 1948 وتسببت في إرباك المشهد الداخلي ودفعت الآلاف من قطعان بني صهيون إلى البقاء في الملاجئ والأهم من ذلك أن وصول هذه الصواريخ إلى مطار بن جوريون دفع الكثير من شركات الطيران العالمية إلى وقف رحلاتها إلى الكيان مما شكل ولو جزئيا ضربة لقطاع السياحة ومن ثم للاقتصاد. بيد أن التطور الأكثر نوعية تمثل في عمليات اختراق الصفوف الخلفية لقوات الاحتلال والانخراط في مواجهات معها فضلا عن الدخول في اشتباكات مباشرة مع القوات التي دخلت إلى أراضي قطاع غزة والتي أسفرت- إلى جانب عمليات زرع العبوات الناسفة والقنص وتوجيه ضربات للآليات العسكرية- عن مقتل أكثر من 50 ضابطا وجنديا وفق بيانات كتائب عز الدين القسام وأكثر من 37 حسب اعترافات جيش الاحتلال نفسه إلى جانب امتلاك قدرات معينة مكنتها من إصابة مقاتلين من طراز إف 16 وهو ما يوجه رسالة لقطعان بني صهيون مؤداها أن المقاومة رقم صعب في معادلة الصراع ولم تعد تتلقى الضربات مختبئة تحت الأرض بل تواجه وتحقق مردودا يتسق مع إمكاناتها واللافت في هذا السياق أن فصائل المقاومة غدت تمتلك رؤية إستراتيجية وتكتيكات عسكرية مغايرة للحروب السابقة التي واجهت فيها قوات الكيان سواء في 2008 أو في 2012 مما جعلها أكثر ثباتا على الأرض وأكثر قدرة على المناورة مما جعل خسائرها في الأفراد والمعدات أقل بكثير مما كان يتوقع العدو الذي صب جم غضبه على المدنيين والأطفال وتلك فضيحته الكبرى في هذه المعركة التي تشكل له هزيمة بكل المقاييس ولو على المستوى النفسي رغم مما يتبجح به نتنياهو ووزير دفاعه من "أن جيش الدفاع يمضي قدما في تحقيق أهدافه من الحرب على غزة".رابعا: ثمة تغيير واضح في الخطاب السياسي للقيادة الفلسطينية المتمثلة في الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن باتجاه التعامل مع قطاع غزة بحسبانه جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية وهو ما بدا في حرصه على التوجه إلى الدوحة الأسبوع المنصرم للقاء خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية – حماس – والذي وصف بأنه إيجابي الأمر الذي شكل حائط صد في مواجهة محاولات المراهنة على تباين الموقف الفلسطيني. ورغم تباين موقفي كل من السلطة وحماس إزاء المبادرات السياسية المطروحة فإنه كان ثمة توافق على المطالب الفلسطينية الضرورية التي يتعين أن تلبيها أي مبادرة للحل أو لوقف العدوان وهو ما تجلى في المقترحات التي أعلنتها القيادة الفلسطينية عقب جولتها في كل من مصر وقطر والكويت والتي لم تخرج كثيرا عن مطالب فصائل المقاومة بل تبنى اجتماع منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله -عقب عودة أبو مازن إليها من جولته العربية -هذه المطالب خاصة فيما يتعلق برفع الحصار.خامسا: تحرك العالم تجاه منطقة الشرق الأوسط في محاولة لرموزه من وزراء الخارجية الذين تدفقوا على عواصمها لكن للأسف لم يتمكن من دفع الكيان إلى وقف دائم لإطلاق النار بل أثمر عن هدنة إنسانية لنصف نهار وجاء مؤتمر باريس للمطالبة بها هدنة أكثر اتساعا زمنيا. والغريب أن الجامعة العربية في بداية العدوان أعلنت عن رغبتها في قيام الولايات المتحدة بممارسة ضغوط على قادة قطعان بني صهيون لوقفه. الأمر الذي كان مبعثا لانتقادي في لقاء مع محطة فضائية مصرية. بحسبانه إعادة إنتاج لمقولة الرئيس المصري الراحل أنور السادات والتي وضع فيها 99 في المائة من أوراق الصراع العربي الإسرائيلي في سلة واشنطن وهو ما ثبت بطلانه بالضرورة. ومن ثم فإن الحل يكمن أولا في الفلسطينيين من خلال مشاركتهم في انتفاضة مدنية سلمية في الضفة وغزة ثم في العرب الذين يتعين أن يغيروا من منهجية إصدار البيانات إلى تبني آليات عملية لدعم هذه الانتفاضة حتى تحقق أهدافها في دفع الكيان إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف دون ذلك لا أفق ينتظر الشعب الفلسطيني.

883

| 28 يوليو 2014

أمريكا هي العدو

لم يكن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر مفجر وقائد ثورة يوليو 1952. التي ستحل ذكراها الثانية والستين بعد غد الأربعاء. مخطئا عندما وضع الولايات المتحدة في خانة العدو لمصر ومشروعها الوطني التحرري وللأمة العربية. بعد أن حاول مرارا كسب ودها. بل وسعى إليها في مطلع الثورة لتكون عنصر إسناد له في مرحلة البناء التي بدأها سواء اقتصاديا عبر طلب مساعدتها في إنشاء السد العالي أو عسكريا لتزويد الجيش المصري باحتياجاته ومتطلباته من الأسلحة الحديثة. كان آنذاك حسن النية للغاية مع واشنطن. بيد أنه سرعان ما اكتشف الحقيقة بعد رفضها تقديم العون المالي والفني لبناء السد العالي. ثم تراجعها عن تسليح الجيش المصري وانخراطها في سلسلة من المؤامرات لإجهاض المشروع الوطني لعبد الناصر مما اضطره إلى التوجه شرقا إلى الصين ثم الاتحاد السوفيتي. وهو ما عمق المسافة بين القاهرة وواشنطن. رغم فترة شهر عسل بين ناصر وكيندي في النصف الأول من ستينيات القرن الفائت والتي انتهت تماما باغتيال الأخير. ثم تولى ليندون جونسون رئاسة أمريكا والتي أخذت معه حالة العداء تجاه مصر تتصاعد وبلغت ذروتها في عدوان الخامس من يونيو من العام 1967 والذي كشفت فيه وثائق أميركية وغربية وإسرائيلية حجم التآمر الذي مارسته واشنطن ليس فقط تجاه عبد الناصر ومشروعه التحرري. ولكن ضد المشروع القومي للأمة والذي كان يقوده الزعيم المصري بكفاءة عالية واقتدار حالما بأمة واحدة وليس إمبراطورية يتحكم فيها وفقا لتصورات الإعلام والنخب السياسية الأمريكية في ذلك الأوان البعيد. وعقب ذلك غيرت الولايات المتحدة إستراتيجيتها بالكامل تجاه الكيان الصهيوني. وأصبحت هي الممول الرئيسي له سواء مالا أو سلاحا. ثم تطور الأمر في عقود لاحقة إلى التزام واشنطن بأمن الكيان ثم المحافظة على تفوقه العسكري على كل جيرانه وعدم السماح بسقوطه في ضوء المحددات التي وضعها هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون في سبعينيات القرن الفائت. الأمر الذي حال دون هزيمة الكيان بشكل كامل في حرب أكتوبر 1973 من خلال تعويضه بكل الأسلحة والمعدات العسكرية التي خسرها في المواجهات. خاصة مع الجيش المصري في سيناء. أو عبر مساعدته في العثور على ثغرة تمكن منها لواء من جيشه بقيادة شارون من العبور إلى الضفة الغربية لقناة السويس. مما أجهض نشوة الانتصار العربي. ولم يكتف كيسنجر بهذا الإنجاز العسكري. فساعد على تحقيق مكاسب نوعية للكيان على الصعيد السياسي عبر المفاوضات التي أدت إلى فض الاشتباك بين الجيشين المصري والصهيوني في ظل تهافت الرئيس الراحل أنور السادات وسعيه لتغيير معادلة الحكم وتوجهات السياسة المصرية سواء وطنيا أو قوميا أو خارجيا. وقاده تفكيره إلى إبرام اتفاقية السلام في كامب ديفيد ذاك المنتجع الأمريكي في 1979 تحت رعاية الرئيس جيمي كارتر الذي بدا انحيازه واضحا لمطالب الكيان على حساب مصر والقضية الفلسطينية. وبعد هذه الاتفاقية. دخلت العلاقات الأميركية الصهيونية مرحلة التحالف الاستراتيجي التي ما زالت مستمرة حتى الآن. كواحدة من أهم ملامح السياسة الأميركية في المنطقة . وذلك يعني بوضوح أن كفة الكيان الصهيوني هي الراجحة والرابحة دوما إذا وضعت في مقابل كفة العالم العربي.فى ضوء كل ذلك لم يفاجئني الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما بتصريحاته يوم الجمعة الفائتة. والتي أبدى فيها تفهمه وتشجيعه للعملية العسكرية التي يقودها جيش الاحتلال في قطاع غزة وصنفها بأنه حرب على الإرهاب يستحق الدعم والتأييد حتى يعيش قطعان بني صهيون في حالة من الأمن والاطمئنان. وإن طالب - بقدر كبير من اللامبالاة - قوات الكيان بمراعاة أرواح المدنيين. ولاشك فإن التصريحات تعكس ضيق أفق سياسي لم يعد خفيا أن رئيس أكبر دولة في العالم يتميز به . فضلا عن محدودية في البعد الأخلاقي لديه. إن لم يكن منعدما تماما. فهو ينظر للأمور بالعين الصهيونية وتحديدا بعين نيتانياهو رئيس الوزراء وحكومته الشديدة التطرف . والتي تتعامل بصلف وغطرسة مع الشعب الفلسطيني ولا تتورع عن اللجوء إلى استخدام كل وسائل القهر العسكري ووصفه دوما بالإرهاب عندما يرد على العدوان أو يقاوم. وللأسف نجح الكيان في تسويق هذا المنظور لدى أغلب النخب السياسية والرأى العام في الغرب في ظل عجز عربي وفلسطيني عن تسويق قيم المقاومة. والتي كان بالإمكان تمريرها . لاسيَّما أن أغلب دول أوروبا بل والولايات المتحدة كابدت سنوات من الاحتلال وانتهجت المقاومة الوطنية سبيلا للتخلص منه.ويبدو لي أن أوباما ضحل في قراءته لمفردات الواقع السياسي في المنطقة. بمساواته بين الجلاد والضحية. منحازا لرؤية الجلاد التي تقوم على الاستئصال والإبادة مثلما يحدث منذ أكثر من ثلاثة عشر يوما في قطاع غزة مما أسفر عن قتل الأطفال والشيوخ والنساء بالمئات وأعداد كبيرة منهم تنتمي إلى عائلة واحدة . عبر استخدام الطائرات المقاتلة التي كانت توجه غاراتها وقصفها على نسف البيوت والمنشآت الحيوية والمرافق الخدمية. ثم اللجوء إلى الحرب البرية مساء الجمعة الماضية. متزامنا ذلك مع عمليات عدوانية من البحر بينما الضحية ليس لديه سوى صواريخ يطلقها باتجاه العدو. محققا في بعض المراحل تطورا نوعيا من خلال وصولها إلى مدن بعيدة مثل تل أبيب وحيفا وغيرها في شمال فلسطين المحتلة في 1948. لكنها لم تقتل أو تصب أحدا. ربما أعداد محدودة للغاية قياسا إلى مئات الشهداء وآلاف الإصابات من جراء القصف الجوى والبرى والبحري. والذي ثبت أن جيش الكيان استخدم فيه أسلحة محرمة دوليا كعادته مكرسا عدوانية استثنائية غير مسبوقة في التاريخ القديم أو المعاصر. ويكفي الإشارة إلى أن الأٍسلحة والمقاتلات والمعدات العسكرية التي يستخدمها جيش قطعان بني صهيون في قطاع غزة. وبالطبع في الضفة الغربية وفي كل حروبه العدوانية السابقة ليس ضد فلسطين فحسب. ولكن ضد مصر ولبنان وسوريا والعراق وتونس في السنوات والعقود المنصرمة هي صناعة أمريكية وما يصنع في داخله منها يكون بدعم وإسناد الحليف الاستراتيجي. والتدريبات على استخدامها يتم بالتعاون مع الجيش الأمريكي الذي يحتفظ بمخازن أسلحة معدة للاستخدام الفوري في القتال في أراضي فلسطين 1948. وهو ما يجسد بوضوح أبعاد الدور العدواني والتآمري الأمريكي ضد الفلسطينيين والعرب. ومع ذلك وتلك مفارقة تحيرني. لا يفتأ العرب يلجأون لواشنطن لحل مشكلاتهم مع الكيان . ورغم الثقة العربية المتهافتة في العم سام والتي بدأت مع مقولة السادات بأن أوراق القضية بنسبة 99 في المائة هي بيد الولايات المتحدة. فإنها لم تنحز مطلقا لقضاياهم بل كانت سباقة بالانحياز لقضايا ومصالح الكيان والدفاع عنه بكل السبل بما في ذلك اللجوء إلى حق النقض – الفيتو – في مجلس الأمن الدولي لإجهاض أي قرار قد ينطوي على قدر من إدانة سلوكه العدواني فهل ثمة خطر على الأمة العربية وعلى القضية الفلسطينية يوازى خطر الولايات المتحدة والتي هي الوجه الآخر للكيان الصهيوني؟

989

| 21 يوليو 2014

أوراق عربية لتغيير معادلة الصراع مع العدو

منهجية التنديد والاستنكار وإصدار البيانات والنداءات الموجهة للعالم في مواجهة شراسة العدوانية الصهيونية المتصاعدة في قطاع غزة الفلسطيني, لم تعد مجدية أو مطلوبة على الإطلاق، فهي قد أثبتت فشلها خلال العقود الستة المنصرمة, وقدمت لسفاحي الكيان مبررا ليستمرئوا هذه العدوانية التي لم تتوقف منذ الإقدام على التهام فلسطين في حرب الـ1948 وحتى اللحظة, إنها الجوهر والحقيقة المطلقة التي نهض عليها هذا الكيان, ومن ثم يتطلع المرء, مثلما يتطلع الرأي العام الفلسطيني والعربي إلى الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية, والذي سيلتئم في الساعة التاسعة من مساء اليوم بالقاهرة, إلى أن يتجاوز هذا المنحى قافزا باتجاه تبني خطوات عملية موجعة للكيان, وتدفعه دفعا لوقف عدوانه على غزة, والذي لم يفض إلا إلى نسف البيوت وقتل سكانها من الأطفال والنساء والرجال العزل غير المنخرطين في فصائل المقاومة.لم يعد بمقدور بيانات أو قرارات الجامعة وغيرها من المنظمات الإقليمية أن تغير من معادلة الصراع مع الكيان, مادامت تقوم على اللغة الفضفاضة والضبابية والتي لا توحي بأي إشارات عملية, وهو ما يدفع البعض إلى التساؤل عن جدوى الجامعة والنظام الإقليمي العربي, إن لم يكن قادرا على تقديم العون لشعب عربي في مواجهة آلة حربية شديدة الوطأة, تقتل دونما رحمة وتدمر دون عقل وتنتهك الحرمات دون تمييز ولا ينبغي لأحد أن يظن أنني أدعو إلى المواجهة العسكرية مع العدو الصهيوني ردا على عدوانه, فذلك أمر لا يستقيم مع الظروف الموضوعية التي يشهدها النظام الإقليمي خاصة بعد ثورات الربيع العربي والتي تحولت بفعل فاعل إلى خريف، فأغلبها أجهض مبكرا دون أن تحقق ما طرحته من شعارات ونداءات الكرامة والعدالة والعيش والديمقراطية, خاصة بعد أن تعرضت للسطو من قوى غير ثورية , امتطت متن هذه الثورات فحولتها إلى فعل مدمر للأوطان وممزق للشعوب, فضلا عن انشغال ما يمكن وصفه بالدول العربية المحورية في معادلة الصراع مع العدو وفي مقدمتها مصر والعراق وسوريا وليبيا، في صراعاتها الداخلية ومحاولات إعادة بناء الدولة وصياغة مساراتها من جديد , والأهم من ذلك أن الجيوش العربية لم تعد عقيدتها القتالية موجهة للعدو الصهيوني بقدر ما هي مخصصة لعدو داخلي.ومع ذلك يمكنني القول إنه بوسع النظام الإقليمي العربي توظيف أوراق قوية في المواجهة مع الكيان الصهيوني بعيدا عن اللجوء إلى الجيوش أو الخيار العسكري ويتمثل ذلك في تقديري فيما يلي:أولا: وقف كل أشكال التنسيق الأمني بين أطراف عربية، بما فيها السلطة الفلسطينية مع الكيان، مهما كانت الحجج، فهو يستفيد مما يحصل عليه من معلومات في إطار هذا التنسيق لخدمة مشروعه الاستعماري الاستيطاني التمددي ومحاربة قوى المقاومة.ثانيا: الإسراع بسحب كل الممثلين الدبلوماسيين العرب في عاصمة الكيان وإبعاد ممثليه من العواصم العربية والذين تحولوا إلى مراكز متقدمة للحصول على المعلومات عن كل مناحي الحياة وباتت كل أوراقنا مكشوفة أمام العدو.ثالثا: وقف كل أشكال التطبيع القائمة مع العدو، سواء على الصعد الاقتصادية أو السياسية أو الصناعية أو العلمية أو الصحية, فللأسف نجح العدو في فرض معادلة التطبيع في اتفاقيات السلام التي أبرمها مع أطراف عربية، صحيح أنها لم تتمدد على النسق الشعبي غير أن دوائر حكومية وبعض دوائر رجال الأعمال, ظلت منغمسة في التطبيع الذي حقق العدو من ورائه مكاسب وأرباحا هائلة في صدارتها قدرته على اختراق قطاعات إستراتيجية اقتصادية عربية لم يكن يحلم بها من قبل, وفي هذا السياق ألفت إلى أنني نشرت في مجلة الأهرام العربي المصرية قبل سنوات تقريرا موسعا عن اختراقات واسعة للكيان الصهيوني لبعض رموز رجال الأعمال العرب والمشاركة معهم في عمليات غسيل أموال, بل إن مشروعات ضخمة أقيمت بعائد هذه العمليات في بعض العواصم العربية وفي الكيان نفسه , والأخطر من ذلك أن المستشفيات في الكيان باتت مرتعا لمرضى عرب، خاصة من الأثرياء والشخصيات السياسية الرفيعة المستوى, وهو ما كنت قد أشرت إليه في تقرير الأهرام العربي وأكده لي الشيخ رائد صلاح القيادي الإسلامي في فلسطين 1948 خلال حوار أجريته معه.رابعا: قيام الفضائيات العربية بغلق شاشاتها أمام القيادات الصهيونية والتي أسهمت في دخولهم إلى منازل العرب تحت حجة اعرف عدوك, وكانت النتيجة أن العدو تمكن من تحقيق اختراقات جوهرية وقدمت رموزه التي تدين بالولاء فقط لمنطق النار والدم باعتبارهم بشرا عاديين, خاصة أنهم برعوا في تقديم التيسيرات لمكاتب هذه الفضائيات , في حين أننا لم نزدد معرفة بالعدو، بل تضاعف تخبطنا في فهمه , والتعامل معه بدليل التعثر المستمر في الحصول على أي مكاسب , منذ أن أعلن العرب أن السلام خيارهم الإستراتيجي الوحيد وقدموا مبادرة للسلام منذ أكثر من 12 عاما لم يعترف بها الكيان، بل ينظر إليها بدونية.إن الكيان الصهيوني لم يعد يشعر بالعزلة ما دامت كل هذه الأنماط من التعاطي العربي، سواء السري أو العلني معه , بل جعلته يدرك أنه أضحى جزءا من المنظومة الإقليمية إلى حد مطالبة بعض الدوائر فيه للانضمام إلى الجامعة العربية وبالتالي فإن المطلوب من الاجتماع العربي الوزاري الطارئ اليوم أن يقدم منظورا مغايرا يقترب من تحقيق هذه المطالب التي من شأنها أن تجبر العدو على وقف عدوانه وتغيير معادلاته في الصراع وصولا إلى القبول بإنهاء النزاع، والتعبير للدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية, والذي ما فتئ يكرر في حوارات لي معه رفضه للمنهجية السائدة منذ سنوات والتي تقوم على إدارة النزاع عبر أدوات أثبتت عجزها , وفي مقدمتها المفاوضات الثنائية التي فشلت مبادرة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي فشلا ذريعا، لأنه انحاز إلى المنظور الصهيوني فقط على حساب الحقوق الوطنية للفلسطينيين, واللجنة الرباعية الدولية التي لا تمارس أي دور حقيقي, وأظن أنه حان الوقت لتجاوز كل هذه الصيغ والأدوات والبحث عن عقد مؤتمر دولي للسلام, إذا كان ثمة من يؤمن بالسلام في عالم اليوم، خاصة سلام الشعب الفلسطيني.

514

| 14 يوليو 2014

حسن توفيق.. ( أبانا الذي في الدوحة )

في الفترة التي سبقت إعلان نتيجة الشهادة الثانوية في صيف 1973 كثفت من توجهي من قريتي – القرنة - إلى المكتبة العامة لمدينة الأقصر جنوب مصر, لاستعارة بعض من مقتنياتها من الكتب, فلفت انتباهي ديوان بعنوان «أريد أن أقول لا» لشاعر قرأت اسمه لأول مرة على غلاف الديوان اسمه حسن توفيق, فقلبت بعضا من صفحاته فأدهشتني مفرداته وأسلوبه الشعري الذي ينتمي إلى قصيدة التفعيلة ولكن مع المحافظة على الأوزان التقليدية وبقايا الموروث الشعري, فسارعت بالديوان لأقرأه على مهل وبعمق حتى أستفيد منه في تجاربي الشعرية التي كانت ما زالت في رحمها. عقب ذلك بأيام جاءت إلى القرية الفتاة الأولى التي ضفرت معها أول قصة حب, بعد تعارفنا بمنزل أسرتها بالإسكندرية قبل عام تقريبا في أول زيارة لي خارج الأقصر وفي لحظة لقائي الأول طلبت منها أن تقرأ الديوان ففاجأها عنوانه – أريد أن أقول لا - فتجنبته, دون أن تعره اهتمامها حسبما توقعت، وتجلت على قسمات وجهها المسكون بالبحر ملامح حزن فبادرتها قائلا: إنه مجرد ديوان شعر, وبدا أن التشاؤم من الديوان وجد طريقه إليها, وسرعان ما ذهبت هذه القصة بعد ثلاث سنوات من كتابة الشعر في الفتاة وتبادل الرسائل المفعمة بالمشاعر البريئة عن بعد’أنا من القاهرة وهي من الإسكندرية, أدراج الرياح مثلها مثل قصص الحب الأول الذي لا ينهض في العادة على قدر من العقلانية. في سبتمبر من العام 1988 وصلت إلى الدوحة لأعمل بالزميلة «الراية» ملبيا رغبة قوية لصديق العمر الصحفي سيد أحمد - الذي رحل عن دنيانا قبل أشهر- والذي احتواني على نحو استثنائي في زمن البعاد, وفي اليوم التالي لوصولي أولم بمنزله على شرفي وفوجئت به يعرفني على الشاعر حسن توفيق المسؤول عن القسم الثقافي بالراية, كان يحمل وجها هادئا وعينين نفاذتين قادرتين على اختراق الآخر, ورويت ما جرى مع ديوانه- أريد أن أقول لا- الذي أوشك أن ينهي قصة حبي الأولى في مهدها فضحك من أعماقه, ومن هذه اللحظة غزلت معه زمنا جميلا في حياتي والذي كان يتصدر مشهده صديقا العمر سيد أحمد والصحفي جلاء جاب الله، والذي يرأس حاليا مجلس إدارة جريدة الجمهورية سواء في الدوحة أو في القاهرة بعد عودتنا إليها. في سنوات الدوحة, التي اقتربت من العشرين, اقتربت من حسن توفيق شاعرا وصحفيا وكاتبا وباحثا فضلا عن أبعاده الإنسانية بعمق أكثر, خاصة أنه كان يتسم بقدرات هائلة على الاحتواء والبساطة في غير تكلف, وأزعم أنني غدوت ضمن دائرته الضيقة التي بوسعه البوح لها بدواخله ومكنون سريرته وأشواقه وأوجاعه, وهكذا كنت أنا أيضا معه, وهو ما دفعني لأن أطلق عليه عبارة «أبانا الذي في الدوحة» ثم صرت أطلق عليه المفردة الإنجليزية: «داد» والتي تعني بالعربية الأب, بعد أن دخل على خط صداقتنا دبلوماسي مصري جديد يتميز بالحميمية واسمه أسامة توفيق، وكان الرجل الثاني في السفارة المصرية بالدوحة وهو حاليا سفير مصر لدي أوكرانيا, وأتذكر أنهما – حسن وأسامة بعد أن اشتريت أول هاتف محمول في العام 1998 احتفلا معي بهذه المناسبة بمنزل الشاعر حسن توفيق والذي كان يشبه دوار العمدة في الريف المصري مفتوحا دوما للأصدقاء والأحبة, وكانت أول مكالمة أجريها من الهاتف الجديد لوالدي «عم الشيخ الطيب», هكذا كنت أناديه رحمه الله, وقلت له يا «أداد» لأول مرة في حياتي, فسألني عن معناها فبادلني عن بعد ابتسامته الصافية ومحبته المتدفقة ودعواته الفياضة, وعندئد قلت للشاعر حسن: أنت «داد» التايواني, بينما الشيخ الطيب هو «داد» الياباني, وهكذا مضى زمن الدوحة الجميل زاخرا بالدفء المتبادل مع حسن توفيق والذي عرفته على عائلتي وتعلقت به ابنتاي الصغيرتان: شروق وأريجوالميزة النسبية لحسن توفيق أنه لم يكن يتكلف التواضع خاصة مع من هم دونه ثقافة, فقد كانت هذه السمة أصيلة فيه, كان قريبا من العمال والسعاة والبائعين في المتاجر التي اعتاد التعامل معها كان يجيد الحديث باللهجة الثالثة إن صح التعبير-التي تمزج بين الخليجية والهندية, دون أن يشعر أن ذلك يقلل من هيبته وطلعته وشخصيته التي يجسدها سلوكه اليومي مع الجميع فضلا عن كتاباته وقصائده, والأهم من ذلك أنه لم يكن يبخل عليهم عندما يلجأ إليه أحد طالبا مبلغا من المال, هو على يقين أنه لن يستعيده. كانت لديه موهبة جمع الأصدقاء حوله على الرغم من تباين منابعهم الثقافية أو العرقية أو الفكرية أو السياسية, لكنه كان يخص بعضا من أصدقائه القطريين باعتزاز استثنائي, وفي مقدمتهم الشاعر محمد خليفة العطية في المقابل، كان ودودا للغاية - ربما إلى حد الإسراف - مع أصدقائه في القاهرة, بالطبع لا أتحدث عن ذويه وأهله, فذلك معروف بالضرورة, وأتذكر أنه كان يستعد قبل بدء إجازته السنوية لشراء الهدايا الثمينة, والتي تتنوع بين تلفزيون وموبايل أو حتى كومبيوتر بأنواعها المختلفة حسب طلب الصديق وخلال الإجازة لم يكن يتوقف عن إقامة الولائم سواء بمنزله أو في المطاعم الفخمة لهؤلاء الأصدقاء الأمر الذي كان يجعل ميزانيته طوال العام في حالة عجز لاسيما أنه قبيل التوجه للقاهرة , كان يحصل على قرض مالي من أحد البنوك. وعندما يعود يظل يسدد في أقساطه وفوائده. وكثيرا ما حاولت مع مجموعة من الأصدقاء نصحه بالقيام بعملية إعادة هيكلة للشق المالي في حياته والتي كانت الكتب وأحدث الأجهزة صاحبة المعدل الأعلى من إنفاق بنوده, لكنه لم يشأ أن يستجيب, وبدا لنا أنه من الصعب تغييره, لذلك عندما عاد إلى الوطن نهائيا لم يكن يحمل معه سوى مبلغ نهاية الخدمة الذي حصل عليه من الراية واسهمت سنوات خدمته في تشكيل الوعي الثقافي والفكري بقطر, وصاغ بقلمه وتوجيهاته ورؤيته الكثير من مسارات شعرا ئها وأدبائها من الشباب الذين أصبحوا كهولا الآن, وهو ما كان يدركه رؤساء التحرير السابقون الذين تعاملوا مع حسن توفيق بما يستحقه من تقدير واحترام, وأظن أن ما فعله الصديق جابر الحرمي رئيس تحرير الشرق، وأسرة الصحيفة, بعد أن قررت إدارة تحرير الراية الاستغناء عنه – قبل سنوات - قد عزاه وواساه كثيرا, لاسيما الاحتفالية التي أقيمت له . إن دفتر الذكريات مع حسن توفيق والحديث عن جوانب شخصيته المتعددة زاخر بالصفحات, وليس بمقدور هذه الزاوية الوفاء بالقدر اليسير منها, ويكفيني الإشارة في نهايتها إلى أنه كان ينظر إلى قطر ليس بحسبانها وطنا ثانيا, وإنما وطنه الأول من منظوره الفكري الذي ينتمي لثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 والذي يقوم على» أن كل بلاد العرب أوطاني». رحم الله الشاعر حسن توفيق رحمة واسعة، وأظنه كذلك فقد غادر دار الفناء إلى دار البقاء في ثاني أيام الشهر الفضيل الذي كان يحبه كثيرا.

1909

| 07 يوليو 2014

الغياب القسري للقضية الأولى

"ستظل القضية الفلسطينية هي القضية الأولى والكبرى والمركزية"، تلك عبارة تتردد في كل أحاديث القادة والزعماء وكبار المسؤولين والنخب السياسية العربية، مما جعلها - من فرط تكرارها – تقترب من العبارات الدارجة وتفقد توهجها القديم، خاصة أن الصدق يخاصم قلوب من يرددها، حتى وإن كان الصوت عاليا ونغمتها فيها بعض من صراخ وحماس، لكن شيئا من القلب لا يخرج.ما الذي يدفعني إلى البوح بهذا الخاطر أو قل الوجع - إن أردت قدرا من المصداقية؟ لقد تابعت على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة وربما أكثر من ذلك الكثير من الخطب في اجتماعات عربية على مستويات مختلفة، بما في ذلك مستوى القمة، مرورا بمستويات وزارية وصولا إلى المستويات الأدنى، دون أن يخل خطاب فيها عن محورية القضية الفسلطينية، بيد أنني عندما أقوم بعملية رصد لمفردات الواقع، أتوصل إلى نتيجة مؤداها أن هذه القضية باتت في غيابات الجب، بمنأى عن المتابعة والاهتمام والحرص والدعم -إلا من رحم ربي - من هذا الطرف العربي أو ذاك.توارت القضية إلى المواقع الخلفية ولعل المؤشر الأكثر صدقا في هذا السياق ترتيبها في استعراض الأنباء والتقارير الإخبارية، سواء في الفضاء المفتوح والمتعدد والمتنوع أو عبر الأثير، أو من خلال الصحف أو المواقع الإخبارية، ولا أظنني متجاوزا عندما أقول: إن الأفول بات يفرض سطوته على القضية بكل تجلياتها ومفرداتها وأبعادها، وكلها تنطوي على مخاطر على كيان الأمة وأمنها القومي وجودا وعدما.أضحت ثورات الربيع العربي، وما أدراك ما الربيع العربي، في صدارة المشهد الإقليمي والدولي، وهو ما المناخات المواتية للغاية للكيان الصهيوني لكي ينفذ مخططاته الاستعمارية والاستيطانية بقدر كبير من الشعور بعدم الملاحقة العربية حتى ولو على مستوى بيانات الشجب والاستنكار، والتي بدت لغتها في الأعوام الأخيرة باهتة وضبابية ومكررة دون أي إضافات، وهو ما يجعلني أشعر بأن القائمين على صياغة هذه البيانات لا يبذلون كبير جهد، فهي محفوظة في أجهزة الحاسوب، وعندما تحين المناسبة يتم إخراجها بنفس المفردات تقريبا دون أن يكون لها مردود أو تأثير، بل تكون في معظم الأحيان موضع سخرية بالذات من الكيان، الذي لا يعير كل ما يقوله العرب أي اهتمام، لأنه أدرك وبشفافية أنهم محض ظاهرة صوتية تفتقر إلى القدرة على الفعل المؤثر والناجز والمغير،لقد باتت القدس، خاصة قدس أقداسها – المسجد الأقصى - عرضة للعدوان الصهيوني، وغدا قطعانه قاب قوسين أو أدنى من اختراقه عبر الحفريات التي لم تتوقف، وتهدد معماره ومكوناته التاريخية تحت حجة البحث عن هيكل سليمان المزعوم في هذا الموقع، وحدث ولا حرج عن الاختراقات اليومية لقداسته ومحاولة السيطرة على باحاته سعيا للاستيلاء عليه، لولا فتية آمنوا بربهم مرابطين به من الداخل، مدافعين - بقدر ما يمتلكون من إرادة وإيمان - عن المسجد وما يمثله من دلالات ومكانة في الأمة الإسلامية التي تخلت عنه وتركته في فوهة العدو.في الوقت نفسه حدث ولا حرج أيضا، عن المخطط الواسع والذي ينفذه الكيان بهدوء بمساعدات ضخمة من رجال أعمال يهود بالذات من يهود الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لتهويد المدينة، من خلال شراء منازلها وأحيائها ذات الطرز التاريخية والتي تحقق لقطعان بني صهيون نوعا من استعادة الماضي المزعوم في هذه المدينة، فهل تحركت دولنا ورجال أعمالنا بل وشعوبنا في اتجاه موازٍ رغم صرخات أبناء القدس والأقصى لمساندتهم للتصدي لهذه الهجمة الشرسة؟ لا أنكر أن ثمة جهودا بذلت في هذا الشأن، منها تبني العاهل السعودي الملك عبد الله فكرة إنشاء صندوق لدعم القدس والأقصى، ثم وقفية الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قبل سنوات التي خصصها للإنفاق على متطلبات سكان القدس الصحية والتعليمية، لكن هل تكفي هذه الجهود مقابل المليارات التي تتدفق من الغرب ورجال أعماله، سواء أكانوا يهودا أو من غيرهم؟ لا أظن، إن العدوان الصهيوني الأخير على كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ الكشف عن فقدان ثلاثة من قطعان المستوطنين فقدوا قبل أكثر من أسبوعين يعكس حالة غياب المساندة العربية للقيادة والشعب الفلسطيني في مواجهته وهو يأخذ منحى تصعيديا خطيرا، فجند الاحتلال يقتحمون المنازل وغرف النوم بطريقة همجية بحثا عن قطعانهم، يرتكبون كل الفظائع بقسوة معهودة، لكنها هذه المرة أكثر حدة، تنفيذا لتعليمات المتطرف الأكبر بنيامين نتنياهو، خوفا من تعرض حكومته لاختبار تبادل أسرى جديد مع الفلسطينيين بأعداد أكبر مقابل الثلاثة المفقودين من قطعانه وهو ما يعرضه للإذلال مثلما حدث في واقعة الجندي شاليط.لقد أصدرت كل من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بيانين مقتضبين، فضلا عن بيانات لعدد قليل من الدول العربية والإسلامية تنديدا بممارسات الكيان ولكن ماذا بعد؟ لا شيء، فالعدوان لم يتوقف والاعتقالات في صفوف الفلسطينيين في الضفة تتزايد، لم تترك قيادات وعلى رأسهم رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك، فضلا عن نواب حاليين وسابقين في المجلس، بالإضافة إلى عشرات من الشباب وفي قطاع غزة الغارات تصل بنيرانها أحياءه وبيوته وسكانه، بل ثمة تهديد بتصعيد عسكري وإعادة إنتاح محاولة اقتحامه عسكريا.واللافت أن أنباء هذا العدوان أمست بمنأى عن الصفحات الأولى للصحف العربية، إلا ما ندر أو أخبار وتقارير الفضائيات والإذاعات وهو ما يدفع الكيان إلى الشطط في عدوانه وانتهاك حقوق الفلسطينيين ما دام العرب مشغولين بتداعيات الربيع الذي تحول إلى شتاء شديد البرودة والقسوة، لأن ثمة من سرق جذوته وقلل من سطوته، وتوشك قضية الأمة الأولى على البقاء أسيرة في دائرة الغياب القسري.

489

| 30 يونيو 2014

التقسيم يتحرك بقوة في بلاد الرافدين

ذات صباح اتصل بي دبلوماسي عربي صديق لي بالدوحة في نهاية القرن الفائت أو في مطلع القرن الجديد -إن لم تخني الذاكرة - قبيل جولة كان مقررا أن يقوم لها لمنطقة الخليج الصيف "وليم كوهين" وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت لمنطقة الخليج.. وطلبني أن أزوره في اليوم نفسه بمكتبه دون تباطؤ، بمقر سفارته التي تطل على شاطئ الخليج في موقع شديد البهاء رغم قساوة الطقس التي تفرض سطوتها على كل شيء في ذلك الأوان. أدركت أن ثمة ما يرغب في قوله لي فسارعت إليه في الموعد المحدد.بعد جلوسي بدقائق. واستجابتي لدعوته بارتشاف فنجان الشاي الذي كان مشروبي المعشوق. بينما تراجع هذا العشق في الأعوام الأخيرة. فتح درج مكتبه وأخذ يقرأ لي بعضا من سطور تقرير لديه بشأن الجولة الصيفية المرتقبة بعد أيام لوزير الدفاع الأمريكي وكان من بين أهم أهدافها التسويق لخيار تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم أحدها سني في الغرب والشمال الغربي والثاني شيعي في الجنوب والثالث كردي في الشمال وهو قائم بالفعل وذلك ضمن إستراتيجية تكثيف الضغط على نظام الرئيس السابق صدام حسين الذي كان يتعرض لحصار شديد الوطء بعد طرد قواته من الكويت التي احتلها لبضعة أشهر في أغسطس 1991.وفي اليوم التالي نشرت ما حصلت عليه من معلومات خطيرة موضوعا رئيسيا في الزميلة الراية التي كنت أعمل بها وفي الأهرام المصرية وفي الخليج الإماراتية التي كان رشحني للعمل مراسلا لها بالدوحة عميد الصحافة القطرية وأحد أهم رموزها الخليجية بناء على طلب من إدارتها في منتصف العام 1998.والمفارقة أن المرحوم الشيخ زايد بن نهيان رئيس دولة الإمارات. استقبل وزير الدفاع الأمريكي في اليوم نفسه الذي نشرت فيه المعلومات بجريدة الخليج التي تصدر بالشارقة. وسأله عن مدى صحتها لكن كوهين نفى الأمر برمته وفق ما نشرت الصحيفة في اليوم التالي للزيارة. لكنني كنت واثقا في الدرجة العالية لمصداقية الدبلوماسي العربي الصديق. ثم نشرت الزميلة الوطن خلال فترة انطلاقتها الصحفية الأولى في زمن الصديق أحمد علي وفي تقرير لمراسلها في واشنطن من داخل الإدارة الأمريكية يتحدث عن المعلومات ذاتها التي نشرتها قبل أيام فحمدت الله تعالى.ما الذي أود أن أخلص إليه من استعراض تلك الواقعة؟لقد كان الحصار الأمريكي للعراق في مطلع التسعينيات. بداية التنفيذ الفعلي لمخطط للتقسيم ثم جاء قرار فرض منطقتي الحظر الجوي على شماله –إقليم كردستان ذي النزعة الانفصالية القوية منذ ستينيات القرن الفائت وجنوبه الذي تسكنه أغلبية شيعية في أواخر نوفمبر من العام 2002. بعد تنظيم (44892) طلعة جوية مسلحة. وذلك لإضعافه وتهديد استقلاله وسلامته الإقليمية رغم استمرار احتجاج الحكومة العراقية السابقة على ذلك واعتبار منطقتي الحظر غير شرعيتين. بيد أن الخطوة الأهم في هذه المخطط تجلت في الغزو الأمريكي في عام 2003 وبادر الحاكم العسكري الذي عينته واشنطن فور سقوط بغداد إلى حل الجيش وهي واحدة من أهم أخطاء الغزو. ثم تطبيق نظام المحاصصة على أسس مذهبية وعرقية ومناطقية فبدا المشهد العراقي شبيها بتقسيم تركة صدام. ولكن من دون عدالة فقد أعطيت الأولوية للنخبة السياسية المنتمية للمذهب الشيعي والتي لعبت رموزها دورا محوريا في تقديم معلومات مضللة للإدارة الأمريكية. عما كان يسمى بامتلاك نظام صدام لأسلحة دمار شامل ثبت أنها غير موجودة من الأصل وفق ما أثبتته تقارير أمريكية بعد الغزو مباشرة.وللأسف مارست هذه النخبة سياسة إقصاء ممنهجة ضد الرموز السياسية للسنة خاصة التي تتبنى خطا مناهضا للاحتلال. وللتوجهات الجديدة في العراق القائمة على أسس غير وطنية وقومية. وبدت في بعض المراحل أقرب للشوفينية لاسيَّما مع تطبيق ما يسمى بقانون اجتثاث البعث. الذي لم يكن يهدف إلى استبعاد قيادات الحزب الذي كان مهيمنا على المشهد السياسي في زمن صدام فحسب. وإنما على كل من لا يثبت ولاؤه للنظام الجديد. وهو ما استمر على نحو أو آخر مما كرس نوعا من الغضب المكتوم الذي انفجر قبل أكثر من عام. متخذا شكل احتجاجات سياسية عاصفة في المناطق الغربية ثم اتخذ شكلا عسكريا في الآونة الأخيرة. وإن حاول تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش - ركوب موجته. أو أن ثمة دوائر تحاول أن تدفع به إلى صدارة المشهد لغرض في نفس يعقوب. يتمثل في أن وصم كل ما يجري من حراك سياسي بالإرهاب من الممكن أن يدفع بالقوى الدولية خاصة الولايات المتحدة للتعامل معه بشدة. وإن كنت لا أقلل من قيمة البعد الإرهابي الذي وفرته الحكومات المتعاقبة بعد الغزو الأمريكي. فضلا عن الممارسات التعسفية لقوات الاحتلال ضد أبناء الشعب العراقي من كل الانتماءات المناخات القوية لولادته وصعوده القوي في بلاد الرافدين. فبرز محاولا أن يكون رقما مهما في المعادلة.على أي حال بات خطر تقسيم العراق يتحرك بقوة على الأرض لاسيَّما بعد أن طالب رئيس وزراء ما يسمى بإقليم كردستان العراق. بتكوين إقليم سني في المناطق الغربية والشمال الغربي على غرار إقليمه الذي يمارس بالفعل صلاحيات الدولة المستقلة. من حيث العلم والعملة والاستقبالات الرسمية لقيادات الدولة المركزية في بغداد. ولم يتبق إلا المطالبة بالحصول على تأشيرة دخول مسبقة . ولعل خطوة مسارعة سيطرة قوات البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان على كامل مدينة كركوك بما في ذلك المناطق العربية بعد انسحاب قوات الجيش منها للأسف ينطوي على دلالات خطيرة في هذا الاتجاه.وفي الوقت نفسه فإن ملامح التقسيم تتبدى في المناطق الجنوبية - التي يتردد وليس لدي تأكيدات موثقة بشان صحتها -أنه تم استجلاب مئات الألوف من الإيرانيين للإقامة فيها ومنحهم الجنسية العراقية. فضلا عن استخدام العملة الإيرانية التومان في بعض مناطق الجنوب وهو أمر حدثني عنه قيادي بالتيار الصدري في العام 2006 وأشياء أخرى مريبة. وفي يقيني. أنه لو لم تسارع النخب السياسية وعلى رأسها المالكي إلى إعادة هيكلة المشهد السياسي. وتجاوز حالة السيولة التي تواجهها بلاد الرافدين حاليا. باتجاه الجلوس فورا على طاولة حوار وطني يتسم بالجدية والصدق. لتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية وليست صورية - كما كان الأمر على مدى السنوات الثماني الماضية - محتوية كل ألوان الطيف السياسي. ضمن سياق يتعهد بالمحافظة على وحدة الوطن ترابا وشعبا. فإن خيار التقسيم سيظل هو الورقة الرابحة. لاسيَّما أن قوى إقليمية ودولية تسعى لتكريسه في الواقع العراقي.واللافت أن هذا المطلب بات مطروحا بإلحاح من قبل دوائر بالداخل. بما في ذلك المرجع الأعلى الشيعي علي السيستاني والجامعة العربية. ومنظمة التعاون الإسلامي . والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة وروسيا. فضلا عن أن إدارة أوباما دخلت على هذا الخط مطالبة المالكي بأن يحل مشكلاته السياسية فلا يجدر به أن يخلق هذه المشكلات ثم يطلب من الآخرين القيام بحلها بعد أن طالب الرئيس الأمريكي بسرعة التدخل العسكري لوأد تحركات داعش.

752

| 23 يونيو 2014

يحدث في بر العراق

من العبث النظر إلى ما يحدث في وقائع في بر العراق. بحسبانه مجرد تحرك عسكري لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في بعض المحافظات وسيطرتها عليها بطريقة سريعة. فالمسألة تتجاوز ذلك بكثير. ويمكن توصيف ما جرى بأنه إعادة إنتاج لبدايات الأزمة التي نتجت عن الغزو الأمريكي في العام 2003 والذي أفضى إلى تبنى نظام المحاصصة وفقا للطائفية والمذهبية التي كانت كامنة في بلاد الرافدين. ثم أشعل جذوتها سلطة الاحتلال التي هيمنت على مجمل الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية بعد إعلان حل الجيش العراقي. والذي كان يعد واحدا من أهم الجيوش في المنطقة ثم تبنى خطوات بدا أنها تكرس لحكم المنتمين للمذهب الشيعي بتنويعاته المختلفة مع تشكيل مجموعات مقاتلة مرتبطة بكل تنظيم أو نخبة أو جماعة وإقصاء عناصر ونخب سنية. تحت مسمى قانون اجتثاث البعث والذي استخدم على نحو شديد السوء. مما أسهم في عملية تجريف واسعة للقيادات السنية وفي الوقت نفسه جمد فعالية وحيوية من أبدي منها قدرا من التفاهم والانسجام مع ما يحدث وإن حاول البعض الخروج عن المسار المحدد فإنه سرعان ما كانت توجه له تهم مساندة الإرهاب مثلما حدث مع طارق الهاشمي نائب الرئيس الذي أجبر على مغادرة العراق إلى تركيا بعد الحكم عليه بالإعدام في اتهامات بالتورط في قضايا إرهاب. على الرغم مما كان يبديه -بعد الاحتلال - من مرونة في التعاطي مع الواقع السياسي وهيمنة السلطة الأميركية على مفرداته والدخول في تحالفات مع القوى الشيعية النافذة. بحثا عن دور سياسي.إذن المعضلة تكمن في هذا الخطر الذي أحدق مبكرا بالعراق فكرس لتصدر القيادات والنخب السياسية الشيعية المشهد دون إتاحة هامش واسع للقوى الأخرى. بما في ذلك القوى الشيعية المناهضة للنخبة الحاكمة. فعوضا عن الدخول في حوار يفضى إلى توافق وطني حقيقي يقوم على مبدأ المواطنة وليس المحاصصة المذهبية أو الطائفية سواء قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة أو التي سبقتها منذ أربع سنوات . فإن سياسات حكومة المالكي والقوى المتحالفة معها أسهمت في توسيع دائرة الاحتقان. والتي بلغت مداها باشتعال الاحتجاجات في العديد من المحافظات الغربية ذات الأغلبية السنية والتي عانت من التهميش. ووصل الأمر إلى اللجوء إلى الخيار العسكري فيما يمكن توصيفه بأزمة الأنبار والفالوجة. وغيرها من المناطق التي شهدت أحداثا غير مسبوقة لم تفرق بين المواطنين أو الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة والتي أظن أنها شكلت المحفز الحقيقي للأحداث الأخيرة ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن أي فعل إرهابي يمارسه تنظيم أو جماعة أو قوة ما مرفوض. بحكم محددات الإسلام والقانون والانتماء للقيم الحضارية الصحيحة. ولعل اللجوء إلى الرد العسكري على سياسات الحكم مثلما جرى في محافظات الموصل وتكريت وديالى وغيرها من المناطق التي تمت السيطرة عليها ينطوي على مخاطر جمة في مقدمتها أن العراق بات على شفا التقسيم بين مناطق تابعة لحكومة شيعية قد تشمل العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية . خاصة أن دعوة وجهت من رئيس الوزراء نور المالكي لسكان هذه المحافظات ذات الأغلبية الشيعية للتطوع في جيش رديف للجيش الرسمي لطرد العناصر المسلحة من المحافظات التي تمت السيطرة عليها. وفي المقابل فقد يدفع ذلك القوى والجماعات والعشائر في المحافظات السنية في الغرب وغيره. إلى الدفاع عن وجودها. ومن ثم فإن الأمر قد يسفر عن واقع تقسيمي وهو تطور لو تحقق سيكون الأخطر في تاريخ العراق الحديث الذي حافظ على وحدته ترابا وشعبا منذ تشكله كدولة حديثة في عشرينيات القرن الفائت.وفي تقديري فإنه ليس بوسع طرف في العراق سواء النخبة الحاكمة بتنويعاتها الشيعية أو السنية أوالمعارضة بأطيافها المتعددة أن يتبنى رسميا توجها لتقسيم العراق تحت أي مبرر. لأنه ساعتها سيفقد شرعية وجوده وهو ما يحرص عليه نور المالكي رئيس الوزراء في خطابه السياسي مدركا أن شرعيته مرهونة بالمحافظة على وحدة الدولة العراقية. ولو تخلى عنها أو أسهم في أي خطوة تقود إلى المساس بها فإنه سيفقد موقعه الرفيع المقام وهو ما يستوجب منه في الوقت الراهن أن يعلن بصراحة وبوضوح أنه يقبل بالتوافق مع جميع القوى السياسية خاصة التي أبدى إشارات على مخاصمتها ومحاولة إقصائها من المشهد السياسي. بما في ذلك القوى والعشائر في المحافظات الغربية السنية تحديدا والتي تجاهل حضورها في السنوات الأخيرة. وليس من قبيل الخطأ على أي سياسي أن يعيد النظر في سياساته خاصة إن قادت إلى الإضرار بمصلحة الوطن وبالذات وحدته الترابية ونسيجه الاجتماعي وهو مابات مطلوبا من المالكي والقوى المتحالفة معه بإلحاح. للمسارعة إلى دعوة كل رموز العراق الوطنية إلى اجتماع عاجل في بغداد يتعهد فيه بمراجعة كل سياساته في السنوات السابقة والاتفاق على إنهاء الاحتقانات المتعددة في مختلف المحافظات والأقاليم. بما في ذلك إقليم كردستان العراق الذي يهدد بالانفصال إذا ما عادة المالكي إلى السلطة رئيسا للوزراء. في ظل المناورات التي جرت وما زالت تجرى في بغداد عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي دفعت ائتلافه إلى تصدر المشهد دون أن يكون قادرا على بلورة أغلبية تمكنه من الحكم وثمة من ينظر إلى مسألة مسارعة قوات الجيش والأمن بتسليم مواقعها في المحافظات التي تعرضت للهجوم في الأسبوع الفائت على نحو جعلها تسقط بيسر وسهولة في قبضة العناصر المسلحة. بحسبانها تعكس هشاشة في انتماء هذه القوات للسلطة الحاكمة. وربما عدم قناعة بها خاصة أن هذه القوات هي الأقوى من حيث العدد ونوعية التسليح. وهو ما مكن العناصر والجماعات المسلحة من الاستحواذ على أسلحة ومعدات عسكرية حديثة الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام على المالكي وحكومته. واللافت أن هذه المسألة لم تقتصر على قيادات وأفراد محافظة الموصل وإنما حدثت في كل المحافظات والمدن والمناطق التي تمت السيطرة عليها وذلك يعنى أنه ليس بوسع المالكي أن يراهن إلا على قوات ذات ارتباط مذهبي وطائفي وهنا تكمن واحدة من أهم تجليات الخطورة.وثمة تجل آخر نتج عن الأحداث الأخيرة في العراق. ويتمثل في سيطرة قوات البشمركة وهي القوة العسكرية التابعة لإقليم كردستان العراق على مدينة كركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد بصورة كاملة. بعد انسحاب قوات الجيش العراقي منها. أي أن كركوك أصبحت في قبضة الأكراد بالكامل. وهو مالم يتمكنوا منه بالمرة في السنوات السابقة. وهنا مكمن خطر إضافي على وحدة العراق في ظل مؤشرات لإعلان إقليم كردستان انفصاله المرتقب بعد تكريس كل مقوماته خلال سنوات ما بعد الاحتلال الأمريكي.بوضوح بات العراق كله شعبا وأرضا ودولة بل ومسارا ديمقراطيا في دائرة الخطر. فهل تنتبه نخبه قبل فوات الأوان؟

703

| 16 يونيو 2014

المحروسة هل تسكن زمن الاستقرار ؟

ثمة تفاؤل بأن تدخل المحروسة – مصر- زمن الاستقرار مع بداية العهد الجديد الذي يجسده وصول المشير عبدالفتاح السيسي إلى المنصب الرفيع المقام. بعد عملية انتخابية جرت وفق تقارير بعثات المراقبة العربية والإفريقية والأجنبية في أجواء من الشفافية والنزاهة. وإن لم تخل من بعض المخالفات وفق الطعون التي قدمها المرشح المنافس للسيسي حمدين صباحي’ لكنها لم تؤثر على جوهر العملية الانتخابية حسب هذه التقارير.فالمحروسة لم تهنأ بالا منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 بل إن ملامح الحياة فيها تغيرت إلى الأسوأ. بعد أن أجهضت أشواق المصريين التي تولدت عقب هذه الثورة إلى الخبز والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. والأخطر من ذلك أن الانقسام صار هو السمة السائدة لدى النخبة السياسية وبالذات لدى القوى والائتلافات التي انبثقت عن الثورة وثوارها فبتنا أمام مشهد مخيف أسهم سلبيا في التعاطي مع مردود ثورة يناير. وأحسب أن ذلك كان مقصودا من بعض الاتجاهات الموالية لنظام مبارك. وبالذات جماعات المصالح المرتبطة به والتي رأت في رحيله خسارة هائلة وفقدا مريعا لما كانت تحصل عليه من مزايا ومكاسب. خصما من الشعب الذي ظل على مدى ثلاثة عقود أو بالأحرى أربعة عقود. يكابد الحرمان والمرض والجهل والفساد الذي لم يترك موقعا أو شخصية سياسية في صدارة الحكم.وانبثق أمل جديد مع إجراء الانتخابات الرئاسية في 2012 والتي أسفرت عن فوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي. ومن قبل حصدت الجماعة الأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل ذلك بعدة أشهر ولكن سرعان ما خفت هذا الأمل بعد بروز الصراعات والانقسامات وما أبدته الجماعة من حرص على تكريس هيمنتها على مفاصل الدولة المصرية. دون أن تقترب بشكل حقيقي من أشواق المصريين الذين اشتدت مكابداتهم وجرت في النهر مياه كثيرة خلال العام الذي حكم فيه الإخوان. والذين أظهروا - للأسف -مهارات محدودة في التعاطي مع شؤون الدولة. رغم أن الكثير من خارج الجماعة منحوهم أصواتهم سواء في الانتخابات الرئاسية أو الانتخابات البرلمانية . ومنهم كاتب هذه السطور الذي كتب سلسلة مقالات سواء في هذه الزاوية أو في الأهرام رافضا فكرة الخوف من حكم الإسلاميين مع دعوتهم إلى تقديم ما وصفه آنذاك بمقومات الطمأنة للشعب في الداخل وللأمة العربية في الخارج. وإن أفلحوا في كسب ثقة قوى إقليمية ودولية كانت تصنف دوما بأنها تقيم في خانة الخصم أو العدو بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين.على أي حال سقط حكم الإخوان في الثلاثين من يونيو 2013. وبدت مرحلة انتقالية جديدة وضعت لها خارطة طريق بدأت بإنجاز تعديلات دستورية واسعة على الدستور الذي قدمته الجماعة والقوى المتحالفة معها. ثم إجراء الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز المشير عبدالفتاح السيسي والذي بدأ زمنه الفعلي في المحروسة أمس –الأحد - والذي يتطلع الناس إليه في المحروسة. لأن يحقق الكثير مما فقدوه خلال السنوات الثلاث المنصرمة بل والعقود الأربعة الماضية.وفي مقدمة المطالب من السيسي أن يجمع حوله المخلصين من المساعدين وأركان الحكم. وأن يتجنب أصحاب المصالح وفق نصيحة الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور له في خطابه الوداعي يوم الأربعاء الماضي. وأظن أن تلك هي المعضلة الكبرى التي أودت بمبارك إلى النهاية المأساوية وشخصيا لدي تخوف من أن تحاصر بعض جماعات المصالح والتي بدأت في الظهور خلال الحملة الانتخابية للرئيس الجديد. ويقيني أنه لن يقبل بذلك فهو كما أكد غير مرة ليست لديه فواتير يسددها لأحد. إلا الشعب المصري الذي منحه التأييد وسيشكل له عنصر الإسناد الوحيد والحقيقي له. بعيدا عن رجال كل مرحلة الذين يمتلكون القدرة على التلون والتحول والتسلق إلى الحاكم.وثمة أمر شديد الخطورة ينبغي أن يتحسب له المشير السيسي ويكمن بالأساس ضرورة الرفض المطلق لأي محاولة لتقديسه ووضعه في خانة نصف الآلة مثلما حدث من قبل مع مبارك الذي بدأ زمنه في مطلع ثمانينات القرن الفائت - وكنت شاهدا على ذلك بعد تكليفي من الإذاعة المصرية بالعمل كمندوب رئاسة لمدة ثلاث سنوات – بجدية وببساطة ورفض لكل مظاهر السلطة المخادعة. وإعلانه أن الكفن لن يكون له جيوب وإقدامه على خطوات جادة لمحاربة الفساد وإجراءات لإزاحة الاحتقان الذي نجم عن السياسات التي انتهجها سلفه السادات والتي أفضت إلى إدخال أكثر من 1500 من أفضل رجالات ونخب مصر السياسية في السجون والمعتقلات من كافة ألوان الطيف السياسي. لكنه بعد حوالي أقل من عقد ظهر التحول في شخصية مبارك. بعد أن أخضع نفسه لبعض ضعاف النفوس واستعانته برجال الأعمال وأصحاب المصالح بتأثير واضح من أفراد أسرته الذين انخرطوا في أعمال فساد وسطو على مقدرات البلاد. ثم جاءت الطامة الكبرى المتمثلة في مشروع توريث نجله جمال الحكم بإلحاح من والدته -سوزان- التي كانت تمارس نفوذا سياسيا واضحا عبر تحالفها مع زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية. ثم مع أحمد عز رجل الأعمال الذي فتحت له أبواب السلطة والتأثير على مصراعيها. عبر موقع مهم في الحزب الحاكم وبالمناسبة كان عز المهندس الحقيقي لانتخابات برلمان 2010والتى كان الهدف منها المجيء بمجلس شعب يضع التشريعات ويوفر الأجواء لتكريس جمال رئيسا للبلاد. وفي ضوء ذلك فإن دعوة السيسي ليكون رئيسا لمصر وليس حاكما مقدسا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هي الأكثر إلحاحا في هذه الساعات الأولى التي يباشر فيها مهامه. لقد بات واضحا أمامه أن الشعب المصري لن يقبل بالحاكم الفرعون. أو الحاكم الذي ينأى بنفسه عن الذين أتوا به إلى السلطة وهذه الخاصية بالذات هي التي ستدفعه إلى أن يتبنى التحرك الفعلي والحقيقي والجوهري للتجاوب مع أشواق المصريين التي اتسعت قاعدتها بعد ثلاث سنوات من ثورة يناير.إن شعب المحروسة في حاجة إلى حاكم ينحاز إلى أغلبيته. وإلى تكريس قيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمواطنة. والأهم العدالة الاجتماعية وقد أعلن السيسي في أول خطاب له بعد الإعلان الرسمي لفوزه رئيسا تأكيده على تطبيق هذه المحددات التي جاءت بها ثورتا يناير ويونيو. وبالتالي فإنه من الضرورة أن يسارع إلى بلورة الخطوات والبرامج والأسقف الزمنية لتحقيق بعض هذه المطالب. ولكنه لن يكون بمقدوره أن يفعل ذلك بمفرده فالشعب مطالب بدوره بأن يسرع في مغادرة منطقة التكاسل وخرق القوانين وأن يتحرك بقوة وفعالية نحو العمل فقد دقت ساعته

749

| 09 يونيو 2014

تحديات الرئيس الجديد للمحروسة

ليس بوسع المتابع أن يحكم على قدرة أي من المرشحين لانتخابات الرئاسة في مصر والتي ستجرى اليوم وغدا على التعامل بفعالية مع التحديات أو بالأحرى سلسلة الإشكاليات التي تواجه المحروسة والناتجة عن تراكمات أكثر من أربعة عقود بدت تجلياتها منذ تطبيق الرئيس الراحل أنور السادات لسياسة الانفتاح الاقتصادي بدون اعتماد على أسس ومرتكزات منسجمة مع قواعد الاقتصاد الحر وإنما استند إلى ما وصفه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين آنذاك بأنه انفتاح "السداح مداح" وهو تعبير يقصد به قمة الفوضى والعشوائية الأمر الذي أدخل البلاد في دوامة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية تفاقمت في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك على مدى السنوات الثلاثين التي حكم فيها مصر واتسعت قاعدة هذه المشكلات في زمن حكم جماعة الإخوان المسلمين والذي استمر لمدة عام واحد لكنه شهد صعودا واضحا باتجاه الهاوية ومن ثم فإن التعاطي مع هذه التحديات والإشكاليات سيبدأ فعلا بعد أن تطأ أقدام الرئيس المنتخب قصر الاتحادية بضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة، فحينها سيقرأ الواقع الحقيقي وقد يكون مغايرا بمسافة شاسعة عن فترة ما قبل تولي السلطة. ومن الواضح في ضوء قراءة المعطيات المحيطة بالحملات الانتخابية لكل من المرشحين الرئاسيين أن المشير عبد الفتاح السيسي سيحصل على المنصب الرفيع المقام في المحروسة بنسبة عالية من أصوات المقترعين - وهو ما أكدته أصوات المصريين بالخارج التي حصل عليها على نحو بدا أشبه بالاكتساح. ومن ثم سيكون هو الأقدر على التعامل بدرجة عالية من الحسم مع التحديات المطروحة في الواقع المصري وهي عديدة ومتنوعة وتطال مختلف القطاعات، من سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وغيرها، مما يشكل عبئا واضحا على أي قيادة جديدة وأظن أنه بدا جاهزا لهذه المهمة من خلال إعداده مخططات وتصورات وبرامج عمل محددة بعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع خبراء مصريين، سواء بالداخل أو بالخارج ولكن تبقى المعضلة كامنة في الآليات والقدرات والمهارات التي يمكن أن يتكئ عليها والتي تتمثل في المؤسسة البرلمانية القادمة ومدى تعاونها معه، فضلا عن نوعية الحكومة التي سيشكلها بناء على الأغلبية التي ستسفر عنها انتخابات مجلس النواب التي ستعقب الانتخابات الرئاسية، فضلا عن المناخ الإقليمي والدولي، خاصة أنه سيكون في حاجة إلى تمويل لمشروعاته التي سيطرحها عقب صعوده إلى السلطة والذي ستكون الاستثمارات العربية والأجنبية مصدرا مهما للحصول على التمويل المطلوب.وإن كنت شخصيا أدعو إلى البدء في تطبيق سياسات تعمل على تعظيم المكون الاستثماري الوطني والاعتماد على القدرات الذاتية وهي ضخمة وهائلة ولكنها في حاجة إلى التوظيف الأمثل وتطبيق قواعد الشفافية والنزاهة، بما يقضي على مؤسسة الفساد التي استشرت خلال العقود الأربعة الأخيرة على نحو شديد الخطورة كاد يطال مختلف قطاعات الدولة المصرية التي لم تنج منه خلال حكم الإخوان وكان يتم تحت عباءة إسلامية للأسف. والمؤكد أن مواجهة هذه التحديات لن تتم في غضون عام أو عامين أو حتى أربعة أعوام وهي الفترة الزمنية الأولى المحددة لبقاء الرئيس بقصر الاتحادية وفقا للدستور الجديد ولكنها ستحتاج إلى متسع من الوقت ومن ثم سيكون مطالبا - أي الرئيس القادم - بإجراء تغييرات في هيكل الجهاز الإداري للدولة على نحو يجرده من حالة الترهل والخمود التي يعيشها منذ سنوات مبارك وإجراء تعديلات جوهرية في الأجور والمداخيل تنحاز أساسا للطبقة المتوسطة والفقراء والمهمشين حتى يمكنهم تحمل عبء مشروع النهوض، فضلا عن الاعتماد على التخطيط والتوزيع العادل للمشروعات بين مختلف محافظات مصر وربما يتطلب الأمر تعديل الخارطة الجغرافية بما يضيف محافظات جديدة أو خلق أقاليم اقتصادية تتكامل فيما بينها والأهم من كل ذلك البدء فورا في خطط لإنقاذ التعليم في مصر بما يجعله منسجما مع روح العصر والتطورات المتسارعة في العالم ثم القيام ببدء تنفيذ خطة إنقاذ للقطاع الصحي الذي يكاد يكون أقرب للهاوية، خاصة المستشفيات الحكومية والجامعية والتي استسلمت للقطاع الخاص الذي يهيمن على هذا القطاع لحساب من يمتلكون القدرة على دفع الكلفة شديدة الارتفاع التي يطرحها دون رقيب أو متابعة.وبعيدا عن الاستغراق في التفاصيل فإنه من الضروري للرئيس القادم أن يبدأ بملفات تعيد الاطمئنان للشارع في مصر والذي يعيش مرحلة خلل أمني غير مسبوقة في تاريخ المحروسة الحديث ويمكن القول إن مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 افتقرت إلى حضور الأمن، مما جعل الأقوى هو الذي يفرض إرادته، حيث تمت في ظل غياب الدولة سيطرة عصابات أو ما يسمى بالبلطجية على شوارع وسط القاهرة والتي باتت من الضيق بمكان بعد أن تمدد فيها الباعة الجائلون وضاعت ملامح وقسمات واحدة من أجمل مناطق القاهرة وللأسف لم تقترب حكومات ما بعد الثورة من هذه المنطقة، ربما لأنها جميعا مشغولة بالشق الأمني، خاصة حكومة الدكتور حازم الببلاوي التي سقطت قبل حوالي ثلاثة أشهر. ومن ثم فإن استعادة الأمن تعد الأولوية الملحة للرئيس القادم، لأنه بذلك سيتمكن من الولوج إلى المعضلات الأخرى وفي مقدمتها المعضلات الاقتصادية والتي تبدو مستعصية، بيد أنها في حاجة إلى قيادة تحرك الجماهير وتدفعها للعمل وفق أنظمة وخطط جديدة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه من الأهمية بمكان إعادة إنتاج تجربة المرحلة الناصرية في خمسينيات وستينيات القرن الفائت والتي تمكنت من تحفيز الجماهير في ظل وجود مخططات لمشروعات حقيقية كان في مقدمتها مشروع السد العالي الذي شكل مشروعا قوميا حشد طاقات الناس في بلادي وسرعان ما امتد الأمر إلى قطاعات أخرى مهمة، كالتصنيع والزراعة وغيرها، فانطلقت المحروسة خاصة مع الخطة الخمسية الأولى ثم الثانية إلى آفاق أكثر رحابة اقتصاديا واجتماعيا ونتيجة لمكابدات الشعب خلال السنوات الثلاث المنصرمة فإن الرئيس القادم مطالب بأن يعطي مؤشرات إيجابية تصب باتجاه تلبية الاحتياجات اليومية وفق منظومة عادلة من الأسعار والتي شهدت في الآونة الأخيرة ارتفاعا غير مبرر طال معظم السلع الرئيسية وهناك تقارير تتحدث عن رفع سعر البنزين والسولار والكهرباء والغاز الطبيعي والأخير بدأ تطبيق الزيادة فيه اعتبارا من الشهر الحالي وقد تقدم الحكومة الحالية على هذه الارتفاعات قبل مجيء الرئيس القادم وبالتالي لن يوصف بأنه هو من رفع الأسعار وإذا تحقق ذلك فإنه سيكون مطالبا بقوة بإظهار انحيازه للأغلبية من الشعب من خلال السعي بإلحاح إلى تخفيض الأسعار أو جعلها تنسجم مع طبيعة الدخول المتواضعة التي تحصل عليها هذه الأغلبية.

769

| 26 مايو 2014

العودة إلى المربع الأول

لايبدو المشهد الفلسطيني قد تغير كثيرا عن حالته بعد وقوع النكبة المشئومة في عام 1948 والتي أسفرت عن قيام الكيان الصهيوني المسمى دولة إسرائيل ووقوع الشعب الفلسطيني في دائرة الإقصاء والتهميش واغتصاب حقوقه التاريخية والتي تحولت إلى مزايا للكيان الذي سعى بكل قوة على مدى 66 عاما إلى تغييب وطمس الهوية الحضارية العربية الإسلامية لهذا الشعب عبر ممارسات ما زالت مستمرة حتى اللحظة مركزة بصورة أساسية على القدس ومسجدها الأقصى بحسبانها العلامة الأبرز على هذه الهوية.لقد صنعت النكبة للشعب الفلسطيني حالة غير مسبوقة من الظلم التاريخي وللأسف ما زال الغرب بحلفائه ونفوذه، متواطئاً مع الكيان الصهيوني، بل وراعيا لمشروعه التوسعي الاستيطاني الاستعماري ولعدوانيته بما ارتكبه، ولا يزال، من تطهير عرقي مخطَّط وجرائم حرب موصوفة داخل حدود فلسطين وخارجها، ولنظامه السياسي العنصري المؤسس على خرافة "وعد إلهي"، استعمِل غطاء لتنفيذ "وعد بلفور"، كجزء من مشروع استعماري مكتمل الأركان في فلسطين والوطن العربي، ولشذوذه كـ"دولة" أنشأت شعباً بعد اختراعه، وأنشأها جيش، وما زالت ترفض تحديد حدودها، وتصر على البقاء "قلعة" تأسست على أسطورة تميز العرق وقوة "الجيش الذي لا يقهر. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما يتمادى قادة هذا الكيان – دون خجل – في مطالبة الفلسطينيين بالذات بالاعتراف به "دولة قومية للشعب اليهودي" المخترع، وذلك هدف ثابت لأجنحة الحركة الصهيونية كافة وهو ما تجلى في دعوة حكومة بنيامين نيتانياهو الشديدة التطرف لبرلمانه المسمى الكنيست وفي تحدٍ سافر للعالم لإقرار مشروع قانون أساسي "يعيد الاعتبار للقيم الصهيونية"، ويحصن"إسرائيل" كـ"دولة لشعب واحد هو الشعب اليهودي" المطلوب صيانة "صلته التاريخية بأرضه"، وحماية "حقه في الهجرة إليها" وهو ما يكشف بوضوح سافر الأهداف السياسية والتي تتركز أساسا في ممارسة نوع من التطهير العرقي لسكان الكيان من فلسطينيي 48 19البالغة نسبتهم 21% من سكانها، حسب أحدث إحصاء رسمي إسرائيلي.ولاشك أن الشهور العشرة الأخيرة جسدت حقيقة لم يعد بالإمكان القفز عليها وتتمثل في أن حكومة نيتانياهو التي تهيمن عليها نخب أفرزتها حركة الاستيطان نجحت في أن تعيد الصراع إلى مربعه الأول قبل 66 عاما فهي لم تعد معنية بالبحث عن "حل تاريخي"، ولا حتى عن "حل وسط"، من شأنه تجميد الصراع، وتغيير أشكاله، لوقت يطول أو يقصر، بل إن كل ما تسعى إليه هو استمرار التفاوض العبثي كغطاء لابتلاع الأرض الفلسطينية، وتفريغها من شعبها، بل وتصعيد التنكيل به، واستباحته، أيضاً. فبعد الاعتراف الرسمي الفلسطيني بـ"إسرائيل" ارتباطاً بتعاقد "أوسلو"، وبعد اعتبار (عودة اللاجئين مسألة سيادية "إسرائيلية") في "وثيقة جنيف" التي خفضت سقف موافقة مبادرة "السلام العربية" الملتبسة على صيغة إيجاد: "حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفقاً للقرار الدولي 194"، ما انفكت الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطاً متنوعة للاعتراف بـ"إسرائيل" "دولة يهودية" الذي يفتح باب التطهير العرقي لمليون ونصف المليون فلسطيني داخل أراضي 48، والشطب النهائي لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية، واستقطاع أجزاء من مساحة الضفة، وإبقاء القدس "عاصمة "إسرائيل" الأبدية".وفي الوقت نفسه فإن المشروع الاستيطاني للكيان الصهيوني آخذ في التمدد والانتشار على نحو يكاد لا يترك فسحة أمام إمكانية قيام الدولة الفلسطينية وهو جعل العالم عاجزاً عن إجبار قادة الكيان الصهيوني على قبول تسوية سياسية، ولو متوازنة، للقضية الفلسطينية، أكثر قضايا العالم عدالة، بل، والحائزة على أكبر عدد من مشاريع التسوية المقترحة، بدءاً برؤية "إيرل بيرل" رئيس اللجنة الملكية البريطانية عام 1937، القاضية بتقسيم فلسطين إلى قسمين: تقام في الأول "دولة يهودية"، ويُضم الثاني لإمارة شرق الأردن، وصولاً إلى رؤية الرئيس الأمريكي أوباما عام 2011 القاضية بإقامة دولة فلسطينية عزلاء مقطعة الأوصال منزوعة السلاح والاستقلال والسيادة على 22% من أرض فلسطين، مقابل اعتراف العرب ومنهم الفلسطينيون بـ"دولة يهودية" على الباقي منها، بينما هبط سقف هذه الرؤية على يد وزير الخارجية الأمريكي، كيري، عام 2013، حيث أيد، (فيما أيد من مطالب حكومة نتنياهو التعجيزية)، مطلب بقاء الجيش "الإسرائيلي" في منطقة الأغوار الفلسطينية، (30%من مساحة الضفة).وفي هذا السياق فإن ثمة من يطرح ردا على هذا التمادي الصهيوني ضرورة مغادرة المسار التفاوضي برعاية الولايات المتحدة والذي رعاه وزير خارجيتها جون كيري على مدى الأشهر التسعة السابقة – وكان في جولاته إلى المنطقة ينسق مع حكومة الكيان قبل كل لقاء مع المفاوض الفلسطيني، حاله في ذلك حال كيسنجر الذي أشار في مذكراته إلى أنه كان ينسق مع مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق قبل كل لقاء له مع السادات في سبعينيات القرن الفائت.وهو ما يستدعي، بعد أكثر من عقدين من المفاوضات العبثية تحت الرعاية الأمريكية ضرورة نقل ملف الصراع إلى هيئة الأمم المتحدة والمطالبة بعقد مؤتمر دولي، يلزم قادة الكيان بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والكف عن التفاوض عليها. فمن شأن ذلك أن يساهم في تعديل ميزان القوى لمصلحة القضية الفلسطينية، ولمصلحة إعادتها إلى صدارة اهتمام العالم، خاصة مع التغيرات الدولية الجارية التي تؤسس - بوضوح لا لبس فيه - لولادة عالم متعدد الأقطاب، ينهي حقبة عربدة الولايات المتحدة كزعيم عالمي أوحد، يأمر فيطاع، ويتحكم بالسياسة الدولية ومؤسساتها وقراراتها وقضاياها، وأولاها القضية الفلسطينية، انسجاماً مع التحالف الاستراتيجي الأمريكي- الإسرائيلي.ويتسق هذا الطرح بدرجة مع الرؤية التي يتبناها الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية والتي تقوم على ضرورة تجاوز مرحلة إدارة النزاع التي كانت سائدة خلال العقدين الماضيين إلى مرحلة إنهائه مما يعني بالضرورة الابتعاد عن الآليات السابقة وفي مقدمتها صيغة اللجنة الرباعية الدولية التي تضم كلا من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة والتي فشلت في تحقيق أي تحول نوعي في مسار الصراع ورغم تأييده لصيغة المفاوضات الثنائية في بدايتها وحتى نهايتها في التاسع والعشرين من أبريل المنصرم فإن العربي منحاز لفكرة عقد مؤتمر دولي للتعاطي مع الصراع العربي الإسرائيلي وهو ما أكده في حوار سابق مع كاتب هذه السطور. ولاشك أن مرور 66 عاما على نكبة فلسطين - يوم الخمس الفائت - يحمل في طياته مزيدا من الجروح والآلام. بعد أن صعد الكيان الصهيوني من هجماته على البشر والشجر فهي تأتي والأسرى الفلسطينيون يمارسون منهجية المعدة الخاوية في سجون الاحتلال الذي يرفض منحهم أبسط الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية التي تضمن لكل شعب يخضع للاحتلال حق المقاومة وحق المعاملة الإنسانية في حالة الوقوع في الأسر ومن ثم فإن التصعيد الصهيوني المتزايد في هذه الأيام على الأرض والإنسان والمقدسات الإسلامية والمسيحية ومحاولات التهويد المتكررة لكل ما هو موجود فوق الأرض الفلسطينية ظنا منه أنه قادر على تغيير حقائق التاريخ التي مازالت شاخصة في كل ربوع فلسطين من إنسان وشواهد على هذا التجذر الذي مثله البقاء والتشبث من قبل الإنسان الفلسطيني الذي مازال شاهدا على كذب ادعاء الصهاينة في مقولتهم ونظريتهم (أرض بلا شعب. لشعب بلا أرض).

463

| 19 مايو 2014

اليمن.. لا يليق به هذا الجنون

يؤلمني أن تجتاح اليمن حالات من العنف وسفك الدماء على نحو ينبئ بغياب العقلانية في هذا البلد المعروف بحكمته على مدى التاريخ، فهل ثمة من يهمه استمرار الهلع وغياب السكينة وانتشار آلة القتل اليومي موجهة من أطراف بالداخل وبالخارج؟إن اليمن لا يليق به هذا الجنون، فهو وطن حضارة وشعبه يعكس الأصالة بكل تجلياتها، وبالتالي ما يتعرض له يخصم من رصيده الحضاري ويدفعه دفعا إلى الانخراط فيما يسمى بدائرة الدول الفاشلة والتي يبدو أن أعداد الأقطار العربية المرشحة لها آخذة في التزايد، سواء بقصد من نخبها السياسية أو دون قصد ما يجري في بلاد الحكمة يؤشر جملة من الظواهر الخطيرة. أولا: تفاقم حالة عدم التوافق بين مكونات الواقع اليمني رغم انتهاء الحوار الوطني وبلورته لقرارات حظيت بقدر من الرضا العام وذلك يعني أن ثمة من لا يعنيه دخول اليمن إلى خانة الاستقرار ليبدأ جهاده الحقيقي في عملية إعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة القائمة على الأساس الفيدرالي عبر ستة أقاليم تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي وفقا لخصوصية كل إقليم وبالتالي يدفع إلى إبقاء جذوة الخلافات والتباينات والتناقضات متقدة، لأن في ذلك تحقيقا لمصالحه والتي يأتي في مقدمتها تمهيد السبيل للسيطرة على مقدرات البلاد، ليس بوسعي أن أحدد يقينيا طبيعة هذه الدوائر التي لا ترغب في يمن قوي حديث صاعد ناهض، لكنها بكل تأكيد تنتمي إلى أعداء هذا الوطن، وهم كثر، وفي صدارتهم هذا التنظيم الهلامي المسمى بالقاعدة والذي يوظف بعضا من المظاهر السلبية كغياب التنمية والبطالة وحالة الفراغ السياسي في تجنيد الشباب وبعض أبناء القبائل تحت مزاعم دينية وسياسية مغلوطة ليحقق من ورائها رغبته في إشعال المنطقة بما يفتح الباب أمامه لإقامة ما يطلق عليه عبثا الحكم الإسلامي عبر مساحات الدم الواسعة التي ينشئها والتدمير الذي يطال البنى التحتية للبلاد والعباد.وفي هذا السياق فإن عناصر التنظيم تستهدف قوى الجيش واليمن ولا تتورع عن القيام بسلسلة من الاغتيالات لرموز سياسية وعسكرية وأمنية واستخباراتية، كان آخرها محاولة اغتيال اللواء الركن محمد ناصر أحمد وزير الدفاع الذي نجا من موت محقق في العاصمة صنعاء يوم الخميس الفائت وذلك نتيجة لقيادته شخصيا العمليات العسكرية ضد أوكار التنظيم في عدد من محافظات ومناطق الجنوب التي تحتضن عناصر التنظيم.ثانيا: ليس لدي شك في أن ثمة دوائر داخل السلطة اليمنية أو بالأحرى داخل التحالف الحاكم تعمل على تقويض التجربة من الداخل وتقدم المعلومات للمناوئين للنظام الجديد الذي نهض على أنقاض نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهو ما يجعل عملياتهم تنجح في الكثير من الأحيان عبر إصابة أهدافها.وفي هذا الصدد تقلقني أنباء غير مؤكدة عن تنسيق بين أنصاره وجماعة الحوثيين التي باتت تمارس دورا سلبيا لتقويض مقومات الدولة اليمنية سعيا لتحقيق مآربها في الانفصال بإقليمها – صعدة - على أسس مذهبية. ولو صح ذلك – أي تحالفها مع أنصار صالح - وتيقنت السلطة الجديدة منه فقد يشكل ذلك مبررا قويا لفض صيغة حكومة الوحدة الوطنية التي تحكم منذ نجاح المبادرة الخليجية في توفير مخرج آمن لليمن بكل قواه السياسية، بما في ذلك الرئيس السابق وحزبه وجماعته وقل دائرته الأمنية التي اتسمت بالتغلغل في مختلف مفاصل الدولة.ثالثا: صحيح أن محاربة الإرهاب باتت فريضة واجبة داخل اليمن، خاصة أنها تصدرت نتائج وقرارات معطيات مؤتمر الحوار الوطني وهو ما وفر للدولة اليمنية قدرة أفضل على إدارة عمليات ناجحة في الآونة الأخيرة على هذا الصعيد، متجليا ذلك في استعادة السيطرة على معاقل قوية لتنظيم القاعدة والقضاء على بعض رموزه القيادية، غير أن ذلك يستوجب حشدا وطنيا أشد متانة وأكثر فعالية على نحو يؤسس لمشروع متكامل لمحاربة التنظيم وحلفائه القبليين الذين يتسترون خلف شعاراته لتحقيق مآرب ذات طبيعة قبلية بالأساس تتعارض مع توجهات الدولة التي ترمي إلى تجاوز البعد القبلي الذي شكل على مدى العقود الستين المنصرمة رقما مهما فيمعادلة أزمات اليمن ولاشك أن المسيرات التي شهدتها صنعاء مؤخرا وغيرها من المدن تمثل بداية مهمة في هذا السبيل، بيد أن المطلوب أن تظهر مختلف القوى الوطنية الحديثة حرصها على محاربة الإرهاب وجماعاته المختلفة حتى ولو أخذت مسحة دينية أو قبلية أو مناطقية، ذلك أن تنظيم القاعدة يمتلك بعض المقومات التي تؤهله للاستمرار في محاربة الدولة بفعل قدرته على ممارسة لعبة التخفي في الحاضنة الاجتماعية – القبيلة – واستغلال وعورة المناطق التي تشكل معقلا له، فضلا عن وجود مؤشرات لتلقيه دعما لوجستيا متعدد المستويات من قوى وأطراف محلية وأجنبية وهو ما يجعل من مهمة استئصاله بالكامل - وفي فترة وجيزة – من الصعوبة بمكان وهو ما يستوجب من مؤسسات الدولة اللجوء إلى تفعيل آلية القانون، إلى جانب العمل العسكري، ليس فقط في مناطق وجود عناصر القاعدة، بل أيضاً في مختلف مناطق البلاد، أي أن عليها أن تسد كل المنافذ التي تختبر قوة الدولة وإرادتها باستمرار، وهي مهمة شاقة في ظل هشاشة الوضع السياسي وشحة الإمكانات والموارد ولكنها ستكون يسيرة إن سعت الحكومة إلى تنفيذ مشروعات تنمية حقيقية وجوهرية في مناطق التماس مع القاعدة وغيرها من القوى المناوئة يكون بمقدورها اجتذاب طاقات الشباب بدلا من أن يلجأ إلى التنظيم الذي يوفر له كل متطلبات الحياة.رابعا: لن يكون بمقدور الدولة اليمنية عبر مؤسستها العسكرية والأمنية بمفردها مواجهة هذا الإرهاب، فهي في حاجة إلى استمرار التدفق المساعداتي سواء الإقليمي أو الدولي. صحيح هو متاح بقدر، لكنه ليس على النحو المطلوب ورغم انعقاد عدة مؤتمرات كان آخرها مؤتمر أصدقاء اليمن في لندن في التاسع والعشرين من أبريل الماضي إلا أن الدعم المالي ما زال محدودا وما يتم الإعلان عنه عبر وسائل الإعلام لا يصل منه إلى صنعاء إلا النذر اليسير وهي سمة مؤتمرات المانحين الدوليين لمناطق الأزمات ومن ثم فإن دول مجلس التعاون الخليجي مطالبة بتكثيف تدفق إسنادها المالي والاقتصادي إلى جانب السياسي المتمثل في نجاح مبادرتها التي أسست الطريق لحل الأزمة التي اندلعت في 2011 كما أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مطالبان ليس فقط بتوفير المتطلبات العسكرية واللوجستية للجيش ولقوات الأمن وإنما الدفع بكل ثقلهما لبرنامج استثماري يسهم في نقل اليمن إلى خانة الدولة الحديثة.

513

| 12 مايو 2014

تحديات ما بعد المصالحة

حسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) أمره وانحاز لخيار المصالحة الوطنية دون أن يعبأ بالضغوط الصهيوأمريكية والتي وصلت إلى حد اتخاذ إجراءات عقابية ضد السلطة في رام الله وهو أمر يحسب له في ظل المعطيات الراهنة التي لم تعد فيها القضية الفلسطينية تتصدر المشهد العربي اهتماما وبحثا واجتماعات وهو الأمر الذي باتت تحظى به أزمات إقليمية في مقدمتها الأزمة السورية وانشغال أغلب الدول المحورية وفي مقدمتها مصر بمفردات واقعها وبالذات على صعيد ترتيب البيت الداخلي وفق محددات خارطة المستقبل والتي دخلت حيز التنفيذ بالفعل.لقد حاولت الضغوط الصهيوأمريكية وضع أبو مازن بعد التوقيع بين فتح وحماس على تفعيل اتفاقيات المصالحة الموقعة من قبل في القاهرة والدوحة ومكة المكرمة بين شقي الرحى فإما أن يقبل بالمصالحة أو البقاء في خانة ما يسمى بالمفاوضات مع الكيان الذي أعلنت حكومته برئاسة نتنياهو وقفها رغم أنها عمليا لم تنجز – رغم مضي التسعة أشهر المحددة لها والتي تنتهي غدا الثلاثاء -أي اختراق جوهري ينبئ عن تحقيقها تقدما ولو محدود باتجاه بلورة حل نهائي للقضية الفلسطينية والصراع مع الكيان وفق محددات الشرعية الدولية والمرجعيات المتفق عليها. لكن الرجل وأقصد به أبو مازن – لم يخذل شعبه فاختار المصالحة فهي وحدها القادرة على تحقيق السلام لأنه من دونها واستمرار حالة الانقسام والاحتقان السياسي والأمني والجغرافي منذ أكثر من سبع سنوات أضر بالقضية الفلسطينية ولم يوفر لها حزام أمان وطنيا وهو ما كان الكيان الصهيوني يعمل دوما على توسيعها ويمارس الضغوط تلو الضغوط لبقائها مفعلة على الأرض بأساليب عدة وللأسف كان الجانبان – فتح وحماس – يتجاوبان سواء بقصد أو بدون قصد لاستفزازاته فتنشأ الحروب الإعلامية عقب أي اتفاق للمصالحة وسرعان ما يدخل النفق المظلم.ورغم تأكيد الرئيس عباس بعد توقيع اتفاق غزة على عدم وجود تناقض بتاتا بين المصالحة والمفاوضات مع إسرائيل، كون المفاوضات هي من صلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية وليس من صلاحية حكومة السلطة وعلى هذا الأساس وافقت حماس المعارضة للمفاوضات في السابق وتوافق الآن على المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة أبو مازن، يكرر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وأركان حكومته تخيير عباس بين "صنع السلام مع إسرائيل وبين المصالحة مع حماس بحجة أنه لا يمكن تحقيق الأمرين، بل أحدهما فقط".وتنبئ تصريحات نتنياهو عن أنه قد وجد في اتفاق غزة ذريعة لعدم الاستمرار في المفاوضات تغطي على مسؤوليته عن فشل جولة المفاوضات التي استؤنفت في يوليو الماضي ومن المقرر انتهاؤها يوم غد – التاسع والعشرين من أبريل.ولكن وفقا لما يقوله "نقولا ناصر" الكاتب السياسي الفلسطيني فإن التطبيق على الأرض يظل هو الاختبار الأكبر لنجاح غزة وهو ما يستوجب من أبو مازن أن يثبت خلال الأسابيع القليلة المقبلة قدرته على مقاومة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية التي تستهدف إجهاض هذا الاتفاق والتي أجهضت اتفاقات المصالحة السابقة ’ فضلا عن إثبات قدرته كذلك على تجنب السقوط في فخ أي مناورات أمريكية جديدة لاستئناف المفاوضات مع الكيان بمرجعياتها وشروطها السابقة على غرار الفخ الذي وقع فيه في مؤتمر أنابوليس عام 2007 ثم الفخ الذي نصبه له وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ليستأنف المفاوضات قبل تسعة أشهر.فتجربة ما يزيد على عشرين عاما من استجابة منظمة التحرير للإملاءات الإسرائيلية – الأمريكية فيما سمي "عملية السلام" أثبتت أنها كانت استجابة مجانية لم تكافأ المنظمة عليها لا أمريكيا ولا إسرائيليا. ومن ثم فإن توقيع اتفاق غزة والذي يشكل الإطار التنفيذي لاتفاق القاهرة في مايو الماضي عام 2011 وإعلان الدوحة العام التالي الموقعين للمصالحة بين المنظمة وحماس يضع في حال الالتزام بتطبيقه نهاية حاسمة لأي حديث فلسطيني عن احتمال حل السلطة الفلسطينية ويحول حلها إلى هدف إسرائيلي تهدد دولة الاحتلال به لإجهاض المصالحة في مهدها.ولاشك - الكلام مازال لنقولا ناصر – أن الاتفاق على تأليف حكومة موحدة للسلطة الفلسطينية وإجراء انتخابات لمجلسها التشريعي ورئاستها هو بالتأكيد اتفاق على تعزيز هذه الحكومة على نحو يستبعد أي حل لها من الجانب الفلسطيني وفقا لما جرى التلويح به مؤخرا كواحد من الردود على فشل المفاوضات الثنائية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي برعاية أمريكية، ليظل حلها مشروعا تهدد دولة الاحتلال بوضعه موضع التنفيذ في حال قررت أن هذه السلطة لم تعد تخدم أغراضها وأهدافها.ويتضح من ردود فعل دولة الاحتلال وراعيها الأمريكي على توقيع اتفاق غزة لإنهاء الانقسام والتمهيد لتأليف حكومة موحدة وإقامة نظام سياسي واحد وإنشاء قيادة واحدة ووضع برنامج وطني متفق عليه أن دولة الاحتلال تجد في هذا الاتفاق ذريعة لحل السلطة أو في الأقل لشلها بالعقوبات والحصار.والمؤكد أن أبو مازن ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة في حاجة إلى إسناد عربي حقيقي وفعال حتى يكون بمقدوره مواجهة التحديات التي يفرضها التحالف الصهيوأمريكي والذي لن يتورع عن استخدام أي وسيلة بما في ذلك رفع سقف عدوانه وإجراءاته الأمنية العنيفة في الضفة وقد يصل الأمر إلى اجتياح جديد لها على غرار ما فعله السفاح أريل شارون ردا على المبادرة العربية للسلام في العام2002 ثم محاصرته لمقر رئاسته المسمى بالمقاطعة ثم التخلص منه عبر تسميمه فضلا عن تشديد إجراءات الحصار على قطاع غزة وأظن أن الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الذي سيعقد اليوم سيضع ترجمة خطوات الدعم على رأس جدول أعماله حتى لا يشعر الفلسطينيون أنهم يخوضون معركتهم بمفردهم وفي تقديري أن الأمر لا يتطلب سوى تفعيل قرارات سابقة اتخذتها قمة الكويت التي عقدت نهاية مارس الماضي ثم الاجتماع الطارئ الوزراء الخارجية العرب في التاسع من أبريل الحالي وفي مقدمتها الالتزام بالمساهمة في شبكة الأمان العربية للسلطة والمقدرة بمائة مليون دولار شهريا ولو تحقق ذلك إلى جانب الإسناد السياسي والإعلامي في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية فإنه سيكون بمقدور أبو مازن أن يقود معركة المصالحة حتى نهايتها.

346

| 27 أبريل 2014

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

5280

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

3732

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

2424

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
الذاكرة الرقمية القطرية.. بين الأرشفة والذكاء الاصطناعي

في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...

1056

| 07 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

963

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

891

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

885

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

756

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
بين دفء الاجتماع ووحشة الوحدة

الإنسان لم يُخلق ليعيش وحيداً. فمنذ فجر التاريخ،...

702

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

657

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
هل قوانين العمل الخاصة بالقطريين في القطاعين العام والخاص متوافقة؟

التوطين بحاجة لمراجعة القوانين في القطــــاع الخـــــاص.. هل...

639

| 05 أكتوبر 2025

أخبار محلية